الاثنين، 11 أغسطس 2014
الأحد، 10 أغسطس 2014
السبت، 9 أغسطس 2014
عبد الأمير علوان : رهافة
عادل كامل
كما ان الصراع لا يمكن حسمه في كل ثنائية قائمة على التضاد ، فان الأسلوب الواقعي سيبقى يلفت أنظار المتابعين أزاء أساليب الحداثة وما بعدها .. هذه الواقعية بمعناها المعروف الذي يمتد الى خمسة قرون من التجارب في مختلف بقاع العالم .. هكذا وجد الفنان عبد الأمير علوان نفسه يمضي بعيداً بالتمسك والمواصلة في تطوير واقعيته العراقية او ذات السمات العراقية . وإذا كانت تجارب عبد الأمير علوان قد جاءت في نهاية القرن العشرين ، فإنها تذكرنا ، وبقوة ، بتجارب عبد القادر الرسام التي جاءت في مطلع هذا القرن . ومائة عام من الرسم تضعنا في مشهد غريب .. فهل مكث الرسم يدور حول نفسه .. أم ان هناك أسباباً تخص بداية القرن بالواقعية ونهايته بالواقعية أيضاً ؟
لست راغباً بالدفاع عن الواقعية .. أو الحداثة .. بكل تنويعاتها ومغامراتها بقدر اعترافي وبحثي عن الأسلوب الذي يحمل هوية أو ( حضارة ) الفنان.. فنحن أمام أسلوب .. ورؤية .. وفلسفة .. ولكن قبل كل شيء أجد ان الأسلوب هو الذي يعنينا وفي أي اتجاه أو مدرسة كان .. لأنه يمثل صدق الفنان وخبرته وعمقه .. ولكن السؤال الشائك والمربك الذي قد تكون الحداثة الأوربية وراءه يضعنا في مأزق .. ففي عصر انهيار إمبراطوريات كبرى .. ومجاعات .. وحروب .. وتهديدات سيكولوجية يومية مذلة للإنسان .. هل باستطاعة الرسم الواقعي ، ان يذهب الى تلك المناطق المصدعة بالاغتراب ..؟ وبمثل هذا المعنى هل ينبغي للفنان ان يهجر ( الاغتراب ) ويعزل نفسه عن العالم .. ويكتفي بذاته .. كمتصوف لا يرغب بتحريك حجر ؟ أعني هل باستطاعة ( المبدع ) ان يخترع غابته بعيداً عن حرائق العالم ..؟ ان الإجابات الأولى – والمبسطة – تقول نعم .. بيد إننا نرى ذلك من المستحيلات .. فالفنان هو ابن العصر ونبضه .. وهو على اتصال بالعالم .. وبالشقاء البشري .. في التعبير على أقل تقدير ..! ولن أزيد من الأسئلة فالفنان عبد الأمير علوان لا يهرب من العالم .. بل يحاول أولاً – ان يعطينا الجانب الآخر من المشهد المؤلم للسكان .. انه هنا يرجعنا الى الطبيعة .. الى الهواء الصافي .. والى تلك الشفافية لتي نكاد لا نراها حتى في الأحلام .. فهو يعود الى ( الام ) الرمز والام الواقعية والام بالمعنى الدقيق للموقف الإنساني . فعبد الأمير علوان يختار الطبيعة وكأنه يريد إلغاء كل قسوة أخرى .. ففي الطبيعة نعثر على ذلك الهدوء والرقة والمشاهد الجمالية التي لم يؤكد عليها الرسام العراقي إلا قليلاً ، منذ عبد القادر الرسام . ولكن عبد الأمير علوان – ثانياً – يمنح المشهد الشيء الكثير من ذاته – كما كان يفعل محمد عارف مثلاً – حتى ان لوحاته ندرك انها متوازنة بين البعد الموضوعي – الطبيعة – والبعد الذاتي – الفنان – لكي يتوحدان بالتعبير عن شيء أسمه الشعر او الموسيقى . ان هذه الواقعية تأخذ مدى أبعد من النقل الفوتوغرافي .. انها تصور الانتقالات من الفنان الى الخارج .. ومن الطبيعة الى الداخل .. فهو يمنح الواقعية منهجاً تعبيرياً .. يضاف له عناية خاصة بالتقنية الجمالية .. أي بالتحرر من الرتابة .. وهكذا سنرى مصغراته..
ففيها براعة وتحد ، تحد للرسامين او لذاته بالدرجة التي تجعله يرسم ما لا يمكن ان تراه العين المجردة : انها مهارة لاعب متمكن من صنعته ، وهو – ثالثاً – يختار موضوعات أكثر صلة بالنفس وأبعادها الداخلية : تلك الأحلام الكابوسية لنمط خاص من المشردين والمشردات .. حيث تكاد الألوان تنعدم او تصير لوناً رمادياً واحداً موحشاً موحشاً . فالجمال او البهجة او النعيم كلها قد اختفت .. وصار الموضوع يلح على الفنان ، موضوع النشر والحزن .. فماذا بعد هذه الحياة .. كلها .. سوى القنوط والفراغ والبؤس . هذه الموضوعات ستتخذ منهجاً تعبيرياً خالصاً ، يناسب أفكار الفنان . وسينجز معظم أعماله بضرب من الألم الداخلي يبلغ درجة الرمز . ومع ذلك – رابعاً – تبقى الطبيعة ذات صلة بالمرأة .. وهو أمر رمزي تماماً .. فالمرأة عنده هي رمز العطاء والخصب والتأمل .. إنها بدء الأسطورة ونهايتها أيضاً . الأسطورة في بدء الجمال الأخاذ والمدهش .. والانتهاء بجدران او سرير وثمة أشلاء محطمة لنسوة مرت عليهن الأيام والفصول .. هذا المشهد يتكرر في تجاربه .. حتى يخيل لي انه لن يتخلى عنه إلا بعد ان يعود الربيع الى ( روح ) عبد الأمير علوان : الربيع في دورته الأبدية .. وكأن الفنان يرسم بقانون يحرك أعماقه ويده وبصره قبل كل شيء .. دورة بدأها برسم الفصول الأربعة .. ورسم القرى .. والغابات .. والمدن .. والأسواق القديمة .. والمشاهد الاجتماعية .. ثم انتهى برسم حالة الدوار .. الخريف الذي يغلق على الغابة الممرات . وقد عاش الفنان حالات مختلفة عبر عنها بحنين عميق الى الأرض والإنسان .. وحتى تكاد لوحاته تنطق بجماليات المشهد المرسوم .. ثم بجماليات الحزن وصمت الخطاب عند اكتمال الدورة .. ان هذا الإخلاص للرسم يمنح واقعيته صدقها وأهميتها وجاذبيتها ، بعيداً عن كل حداثة لا تمنحنا التوهج العذب .. والمؤلم ، معاً . انها واقعية تنتمي الى ( حضارة ) عبد الأمير علوان .. وأقول حضارة انطلاقاً من احترامي العميق لكل مبدعينا وهم يقفون بعناد عظيم أمام ليل الحصار والحرب العدوانية التي حاولت دفننا تحت غبار الزمن .. وأقول حضارة لأننا لن نكسب احترام أنفسنا لأنفسنا – أولاً – وسوانا إلا من خلال هذا الخطاب وهذا الحوار الذي نجسد فيه ، إرادة العدل والخير والجمال .. وقد عمل ، بعمق وإخلاص وهدوء ، الفنان عبد الأمير علوان ، على تعميقه ، وجعله منهجاً واقعياً معاصراً ، انطلاقاً من الذات نحو العالم .. ومن العالم الى المشهد الشعري الذي يجعل من الإنسان سيمفونية جديرة بالإصغاء .. والإصغاء بنبل جليل .
عادل كامل [ الرسم المعاصر في العراق] وزارة الثقافة ـ دمشق 2008/ الفصل الثامن ص 250 ـ 253
رحيل التشكيلي عبد الأمير علوان.. وأسرته تناشد الحكومة لنقل جثمانه إلى العراق
عبد الجبار العتابي
أعلن في مدينة تكساس التابعة لولاية تكساس الأميركية عن موت الفنان التشكيلي العراقي عبد الامير علوان سريريا ، فيما نشادت أسرته في نداء عاجل رئاسة جمهورية العراق ورئاسة الوزراء ورئاسة مجلس النواب ونقابة التشيكليين واتحاد الأدباء في العراق لتسهيل مهة نقل جثمانه
يرقد الفنان التشكيلي المعروف عبد الأمير علوان في مشفى أمريكي بمدينة دالاس منذ ثلاثة ايام ، وقد اعلن الأطباء المشرفين على وضعه الصحي عن موته سريرياً نتيجة نزف في الدماغ وتخثر الدم ، سبقها اجراء عملية جراحية له لم تتكلل بالنجاح نتيجة مرور مدة طويلة على النزيف وتخثر الدم ، وهو الآن يتنفس عن طريق جهاز خاص لأنعاش القلب ، ولم يتبق سوى اقل من ثلاثة ايام على المهلة التي منحت من الأطباء لذويه برفع الجهاز عنه، واعلان موته .
وناشدت اسرته واصدقاؤه من ادباء وفنانين ومثقفين الحكومة العراقية والجهات المسؤولة بنقل رفاته الى مدينة كربلاء حيث مكان ولادته واهله واقربائه واصدقائه ، وان تكون الأجراءات حثيثة وجادة مع السفارة العراقية في امريكا ، لنقل جثمان الفنان الذي يعتبر من ابرز التشكليين العراقيين حيث حصل قبل شهر على جائزة اكيودي العالمية للسلام ، كما نطالب الحكومة بوضع اليد على لوحاته التي تعتبر ثروة وطنية قبل ان تضيع او يساء التصرف بها من قبل البعض لأرباح مادية رخيصة ، املنا كبير بالأستجابة السريعة لهذا النداء وان تكون الحكومة بمستوى المسؤولية الوطنية للحرص على مبدعيها العراقيين وانا لله وانا اليه راجعون .
ورجى اصدقاؤه من يهه الامر الأتصال بحسين علوان شقيق الفنان الذي يرابط بجوار سريره في المستشفى الآن على الرقم 0016825577359 begin_of_the_skype_highlighting 0016825577359 مجاني end_of_the_skype_highlighting. لتسهيل مهمة نقل جثمانه الى العراق .
