السبت، 24 سبتمبر 2016

عطر وقصص قصيرة أخرى- عادل كامل



عطر وقصص قصيرة أخرى


                                                          [ لا السلاح يقضي على جرثومة الحياة ولا النار تحرقها ولا المياه تغرقها ولا الرياح السافية تذويها. إن جرثومة الحياة هي الروح الأولي الذي لا يتوصل إليه ولا يقتحم ولا يلمس ولا يفنى ولا يبلغه النظر ولا تنبس به الشفتان ولا تحيط بمكنونه ألفاظ أو فكر"]
من أقوال الهندوسية/ كتاب العقائد






عادل كامل
 [1] عطر
ـ ما الذي تجنيه ..، وأنت تبيع الورود...؟
ـ وهل كنت أفكر بالربح والخسارة...؟
ـ بماذا كنت تفكر...؟
ـ لا أفكر ...، من قال لك أني كنت أفكر، بل ولا أفكر حتى بالجمال!
ـ بماذا تفكر إذا ً...؟
ـ قلت لك: أنا لا أفكر...، أنا امضي جّل زمني في زراعة صنوف الورود، والزهور البرية...، وتلك التي اعمل على استحداثها بالتزاوج بينهما...
ـ أعود وأسألك: ما الذي تجنيه أو تكسبه أو تربحه...،  وقد استبعدت وسائل الربح الأخرى ..؟
ـ أنا ربحت الحقيقة الوحيدة، يا صديقي، وهي التي تذهب ابعد من كل الخسارات! عطر هذه الكائنات الذي لم يعد يغادر حياتي، حتى وأنا أقدمه هدايا للعابرين!


[2] السر
ـ بوصفك أمضيت حياتك تحفر في الظلمات، والمناطق النائية، وتتجول في منحنياتها القصية...، فهل حقا ً حصلت على السر الذي لا يحق لك أن تبوح به...؟
ـ نعم! فلو بحت به، لم يعد لدي ّ ما اكتمه!
ـ وهل يحق لك أن تدفنه معك، بعد رحيلك؟
ـ لا! لأنه ـ يا صديقي ـ هو الذي سيدفنني، وهو الذي لن يترك أثرا ً لي، لأنه، في الأصل، وجد بمعزل عنا!
ـ آ ...، لِم َ أغويتنا إذا ً...، وأنت تعرف باستحالة وجود السر من غير حامله...؟
ـ أنا لم اغو أحدا ً...، يا صديقي، فمن أنا كي افعل هذا الفعل....، وأنت تعرف إنني أمضيت حياتي كلها اسأل السؤال نفسه، فلم أجد جوابا ً، إلا وأنا أراه تلاشى في البعيد!


[3] في الطريق
ـ الغريب أني رأيت، في طريقي إليك، بصيرا ً يمشي بسلاسة، بل باستقامة، وآخر لم يفقد بصره منشغلا ً بالعثرات...، فسألت الأول: كيف تمشي من غير أن تتعثر؟ ابتسم البصير، وقال لي: وإن كنت أجهلك، واجهل مغزى سؤالك...، أسألك: هل ستخفي السر لو بحت به إليك؟ أجبت بنعم. فقال: لقد أخبرتك به! ومضى فاقد البصر يمشي بسلاسة كأن احدهم يقوده كي لا يصطدم، يتعثر، ويقع. فذهبت إلى الآخر الذي يرى، وسألته:  هل رأيت ذاك الأعمى...، لا يكترث للعثرات، مثلما أنت أصبحت منشغلا ً بها، وأنت ترى الدرب بعلاماته الواضحة؟ أجاب مبتسما ً أيضا ً: حقا ً لقد شغلني وجود هذا العدد الكبير من العثرات، في الدرب، فرحت أحصي عددها، وأنا اسأل نفسي: هل الدرب منح البصير الاستقامة، وأنا منحني هذا الانشغال، أم هو وأنا، كلانا، كان عليه أن ينشغل بسؤال أضاع عليك دربك، أنت، أيها المتسائل الغريب؟!

[4] نهاية مؤجلة
 سأل الحمل أمه:
ـ يا أمي، أراك غير مكترثة، بينما الذئاب تحاصرنا من الجهات كافة...؟
ـ هذه هي المعضلة: عندما يجد الأعداء صيدا ً بريئا ً يظنون إنهم أحرزوا نصرا ً مؤزرا ً عليه...، ولكن، يا حملي الوديع، اذهب وأسألهم: أين هي الديناصورات، والخراتيت العملاقة؟
ـ يا أمي...، هذه الذئاب انحدرت عن تلك الديناصورات والخراتيت المنقرضة، لكنها ستخلف أعداء ً أكثر شراسة، وأكثر مكرا ً، وعدوانية ...، أما نحن، الخراف والغزلان والأرانب، فمكثنا لا نمتلك أنيابهم، ولا مخالبهم، ولا مكائدهم في الغدر...؟
ـ هذه هي المعضلة التي لا حل لها! فنحن نسد النقص الحاصل في قطيعنا بالمزيد من المواليد...، وهم يزدادون طغيانا ً ببناء أمجادهم الواهية بالانتصار علينا!
ـ هذه ـ يا أمي ـ ليست معضلة، هذه هي النكبة؟
  قربت الأم رأسها من وليدها:
ـ وهل نحن اخترنا أن نصبح ضحايا ...؟
ـ آ ...، وستقولين أيضا ً: وهل هناك شرير اختار الشر كي يذهب إلى جهنم ويطلب منها إنزال العقوبة به؟
ـ هذا هو ظل المعضلة! فمادامت المعضلة غير قابلة للتسوية، التعديل، أو الحل، فان الموت وحده يغدو رحمة لنا، ولهم أيضا ً!
ـ آ ...، يا لها من هزيمة؟
ـ بل قل: تبا ً لنصر لا يتحقق إلا بسحق هذه الكائنات الوديعة، التي لا تمتلك أنيابهم، ولا مخالبهم، ولا مكرهم!


[5] ظلال
ـ أكاد اجن...
ـ ما الذي حصل لك يا صديقي الحكيم؟
ـ كلما ظننت أني فهمت الحكمة، أجد أني لم افهم إلا ظلها! وكلما حسبت أني بلغت الجوهر لا أجد سوى القشور...؟
ـ آ   ....، أتعرف لماذا لم افقد عقلي؟
ـ لا!
ـ لأنني تخليت عنه!
ـ وتخليت عن الحقيقة، وتخليت عن الجوهر؟
ـ بل تخليت عن الحقيقة التي لا تترك إلا ظلها، وعن الجوهر الذي لا يترك إلا قشوره!
ـ وماذا عن الحقيقة، وماذا عن الجوهر...؟
ـ لو كنت اعرفهما، لاستعدت عقلي، لأنني رأيت الحكماء، في هذه الحديقة، من أكثر المخلوقات انشغالا ً بالظلال، وبالقشور...!
ـ لم افهم قصدك...؟
ـ اذهب وأسأل سقراط: من قتلك؟
ـ ماذا تقول أنت..؟
ـ أنا أقول: العدالة التي لا تحرسها السيوف تصبح مثل التماثيل في الحدائق مقرا ً للغربان!
ـ اخبرني إذا ً: من أنت؟
ـ  أنا السم القاتل الذي إن لم تحصل عليه، فانك ستضطر للبحث عنه، لتقتله!
ـ اعتقد أنني فقدت عقلي تماما ً!
ـ يا صديقي، وهل كان لك عقل كي تفقده؟
ـ ماذا كان لدي ّ...؟
ـ  عندما تصل إلى الحقيقة، ستدرك إنها وحدها منحتك قدرة أن تبحث عنها!


[6] هل من مزيد؟
   نظر الغزال إلى محياه في الماء، فقال متندرا ً:
ـ  حتى الماء يود أن يفترسني!
قال الماء:
ـ  كيف  تقول هذا وأنت تعتدي علي ً؟
ـ أنا ارتوي منك...!
ـ وأنا لا امتلك حتى قدرة الدفاع عن نفسي!
ـ آ....، عدنا إلى حكاية الذئب، كلما تاب عن افتراس الخراف قال: وأنت ِ أيتها المعدة من يسد جوعك؟
أجاب الماء:
ـ ارتو مني...، لكن، برفق، بهدوء، وبرؤية، ومن غير إيذاء وكأن لك معي ثأر ابدي!
فقال الغزال:
ـ ولكن من ذا يقول لجهنم: لِم َ لا تغلقين فمك، فكلما ألقموها بشرا ً وحجرا ً قالت: هل من مزيد؟!


[7] رفاهية
   للمرة الثالثة، كلما طلب من الذئب مغادرة قفصه، ليطلق سراحه، يمتنع، حتى غضب الموظف في إدارة الحديقة، وصاح في وجه الذئب:
ـ  كلما اطلب منك العودة إلى البرية، تمتنع، لتمكث في سجنك!
   هز الذئب رأسه، من وراء القضبان:
ـ وهل أبقيتم لنا رغبة بالتحرر، والانعتاق؟
فصرخ الموظف غاضبا ً:
ـ لست أنا المسؤول عن أسركم، وحجزكم!
قال الذئب بمرح:
ـ بالعكس، يا سيدي، أنا لا أتحدث عن الأسر...، بل عن الرفاهية! ففي أية صحراء أو برية تتوفر لنا هذه النعم؟
ـ أفصح، أرجوك، لا تلغز كلماتك!
ـ إنكم، يا سيدي، اخترعتم لنا الجنة التي طالما كانت لا ترد حتى على البال!
ـ ها أنت تشتمنا...؟
ـ حرت معك، أيها الموظف ...، أقول لك الحقيقة، فلا تصدق...، فهل ترغب أن احصل على الحرية كي أموت في البادية وأصبح فريسة للضواري؟ فأرجوك، دع الرفاهية تقضي علي ّ، مع أفراد عشيرتي أيضا ً، ولا تُهجّرنا، عنوة! ثم لماذا ترسلني إلى بلاد اجهل فيها مصيري، بعد أن سرقوها منا، وحولوها إلى ساحة حرب، لا تعرف من ينتصر فيها، بعد أن أصبحت الهزيمة نهاية للجميع!

[8] واحد من...
ـ لِم َ تؤذ نفسك، تعاقبها، ولا ترحمها؟
   بهدوء، رفع رأسه، وبصوت غير مسموع، تمتم كأنه لا يخاطب أحدا ً آخر، حتى ولا نفسه:
ـ لو لم ْ تتح لي الفرص بمعاقبة كل من آذاني، وكل من شهر بي، وأفرط في قسوته....، لقلت: يا لي من دابة لم تترك، في وجودها، حتى أثرا ً لدبيبها! ولكني طالما امتنعت، ليس بدافع الرحمة، بل بدافع الخجل!
ـ يا لك من مخلوق غريب؟
ـ كلا! فانا أعاقب نفسي، لأنها، هي جزء لا يمكن عزله عن هؤلاء الذين لا عملهم لديهم إلا ارتكاب الذنوب، وإنزال الشر في الآخرين! لهذا تجدني اختبر طاقتي على تحمل الأذى....، لكن الذي افعله أنا في هذا الذي هو واحد من هؤلاء! وليس محض دابة ولدت كي تبقى من غير آثام، وخطايا!

