في المكتبة
إصدارات
فنية وجمالية ونقدية
عادل كامل
لولا آثار متفرقة نقشت فوق العظام، البردي،
الطين، الجلود، الحجر، الورق، وصولا ً إلى عصر المعادن، والى عصر تقنيات عالمنا
المعاصر، فهل كان ممكننا ً التعرف على ما لا يحصى من الوثائق ـ العلامات، تتحدث عن
تاريخ راح يرسخ ريادته باستحداث: تحديات، مضادة لعوامل التلف، الإهمال، والنسيان،
للحفاظ على كل ما يؤرخ تاريخ الإنسان، وأسفاره.
إن الانتقال من عصر (الأصوات) إلى عصر
(الكتابة) والحفر، شبيه بالانتقال من الغريزة إلى الوعي بإرادة الوجود، وديمومته،
لمنح الحضارة اهتمامات أرقى بالبناء، والتقدم، والتهذيب.
فكل وثيقة، مهما بدت غير مهمة، حملت آثار
غائرة أو كلمات دوّنت بخامات قاومت الزمن، ما هي إلا حلقة في سفر شبيه بالخزين
الكامن في قاع (الذاكرة) الجمعية، والفردية/ معا ً، ذاكرة تحكي قصة مشوقة، وشاقة،
للمواجهات المبكرة مع قسوة الطبيعة، وتقلباتها،
مرورا ً بكوارث الحروب، وليس انتهاء ً بعصر يحدق في مستقبله المجهول: عصر
الإبادات، الانخلاع والتشتت، وصناعة الموت.
إن هذا الانتقال من (الأصوات) إلى
(المدونات)، كالانتقال من البرية إلى
القرى، ومن المدن إلى العواصم، وكالتطور في أدوات الإنتاج، نحو الأدوات المنتجة
لها، وكالانتقال من عصر الأم الكبرى، إلى عصر الإمبراطوريات بزعامات الرجال،
وكالانتقال من عصور العبودية، إلى عصور تحرير العاملين على تطبيقات: الحرية...
فالحرف، في الكلمة، والكلمة في العبارة،
والجملة في الصفحة، والأخيرة في الكتاب، كلها تشكل موسوعة مركزية للرأسمال البشري
الرمزي الذي شيّد بجهود مضنية للحفاظ على أسفار الإنسان، بمذاقها اللاذع، أو
الشفاف....
فثمة مدونات تبلورت عبر (الحرف) و (الصورة)،
اجتمعت فيها خبرات: الكاتب، المصمم، الحفار، الطباع، و ....، كي تشكل خطوة في سلم
لا يهبط إلى الأسفل، بل يرتفع إلى الذرى، موازيا ً حلم الحفاظ على الإنسان، وحضوره
فوق هذا الكوكب.
[1] مصطفى عبد المعطي
نحت ـ برونز
خصصت قاعة الزمالك للفن ـ بالقاهرة في مصر
العربية ـ عرضا ً للأعمال البرونزية للنحات المصري الرائد مصطفى عبد المعطي (1938/الإسكندرية)،
مع إصدار كاتلوك ـ دليل أنيق ـ بمثابة كتاب مصوّر لأعماله الفنية.
