السبت، 2 أكتوبر 2010

الفية الولد الخجول-العشر السادس-عادل كامل-تقديم مدني صالح




العشر السادس


[1]
فاكهتي الليلة تدعوني إلى الصيام ( يا أيها الحصار)
فيما المنقرضات .. مثل الكواكب ، تخفق في قلبي.
[2]
بأعلى الأصوات سأدعوكم إلى الصمت.
[3]
لديكم أعراسكم .. لديكم مواليدكم .. لدىّ
جسد يشاكس الجسد.
[4]
منذ زمن بعيد انحنيت .. بلا مبالاة .. لكوكب
اسمه كلمات.
[5]
ليس لأسرار الحب أسرار .. إنما الجسد حزين
والشجرة ضاعت بين الأشجار
والجرح كف عن الكلام .
[6]
تنحني الأشواك حيث تنهض الشمس
مثلما .. واأسفاه .. نفسي تنحدر إلى الغروب.
[7]
جراحي تحتفل الليلة: لا قيامة لا ميلاد
جراحي تغني الليلة: لا موت لا انبعاث
جراحي تكتب الليلة: لا صمت لا كلام.
[8]
أيها الولد المشاكس ماذا فعلتْ
لتنحني لك السكاكين؟
[9]
مثلي لا تعرف : أهذه موسيقى ميلاد .. أم طقطقة عظام ..
مثلي لا تعرف : أهذه موسيقى عشاق أم همسات وشاة.
[10]
كلمات تدلني أن النسوة الجميلات لا يعرفنّ الموت
فيما هّن .. دائماً .. يسّرن بمحاذاة المنفى.
[11]
مثلي لا تعرف الحجارة كتمان الأسرار
فانا لدى قلائد
وقليل من رماد يغطي عظامي.

[12]
روحي مشاكسة وجسدي عنيد ..
إنما في مقلتي عشاق سيولدون.
[13]
لا موت لا حياة .. إذ ْ الحجارة تتكلم
والليل لا يتتبع خطاه.
[14]
وسيعود المحارب ذات يوم إلى الحدائق
وإنما أيضا .. لن يأسف على حروب مؤجلة.
[15]
أنت تهب البحر للشعراء
أنا أهب الملائكة بعض المناديل.
[16]
أين يذهبّن النسوة العاشقات
فيما المنفى باتساع الأرض ؟
[17]
هبط عليّ ملاك يدعوني إلى الصمت
إنما روحي تزدهر بجياع ظرفاء.
[18]
ليس لدينا كلام ممنوع
ليس لدينا أسرار
لدينا ولد يجرجر ’أماله إلى المجهول.
[19]
أسلحتي : غيوم .. أصابع .. حصى
أسلحتي : جسد يشاكسني
أسلحتي : رياح تنثر كلماتي حيث لا أريد.
[20]
آدم علمنا الكلام .. والخطيئة .. أعلمكم:
الكلمات علمتنا لا آدم .. هناك
عشاق في الصحراء .
[21]
ليس هناك إلا غرقى في مقلتي
وبعض أشلاء جريح ضاع في القبائل .
[22]
جرحي يغرد أيضا .. مثل بلابل بلا أصوات.

[23]
دعهم يسرقون كنوزك .. إنما لا تدع القلب يضطرب.
[24]
اكتب : الصمت آخر كلام الأنبياء.
[25]
حكماء مروا من هنا : هالو .. هالو
كان الرب بانتظار إجراء الحساب.
[26]
ليس لديّ عذارى أو احتفالات
لدى أشياء لا اعرف ماذا افعل بها
ولدى أشياء لا تعرف ماذا تفعل بي.
[27]
كلانا نورس .. في البراري .. أو في مدن الدخان.
[28]
غادرتني جراحي . إنما تركت لي هذا الكوخ بلا اصداء .
[29]
أتساءل : البحر ازرق صافٍ مثلي فلماذا غادر ذاكرته
ومثلي : لماذا يريد استعادتها ؟
[30]
انحنت أعالي الروح .. هذه المرة ، مثلي
لغيوم لا تأتي إلا بالجفاف.
[31]
روحي مثل وثن نسي تاريخ ميلاده.
[32]
لكني أحيانا ابحث عن أعياد ادخلها بلا مبالاة.
[33]
تأتى العتمة وتذهب .. تترك أحيانا مطراً وأحيانا
كلمات تستجدي الكلمات.
[34]
شيخوختي تترنح فوق ورقة
هذا هو أنا .. حصاد يحمل رائحة المواسم كلها.
[35]
أينما اذهب معي كلماتي .. أحيانا أعطيها للمارة
وفي الغالب يسرقها العشاق مني.


[36]
لا مأوى لدىّ .. إلا كلمة .. إنما لدي أيضا
فضاءات.
[37]
ما الشعر إن لم يكن أفراح عصافير مشاكسة.
[38]
فيلق مشاكس .. هنا .. في روحي
استقر بلا استئذان.
[39]
يقال لي إنهم أعادوا لي براءتي ..
فما معنى هذه الأصوات ؟
[40]
كلانا جريح – أنا والمعادن .. بامتداد الآفاق.
[41]
لدىّ صخور تتكلم .. بينما أنا في المنفى وحيد.
[42]
قديسون يتنـزهون في روحي .. فيما أنا
الملم عزلتي للإقامة.
[43]
لدى دخان .. وصمت .. وبعض أسلحة كفت عن الأحلام.
[44]
أحيانا اصطحب ظلي في نزهة
إنما دائماً اتركه خارج دائرة الضوء.
[45]
هذه الوعود .. مثل هذا الرماد .. مثلي نياشين اضطراب.
[46]
على م َ تساومني القبائل .. وليس لدىّ إلا رماد.
[47]
لا أصدق الريح التي تأتي بالغيوم
ولا اصدق نفسي إلا عندما أراها لا تنثر الورد
فوق الوعود.
[48]
إنها رياح متعبة .. مثلي .. تسير إلى الحقول
بينما أنا أسير بمحاذاة المنعطفات.
[49]
وهل للزنبقة قبر ..
مثلما للكلمات أضرحة لا تكف عن العواء.
[50]
أسرقت صحوي من ليلي .. واسرق ميلادي من موتي القديم .
[51]
كلانا ذئب .. الضحية .. والوليد.
[52]
اخذ الموت منا أقل مما أخذت الأفراح
إذ ْ الذئاب غادرت ظلال حملانها.
[53]
لدىّ سكين .. إنما لدىّ مالا تحصى من الجراح.
[54]
جرحي سرقه الليل
بصري أهديته إلى النهار
لهذا تراني أعود إلى البراءة.
[55]
طلبت وردة .. فأعطوني حدائق
طلبت قطرة ماء .. أعطوني البحار
إنما أعطوني بسعة القبر: كلمات.
فقلت: أريد الأرض.
[56]
أريد أن أتتكلم .. هذا هو بعض صمتي.
[57]
أنا وحيد مثل رابية .. أتوزع بين أسلحة جميلة !
[58]
لا استعير سلامي من الحرب
ولا خبزي من العصافير
لدىّ أصابع اعرف كيف اجعلها تتكلم
وأهرامات تفتح لي أبوابها عند الحاجة.
[59]
منذ دهر لم اذهب إلى نفسي
بينما يومياً
أرى الشعراء يقرأون قصائدهم للريح.
[60]
البلابل لم تطلق النار
إنها كانت تغرد
إنما المارة سرقوا غابتها.
[61]
بعيداً .. بعيداً .. بعيداً عن غيمة لا تعرف الكلام
أقول :
شاهدت غيمة تنحني بلا أعذار.
[62]
الليلة استعير سكري من كروم يافعة وسط حقولي الجريحة.
[63]
من شدة خجله تعلم الرقص .. والكلام .. مثلي
في احتفال الدخان.
[64]
لدىّ غيمة تسقيني البراءة
وعصافير تأتيني بالفجر
وبعض أفكار التراب.
[65]
بعض كلامي يُسرك إذا ذهب إلى الصمت
وبعض صمتي يُسرك إذا ذهبت إلى الكلام.
[66]
كفى يا بلبل .. أأنا الذي أسكرك .. أم لأنك بلا
غابات – مثلي –تغرد – هذا الخجل الأليف.
[67]
هذه الكلمات بعض سلامي
وهذه العبارات مثل صمتي الأخير.
[68]
لدى مرآة أحاور فيها خجلي
ولدى جراح لا تكف عن مؤانستي.
[69]
انه العابد رأى الوثن مهشماً
فيما كنت أمتلك غيوماً تنـزف غرباء.
[70]
بعض أسرار المدن تنام معي .. فيما كلي يرقد في الجحيم.
[71]
أسلحة تستعير قسوتها من الملائكة
فيما روحي تشهد حصاد العصافير.


