الثلاثاء، 15 أبريل 2014

الحلم والأسطورة [مقاربات في الفن التشكيلي]-

الحلم والأسطورة
[مقاربات في الفن التشكيلي]


      عن دار آراس للطباعة والنشر، في اربيل، إقليم كردستان العراق، صدر للكاتب والقاص جاسم عاصم دراسة في النقد التشكيلي بعنوان [الحلم والأسطورة/ مقاربات في الفن التشكيلي] ضم الكتاب 25فصلا ً تناول فيه موضوعات التجربة الفنية في العراق، وعلاماتها، إلى جانب وقفات نقدية خاصة بفروع الرسم والنحت والخزف. وقد جاء في مقدمة الكاتب: " تسعى هذه القراءات البصرية إلى رصد بعض اللوحات العائدة إلى فنانين، ربما لم تطأ القراءة عتباتهم. وقد اعتمدت القراءات مبدأ عد ّ اللوحة نصا ً يسعى للاستفادة من كل ما أنتجه العقل ليكون السدة واللحمة لمثل هذه الفعالية الإنتاجية، حيث يكون السعي وممارسة تبادل الآلية جزءا ً من حالات تخليق محتوى اللوحة. فالجدار واحد من ذلك الانتباه المساير لما كان يعدّه الإنسان القديم طرسا ً يخط على سطحه مجموعة تمائمه ورموزه التي أنتجها عقله من خلال علاقته بالطبيعة ومجرياتها" الكتاب بالحجم المتوسط وبـ 192 ومزود بالعديد من اللوحات التشكيلية الملونة.

قصة قصيرة دعيني اقبل سيفك د. بلقيس الدوسكي-

قصة قصيرة

دعيني اقبل سيفك

د. بلقيس الدوسكي


    امرأة جريئة ورثت الكبرياء، والفروسية، والصلابة عن جدها، ووالدها، وأخوتها الثلاثة الذين فتك بهم الغدر. لقد كان والدها رجلا ً فارسا ً هماما ً يخشاه أقوى الأقوياء، وأشجع الشجعان. كان أكرم من جميع الكرماء، لكن الزمن ...، الزمن هو  من سلبه قوته، وأقعده، وتركه أسير البيت.
ـ أبي ...، من يتطاول عليك، أو يفكر الإساءة إلى شيخوختك، ليأتي إلي ّ ويبارزني، فقسما ً بالله سأجعل رأسه كرة يلعب بها صبيان قريتنا.
ـ اسمعي يا ابنتي الشجاعة، أنا أكرة منظر الرؤوس التي تتطاير عن أجسادها، فانا أحب الأيدي البيضاء وهي تتصافح وتتبادل الورود، والحناء.  فقد كان هذا هو شعاري حتى عندما كنت أباغت عدوي وأنا أعيد له فرسه، وسيفه، كي يعود سالما ً إلى بيته، والى ذويه.
ـ لكن بعضهم، الآن، يحاول ان يستغل شيخوختك وضعفك ليذلنا ويسرق إبلنا ويطفئ نار خيمتنا.
ـ من لديه مثل هذه النوايا السيئة، ليأتي يا ابنتي..
ـ ليأتي من يشاء، فانا أتحرق غضبا ً لمجيئه، لأن سيفي لن يبغى في غمده.
ـ ليكن سيفك أكثر رحمة يا ابنتي العزيزة..
ـ انه سيفك يا أبي، وقد كان رحيما ً وحكيما ً...، ولكن الا ترى معي، ان للسيف غضبته؟!
ـ نعم، ولكن عندما لا يبقى في الساحة غير فراره.
     في المساء، جاء ثلاثة فرسان ملثمين، صاح احدهم:
ـ ليخرج إلينا من في الدار...، ليقابلنا من يتمنى الموت!
   فخرجت إليهم مروة، ابنة الشيخ العليل، صارخة:
ـ أهلا ً بمن سأخمد أنفاسهم الشريرة.
  أجابها احدهم بشيء من السخرية:
ـ الرجال لا يواجههم إلا الرجال!
ـ للنساء عزيمة لا يمتلكها الكثير من الرجال، وان سيفي يتحرق غيضا ً لثلم سيوفكم وعقر خيولكم، والإطاحة برؤوسكم أيها اللصوص الأذلاء، الجناة، السفهاء. يا من خرجتم على شرائع السماء وأعراف الأرض.
    وبعد نزال لم يدم أكثر من نصف ساعة استطاعت مروة ان تجردهم من سيوفهم، حتى أصبحوا أمامها أشبه بالرعاديد الذين خارت قواهم وباتوا يستحقون العطف والشفقة، بعد ان أصابهم الذعر، والخوف الشديدين. فهربوا وهم يبحثون عن خيولهم التي ولت الأدبار هاربة قبلهم. ثم عادت مروة إلى والدها لتسأله:
ـ والآن يا أبتي ماذا تقول...؟

ـ أعطني سيفك كي اقبله!

الاثنين، 14 أبريل 2014

ذاكرة الإبداع العراقي مي ّ ورافع الناصري: نختلف في بعض الأشياء وأحلامنا واحدة!-عادل كامل

ذاكرة الإبداع العراقي
مي ّ ورافع الناصري:
نختلف في بعض الأشياء وأحلامنا واحدة!



مي ّ: نختلف في التفاصيل البيتية!
رافع: الحزن يؤدي إلى الإبداع العميق.
مي ّ: الحلم أمتع لحظات فراغي.
رافع: لا اعرف لماذا ارسم!