والفنان عبد الأمير علوان، مواليد كربلاء 1955، عضو نقابة الفنانين العراقيين. عضو جمعية التشكيليين العراقيين، أقام العديد من المعارض شخصية ابتداء من عام 1967، وشارك في العديد من المعارض المشتركة في بغداد وبرلين وعمان وباريس وبيروت، ويعد من أكثر الفنانين العراقيين إنتاجا، ينحو الفنان في فنه منحاً واقعياً و تعبيرياً، ويتعامل مع كل الخامات والألوان و المواضيع، فنان متفرغ ، وله مقتنيات في كثير من دول العالم ، وله أيضا اهتمامات موسيقية و أدبية، غادر إلى أميركا طلبا للجوء الإنساني عام 2003 .
في سيرته الفنية نقرأ : انه عضو نقابة التشكيليين العراقيين عام 1974،عضو نقابة الفنانين عام 1978، عمل رساما في جريدة بغداد اوبزيرفر، اقام ثلاثة عشر معرضا شخصياُ هي :
1976 دائرة الإعلام كربلاء.
1977 نقابة الفنانين كربلاء.
1989 قاعة - كولبنكيان - بغداد.
1989 قاعة وزارة الثقافة بغداد.
1991 قاعة الاورفلي بغداد.
1994 قاعة نادي العلوية بغداد.
1998 قاعة الآناء بغداد.
2002 قاعة الآناء بغداد
2005 قاعة الأندى الآردن.
2006 قاعة ميامين الأردن.
2005 قاعة جمعية المسيحيات الاردن.
2008 قاعة - فينا - نيويورك مبنى الامم المتحدة.
- شارك في العديد من المعارض المشتركه :
2014 معرض مشترك للمهاجرين في تكساس.
كما ذلك في .. دبي/ برلين/ بيروت/ عمان/ اميركا /تونس .
- يقول عبد الامير علوان: ( والدي ، كان معلمي الاول حيث كان ينحت بطين الحديقة اشكال غريبة وكنت اتابعه واتبادل الحديث معه حول منحوتاته الطريفة - كان عمري 9 سنوات)، كما كنت ضمن مجموعة من الفنانين واذكر منهم أ.د.هاشم الطويل - صاحب احمد - شكري الطيار، نعمل سوية في دوائر الاعلام والشباب حيث كنا الواجهة الكبيرة والمؤثرة في مجال التشكيل عام 1973 الى 1978، عملت رساما في الصحف والمجلات منها مجلة عمان في الاردن، اصبحت بعض اعمالي اغلفة للكتب الادبية،عملت رساما ومزخرفا للسيرامك في كربلاء وبغداد 1974،حصلت في شهر حزيران / يونيو 2014 على جائزة أكيودي للاداب والفن والسلام في دورته الاولى للعام 2014 (مناصفةَ)، أحلم بانجاز جدارية تتضمن هموم الشعب العراقي من مادة السيراميك.
الأربعاء، 6 أغسطس 2014
الأحد، 3 أغسطس 2014
لقاء القمم في اغنية العيد د. وريا عمر أمين:
لقاء القمم في اغنية العيد
د. وريا عمر أمين
مع كل اطلالة عيد يطل علينا ناظم الغزالي بصوته الرقيق الملائكي و ادائه الرائع و هو يغني:
أي شيء في العيد أهدي اليكِ يـا ملاكي وكل شـــيء لـديك
أســــوارا أم دملجا من نضار لا أحب القيود في مـعـصميك
أم خمورا وليس في ألأرض خمر كالذي تسـكبين من عينيك
أم ورودا والورد أجمله عندي الذي قد نشـــقت مـن خديك
أم عقيقا كــمـــهجتي يتلـــظى والعقيق الثمين في شـــفتيكِ
ليس عندي شيء أعز من الروح وروحي مرهونة في يديكِ
حيث اقترنت هذه الاغنية بالعيد و اصبحت احدى سماته منذ اكثر من نصف قرن. وهي من كلمات الشاعر الغنائي (جبوري النجار) و الحان (ناظم نعيم) . يمثل هؤلاء قمة ما توصل اليه الفن الغنائي في العراق في القرن العشرين . هذه المقال احياء لذكراهم العطرة.
1 - جبوري النجار
جبوري النجار
جبوري النجار (1917 – 1976) اسمه جبار حسين ، ولد في منطقة الفلاحات في جانب الكرخ ببغداد. لقب بالنجار كونه يعمل في النجارة. ثم عمل في مدينة الكاظمية نجارا متجولا يدفع عربته مخترقا شوارعها وأزقتها بحثا عمن يحتاج اليه في أصلاح ما انكسر من ابواب أو قطعة أثاث. عمل لفترة موظفا في مديرية النشاطات الطلابية بجامعة بغداد.
كان شاعراً شعبياً مبدعا ترك وراءه بصمات فنية رائعة لم تنسها الاجيال على مر الازمان والعصور .وهو من اهم شعراء الاغنية البغدادية المعروفين في العراق في ثلاثينييات القرن الماضي وفي تأريخ الاغنية العراقية. بدأ يكتب الاغنية البغدادية الشعبية وعمره لم يتجاوز الثانية عشرة ، وقد غنى المطربون العراقيون المشاهير من اشعاره أجمل الاغاني التي امتازت بالجمال و الرقة و الاصالة و البساطة ، تتلاءم مع روح العصر.
يقول جبوري النجار في لقاء صحفي قبل وفاته : (اصبحت متخصصاً في نظم عشرة انواع من الشعر الشعبي وهي الابوذية و السويحلي و الموال و التايل و الدارمي والعتابة و نصوص الاغاني و المربعات و الركباني و الحداء )
ومن الجدير بالذكر ان المطربين ( شخير سلطان ، وناصر حكيم ، وعبد الامير الطويرجاوي ، وحسين المسبباوي ، وعباس المسيباوي ، وغريب ارحيمة ومسعود العمارتلي ، وحضيري ابو عزيز ، ومحمد عبود النجفي ) غنوا من نظم الشاعر جبوري النجار قبل تأسيس الاذاعة العراقية أي منذ كان الغناء في المقاهي.
وكتب لمطربي جيل الامس الجميل ( ناظم الغزالى و حضيري ابو عزيز وداخل حسن و وحيدة خليل و لميعة توفيق و زهور حسين و مائدة نزهت و غادة سالم) اجمل اغانيهم.
وقال في نفس اللقاء ( لقد احببت جميع المطربين ، ولكنني معجب كل الاعجاب بالمرحوم ناظم الغزالي وذلك لاتقانه اللغة العربية ، وصوته الشجي ، ولقد نظمت له اغلب اغانيه التي هي اليوم ثروة فنية من الاغنية العراقية المنتشرة في انحاء العالم.)
ومن الاغاني التي نظمها جبوري النجار لناظم الغزالي اغنية ( اي شىء في العيد اهدي اليك ياملاكي - سلمت الكلب بيدك طير وتاه عن وكره - ما ريد الغلوبي - ميحانة ميحانة غابت شمسنا الكمر ما جانه - طالعة من بيت ابوها - فوك النخل - يا ام العيون السود ما اجوزن انا - تصبح على خير - شرد اقدم لك هدية بعيد ميلادك يا حبي).
لقد لعب جبوري النجار دورا اساسيا في الشهرة والنجومية التي حصل عليها المطرب ناظم الغزالي في منتصف الخمسينات عندما وصلت شهرته للافاق في الاغاني التي سجلتها له شركة جقماقجي. ولعب دورا مهما رياديا في تطوير الفن الغنائي العراقي.
قال ابنه الكبير ستار عنه في لقاء صحفي ( كان الفنانون يزورون والدي وهم المطرب ناظم الغزالي وعباس جميل وهاشم الرجب ورضا علي وفي يوم من الايام جاءت المطربة زهور حسين الى بيتنا ولم تجد والدي وقلنا لها انه في مقهى منصور القريبة من بيتنا وذهبنا وجدت ابي يلعب الدومينو، وقال لها والدي:(عيني زهور شكو)، قالت له:( اريد تكتب لي اغنية جميلة) فكتب لها (خالة شكو شنو الخبر احجيلي، فدوة رحتلج ليش ما تكوليلي).
كان يتقاضى ثلاثة دنانير عن كل اغنية ثم اصبحت فيما بعد عشرة دنانير . اصبح والدي نائب رئيس جمعية الشعراء الشعبيين وعضو نقابة الفنانين العراقيين.
وقال: لم يكرم ابي ابد ولا عائلته ولم يزرنا اي فنان منذ 4 /10 /1976 وهو يوم وفاة والدي).
واخيراً لايسعنا الا ان نقول : رحم الله جبوري النجار الذي ترك وراءه ثروة فنية رائعة لم تنسها الاجيال على مر الازمان والعصور .
2 - ناظم نعيم
ناظم نعيم هو أحد عمالقة الفن العراقي ولد في 1/7/1925 في بغداد ، في عائلة فنية ، كان والده (نعيم سلمو) عازف كمان مقتدر عمل عازفاً ورئيساً في مختلف الفرق الموسيقية العراقية الرائدة، وكان عمّه (شاكر ) عازفاً للعود..بذلك نشأ ناظم نعيم منذ صغره في أجواء النغم كان فيها الوالد معلِّمه الأول.
عمل في دار الاذاعة العراقية كعازف للكمان عام 1943. ساهم وبشكل فاعل في تطوير فن اللحن البغدادي و كون مع الشاعر جبوري النجار والمطرب ناظم الغزالي و الموسيقار جميل بشير فرقة الموشحات باشراف الشيخ علي درويش و الموسيقار روحي الخماش.
و لولا ناظم نعيم لما تربع المطرب ناظم الغزالي بروائعه الفنية المتجددة على عرش الغناء ، حيث لحن له الغالبية العظمى من اغانيه. (اي شىء في العيد اهدي اليك ، يا أم العيون السود، أحبك ولا أريد أنساك، مروا عليّه الحلوين، سلمت الكلب بيدك، شرد اقدملك هدية، تصبح على خير، ريحة الورد ولون العنبر) وغيرها.