[72]
هذه الشموس لا ترسل أنبياء .. أو ملائكة
هذه الشموس .. مثلي .. تبحث عن طريق.
[73]
أين سنغادر .. إذا أتيت
أين سنقيم إذا لم تأت ؟
[74]
اللهم لا تبعث فيّ المسرات .. جراحي ندية
وروحي مثقلة بالبراءات.
[75]
دع الليل غافٍ .. مثلي .. كلانا مثقل بالأفراح.

[76]
وحيد مع ترابي أولد ووحيد معه أموت.

[77]
دع ليلي غافٍ .. فجسدي بلور .. وروحي أثقلتها
الأعراس.
[78]
خذ أعيادي .. أعراسي .. أفراحي
خذ ما تشاء
إلا جسدي الحزين.
[79]
لديكم حقول من الذهب والأنبياء ..
لدى فقط .. حقل من الأوهام.
[80]
أأشاكس نفسي أم أصالحها ..
بينما العواصف تدعوني إلى ولائم التراب.
[81]
بعض مسراتي مخاوف .. وبعض مخاوفي مسرات.
[82]
قلبي سفينة ركابها غرقى .. وابتهالات نذور.
[83]
لي خوف اذهب إليه عند المسرة
ولي موت يحميني من سهام العابرين.

[84]
في كوخي نجمة .. تهبط .. أعطيها .. زادي .. وارحل.
[85]
تتكون روحي من براري . ومن خوف جميل.
[86]
ماذا تريدون من هذا الولد الخجول
هذا الذي انحنى للإمطار .. وانشغل بصمت الأصوات
[87]
سأرقد فوق العشب .. مثل طفل سرقوا مقلتيه.
[88]
بمحاذاة روحي عويل .. إنما هناك دائماً بلابل تغرد.
[89]
اكتب : أنا قارة من الاضطراب .. وولد يوزع صوته للعصافير.
[90]
ينحني الصمت أيضا .. فيما أنا اجمّع أوهامي.
[91]
هذه الطيور ماذا تريد من كلمات لا تعرف الطيران.
[92]
هذا الصوت لا يفزع الموتى .. صوت المطر .. والرصاص .. لكنه يهشم روحي .
[93]
في عامه المجهول .. بلغ سن الموت .. فلماذا تحتفل الأضرحة بأعياده المنسية .
[94]
ماذا تريد الشموس مني أنا الذي بلا ظلال .
[95]
هذه بعض الرموز : حشائش .. عناكب: مسرات .. وانهار لكنها أبدا ًليست إلا علامات.
[96]
أينما اذهب أجد جراحي تغني.
[97]
سأنحني لشموس تذهب إلى عتمتها
مثلما قط لم أوش برموز أحلامي.
[98]
ينحني لأزمنة لم تولد .. ويستفيق لأزمنة لن تولد.

[99]
أنا بقايا قصائد .. أنا بقايا رما ..د
أنا تراب مؤجل.
[100]
بين الأسلحة القتيلة
هناك أصابعي لا تريد أن تذهب إلى النوم .

الجمعة، 1 أكتوبر 2010

طاوة جلجامش ومطبخ رئيس الحكومة-بقلم علي السوداني


طاوة جلجامش ومطبخ رئيس الحكومة
علي السوداني
وهذه واقعة موثّقة موثوقة ثقة ، كانت وقعت في بلاد ما بين القهرين ، وهي واقعة ظريفة لطيفة جذابة ذات أجراس تجلجل وخواصر ترقص وأرداف تأكل العقل وتطيّر القلب وتحفز المخيال حتى منتهى القصد والمآل . والحكاية - سادتي الرجال وسيداتي النسوان - كانت أشهرت قبل ليال قليلات وكان مقدراَ لها أن تقلب الدنيا ، لكنها غطّيت بلحاف ثقيل وأنباء منفرة تتسايل كما مستحلب دبق فوق أمسيات وظهيرات الناس الحارّة ، وتدور حول معمعة ومنطحة ولادة حكومة . عندنا سفير في أمريكا اسمه سمير وكنيته الصميدعي قال ، أن أعمامنا الأمريكان الرحماء قد سلّمونا آلافاَ مؤلفة من قطع آثار عراقية منهوبة - الأرجح هو ان الحرامية كانوا من جنود وجنديات الهمج الأمريكان ومن تبعهم ، لأن غالبيتهم تتحدر من أبناء ملاجىء وأوكار شذوذ ومنغلة وبؤس ودكاكين مافيا - وقد تم شحن الصناديق المكتومة والمعلّمة وشديدة الوضوح نحو سمائها وولاداتها الأولى ببلاد ما بين الضيمين . بعد شهور مشهرة صدر فرمان آثاري بعرض المسروقات في جامخانات وعلى أرفف ودكك المتحف العراقي المشهور والمزروعة بنايته حتى اللحظة شرق كراج علاوي الحلة وعربانات الفشافيش المبهّرة بكرخ بغداد العباسية . في هذه الأيام والليالي ، فاحت وقبّت رائحة شك وريبة وخديعة ودسيسة ونهيبة ، من أفواه وزراء ونواب ومدراء وحراس منهم أميرة وقحطان وقيس ، تناقضوا وتضادوا وتناطحوا حول صينية دسمة مفقودة قوامها ستمائة وثلاث وثلاثون قطعة أثرية مؤكدة ، فأرسلوا الى السفير سمير العائش بأرض واشنطن ، كي يستأنسوا برأيه ويستفهموا من فهمه ، فأجابهم الرجل اجابة شافية وافية كافية بعدد المشحونات وواسطة النقل . بعدها بليلة ويوم قال جنرال أمريكي مشهور دائح الآن ودائخ في مستنقع أفغانستان ، اسمه باتريوس : ان الآثار الرافدينية كان تم نقلها غير منقوصة ببطن طائرته الخصوصية صوب منطقة بغداد الخضراء . بعيد ليلة ويوم وساعة - لسعدي الحلي البديع أغنية عذبة اسمها ليلة ويوم - من رسالة باتريوس المانعة الجامعة ، تشاطرت وتشطرت الحكومة البغدادية واعلنت عثورها على الصناديق والكراتين المفقودة في مكان اختلف الرواة الثقاة وتنابزوا وتشاتموا حول تسميته ، فمنهم من قال هو مطبخ من متبوعات رئيس الحكومة وقال آخر انه مخزن يتبع نفس الأطيان ، كانت الصناديق قد دسّت وحشرت فيه " خطأ " صحبة أدوات مطبخية منها القدور والطناجر الشبيهة بأخياتها المستعملات في طبيخ وشوربة شارع الموكب أيام حزن رعية بابل على فقد ديموزي ومصيبة عشتار والخواشيق التي تشبه ملاعق سومر والجفاجير والطاوات التي واحدتهن تشبه الطاوة التي كان جلجامش يقلي بوساطتها البيض والطماطة والباذنجان ، والمسبحات مثيلات المعلّقات بجيد الملكة الراحلة شبعاد ، والجطلات والسكاكين والتختات والطباخات ام سبع عيون الشبيهة بطباخات أور وما حولها ، وعلب وعصّارات ومصاصات مايونيز وصاص وكاتشب ومطحونات ثوم ودارسين وهيل وبابونّج وما الى ذلك من مطيّبات ومشهّيات ومغريات كان الراحل العظيم آشور بانيبال مغرماَ بفرشها وطشّها فوق مائدة عظماء ضيوف وضيفات مغارب الأرض ومطالع شمسها ، وتلك - وحقي وحقكم - تسويغات وتفسيرات وتأويلات تكفي وتسد وتغلق باب القيل والقال ، وتزرع الحكومة بواد غير ذي شبهة وعتب وعيب . أما مخلص وزبدة الحكي ، فهو أن ما عاد أو أعيد من آثار انما جاء في باب ترقيع وترميم شقوق الفضيحة العظمى ، وان الباقية من المسروقات في أمريكا الوغدة وأسرائيل وبيت أبي ناجي ، لهي أزيد وأعظم من العائدات ، وفي ختمة مكتوبي هذا ، أتوسل الى رعية وادي الرافدين أن تنزل سبّاباتها وتكف عن شتم الحكومة والتشكيك في طهارة وعفة المطبخ الذي نامت فيه الآثار المضمومة ، ودارت على حولين متصلين !!