   كلاهما، الفنان رافع الناصري، والقاصة الشاعرة مي ّمظفر، يلتقيان في رؤية متجانسة: البحث عن (حياة) مشحونة بشرارات الإبداع والإيمان بالفن وجمالياته.
  وكلاهما يتفقان على ان الثقافة حياة يومية، وليس (الفراغ)، إلا استراحة بين حلقتين من حلقات الإبداع، وان الحياة اليومية الممتدة، عميقا ً في الماضي والنابضة بالحاضر هي ضرب من ضروب الفنون الإنسانية الراقية، وهي التي تمتد نحو آفاق المستقبل.
   قبل ان امسك بالقلم، وقبل ان أفكر بالسؤال الأول، كنت أتساءل بصوت مسموع: لو منح كل منا ـ كل كائن إنساني ـ سعادة لسواه، ولو منع كل كائن منا فعلا ً مضرا ً بسواه، فماذا ستكون الحياة عليه..؟
 ابتسمنا أربعتنا ـ مع الزميل المصور ـ بحذر، وحدقنا في فضاء بعيد: ربما ما ندعوه بالحلم. رافع الناصري أطلق عليه: ومضى الآتي. مي ّ مظفر قالت: ربما هو الإنسان في سياق شفافيته القادمة.
 على كل إنها كلمات!
  وهكذا بعد ساعة تماما ً من تبادل الأفكار حول الفن الذي لا نخاف عليه من الزوال، وبذل العطاء للناس جميعا ً، طلبت من الفنان الناصري ان يتوجه بسؤال (حر) إلى زوجته مي ّ.
   قبل هذا اعترف أني غالبا ً ما كنت ادع الإجابة ليكملها القاريء. أي أني لا اعتمد الحوار، الذي تنمو فيه فكرة محددة، بل الحوار الذي يشاركنا القاريء فيه، كأنه هو الذي يجريه، وكأنه أيضا ً هو الذي يمتلك حق الإجابة. على كل، هذه واحدة من محاولات قد تؤدي إلى نمط أدق للتعريف بمدعينا وفنانينا المعاصرين الكبار..
الآن نعود إلى سؤال الفنان رافع الناصري إلى السيدة مي ّ: السؤال الذي لم يسأله من قبل.
(قال: انه امتحان. صمت. ابتسم. لا يوجد سؤال. قالت مي ّ: طوال الوقت نتحدث معا ً!
ـ رأيك الصريح بعملي الفني..؟
ـ سؤال تقليدي.
وقال انه لم يسألها  السؤال: ذات مرة تحدثت عن لوحة ..
ـ ماذا كانت اللوحة..؟
مي ّ: ليست لوحة معينة.. كل إنتاج جديد.. الأخير مثلا ً..
ـ ماذا تقولين في الأخير..؟
ـ اعتقد إنها مرحلة جديدة فيها وحشية غريبة عليه!
* ماذا تقول يا رافع ..؟
ـ مسألة طبيعية للحالة النفسية التي أعيش فيها في الوقت الحاضر.. ربما بسبب حالتي الذهنية.. فانا من النوع الذي لا ادعي الأشياء. عملي الفني يسيرني ونادرا ً ما أسيره!
* تقصد ان لمسيرتك الفنية أثرا ً مباشرا ً في انجاز اللوحة، أو المواصلة والاستمرارية..؟
ـ هذا صحيح. والعمل الفني لا يجرد عن ظروفه.. فالعمل ينتمي إلى تراكم الخبرة وينمو بعوامل كثيرة .. والخلاصة هي اللوحة..لأنها مجموعة تراكمات هذه الأشياء كلها.
* هل ترسم يوميا ً..؟
ـ تقريبا ً. وإذا لم ارسم أفكر في اللوحة.
* ماذا تشعر عندما لا تحقق النتيجة التي تتوخاها.
ـ أعادي العالم كله! (أكلب الدنيا).
 قالت مي ّ: حالة عصبية.
* هل اللوحة جسر لسعادة غامضة..؟
ـ اللوحة جسر لكل السعادات الغامضة. اللوحة وجود.
مي ّ: هل لديك تعليق..؟
ـ انظر للعمل بالقدر الذي يؤثر في ّ.
* ما نوع تأثير عمل رافع عموما ً، من وجهة نظر ناقدة فنية ومتذوقة على حد سواء؟
ـ لوحات رافع قادرة على اقتحام النفس، والتغلغل إليها بشفافية بحيث تخلق الحالة النفسية التي تفرض نفسها.
* أحيانا ً أرى لوحات رافع جميلة ومضادة للجمال نفسه؟
رافع: رأي غريب!
*انه ـ العمل الفني ـ يضعنا في سؤال غامض، ربما صوفي، لكن الجمال يذكرنا  بأحلام حقيقية ووهمية معا ً. اقصد من هذا ان أعماله تمتلك عدة إيحاءات والجمال ضرب من صوفية سلبية؟
مي ّ: اعتقد ان الجمال في عمل رافع لا يمتلك هذه السلبية. وليس هناك تلاشي في الأفق بقدر ما هناك امتدادات تأخذ العين إلى أبعاد لا متناهية.
* ماذا تعلق على أراء الناقدة مي ّ؟
ـ كلاكما بلغتما تشخيصات تخص اللانهائية في لوحاتي.
* اللانهائي ابتداء ً من الجزئي، من الملموس، أليس كذلك..؟
ـ بالتأكيد، كل الأشياء تبدأ بالجزئيات.
* حسنا ً: ألا ترى ان حالة الاغتراب تبدأ من هنا بالذات..؟
ـ في الفنون التجريدية الاغتراب عن الواقع هو الواقع نفسه، فاللوحة التجريدية يكون الواقع فيها أساسيا ً، ومن جزئيات هذا الواقع تكتمل اللوحة.
سؤال صعب
* أود من القاصة مي ّ ان تسأل الفنان الناصري أي سؤال؟
( قال لها: لا تسأليني عن فني. قالت: أنا لست تقليدية. ثم سألت سؤالا ً غير قابل للنشر ـ شخصي جدا ً ـ قالت يعد ذلك: هذا سؤال صعب. قالت له: ماذا أسألك يا رافع؟
قال: لا اعرف. أنت حرة. ثم نظرت في ّ: حيرتني! أرجوك اجل هذا السؤال. هذا السؤال بحاجة إلى خيال.
قال رافع لي: حقا ً إنها لم تمارس العمل الصحفي)
فسألتها:
* حسنا ً: لو ترك رافع الرسم فكيف تنظرين إليه..؟
ـ اشك انه في حالة مرضية ويجب ان يعالج!
* أحيانا ً يكتب الناصري بعض ـ الملاحظات النقدية.. لماذا يفعل ذلك.. في تقديرك؟
ـ لأن هناك كثيرا ً من الأمور، يعتقد انه يجب ان يثبتها: سواء كان موقفا ً نقديا ً أو يخص التقاليد المهنية.
الخصام الجميل

* ما الجميل في حياتكما؟
قالا: التفاهم.
* ألا يحدث ان تزعجكما حالة من حالات النقد أو ما يماثلها؟
مي ّ: كثيرا!
* مثلا ً؟
ـ حين اقرأ عليه شيئا ً لا يعجبه، وأرى عملا ً اعترض عليه .. ويصل الخلاف الى المعركة!
* وكيف ينتهي هذا الخصام الجميل بينكما عادة؟
ـ برضوخ احد الطرفين للآخر، ولكن بعد حين، وبعد القناعة طبعا ً. وأعترف انه أكثر مني تقبلا ً للنقد.
* لهذا كان الشعر لديك وسيلة تعبر عن رهافة الحس؟
ـ لا اعتقد ان لهذا علاقة...
* هل كانت لديك محاولات للرسم ..؟
ـ أبدا ً.
* الفنان رافع: هل جربت ان تكتب قصة؟
ـ الشعر!
* الم تنشره؟
ـ لم انشره.
* بصدد وحدة الفنون، كيف ترى صلة الشعر بالرسم..؟
ـ حالة الشعر وحالة الرسم حالة واحدة، وكلتاهما حالة إبداعية واحدة. لو كنت لدى الأدوات الشعرية بمستوى الرسم لتركت الرسم وأصبحت شاعرا ً. دون شعر لا نستطيع ان نعيش.
* ماذا يعني الشعر لديك في بلد مؤسس على ملاحم شعرية منذ جلجامش ..؟
ـ أي إنسان بدون خيال وحلم لا يستطيع ان يعيش.