[9] استعداد
ـ تقول ـ في عزلتك ـ انك غير مضطر للبقاء حيا ً إلا بتنفس الهواء، بما فيه من ماء وغذاء لم يلوث؟
ـ سيدي، حتى هذا الهواء القليل الذي مازال يبقيني على قيد الحياة، يذكرني بالأسباب التي لم تبلغ ذروتها بعد. لهذا تراني  على استعداد للتخلي عن حياتي عدا  الاستغناء عن هذا الهواء الذي لم يخمد أنفاسي بعد!

[10] طنين
   سألت الذبابة الفيل:
ـ هل كنت تود لو خلقت غزالا ً أو سبعا ً أو بلبلا ً...؟
ـ سيدتي! لو كنت امتلك قدرة ما لتخلصت منك، كي انشغل بسماع طنينك على مدار الزمن!

[11] طائر الحرية
فتح القط باب القفص الحديدي، وقال لطائر الحب:
ـ أنت طليق، أنت حر!
   ضحك الطائر:
ـ آ ...، لو كنت تعرف أني لم أتذوق نشوة الحرية، إلا وأنا داخل قضبان هذا القفص!
   وراح الطائر يحافظ على الباب منغلقا ً بكل ما كان يمتلك من إصرار، وعزم، ثم قال للقط:
ـ  أنا لم أكن أخشى أن تفترسني، بل لأنني عندما أكون في الفضاء الكبير، أدرك فداحة أن أعيش وأنا لا استطيع رؤية أعدائي!

[12] الحقيقة
ـ سيدي، رأيناه يفكر!
أومأ الزعيم بإشارة لإرساله إلى الجحيم.
فصاح الغراب:
ـ سيدي، إنها فرية، فهم يكذبون عليك.
رد الزعيم عليه:
ـ ها أنت نفسك تعترف بارتكاب ما هو أبشع من التفكير!
ـ سيدي، دعني اعترف بما حدث...
ـ أيها الغراب، انك لو فكرت فأنت أصبحت ضدنا، وإن لم تفكر فلا جدوى من وجودك معنا!
ـ سيدي، أرجوك، دعني أدافع عن نفسي.
ـ لا ضرورة لذلك...، فنحن نمتلك  الأدلة والوثائق والشهود على فعله أحفادك...، فلا معنى للاعتراف بما فعله أسلافك!
   تمتم الغراب مع نفسه بصمت تام: الزعيم على صواب..، وأنا لم اخدعه أيضا ً..، وهذه هي الحقيقة!
    صاح الزعيم به، قبل أن يتوارى:
ـ اعتقد انك حصلت على الغفران!


[13] اعتراف
ـ سيدي، جئت اعترف بالجرائم التي ارتكبها أسلافي..؟
   ضحك الجلاد، وخاطبه بمرح:
ـ نحن نمتلك أدلة دامغة بالجرائم التي سيرتكبها أحفادك!
ـ أنا أيضا ً اعرف ذلك...، ولهذا اعترف باني غير مسؤول عن الجرائم التي ستركب بعدي، لكن الجرائم الأولى، يا سيدي الجلاد، لا تسمح لي بالتستر عليها!



[14] قسوة
  خرج الذئب الأب من المغارة بحثا ً عن غزال أو حمل ....، فلم يعد، فخرجت الأم لعلها تجد صيدا ً تأتي به لصغارها وهم يوشكون على الهلاك جوعا ً...، فخرجت ولم تعد.
   لم يبق إلا الصغار داخل المغارة، لا يعرفون ماذا يفعلون...، فقال أكبرهم:
ـ إن خرجنا فلا مناص فإننا سنهلك...، وإن مكثنا، هنا، فالموت يتربص بنا.
قبل أن يكمل عبارته هجم على أخوه الأصغر، فعوى الأخير:
ـ ماذا تفعل؟
ـ أما أن افترسك وأعيش، وأما أن تفترسني كي تبقى على قيد الحياة!
ـ آ .....، الآن عرفت لماذا لم ننقرض!
ـ اسكت يا أحمق، لا وقت للكلام، والفلسفة، فلو كان أجدادنا اقل قسوة، لكنا تحولنا إلى خراف! فان لم تجد القتل، ستُقتل، وإن كنت رحيما ً فلا احد يدعك تبقى حيا ً!

[15] الخاتمة بلا مقدمات
ـ من ـ في تصورك ـ أكثر سعادة...؛ الأكثر ذكاء ً، وعلما ً، أم الأشد بلادة، وجهلا ً...؟
ـ يا صديقي، لا هذا ولا ذاك! لأن كل منهما لم يساوره الشك بمحق الآخر، ومحوه من الوجود!
ـ ها أنت تغلق علينا أي أمل بيوم ما يأتي لا مكر، شر، وقسوة فيه؟
ـ آ ...، إن جاء ذلك اليوم، يا صديقي، فستكون القصة قد بلغت ذروتها، فلا تجد هناك من يحفر في أصولها! فلا معنى للسؤال إن كان الأغبياء هم من محقوا الأكثر حكمة وفطنة، أم إن الأكثر مكرا ً ودهاء ً هم من وضعوا خاتمة لهذه الحكاية!
11/9/2016
Az4445363@gmail.com


شذرات- فرنسيس بيكن F . Becon(1909 - 1992)- ترجمة واعداد: عدنان المبارك

شذرات- فرنسيس بيكن F . Becon(1909 - 1992)


  
ترجمة واعداد: عدنان المبارك   
 
- التصوير أزدواجية. والتصوير التجريدي هو شيء أستيتيكي بالكامل. يبقى هو دائما على مستو واحد. انه معن فعلا بجمال نماذجه الأستيتيكية.
- في حالتي يكون التصوير
painting كله... مجرد حدث. أنا أتوقعه لكن من الصعب نقله وفق ما توقعته. انه تحويل في التصوير الحالي. في الحقيقة غالبما لا أعرف ما سيعنيه التصوير، وقد يعني أشياء كثيرة هي أحسن بكثير مما قدرت على عمله.
- التصوير كله هو حادث لكنه أيضا ليس بحادث، فعلى الفنان اختيار أيّ جزء من أجزاء الحادث عليه أن يحتفظ به.
- أنت تريد الدقة و ليس التمثيل. اذا عرفت كيف تعمل التشكيل
figuration فأنت تفشل هنا. لأن كل شيء تعمله تؤديه بالمصادفة. في أثناء التصوير عليك أن تعرف ما تعمله وليس كيف تعمله.
- أنا أريد للغاية الصورة المطلوبة لكني أريد أن تأتي بالمصادفة.
- أنت ترى كيف أصبح التصوير أو الفن بكامله الآن لعبة تشوّش الانسان. وما هو الأخاذ حاليا صيرورة اللعبة أصعب فأصعب على الفنان.
- أنا مؤمن بالفوضى المطلوبة عميقا، ففي الظلام تكون كل الألوان على اتفاق.
- بعض الصور يأتي مباشرة الى الجهاز العصبي، والأخرى تروي لك القصة كخطبة لاذعة عبر الدماغ.
- أذا كنت قادرا على الكلام عن هذا الأمر فلماذا تصوّره؟
- أمر ميؤوس منه على الداوم الكلام عن التصوير، فالمرء لا يفعل شيئا سوى الدوران حوله.
- الفن الكبير هو دائما للتركيز واعادة اختراع لما يسمى بالحقيقة، لما تعرفه كينونتنا - اعادة تركيز... واتلاف ما اكتسبته الحقيقة عبر الزمن.
- التصوير هو اليوم حدس واغلاق وكسب ما يحدث حين تقوم بقذف الأشياء الى أسفل.
- عملية الخلق هي مزيج من الغريزة والمهارة والثقافة وحمّى ابداع مرتفعة، وهي شبيهة بالعقار. وهي تلك الحالة الخاصة عندما يحصل كل شيء بسرعة بالغة - المزيج من الوعي واللاوعي، من الخوف والغبطة، انه مزيج صغير كما ممارسة الحب أي الفعل الفيزيقي للحب.
- لا يمكنك نقل الحقيقة الا عبر التشويه. عليك أن تشوّه كي تقوم بتحويل ما يسمى ظهورا في الصورة.
- الشعور باليأس والشقاء هو أكثر نفعا للفنان من الشعور بالرضا. فاليأس والشقاء يطيلان من حسّاسيتك كلها.
- حين أجلس ويأتيني حلم النهار تتحرك الصورة كما شرائح ملوّنة لما أعقب الحلم.
- كل أعمالنا تأخذ طيفها اللوني من تعقيدات القلب كما المشاهد الطبيعية التي تأخذ تنوّعها من الضوء.
- قلائل جدا يملكون شعورا طبيعيا بالتصوير، أكيد أنهم يفكرون بصورة طبيعية: التصوير هو تعبير عن مزاج الفنان. ولكونه هكذا كثيرا ما يكون هو في حالة يأس عظيم، وتأتي أسعد لوحاته حين يعمل بالألوان.
- قبل أن أبدأ العمل أملك شعورا غامضا قليلا: السعادة هي اثارة من نوع خاص، ولأن بمكنة الشقاء أن يأتي دائما بعدها ببرهة.
- الشهرة الطيبة مثل النار. حين تشعلها يسهل الحفاظ عليها لكن حين تطفئها يكون من الصعب اشعالها ثانية.
- هي حالة يائسة للعقل عندما يرغب في امتلاك أشياء قليلة وأخرى كثيرة للخوف.
- شكل المصوّر
ilustrational يخبرك فورا من خلال العقل عن أيّ شيء يتكلم الشكل بينما غير المصوّر يؤثر أولا على الاحساس وبعدها يتسرب بطء في الحقيقة .
- المشخص
figure الجذّاب والمسرّ هو رسالة دائمة للتوصية.
- الصورة تعينني أيضا في العثور على الأفكار وتحقيقها. أنا أنظر الى مئات من مختلف الأشياء، من الصور المتعارضة وأقنص التفاصيل كما الناس الذين يأكلون من صحون الآخرين.
- يمكنك القول أني بلا الهام ولا أملك شيئا عدا الحاجة الى التصوير.
- أطمح في أن تقوم غرائزي بالعمل الصحيح، فانا أعجز عن محو ما عملته. واذا كنت قد رسمت شيئا في البدء فسيكون فنّي مجرد تصويرات
illustrations لرسومات drawings .
- ما مكسبي من عمل لا أحبه ؟
- لكل واحد تفسيره للتصوير الذي يشاهده.
- اريد أن أعمل بورتريهات وصور. لا أعرف كيف. فخارج اليأس لا أرى شيئا عدا التصوير في كل الأحوال. وفجأة تتخثر الأشياء التي تعملها وتأخذ الشكل الذي أقصده. اجمالا هي العلامات الدقيقة التي تكون خارج الأخرى القائمة بالتقديم .
- أنا لا أؤمن بأن الفن متاح وذو فائدة، انه نادر وفضولي، وينبغي أن يكون معزولا. قد يكون هناك من يدرك سحره لكن أكثره معزول.
- بيكاسو هو سبب تصويري. هو الشخص الأب الذي منحني الرغبة في أن ألوّن.
- عثر فيلاسكيز على التوازن بين التصوير
illustration النموذجي الذي طلبه كي ينتج وبين العطفة الساحقة التي أثارها في المتفرج.
- أنا أستخدم في عملي كل أنواع الأشياء: مكانس قديمة، بلوزات قديمة، كل أنواع الأدوات والمواد. أنا ألوّن كي أثير نفسي وأعمل شيئا لنفسي أيضا.
- منح التصوير حياتي المعنى الذي من دونه لما ملكته.
- بعض الفنانين يترك أشياء ملحوظة ستكون من دونها أعمالا فاشلة بعد مائة عام. أنا تركت مثل هذه الأمور، فأعمالي معلقة في المتاحف لكن في يوما قد ينفيني (تيت غاليري) وبقية المتاحف الى القبو... لا أحد يعرف أبدا.
- عمل الفنان هو على الدوام تعميق السرّ.
-السرّ يكمن في اللامعقول الذي تقوم أنت باظهاره. واذا كنت تعمل تصويرا
illustration فسوف لن يكن ذلك أمرا لامعقولا.
- الفن العظيم منظّم بكل عمق وحتى لو كان هذا النظام أشياء كثيرة وغرزية وصدفية تخرج على الرغبة في النظام واعادة الواقعة الى النظام العصبي بأسلوب أكثر عنفا.
- نحن لا نمل في التصوير سوى جهازنا العصبي .
- أنا أعمل تصويرا لنفسي. لا أعرف كيف هو عمل شيء آخر. كما أن عليّ أن أكسب حياتي وأحتلّ نفسي.
- التصوير هو النموذج لنظامي العصبي والمنقول الى القماشة.
- أحاول أن أجعل الصور أدق ما يمكن لجهازي العصبي.
- كانت عندي صور فوتوغرافية لتصويرها، فانا أفضل العمل وفقها على التصوير وفق موديل حيّ مثلا...
- أنا أبغض وجهي، وعملت بورتريهاتي اذ لم يكن هناك أيّ أحد كي أعمل له بورتريها.
- اذا كانت نماذجي في معالجات مروّعة لم أكن قادرا على ابعادها عن المعضلة التقنية.
- الفنانون كلهم غرور ولا ينتبهون بسرعة الى أن يبقوا شيئا للأجيال القادمة. هم يريدون أن يكونوا محبوبين وأحرارا في الوقت نفسه. لكن لا أحد حرّا.
- على الصورة أن يعاد خلقها من البحث وليس من صورة الشيء، لكن ليس هناك من توتر في اللوحة طالما ليس هناك من عراك مع الشيء.   
 