الخميس، 30 سبتمبر 2010

الوفاء بالعهود-اضاءة-بقلم حامد كعيد الجبوري


إضاءة
الوفاء بالعهود
( أحميدي الشعار ) إنموذجا
حامد كعيد الجبوري
بخمسينات القرن المنصرم وصولا لمنتصف عقد الستين كان في محافظة بابل شخصية غريبة ، رجل لا يختلف عن بقية الرجال بملبسه ، يرتدي العقال والكوفية – اليشماغ -الأبيض المنقط بالسواد ،وعباءة رجالية وسترة تحتها ما يسمى ( الصاية ) ، أراه يجلس في المقاهي الشعبية ، وهناك مقهى يرتادها طيلة أيام السنة ، إلا بشهري عاشور وصفر ، وشهر رمضان لأن عمله بهذه الأشهر يؤجل للأشهر ما بعدها ، والرجل يجلس بهذه المقهى ليتخذها مقرا لعمله ، وعمله هو أحياء الحفلات لمن يرغب بها ، والحفلات تقام عادة بالزواج وختان الأطفال ، فمن يرغب بحفلة زواج أو ختان يذهب للمقهى التي يجلس فيها ( أحميدي ) للتعاقد معه على إحياء تلك الحفلة ، في اليوم المحدد لتلك الحفلة تأتي الفرقة الفنية ل ( أحميدي ) وهي تتكون من عازف للإيقاع – الطبلة - ، وعازف آخر لآلة ( الدف ) ، وفي بعض الأحيان آلة ( المطبك ) ، يجتمع الرجال بمكان محدد لهم والنساء كذلك ، والأطفال يتنقلون بين آبائهم وأمهاتهم ، في هذه اللحظات تخرج حسناء مرتدية لباسا يشبه ملابس الغجريات ، ولها شعر طويل مسرح ، واضعة كامل زينتها على شفتيها ، وخدودها ، وعيناها ممتلئة بالكحل ، وهي تضع بين أصابعها شيئا يشبه ما تضعه النسوة على أصابعهن وهن يخطن الملابس ، وأعتقد أنها تسمى ( الكشتبان ) ، ولكن هذه الراقصة تضع بين أصابعها كما قلت شيئا مصنوعا من النحاس تسمى ( جنبارات ) ، ولا أعرف معناها ، ومنها تطلق أصوات تبعا لحركة أصابع تلك الراقصة ، كنت أعتقد أن هذه الراقصة امرأة حقا ، ولكن أبي أخبرني أن هذه الراقصة هي رجل تنكر بزي الراقصات ويدعى ( أحميدي الشعار ) ، وحين تنفض تلك الحفلة تخلع الراقصة ملابسها وتعود لتلبس ملابس الرجال ، ول( حميدي الشعار ) ذؤابتان طويلتان يسرحهما ويعقفهما ليضعهما تحت غطاء الرأس ( العرقجين ) ، وحميدي ليس له شارب إلا بشهر رمضان ومحرم وصفر ، لأن عمله يتوقف في الأشهر المذكورة سلفا فيطلق العنان لشاربه ، وسبب حلق الشارب ليوهم الآخرين على أنه أنثى وليضع أحمر الشفاه على شفتيه أثناء أداء مهماته الراقصة ، في بعض الأحيان وعندما يعرف الأطفال حقيقة ( أحميدي ) يفعلون معه كما يصف الممثل المصري عادل إمام ،(العيال بتعمل حاكات غريبه وتكري) .
إحتاج ( أحميدي الشعار ) لمبلغ من المال فماذا سيفعل وهو اللا يملك شيئا ، أقنع أخته – حمديه - المتزوجة في البصرة لبيع مسكن والدهما ، وافقت الأخت لبيع الخربة التي يسكنها ( أحميدي ) ، وبيع الدار للمحسن الحاج حسان مرجان ، وهو خال رئيس وزراء للعراق فترة الحكم الملكي المرحوم الأستاذ عبد الوهاب مرجان ، قبض أحميدي المبلغ كاملا ستون دينارا عراقيا ، وكان ذلك بداية خمسينات القرن الماضي ، وستون دينارا آنذاك مبلغ لا يستهان به ، حينما قبض أحميدي المبلغ لم يخرج منها حصة أخته حمديه ، وتصرف بالمال لوحده وقضى على آخر دينار بجيبه والدار لا تزل باسميهما هو وأخته ، بعد مضي مدة ما أرسل الحاج حسان مرجان محاسبه وصديقه الوجيه ( هاتف الجبار الحساني ) مختار محلة الوردية ، أحدى مناطق الصوب الصغير للحلة الفيحاء ، ليأخذ موعدا من ( أحميدي الشعار ) لإجراء معاملة نقل ملكية الدار ، وحينما فوتح ( أحميدي ) بذلك أطرق مليا صوب الأرض وقال لهاتف الجبار ، ( عمي أبو عامر أنطيني مهلة شو جم شهر وآنه حاضر ) ، أعتقد هاتف الجبار أن ( أحميدي الشعار ) لديه لعبة ما بخصوص نقل الملكية وقال له ، ( عمي شو أنت كاعد عطال بطال وأنت قابض فلوسك شو تعال باجر للعقاري وخل أنسجل البيت لو أنت عندك لعبة) ، أجابه ( أحميدي ) ، ( على بختك عمي والله آني ما سويها ولا أنكر البيعة بس أفلوسي كلهن خلصن وما أنطيت أختي حمديه حكها الشرعي وهو 20 دينار ، كلت لما يجي موسم شغلنه أجمع الفلوس وأنطيهن لحمديه وأخلص ذمتي ، ويعمي أبو عامر حمديه بيتها بالبصره هم يريدلي فد خمس دنانير حتى أروح أجيبها وتعترف بالبيعة ألكم ، وتدري هي أختي خو مو تجي وتصرف على نفسها وآنه أخوها ، لازم أنه اللي أصرف عليها ) ، عاد المرحوم هاتف الجبار لصديقه المرحوم حسان مرجان وأخبره بتفاصيل ما جرى ، والمعروف عن الراحل حسان مرجان سخائه الجنوني ، لذا قرر أن يدفع حصة ( حمدية ) مرة ثانية إضافة لمبلغ عشرة دنانير لحميدي لجلبها من البصرة ، وسلم المبلغ الى ( أحميدي ) الذي رفض بدوره أن يأخذ هذا المبلغ مصرحا بأن ذلك عار سيلحق به إن فعلها ، وتحت التأثير الوجاهوي لهاتف الجبار قبض أحميدي المبلغ وذهب الى البصرة وجاء بحمدية أخته وأجريت معاملة انتقال الملكية للحاج حسان مرجان ، بعد أن أنتهى موسم الركود بعمل أحميدي ، وبالمناسبة فأن أشهر الشتاء تعتبر من أشهر الركود إليه ، لأن الأطفال لا يختنون بهذه الأشهر ، والقلة القليلة من المترفين يتزوجون أيام الشتاء ، والفقراء لا يتزوجون بالشتاء لأن مصاريفه أكثر من الصيف ، ومثلا لذلك من أين سيأتي بأسرة النوم لضيوفه من الأقارب وغيرهم وكما يقال ( الصيف فراش الفقير ) لذا فالفقراء لا يتزوجون شتاءا إلا ما ندر ، ناهيك عن أن موسم الركود بشهري محرم الحرام وصفر ومعروفة طقوسهما الدينية ، إضافة لشهر رمضان حيث تعطل كل المناسبات إلا الدينية منها ، وفي موسم عمل ( أحميدي ) جمع المبلغ الذي أعطاه له الحاج حسان مرجان وهو ثلاثون دينارا وذهب بالمبلغ إليه ، أستقبله الحاج حسان بوجهه المألوف مبتسما له وقائلا ل ( أحميدي ) ، ( آمر عمي أني حاضر شتريد ) ، أخرج ( أحميدي ) مبلغ الثلاثون دينارا وقدمها للحاج حسان مرجان ، قال له الرجل ( عمي هاي شنو ) ، أجابه أحميدي ( هاي القرضه اللي أنطيتنياها ) ، فقال له حسان رحمه الله أنا لم أعطك قرضة مالية وإنما هدية متواضعة لنبلك يا ( أحميدي ) ، أصر الرجل على دفع المبلغ وأصر الآخر على رفض استرجاع النقود لأن الحاج حسان لا يسترجع ما يعطي .
قد يتبادر لذهن القارئ الكريم ما علاقتنا بهذه القصة التي قد نسجت من قبل كاتبها ، وأنا أقول بدوري أنها قصة حقيقية غير منسوجة ويعرفها الكثير من أهالي بابل الكرام ، وأقسم أن المرحوم هاتف الجبار قد رواها لي هكذا ، وربما يتبادر للذهن أيضا ما علاقتنا بقصة ( شعار ) ، وهنا أقول للجميع أن مثل هذا الرجل – الشعار - الذي يعد من قبل طبقات غير قليلة من الشعوب على أنهم لا يستحقوا الاحترام ولا ينجزوا وعدا أبرموه ، ودليل تخطيئهم ما رويت عن هذا الفنان – الشعار - ، ولكن أقول هل أنجز لنا من أوعدونا بأن يصلحوا حال العراق والعراقيين ، وواقع الأمر أنهم أصلحوا حالهم أيما إصلاح وتركوا ممن أوصلهم لكراسيهم يعانون الفقر والحرمان وقلة الخدمات ، بل انعدامها تقريبا ، ألا يجدر بهم أن يتخذوا من ( أحميدي الشعار ) قدوة ودرسا لهم ، للإضاءة ........ فقط .