لا نختلف في أحلامنا
* أي شيء لا تختلفان فيه؟
مي ّ: كثير من الأشياء لا نختلف فيها: علاقاتنا بالآخرين، ذوقنا في القراءة متقارب تقريبا ً.
رافع: أحلامنا!
* وأي شيء تختلفان فيه يوميا ً؟
مي ّ: التفاصيل البيتية الصغيرة!
رافع: الوقت.
* ماذا تعني بالوقت ..؟
ـ تجريدية .. دعها هكذا!
الحزن حالة عميقة ولا تفسر


* سؤال لمي ّ مظفر: أكثر الأشياء حزنا ً تؤدي أحيانا ً إلى كتابة قصة أو قصيدة.. هل للمسرة اثر في تفجير فكرة إبداعية..كيف؟
ـ بالنسبة لي: في حالة الحزن والفرح الشديدين أكون في حالة شلل كامل. وكل ما يكتب في مثل هذه الحالة يكون ناقصا ً وغير ناضج.
* ما الحالة الاعتيادية للكتابة إذن؟
ـ بعد ان تزول ذروة الحزن وتبدأ التجربة بالتغلغل في الفكر لتستقر.
* رافع: أيحدث هذا لك؟
ـ ليس في حالة الفرح الشديد ولكن في حالة الحزن الشديد اعمل بعمق أكثر. أحسن ما عملت مؤخرا ً بعد وفاة والدي.
* هل لي بتعريف لهذا الحزن: هو حسي تماما ً ـ أم ثمة إشكالات من نوع آخر؟
ـ الحزن ليس بإشكال: انه حالة إنسانية عميقة جدا ً لا يمكن تفسيرها.
* تقصد الحزن المتسامي: الحزن الذي يصير مادة الجمال والرؤيا ..؟
ـ بالتأكيد هو الحزن الذي يؤدي إلى هذه النتائج: الحزن يدفع الإبداع الى حالات عميقة.
* ألا ترى ان سؤالي الأول: في البدء قصدت به ان الجمال ضرب من الحلم الصوفي.. وقد أقول انه ـ في أعمالك الفنية ـ احتفاء بأبدية مهددة بالزوال؟
ـ لو اتفقنا بان الفن هو الحياة فان أي إنسان يخاف على زوال حياته، إذن يخاف على زوال فنه، لأن كل شيء يمتلكه الإنسان مهدد بالموت.
* ما الخالد في عمل الإنسان؟
ـ الفن.
* ألا ترى ان الفن، مثل الحياة، يتفتت ويذوب ويتلاشى عندما نكون في بؤرة ، حلم ـ المستقبل؟
ـ أبدا ً، لأن الفن مادة أزلية!
* ما الذي يجعل الفن مادة أزلية ..؟
ـ عناصره الأساسية: شهادته على عصره.. تمثيله لجماليات ذلك العصر.. توقه إلى المستقبل دائما ً.. شعور الفنان الأزلي بالخلود.

النقاد يسألون ...!


*الأشكال كثيرة، لكن الدائرة، والكرة، بل نصف الكرة تسيطر عليك في الفن سيطرة عارمة.. ما الأسباب ؟
ـ هي عناصر طبيعية.. وأحسها عناصر من طبيعتنا.
* أود ان أضيف للسؤال: هل للدائرة من فلسفة لديك؟
ـ هي الكون.. هي النافذة التي تطل على العالم اللا متناهي.
* شكلان من الشعر في تجربتك. في الأول تتحدثين عن المستقل، وفي الآخر تتحدثين عن الماضي.. امن تفسير.. والسؤال من الناقد عبد الجبار داود البصري؟
ـ وجهة نظر.
* ما اختصاصك بالضبط؟ السؤال من الفنان ماهود احمد..؟
ـ هل يمكن الإجابة على السؤال بسؤال مماثل؟
* نعم، شرط ان نعود إلى السؤال.
ـ الفنان ماهود احمد اخذ بطرق كل الأبواب حتى صار يكتب شيئا ً يقول انه شعر!
* نعود إلى سؤال الدكتور ماهود احمد..
ـ أنا أتعامل بالكلمة.. ولم أتعامل بغيرها.. وكل طريق بهذا الاتجاه مفتوح أمامي.. لأن الثقافات سواق ٍ تصب الواحدة في الأخرى.
* وأحب هذه السواقي لديك؟
ـ الشعر، لأنه المنبع.
* يراك البعض قاصة بالدرجة الأولى...؟
ـ كتبت القصة لأجد متنفسا ً آخر بعد ان ضاق بي ّ الشعر.
* لماذا الكتابة في الفن التشكيلي.. أمن تفسير ؟
ـ دراستي للشعر قادتني بالضرورة لدراسة الفنون التشكيلية للعلاقة الوثيقة التي تربطهما ابتداء من ثورة الحداثة.
* كل الأشجار تخضر  وتخضوضر.. ما الذي غيّب كل الأشجار واخضر التين في قولك (وان التين قد خضّرْ) والسؤال من مدني صالح؟
ـ لأنها أول ورقة خضراء تبشر بقدوم الربيع.
* كم تحبين لو كان اسمك (ميَة) التي في العلياء يامي ّ مظفر التي في بغداد؟
ـ من يحبني من الأصدقاء وبضمنهم رافع ينادونني (ميًة).
الالتزام يبدأ بالعمل الفني


هل يعتقد رافع الناصري انه فنان من الطراز الأول؟ سؤال من ماهود احمد؟
ـ وهل من شك لديه؟
* ما مدى مساهمة أعمالك في التزام قضايا الإنسان العربي، والسؤال لماهود احمد أيضا ً..؟
ـ ما هو الالتزام؟ اعتقد انه يفسر الالتزام من وجهة نظره الشخصية، بينما اعتقد أنا بان الالتزام هو ما اطرحه في عملي الفني وهو خلاصة هموم إنساننا العربي. الالتزام ليس بطرح الواقع كما هو فوتوغرافيا ً (مع احترامي للفن الأخير) بل انه تعبير عن خيال وحلم وثورة الإنسان العربي بصيغ متطورة التي هي جزء من تطور المجتمع العربي ومعاصرته.
  وعلقت مي ّ على السؤال قائلة:
ـ اعتقد ان ربط العمل الإنساني بالتشخيصي من البديهيات التي تجاوزناها او تجاوزها الفن الحديث.
* الجمال في الفن مادة للروح الأصلية: التشخيصي أو المجرد أو أي اتجاه هو جزء من فاعلية ضرورية .. أي بلد من التنوع ضمن وحدة كلية قد نطلق عليها: سحر الفن أو ثراء التجربة بكل معناها الإنساني. أليس كذلك؟
مي ّ: لأن التجربة إنسانية أصلا ً.
*إذن لا يمكن ان نتحدث عن فن غير ملتزم؟
ـ كل فن جيد ومؤثر هو ملتزم.
رافع: وكل فنان جيد ومخلص لعمله الفني ملتزم بالضرورة.
*كيف تقيم بيان الرؤية الجديدة الآن: هل له علاقة بالبيان الشعري؟ فقد صدرا في وقت واحد..
ـ السؤال يوضح الجواب، فالزمن الذي صدرا فيه (1969) زمن عربي خاص: يبدو لي الآن بأنهما مهمان في مسيرة الرسم والشعر.
التأمل .. والحلم


* ما أمتع لحظات الفراغ عندك يا رافع؟
ـ التأمل.
* ولديك يا مي ّ؟
ـ الحلم.
* هل يمكن ان أتعرف على معنى الفراغ لديكما؟
رافع: هو الزمن الذي يفصل بين حالة إبداعية وأخرى.
مي ّ: هي اللحظة التي أحس فيها بأنني غير مطالبة بشيء!