تزوج ناظم نعيم من المطربة نرجس شوقي وقدم لها بعض الالحان كما لحن لمطربات خمسينييات القرن الماضى، أحلام وهبي في اغنيات ( هاي من الله قسمتي ، عندي هدية للولف، الله الله من عيونك). و مائدة نزهت في اغانيها (الروح محتارة، عاشكين، يامسيرين البلم). و فؤاد سالم في (أعاتب والعتب سكتة)، وسعدي البياتي في (أنا بيدي جرحت ايدي). و عفيفة اسكندر في اغنيات (تعيش انت وتبقى ، هلك منعوك ، أدري بيك أدري). و نرجس شوقي في (عندي هدية للولف وردة)، و حضيري ابو عزيز في (ويل كلبي هالمصيبه شرد مني)، ونظيمة نسيم في (مو مني كل الصوج)، وانصاف منير في أغنيات (ليالي دجلة، أنا موبيدي، أهلي ما يرضون). و صلاح عبد الغفورفي أغنية ( حلوة يالبغدادية ) و غيرهم من عمالقة الفن الغنائي العراقي للقرن العشرين.
هذه الاغاني أدخلت البهجة إلى قلوب العراقيين بغض النظر عن طوائفهم وأعراقهم، إنها أعمال فنية خالدة من ألحان عملاق الفن العراقي الموسيقار الكبير ناظم نعيم الذي لا يزال و الحمد لله حي يرزق، يعيش مع زوجته وأولاده في مدينة فارمنتن هلز في ولاية ميشيغن الأمريكية منذ اثنتان و ثلاثون عاما حيث ارتحل إلى أميركا في عام 1982 ليستقر وعائلته في مشيغان، يمارس العزف بين الحين والآخر، بعيداً عن الأضواء، مستعيناً بالمطالعة والإستماع إلى الموسيقى، والحديث مع أصدقائه،
فتحية لهذا الصرح العراقي الكبير وامنياتنا له بالصحة والعمر المديد
3 - ناظم الغزالي
ناظم الغزالى (1921 – 1963) ولد في منطقة الحيدرخانة في بغداد يتيمًا، لأم فقيرة ضريرة تسكن في غرفة مع شقيقتها.و رغم ما كان يعانيه من ظروف قاسية و فقر مدقع تمكن من ان يكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة، في مدرسة المأمونية. و بعد معاناة طويلة التحق بمعهد الفنون الجميلة قسم المسرح حيث تبناه فنان العراق الكبير رائد المسرح العراقي حقي الشبلي ، حين رأى فيه ممثلا واعدا يمتلك قدرات فنية عالية الا ان ظروفه المادية القاسية اجبرته على ترك الدراسة ليعمل مراقبا في مشروع الطحين بأمانة العاصمة
هذه الفترة، أكسبته طموحا غير محدود وعنادا وإصرارا على إكمال الطريق الذي اختاره رغم الصعاب التي واجهته، وجعلته يعود للمعهد يبذل قصارى جهده ليصعد سلم المجد.كان يمتاز عن زملائه بثقافته، تلك الثقافة التي ظهرت عام 1952عندما نشر سلسلة من المقالات في مجلة النديم تحت عنوان "أشهر المغنين العرب"، وظهرت أيضا في كتابه (طبقات العازفين و الموسيقيين من سنة 1900 - 1962) كما ميزه حفظه السريع وتقليده كل الأصوات والشخصيات، وجعلته طوال حياته حتى في أحلك الظروف لايتخلى عن بديهته الحاضرة ونكتته السريعة، وأناقته الملفتة للنظر
عاد ناظم الغزالي إلى معهد الفنون الجميلة لإكمال دراسته، ليأخذ حقي الشبلي بيده ثانية ويضمه إلى فرقة (الزبانية) ويشركه في مسرحية (مجنون ليلى) لأمير الشعراء أحمد شوقي في عام 1942، ولحَّن له فيها أول أغنية شدا بها صوته وسمعها جمهور عريض، أغنية "هلا هلا" التي دخل بها إلى الإذاعة، والتي حول على إثرها ناظم اتجاهه، تاركا التمثيل المسرحي ليتفرغ تماما للغناء،
تزوج الغزالي عام 1953 من الفنانة سليمة مراد التي كانت تكبره بعشرة سنوات وكانت رائدة المقام العراقي حيث تعلم الغزالي على يدها الكثير من المقامات، وكانا في كثير من الأحيان يقومان بإحياء حفلات مشتركة فتح آفاقاً واسعة لهما
يجمع جميع النقاد و المحللون و الفنانون على ان ناظم الغزالي نادر الشبه، وهو من أبرز الأمثلة لمغنٍّ يفرض غناءه وفنه وإمكانياته على عصره، وقد نفذ نتاجه الفني إلى جيل العقود التي عاشها في القرن العشرين والتي تلتها ولا يزال كذلك، محدثاً انعطافاً فنياً كبيراً في مسيرة الغناء
ومن اشهر أغانيه
أي شيء في العيد أهدي إليك يا ملاكي
أقول وقد ناحت بقربي حمامة
يا أم العيون السود ما جوزن أنا
فوق النخل فوق
خايف عليها ولهان بيها شامة ودكه بالحنك لو تنباع كنت اشتريها
أحبك وأحب الورد جوري
توفي الغزالي في أحدى فنادق بيروت صباح يوم الاربعاء المصادف 23 /10 / 1963وهو في عنفوان شبابه ووارى جثمانه الثرى في مقبرة الكرخ وترك وراءه ثروة فنية خالدة تفتخر بها الاجيال.
د.وريا عمر أمين
الاكاديمية الكردية
wariaamin@yahoo.com
د. وريا عمر أمين
مع كل اطلالة عيد يطل علينا ناظم الغزالي بصوته الرقيق الملائكي و ادائه الرائع و هو يغني:
أي شيء في العيد أهدي اليكِ يـا ملاكي وكل شـــيء لـديك
أســــوارا أم دملجا من نضار لا أحب القيود في مـعـصميك
أم خمورا وليس في ألأرض خمر كالذي تسـكبين من عينيك
أم ورودا والورد أجمله عندي الذي قد نشـــقت مـن خديك
أم عقيقا كــمـــهجتي يتلـــظى والعقيق الثمين في شـــفتيكِ
ليس عندي شيء أعز من الروح وروحي مرهونة في يديكِ
حيث اقترنت هذه الاغنية بالعيد و اصبحت احدى سماته منذ اكثر من نصف قرن. وهي من كلمات الشاعر الغنائي (جبوري النجار) و الحان (ناظم نعيم) . يمثل هؤلاء قمة ما توصل اليه الفن الغنائي في العراق في القرن العشرين . هذه المقال احياء لذكراهم العطرة.
1 - جبوري النجار
جبوري النجار
جبوري النجار (1917 – 1976) اسمه جبار حسين ، ولد في منطقة الفلاحات في جانب الكرخ ببغداد. لقب بالنجار كونه يعمل في النجارة. ثم عمل في مدينة الكاظمية نجارا متجولا يدفع عربته مخترقا شوارعها وأزقتها بحثا عمن يحتاج اليه في أصلاح ما انكسر من ابواب أو قطعة أثاث. عمل لفترة موظفا في مديرية النشاطات الطلابية بجامعة بغداد.
كان شاعراً شعبياً مبدعا ترك وراءه بصمات فنية رائعة لم تنسها الاجيال على مر الازمان والعصور .وهو من اهم شعراء الاغنية البغدادية المعروفين في العراق في ثلاثينييات القرن الماضي وفي تأريخ الاغنية العراقية. بدأ يكتب الاغنية البغدادية الشعبية وعمره لم يتجاوز الثانية عشرة ، وقد غنى المطربون العراقيون المشاهير من اشعاره أجمل الاغاني التي امتازت بالجمال و الرقة و الاصالة و البساطة ، تتلاءم مع روح العصر.
يقول جبوري النجار في لقاء صحفي قبل وفاته : (اصبحت متخصصاً في نظم عشرة انواع من الشعر الشعبي وهي الابوذية و السويحلي و الموال و التايل و الدارمي والعتابة و نصوص الاغاني و المربعات و الركباني و الحداء )
ومن الجدير بالذكر ان المطربين ( شخير سلطان ، وناصر حكيم ، وعبد الامير الطويرجاوي ، وحسين المسبباوي ، وعباس المسيباوي ، وغريب ارحيمة ومسعود العمارتلي ، وحضيري ابو عزيز ، ومحمد عبود النجفي ) غنوا من نظم الشاعر جبوري النجار قبل تأسيس الاذاعة العراقية أي منذ كان الغناء في المقاهي.
وكتب لمطربي جيل الامس الجميل ( ناظم الغزالى و حضيري ابو عزيز وداخل حسن و وحيدة خليل و لميعة توفيق و زهور حسين و مائدة نزهت و غادة سالم) اجمل اغانيهم.
وقال في نفس اللقاء ( لقد احببت جميع المطربين ، ولكنني معجب كل الاعجاب بالمرحوم ناظم الغزالي وذلك لاتقانه اللغة العربية ، وصوته الشجي ، ولقد نظمت له اغلب اغانيه التي هي اليوم ثروة فنية من الاغنية العراقية المنتشرة في انحاء العالم.)
ومن الاغاني التي نظمها جبوري النجار لناظم الغزالي اغنية ( اي شىء في العيد اهدي اليك ياملاكي - سلمت الكلب بيدك طير وتاه عن وكره - ما ريد الغلوبي - ميحانة ميحانة غابت شمسنا الكمر ما جانه - طالعة من بيت ابوها - فوك النخل - يا ام العيون السود ما اجوزن انا - تصبح على خير - شرد اقدم لك هدية بعيد ميلادك يا حبي).
لقد لعب جبوري النجار دورا اساسيا في الشهرة والنجومية التي حصل عليها المطرب ناظم الغزالي في منتصف الخمسينات عندما وصلت شهرته للافاق في الاغاني التي سجلتها له شركة جقماقجي. ولعب دورا مهما رياديا في تطوير الفن الغنائي العراقي.
قال ابنه الكبير ستار عنه في لقاء صحفي ( كان الفنانون يزورون والدي وهم المطرب ناظم الغزالي وعباس جميل وهاشم الرجب ورضا علي وفي يوم من الايام جاءت المطربة زهور حسين الى بيتنا ولم تجد والدي وقلنا لها انه في مقهى منصور القريبة من بيتنا وذهبنا وجدت ابي يلعب الدومينو، وقال لها والدي:(عيني زهور شكو)، قالت له:( اريد تكتب لي اغنية جميلة) فكتب لها (خالة شكو شنو الخبر احجيلي، فدوة رحتلج ليش ما تكوليلي).