السبت، 18 سبتمبر 2010

الفية الولد الخجول-عادل كامل-تقديم مدني صالح



العشر الخامس

عادل كامل


[1]
ليس لدي محنة ..
عدا البحث عن لا مبالاة أجمل .
[2]
أضع أصابعي فوق كلماتي
حيث ملائكة يستنجدون بالموت.
[3]
تأملهم .. مثل أشجار .. كفت قلوبهم عن البراءة.
[4]
وحيداً ستنحني للشموس .. مثلما للظلمات
هذا مجدك أيها الإنسان.
[5]
لا تطلب زاداً .. لا تطلب ناراً
دع الفصول تذهب مثلما ولدت عمياء.
[6]
في الليل أيضا .. استظل بنفسي
بظلال بعيد .. ولا أتلاشى عند انطفاء الأنوار.

[7]
رأيت شجرة تغني: أعطت الشمس نوراً
وأعطت بعض كلماتي للجياع .
[8]
شاهدت بصيراً يلتمس الرب
أن يهب نوراً للعميان .
[9]
في الحرب أو في السلام
الأصفاد تنـزف دماً.
[10]
غيوم تصافحني .. غيوم تمحو كلماتي
وأخرى تمنحني بيادر من نذور .
[11]
كلانا أنا والبرق .. أصابع .. كفت عن الكلام .
[12]
أود لو كنت سنبلة
لا هذا الطائر الذي يتأرجح
بين الأدغال .
[13]
أنهض : دع الكلمات تنام .. دعها .. تحلم
قالت ربة الليل .. قالت آلهة النار .. قلت ؟
جرحي ينـزف آثام الفقراء .
[14]
أنا لا اعرف شيئاً عن النجوم
ولا عن البحار ..
أنا اعرف إنهم سرقوا حدائقي
وأنا فتى خجول.
[15]
بضع نجوم تحاصرني .. بضع زنابق تطوقني
بضعة غزلان تهاجمني
الحرب بدأت أذن.
[16]
لا بد إنهم قديسون يتشاجرون
حول كلمات مدّونة وأخرى بلا زمن
إنما من اجل موسيقى لن تعزف قط.

(17)
ليس للحلم من معنى .. إذ ْ لم تكن الزنابق مسلحة .. مثلي ..
بنوايا قبائل كفت عن الشجار.
[18]
يقينا ستنحني لنا أزمنة .. بلا تمهل .. في يوم ما ولا حدود آنذاك لهذا التباهي بالخيال.
[19]
ليس لدى كلمات تذهب لشراء السكائر
ليس لدى كلمات للبيع
لدى كلمات تنام فوق العشب.
[20]
أصغ : الأضرحة لا تتكلم
فلم أراك تثرثر مع الغيوم.
[21]
اجمع أشلائي هدايا .. انثرها .. وأتجمع بلا أثقال .
[22]
أقف أتأمل منحنيات الروح .. ليس هناك إلا كلمات تبحث عن كلمات.
[23]
ربما .. ربما .. ربما
الفجر .. يغار من خجلي.
[24]
هذه كلمات اسقيها أشواقي لكي تحلم
فيما أنا أغادر مملكة الأحلام .
[25]
لا شكل لهذا المعنى .. لا معنى لهذا الشكل
فيما هم يتحدثون عن .. الأساطير.
[26]
بعض النجوم .. ربما أكثر فأكثر
يحدث الانقسام هذه المرة .. مثلما أبدا
بين الراحلين.
[27]
احدنا يكتب القصيدة .. آخر .. يمحوها
هذا أول درس في النسيان .