لا ننسجم في كل شيء!

* هل تنسجمان في مشاهدة مباراة لكرة القدم ؟
مي ّ:لا. لا أراقب كرة القدم.
 رافع: كلا. أشاهد بعضها. وأشاهد بعضها، وأحب مشاهدة الأهداف.
* في الحديقة، أيكما أكثر اهتماما ً بالزراعة ..؟
مي ّ: هو يحب الزراعة.. وأنا أحب النتائج واستعجلها!
* لو طلبت منك ان تكوني ناقدة لأعمالك .. فكيف تقيمينها؟
ـ أعمالي تقع بين القصة والشعر. صعب ان افعل هذا. كل ما استطيع ان أقوله هو أني اعرف أين أقف. واعتقد ان هذا ليس بالشيء السهل.
* هل هناك ناقد توصل إلى هذا الحكم، ولنقل: هل كان للنقد من اثر ما، في تجربتك؟
ـ لم يكتب عني النقد إلا قليلا ً.. ولم يكن له أي اثر!
* غريب، ما تفسيرك لهذا؟
ـ أنا مستغربة أيضا ً.
* أتتفقين معي ان الكاتب من الطراز الأول ليس بحاجة إلى ناقد من الطراز الثاني؟
ـ اعتقد انه سواء من الطراز الأول أو الثاني: فالكاتب أو المبدع بحاجة إلى من يقرأ عمله بعمق.
* العمل الإبداعي عمل نقدي أصلا ً؟
ـ ليس هذا بالضبط .. فانا اعتقد بان المبدع الجيد هو بالضرورة يتمتع بحس نقدي يجعله قادرا ً على تصحيح مسيرته بين حين وآخر.
* كتابتك، عامة، قليلة، هل من تفسير لهذا ؟

* وأنت يا رافع: أنشط من السيدة مي ّ؟
ـ ليس بالضرورة، لكني متواصل في العرض.
* أستاذ رافع: هل تنتظر كلمة ما من النقد.. وهل يهمك النقد كثيرا ً؟
ـ وكيف لا يهمني والعمل الفني هو عملية جدلية بين الإنتاج ونتائجه.
* وهل لديك تصورات عن المراحل القادمة لأعمالك الفنية؟
ـ بالتأكيد لا ..
* ولكني أراك من أكثر الفنانين اهتماما ً بالجانب العقلي في صناعة العمل الفني..لا تترك للمصادفات دورا ً مهما ً..
ـ هكذا تبدو نتائج اللوحة.. ولكن فيها الكثير من العفوية!

لوحات فيها الكثير من الشعر

* هل تفكران بعمل مشترك؟
رافع: كان لدينا ديوان مشترك (رسم ـ شعر) ولكننا لم ننجزه.
* ربما بسبب الكلفة؟
مي ّ: أكيد.
*عندما ترسم.. هل ثمة ملاحظات من مي ّ تسهم في انجاز عملك؟
ـ الملاحظات تأتي بعد انجاز العمل الفني..
* السيدة مي ّ: هل من أفكار قصصية أو شعرية تولدها لديك تأملات لوحات رافع ..أو عالم اللوحة السحري؟
ـ إنها قريبة إلى نفسي للحد الذي يجعلني أحس بأنها أنا .. وفيها الكثير من الشعر.
لماذا ارسم ؟

رافع: اود ان تسأل نفسك السؤال الذي لا تستطيع الاجابة عليه؟
ـ لماذا ارسم؟
* هل يمكن للناقدة مي ّ الإجابة على هذا السؤال؟
ـ لأني اعتقد إنها عملية ممارسة للحياة نفسها.
* أود ان تسألي من نفسك السؤال الذي لا تمتلكين الإجابة عليه؟
ـ بعد الانتهاء من عمل ما اعتقد انه ناضج أتساءل: هل صحيح أني عملت ذلك وكيف؟
* السيدة مي ّ: هل لتشجيع الآخرين اثر في مواصلة الإبداع؟
ـ نعم. بعضهم يساعدني.
* ماذا تفعلين عندما تواجهك صعوبات أو معوقات لانجاز عمل حسب تصورك؟
ـ ابكي.
* بعد ذلك؟
ـ أحاول من جديد.
الصحراء والبحر

ما أحب الألوان لديكما؟
رافع: الفيروزي.
مي ّ: الأحمر المشبع بالبني.
البحر أم الصحراء؟
رافع:الصحراء.
مي ّ:البحر والصحراء.
*أحب الأشجار لديكما؟
رافع: النخل.
مي ّ: المشمش.
* أحب الشعراء العالمين لديكما؟
رافع:جاك برفير.
مي ّ: جوته.
* شاعر عراقي معاصر؟
رافع: رشدي العامل.
مي ّ: سامي مهدي.
* فنان تشكيلي عراقي معاصر؟
رافع: شاكر حسن.
مي ّ: شاكر حسن.
* مطرب عراقي معاصر؟
رافع: يوسف عمر.
مي ّ: زهور حسين.
* أحب روائي عراقي ؟
رافع: فؤاد التكريتي.
مي ّ: أيضا ً.
* أحب المعلقات لديكما؟
رافع: معلقة امرؤ ألقيس.
مي ّ: معلقة طرفة.
* أفضل وسائل السفر لديكما؟
رافع: القطار.
مي ّ: السيارة.
* أحب الفصول؟
رافع: الخريف.
مي ّ: أيضا ً.
ناقد عراقي تقرءان له؟
رافع: مي ّ وسعدون فاضل.