إننا إزاء وثيقة تسمح للمتلقي أن يشعر بالأسف
لمئات المعارض ـ الجمعية والشخصية ـ التي أقيمت، على مدى القرن الماضي، ولم تترك أثرا
ً دالا ً عليها، كهذا الكتاب الذي تضمن عرضا ً لأعماله الفنية، ولكتابات نقدية
مرافقة لتجربته الرائدة
فكتب د. فاروق وهبة: " تقوم التجربة الإبداعية
عند الفنان مصطفى عبد المعطي على شمولية الرؤية المترامية الأبعاد بأبجدية تجريبية
شديدة الخصوصية هندسية المقاصد، يخرج فيها العمل الفني من مصنف الحدود الحاسمة بين
التصوير والنحت. توالت التجارب مرورا ً بالتنقيب في الإشارات والرموز الرياضية
والفلكية والسحرية، بحثا ً عن أبجدية ميتافيزيقية، وتوازي مع التصوير سلاسة في فن
الرسم كفن مكتمل، له أصول وأحكام. وتدور تجربة الفنان في الذاكرة الفرعونية وطبيعة
ملخصة إلى أقصى حدود وتفاعلت تجربته وتفاقمت لتصل إلى إطلاق العنان للبعد الثالث،
ليتسيد الموقف، ولا مناص في أن يتحول هذا التجسد، إلى أعمال نحتية، تفاجئنا بملكة
فاعلة، كمن يمارس النحت منذ أمد بعيد وهو يثبت بهذا إن ذاكرته البصرية تحمل مساحة
عريضة من المخزون الثقافي والفني. إن تجربة النحت عند الفنان مصطفى عبد المعطي هي
ارث له أصول ارابسكية وفرعونية وشعبية، وهي مقدرة تعبر عن اقتداره ووصوله إلى أعلى
درجات الموهبة التي تعطي للفنان بلا حساب ما تمليه إرادته. إن الفنان مصطفى عبد
المعطي، من فناني مصر القلائل، الذين يملكون تفوق القدرة النادرة، التي تتيح له أن
يوضع في مصاف الفنانين العالميين."
* قاعة الزمالك للفن/
القاهرة ـ جمهورية مصر العربية/ 2015
[2] [تحولات تقنيات
الإظهار في النحت المعاصر]
يرصد النحات الراحل أياد حامد، في كتابه
[تحولات تقنيات الإظهار في النحت المعاصر] العلاقات القائمة بين فن (النحت)
والمتغيرات الحاصلة في المجالات الاجتماعية، ومنها العلمية، والتكنولوجية،
والنفسية، بوصفها علاقة غير منظورة، في الغالب، عند المراقب العام، أو لدى
المتلقي. فالثورات (الفنية) ـ على صعيد الأشكال والمعالجات والخامات ـ وعلى صعيد
الرؤى والأساليب وطرق المعالجة ـ تحدث على
نحو لا يمكن عزله عن التطور الحاصل في المجالات المختلفة لبنية الحياة، وأنساقها.
ولأن الكاتب ـ والكتاب رسالة ماجستير ـ يمتلك
ممارسة عملية لفن النحت، فقد راح يحفر في المناطق ذات الصلة بالحركات الفنية، وأثرها
في الرؤية الجمالية. فالنحت ليس فنا ً مستقلا ً عن العلم، فثمة نسبة معينة من
المعارف العلمية لدى النحات، مثلما نجد أن أصحاب النظريات العلمية والمخترعات
المستحدثة يسهمون بإزالة الغموض والالتباسات الخاصة بالمنجزات الفنية، والجمالية.
فلقد شهد النحت المعاصر استعمال العديد من الأساليب
والتقنيات في اظهر المنجز النحتي للوجود، فقد كان هذا الفن يسير بموازاة التحولات
الفنية الأخرى التي حدثت في العالم...ن وقد شكل نهاية القرن التاسع عشر، بداية
الانطلاق الحقيقي للنحت بتجاربه المعاصرة ممثلة في تجارب النحاتين الرواد لتأسيس المبادئ التقنية والجمالية للإظهار. وهذا ما أدى إلى
نشوء حركة نحتية نشطة ذات أساليب جمالية وتقنية عديدة خضوع كل مرحلة من مراحله إلى
ضوابط اجتماعية وثقافية وسياسية كان لها الأثر الكبير في تحديد مسارات التحول
التقني والجمالي لعملية الإظهار.