[28]
أصغ : جميع اللغات لا اعرفها
إنما عند الحاجة .. أتكلم بالصمت.
[29]
حجر فوق حجر أشيّد داري
لتهدمه الريح
كلمة بعد كلمة أدوّن كتابي
ليسرقه الغرباء.
[30]
لي من المسرات .. مثلما لك من الآثام
إنما أنا أيضا .. أهبك فرحي.
[31]
إذا أخطأت الهدف .. أذن .. أذن
سأكون .. مرة ثانية .. في المرمى.
[32]
أتحدث إلى لا أحد .. بلا استئذان .. هم موتى هناك .. عظام ذهبية تقلدني حوارها .. مثلما دائماً .. في الشوارع أو في الأبدية يولدون بلا نياشين .. قط .. مثلما أنا ابحث .. بلا بصيرة
عن المجهول.
[33]
ببساطة إننا نلوث الغيوم
الليلة دخلت نجمة وسوّدت هذا الصفاء ثم قالت:
اتبعني.
[34]
ليس للحكمة بيت
انها تتجول مع سكارى آخر الليل ..
وقد تراها تترنح .. مع فجر جريح.
[35]
ماذا تفعل بين أسلحة خرساء
وبين .. عاشق مطرود من الجنة.
[36]
اعد قراءة كتاب الريح
اعد سماع صوت الرماد
آنذاك غادر بسلام.
[37]
أفزعه الجرح إذ ْ رآه أول مرة
فيما بعد أصبح سيافا ً .. دخانا
ثم للأموات قديساً.
[38]
أتحلى بأسورة من أشواك ..فلم تغار الزنابق مني؟
[39]
ليس إلا عيد يرقد لصق عيد
مثلما الجرحى ينزفون في الحدائق .
[40]
بين أصابعي انهار .. إنما .. بلا طفولة .
[41]
أتريد أن تقول : أنا في الماضي .. أم أن
الفراشات تتباهى بسرقاتها !
[42]
معادني الروحية .. تلك .. قط .. بلا استئذان
مثلي .. لم تجعل الخبز أحد فنون التراب .. قط .. إنما هناك الآخر .. لا اعرف أم أنا .. أم هناك استئذان ساوم الفجر ؟
[43]
اقترب اقترب اقترب
لكي لا أراك.
[44]
انها منحنيات .. إنما دمائي .. مثلك .. مطهرة.
[45]
لست إلا أغنية عصور .. لست إلا كلمات
هكذا دمي استعارته الشمس.
[46]
ليس بالترف أتكلم .. إنما الحقول أخذت تتجول في ذاكرتي.

[47]
مع من أنتِ يا زنبقة .. ليس هذا بسؤال .. لنصغ
لم كفت الصخور عن الكلام ؟
[48]
لدىّ كلمة : من أنت ؟ لدى سؤال : من أنت ؟
لدى ضريح : لمن هذا ؟
[49]
لم دمائي صاخبة .. فيما الغيوم تمحو أعراسها
[50]
لدينا غزال خجول .. وذئب .. ورعاه موتى
إنما لدينا أيضا .. ولد يتنـزه بين الأشجار.
[51]
لا استعير صحوي من الصخور .. فانا أبدا ً
أهب الكروم للأمطار.
[52]
ليس للسيد آدم سيف .. أو أفران .. أو ميتافيزيقيا
مثلي .. إنما لا أحد يعرف كيف جرحت الغابة.

[53]
دعنا نتنفس .. دعنا نتنفس
دعنا نتنفس
هذا هو الاختناق.
[54]
عند الرب .. جاءت الملائكة بسنابل انحنت كلها
سجدت .. عندها .. عند بوابة الرب عرفت أني سأبعث حيا.
[55]
جراحي وديعة .. كأنها السكاكين
أعشاب كفت عن إيذاء الشمس.
[56]
عشاق يرقدون فوق العشب .. هناك .. لا اعرف أين .. إنما اعرف أني احرس غابة من دموع.
[57]
الشعر وحده الكلام الذي لا يفسر
الشعر .. مثل المطر ..
يتحدث عن سماء المستحيلات.

[58]
لا .. لا .. لا لرصاصة تذهب عبثاً .. أنا هنا
أزودكم بالأهداف.
[59]
لا تسألني لم انحنت لك الغيوم .. قل لي ..
من أعاد لك هذه الأصابع .. في هذا الليل.
[60]
هل أنا حقاً ولدُ خجول . بينما الشمس تغار من دمي الذهبي.
[61]
غريق بين موجتين .. إن تجمعت أو تناثرت
جميل بين كوكبين
مثلما أنت ضريح بين ضريحين.
[62]
مثلك .. ليس لدىّ آمال .. لدىّ جرح أرقد معه
ويرقد معي عند الحاجة.
[63]
تولد .. تعرف ذلك .. تموت .. تعرف أسباب الرحيل إنما من صنع تلك الموسيقى ؟
[64]
لا .. لا أدخل قبراً إلا بكراً .
[65]
هناك .. أهو سقراط أم بلال .. أم أنا
الذي لا اسم لي .. ولا مأذنة.
[66]
هكذا أمشي فوق الماء .. الأنهار تعرف حكمتها
وأنا أحاور الضفاف.
[67]
الخطيئة وردة .. تجيد اللغات كلها .. إلا ..
النطق بصوتي.
[68]
غصن روح أم شجرة .. لا أعرف ..
ثمة جذور .. مثل العصافير ترفرف
فيما أنا هو الذي يغادر.
[69]
من يصرخ .. أنا أم السيف .. أم كلانا سنتبادل الانحناءات ؟

[70]
أنبياء في المنفى يتبادلون الأوسمة .. وفي المنفى .. عشاق يتبادلون الطعنات.
[71]
لست أكثر من حزمة ضوء
وكوخي ليس إلا .. مثلي .. سكين ينام مع السكاكين.
[72]
أتألق .. فيما النجوم تغادرني.
[73]
أغيب .. لم أذن وجدت هذه الشموس.
[74]
أضرحة هناك .. بلا مبالاة .. مثلي
مشرعة لمراكب بلا استئذان.
[75]
فيما كانوا يتبادلون أوسمة الحدائق كنت
أتوج زنابق أضاعت المرمى.


[76]
ليس لدينا إلا هذا الصوت : حجارة .. زنابق
وبعض خجل البحار.
[77]
المارة .. هم مثلي أيضا .. لا يتحدثون عن الحرائق .. هم مثلي يتبادلون الأسرار ..
فيما دائماً .. العشاق يتبادلون الأضرحة.
[78]
بعض أحزان جسدي تسبقني إلى المنفى
إنما منفاي بعض مسرات.
[79]
مع الماء تلذذت بالخبز .. فلم السؤال عن الهواء ؟
[80]
قل .. قل : ليس لديك إلا الليل : امرأة صنعتها الصفائح ووسادة .. صافحت الوشاة .
[81]
هؤلاء ليسوا ملائكة .. إنما .. أنبياء بلا ظلال.

[82]
مسراتي كتاب مفتوح .. جراحي حدائق.
[83]
بعض أناشيدي .. مثلما الليل .. تناثرت فوق العشاق
إنما دائماً هي .. خجل بلا قرار.
[84]
بعض أصابعي حزينة .. بعض كلماتي .. مثلي ..
غابة بلا أسوار.
[85]
اسمي غيمة
إنما لن .. لن .. لن افتح نوافذي للسماء
أنا بينهما.
[86]
لصقي جريح .. مثلي .. لا ينتظر حتى ملاك.
[87]
بلا خمر .. هذا أجمل السكر .. وبلا صحوٍ ..
هذا أجمل ما في الخمر.

[88]
مخاوفي .. كلها .. حزمة من مارة .. إنما أنا دائماً .. قارة قيد الاستيقاظ .
[89]
لا تدع الليل يغادر .. انه مثلك .. مثلي ..
ولد يلهو .. ولد جميل.
[90]
لست سفينة .. أنا البحر .. لست حديقة
أنا الأرض.
[91]
هذه ليست ينابيع .. هذه كلمات
مثلما أنا أبدا ً .. أعراس في كتاب.
[92]
بعض خجل الفجر مسروق مني .
[93]
ليس لدىّ حكايات أو أسئلة .. لدىّ ..
شيخوخة في عنفوان الفجر.

[94]
طالما هم من المعادن .. أو من الأحلام
فلم كل هذه الأسئلة.
[95]
مملكته سنابل .. روحة شمس ..
إنما فيه .. مثلما فيّ .. أشرعة مجهولة.
[96]
كسرة خبز أتقاسمها مع نفسي
كسرة خبز أسرقها من نفسي.
[97]
كلماتي بلا نياشين .. كأنها مثلي .. سماء بيضاء.
[98]
من يدخل قلبي يخرج .. اقترب .. من يغيب أراه ..
من يخرج مني يبقى لي أبدا ً.
[99]
اعتدل في الصحو .. اعتدل في الهوى
هذا هو الإسراف.