مي ّ: كتابات متفرقة.
جواد سليم

* أرجو من رافع ان يسألني أي سؤال؟
ـ اذكر لي خمسة فنانين من الطراز الأول...؟
ـ بدون إحراج اذكر جواد سلين فقط!
السيدة مي ّ: هل لديك سؤال؟
ـ لماذا تسأل كل هذه الأسئلة.
* هو حوار...!
ـ هي محكمة!
* أبدا ً ... كنت اسأل وكانت لديك الحرية المطلقة بالإجابة..
ـ الحوار  ان تنشأ  فكرة وتنمو بين اثنين.. أما هنا فالأسئلة محدودة وقاطعة أحيانا ً والأجوبة عنها يجب ان تكون محدودة أو بكلمة واحدة.
* سؤال لكما .. سؤال أخير: هل تعتقدان ان القاريء واصل متابعة هذا الحوار..؟
رافع: ان كان لديه قليل من الجدية وقليل من المرح سيتابعه بكل تأكيد.
مي ّ: هذه مسؤوليتك!!
عادل كامل/ مجلة ألف باء/ مطلع ثمانينات القرن الماضي

ملف حول الفنان رافع الناصري- عادل كامل

ملف حول الفنان رافع الناصري




رافع الناصري
المعلم


عادل كامل
     لم نخسر رافع الناصري، برحيله، اليوم، بل خسرناه عندما وجد انه لا يمتلك إلا ان يغادر مشغله في بغداد، بحثا ً عن هواء صالح للتنفس: نهاية مازالت تجرجر مقدماتها معها، من غير خاتمة. فالفنان الذي أكمل دراسته في معهد الفنون الجميلة ببغداد، وبكين، ولشبونة، عاد ليؤسس ورشة لفن الطباعة (الكرافيك) في المعهد الذي درس فيه ببغداد. ورشة للطلاب، وأخرى شخصية، لكنها سرعان ما تحولت إلى مشغل للعمل الجمعي.
   فالذي تعلمه من الأستاذ فائق حسن، ومن الرواد عامة، طوره في بكين، بدراسة أصول أقدم فن، هناك، ثم تعرف على التقنيات المتقدمة له، بأصولها الأوربية، في لشبونة. وخلاصة هذا الدرس، أن رافع الناصري، تعلم أن (يتعلم) وان يكون (معلما ً)، مثل أستاذه فائق حسن، وأساتذته في الصين، والبرتغال.
   وكلمة معلم، جديرة بفنان كرس حياته للفن، وللفن بصفته علامة حضارية، أكثر من أية كلمة أخرى. فالمعلم اجتمعت فيه خصال لم تتوفر إلا لدى (أسطوات) وادي الرافدين، ولدى الحرفيين القدماء، كالصاغة، والخطاطين، والنساجين، والحفارين، والبنائيين في العراق القديم.
   تعلم كيف يتعلم. وهذا لا علاقة له، بفنه، أو حتى بشخصيته، بل له علاقة بأخلاقيات العمل. بالحرفي البغدادي الذي ترجع جذوره إلى سومر وأكد، وبالحرفي الصيني التي ترجع  جذوره إلى كونفشيوس، وبحرفي أوربا الكبار أمثال دورر، ورامبرانت، وغويا، ومونخ. وهي أصول اشتركت فيها حضارات متعددة، تاريخية ومعاصرة، لكنها مكثت تتقدم مع تقدم المفاهيم، والتقانات.
    وإذا كنت كتبت فصولا ً عن فن الناصري، وتحولاته، وتنويعاته، فان دوره، كمعلم، تبقى لها أهمتها الخاصة.  فهو يشترك مع عدد من (المنفيين) حمل رسالة (المعلم)، في عالم تحول إلى قرية صغيرة، خارج مساحات المنافي، والغربة. فأسس مشاغل عدة، في عمان، والمنامة، ودرس في أكثر من معهد، ومديرية، وجامعة، ليس بدافع تفرده بالحرفة، وألغازها، وأصولها، بل لأنه أدرك ان دور (المعلم) إن غاب، فان الفوضى لن تبني حضارة.
   ومفهوم فن الطباعة يعد من أقدم المفاهيم: فالختم السومري، بصفته أقدمها، يعد الأقدم بتكرار النسخ، ثم، مع وجود (البردي) في مصر، والورق، في الصين، ازدهر هذا الفن، وغدا أكثر انتشارا ً. وبالتطور الصناعي، في أوربا، وفي ألمانيا تحديدا ً، أصبحت (ماكنة) الطباعة جزءا ً سمح للتقنية ان تمنح (العاطفة/ التعبير) مساحة أوسع للتداول. لأن مفهوم (الكرافيك)، ببساطة، يعني تعدد الطبعات، كي يغادر حدود (النخبة)، ويغدو جماهيريا ً.
   والأستاذ رافع الناصري، على مدى نصف القرن الذي أمضاه في الفن، لم يتخل عن دور (المعلم) ـ لنفسه ـ وللآخرين، وكأنه ـ منذ البدء ـ تعلم ان المعرفة هي ممارسة يومية، وهي تحافظ على شرعية أنها تمتد، بحكمة ان الفن هو العمل الذي يقابل: الفراغ ـ أو الكسل.  فالمعلم تعلم كيف يبني، يركب، ينسج، يولف، يجمع، يصهر ..الخ، مجذرا ً دور المتلقي شريكا ً في الفلسفة: أي حب المعرفة، كجزء من المدرسة ، الورشة، الصف، التي تمنح الجذور أصولها في الامتداد والاستحداث، كما ترسخ أصول التجدد بالاستناد إلى الأسلاف التي كانت مهمتهم، كما يقول لا وتسي: ان تضع قدمك في الطريق، لا ان تغادره، أو تمشي في المتاهة. رافع الناصري، تعلم ان يؤدي هذا الدور، نموذجا ً لتعاليم يصعب إغفال مكانتها في حاضر الفن العربي، اليوم.
   فالشعوب التي تفتقد إلى (المعلمين)، بالضرورة، ليس لديها علامات. لأن حرفيات ـ تقانات ـ المعلم تتجاوز الأشكال، والأعراف، كي تجعل (الفن) حياة إزاء نشأتها، في ماضيها، أو في مصيرها. فالمعلم، لن يصبح معلما ً لأنه امسك بما هو غائب، بل لان ثمة إرادة عامة ـ قد لا تبدو معلنة ـ تعمل عملها. وهذا كان سر اعتراف رافع الناصري، لي، في ذات مرة: لا اعرف لماذا ارسم!  انه لن يجد إجابة لو انه لم يختر الرسم، ولم يرسم. فهو لا يعرف لماذا يرسم، ولكنه اختار ان يرسم، وهنا تكمن جذور الحرفة ـ الصنعة، النفش، وصياغة (النص).
   فالأختام، في سومر، قد لا تنتمي إلى الفن، بمعناه المعاصر، لا لأنها تؤدي وظيفة الإيصال ـ التبادل ـ، بل لأنها تفتقد إلى المغامرة.  لكن هذا محض تأويل. ذلك لأن فن (الأختام) تضمن لغز معناه، غير الشكل او أجزاءه، أو عندما تقودنا الأجزاء إلى الشكل في مقاصده؛ تلك التي لم تعد توصل (المعنى) والتي لا تستقل عنه أيضا ً.  ولو لم تكن ثمة مدرسة في سومر، لكان وجود الأختام ـ فن الطباعة وتكرار النسخ ـ مستحيلا ً. والأمر اقل تعقيدا ًلدى كونفشيوس، بشعار: من لا يعمل لا يمتلك المزيد من الحقوق. فالعمل وحده سمح للفلسفة الصينية ان تنمو ـ بعد ألفي وخمسمائة عام ـ بالديالكتيك الماركسي، وتنتج مفهوما ً متجددا ً للمعلمين، بقلب التخلف إلى حضارة. ولم يجد رافع الناصري صعوبة، أو تقاطعا ً مع هذا الإرث ـ حتى مع نقيضه في التاو ـ بل مساحة للحرية: اعني: حرية ممارسة الحرية، لا تركها محض تأويلات،  أو مخيالات تجريدية. فالمعلم ـ من سومر إلى الصين إلى أوربا ـ أعاد بناء النسق ذاته عند صانعي الدمى، ورسومات الكهوف، وما تم نقشه فوق الأواني من أساطير عملية ـ راح يستنطق التجربة، ويستثمرها، كي لا تفضي التجربة إلى فوضى، بل إلى خطوات تقود المعلم، إلى وجود: المدرسة ـ المحترف/ المشغل. وهو ما سمح للناصري ان يجد مجموعات من التلامذة، في بغداد أو خارجها، في أزمنة تعرضت فيه (الأعراف/ التقاليد) إلى الهدم، لمواصلة خطاه.  وهو عزاء لا مناص لن يتوقف عند الرثاء، بل سيتمم مسيرة تعيد للمعلم ـ في الفن والمجالات الأخرى ـ كل ما توخته (المحترفات) و (الأكاديميات) إزاء النزعات التدميرية، للحروب، وللتلاعب بمصائر الشعوب، في عصرنا. وهذا ـ بحد ذاته ـ جزء من دينامية (اللغز) في مواجهة تحدي القواعد، وثوابتها الخلاقة.
Az4445363@gmail.com