جون كيتس.. مدمن أفيون! سيرة ذاتية مثيرة للجدل -ترجمة: أحمد فاضل

   ترجمة
جون كيتس.. مدمن أفيون!



   
سيرة ذاتية مثيرة للجدل

ترجمة: أحمد فاضل    
 
مثل غموض سوناتات شكسبير، وابتسامة الموناليزا، وأبو الهول ، يبقى الشاعر جون كيتس بسيرة حياته وقصائده أشد غموضا ، وقد بقي صامتا عن العديد من الحوادث التي مرت من خلال حياته الشخصية ، وكان يحتقر وبتصميم غير محسوس في قصائده حقائق الحياة ، ولم يكن عاطفيا على الاطلاق ، هكذا يحاول نيكولاس رو أن يثبت كل ذلك وأكثر في كتابه " جون كيتس " الصادر حديثا من جامعة بيل الأمريكية ، مع أنه على العكس من ذلك ، كان كيتس شابا يعشق الحياة ويذوب عاطفة أمام كل ما هو جميل كما في قصائده قبل أن يسقط ضحية مرض السل القاتل ، فإنه من المستحيل أن نصدق أن كيتس وهو الشاعر الذي يكتشف الجمال وسط خرائب القبح ، أن يدمن على الأفيون لينسى الآلام والأحزان التي كانت تداهمه في حياته كما يحكي رو ، فالخيال والجمال والحب كان لهم التأثير الكبير على شعره فكان أكثر موضوعية بين شعراء الرومانسية واستطاع تجاوز همومه الشخصية في العديد من قصائده وهي حالة نادرة جدا لم يعشها غيره من الشعراء على المستوى الشخصي في حياتهم .
نيكولاس رو في سيرته عن كيتس التي نشرت مؤخرا تحدى فيها بعض الأفكار التقليدية التي عرفت عنه وقد صب جل اهتمامه لشعره محاولا اكتشاف كيف كان يصنعه داخل عقله بدلا من عواطفه وهي إشارة خبيثة يكاد يقولها " بعقله المسكون بالأفيون " ، ومع ذلك تبقى طروحاته هذه محل نقاش بخلاف السيرة التي أطلقها الكاتب الإنكليزي أندرو موشن عام 1999 عنه والذي لم يشر فيها على أنه كان يكتب قصائده تحت تأثير الأفيون بل ركزت على قوة شخصيته وشعره وكيف كان يتحدى مرضه بكتابة الشعر .
الشيئ المحبط في سيرة رو هو أنه حاول ان يقدم كليشيهات مشوشة عن كيتس كإدمانه على الأفيون وهي حجة تحتاج إلى دليل ولربما هي من تخميناته لأن خطابات كيتس كانت تخلو من هذا الأمر ، ومع ذلك فإنه لايزال يتعين علينا التأكد من أنه كان مدمنا عليه أم لا ؟ ، ووفقا لنيكولاس رو فقد يكون لوفاة شقيقه توم الأثر القوي في تناوله الأفيون ، وحتى لو كانت قصيدته " إلى العندليب " التي يشير إليها رو كدليل على تعاطيه ذلك المخدر، فإننا لو قمنا بتحليل القصيدة لعرفنا كيف كان كيتس يحتقر كل ما يمت بصلة لتلك السموم :
أوجاع قلبي
وآلام خدر النعاس
جسدي المعنى
كما لوكان لي من الشوكران حالة سكر
أو بعضا من الأفيون
ومع أنه أشار إلى سم السموم الشوكران والأفيون والخمرة في هذه القصيدة فمن الصعب جدا أن نصدق أن كيتس كان مدمنا بدليل استخدامه كلمة " لو " التي تظهر بوضوح وهو ما كان يتمناه عقله الباطن لتكون تلك السموم مهدءا لأوجاعه ليس إلا ، رو وبعد قراءتنا لهذه الأبيات نجزم أنه ظلم كيتس الذي يقول عنه كولردج وهو من أبرز الوجوه الثقافية في إنكلترا زمن الحقبة الإبداعية :
- كان كيتس هو الأكثر استقرارا بين شعراء المدرسة الرومانسية واستند في خياله على الأساطير اليونانية الهيلينية في تكوين بعض أجواء قصائده الجميلة والساحرة .
ما يطرحه رو من إدمان كيتس للأفيون يحتاج إلى إعادة نظر لأنه قد يوصل رسالة خاطئة للقارئ واستنتاجات قاسية عن عبقرية كبيرة من دون دليل ملموس ، وقد يخلق انطباعا خاطئا عنه سيما وأنه كان يستخدم الخيال كأحد ابداعاته التي عرف بها داخل قصائده ، فهناك فرق أساسي بين طبيعة خيال الشعراء نشعر به وهم يعيشون معاناتهم في الفقر أو الموت المبكر ولكل منهم موهبته في توظيف هذا الخيال .
أما قصة حبه مع فاني براون التي لم يستطع الزواج منها والتي تمثل له خسارة عاطفية ومأساوية ، لكنها أعطت لشعره جمالية على مر السنين ، ولا يمكن لرو ولغيره إعادتها إلى كومة متربة من التفكير لأنها زقزقة مشبعة بالعاطفة من المبدع كيتس .
كتابة / راتان بهاتا شارجي وهو كاتب هندي له عدة مؤلفات عن الأدب الإنكليزي والأمريكي يعمل أستاذا مشاركا في قسم الدراسات العليا في اللغة الإنكليزية بجامعة كولكاتا بالهند ويرأس حاليا مجلة صوت الكتاب .
عن /
BOLOJI 23 سبتمبر أيلول 2012