كان يتقاضى ثلاثة دنانير عن كل اغنية ثم اصبحت فيما بعد عشرة دنانير . اصبح والدي نائب رئيس جمعية الشعراء الشعبيين وعضو نقابة الفنانين العراقيين.
وقال: لم يكرم ابي ابد ولا عائلته ولم يزرنا اي فنان منذ 4 /10 /1976 وهو يوم وفاة والدي).
واخيراً لايسعنا الا ان نقول : رحم الله جبوري النجار الذي ترك وراءه ثروة فنية رائعة لم تنسها الاجيال على مر الازمان والعصور .
2 - ناظم نعيم
ناظم نعيم هو أحد عمالقة الفن العراقي ولد في 1/7/1925 في بغداد ، في عائلة فنية ، كان والده (نعيم سلمو) عازف كمان مقتدر عمل عازفاً ورئيساً في مختلف الفرق الموسيقية العراقية الرائدة، وكان عمّه (شاكر ) عازفاً للعود..بذلك نشأ ناظم نعيم منذ صغره في أجواء النغم كان فيها الوالد معلِّمه الأول.
عمل في دار الاذاعة العراقية كعازف للكمان عام 1943. ساهم وبشكل فاعل في تطوير فن اللحن البغدادي و كون مع الشاعر جبوري النجار والمطرب ناظم الغزالي و الموسيقار جميل بشير فرقة الموشحات باشراف الشيخ علي درويش و الموسيقار روحي الخماش.
و لولا ناظم نعيم لما تربع المطرب ناظم الغزالي بروائعه الفنية المتجددة على عرش الغناء ، حيث لحن له الغالبية العظمى من اغانيه. (اي شىء في العيد اهدي اليك ، يا أم العيون السود، أحبك ولا أريد أنساك، مروا عليّه الحلوين، سلمت الكلب بيدك، شرد اقدملك هدية، تصبح على خير، ريحة الورد ولون العنبر) وغيرها.
تزوج ناظم نعيم من المطربة نرجس شوقي وقدم لها بعض الالحان كما لحن لمطربات خمسينييات القرن الماضى، أحلام وهبي في اغنيات ( هاي من الله قسمتي ، عندي هدية للولف، الله الله من عيونك). و مائدة نزهت في اغانيها (الروح محتارة، عاشكين، يامسيرين البلم). و فؤاد سالم في (أعاتب والعتب سكتة)، وسعدي البياتي في (أنا بيدي جرحت ايدي). و عفيفة اسكندر في اغنيات (تعيش انت وتبقى ، هلك منعوك ، أدري بيك أدري). و نرجس شوقي في (عندي هدية للولف وردة)، و حضيري ابو عزيز في (ويل كلبي هالمصيبه شرد مني)، ونظيمة نسيم في (مو مني كل الصوج)، وانصاف منير في أغنيات (ليالي دجلة، أنا موبيدي، أهلي ما يرضون). و صلاح عبد الغفورفي أغنية ( حلوة يالبغدادية ) و غيرهم من عمالقة الفن الغنائي العراقي للقرن العشرين.
هذه الاغاني أدخلت البهجة إلى قلوب العراقيين بغض النظر عن طوائفهم وأعراقهم، إنها أعمال فنية خالدة من ألحان عملاق الفن العراقي الموسيقار الكبير ناظم نعيم الذي لا يزال و الحمد لله حي يرزق، يعيش مع زوجته وأولاده في مدينة فارمنتن هلز في ولاية ميشيغن الأمريكية منذ اثنتان و ثلاثون عاما حيث ارتحل إلى أميركا في عام 1982 ليستقر وعائلته في مشيغان، يمارس العزف بين الحين والآخر، بعيداً عن الأضواء، مستعيناً بالمطالعة والإستماع إلى الموسيقى، والحديث مع أصدقائه،
فتحية لهذا الصرح العراقي الكبير وامنياتنا له بالصحة والعمر المديد
3 - ناظم الغزالي
ناظم الغزالى (1921 – 1963) ولد في منطقة الحيدرخانة في بغداد يتيمًا، لأم فقيرة ضريرة تسكن في غرفة مع شقيقتها.و رغم ما كان يعانيه من ظروف قاسية و فقر مدقع تمكن من ان يكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة، في مدرسة المأمونية. و بعد معاناة طويلة التحق بمعهد الفنون الجميلة قسم المسرح حيث تبناه فنان العراق الكبير رائد المسرح العراقي حقي الشبلي ، حين رأى فيه ممثلا واعدا يمتلك قدرات فنية عالية الا ان ظروفه المادية القاسية اجبرته على ترك الدراسة ليعمل مراقبا في مشروع الطحين بأمانة العاصمة
هذه الفترة، أكسبته طموحا غير محدود وعنادا وإصرارا على إكمال الطريق الذي اختاره رغم الصعاب التي واجهته، وجعلته يعود للمعهد يبذل قصارى جهده ليصعد سلم المجد.كان يمتاز عن زملائه بثقافته، تلك الثقافة التي ظهرت عام 1952عندما نشر سلسلة من المقالات في مجلة النديم تحت عنوان "أشهر المغنين العرب"، وظهرت أيضا في كتابه (طبقات العازفين و الموسيقيين من سنة 1900 - 1962) كما ميزه حفظه السريع وتقليده كل الأصوات والشخصيات، وجعلته طوال حياته حتى في أحلك الظروف لايتخلى عن بديهته الحاضرة ونكتته السريعة، وأناقته الملفتة للنظر
عاد ناظم الغزالي إلى معهد الفنون الجميلة لإكمال دراسته، ليأخذ حقي الشبلي بيده ثانية ويضمه إلى فرقة (الزبانية) ويشركه في مسرحية (مجنون ليلى) لأمير الشعراء أحمد شوقي في عام 1942، ولحَّن له فيها أول أغنية شدا بها صوته وسمعها جمهور عريض، أغنية "هلا هلا" التي دخل بها إلى الإذاعة، والتي حول على إثرها ناظم اتجاهه، تاركا التمثيل المسرحي ليتفرغ تماما للغناء،
تزوج الغزالي عام 1953 من الفنانة سليمة مراد التي كانت تكبره بعشرة سنوات وكانت رائدة المقام العراقي حيث تعلم الغزالي على يدها الكثير من المقامات، وكانا في كثير من الأحيان يقومان بإحياء حفلات مشتركة فتح آفاقاً واسعة لهما
يجمع جميع النقاد و المحللون و الفنانون على ان ناظم الغزالي نادر الشبه، وهو من أبرز الأمثلة لمغنٍّ يفرض غناءه وفنه وإمكانياته على عصره، وقد نفذ نتاجه الفني إلى جيل العقود التي عاشها في القرن العشرين والتي تلتها ولا يزال كذلك، محدثاً انعطافاً فنياً كبيراً في مسيرة الغناء
ومن اشهر أغانيه
أي شيء في العيد أهدي إليك يا ملاكي
أقول وقد ناحت بقربي حمامة
يا أم العيون السود ما جوزن أنا
فوق النخل فوق
خايف عليها ولهان بيها شامة ودكه بالحنك لو تنباع كنت اشتريها
أحبك وأحب الورد جوري
توفي الغزالي في أحدى فنادق بيروت صباح يوم الاربعاء المصادف 23 /10 / 1963وهو في عنفوان شبابه ووارى جثمانه الثرى في مقبرة الكرخ وترك وراءه ثروة فنية خالدة تفتخر بها الاجيال.
د.وريا عمر أمين
الاكاديمية الكردية
wariaamin@yahoo.com
8 - ضد اليوميات 2014 عدنان المبارك :
8 - ضد اليوميات 2014
عدنان المبارك
هذه رسائل من الصديق عادل كامل ورسائلي اليه. لكن ليست الرسائل كلها ، فهناك الكثير منها والذي التهمه الفايروس . فقدان رسائل عادل خسارة كبيرة. فالصديق يغور عميقا والى درجة مرهبة ، في معضلاتنا ، و يعاني ، مثل رب مهجور ، من نكباتنا كانسان كتب عليه أن يولد و يحيا في بلد للكوارث منذ أن تركنا أجدادنا السومريون والأكديون وتركناهم أيضا. عادل فنان وكاتب مشحون بمتفجرات أنتجها مثل هذا الوعي الذي يريد الوصول الى حافات الكون رغم أنه ، وكما يقول ، لا يؤذي نملة . لكن ما العمل ، فمثل هذه الرحلة الوجودية تدق نواقيسها في كل ثانية. يخال اليّ أن شيطانا، أو ربّا ، ضاق ذرعا بكل شيء وألقى بالصديق في ثقب أسود. نعم ما يحمعني بعادل هذا كله مضاف اليه ذلك الوعي بأن كل ألعاب الواقع العراقي بل البشري قد صارت ذات أصول أخرى. فالعبث والوجه القبيح للأنسان هما صنوان...
عزيزي عادل .لدينا مانفكر به ونقوله أكثر من هذه الرسائل ولأننا نعرف ونؤمن عميقا بأن الصمت هو قدرنا الأكثر حكمة ، ولندع من له طاقة للثرثرة اليومية أن يلتحق بتلك الآلهة من نسل ذباب السأم وفقاعات الوجود بصيغتيه ( الواقعية ) والافتراضية ...
*
من رسائل عادل كامل :
ليس اليوم، عندما اعدت قراءة الجحيم، لدانتي، لم اجد سوى مقاطع مازالت تشتغل، معنا، في عصر تحول فيه النسق الى : عالم يغدق عقما ً، في الاقتصاد، والاخلاق، والثقافات. دانتي لم ير كيف تفترس الكلاب اعز اصدقائنا وليس لدينا الا ان ننتظر دورنا، وانا لا امزح، فالكلاب مازالت تطاردنا، ونحن لا نمتلك الا العثور على وردة للاختباء في جذرها ! هذه هي فكرة روايتي، اي انا لا اقوم الا لمراقبة ما يحدث لنا من محو، بآليات الاساطير، وهي تبني انظمتها المعاصرة، اي ما بعد الليبرالية، وما بعد الرحمة. بصراحة ينحط الناس بنسبة 99% لانهم لا يمتلكون قدرة الاختباء ، والحفاظ على عناد ضد مكونات بذرة الخلق/ انهم عميان يمشون خلف عميان على امل العثور على ركن لهم في الجنة ! فلا تعرف أسكنتهم الاساطير ام سكونها. ثمة غباء بشري لا يسمح لنا حتى باختيار الموت ، كرامة ، الامر الذي حولنا الى فيالق من النمل، والحشرات، والخراف. دانتي كان يؤمن بشيء ما، اما انساننا المعاصر فهو ازاء موته اليومي ، في البحث عن لقمة العيش ، الخبز ، اما القتلة فهم اغنياء عالمنا، مدراء الشركات العملاقة ، المحكومة بمشفرات هي جزء من تراثنا الخرافي. ومع ذلك تدرك انك تعيد نسج سيزيف الف مرة في اليوم الواحد، حتى الخوف زال عن قلوب الناس، عدا القتل، والمراقبة، والتصفيات. هناك حيث الغبار وحده يمتد ويمتد. وماذا تفعل عندما تصبح وحيدا ً عدا الذهاب الى الكلمات ورموزها وآليات اختراعها لديمومة اقل مرارة من العواء.