جلسة نقدية تشكيلية استذكارية عن الفنان رافع الناصري .. أحمد حسين -

جلسة نقدية تشكيلية استذكارية
عن الفنان رافع الناصري  ..
  أحمد حسين
   


      أقامت صالة نخلة للفنون التشكيلة وبرعاية وزارة الثقافة العراقية ضمن فعاليات بغداد عاصمة الثقافة العربية ، جلسة نقدية حوارية حول الفنان العراقي الراحل رافع الناصري وتجربته الفنية التي امتدت نصف قرن وأكثر ، في صباح يوم الثلاثاء المصادف 28 كانون الثاني من عام 2014 .. حيث قدمت في هذه الجلسة ثلاثة أوراق نقدية : الأولى كانت للفنان سالم الدباغ تحت عنوان (رافع الناصري الشرق البعيد والغرب) والورقة النقدية الأخرى للفنان والناقد التشكيلي عادل كامل والتي جاءت تحت عنوان (رافع الناصري ..الدهشة ولغزها) فيما جاءت الورقة النقدية الثالثة للفنان والناقد التشكيلي الدكتور شوقي الموسوي تحت عنوان (رافع الناصري .. تخصيب الذاكرة بين التجريد والتجريب) ... وقد تضمنت الجلسة بعض المداخلات والحوارات وبعض الاستذكارات عن الفنان .
     حيث ابتدأ الجلسة النقدية الفنان سالم الدباغ زميل الفنان الراحل قائلا : ((ان رافع الناصري قد مزج حضارة الشرق بالغرب بعد صهرها في بوتقة واحدة ليخرج اسلوباً واتجاها معاصرا في الشرق الاوسط وذلك بالاستفادة من المفردات التراثية والثقافية في بغداد مثل الحرف العربي .. مضيفا الى ان الفنان بدأ بالتجريد وانتهى به وان الفنان رافع الناصري كان أول من أسس فرع الكرافيك في العراق في معهد الفنون الجميلة عام 1974 والمفروض ان يكافىء الفنان بأن يتم تسمية قاعة الكرافيك في المعهد باسمه تثميناً ووفاءاً وتقديراً للفنان الراحل وايضا ان الراحل كان مدرساً ومعلما ناجحاً ورائعاً وفناناً كبيراً أضاف لحركة التشكيل في العراق الكثير من الإبداع .. لايمكن لنا ان نختصر سيرة الفنان رافع الناصري بجلسة واحدة لانها لاتكفي ...))
     فيما أكد الفنان والناقد التشكيلي عادل كامل في ورقته النقدية قائلاً : (( هو الآخر ، بدل ان يخفي لغز ولعه بالعناصر – التراب والماء والهواء والنار- ويحفر في مناطقها النائية كما فعل اسلافه سكان وادي الرافدين ، ومن بين عدد قليل من الأساتذة ، لم يفرط بقانون ان الإنسان يولد منفياً وعليه اما ان يغادره أو يتآلف معه أو يسكنه .. رافع الناصري اختار الاختيار الأصعب : بناء المنفى ولكن بمعنى الفردوس! فالفنان قاوم موته (في المنفى التي يولد الإنسان فيها قسراً) بأختيار براءة – جمالياً- جسدها في الفن ، فلا مأساة ولا رداءة ولا زوائد شغلت نصوصه الفنية ، لكن وهنا تكمن ذروة التجربة: الدهشة لان الزمن في الأخير  يعيد المسافة مثلما لا يكف المسافر عن تخطي الترات .. لقد عمل الفنان ببناء نصوصه وحدها ليست بحاجة الى المزيد من الشرح ، انها تأخذنا للسفر أبعد منها الى عناصرها والى محركاتها مع إضافة لايمكن إغفالها ألا وهي إنها لم تغادر وحدتها النائية (دينامية الولادة) فقد كرس رافع الناصري حياته للفن في المدن التي سكنها وسكنته (بغداد وعمان والمنامة) كي يقول : كان عليّ ان أروي –من غير كلمات- الجذر الأعمق للدهشة : ان براءة ما ربما أشد قسوة من الحياة ذاتها عليها الا تغيب)) .
     في حين كانت الورقة الثالثة للفنان والناقد التشكيلي الدكتور شوقي الموسوي قائلاً: ((ثمة نصوص تشكيلية جديدة في الحقل البصري العراقي ، تأسست على بنى تحتية عميقة فأصبحت بمثابة بنى فوقية تمتلك حضورها وجمالياتها وديمومتها بفعل جماليات التخصيب التي أعادت صياغة المرئيات داخل جوهرها وكأن الفنان العراقي قد اخترق موجوداته فسكن فيها . ففي التشكيل المعاصر في العراق وجد التخصيب حضوراً  له من خلال إعادة بناء النص بالنص نفسه ، ليصير جسداً واحداً ... فالفنان العراقي ماقبل وبعد الحروب المتكررة على البلاد ، قد أخرج مرئياته من حالة التشيؤ إلى حالة جديدة من حالات التناسل المعرفي والثقافي والجمالي مهتما بتخصيب أفكاره لصالح إنتاج حياة جديدة لها بفعل التعشيق بين الذاتي والمرئي باتجاه امتدادات بلا حافات .. وماتجارب الفنان رافع الناصري إلا دليلاً  وتأكيداً على تبني موضوعة التخصيب التي تنتج حياة ثانية للنص التشكيلي المفعم بجماليات التحديث والانتقاء والتجريب .. فتتمظهر أشكاله الجديدة التي أسطرة الواقع المحيط متمرحلة من الطبيعي إلى المجرد عبر تحولات الأسلوب المحتفل بالتصميم والتسطيح والتختيم والتركيب والتلصيق ، فتسهم في حضور ذاكرة البكر ضمن فضاءات مفتوحة تقبل التأويل وتحتفل بالتدويل والتخصيب .
     ان مسيرة الفنان الناصري زاخرة بالإبداع وفريدة بالطروحات كمثيلاتها لدى رواد الفن (جواد سليم – فائق حسن – شاكر حسن – سعد شاكر – محمد غني حكمت – نوري الراوي ..) ؛ حيث احتفلت تجارب الفنان بالكثير من الأفكار والتحولات والانزياحات وتداعيات الأمس عبر ثلاث مراحل ابتداءاً بمرحلته التأسيسية في تجربته الأولى في الصين عام 1959 ، المتمحورة حول جماليات التسطيح والتعبير التي جعلت من الفنان جزءاً من الطبيعة ومروراً بمرحلة القطيعة مع الشكل الطبيعي في تجربته في البرتغال عام 1967 التي احتفت بطاقات الحرف العربي وجماليات مدرسة بغداد للتصوير الإسلامي ، باتجاه هندسة المرئيات وصولاً الى تجاربه في السبعينيات في أوربا ومرحلة((الأفق)) وجمالياته الكونية والروحانية منتهياً بتجاربه الأخيرة عربياً التي أعلنت بيانها في تلاشي الأفق مسلطةً الضوء على تداخل الثنائيات وجعلها بجسد واحد بحثاً عن الخلاص في التصوف ..      ان تجربة الفنان رافع الناصري تعد من التجارب الفريدة والمميزة المتواشجة مع الكون واللون والصوت والضوء والصورة تمنحنا حياة وعطاء وتواصل مابعد الرحيل .
وفي ختام الجلسة النقدية أضيفت بعض المداخلات والحوارات من قبل السادة الحضور عن سيرة الفنان الفنية والاجتماعية والاكاديمية .