الجمعة، 23 سبتمبر 2016

إكتشاف مقبرة أميرة فرعونية جديدة في جنوب الجيزة!-صلاح سليمان

آثار

إكتشاف مقبرة أميرة فرعونية جديدة في جنوب الجيزة!
صلاح سليمان
مقبرة اميرة فرعونية

   أعلنت وزارة الآثار المصرية  عن اكتشاف مقبرة لأميرة فرعونية تدعى «شرت نبتي» تعود إلى عصر بناة الأهرامات في منطقة أبوصير الأثرية (جنوب القاهرة) يتوسطها 4 أعمدة من الحجر الجيري، وحملت على وجهها الجنوبي نقوشًا هيروغليفية لألقاب واسم الأميرة، التي من بينها: «ابنة الملك من صلبه، حبيبته، المبجلة أمام الإله العظيم – شرت نبتي». وتنتمي للنصف الثاني من الأسرة الخامسة من الدولة القديمة الفرعونية (2500 ق. م) فضلا عن اكتشاف بقايا باب وهمي يحمل أجزاء من ألقاب الأميرة هذا وفق ما صرح به وزير الآثار المصرسي الدكتور محمد ابراهيم.
من المعروف ان منطقة سقارة وابو صير تخضع للتنقيب من قبل البعثات التشيكية ومعهد الآثار التشيكي في القاهرة، وفي هذا الصدد ذكر وزير الآثار المصري أن الكشف الأثري، الذي قامت به بعثة المعهد التشيكي للآثار المصرية التابع لجامعة تشارلز ببراغ، سوف يفتح فصلا جديدا من تاريخ جبانات أبوصير وسقارة، حيث إن فناء المقبرة كشف في الجزء الجنوبي منها على مقابر لموظفين لا ينتمون إلى العائلة الملكية بمنطقة جنوب أبوصير، ومن المعروف ان جبانات الأفراد التي تخص الأسرة الخامسة الملكية تقع على بعد 2 كيلو متر شمال المقابر الملكية.
أظهر الإكتشاف أيضا أن هناك  ممر يمتد من الزاوية الجنوبية الشرقية من الفناء ويتجه شرقا، ويحتوي هذا الممر والجدار الجنوبي للفناء على 4 مداخل لمقابر منحوتة في الصخر، حيث تم الكشف حتى الآن عن المقبرتين اللتين تقعان بالجدار الجنوبي للفناء، وهما لموظفين كبيرين أحدهما يحمل لقب (كبير العدالة في البيت الكبير، شبس بوبتاح) والآخر (مفتش خدم القصر، دوا بتاح).
من جهته صرح  مدير البعثة التشيكية الدكتور ميروسلاف بارتا للصحافة العالمية ، إن «المقبرتين الأخريين اللتين تقعان بالممر، لاتزالان تخضعان لأعمال الكشف،وإحداهما لموظف يدعى نفر، الذي يحمل لقب المشرف على كتبة الفرقة، وعثر بداخل مقبرته على بابه الوهمي، و3 تماثيل له من الحجر الجيري تمثله في هيئة الكاتب، كما عثر على تمثال رابع مزدوج له ولزوجته (حتحور نفرت)، أما المقبرة الأخرى بالممر فلاتزال أعمال الكشف عنها مستمرة ، وأضاف في هذا الصدد إنه تم العثور أيضا على 4 نواويس كبيرة من الحجر الجيري تحمل بقايا ألوان بسيطة وضعت تلك النواويس بين مداخل المقابر، وتتضمن تمثالا لرجل وتماثيل رجل بمصاحبة ابنه وتماثيل لرجلين مع سيدة، وتظهر جميع التماثيل مهارة النحت في الفن المصري القديم .
تقع منطقة أبوصير الأثرية جنوب الجيزة وشمال سقارة بنحو 4,5 كيلومترات، وكان قد اشتق اسم أبوصير من الاسم المصري القديم (بر أوزير)التي تعنى مقر الإله أوزير. وتضم منطقة أبوصير مقابر ملوك الأسرة الخامسة ومنها هرم الملك ساحورع وهرم الملك نفر-إير-كارع (كاكاى) وهرم الملك نفر-اف-رع وهرم الملك نى-أوسر-رع وذلك بالإضافة إلى معابد الشمس حيث تضم معبد الشمس للملك أوسركاف ومعبد الشمس للملك نى-وسر-رع بالإضافة إلى معبد الشمس للملك ساحورع الذي يقع على بعد 1 ميل تقريباً شمال أبوصير. ومن الجدير بالذكر أن هذه الأهرامات قد تهدمت بشكل شبه كامل بينما المعابد لا زالت قائمة بسبب تشيدها من الأحجاروالمنطقة تشهد زيارت سياحية مكثفة .
كان الملك ساحورع قد شيد هرمه في منطقة أبوصير ويبلغ ارتفاعه حوالى 48 متراً وطول ضلع قاعدته 78 متراً وزاويته 50ْ36،  وذلك وفق كتاب آثار مصر الفرعونية للدكتورتامر سعد الله وقد تهدم الهرم تهدماً بالغاً ولم يبق من كسوته الأصلية التي كانت من أحجار طره الجيرية إلا بعض القطع. ويقع مدخل الهرم كما هو معتاد في أهرامات الدولة القديمة في الناحية الشمالية وفى مستوى سطح الأرض ويقودنا المدخل إلى ممر طوله 8 متر وسد الممر بمتراس من الجرانيت ثم ممر صاعد بانحدار تدريجى بسيط طوله 25 متراً حتى يؤدى إلى حجرة الدفن التي تأخد شكل المستطيل وسقف الحجرة جمالونى الشكل من ثلاث طبقات فوق بعضها وبنيت حجرة الدفن كلها من أحجار طره المحلية.
أما المعبد  الجنائزى للملك ساحورع فهو مخرب تماماً ،ويلى مدخل المعبد  الفناء المكشوف وارضيته من البازلت وجدرانه من الحجر الجيرى التي كانت مزينه بالنقوش التي تمثل الملك ينتصر على أعدائه وأبدع الفنان المصري القديم في ترتيب الأعداء فالآسيوين وضعهم في الجانب الشمالى وذلك حسب موقعهم الجغرافى والليبيون على الجانب الجنوبى ومن النقوش الهامه المحفوظه الآن في المتحف المصري بالقاهرة مايمثل الملك ساحورع وهو يقتل زعيماً ليبياً بدبوس القتال وإلى جوار الزعيم الليبى زوجته وإثنان من الاطفال يرفعون أذراعهم طالبين الرحمه، ويحيط بالفناء المكشوف أعمدة جرانيتيه من الطراز النخيلى عددها 16 عمود وزين السقف بالنجوم. وهناك ممر عريض يحيط بالفناء وهو مبلط أيضاً بالبازلت ومزين بالنقوش التي تمثل الملك وهويصطاد الطيور والاسماك ومناظر اصطياد الحيوانات البرية، وفى الجهه الغربية من بهو الأعمدة يوجد توجد عشرة مخازن موزعة على صفين متقابلين كل صف يحتوى على 5 مخازن وإلى الجنوب يوجد 17 مخزن وبنيت المخازن كلها في مجموعات من طابقتين، ولكل مجموعة سلمها الخاص وكل مخزن عبارة عن حجرة واحدة ومن المحتمل ان هذه المخازن لتخزين الأوانى المزخرفة والتماثيل المذهبة. وفى وسط الممر على الجانب الغربي يوجد ممر يعقبه بضع درجات تؤدى إلى حجرة صغيرة فيها النيشات الخمس للتماثيل وفى الجدار الجنوبى لهذه الحجرات باب وهو الطريق الوحيد المؤدى إلى الهيكل وخمس حجرات خلفه، ويحتمل أن تكون أرضيه الهيكل قد غطيت بالمرمر وفى نهايه الهيكل يوجد باب وهمى من الجرانيت وأمامه مائده قرابين من المرمر. ومن أهم معالم مجموعه الملك ساحورع ذلك النظام الدقيق لتصريف المياه التي كانت تسقط على السقف فتنصرف في مزاريب على هيئه رؤوس الأسود تبرز من أعلى الجدران الخارجية. أما في الاجزاء المكشوفة فإن ماء المطر الذي يسقط فينصرف من فتحة عند أسفل الجدران الخارجية بعد أن يصل إليها عن طريق فنوات محفورة في أحجار بلاط الأرضية. وكانت هناك طريقه أخرى لتصريف المياه حيث كانت توجد في داخل مبانى المعبد خمسه احواض مبطنه من الداخل بصفائح النحاس وسدادتها من الرصاص تحكم غلق فتحاتها أثنان منها في الحجرات القريبة من الهيكل وواحد في الهيكل نفسه وواحد في الممر المؤدى إلى الهيكل والخامس يوجد في مجموعه المخازن العشرة ووظيفتها تصريف المياه التي تستخدم في طقوس العبادة وذلك لاعتبار أن هذه المياه نجسه ومن الخطر لمسها. وكان يخرج من تلك الاحواض مواسير نحاسية تسير تحت أرضية المعبد وتستمر في الطريق الصاعد إلى أن تفرغ مياها في الناحية الجنوبية منه.



انتعاش الأعمال الايروتيكية ليس ظاهرة عابرة بل اتجاه مقيم-عبد الإله مجيد


روايات   

انتعاش الأعمال الايروتيكية ليس ظاهرة عابرة بل اتجاه مقيم
عبد الإله  مجيد
روايتا سيلفيا داي تنافستا مع " خمسون درجة من الرماديّ



   أُقصيت ثلاثية "خمسون درجة من الرمادي" عن عرش الكتب الأكثر مبيعًا بصدور رواية ايروتيكية جديدة حطمت جميع الأرقام السابقة. إذ زادت مبيعات الكاتبة الأميركية - اليابانية سيلفيا داي من روايتها "منعكسة فيك" على 80 الف نسخة من الغلاف الورقي في غضون ستة ايام فقط في بريطانيا محطمة الرقم الذي سجلته ثلاثية إي ال جيمس في الأسبوع الأول من نشرها.
وتأتي رواية "منعكسة فيك" على منوال روايتها الأولى "متعرية لك" التي لاقت نجاحاً ساحقاً عندما نشرتها الكاتبة بنفسها في نيسان/ابريل قبل أن تشتري دار بنغوين حقوقها في ايار/مايو.
وكان عنوان الرواية الأصلي "أعمق فيك" ولكنه غُيِّر لأن بعض شركات بيع الكتب شعرت أن للعنوان ايحاءات جنسية. وبلغت مبيعات الرواية في بريطانيا خلال الاسبوع الأخير من تشرين الأول/اكتوبر 82759 نسخة، بحسب خدمة نيلسن بوكسكان التي تقدم معلومات احصائية لدور النشر. ولم تحقق مبيعات أكبر في الاسبوع الأول من النشر منذ بدأت خدمة نيلسن رصد حركة النشر عام 1998 إلا روايتان هما رواية جي. كي. رولنغ "الشاغر عرضا" ورواية دان براون "الرمز المفقود"، بحسب شركة بوك سيلر لتسويق الكتب.
واشار فيليب ستون محرر الجداول البيانية لمبيعات الكتب وايراداتها في شركة بوك سيلر الى ان ما أُنفق على شراء روايات سيلفيا داي خلال الاسبوع المنتهي في 26 تشرين الأول/اكتوبر (420 ألف جنيه استرليني) يفوق ما انفقه القرّاء على شراء كتب سلمان رشدي وايان ماكيوان وفيليبا غريغوري وايان بانكس وماريان كيز وسبيستيان فولكس وفيليب بولمان وكاثي كيلي وجاكي كولنز وتوم كلانسي وهيننغ مانكيل ويان مارتيل والكسندر ماكول سمث وهارلان كوبن ولينود باركلي وفكتوريا هيسلوب وبي. دي. جيمس وبيير دوكان وستيغ لارسن وايان رانكن وزيدي سمث وكارين سلوتر وباولو كولهو مجتمعين.
ونقلت صحيفة الغارديان عن ستون أن مبيعات رواية داي "اكبر ما حققته دار بنغوين من تسويق كتاب ذي غلاف ورقي منذ أن بدأ حفظ سجلات". واضاف ستون أن هذا انجاز "لا يُصدق" إذا علمنا أن بنغوين تنشر اعمال كتّاب معروفين ومشاهير مثل جيريمي كلاركسون مقدم برنامج "توب غير" للسيارات والطاهي جيمي اوليفر. واعرب ستون عن اعتقاده بأن المبيعات الفائقة التي حققتها روايات داي الايروتيكية "تثبت أمرين، الأول أن انتعاش الايروتيكا ظاهرة مقيمة وليست عابرة، والثاني أن الكتاب الورقي ما زال حيًا". ولفت ستون الى أن رواية "منعكسة فيك" تباع بنسخة الكترونية منذ شهر وأنها تصدرت مبيعات امزون من الكتب الالكترونية طيلة هذه الفترة تقريبًا. ورغم ذلك حققت الطبعة الورقية رقمًا من أعلى ارقام البيع في الاسبوع الأول للنشر منذ أن بدأ حفظ سجلات في قطاع النشر.
ولاقت رواية "منعكسة فيك" استقبالاً حاراً من النقاد الذين اغدقوا عليها المديح كما يتضح من تعليقاتهم على موقع شركة امزون لبيع الكتب. وقالت ناقدة في مراجعتها للرواية "إن قراءة "منعكسة فيك" كمن يخوض مغامرة عاطفية زاخرة بالاثارة على غرار لعبة الرولر كوستر. فهناك دراما وقلق، هناك اسرار وسوء فهم، هناك مشادات كلامية وعقوبات ولكن هناك ايضا الجنس الساخن وبعض اللحظات الحلوة الى حد لا يُصدق بين العاشقين"، مشيرة الى بعض الاقتباسات المحببة لديها مثل "أُفضل الاختصام معك يا ملاكي على الضحك مع أي أحد آخر" أو "أنا مسكونة بك يا ملاكي. مدمنة عليك. أنت كل ما كنتُ اريده واحتاج اليه، كل ما كنتُ احلم به. أنت كل شيء. أنا اعيشك واتنفسك. اعيش واتنفس من اجلك".
وتبين المراجعات التي نُشرت على موقع امزون أن روايات داي نالت علامات أعلى من روايات جيمس. إذ نالت "منعكسة فيك" 4.7 نقطة على مقياس من 1 الى 5 ، فيما نالت رواية "خمسون درجة من الرمادي" 3.2 نقطة. ولكن اجمالي مبيعات كتب داي ما زال أقل من مبيعات روايات جيمس. فإن الجزء الأول من ثلاثية جيمس أصبح أكثر الكتب مبيعًا في تاريخ بريطانيا خلال الصيف بمبيعات بلغت 5.3 ملايين نسخة ورقية والكترونية.     
 