[100]
بعض هدوئي اضطراب .. إنما ..
صخبي سلام.

الجمعة، 10 سبتمبر 2010

فرشاة الفنان كامل الموسوي تستنطق سومر-بقلم احمد الباقري







فرشاة الفنان كامل الموسوي تستنطق سومر

قرآه في اعمل كامل الموسوي السومرية

بقلم : احمد الباقري

ان الأعمال السومرية للفنان كامل الموسوي شكلت ملحمة سومرية استوحى فيها رموز ومفردات الحضارة السومرية . كانت لوحة ( موت انكيدو ) الأكثر بروزا من اعماله الفنية .

وقد رسمها بألوان متنافرة لكننا نحس من خلال التنافر اللوني صخبا شعوريا عنيفا حيث توسطها جلجامش الباكي على جثمان صديقه الوفي ( انكيدو ) وكان وجه انكيدو سابحا في شفق حلمي ، وقد انبثق حيوان خرافي في الزاوية اليسرى العليا للوحة يجاور شمسا صفراء تنبئ بكارثة الموت ، وثمة في يسار اللوحة تنتصب البغي ( شمخت ) بشهوانية فاضحة حيث ارادت ان تغوي جلجامش كما ورد في متن هذه الملحمة الخالدة .

اما لوحة ( رموز سومرية ) فهي مشهد سومري اخاذ جمع قيثارة اور والملكة شبعاد والثور المقدس ، ويتوسط اللوحة الملك اورنمو يحمل طاسة الطين وقد برزت خلفه مسلة صفراء علتها شمس سومر وتحت الشمس هلال مضيء ، ينتصب الملك اورنمو امام زقورة اور الخالدة ... ان التكوين الإنشائي لهذه اللوحة يقتبس من الرموز السومرية ايحاء بديمومة الحياة والنماء .

ولوحة ( الحروف الأولى ) فيها ثمة رقيم سومري مدون عليه كتابة مسمارية ينتصب على ضفته ساحل بحر تعلوه سماء زرقاء ويحلق في اعلاها طائر يحمل رسالة العلم للبشرية والتي بدأت على ارض سومر ، وثمة ورقة بيضاء ملقاة بجوار الرقيم تمثل حاضر ارض سومر الذي غدا ثريا بعطاء اهل سومر من المفكرين والأدباء والفنانين . اما لوحة ( الخصب ) فهي تحتضن رموز الخصب في الأساطير السومرية فثم في يمين اللوحة ينتصب الثور السماوي بعينيه الشهوانيتين تحدقان بأمرآة بأشتهاء .

كانت تلك المرآة السومرية مستلقية على بساط مزركش وقد اكتست برداء مطرز بألسنابل ومالت على صدرها سنبلة ضخمة وثمة اناء سومري مليء بأنقوش السومرية التي ترمز للخصب والعطاء . كانت كتل اللوحة متوازنة بحذق وقد اعتراها جو حلمي حيث كانت اشعة الشمس مشرقة في اعلى اللوحة وكان النهر انشودة خصب صامتة خلف تلك الرموز السومرية .

ولوحة ( بلاد ملك القصب ) فهي تنويع جميل على الموضوعة السومرية فثمة الهور يحتل ثلثي اللوحة واحتل المضيف القصبي جانبها الأيمن ، والمضيف القصبي الأخر في الجانب الأيسر وبينهما فجوة انتصب امامها مشحوف في مقدمة الهور الذي احتل ثلثي اللوحة وكان ينتصف في يسار المشحوف صياد سمك سومري وهو كوديا وجلست امرآة سومرية ممسكة رمزا سومريا ابيض لجلب الفال الحسن كان الصياد ممسكا بوثوق مرديا مائلا منغرزا في ماء الهور . جمعت هذه اللوحة بعدين : بعد واقعي من خلال الهور والمشحوف والمضيفين ، وبعد رمزي من خلال الصياد السومري وأمرآته التي تنظر اليه بتقديس ملحوظ . تناول الفنان كامل الموسوي موضوعتين ( الحرب والسلام ) في لوحتين منفصلتين فكانت لوحة الحرب تمثل افاريز سومرية ، تصطف على الأفاريز الثلاثة عربات الحرب السومرية والمحاربون السومريون الذين يمسكون برماحهم الحادة . اما لوحة ( السلام ) فهي تمثل افاريز سومرية ... اصطف على الأفريز الآعلى الكهان وقد اصطف الفلاحون ، والوعول على الأفريز الأوسط ، اما الأفريز الأسفل فقد ضم فلاحين يحملون الغلال خلف خيولهم الرشيقة . وقد تناول الفنان كامل الموسوي ( الجنس في ملحمة جلجامش ) فرسمها بألوان بهيجة وبراقة وثمة عيون بارزة على يسار اللوحة واحتل يمينها انكيدو حيث يبرز من رآسه سعف النخيل يحتضن امرآة ساهمة فيما وراء المجهول .

اما لوحة ( الطوفان ) فهي تصوير عنيف للطوفان الذي حل في ارض سومر ، وقد تركز مثلث خشن وسط المياه الصاخبة وثمة شكل ابيض يذكرنا بطفل بريء يلتصق بقاعدة المثلث وينظر بثقبي عينيه الى ذلك المصير المجهول . واخيرا كانت لوحة ( الحرب ) التي صاغها الفنان كامل الموسوي ، من خلال التمثال المشهور لرآس فتاة سومريه حيث تتميز بعينيها الفارغتين وقد التصقت رصاصة في عينها اليسرى ، وانهمرت دمعة بيضاء من عينها اليمنى على خدها الساكن . ثمة ترميز مرهف في هذه الوحه الرائعه ، إذ ان هذه الفتاة السومريه ترمز لديمومة الحياة وجذل الشباب ، غير ان الحرب الحديثة داهمتها برصاصة قاسية فأنبجست من عينها تلك الدمعة الحرى التي ترثي قتامة الحياة وبؤس الحاضر . كانت لوحات الفنان كامل الموسوي السومريه العشر افتتاحيه لمرحله جديدة تمنح من الموروث السومري نبعآ لرموزها واجوائها وتستمد منه قوة اسطورية تضاف الى حاضر يرفل بالخصب والديمومه والنماء .

الفنان ظاهر النجار-حاوره في مدينة الناصرية ناصر عساف





الفنان التشكيلي ظاهر النجار

ناصر عساف / الناصرية

امام اصابع ظاهر النجار ، وفرشاته المتوترة ، تفقد طيات القماش ذاتها ، كي تتيح اقصى تقابل ممكن في حيز الفراغ .

هو لايفكر ان تكون الوانه متراصفة وبأبعاد متساوية في امامية الفضاء . لايفكر في الشكل واللون والنسق ، بقدر ما يفكر بتحديد اطراف هذه القماشة . الم اقل في بداية حديثي ان اصابعه وثنية ذات ثلاثة ابعاد !

الشاعر والاعلامي

رياض عباس العصمي

تمتاز مدينة الناصرية بتعدد ينابيعها الفنية والفنان ظاهر النجار واحد من ينابيعها وقد امتاز هذا الفنان بأسلوبية معقدة وذات اخاديد تملئ اللوحة .

يعمل بصمت وعزلة مقصودتين في مرسمه ليفاجئنا بكم من الأنجاز الفني والافكار التي تحكي هم الانسان واضطهاده ومعاناته من خلال معايشته ومتابعته لهذا الواقع المرير .