- صدر الكتاب عن
"شبكة الإعلام العراقي" بغداد ـ 2014
[3] [جغرافية الجدل في الفكر
والفلسفة والفن ـ العصور القديمة ـ رنين ورموز وبشر]
يذكر الفنان د. شوقي الموسوي في كتابه
[جغرافية الجدل في الفكر والفلسفة والفن ـ العصور القديمة ـ رنين ورموز وبشر] ان
كتابه يقدم مجموعة من المبادئ والأسس الجدلية في مجال الفكر لدى الإنسان القديم،
ويحاول أيضا ً ان يتتبع تطور الفكر الإنساني القديم بحدود مفهوم الجدل أو الجدلية
التي توصل به إلى مراحل متقدمة من التفكير، إلى مراحل إنتاج الأسئلة، وخاصة عندما
جوبه الإنسان آنذاك بمشكلات تتعدى الظواهر المجردة، مثل مشكلة (أصل الكون) ومشكلة
الغاية (غاية الوجود)، حاول جاهدا ً التوصل إلى بعض الإجابات المرضية عن مثل هكذا أسئلة،
أقحمته فيها تأملاته في صراع جدلي مع هذا الكون العجيب الممتلئ بالأسرار والأطياف،
التي تفسر ظواهر عالم المرئيات ...، وبهذا التصوّر الفكري يصح لنا عد هذا الاتجاه
المتمثل بالتفكير التأملي المستعين بالجدل، احد أوجه محاولات الإنسان الأولى
الرامية إلى تنظيم تأملاته المبعثرة وبنائها جدليا ً، بشكل يسهل له إدراك المرئيات
(الجزئيات) المتعددة في إطار فكري شامل موحد.. وكلها قد لا تشكل مشروعا ً لتأسيس
منهج جدلي موحد حسب، بل يرتقي به إلى دلالات أعمق بواسطة معان العلم الكلي
بالمبادئ الأولى.
فيحلل الكاتب موضوعات، مثل: مفهوم الجدل
فلسفيا ً/ جغرافية الجدل في الفكر الإنساني القديم ما قبل الطوفان، وفي الفكر
العراقي، والفكر المصري/ وثمة تطبيقات في فنون الإنسان البدائي، وباقي
الحضارات/ من ثم يدرس التطبيقات في فنون
حضارتي الهند والصين القديمتين/ ليدرس التطبيقات الجدلية في فلسفة وفنون حضارة
اليونان القديمة. مستنتجا ً ان آليات الجدل والتصورات الكلية، هي إحدى أهم القوى
الفكرية الفاعلة في تشكيل بنية الصورة الزمانية في حضارات الشرق القديمة ـ
العراقية على وفق منظور جدلي يستعين به الفنان القديم للوصول إلى بنية متراكبة
ومتداخلة بين ما هو معلن وما هو مخفي لخلق انساق تقترب من الهندسة متسمة بالوحدة.
وقد لعب عنصر الخيال المشحون بالطاقات الروحانية المستحصلة من آليات الجدل في فنون
الحضارات القديمة، دورا ً رئيسيا ً في اقتراح أشكال مشبعة بالقيم الروحية التي
تسهم في ترحيل ما هو جزئي إلى كلي. كي يلاحظ ان المحرك الأول للفنون الشرقية
القديمة هو القوى اللا مرئية، مما سمح للفنان ان يحاول على وفق منهجه الجدلي المستند
إلى رؤية حدسية، تضمنت نتاجاته بمسحة من المثال المتجسد بعالم الحريات.
- صدر الكتاب عن دار
(رند) للطباعة والنشر والتوزيع ـ دمشق ـ 2011
[4] [السطح التصويري
بين التخيل والمنطق
والتأويل]
كما هي العلاقة بين العلم ـ والتكنولوجيا لا
تمر إلا عبر التطبيقات/ التجريب، فان هذه العلاقة لا يمكن ان تحقق تقدما ً، بين
التنظير والمتلقي العام، فضلا ً عن دارسي الفنون، إلا عبر الدراسات التي تعمل على ردم الفجوات، إن لم اقل الانقطاعات،
بينهما.
ولابد من الاعتراف بالصعوبات، بعد الاعتراف
بندرة الدراسات المعنية بتقليص المسافات بين المجالات النظرية/النقدية، والمجالات
العملية/ التطبيقية..، في مسارات الفن الحديث، وتحولاته، خلال القرن الأخير.