من التراث الشعبي ... حكاية ( دارمي ) !!!-حامد كعيد الجبوري

من التراث الشعبي ...
حكاية ( دارمي ) !!!
( أنهض وأكع للكاع وأتوجه وأنهض ... )
     ( الدارمي ) فن من فنون الشعر الشعبي وقد يسميه الكثيرون ( شعر البنات ) أو غزل البنات ، لا أريد الخوض في الميزان العروضي ل ( الدارمي ) لأن أغلب القراء غير مهتمين إلا بمنطوق ( الدارمي ) ، هناك ملاحظة مهمة وهي أن الذائقة الناقلة للشعر عموما قد تضيف من عندها الكثير لترغيب الناس على متابعة ذلك البيت من الشعر ، وبعض الأحيان يحورون ويستبدلون بعض المفردات لتتلاءم مع منطوق ما حوروه أو استبدلوه .
     يحكى أن فتاتين تربطهما علاقة صداقة وكانتا كثيرا ما تستودع صديقتها وتستأمنها على أسرارها ، وكانتا كل واحدة منهما تعشق شابا من أقرانهما ، و تقدم أحد أقارب واحدة منهن وخطبها لنفسه ووافق الأب على زواجها وحرمت الزواج ممن أحبها وأحبته ، والمفارقة أن هذا الزوج لا يسكن بنفس قرية أو مدينة الحبيبة ، وهكذا أبعدها الزواج عمن أحبته ، وضاع عليها أخبار حبيبها وأخبار صديقتها بل حتى أخبار أغلب معارفها وأقربائها .
       الصديقة الثانية تقدم حبيبها لخطبتها فرفض أهلها تزويجها متعللين بأسباب واهية كثيرة ، وتقدم ثانية فرفض ، وثالثة فرفض حتى أشيع بين أهل القرية حكايات نسجوها زورا وبهتانا عنهما ، لذا  أحجم الكثير من الشباب ممن سمع بالروايات الموهومة عن التقدم لخطبتها ، وتزوج حبيبها من امرأة غيرها وبقيت تحتفظ بصدرها حكاية عشق أطفأت  للأسباب التي ذكرت ، بعد مضي سنين طوال وفي أحد المآتم في قريتها وكانت بمحض الصدفة حاضرة له الصديقة المتزوجة بعيدا عن بلدتها وأهلها ، ووجدت صديقتها جالسة مع النسوة المعزيات فجلست بجوارها وقد أخذ الزمان منها ومن صديقتها مأخذه ، وقالت المتزوجة لصديقتها ( شلونج ديه ) ، و( ديه ) تعني ( خيه ) و هذا التحوير أستخدمه الكثير من الشعراء الشعبيين ب(أبو ذياتهم ودارمياتهم ) ويقال أن سبب ذلك يئول لرغبتهم بإطلاق مفردة ( ديه ) لأنها تعني اليدين ، واليدان لا يستغني عنهما الإنسان لتأدية أي عمل يناط به ، لذلك أشتقه الشعراء من هذا الباب فالأخ والأخت هما اليدان اللتان تعينان على إتمام كل المهام ، وحين سمعت الصديقة هذا السؤال من صديقتها المتزوجة أطرقت الى الأرض وأغمضت عيناها وبعد هنيئة رفعت رأسها صوب صديقتها ، وعيناها تحبسان دمعة ترقرقت بمحاجرها وأنشدت تقول ،
 ( أنهض وكع للكاع وأتوجه وأنهض / ما خله عظم صحيح رضني العشك رض ) ،

ووجدت هذا ( الدارمي ) متناقلا بين الشعراء وحفاظ التراث الشعبي بتحوير مفردة واحدة وهي ( العشك ) ، الأصل كما يروى ( رضني الدهر رض ) .   

الخميس، 22 سبتمبر 2016

خيري حمدان... أديب عربي يكتب بالبلغارية -لقاءات

لقاءات
خيري حمدان... أديب عربي يكتب بالبلغارية



  خيري حمدان (50 عاما) أديب عربي) أردني /فلسطيني) يقيم في صوفيا منذ عشرين عاماً، ويكتب بالبلغارية الى جانب لغته الأم، ولعله الأديب العربي الوحيد الذي يكتب بهذه اللغة القريبة من اللغة الروسية.
 يعتبر حالة خاصة لم يسبقه سوى القليل من الأدباء العرب الذين كتبوا بلغة أجنبية غير الانجليزية والفرنسية، وقد حاز على عدد من الجوائز الوطنية، وشارك في مهرجانات دولية انعقدت في صوفيا، ونشر قصصا وقصائد في كبرى الصحف والمجلات والمواقع الأدبية البلغارية.
صدرت لخيري حمدان باللغة البلغارية الكتب التالية:
• عيون العاصفة، ديوان شعر 1997.
• مريامين، ديوان شعر 1999.
• أحياء في مملكة السرطان، رواية عام 2003.
• أوروبي في الوقت الضائع، رواية عام 2007.
• مذكرات موسومة بالعار، رواية تحت الطبع.
• "هل يسمعني أحد"، مسرحية قام الاتحاد الأوروبي بتمويلها، جرى عرضها على خشبة مسرح الدارة الحمراء للثقافة في صوفيا.
وصدر له بالعربية:
• دعني أعيش دعني أموت، مسرحية صدرت ضمن المجلد الأول للمسرح العربي عن دار نون المصرية للنشر والترجمة.
• انعتاق، رواية..
• أرواح لا تنام، رواية تصدر قريبًا في عمّان.
• في ما يلي حوار مع خيري حمدان جرى في عمّان التي يزورها حالياً حول تجربته :
* كيف اتجهت للكتابة الروائية باللغة البلغارية، هل كان ذلك خيارًا ذاتيًا، أم خيارًا عمليًا بحكم إقامتك في بلغاريا؟.
ــ كانت اللغة البلغارية بالنسبة لي نافذة واسعة للاطلاع على الأدب العالمي، بحكم كثافة ما يترجم لهذه اللغة، وما يتعذر التوصل إليه وقراءته باللغة العربية. وقد شهدت المرحلة الأخيرة من الاشتراكية قبل انهيار المنظومة مطلع التسعينيات، نشاطًا كبيرًا لترجمة ما يصدر في كافة أنحاء العالم وبخاصة الأدب الروسي، الذي يعتبر مميزًا دون شك. كثرة الاطلاع والقراءة ومواكبة الحدث الثقافي في بلغاريا، جعلني قادراً على التفكير باللغة البلغارية، وسرعان ما تحوّلت الى لكتابة بهذه اللغة، ساعد في ذلك ما كنت أحصل عليه من مردود ماديّ متواضع. تراكم الكتابة وخلط الحسّ الشرقيّ المرهف بالمعرفة والمهنية الغربية، مهد لي الطريق لكتابة مختلفة نوعيًا عما هو مألوف في بلغاريا. لكنّي بطبيعة الحال أعتز بلغتي العربية، وقد عملت على تطويرها قدر الإمكان بحكم ممارستي لمهنة تدريس العربية للأجانب ولأبناء الجالية العربية في صوفيا. بعد انطلاق عالم الانترنت قررت العودة للكتابة باللغة الأم، وهكذا غالبًا ما يتوزع جهدي وقلمي ما بين الكتابة بالبلغارية والعربية.
هنا أرغب بتوضيح قضية التوجه للكتابة بلغة أجنبية. أعتقد بأن هذا القرار جاء نتيجة لتراكمات وتجارب عديدة منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وليس مجرّد قرار لحظي. في البداية كنت أقوم بترجمة أفكاري إلى البلغارية، ومع مرور الوقت بدأت بكتابة مقطوعات شعرية ونصوص أدبية قصيرة، وقمت كذلك بترجمة بعض الأعمال الأدبية لكتاب وشعراء عرب. أما النصوص الطويلة كالرواية والمسرحية فقد احتجت لسنوات عديدة كي أتمكن من خوض هذه التجربة. أدركت قدرتي وأبعاد موهبتي للكتابة بالبلغارية بعد أن فزت بمسابقة شعرية، حيث قرأت إحدى الممثلات قصائد للعديد من الشعراء دون ذكر أسماء المؤلفين، وفوجئت بفوز نصّي بعد انتهاء المهرجان.
 الحقيقة أن العديد من الأدباء البلغار ساعدوني وحثّوني على الكتابة حتى توصلت لمرحلة من الاستقلال الذاتي، لكنّي دائمًا ألجأ لخبراء اللغة لمراجعة أعمالي بالبلغارية قبل النشر، وهذا أمرٌ طبيعيّ. أما بالنسبة للمسرح، فقد استفدت من الصداقة التي ربطتني بالعديد من الفنانين البلغار، وتمكنت من التعرف على الحياة المسرحية منذ الجلوس حول طاولة المخرج للتعرف على النصّ وحتى عرض الافتتاح.