غالب المسعودي - غالب المسعودي .. الفنان الحقيقي والخروج عن التقليدي حاوره زهير الجبوري

الأحد، 13 أبريل 2014

قصص قصيرة جداً-عادل كامل

قصص قصيرة جداً


عادل كامل


مقدمة:
قال الجنيد:
     " فقد حكي عن الجنيد انه رأى رجلا ً مصلوبا ً وقد قطعت يداه ورجلاه ولسانه. وعندما استفسر عن سبب ذلك قيل له كان ديدنه السرقة فقطعت يده في السرقة الأولى والأخرى في الثانية، فثابر على السرقة برجليه فقطعتا على التوالي، فاخذ يسرق بلسانه فقطع لسانه، واستمر بالسرقة إلى ان آل به القضاء إلى القتل! آنذاك اقترب منه وقّبله، فقيل له:
ـ تقبل جسد لص مصلوب؟ّ!
ـ إنما أفعل ذلك لثباته!"
وقال الجنيد أيضا ً: " الصادق يتقلب في اليوم أربعين مرة والمرائي يثبت على حالة واحدة أربعين سنة!"
وقال ألنفرّي: " كل جزيئة في الكون موقف"
وقال محي الدين بن عربي: "لا يؤاخذ الجاهل بجهل، فإن جهله له وجه في العلم" وقال أيضا ً:" لا يصح الترادف في العالم، لأن الترادف تكرار وليس في الوجود تكرار"
وقال أبو علي الدقاق: " الإرادة لوعة في الفؤاد، ولدغة في القلب، وغرام في الضمير، وانزعاج في الباطن، ونيران تتأجج في القلوب"