صديقي
قبلنا عالج ( ماني) و( زارا) و( الطاو) هذا كله وتحدثوا عن الخلاص الفردي، لكن حتى هذا لم يعد متاحا ً احيانا ً... فهل تصدق انا لا اعرف مصير مئات الاعمال الفنية وسط الهدم اليومي وقبل ذلك طبعا ً مصائر الناس، والاطفال تحديدا ً...؟ اي لماذا انتج كل ما سيذهب الى التراب والحرق ...؟ ومع ذلك ليس لدي الا تسليات صغيرة وهي الكتابة حتى تختتم احتفالها معي ـ ومعنا ـ في كون بلا حافات.
بالفعل تذكرت مدام بوفاري فقد كنت اتحدث الى صديقة عنها لكنها للاسف ـ مثل 99% ـ من حملة الدكتوراه، لا علاقة لها بالذاكرة الروحية للثقافات. كما ذكرتي بآنا كارنينا وبأجواء مارسيل بروست ـ ولا اعرف هل لدي قدرة على ان اعيد قراءة الرواية التي احتفظ بها ؟ صعب ان تجد انك اصبحت اسير عالم اخر مزدحم بالفراغات والاثير...
أنا نبات وكفى ! فالعالم شديد المرارة، وخاصة نوعنا الكارثي، القائم على الافتراس، والوشاية، والدناءة، والغرور، والتمويه ... وانت تعرفه افضل مني. ماذا تبقى لدينا غير البحث عن ظلال نائية نسكنها من غير اسئلة ومن غير اجوية. كم اود ان اسرع في الكتابة ، في الفصول الاخيرة ولكنني اجد نفسي رخوا ً، شارد الذهن، خاصة عندما ارى زوالي في وجود محكوم بما افعل... وتلك اشكالية سومرية اعدت نسجها في نصي هذا ...
*
ماذا افعل ومصائرنا تتبعثر، وتقشر، وتسحق، منذ ولدنا، وليس لدينا الا ان نتذوق المرارات، حتى لو كانت الافلات من الموت. فالاخير، لدينا، هو الرحمة ! اي وجود هذا وانت تتدحرج فيه من متاهة الى متاهة...؟ وهي لا تحصى، وانت ولدت مثلما تولد الازهار البرية، وقد اسروها ووضعوها تحت حماية جدران القصور، والمدن الفولاذية ، فحتى عندما يكون الانسان ومضة فانه لا يمتلك الا ان يقيد بها، كي لا يفقدها.
*
عندما يعتاد الانسان على ظلماته فانه سيمحو الاخر الذي يبشر بالنور... ولكن ما هو النور...؟
انك على صواب، بالعمل في الكتابة، فلا بدائل للعمر وهو يختزل مليارات السنين الى كلمات! ماذا عسانا نفعل غير ان نعيش ، ونعيش... ولكن هل باستطاعتنا ان نعيش...؟
قصصي الاخيرة تتحدث عن هذا الفراغ الذي اسمه حضارة!
ولعلك في الرواية تجد الكثير كي تحصل عليه لتغادره، بعد ان تاهت البشرية بالبحث عن الفردوس...
صديقي
لا اريد ان افكر، اريد ان لا اريد كما قال احد متصوفة بغداد: يقابل الجدار حتى الموت! ولكنني اشتغل كما تشتغل النباتات، وانا في مواجهة المجهول. ولا فائدة من اخبارك بما يحدث اليوم، فالوطن ذاهب الى المجهول.
دم لفرح، كما قال جان جينو في روايته: ليبقى فرحي دائما ً، وهو يختزل احلامه الى يوميات صغيرة، كما في واحدة من قصصك: ان لا اؤذي حتى ورقة شجرة! وكفى.
*
حزنت لدرجة اعترف بلا جدوى الحزن وانا اعيد قراءة كلماتك الاخيرة، اقصد كيف احول حزني او اساي كي اشاركك اشكالية لا يعرف لغزها الا صاحبها. لكن ليس لدى الا ان امشي بصمت، واصرخ من غير صوت، واعيش كميت ابدي سابق على الولادة ! حتى انني اقول: وما فائدة هذا الذي قمنا به خلال حياتنا ومصائرنا تلاعب بها انجاس، انذال، اخساء، وتركونا نتذوق مرارات الحياة، ثم ركلونا باتجاه المجهول ؟ حزنت مثلما حزنت لرحيل اعز انسانة لدي، وقد تساءلت: وماذا افعل، وانا في القاع اعيش حياتي مثل نبات كل ما يمتلكه هو ان يرى العالم يغيب ؟
المعري وطرفة ومالك بن الريب والملا عبود الكرخي قالوا الكثير في هذا الشأن: قدرنا ان نرى كم هي الظلمات بلا حدود، وذلك لانك رأيت القليل من النور!
في الواقع لديك الحلول، كالتي لدي، أنا المحكوم بالموت اليومي، في بلد لا يعرف الا الرداءة. هل تعلم اننا نعيش تحت تهديدات لا تحصى: الفيضان، اعتقالنا، او قتلنا من قبل مجهولين، الخ، حتى لم اعد افكر بالخوف من الموت... او لم يسمحوا لنا حتى بالمشاعر الاعتيادية....
هل تعلم، يا صديقي ، انني عندما لا اجد حلا ً ماذا اقرأ...؟ اكرر، بلا ملل: كل من عليها فان! واتذكر في ذات يوم، وكنا في منزل امر لواء في الجيش، قد عاد توا ً من البصرة ، قال بصوت عال: لا ... كل من عليها فاو! ومات عشرات من اصدقائي، بهدوء، بصمت، من غير اثر ... وما قيمة الاثر؟ في روايتي اشارة حول رؤوس مكومة تتحاور ما بينها وهي تشاهد وردة بالقرب منها، وعندما سألوها اجابت بانها وردة جلجامش، اي وردة الخلود! وردة بمحاذاة رؤوس فصلت عن اجسادها، وانا كنت اشاهد هذا يوميا ً، حتى نسيت ان لي رأسا ً... هكذا يتم تدمير الانسان باسم الليبرالية، والديمقراطية، والشفافية، وقد تحولنا الى نمل، والى نبات...ولا اعرف ماذا اقول... وفمي تحول الى وردة؟
انك سابق موتك، وحياتك هي بعمر المسافة بين الازل والابدية، فانت لديك رهافة من عاش من غير ويلات الزمن، انك اثير العالم ...
الحرية، في نهاية المطاف، اختيارنا وقوتنا حتى لو كانت محض علامة للاستبداد الكوني!
ذات مرة كتبت، وانا اعيش احساسك هذا الصادق: انا هو من يشيعكم ايها الموتى، ولا احد له الحق حتى ان يقول: وداعا ً!
ولعلك بالزمن تعبر الى اللا حافات!
*
ربما وجدت في العمل السبيل الوحيد للخلاص منه ! ووجدت في الخوف الدرب الذي لا ادعه يتتبع خطاي! وربما وجدت ان اسلس حل للخلاص من الزمن السكن في مخفياته، ثم ليأتي الجحيم. فالعمل إذا ً يتضمن ذروته, كالصمت، درجة في الكلام.
آ ... ولكن لا احد يسمح لنا حتى ان نتقدم خطوة، بل يضعون العثرات امامنا، واقصد هذا النمل البشري الذي كان يفزع دستويفسكي ، النمل ، الجرذان ، الدغل، فوهات للقتل ، فماذا افعل غير مغادرة اهدافها. ..
امل ان تكون في وضع افضل...
اكاد اكمل الفصل ال 18 ... حيث بطلي يشهد حفلة للجرذان في احدى مقاهي بغداد قبيل الطوفان، يا لها من جرذان بشرية لم تتغير، منذ الف عام !حتى اللغة لم تعد تكفي، للتعبير عن غرائبية واقعنا الخرافي او ما بعده. ولا تامل بالمستقبل الا وهو ينحدر الى الزوال، إن لم يكن لا وجود له ، الا كرماد.
*
قلت لا اريد ان اقلقك ، فلا امل لنا ـ في هذا البلد ـ الا ان نهلك كالحيوانات... بل ولا يسمحون لنا حتى ان نموت كالكلاب!
*
بورتريهاتك جاءت في وقتها لانني كنت بحاجة لها للنشر ، وهي بحاجة الى تعليق ساحاول ان اكتبه خلال استعادتي لحظات الهدوء... لاننا لا نعرف من سيقتلنا. فالموت ينتظرنا في كل لحظة، وافضل طريقه لمقاومته هي الاتحاد معه! او الذهاب ابعد منه.
رسالتك الاخيرة ستكون جزءا ً من مشفرات الفصل ما قبل الاخير: كيف قوّمنا الخراب وما بعده! انه اعتراف لرب لا يعرف الرحمة، او لاننا لم نبلغ بعد درجة العبور الى النبات! اه كم في براكين، ومجرات تنتظر الانفجار، لكن العمر لا يكفي تامل حبة رمل!
*
أنت تتتذكر رعب دستويفسكي عندما لا يكون الله موجودا ً فكل شيء مباح. انا حاولت ان لا اعتدي على ورقة في شجرة، بل وان لا اجرح حتى الريح. المهم اننا ازاء الزوال في كل برهة! وقد اعدت قراءة هذه المحنة مع نماذجي في الرواية.
في الواقع فكرت، لدى اريع مقالات حولك، وساكتب اخرى، كي انشرها، وثيقة ادافع فيها عن معنى الثقافة التي عملوا على تدميرها. ففكرة الكتاب كاملة، وما ان اكمل روايتي حتى انجز وجهة نظري باعادة قراءة واقعنا المخيف وأيّ رداءة للمثقف ازاء عصر القتلة.