في كتابه [السطح التصويري ـ بين التخيّل
والمنطق والتأويل] لا يهدم الباحث أ. د. علي شناوة وادي، جسورا ً قائمة، بل يعمل
على تأسيسها. فثمة موضوعات تعنى بالفن الأوربي، وجماليات (الحداثة)، التأويل،
وقضايا كموت الفن ..الخ، التي تناولها الباحث، تبقى محفزا ً لدراستها، في واقعها، وإعادة
استثمارها، وإنتاجها، بعد ان بلغت ذروتها، وربما أفولها، في بلدانها التي ازدهرت
فيها. فالمنحى العام للدراسات النظرية/ النقدية،
لن يسهم بردم الفجوات والفراغات بين الجمهور العام، والفن المعاصر حسب، بل
بين الفلسفات الحديثة وطلاب الفن أنفسهم، بما يحدث من تنوع في مجالات المعرفة
المعاصرة، وتعقيداتها.
فيذكر المؤلف ان دراساته، عبر منهجها الوصفي
التحليلي تارة، والتحليلي النقدي بمدياته التأويلية تارة أخرى..، تتقصى المنظومة
العلاماتية لمصطلحات فنية لها انشغالاتها الفاعلة في السطح التصويري، وتلمس البنية
التأسيسية التي تقوم عليها هذه المصطلحات الجمالية فلسفيا ً ونفسيا ً ونقديا ً،
فضلا ً عن دراسة حركة العناصر ووسائل التنظيم فيها، ودراسة المنحى الابستمولوجي
عبر التأسيسات المعرفية والروحية
والرؤيوية والفلسفية والنفسية، الذي يعد إثراء ً مفاهيميا ً عبر جدله وإشكالاته
وإفرازاته ومخرجاته، بل معطياته مع التعبيري والشكلاني والتقني والأسلوبي. إذ ْ
يعد السطح منظومة علاقاتية مركبة تقوم على أساس إبداعي بقدرات كيفية معقدة تتسم
بالأصالة، وتستنهض كما من المسميات الاستطيقية بشكلها الانتقائي، لتعبر بذلك عن
معطى جمالي يقف وراءه كم من العوامل الذاتية والموضوعية، وعلى مستوى
التأويلية والتفكيك، يأخذ الخطاب الجمالي
صورا ً مغايرة كمثل هذه المسميات.
* رقم الإيداع في المكتبة الوطنية (585) لـعام 2007.
الحلة ـ مطبعة الصادق.
[5] فن الرسم
في القرن العشرين
لو
لم يكن الفن ضرورة، تماثل ألتوق للتحرر، لكان انتشاره محدودا ً، وليس ظاهرة رافقت
المجتمعات، منذ نشأتها، وحتى تحول عالمنا إلى قرية صغيرة.
وفن الرسم ـ المعني بالبصريات ـ لا يمكن عزله
عن الفنون السمعية، والحدسية، من ناحية، ولا عن المجال العملي النفعي الخاص
بالتطور في مجالات الحياة اليومية، من ناحية ثانية.
فالكاتب "جيان كاسو" في كتابه [فن
الرسم في القرن العشرين] ترجمة: لؤي مثنى بكتاش، يسلط الضوء على قرن شهد تحولات شتى وفي مجالات مختلفة ومنها فن
الرسم.
ففي مناقشة مستفيضة واضاءات على مسيرة
الحركات الفنية التي ظهرت في القرن العشرين وازدهرت فيه وأثرت في مجمل الاتجاهات
الفنية العالمية خاصة: الانطباعية/ التكعيبية/ التعبيرية/ الوحشية/ المستقبلية/ السريالية/
والطليعية...الخ، من الاتجاهات التي أبدع فيها رواد الفن التشكيلي في هذا القرن
الذي شاعت فيه مفاهيم الثقافة والأدب والفلسفة، وازدهرت ازدهارا ً تجاوز الحدود
الجغرافية لعاصمة الفن، باريس، نحو العالم بأسره.