الشاعر والناقد ( عبد جبر الشنان ) ترجم اعمال النجار بلغته الفلسفية قائلا :

بأللون وحده استطاع الأستدلال والوصول للدهشة ، افزعته الريبة وظل يقلب الشمعة حتى لايلامسها الأنطفاء ، الكثيرون لم يدركوا انه كان يثأر حتى من اسمه لذا لم يكن ظاهرا في لوحاته بل خبأه اللون في محراب اللوحة التي جنت عليه ، لوحته لايقين لها ، لوحته سحاب يرتقي سلم من حلم لذا يصعب الأمساك بها ، كأنه يرى الفردوس ضريرا .

لوحته هادئة ... ساكنة تقف في مفترق طرق ، عليك ان تدلها على رشدها ، الوانه تتأفعى وبمعرفيته رزنة تترك للمتلقي فضاءات التأويل .

يستفزك صمت لونه احيانا لأنه ضاج بألأحاسيس واحيانا اخرى يفاجئك بأخفاءه داخل اطارها ويدعوك بموده لأحترام سكونيتها او هوسها البليغ .

لونه يقف منتشيا بملامحه الصافية امام غموض ظاهر وهو تكتحل عيناه بأسراب صخب الوانه الشارد بوعي معمق .

يؤثث المكان بأللون وهناك احيانا لون ثقيل ، لايكون امام ظاهر سوى مغادرة لوحته والوقوف امامها كمتلقي نزق مذهول من الوانه وخروجها عن طاعته .

من ميزات لوحاته انها خرقت التنميط لأنه ادرك بشكل واع ان لوحته غير قابلة للتدجين لذلك سعى مثل اقرانه المهوسين بألجمال المحض الى البحث عن اللون الخالص ، اللون الذي لن يتخلى عن اهداف نبيلة تشكل هوية الأنسان المتجرد الباحث عن المعنى المطلق .

بشغب وهناء روحي خفي‘ يخبأ تذمر الجمال تحت الوانه التي تخفق بعيدا عن القفر والبدائية ، بعيدا عن الأوحال وقمامة ضجيج الأدعياء ، انه غير معني بألحدث السياسي لكنه معني بألحلم الذي حاولوا اغتياله لذا كان مع المشاركين في استعادته في عيون المارة وتحليقه خارج الفضاء الراكد بل سعى بشكل جدي لتمسكه جسد اللوحة ، لوحته .

ظاهر لم يستجدي اللون بل تشتقه فرشاته من حركة أصابعه الرشيقه على فضاء بياضه.

متى يتفرغ ظاهر النجار الى مرسمه ؟

الأن اتمنى لو اني لم اكن نجارا ، لأستثمرت الزمن الماضي كله للرسم فقط .

لأحقق شيء من طموحاتي الفكرية والأنسانية كواجب اخلاقي يتحمله كل فنان نزيه .

وبعد الجهد العضلي في العمل خلال ساعات النهار ، لااستطيع الا ان أركن مساءا في مرسمي الى ساعة متأخرة من الليل مع الفكرة واللون والفرشاة لأطرح همومي الأنسانية من خلال فرشاة لاتتقيء عن مواضيع لانؤمن بها .

ومن خلال اراء بعض النقاد والفنانين ، امتازت لوحاتي بكثافة لونية عالية ذات اسلوبية خاصة .

ماذا تبغي من الكثافة في تكنيك لوحاتك ؟

ان الكثافة اللونية التي استخدمها بألفرشاة والسكينة فقط تجعل من اللوحة شاشة متجانسة من الألوان المختلفة سرعان ما تكشف اللثام عن محاسنها ومغزاها .

ان قصدية اللوحة في اعمالي تحدد نوع التكنيك في ذاتها . اما العلاقة بين المشاهد ولوحتي تتحول من تكوين مادي الى مضمون فني دلائلي وجمالي بعد ان تتصل خيوط الوعي والمعرفة بينهما .

كانت لوحاته تملئ مرسمه عددا وكثافة لونية مليئة بألوعي الثقافي والمعرفي والأفكار الأنسانية والأجتماعية انها المفاجأة .

اقام الفنان النجار ثلاثة معارض شخصية في مدينته الناصرية ؛ومشاركات عديدة ضمن معارض نقابة فناني ذي قار ومشاركة في معرض افتتاح قاعة( ود ) في الحلة وله مقتنيات من اعماله في بعض الدول الأوربية . ايطاليا ، امريكا ، فرنسا ، بريطانيا . كما حضيت لوحاته بأهتمام العديد من المجلات والصحف العراقية

هل تأثرت بفنان تشكيلي قريب منك بألأفكار والأسلوب ؟

نعم تأثرت بألأفكار فقط حيث مارسنا الرسم في مراحلنا الاولى وبأشراف اساتذتنا الكبار امثال : استاذي الفنان كاظم ابراهيم والفنان الراحل ليث الخفاف والفنان ابراهيم حمود . اما الاسلوب فهو خاص ابتكرته لأعمالي كوني اجد فيه حرية اكثر ولونية متتعددة وشفافية عالية من خلال حركة السكين والفرشاة .

هل من كلمة توجهها الى الفنانين وماذا تتمنى ؟

اعتقد بعد ان تسربت المياه الأسنة والروائح النتنة من تحت اقدامنا ادعوا جميع الأدباء والفنانين وخاصة التشكيليين الى رفع اصواتهم وتوجيه صرخة عارمة على كل مظاهر التخلف والأستبداد وهذا يعتبر ضمن مبادئنا الأنسانية والأخلاقية وما تعلمناه في الزمن الجميل وان يلتصق الفن عموما بهم الأنسان والآمه وطموحاته .

واتمنى ان نثب الى نهضة جديدة وجريئة في الفنون جميعا لأن تاريخ الأمم والشعوب يعرف من فنونها وادبها . فألأمة تكون ذليلة ومستعبدة متى قفرت من الفنون والاداب وهي حرة مقتدرة متى ما شاعت فيها اذواق الاستحسان والجمال وهذه هي فلسفة الفنون بذاتها .

ثقافة شعبية-صاعود النخل-حامد كعيد الجبوري




( صاعود النخيل )

مهنة لا تنـقرض

حامد كعيد الجبوري

منتصف الخمسينات من القرن المنصرم صَحَت محلة الوردية من مدينة الحلة المحروسة ، على أصوات نسوة يندبن ( علوان ) الذي سقط من نخلة باسقة ، كان قد تسلقها بواسطة ( التبلية ) ومات ، كنت أحد الصبية الذين هرعوا لدار ( علوان ) فوجدت أن الخبر حقيقة واقعة ، ولأن أبن ( علوان) الكبير ( رحيم ) صديق لي فقد تعاطفت معه كثيرا ، رغم صغر سننا ولم نكن ندرك حقيقة الموت و نستوعبه جيدا .

هذه المقدمة البسيطة أجدها مدخلا للحديث عن هذه المهنة الخطرة ، والتي راح ضحيتها الكثير ممن يمارسها ، ورغم ذلك فالمهنة متواصلة ، إذ لا بديل عنها في الوقت الحاضر على أقل تقدير ، ولأن والدي رحمه الله يملك بستانا بأطراف الحلة الشرقية وقريب لمسكننا في ( طرف الوردية ) – الطرف يعني المحلة – ، لذا فأنا وأخوتي ووالدي نجيد استخدام ( التبليه ) لصعود أو لتسلق النخيل ، ووالدي رحمه الله خبير بأنواع وأصناف التمور ، ناهيك عن أنه يعرف جنس النخلة من خلال أغصانها ( سعفها) ، وقد أورثنا هذه المعرفة بها وبخبرة أقل منه ، وهناك حادثة طريفة وقعت لي وأنا بمراحل الدراسة الابتدائية الصف الثاني أو الثالث عام 1959 م ، لدينا نخلة باسقة جدا في بستاننا ، ولأنها باسقة ويطالها ضوء الشمس أكثر من النخيل الآخر ، ومعنى ذلك أن تمرها سينضج قبل التمور الأخرى في بستاننا ، لذا كانت مغرية لي فترة الصبونةُ لتسلقها وجلب ما تمنحه لي من تمر ناضج ، ولم أستخدم ( التبلية ) لصعودها ، بل اعتمدت على يدي وساقي للتسلق ، ملأت جيبي من تمرها الجني وهممت بالنزول ألا أنني لم أستطع ذلك ، حاولت وحاولت وكل محاولاتي فشلت للنزول ، أمسك الطرف القوي وأنزل رجلي لأضعها على أحد ( كرب) النخلة إلا أن ( الكربة) تتحرك تحت قدمي ، ناديت والدي بأعلى صوتي لينقذني من معضلتي هذه ، حضر والدي تحت النخلة ليشجعني ويعلمني طريقة النزول المثلى ، ولكني لم أستوعب ما يريده مني لخوفي الشديد من عقوبته أولا ومن السقوط ثانيا ، أضطر والدي أن يجلب ( التبلية) ويصعد لي وهو مغضب ويتوعدني بالعقاب ، قلت له أني مستعد لعقابه ولكن أنتظر نزولي ، ضحك بوجهي وألتقط قدمي ووضعها على ( زند التبلية) ومرت بسلام .