انا تركت الشجاعة بعيدا ً عن الحساب، فانا اعيش كتابتي، وفني، حتى لو اعمل في العدم. القلة هم القلة، منذ البدء، لكن احيانا لا تعثر حتى على شريك داخل منفانا الروحي.
*
شكرا لهذا الثراء اللوني والمشفر بما لا يتاح للكلمة ان تعبر عنه... لدي افكار اضافية، ساشرع بها، بعد الانتهاء من الرواية: عدنان المبارك ... رساما ً ، وثمة الكثير لدي بين الصورة والحرف ولا اريد ان تسمع صوتي لانه لا يعبر عن الصمت الكامن في الخطاب الداخلي لاسرار الفن. لماذا الفن ... اي لماذا الانسان ... تساؤل نعوم جومسكي... يدور في رأسي... انا اكره الالهة بلا استثناء! وقد عبرت عن ذلك في احد فصول روايتي النباتية .... وساتفرغ للحديث عن فقر ثقافتنا في العراق، وكيف حولنا الى نباتات! شردونا، قتلونا، وانتهكوا احلامنا... لكن ثمة مقاومة عنيدة كالتي لدى الفايروس او لدى البذور.... وهذا يعني اننا بلا اصدقاء نحتمي بهم عندما تشتد ظلمات هذا العالم...
اعد دراسة نظام البذرة فكم هو ملغز ومشفر وبحاجة الى قراءات جديدة. ساحاول اعادة دراسة رسوماتك وفق حضارة تعرضت للعواصف لكنها صمدت، انما هذا محض عزاء.
*
كنت، في الفجر، اواظب على اكمال النواقص في روايتي...، فثمة مشهد استعادي، بين الاب والابن، يذكره بحادث الذهاب الى عزاء، لمن ... يسأل الابن، فلا يجد جوابا ً، لكن الاب يعود ليذكره انه ربما حفل عزاء لديموزي، او زرقاء اليمامة، او لنا.... تموز يقتل كي ننتظر انبعاثه بحسب الميثولوجيا الرافدينية، اليمامة تقتل بسبب الجهل، ونحن نمحى من الوجود لاسباب في مقدمتها ان الصراع لا يترك للاغبياء الا التواري والاندثار... لكن ما لفت نظري في انشغالك ـ وساتوقف عنده في مقدمتي حول تجربتك بين الكتابة والرسم والوعي بالزوال ... الخ ـ ان الاب قال لولده ـ وتعرف ان الابن يطلب من والده الفرار من الجحيم فيحدثه عن سقراط ولماذا لم يهرب وينجو بجلده الخ ـ يقول له: ليس لأن الثابت لدي ّ كان قائما ً على الامتداد، بل لأن الجديد، وتحديدا ً هذا الذي يتم استحداثه، بالجهد الاستثنائي للموجودات، يتضمن ما توارى، وغاب ..!.
بمعنى ـ كما ذكرت ـ ثمة قطيعة، لكنها، هنا، قطيعة ممتدة، وقد سبق لفلاسفة بابل ان تحدثوا عن العدم الممتد، وعن الصفر.
جميل ان يفكر الانسان، لكن الاجمل ان يكون التفكيرقد تضمن لغزه، دون التخلي عن الاسرار المستحدثة. انه الحب الذي لا يمكن ان يعرّف الا بالحب، لكنها ليست حلقة دائرية، ذلك لان هذا الغياب طالما تجسد بحضور تام!
ها انت تراني افكر! بطلي يسأل الاخر: ها انا اقتل!
وشكرا لكم وانتم تبدعون الاسئلة التي لولاها لتحولنا الى اشياء، والى نباتات! مع انني ـ يا صديقي الرائع ـ حاولت ان لا اتضرع من اجل خلاصي الشخصي، فقد منحت هذه النباتات قدرات الله ـ الرمز ـ او هذا الغائب وقد امتلك قوة الانبعاث!
*
انا لم اعترف الا بجزء من الحقيقة، فانا ـ شخصيا ً ـ ولدت ومعترضا ً على الرداءة، وفي مقدمتها وجود هذا العدد الهائل من المعاقبين من غير ذنب. انه ليس الجهل فحسب، بل الاصرار عليه. فبلدنا دمر وهناك من يقول لك: تحررنا ! ايّ وهم عليك ان تدفع حياتك ثمنه. فاوغاد الامس تراهم يتقدمون اوغاد اليوم، وانا لا امتلك الا سجوني، فانا متهم لانني على قيد الحياة. فانت تعرف ان الله قال للملائكة ردا ً على سؤالهم عن اسباب خلق الانسان انه يعرف ما لاتعرف الملائكة، فهل لنا قدرة المعرفة ونحن ـ في الاصل ـ من الوحل الممزوج بالدم؟ انها اشكالية برمجت وحولتنا الى عدد قليل من الصيادين، والى ما لا يحصى من الطرائد. فهل تريد مني العثور على ضوء في هذا الظلام، او في هذا الكابوس. وماذا عن بلد يقتل فيه الناس من غير سبب الا لأنهم يفكرون، او بسبب اسمائهم الخ، وقد عالجت هذه المشكلة في روايتي [عصر انانا المستعاد] عندما اختار احد ابطالها الموت بدل ان يشترك في موت الاخرين، او حتى لمحض الشهادة. وسابعث لك بالفصل الخاص ببطلي النباتي وهو يتحدث عن افول حياته، وليس عن امله الضائع، ففي الاصل، هناك غواية، وخديعة، وغش يمتد الى التصورات، وكانت اللغة احدى ادوات الجريمة!
انا اعمل ببطء شديد، لانني موزع بين النحت والفراغات! اما الكتابة فهي غوص في الوحل، لان الكلمات تتحجر، ولا تنطق الا بما لا اريد! فبماذا ـ وكيف ـ يفكر النبات...؟ انه انشغال يتطلب الف عام للاجابة عليه وانا لا امتلك الا الوقت المحدود للموت! صدقني لم اعد اتسلى الا باعادة تذكر مراثي أور ومراثي أكد... فهي اعظم القصائد التي اقترنت بزوال اعظم حضارتين، وها انا ارى زوالنا وقد اجتاز اعمارنا وعصرنا. وانت ترى ماذا يحدث من حولنا من ابادات... فعن ايّ وهم يكتب الكتاب، وعن اية خديعة يتحدثون...؟
ستطلع على الفصل الذي راح نباتي يحاورك ويحاورني ويحاور نفسه! استخدام خاص للثقافة في عصر الاسواق والتمويهات والشركات والموت الشفاف!
*
من رسائلي :
العزيز عادل. قبل كل شيء شكرا على الاهتمام برجائي والالتزام به. الذاكرة وهي تواجه العقد الثامن ( في بولونيا يسمون كل عقد صليبا ، و يا له من صواب ! فنحن قد أصبح متوفرا لدينا وليس الصليب وحده بل هناك درب الجلجلة أيضا ...) تتآكل وليس الحافات فقط بل هذا اللب وذاك. لا أتذكر أيها العزيز متى نشرت هذا النص المؤلف أوالمترجم...
يسرني كل خبر عن مواصلتك الكتابة في الرواية. وكما تعرف أنا أكتب من موقع مواز لموقعك. ولربما الفارق الوحيد شدة اللون الأسود وذلك الوعي الشقي بعبث كل ( ألعابنا ). هناك تلك الحقيقة الجلمود : الكتابة لا تنقذ شيئا ، ومهما فعلنا فنحن نمضي في طريق مسدود. أما برابرة اليوم فسيختفون كي يفسحوا الطريق لبرابرة آخرين عرف كفافيس جيدا بأن لا شيء يمكن عمله سوى الانتظار...
أكتب في رواية - لا أريدها أن تقترب كثيرا من احدى مساطر ما بعد الحداثة - أنتقي لها موادا غريبة بينها الكثير من قصصي ونصوصي الأخرى. وقد يعني الأمر أن الأمر مجرد مناورة ولاجديد حقيقيا عندي. لايهم ، صبري كاف كي أصل الى نهاية هذه المغامرة الصغيرة...
*
لا اعرف أن كان في ذلك الجحيم ( الموعود ) فترات استراحة رغم أن ذلك يكون مخالفا للعقاب ...أعترف بأني لا أملك الجرأة الكافية كي أتحدث عن أمور أخرى مع من قذف بأكثر من هاوية عراقية. ولا أظن أن هناك عبثا كابوسيا أكثر من هذا المطبق على الجميع . سأملك قليلا من الجرأة وأصارحك : منذ أسبوع أعاني من خيانة جديدة للجسد. بل هوغدركبسوا فيه أكثر من اثم واحد : أنا الذي يحب الحركة حصرني الجسم في الركن كي اقوم بالحد الأدنى منها . في الحقيقة يخص الأمر نبذ عادة معيّنة لم ولن تعيق في كل الأحوال نزواتي في الكتابة ...
صراحة صغيرة أخرى : خيّل اليّ أن زائرا جاءني بعد منتصف الليل. كل شيء فيه ينم عن أنه ذلك ( المكمل للحياة ). ربما كانت ارتجاعات لما كنت أقرأه قبل أن أغفو: ( قديسون ودموع ) لأميل سيوران والذي بدأت بترجمته. كتاب غريب ينحو مؤلفه فيه صوب الفة مع الموت، بالأحرى ليست الفة بل وضع صارم / نزيه للنقاط على الحروف. مثلا وجد في الحياة هيستريا أفول الربيع أو كما كتب : تابوت معلّق من النجوم أو عذرية فسدت تماما بل أكثر : ازدهار الشر تماما كما لو أنه فعل وصل للمقبرة بالجنة... وقد يكون محقا اذا تذكرنا كلمة ميكاله أنجلو: أنا أحيا بماهو سبب موت الاخرين.