على أن المؤلف ـ وإن كان يؤدي دور المؤرخ ـ اتخذ
من النقد الإبداعي منهجا ً له يسمح للمتلقي بقراءة شاملة لدراسة الاتجاهات الفنية
وتنوعها، ضمن العوامل المؤثرة في إنتاج الفن، وأهميته في إثراء المعرفة الجمالية.
فإذا كان فن الرسم ـ في القرن العشرين ـ قدم
مفهوما ً يخص تحطيم الصورة، بدءا ً بالانطباعية، فانه ذهب ابعد من ذلك في منح
الرسامين مغامرة استحداث أساليب ترى الواقع من زوايا تمنح الأفكار شرعية، ومغامرة أيضا
ً، في عالم ظهرت فيه النسبية، وتفكيك الذرة، مثلما شهد حروبا ً مروعة أدت إلى
تحولات كبرى على صعيد الأنظمة الحضارية، وتطبيقاتها، لتجد موقعها في تحرير
(الخيال) ومده بتحديات تتجاوز المفاهيم
التقليدية، نحو عالم بصري زاخر بالمشفرات، والتأويلات، والأسرار.
فيذكر الكاتب كاسو: " يجب البحث عن جذور
هذا التغيير خارج الفن. فقد اظهر النظام الاقتصادي الرأسمالي قدرته حتى الآن على
التجدد الذاتي. ولكن تناقضاته العميقة نتج عنها انحلال الصيغ الثقافية. وان الظروف
الاقتصادية التي خضع لها الفن هي حتمية في الواقع. وفي التحليل للسوق الحالي
وانعكاساته في الفن نجد انه لم يترك فجوات كثيرة للحرية الفنية: فهمل ذو معنى
يمكنه أن يكون امتصاصا ً للأعمال الطليعية ذاتها. على الرغم من انه ـ كما اظهر
ادوارد سانجنتي ـ ان الطليعية هي ظاهرة برجوازية، لجأ إليها الفنانون الذين أرادوا
معارضة وحرية في هذا المنهج. وعلى الرغم من ذلك، ولحد الآن لم يكن تحقيقها ممكنا
ً، وان كان ذلك بنسبة قليلة."
إن قضية تهديم الخيال التقليدي اتبعت طريقين
متداخلين بصورة منطقية: احدهما يسمى
بالبنائي، وهو ذو عامل عقلي راجح، والآخر يسمى بالمعبر، وهو إظهار المعنى الباطني.
موضحا ً: " إن عصرنا ـ عصر
الصورة ـ كما اسماه بحق ميشيل راغون، يخلو في الواقع من الخيال الحقيقي. ويعبر
بالتحديد عن الآتي: عن عدم امتلاك الخيال،
وتفتيت المعروف، والمقبول. إن ظروف
مجتمعنا منعت، بلا شك، خلق خيال جديد: لأن انحلال تلك الصورة التقليدية، وعدم
الإمكانية لأخرى غيرها هي مظاهر للمشكلة نفسها. ويبدو اليوم إن الفن نفسه هو الذي تلاشى، والطليعية
طغت على ما فُهم بوصفه فنا ً."
- الكتاب صدر عن وزارة الثقافة/ دار المأمون ـ بغداد ـ2013
[6] الانزياح
في الخزف المعاصر
يأتي كتاب د. محمد ألعبيدي [الانزياح في
الخزف المعاصر] بجزأين، 2016، لاستذكار مسارات بلغت فيها الحداثة الأوربية ذروتها،
ممهدة لمفهوم إعادة إنتاج (الفن) بروح العصر، بما يتمتع به العصر من صخب، تصادمات،
اختلافات، وتقنيات تذهب ابعد من خيالها النظري، العلمي، بل ومن العلم بوصفه لم
يترك حيزا ً لم يحاول سبر مناطقه القصية.
فعلى خلاف موقف الناقد الانكليزي "هربرت
ريد" الذي منح الخزف مرتبة الفنون اليدوية، التطبيقية، والنفعية، نجد الباحث
محمد ألعبيدي، يتمسك بالحفر في لغز (الخزف) بوصفه رافق الإنسان بالانتقال من عصر
الأصوات إلى زمن الكتابة، وبقراءة أكثر خصائص العصور اشتباكا ً للمفاهيم، القيم،
المثل، والأشكال المستحدثة.