هناك مفردات قد لا يعرفها من لا يزاول مهنة الفلاحة أو صعود النخيل ، وأول هذه المفردات هي ( التبلية ) ، وهذه المفردة بابلية الأصل كما أثبت ذلك العالم ألآثاري طه باقر الحلي ، وكذا الدكتور ألآثاري نائل حنون الديواني ،بأن هذه المفردة أتت لنا من البابليين وكانت تسمى لديهم ( تابليو ) ، و ( التبلية ) تتكون من أقسام رئيسية أولها ( الجفه ) ، وسابقا تصنع هذه ( الجفه ) من ( ليف) النخيل ، وتتكون النخلة من الجذع والأطراف – السعف – والليف الذي يفصل بين طرف وآخر ، وتحاك ( الجفه ) من قبل النساء ، وهي التي تحمي أو تسند ظهر المتسلق للصعود ، وحاليا تصنع من مادة الكتان اللون (الخاكي) ، كي لا يؤذي ظهر المتسلق ، وبنهايات هذه ( الجفه ) حلقتان لتربط بهما طرفي ( الزند ) ، و ( الزند) هو عبارة عن أسلاك ملفوفة مع بعضها تشبه ( سلسلة ) سحب السيارات وبطول متر وربع تقريبا ، بعد أن يلف الزند على ساق ( جذع ) النخلة ويربط بواسطة حبل كتاني قوي أبيض اللون ، ويربطه بشكل جيد كي لا يحل لأي طارئ ما ، يبدأ ( صاعود) النخيل بتسلق النخلة بحركات متناسقة دقيقة ، فهو يقدم جسمه صوب الجذع ليتمكن من نقل ( زند التبلية) ل ( كربة) أخرى ، مع ملاحظة رفع قدميه بالتعاقب بين ( كربة ) والتي تليها ، و( للصاعود ) عدته المهمة من سكين كبير تسمى ( سجينة تكريب أو تجريب ) ، وأفضل هذه السكاكين تعمل من مخلفات المبارد التي تستخدم لحد السكاكين ، وهي باهضة الثمن ، يصنعها الحداد ويقوسها ويجعل لها أشفاراً حادة جدا ، وقد لا يمكن لصاعود النخيل أنجاز مهمة ( تكريب) أو قص تمور البستان دون أن تحد هذه السكين لأكثر من مرة ، ولكن أهل الصنعة ( الصاعود ) يحتاج لأكثر من سكين لإنجاز بستان واحدة ، وعلى (الصاعود) هذا أن يجلب معه ( المنجل ) لأنه ربما سيحتاج إليه .

ويصعد النخيل مرتان أساسيتان بالسنة الواحدة ، غير عملية التلقيح وعملية ( التركيس ) - ونعني بها تدلية العثوق نحو الأسفل – ، وأجمل عملية ( التركيس ) الطريقة الكربلائية ، حيث تدلى العثوق دون أن توضع على أطراف النخلة لتسهل عملية ( الكصاص ) ، المرة الأولى لجني محصول التمر بعملية ( الفزعة ) ، أو الاستئجار ( للطواشين والطواشات ) ، لقاء حصة قليلة من الناتج أو أجر زهيد ، وما أجمل تلك الأغاني التي تقال من قبلهم ، ولكن أصحاب البساتين عامة يلجئون لطريقة ( الفزعه ) حيث اليوم بهذا البستان واليوم الذي يليه ببستان آخر ، بمعنى أننا ننجز مهمتنا بمساعدة عوائل أهل البساتين الأخرى وهكذا ، وتتولى زوجة صاحب البستان أو أمه أو بنته تقديم وجبة الغداء وما إليه لضيوفها ، وهي عبارة عن الخبز الحار وشئ من اللحم أو الدجاج والجيد من التمر طبعا ، وعملية قص العثوق تكون بداية الشهر العاشر وتستمر لنهاية الشهر الحادي عشر لتجنب الأمطار التي تتلف الناتج ، المرة الثانية لعملية ( تكريب ) النخيل ،وتكون هذه العملية بفصل الربيع حصرا ، وسبب ذلك أن ( كرب ) النخلة قد شرب من ماء الأمطار أن وجدت ، أو من عملية تكاثف البخار على الأطراف وبالتالي ستنزل هذه القطرات من ( الخوص ) صوب ( الكرب ) ، ومعلوم أن ( الكربة ) الطرية أكثر و أسهل قصا من اليابس ، وعملية ( التكريب ) شاقة ومتعبة تحتاج لقوة أذرع ، ناهيك عن فنية عملية ( التكريب ) ، و ( المكربجي ) الجيد لا يقص الأطراف الخضراء لأن ذلك سيؤول الى تشقق ( الكربة ) عند جفافها ، يضع ( المكربجي ) سكينه بمنتصف ( الكربه ) ويسحبها بقوة نحوه ولمرة واحدة تقريبا ، ينزل مسافة صغيرة عن الشق الأول ويصنع شقا ثانيا فيسقط جزءا كمثريا من ( الكربة ) يسمى ( الجعب ) ، ثم بسحبتين أو أكثر يكرره على المكان المقطوع فتقع ( الكربة ) بكاملها نحو الأرض ، ومرات يستعين بيده لخلعها من مكانها ، مع ملاحظة هامة ، فإن كانت نتيجة القطع غير مسرحة الى الأرض فمعنى ذلك أن صاحب هذه الصنعة ردئ ، لأن مياه الأمطار سوف تتخلل لداخل ( الكربة ) مما يؤدي الى ( خشعها ) – بمعنى تشققها بسبب الرطوبة – مستقبلا ، وملاحظة مهمة أخرى ، على ( المكربجي ) الجيد أن لا يأخذ أكثر مما هو مقرر من أطراف النخيل لأن ذلك سيقلل من تعرضها للشمس ، ومن ثم قلة غذائها بسبب التماثل الضوئي ، وهناك من ( يكرب ) نخيله بغير هذه المدة ولكنه خطأ فادح .

أكرموا عمتكم النخلة ، هذا الحديث الذي أطلقه نبينا محمد (ص) لهذا الكائن النباتي العجيب ، حيث أن كل الأشجار لها مخلفات قد لا يستفاد منه إلا النخلة التي يستخدم كل شئ فيها ، وحتى ( النوى) كعلف ذي قيمة غذائية عالية ، ولقد رأينا وسمعنا أن هناك من قزّم النخلة بتعامله مع جيناتها ، ورأينا الأجهزة الحديثة التي دخلت بصناعة التمور كالسيارات الرافعة لغرض القيام بمهمات التلقيح والجني لثمار النخيل ، وإن أتسع لي المجال سأكتب عن أنواع النخيل والتمور الجيد منها والنادر لا حقا بإذن الله.