 هل تعتبر نفسك أديبًا بلغاريا، وهل يراك الجمهور البلغاري كذلك؟.
ــ ما دمت أكتب باللغة البلغارية فأنا اعتبر نفسي أديبًا بلغاريًا دون شكّ. الجزء الثاني من السؤال جدليّ بعض الشيء. كتبي تعرض وتباع في المكتبات البلغارية في قسم الأدب المترجم، وهذا الخطأ يعود لطاقم ترتيب وتنسيق الكتب. أشعر أحيانًا بأن هناك سقف لتطوري كأديب بلغاري، فهناك الكثير من الاعتبارات ذات الخصوصية الوطنية البلغارية. أذكر بأنّني تعاونت مع ملحّن بلغاريّ لكتابة مقطوعة موسيقية "أوبريت" في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، واستخدم صديقي الموسيقار كيريل لامبيف نصوصي لكتابة نصّه الموسيقي. بعد أن انتهى العرض الموسيقي كانت هناك ورشة لمناقشة لهذا العمل، وأذكر بأن أحد الموسيقيين طرح سؤالا مباشرًا للموسيقار "هل انعدم الكتاب والشعراء البلغار لتستخدم نتاج شاعر عربي؟". لكنّ الجمهور بحدّ ذاته لا يفرّق ما بين كاتب وآخر، لأن ما يهمّه في نهاية المطاف نوعية الكتاب المقروء. أعتقد بأنّ القارئ البلغاري يعتبرني كاتبًا بلغاريًا ذا خصوصية، لأن البلغارية ليست لغتي الأم.
* كيف تنظر لموضوعات رواياتك. هل هي عربية مكتوبة باللغة البلغارية؟.
ــ فرغت مؤخراً من كتابة رواية "أرواح لا تنام". وهي الرواية المشتركة ما بين اللغتين والتي كتبتها بداية بالبلغارية وحملت عنوان "أوروبي في الوقت الضائع". مقدمة الرواية تدلّ على مكان وزمان الحدث، وهي مهداة لروح شاعر بلغاري هو ديمو ايفانوف، كان مُلاحقًا من قبل أجهزة الأمن الاشتراكية السابقة، وترك لديّ وصيته، لكنّي أهملتها وضاعت ثمّ علمت بوفاته وحيدًا في نيوزلندا، وكان لا بدّ من كتابة اعتراف واعتذار لهذا الأديب. عمليًا كتبت حياته في هذه الرواية. على أيّة حال، أحاول أن يكون البعد الإنساني هو العامل الأساسي المحرّض للكتابة. المواطن البلغاري أصبح أوروبياً بكلّ ما تحمل الكلمة من معنى. هذا يشمل حرية التنقل والعمل في أيّ زاوية أو مدينة أو قرية في كامل الاتحاد الأوروبي. لذا بات من الضروري تخطّي المنظور الضيق للمكان والانطلاق إلى العام لقراءة وطرح الهمّ الإنسانيّ، وهو متماثل سواء كانت القراءة في برلين أو باريس أو موسكو أو عمّان مع الأخذ بعين الاعتبار بعض العوامل والمؤثرات الإقليمية. العولمة خلقت أطرًا عامة في كاقة انحاء العالم. لذا فإن الهمّ الإنساني في إطاره العام هو الطاغي في كتاباتي.
* أنت تكتب بلغتين لغتك الأم واللغة البلغارية، ما الفرق بين الحالتين؟ من ناحية التدفق اللغوي، الانطلاق الذهني والنفسي في الكتابة؟ هل هناك موضوعات بعينها تصلح للكتابة بهذه اللغة، وموضوعات تصلح للكتابة عنها باللغة الأخرى؟.
ــ لا شكّ بأن الكتابة بالبلغارية تتيح المجال للتعبير بحرية مطلقة لغياب الرقيب الذاتي الذي زُرع في أعماقنا منذ مرحلة الطفولة، لكن هذا لا يعني بالضرورة الاندفاع المراهق في الكتابة. هناك مواضيع تتعذر كتابتها سوى بلغة واحدة، حين تكون مرتبطة بحالة نفسية محدّدة، لا يمكن الكتابة بصدق عن الفيضان إذا لم تبتل بالمياه حتى أعماق الروح، ولا يمكن فهم معاناة الصحراء إلا إذا وجد الإنسان نفسه وسطها. صحيح بأن للخيال دوراً في هذا الشأن، بيد أن التجربة تخلق الحالة النفسية وانطلاقة القلم المرجوة. هناك بالطبع مواضيع تصلح للكتابة باللغتين، لكني أحاول تغيير بعض المصطلحات والكلمات المستخدمة كي لا يبدو الموضوع مترجمًا وجامدًا. أعتقد بأن هناك جمالية لا تضاهى للغة العربية، في الوقت نفسه هناك حالات نفسية وذهنية لا أقدر التعبير عنها سوى باللغة البلغارية.

* تقوم بأعمال الترجمة في بلغاريا، لمن ترجمت وهل لديك مشاريع ترجمة في المرحلة المقبلة؟.
ــ ترجمت لعدد من الكتاب والشعراء العرب: محمود درويش، سميح القاسم، نزار قباني، معن بسيسو، حيدر محمود وغيرهم. لديّ مخطط لإصدار ديوان للشعر البلغاري المعاصر، وقد قمت بترجمة مجموعة من الشعراء البلغار الى العربية. المشروع يحتاج لبعض الوقت والتنسيق. ابحث عمن يبدي اهتمامًا في العالم العربي بهذا المشروع الثقافي.

شعر الزوجة الخائنة!- للشاعر الإسباني: فيديريكو غارسيا لوركا ترجمة: سنان أحمد حقّي ـ عن اللغة الأنكليزيّة ـ


شعر

الزوجة الخائنة!


   
للشاعر الإسباني: فيديريكو غارسيا لوركا
ترجمة: سنان أحمد حقّي ـ عن اللغة الأنكليزيّة ـ
                                                      
 
                                    هكذا أخذتها إلى النهر
كنت أظنها عذراء
في حين أنها كانت متزوّجة
حدث ذلك في ليلة القديس جيمس
كل شئ بدا وكأنني ممتنٌّ
إنطفأت الفوانيس
وارتفع صوت الصراصير
في أركان الشوارع القصيّة
لمست نهديها النائمين
فتبدّيا لي فجأةً
كأشواك السنبلة
نشاء تنورتها
بدا في أذنيّ
كقطعةٍ من الحرير .
تمزقها عشرةُ سكاكين
بلا ضوءٍ فضّيٍّ على أوراق الشجر
الأشجار نمت وكبرت
وأفقٌ من كلابٍ
نابحةٍ بعيدا عن النهر

تمضي عبر العلّيق
والقصب والزعرور
تحت عَُقـَد شعرها
عملت حفرةً في الأرض
خلعتُ ربطتي
هي أيضا خلعت ثوبها
أنا ، نزعت حزامي ومسدّسي
هي ، فكّت أزرار فتحة صدرها الأربعة
لا العنبر ولا الصدف
له مثل هذه البشرة
ولا الزجاج والفضّة
يُومض بمثل هذا الألق

إنزلق فخذاها بعيدا عنّي
كسمكةٍ مذعورة
نصفا ممتلئا بالنار
نصفا ممتلئا بالثلج
تلك الليلة عدوتُ
في أفضل الطرق
راكبا فرسا من محار
بلا ركبان ملجمة

كرجل لا أريد أن أعيد
الأشياء التي قالتها لي
نور الفهم
جعلني أكثر رزانةً
معفّرةً كانت بالرمل والقبل
أخذتها بعيدا عن النهر
سيوف الزنابق
تقاتلت في الهواء

تصرفتُ كما يليق بي
كغجريٍّ أصيل
أهديتها سلّة خياطة كبيرة
من الستان ، بلون القش
لكنني لم أقع في الحبّ
حيث مع أنها كانت متزوّجة
قالت لي أنها عذراء
.
عندما أخذتها إلى النهر




الأحد، 18 سبتمبر 2016

ذئاب وقصص قصيرة أخرى- عادل كامل

ذئاب وقصص قصيرة أخرى





عادل كامل
[1] قانون
ـ لِم َ بصقت على الذئب...؟
ـ الم تره كيف مزق جسد الحمل وافترسه من غير رحمة...؟
ـ ولكنك كما يبدو انك لا تعرف أن الذئب كاد يموت جوعا ً..، وان الحمل لم يجد الدفاع عن نفسه،  ولا حمايتها، كما لم يجد العثور على مكان امن له..؟
ـ تبا ً لنصر سببه الجوع، وتبا ً لهزيمة سببها الوداعة!
ـ هذا هو قانون هذه الحديقة: أما  أن تحافظ على نصرك بهزيمة الآخر، وأما أن تستسلم لهزيمتك وتزول!      
ـ ما أقساه، يا صديقي، لا المنتصر جدير بنصره، ولا المهزوم يستحق شفقة تذكر أيضا ً!
ـ اخبرني ماذا يفعل الذئب عندما يوشك على الموت جوعا ً...، ثم هل كفت الخراف عن أكل أعشاب الأرض..، أليست هي أيضا ً لا تديم نصرها إلا بهزيمة الحشائش والنبات؟
ـ آ...، إذا ً لا يكمن النصر إلا في جوهر الهزيمة، ولا تكمن الهزيمة إلا في جوهر النصر! فلا وجود للهزائم إلا بوجود هكذا نصر، ولا وجود للنصر إلا عبر هكذا هزائم. ولكن ما اقسي هذا القانون أن لا توجد  مسافة عادلة بينهما، خاصة عندما تدرك أن هذا القانون قد وجد قبل وجود المنتصرين، وقبل وجود المنهزمين أيضا ً، وانه لن يزول، حتى بعد زوالهما أيضا ً!

[2]  تطور
    بعد أن تأمل الممرات والدروب والفجوات التي توزعت عليها الأقفاص، في الحديقة،  سأل القرد حديث الولادة، جده:
ـ من وضعنا في هذه الأقفاص؟
فكر قليلا ً وأجاب:
ـ نحن فعلنا ذلك بأنفسنا...!
اعترض الحفيد:
ـ ولكني سمعت إن من وضعنا داخل هذه الأقفاص هم هؤلاء الذين انحدروا عن أسلافنا القرود القدماء؟!
ـ كذب!
   هز الحفيد رأسه، وتمتم مع نفسه بصوت مسموع:
ـ وأنا اعتقد ذلك أيضا ً!
فسأل الجد حفيده بشرود:
ـ كيف؟
ـ لأننا مادمنا داخل هذه الأقفاص، فلن نسمح لأحد منا أن يتطور ليصبح بشرا ً، قلبه بلا رحمة، وعقله بلا حكمة!
ارتبك الجد وسأله حالا ً:
ـ وهل البشر أشرار، يا حفيدي الجميل؟
ـ ماذا تقول أنت ..؟
ـ عندما تصبح عجوزا ً هرما ً وهزيلا ً، مثلي، ستدرك انك أضعت حياتك في قضية خاسرة!
ـ وهل خسرت شيئا ً يستحق الذكر يا جدي الحكيم؟
ـ بل أنا كسبت الرهان...، فانا سأموت مثلما ولدت..، وسأولد مثلما أنا عليه ومن المستحيل أن أولد كائنا ً آخر!

[3] الثور والقصاب
   كاد الثور أن يسقط أرضا ً من شدة الضحك، قبل أن يباشر القصاب بذبحه، فسأل القصاب الثور:
ـ أنا أوشك أن أجهز عليك..، وأنت تكاد تفطس من الضحك..، فهل فقدت عقلك؟
ـ سيدي، في اليوم السابق استنشقت رائحة السكين، فتجمد الدم في جسدي، فسألني كبش كان معنا في الزريبة: يبدو انك تعاني من عقدة الاضطهاد؟
ـ غريب!
ـ سيدي القصاب، ليس لهذا السبب فقدت كآبتي، وصرت مرحا ً، واسلك سلوك السفهاء، بل لأنني أدركت إنني بعد الموت، سأولد ثورا ً أيضا ً...، فهل سعادتكم، بعد الموت، ستولد قصابا ً أيضا ً؟
ـ نعم.
ـ آ ....، الآن فهمت أني حتى لو ولدت خروفا ً أو ديكا ً روميا ً أو غزالا ً فلن أنجو من سكاكينكم أيها السادة الجبابرة، العظماء!

[4] فرار
ـ مادام المنتصر هو من يحفر قبره بيديه...، فلماذا تراهم يدفنونا جميعا ً في قبر واحد؟
ـ آ ....، المنتصر يرقد وحيدا ً في قبره...، أما نحن...، النعاج والعبيد فلا احد منا يرغب بالفرار!