يقول سيوران أن تحيا في العالم يعني ممارسة الحزن الذي أسماه صديقنا الكبير سورين كييركيغور باليأس. واضح لديّ أنه نعت أفضل من السيوراني. لكني أتفق معه تماما حين يقول ان الجحيم والجنة تفسيران مختلفان للصحة لكن مزيجهما هو المرض ، كما أن الكون هو قبر بالغ الضيق لما أسماه بالحنين الموسيقي الى الموت. وجد أيضا أن بوذا مستفز( بكسر الفاء ) متفائل حين لم يرد أن يسمي الألم بما هو ، وفق الشائع ، ألم ، في حين أن كل ما هو غيرألم يكون ألما. وما الخواء الا ذلك الحنين الخائب الى الألم. مفهوم أن النيرفانا معاناة أثيرية ، وهي النوع الأكثر روحية للمعاناة . للأسف يسبق الألم كل شيء ، والله، قبل غيره. النباتات تحلم بالعذاب. وهو يطوّح بالبشر. نعم ، كل شيء في الطبيعة هو شعور مسبق بالعذاب.
أعتبر النسّاك المسيحيون أن الصحراء وحدها هي بلا خطيئة ، ولذلك قارنوها بالملائكة. بعبارة أخرى لا نقاء الاّ في اللاشيء. فالوجود مصاب بعدوى التلوث ، تلوث الجوهر. فيما يخص الموت : أحلم أنا بقفص مشترك له / لنا تماما كما طيور الحب. ولولا الكتابة التي أجدها ، وليس أحيانا فقط ، عملية تقيؤ ، لقلت لهذا الجسد / الصخرة السوداء : كفى ، ولرحت مع ( مكمل الحياة ). وفي ذلك الحنين البالغ السرّية الى الموت تكون الحياة مجرد أداء شكلي حيث تحوّل مركز الثقل هناك الى عدم. ولأكن صريحا : بلا حنين الى الموت لما استحق الانسان موقعا خاصا بين الدواب. كل هذا حقيقة بل أكثر : الرغبة في الموت تصبح شيئا ايجابيا اذا أحرقت اكثر، وهي تخدم الحياة أفضل من محفزات كثيرة ...
عزيزي عادل . كل هذا لايعني اغماض العين عن كل هذه المساعي الى تحويل الآخرين ، وبينهم هذا اليائس الأبدي ، الى صنف بائس من الدواب. محبتي والمعذرة على مثل هذاالكلام الذي يبقى ، وللأسف ، لدي راهنا أكثر من غيره.
*
كل رسالة منك جميلة وحميمة. مفهوم أنها مشبعة بذلك الحزن ( الأبدي )... فشكرا على مثل هذا البوح النادر في أيامنا القفر هذه.
خبر سار حقا أنك مثابر على الانتهاء من كتابة الرواية . أتفق معك تماما بأن لا مسافة هناك بين الجنة والجحيم ، خاصة أن الأولى تنتمي ، أولا وأخيرا ، الى واحة افتراضية في الثاني ...
بالطبع أنا بانتظار الرواية.
محبتي واعتزازي واعجابي بكل هذا الزخم المدهش.
*
آسف لتأخري في الجواب على الرسالة. الكومبيوتر كان عاطلا منذ آيار.وكأن هذا لا يكفي فقد تعرضت الصحة لتدهور مفاجيء.المهم اني لا ازال اتنفس واشاهد ( الملهاة / المأساة ) الكبرى ...
تمنياتي الدائمة بمزيد من الشجاعة اليومية عند مواجهة شتى صنوف البرابرة الذين كانوا فد قدموا من زمان...
*
منذ يوم أمس عندي استراحة قصيرة بعيدا عن الأطباء والفحوصات ، وهي فرصة ذهبية كي أستلقي بهدوء تام ثم أنهض لأفعل شيئا من أشياننا اللعينة والملعونة التي قد تزول اللعنة عنها على يد جيل من أحفاد أحفادنا...
وهكذا عدت الى باخ وأخذت أقرأ كييركيغور وربما للمرة المائة ، لوّنت قليلا لكني لا أزال مبتعدا عن الكتابة عدا بركة الكتابة اليك. تجد بورتريهات مرفقة جديدة وأخرى ليست بالقديمة. كما وعدتك سأبحث عن البقية.
يلاحقني التفكير ببغداد والأصدقاء القدامى وتلك الجنّة القديمة رغم أنها لم تكن تخلو من الشياطين. نزار عباس ، عبدالملك نوري ، أرداش كاكافيان ، فؤاد التكرلي وغيرهم وغيرهم.ويحصل شيء قريب من الهذيان حين أتمتع باحاديث وحوارات معهم... وكل هذا ذنب رسائلك التي تحفر كل واحدة فيّ فجوة من جحيم آخر غير ذاك التقليدي.
محبتي أيها العزيز وكن بخير.
*
سعدت برسالتك رغم أن جراحها كثيرة. هكذا نحن : نفكر بالمستحيل ونحن في الممكن الذي أصبح مع كل جيل لاممكنا خاصة أن فصول هذه الكوميدي- دراما البشرية بالغة الطول...
سررت لصدور كتابك وأهتمامك بما كتبته عن جواد. بالطبع ساكون سعيدا اذا قرأت الكتاب.
*
اخبار الابداع عندك عال العال ، وها أن لدي حسدا أبيض. وقد تعرف أيهاالصديق بأني مبتعد عن النشر الورقي رغم الحاح بعض الأصدقاء في العودة الى هذاالنشر. أكيد أنهم محقون كثيرا ، فالنشر الألكتروني شبيه بواقعه الافتراضي : موجود وغير موجود... هناك المشكلة أيضا مع الناشرين الذين لاشيء عندهم سوى همّ الفلوس ومعه السطحية بل الأمية . ولتكن السماء في عونك.
الوضع الصحي يرغمني على الأخذ بالحد الأدنى من الكتابة والتلوين.هناك بعض التفاؤل وهو أني عنود في هاتين القضيتين...
محبتي و تمنياتي في أن تكون سالما ولا تصلك العواصف البربرية.
*
لا أعرف ان كنت ستصل الى قرار في القريب بشأن السفر ، فأنت مثل عالمك النباتي ، بالأحرى الشجري : غارت الجذور عميقا في هذه الأرض المنكودة. أنا كذلك لا أعرف ما أقوله هنا...
باندهولم – تموز / يوليو 2014
السبت، 2 أغسطس 2014
كتاب في حلقات همنجواي في الحلة 17 بلبل لقلق أحمد الحلي:
كتاب في حلقات
همنجواي في الحلة 17
بلبل لقلق
أحمد الحلي
اعتاد العراقيون، وربما معهم شعوبٌ أخرى، أن يقرنوا شهر شباط ببعض الظواهر البايلوجية مثل تصاعد وتيرة الشبق لدى القطط . وكذلك ظهور أولى البشائر لانكسار حدة فصل الشتاء .
بيد أن هناك أحداثاً أخرى، أكثر جسامةً وإيلاماً وقسوة ما تزال تعشعش في ذاكرة العراقيين تحديداً حول هذا الشهر، وأعني بها أحداث 8 شباط في العام 1963 الكارثية، والتي سُمّيت عنوةً وقسراً فيما بعد وإبان هيمنة سلطة البعث الفاشية على مقدرات بلادنا في العام 1968 وما تلاه بـ (عروس الثورات)، والتي هي وفق كل مقاييس العدالة والإنسانية أعتى جريمة يمكن أن ترتكب بحق شعب من الشعوب .
يستطرد صديقي خطاط الوحدة العسكرية مستذكراً ؛
"ما زالت أتذكر أنني كنت في تلك الأيام الحالكات طفلاً أدرس في مرحلة الثاني الابتدائي، حين وقعت الواقعة .
وبطبيعة الحال، وبحكم عامل السن، فلم نكن نفقه كثيراً في شؤون السياسة ومجريات ما يحدث، ومع ذلك، ما زال بوسعي أن أتذكر، أننا وبالرغم من أعوامنا الغضة القليلة، أن جميع الناس من حولنا كان ينتابهم قدرٌ كبيرٌ من الكدر والقلق والقهر، وهو ناجم بطبيعة الحال عن تأثيرات الوسط العائلي والمجتمعي الذي كان يحوط بنا، حيث كان غالبية الناس من حولنا متعاطفين بالضرورة ومتضامنين شعورياً ولا شعورياً مع زعيمهم عبد الكريم قاسم، لما كان يمثله في أذهانهم ووجدانهم من فرصة ذهبية للخروج من ربقة الفقر والمرض والجهل .
ما زال بوسعي أن أتذكر أنه كان ثمة تمثال للزعيم الراحل وضعته إدارة المدرسة عند مدخلها، وكان الذي قام بنحته على نفقته الخاصة معلم مادة الرسم ذاته، الذي اعتنى به كثيراً حتى يخرجه إلى النور على شكل تحفة فنية، وحتى بدا وكأنه الزعيم بكل أناقته وأبهته ونضارته، وقد تعوّدنا، نحن التلاميذ على إلقاء التحية على زعيمنا من خلال مصافحة يده الممدودة للمصافحة عند دخولنا إلى المدرسة وكذلك عند خروجنا منها .
ما يزال هذا المشهد يحمل طراوته الحميمية في أعماقي، فعند وقوع الواقعة، كان ثمة إحساس بالخوف والوجل كان ينتابنا كلما مررنا بالقرب من التمثال، كنا نخشى الاقتراب منه وفي قلوبنا حسرة ولوعة، كنا نحاول الاقتراب لتأدية الطقوس التي اعتدناها، بيد أننا كنا نحس أن ثمة أعيناً كان تتربص بنا وتتلصص علينا، كنا نستشعر أن ثمة قوى مغرقة في قسوتها ووحشيتها هي التي باتت تهيمن على كل شئ في البلاد، ويزداد المشهد قسوة وإيلاماً، حين يتم يطلب بعض المعلمين من بعض التلاميذ، بل ويأمرونهم بالبصاق على التمثال في دخولهم إلى المدرسة وخروجهم منها، بل كنا نشاهد قلة قليلة من التلاميذ وقد استهوتهم رعونتهم تحت تأثير وتشجيع بعض المعلمين يبادرون إلى مصافحة يد الزعيم بوضع أصابعهم الوسطى في يد الزعيم، وأخيراً رأينا فرّاش المدرسة وهو يهوي بفأسه على رأس التمثال .