22] مراقبة
ـ هل قرأت ما كتبه احدهم عنك وقال انك كنت تراقبه كي توشي به ..؟
ـ لو كان هذا بلا ذنوب لفعلت ذلك، أأراقب من ذهب ابعد من الإثم..؟
ـ لكنك كنت تستطيع محوه..؟
ـ أأمحو ممحوا ً، وأنا لم افعل ذلك إلا مع نفسي!
[23] المنفى
ـ ما الذي جئت تفعله في بلادنا..؟
ـ مع ان الأرض، كالسماء، والهواء، ليست لأحد، لكن هل حقا ً غادرت بلادي؟
[24] حلم
   تلمس جسده من الأعلى حتى أصابع قدميه، وتأكد انه لم يذهب إلى سريره، وانه لا يحلم. فهو، منذ أيام، لم يسمع صوت رصاصة، ولا دوي انفجار، ولا استغاثة، أو عياط ثكالى ...، إنما، دار بخلده، انه لا يمتلك قدرة إثبات انه على قيد الحياة، مما جعله يكتم استغاثة كادت تفسد عليه الحلم.
[25] ممرات
    "من الوهم إلى الحقيقة، أم من الحقيقة إلى الوهم، سيان، فانا قطعت المسافة التي كان عليها ان تضعني أمام .......، هذا البحر.
   مد أصابعه في الهواء، فرآها تمتد، وأبصر، فرأى بصره لا يرتد، وعندما تنفس عميقا ً، اكتشف انه فقد جسده، آنذاك لم يعد يتكلم، دار بخلده، لا معنى للمسافات مهما امتدت بين نهاياتها والمقدمات، ولا بين المطلق وهذا الصفر.
[26] عقد قران
ـ هل تعرف انك تجلس فوق الأرض التي جرت فوقها أقسى المعارك وأعنفها، وان الأرض ارتوت حتى أزهرت هذه الغابات، وهذه الورود...؟
ـ وهل هناك بلاد لم تسفك فوق أرضها الدماء..؟
ـ هناك، هناك، يا سيدي، البلاد التي مازالت الدماء تسفك فوق أرضها..!
ـ يحصل ذلك كي يخرج زرعها أقوى ..!
ـ آ .....، الآن فهمت لماذا المدن البيضاء، لا تموت، وكأن القدر لم يجد سواها لعقد قرانه معها!
     وكف عن الكلام، منشغلا ً بمراقبة حفل عقد قران ولده مع البنت التي تزينت بثمار الغابة، وبزنبقها. آنذاك آفاق، غير مكترث ان كان قد خرج من الأرض، أو انه في الطريق إليها.
[27] حرية
ـ أذهب فأنت طليق!
    فلم يجد أمامه إلا مساحة كلما تقدم فيها اتسعت، وامتدت. أسرع، وأسرع، وكلما أسرع وجدها تمتد، وتغويه بالإسراع، حتى لم يعد يمتلك قدرة إلا ان يسأل نفسه: هل حقا ً أنا طليق ..؟
   لم يعثر على إجابة. فقال مع نفسه: عندما كنت لا استطيع ان أتفوه بكلمة، لم أكن احلم بفضاء كهذا كلما تقدمت فيه اتسع، فقط كنت احلم ألا ادفن بمعزل عن أحلامي، إنما، هذه هي المحنة: إن تخليت عنها لم تتخل عنك، وإن تركتك، تجد نفسك تبحث عنها.
[28] رفيف
ـ اخبرني: كم هدمتم، قتلتم، كم اغتصبتم، سرقتم، وكم أفسدتم، كي تقولوا لنا إنكم فعلتم ذلك من اجلنا..؟
ـ قل لنا ماذا نفعل؟
ـ افعلوا ما شئتم
ـ لكن لا تقولوا أنكم فعلتم ذلك من اجل حريتنا.
ـ هل تتذكر ماذا فعلوا بنا..؟
ـ هم قتلوا، هدموا، افسدوا، فهل جئتم كي تكملوا ....؟
ـ ماذا تريد ان تقول؟
ـ أقول ....، أنا لست أكثر من بذرة دفنت، دفنت عميقا ً، كي تخرج، كي تخرج كما يخرج الزرع، آنذاك يكون لروحي أجنحة كالتي تراها تحّوم فوقنا، أنت لا تراها، وأنا لا انتظر منها إلا هذا الرفيف.
[29] حوار
  وأنا في الطريق، سمعت إحدى الجدات تسأل حفيدها: أتعرف متى يذهب الناس إلى العمل، وهم لا يذهبون إلا عندما تشرق الشمس، لماذا ..؟
  أجاب حفيدها مبتسما ً:
ـ وهل لدي ّ إجابة، فالشمس عندما تشرق، ولا تجد من يذهب إلى العمل، تحزن!
ـ جميل، والناس..؟
ـ والناس، عندما لا يذهبون إلى العمل، رغم وجود الشمس، فهم ليسوا إلا موتى!
ـ أحسنت، ولكن ماذا فهمت؟
ـ فهمت، فهمت، لم افهم شيئا ً!
ـ أحسنت!
فقال وهو يبتسم أيضا:
ـ لم اجب، وحصلت على الثناء، فماذا لو قلت ان الشمس لا تشرق إلا لتجد من يعمل، ومن لا يعمل فكأن الشمس لم تشرق قط!
[29] اللوح
       وهو يعالج بقايا ألواح طينية متصلبة، سأله زميله:
ـ هل وضعت يدك على السر..؟
   لو كان ثمة سر حقا ً لتحتم علي ّ الذهاب إلى مخفياته، من ثم إلى ما يريد الإفصاح عنه، والى عناصره، وما يتوارى فيها، كي أدرك، في نهاية المطاف، ان الأسرار هي الانشغال بها، وإعادة البحث في السؤال: ما الذي لم يدوّن، وما الذي كان عصيا ً على التدوّين.
قال لمساعده:
ـ بلغت الحرب ذروتها، ولم يبق منها سوى هذا الأثر. كائنات شبيهة بنا كان شعارها أيضا ً: النصر أو الموت!
   فقال مساعده بتندرك:
ـ والحرب بلغت ذروتها ...
ـ اللوح يحكي هذا تماما ً، فهل أخبركم بالسر؟
[30] سر
    وهو يمسك ببقايا عضوية تحجرت:
ـ الكائنات الأشد ضراوة، وقسوة، وصلابة، تغلبت على الكائنات الرخوة، فقضت عليها، ولم تخلف إلا هذه المتحجرات التي بين يدي ّ، هذه القواقع، وهذه الهياكل، لتبرهن كم كانت المواجهة شرسة، والتي لم تخلف إلا هذا الذي تراه..
ـ تُرى ما الذي سنتركه بعد رحيلنا ..؟
ـ ليس سوى إضافة مخلفات لا تروي شيئا ً يستحق الذكر. فقد كان الاشتباك عقيما ً، وجرى من غير رحمة، ليحول اصلب الكائنات إلى: غبار، والى رماد.
ـ لم تبق لنا، يا صديقي، أملا ً نتعكز عليه!
ـ هنا تحديدا ًتكمن الغواية؛ تخسر الكائنات حياتها كي تأتي أخرى تسلك الدرب نفسه، لأنها جميعا ً لم تذهب ابعد من ان تترك هذا المحو.
ـ وهذه الغابة التي ننقب فيها، ونجري بحوثنا فيها..؟
ـ هي وحدها تكتم السر الذي يحافظ على ديمومته.
[31] غواية
   خاطب النحات:
ـ كأنك تعيش في الماضي السحيق، حتى أصبحت مولعا ً بصناعة مجسمات صغيرة، وكأنك استخرجتها توا ً من أعماق الأرض: بقايا كائنات، شقوق، وتصدعات، وندب، و ..
ـ وهل باستطاعة الإنسان ان يترك سوى هذه المخلفات، التي بدورها، لا تمتلك إلا ان تتوارى، مندمجة بعضها بالبعض الآخر، مع العناصر، ومع مكوناته النائية..
ـ لكن عالمنا اليوم منشغل بالحفاظ على مصائرنا!
ـ ومن قال لك ان أسلافنا كانوا لا يمتلكون هذه الغواية؟
[32] إكليل
  بعد عقد قرانهما، طوق رأسيهما بإكليل من الورد، هامسا ً:
ـ افرحا. ولم يقل: وحده يذهب كأنه لم يأت ْ.
فقالت البنت:
ـ تعال شاركنا فرحنا، فأنت الأصل ..
ـ أنا ذهب زمن فرحي.
فقال الزوج الذي يقف بجوار زوجته:
ـ وهل للفرح زمن...؟
نظر العجوز إلى شريكة حياته، وقال لها.
ـ إذا ً لدينا القليل الذي علينا ألا نفقده.


 

مظفر النواب-من قصیدە: بالخمر و بالحزن فٶاد


عسل الورد الخامل ريقك
والنهدان أراجيف دفوف لألاء
اهتز كما يهتزان
أحد من الشفرة طبعي
ورقيق كالماء
أوسخ طين سيدتي ينبت فلا إن لقي الحب
وأطيب طين لا ينبت حين يساء
مسكون بالغربة
يجري الفيروز بأوردتي حزنا
هل تسمح سيدتي أنساب إلى جانبها
ليس علي سوى برد العمر رداء
دوريات الإخصاء تجوب الشارع
أغرب شيء ...
أي فم يفتح ...
فورا يجري التخدير ويخصى
ما هذا الصمت المتحرك بالشارع إلا إخصاء
جئتك من كل منافي العمر
أنام على نفسي من تعبي
ما عدت أزور فنارا
البحر تخرب
يحتاج البحر إلى إصلاح
والغرق الآن هو الميناء
مازلت على طاولة الحانة لست أعي
إلا ثملي بالكون
فالبعض على طاولة أخرى للسكر بدم المخلوقات
أنا .... هذي طاولتي
يقرؤني من يرغب حسب ثقافته في العشق
وقد يخطئ لا أستاء
يا من تسعل من كل مكان إلا حلقك
البرد شنيع وقضيت الليل تراقبني...


مظفر النواب