[5] خلاص
   وراح الكركدن يسرد للأرنب الحلم الذي رآه:
ـ  منذ قرون وأنا لم احلم...، عدا ليلة أمس، حيث رأيت كل ما لا يمكن رؤيته، وسمعت كل ما لا يُسمع ..
   صاح الأرنب:
ـ آ ...، هذه هي نهاية أيامك في هذه الحديقة!
ـ لكني لم ارو لك الحلم كاملا ً..، فلماذا تعجلت وأصدرت هذا الحكم؟
ـ لأنني أنا أيضا ً رأيته!
ـ وهل بشرك الحلم بالسعادة الأبدية؟
ـ لا... سيدي، بل بالولادة مرة ثانية!
ـ تُرى ... من يلعب على من...؟
ـ لم افهم؟
أجاب الكركدن بثقة:
ـ الأحلام هي التي تتحكم بمصائرنا، أم نحن ليس لدينا إلا الاستسلام لها...؟
ـ آ .... لو عرفت من يلعب على من...، فهذا يعني انك لن تولد ... ولن تموت أبدا ً!

[6] سقراط
ـ ماذا تفعل معنا يا سقراط...؟
   رفع سقراط رأسه فرأى السباع والنمور والذئاب يقودها فأر بحركة من ذيله، وهم بانتظار الذهاب لشرب الماء من المستنقع..
ـ لو كنت اعرف لماذا أنا هنا، لكنت عرفت لماذا كنت هناك!
فسأله الفأر:
ـ الم يقض عليك السم؟
ـ لو كان قضى علي ّ..، فهل كنت سأبحث عن ماء لا وجود له إلا في هذا المستنقع؟

[7] الحلقة المفقودة
   كان البلبل يراقب بيت العنكبوت، عندما قال لرفيقه:
ـ العناكب قتلوا الأب...، والأولاد افترسوا  الأم...، وكل هذا جرى بهدوء...
    شرد ذهن الآخر، وأجاب بفزع:
ـ ولكن من أين تعلم البشر اختراع واستحداث هذا الدوي وسفك الدماء والصخب والتباهي بصناعة الجثث وعرضها عبر الشاشات...؟
ـ تعلموا هذا كله من الهدوء الذي لم يدم طويلا ً في بيوت العناكب!
   فراح البلبل يغرد، غير مكترث للهدوء، ولا لدوي المدافع، ولا لأصوات الانفجارات!
فصاح الآخر:
ـ أرجوك لا تغرد...، فانا اعتقد أن السيد داروين تعجل ولم يكتشف الحلقة المفقودة في التطور!
   ولكنه لم يتوقف، فنقره الآخر برأسه وأسقطه أرضا ً:
ـ الآن عرفت انك تتحدث عن هذه العناكب!
ـ وأنت؟
ـ أنا ـ هو ـ الحلقة المفقودة!

[8] خلود
ـ حلمت، ليلة أمس، أني تحولت إلى حمار!
وقال الذئب يخاطب جاره، فرد عليه:
ـ اخف هذا الحلم، كأنك لم تره، ولا ترويه لأحد!
ـ آ ....، وهل لدي وقت لذلك، وأنا أرى النعاج تحاصرني وقد تحولت إلى ذئاب شرسة؟
ـ آ...، آن لك أن تذهب إلى المتحف، وتعثر على زاوية، إلى جانب الديناصورات، والخراتيت، كي تصبح خالدا ً!


[9] متاهة
   بعد أن لاذ بالفرار، إبان الحرب، تاه في البرية، فلم يجد من يدله على ممر أو درب أو فجوة لمغادرتها. فقرر العودة إلى الحديقة، بعد أن أوشك الموت عطشا ً، وجوعا ً. قانعا ً بالعثور على زاوية يتوارى فيها حتى يدركه الموت. ولكنه ـ عند العودة ـ لم يعثر إلا على سور كبير يرتفع عاليا ً يحيط بالحديقة من الجهات الأربع...، فلم يعثر على باب أو شق...، حتى تعب واستسلم للنوم. فجأة سمع:
ـ انهض ... انهض!
   رفع رأسه وهو يبحث عن مصدر الصوت، فلم يجد أحدا ً، فعاد إلى النوم، لكن الصوت عاد يخاطبه:
ـ ماذا تفعل هنا؟
ـ من أنت؟
ـ دعك مني... فعليك أن تجب!
ـ آ ...، عرفتك! أنت الموت الذي هربت منه...، أليس كذلك؟
ـ وكيف عرفت؟
ـ لأنك إذا كنت لم تقبض علي ّ داخل الحديقة، فها أنا لا امتلك إلا أن استسلم لك، بعد أن هربت منها!

[10] غفران
ـ ماما...، سمعت الذئب يردد مع نفسه: يا ليتني ولدت حمارا ً...، وسمعت النمر، والسبع، والفيل، يكررون الكلمات ذاتها أيضا ً!
أجابت الأتان:
ـ ولكن هل باستطاعتهم حمل الأوزار التي ابتلينا بحملها..؟
ـ ولكن...، يا ماما، كنت أود أن تلديني طيرا ً أو تمساحا ً أو حتى بعوضة!
ـ آ...، كي تهرب من الواجب!
ـ الآن عرفت لماذا كانوا يحلمون أحلاما ً غريبة.
ـ لماذا؟
ـ كي يحصلوا على الغفران!

[11] سلطة
ـ لم أر بهيمة، ولا دابة، ولم أر مجترا ً أو مفترسا ً، لم أر برمائيا ً ولا زاحفا ً، لم أر نملة ولا ذبابة إلا وهو يردد:
ـ أنا هو سيد سادات هذه الحديقة، وأنا هو أمير أمرائها...، فانا هو زعيمها الأوحد!
بعد لحظة صمت أجاب:
ـ المشكلة أني غير مسؤول عن هذا كله...، فانا نفسي طالما قلت: ماذا لو قضيت عليهم...، فمن ذا يهتف، يصفق، يرقص، ويمجد سلطتي؟!

[12] لعبة أم جريمة
ـ عندما ترى الابن يذبح أمه..، فهذا يعني أن الجريمة قد بلغت ذروتها!
ـ لا..
ـ غريب؟
ـ الجريمة لن تكتمل حتى لو ذبحت الأم ولدها!
ـ ومتى تكتمل؟
ـ إذا عثرت على الجريمة أسألها: كيف أغويت الجميع بلعبتك، تارة الابن يقتل أباه، وتارة الأب يجهز على ولده!
ـ هل هي لعبة...؟
ـ لا... هي جريمة!
ـ لكنك قلت إنها لعبة؟
ـ لأنني أرى هناك من يرقص، ويغني، ويحتفل بما يحدث، وإلا ما وصفك للذي يجري في حديقتنا: لعبة أم جريمة؟
ـ لو عرفت ...، لكنت أما مع الابن ضد أمه، أو كنت مع الأم ضد ابنها!
ـ ومع من أنت في نهاية المطاف؟
ـ  لم يسمح لي الذعر أن أكون حتى على الحياد!
ـ ها أنت تعترف بإثمك؟
ـ نعم...، لأن من لم يرتكب الإثم، وحده هو المذنب، وها أنت تراني، أصبحت شاهدا ً اختلطت عليه اللعبة بآثامها، مثلما اختلطت الآثام بما رأيت!

[13] حياد
تحت، في الأرض، سأل الميت جاره:
ـ لو عدت إلى الحياة..، هل تود أن تكون جلادا ً أم ضحية؟
قرب رأسه منه ورد هامسا ً:
ـ  يا لنا من مخلوقات بائسة...، حتى بعد أن نموت، يطاردنا شبح الجلاد، تارة، وطيف الضحية، تارة أخرى. فلا هذا استطاع القضاء على ذاك، ولا الضحية كفت أن تلعب الدور نفسه!
ـ ولكني أود أن اعرف منك: ماذا كنت عليه، في دنياك، جلادا ً أم ضحية؟
ـ أنا كنت الحبل الذي يتدلى منه الجسد...، فلا أتذكر إن كان الجسد جسد ضحية، أم كان جسد جلاد!
ـ ألا ترى ـ معي ـ أن أكثر الكائنات بؤسا ً، هي التي تجهل إنها لم تكن مع هذا ولا مع ذاك...، ولكنها لم تكن على الحياد أبدا ً!

[14] منفى
ـ ماما...، هل أصبحنا بلا وطن..
   نظرت الأم إلى البرية، فرأتها تمتد، وتتسع، وتتلاشى بحافات السماء، عاليا ً، من ثم تذهب بعيدا ً، خارج حدود الرؤية، والبصر.. وقالت لابنها:
ـ هذا هو وطن الجميع!
    ولم تخبره إن ما يحدث، بعد الموت، يمحو الحدود، ولا يترك للزمن فراغات يستقر فيها. فعندما لا يوجد زمن ـ دار بخلدها ـ يكون الشر قد أكمل دورته.
ـ ولكنهم ـ ماما ـ سرقوا وطننا، بعد أن خربوه، هدموه، وطردونا منه؟
ـ  لن يدوم هذا إلى الأبد...، يا ولدي، فالحرب لم تضع أوزارها بعد...، وحروب الحدود ستنتهي ما أن يكمل الموت دورته، فلا تجد من يلوح بالقوة، وبسفك الدماء، ولا تجد أحدا ًينعم بالسلام أيضا ً!
ـ آووه .......، آنذاك يصير الموت وطنا ً للمواشي، للحشرات، للدواب، للنمل، للحجر، للأشجار، للبشر، وللديناصورات ...
ـ لا...، لأن الفضاء وحده سيمتد خارج حدود الوطن!
ـ أي...، لا غالب ولا مغلوب؟ ولكن لِم َ حصل هذا كله ...؟
ـ لو كنت اعرف الإجابة، لكنت تعلمت لغة أخرى لا تجعلنا تغطس عميقا ً في قاع هذه المستنقعات، حتى لو كانت فضاءات بلا حدود!


[15] مصير
ـ انتصرنا ... انتصرنا.
  اقترب الحفيد من جده الذي ظنه كان يمتلك عقلا ً، حكمة، وفطنة، وقال له بأسى عميق:
ـ  وهل تهتف لهذا النصر...، وأنت ترى ماذا فعلنا بقطعان الخراف، الماعز، الثيران، الإبل، الأرانب، الجاموس، وباقي الدواب والزواحف والحشرات...؟
ـ نعم...، لأنهم كانوا ضعفاء، لا يجيدون إلا التهريج، الثرثرة، وقد راحوا يكرهوننا، من غير سبب...، لهذا أصدرنا أوامرنا بتشتيتهم، تمزيقهم، سحقهم، ومحوهم من الوجود...!
ضحك الحفيد بألم:
ـ وهل هذا هو النصر حقا ً...، أم هو الذي يجعلنا بانتظار المجهول؟
ـ ماذا قلت؟
ـ أقول: بعد هذا النصر...، على من ننتصر؟
ـ على أنفسنا..، لأن من لا يجيد النصر يذهب مع الريح التي جاء معها!
ـ هكذا ـ إذا ً ـ يجري التاريخ: لا المنتصر جدير بنصره...، ولا الضحايا يستحقون حتى الذكر ..، أو الشفقة!
   لم يكمل الحفيد كلماته إلا وقد شعر انه راح يرى هالات ذبذبات تداخلت بحافات أثير لا لون له....