مثلما مازال بوسعي أن أتذكر، أن إدارة المدرسة، كانوا يحذروننا من النطق بالأهزوجة المحببة التي كنا ننطق بها بعد قراءتنا لـجملة (بلبل لقلق) في القراءة الخلدونية، حيث كنا نهتف بعدها مباشرة بجذل، (طاحظ عفلق)، وإذا كانت إدارة المدرسة قد استطاعت حرماننا من أداء فروض الواجب تجاه تمثال زعيمنا، فإن أحداً لم يستطع قط منعنا من الهتاف بعد النطق بـ مفردتيْ، ( بلبل لقلق) بالعبارة التي أصبحت أثيرة لدينا حتى ونحن ندخل في طور الشباب وما بعده وإن كانت شفاهنا تنطق بها بصوت خافت، كان يساورنا إحساسٌ آنذاك أن العبارة موجودة داخل كتاب القراءة نفسها، وبعد أن يئسنا من العثور عليها، سألنا معلمنا إن كانت العبارة موجودة داخل كتابنا المدرسي أم لا، فأخبرنا أنها ليست موجودة في الكتاب، ولكنها بكل تأكيد موجودة داخل قلوبنا وأنفسنا .
مرّت سنواتٌ ثلاث بعد فاجعة الثامن من شباط ، وبينما أنا في الطريق إلى مدرستي وكنت قد صرت الآن في الصف الخامس الابتدائي، رأيت وجوه الناس وقد علاها الانشراح وبدت عليها علائم البهجة ، كنت أخمّن أن شيئاً ما كبيراً قد حدث لم أفهم كنهه ، وجدت بعضاً من الصبية ممن هم أكبر سناً مني يشكلون حلقةً حول أحد رجال الشرطة وهم يهتفون بفرح وجذل، "صعد لحم نزل فحم"، لم يفعل الشرطي شيئاً سوى أنه كان يبتسم مشاركاً فرحتهم .
فهمت بعد ذلك أن طائرة الرئيس عبد السلام، خصم زعيمنا اللدود وأحد أبرز قاتليه قد سقطت به أثناء جولة له في المنطقة الجنوبية . وبعد أن كبرت وأتيح لي أن أفهم وأستعيد تفاصيل ومجريات الأحداث الدراماتيكية التي جرت في البلاد ، ولا سيما مقتل زعيمنا الذي أحببناه ، فتلبّسني ذلك الزمن والوحشي ، ووجدت قلمي يخط فوق الورقة ما يشبه المرثية ؛
النداء الأخير
مثلما يتأهب العاشقُ
للقاء حبيبته
بعد غيابٍ طال
وقف عبد الكريم قاسم
أمام المرآة وقفتَه الأخيرة
كان ضوءُ الغرفة خافتاً جداً
إلا أن ثمة ضوءً ساطعاً
كان يندلع من عمق المرآة
ويغمر الأشياءَ من حوله
أمسك الزعيمُ بماكنةِ الحلاقة
وعلى عجلٍ شرع بحلق لحيته
التي طالتْ أكثرَ مما يجب
تأكد من أن هندامَه
وقيافتَه العسكرية
كانتا على ما يرام
أمسك بجهاز راديو الترانسستر
كما لو كان لو كان
يُمسك بقارورةٍ سحرية
خاطب ثلّة الجنودِ الذين كانوا
يتأهبون لأخذه بثقةٍ واحترام ؛
" هيا يا أبنائي، لنذهب إليهِ ،
بوسعي الآنَ
أن ألتقيه " !
همنجواي في الحلة 17
بلبل لقلق
أحمد الحلي
اعتاد العراقيون، وربما معهم شعوبٌ أخرى، أن يقرنوا شهر شباط ببعض الظواهر البايلوجية مثل تصاعد وتيرة الشبق لدى القطط . وكذلك ظهور أولى البشائر لانكسار حدة فصل الشتاء .
بيد أن هناك أحداثاً أخرى، أكثر جسامةً وإيلاماً وقسوة ما تزال تعشعش في ذاكرة العراقيين تحديداً حول هذا الشهر، وأعني بها أحداث 8 شباط في العام 1963 الكارثية، والتي سُمّيت عنوةً وقسراً فيما بعد وإبان هيمنة سلطة البعث الفاشية على مقدرات بلادنا في العام 1968 وما تلاه بـ (عروس الثورات)، والتي هي وفق كل مقاييس العدالة والإنسانية أعتى جريمة يمكن أن ترتكب بحق شعب من الشعوب .
يستطرد صديقي خطاط الوحدة العسكرية مستذكراً ؛
"ما زالت أتذكر أنني كنت في تلك الأيام الحالكات طفلاً أدرس في مرحلة الثاني الابتدائي، حين وقعت الواقعة .
وبطبيعة الحال، وبحكم عامل السن، فلم نكن نفقه كثيراً في شؤون السياسة ومجريات ما يحدث، ومع ذلك، ما زال بوسعي أن أتذكر، أننا وبالرغم من أعوامنا الغضة القليلة، أن جميع الناس من حولنا كان ينتابهم قدرٌ كبيرٌ من الكدر والقلق والقهر، وهو ناجم بطبيعة الحال عن تأثيرات الوسط العائلي والمجتمعي الذي كان يحوط بنا، حيث كان غالبية الناس من حولنا متعاطفين بالضرورة ومتضامنين شعورياً ولا شعورياً مع زعيمهم عبد الكريم قاسم، لما كان يمثله في أذهانهم ووجدانهم من فرصة ذهبية للخروج من ربقة الفقر والمرض والجهل .
ما زال بوسعي أن أتذكر أنه كان ثمة تمثال للزعيم الراحل وضعته إدارة المدرسة عند مدخلها، وكان الذي قام بنحته على نفقته الخاصة معلم مادة الرسم ذاته، الذي اعتنى به كثيراً حتى يخرجه إلى النور على شكل تحفة فنية، وحتى بدا وكأنه الزعيم بكل أناقته وأبهته ونضارته، وقد تعوّدنا، نحن التلاميذ على إلقاء التحية على زعيمنا من خلال مصافحة يده الممدودة للمصافحة عند دخولنا إلى المدرسة وكذلك عند خروجنا منها .
ما يزال هذا المشهد يحمل طراوته الحميمية في أعماقي، فعند وقوع الواقعة، كان ثمة إحساس بالخوف والوجل كان ينتابنا كلما مررنا بالقرب من التمثال، كنا نخشى الاقتراب منه وفي قلوبنا حسرة ولوعة، كنا نحاول الاقتراب لتأدية الطقوس التي اعتدناها، بيد أننا كنا نحس أن ثمة أعيناً كان تتربص بنا وتتلصص علينا، كنا نستشعر أن ثمة قوى مغرقة في قسوتها ووحشيتها هي التي باتت تهيمن على كل شئ في البلاد، ويزداد المشهد قسوة وإيلاماً، حين يتم يطلب بعض المعلمين من بعض التلاميذ، بل ويأمرونهم بالبصاق على التمثال في دخولهم إلى المدرسة وخروجهم منها، بل كنا نشاهد قلة قليلة من التلاميذ وقد استهوتهم رعونتهم تحت تأثير وتشجيع بعض المعلمين يبادرون إلى مصافحة يد الزعيم بوضع أصابعهم الوسطى في يد الزعيم، وأخيراً رأينا فرّاش المدرسة وهو يهوي بفأسه على رأس التمثال .
مثلما مازال بوسعي أن أتذكر، أن إدارة المدرسة، كانوا يحذروننا من النطق بالأهزوجة المحببة التي كنا ننطق بها بعد قراءتنا لـجملة (بلبل لقلق) في القراءة الخلدونية، حيث كنا نهتف بعدها مباشرة بجذل، (طاحظ عفلق)، وإذا كانت إدارة المدرسة قد استطاعت حرماننا من أداء فروض الواجب تجاه تمثال زعيمنا، فإن أحداً لم يستطع قط منعنا من الهتاف بعد النطق بـ مفردتيْ، ( بلبل لقلق) بالعبارة التي أصبحت أثيرة لدينا حتى ونحن ندخل في طور الشباب وما بعده وإن كانت شفاهنا تنطق بها بصوت خافت، كان يساورنا إحساسٌ آنذاك أن العبارة موجودة داخل كتاب القراءة نفسها، وبعد أن يئسنا من العثور عليها، سألنا معلمنا إن كانت العبارة موجودة داخل كتابنا المدرسي أم لا، فأخبرنا أنها ليست موجودة في الكتاب، ولكنها بكل تأكيد موجودة داخل قلوبنا وأنفسنا .
مرّت سنواتٌ ثلاث بعد فاجعة الثامن من شباط ، وبينما أنا في الطريق إلى مدرستي وكنت قد صرت الآن في الصف الخامس الابتدائي، رأيت وجوه الناس وقد علاها الانشراح وبدت عليها علائم البهجة ، كنت أخمّن أن شيئاً ما كبيراً قد حدث لم أفهم كنهه ، وجدت بعضاً من الصبية ممن هم أكبر سناً مني يشكلون حلقةً حول أحد رجال الشرطة وهم يهتفون بفرح وجذل، "صعد لحم نزل فحم"، لم يفعل الشرطي شيئاً سوى أنه كان يبتسم مشاركاً فرحتهم .
فهمت بعد ذلك أن طائرة الرئيس عبد السلام، خصم زعيمنا اللدود وأحد أبرز قاتليه قد سقطت به أثناء جولة له في المنطقة الجنوبية . وبعد أن كبرت وأتيح لي أن أفهم وأستعيد تفاصيل ومجريات الأحداث الدراماتيكية التي جرت في البلاد ، ولا سيما مقتل زعيمنا الذي أحببناه ، فتلبّسني ذلك الزمن والوحشي ، ووجدت قلمي يخط فوق الورقة ما يشبه المرثية ؛
النداء الأخير
مثلما يتأهب العاشقُ
للقاء حبيبته
بعد غيابٍ طال
وقف عبد الكريم قاسم
أمام المرآة وقفتَه الأخيرة
كان ضوءُ الغرفة خافتاً جداً
إلا أن ثمة ضوءً ساطعاً
كان يندلع من عمق المرآة
ويغمر الأشياءَ من حوله
أمسك الزعيمُ بماكنةِ الحلاقة
وعلى عجلٍ شرع بحلق لحيته
التي طالتْ أكثرَ مما يجب
تأكد من أن هندامَه
وقيافتَه العسكرية
كانتا على ما يرام
أمسك بجهاز راديو الترانسستر
كما لو كان لو كان
يُمسك بقارورةٍ سحرية
خاطب ثلّة الجنودِ الذين كانوا
يتأهبون لأخذه بثقةٍ واحترام ؛
" هيا يا أبنائي، لنذهب إليهِ ،
بوسعي الآنَ
أن ألتقيه " !
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)