فإذا كان "جون كوهين" يُعد احد
مؤسسي تيار (الانزياح)، والذي طوره "تيري تيدوروف"، فان ألعبيدي سيتوسع
بالعثور على اشتباكات لا تحصى في الفلسفة، النظريات، الاتجاهات الأدبية، الأفكار،
التقنيات، والابتكارات الأسلوبية التي غذت أنظمة الانزياح، بالاستناد إلى دحض
(الثابت) و (الأبدي) و (المقدس)، نحو فهم أعمق
لديالكتيك فن الخزف بالحداثة، وما بعدها. مراقبا ً بدقة جدلية التأثر
والتأثير، والحذف والاضافة، بوصف الخزف احد علامات استلهام أكثر الرهافات قدرة على
احتواء التركيب، التداخل، الانصهار، التوليف، برصد فن الخزف وهو يتبنى مقولة غوته:
روح العصر.
فبعد تحليل مصطلح (الانزياح) ومنهجيته في
النقد الحديث، أعطى عناية فائقة لهذا المقترب الرئيس والفاعل في دراسة النصوص
الفنية، وتحليلها، وتسليط الضوء على دور (الانزياح) في ضرورة التوفيق بين
المصطلحات الكثيرة، من اجل تعريف حدود النظرة الشمولية للظاهرة الإبداعية بإسنادها
إلى : حضور المبدع، مؤلفا ً أو مستهلكا ً، وحضور الشكل أو الصورة، لتشكل الظاهرة
الجمالية.
فالانزياحات ستتنوع بتنوع المغامرات الفنية
المعاصرة في شتى المجالات؛ من الفلسفة إلى الأسلوبية، من البنائية إلى التفكيكية،
من التعبيرية إلى الرمزية، ومن النقد إلى الشعرية ..الخ، كي تحتم دينامية النفي،
ونفي النفي، عن قدرات فن الخزف على صياغة علاماته المستمدة من مكونات عصر قائم على
الوفرة، الاختلاف، والتقويض.
ولعل المكانة التي أولاها الباحث لفن الخزف،
ستمنح المتلقي، المعني بالمعرفة، والثقافة، والخزاف على وجه التحديد، لقراءة تستند
وتقوم على قراءات ترجعنا إلى الأصول البكر للخامة، وموقعها في التدشين الفني، بوصفها حاملة للغز الجسد ـ ولروح الإنسان، وليس
بوصفها حاملة تطبيقا ً نفعيا ً، فضلا ً عن نزعة الانزياح المتواصلة لدينامية
العلامات، الأشكال، الرموز، ومدى انشغالها بروافد العصر العلمية، التقنية، في سياق
تبلور ظاهرة فنية لها خصائصها الذاتية ـ
الفردية، في عالم تحكمه انساق الموجة الثالثة، عصر ما بعد الصناعة، وتتحكم به تيارات
العولمة، حيث أصبح فن الخزف مدفنا ً، لكن ليس للموتى، بل لكيانات وأجيال تحثنا أن
نتلمس فيها خصائصها الفريدة، أسلوبا ًيحقق دينامية المفاهيم التوليدية، لفنون تكاد
ـ هي الأخرى ـ تتعرض للانزياح، في عصر البضائع، والسلع، مانحا ً مغامرته الجمالية أصولها
بروافدها المعرفية، الفلسفية، وكل ما يخص اللا متوقع الحاصل في زمن التصادمات،
ومغامرات الخيال الأبعد، نحو قراءة يتحول فيها المتلقي، إلى جسر أو ممر نحو الإقامة
في أكثر المناطق: خلخلة، حركة، وشوقا ً لاكتشاف ما لم يكتشف بعد.
* صدر الكتاب بجزأين عن دار الفراهيدي للنشر والتوزيع
ـ بغداد ـ 2016.