[16] ظل
ـ من يتتبع من ...أرجوك اجبني؟
ـ لو كنت اعرف .. لسبقتك!
ـ ها أنت تتخلى عني؟
ـ اتبعني إذا ً.
ـ ها أنا عرفت انك لم تعد في المقدمة..!
ـ  لماذا لا تتبع خطاك...، فلا أنا امشي خلفك، ولا أنت تصير بعيدا ً عني!

[17] اختلاف
سأل الخروف جنرالا ً جاء لزيارة الحديقة:
ـ ما ـ هو ـ المشترك بيننا وبينكم؟
رد الجنرال بمرح:
ـ كلانا يحقق النصر بروح الهزيمة...، انتم لا تكفون عن سد النقص الحاصل في عدد الماشية، ونحن لا نكف عن اختراع أسلحة أكثر فتكا ً من سابقاتها!


[18] كابوس
ـ حلمت أنني ولدت بلا رأس، بلا جلد، بلا عظام، بلا لحم، وبلا ذيل!
ضحك العجل وهو يصغي لرفيقه، وقال:
ـ يا حمار...، هذا هو الواقع وليس الحلم!
ـ لا.. أبدا ً ...، ففي الواقع ينتزعون مني ذيلي، وعظامي، لحمي وجلدي، أطرافي ورأسي...
ـ وفي الحلم؟
ـ  أنا الوحيد الذي ر يعنيه إن كانت هذه الأشياء تكونني، أو أنا هو من يكونها، لأن وجودها غدا مستقلا ً عني!

[19] معضلة البغل
ـ لو كنت لم تُخلق ويكن لك وجود ..، فهل كنت تستطيع أن تبرهن على وجود من أوجدك؟
آووه...، عدنا إلى معضلة البغل..، لو لم يعتد الحصان على الأتان لكنا جميعا ً في خانة الحمير..!


[20] مكاسب
  قال الكبش لزميله وهما يشاهدان ـ عبر شاشة الحديقة الكبرى ـ صورا ً من الجحيم:
ـ كلما فكر بالبشر، اشعر بالامتنان إننا لم نخترع الكتابة، كي ندوّن بها فداحة الخسائر!
ـ تقصد عظمة الانتصارات التي حققها البشر..، وتراكم الثروات، والمجد؟
ـ إذا كان سفك الدماء، وهدم المدن، وإشعال النيران، وبقر بطون الحوامل، وقطع أجساد الضحايا، وسحلها، يعد نصرا ً مؤزرا ً ...، ومجيدا ً...، فانا ازداد امتنانا ً لأننا لم نتورط بجني مثل هذه الأرباح...، كما إننا لن نأسف على زوالها!


[21] تنوع
همس الحمار بإذن جاره:
ـ لو كان البشر تعلموا منا .. الحكمة، والروية، والصبر...، لكفوا عن اختراع الحروب وسفك الدماء...
ـ يا لك من طاغية، دكتاتور، صنم...، لأنك أصبحت تفكر بإلغاء التنوع، والتعددية، وربنا ستفكر بإلغاء الشفافية!
ـ أنا قصدت بالحكمة، يا صديقي، حمل الأوزار، بصمت، بدل هذا التهريج، وبدل مهارات التنوع باختراع وسائل التدمير، والقتل، حد المحو!

[22] فساد
ـ لِم َ، في اعتقادك، وجد الفساد، لدرجة انك لا تجد واحدا ً إلا ولعنه، وشهر فيه، وتبرأ منه...؟
ـ كي يحافظوا على بقاء نصب الفضيلة شامخا ً إلى الأبد!

[23] معاقبة
ـ تخيل انك دفنت تحت التراب، أو تحولت إلى رماد، أو افترستك الضواري، أو أعادوك إلى البحر، أو قذفوك في حفرة بلا قرار، تخيل ذلك، تخيل انك بين أربعة جدران، أو في كهف مغلق، تخيّل ذلك...، ألا تشعر بالخوف انك مت وأنت لم تفتح فمك، وأنت لم تطلب الغفران أيضا ً..؟
أجاب الذئب العجوز:
ـ عندما لا توجد قوة توقف تكاثر أعداد النعاج وباقي الدواب والمواشي...، فالأمر الوحيد الذي يجعل سعادتي مهددة أنني أحيانا ً لا أجد حتى بقايا طعام أسد به جوعي!

[24] عجائب
   بعد أن رفس الحمار ابن الكركدن، من غير قصد، أمر المدير بسجنه، ومنع الماء عنه. فأوشك الحمار على الموت، عندما سأله الحارس:
ـ كيف رأيت الدنيا...؟
ـ آ ....، لو تتفضل بإعطائي قطرات قليلة من الماء...، فسأخبرك بالعجائب، والغرائب، حتى تستعيد رشدك!
ـ ولكن سعادة المدير أمر أن تدفن في البحر!
ضحك الحمار:
ـ  هذه واحدة من اقل العجائب...، فأما أن أموت بسبب قطرات قليلة من الماء، وأما أن أموت في بحر يكفي لإغراق العالم!

[25] أمل
ـ متى، أيها الشقي، المعذب، تكف عن الشكوى، والعواء...؟
ـ عندما لا اسمع أن هناك من يتحدث عن: الرفاهية، والفردوس، والسلام!
ـ الآن فهمت أن املك الوحيد، هو...، أن تعيش بلا أمل!


[26] جحيم
ـ لِم َ لا تريد أن تذهب إلى الجنة...؟
ـ وماذا أقول لربي: هل نجوت بعد أن تركت الملايين تائهة لا تعرف ماذا تفعل....، في جحيم الأرض؟


[27] هبة
  اضطر لسؤال البغي قبل أن يلمسها:
ـ ألا يوجد شيء آخر تهبينه للآخرين غير جسدك؟
ـ جد لي عملا ً آخر...، يسد رمق جوع أولادي، فانا سأكون سعيدة وأنا سأهبك جسدي كله!


[28] اختلاف
ـ ما الفارق بين بلبل يغرد داخل القفص، وآخر يغرد  خارجه؟
ـ الأول، يا صديقي، يأمل أن لا يقع في الأسر..، والثاني، يأمل أن يخرج ليغرد بأمل العثور على أمل أن لا يقع  في الأسر مرة ثانية؟


[29] ذكاء!
ـ من في اعتقادك أغبى حيوان في هذه الحديقة؟
ـ السيد المدير!
وأضاف:
ـ فهو لم يكتف أن يخدعنا وحدنا، بل راح يخدع نفسه بعد أن تخيل انه وحده خارج الشبهات!

[30] حرية
   سأل حارس الحديقة الأرنب القابع وراء القضبان:
ـ ماذا لو أطلقنا سراحك ...، وصرت حرا ً...، كما ولدتك أمك؟
ـ أوافق....، شرط أن تضع جميع الكلاب، الذئاب، الثعالب، التماسيح، السباع، النمور، والضباع خلف القضبان!
ثم أضاف:
ـ  ومادام هذا الشرط وحده مستحيلا ً وبانتظار معجزة لن تحدث حتى في الخيال، فلا تفكر أن تسخر مني، وتتسلى بمشاعري، وتغويني بالوعود، مرة ثانية!


[31] ديمقراطية
ـ وأنت في حفرتك هذه...، لا احد يسمع عواءك، لا احد يعرف ماذا حل بك، وأي النكبات نكبت بها، وأي الأمراض أصابتك، فلماذا لا تغلق فمك ولا تعاقب نفسك وتجلدها ...؟
ـ أنا ـ سيدي ـ لم يعد لدي ّ إلا أن اسمع نفسي...، أليس الكفن هو وحده هدية الحياة للميت؟
ـ أتقصد أن كلماتك هي كفنك؟
ـ لا ..! لأنها لا تتستر علي ّ...، فانا سأموت، وهي ستعيد قتلي، مرة بعد أخرى، حتى تجد من يكفنها، فتستريح، وأستريح أنا منها أيضا ً!
ـ آ ....، الآن فهمت معنى المثل القائل: عيش يا حمار حتى تأتيك الديمقراطية!
31/8/2016
Az4445363@gmail.com

أوديسيوس.. من وغد إلى بطل-ترجمة: أحمد فاضل

ترجمة
أوديسيوس.. من وغد إلى بطل


   
ترجمة: أحمد فاضل  
 
قراءة جديدة لإوديسة هوميروس    
 
ليس من الصعب أن نرى لماذا الأوديسة وبطلها أوديسيوس قد صنعا كل هذه الشهرة التي خلدها التاريخ على مر الزمن ، هذه الملحمة التي كتبها هوميروس شعرا وأغناها بأبطال آخرين مثل الملك أجاممنون ، أخيل المحارب ، أياكس رجل المهمات الصعبة ، نستور المستشار والحكيم، ارتبط هؤلاء جميعا بمجموعة من الأماكن والأدوار التاريخية لايمكن أن نضفي عليهم أكثر مما أضفته عليهم الأوديسة ، أوديسيوس يقف على النقيض منهم جميعا ، فهو قد يكون ملكا كأجاممنون ، أو مستشارا كنيستور ، مقاتلا مثل أخيل أو اياكس ، بل هو أكثر من ذلك ، فهو شاعر ، شحاذ ، عاشق ، زوج ، أب ، قرصان ، بحار ، قاتل العملاق ذو العين الواحدة الذي لم يكن يقهره أحد ، عسكري ستراتيجي ، صياد ، جاسوس ، سياسي ، جنرال شرس ، نجار ، كاذب ، سارق , دخل مغاضبا قاعة الآلهة وهو يلعنها لفقدانه أحد اصدقاءه مع أنه كان مهذبا في حضرتها قبل فقدانه لذلك الصديق ، الآلهة لم تقتله بل أوكلت معاقبته الى إله البحر ، وهي سابقة لم تقدم عليها مذ عاقبت أخيل عندما ضُرب على كعبه فمات ، أو أجاممنون الذي قتل في الحمام ، أو اياكس حينما انتحر ، أوديسيوس تاه في البحر عشرا من السنين بسبب ذلك العقاب ، ذهب إلى أماكن بعيدة ، تكيف مع الكثير من الحالات وعانى ما عانى قبل أن يصل أخيرا الى الوطن ، ولأن لديه في جعبته العديد من الحيل فقد انتصر أخيرا على الآلهة .
حفل هوميروس والأوديسة وبطلها باستقبال كبير من قبل الكتاب والأكاديميين الذين راحوا وعلى مر العصور يجددون قراءتها ويكشفون العديد من أسرارها ، إديث هال أكاديمية إنكليزية متخصصة في التاريخ والأدب والأسطورة والمسرح والفلسفة اليونانية والرومانية نشرت مؤخرا دراسة معمقة عنها بعنوان " إعادة يوليسيس : تاريخ ثقافة الأوديسة لهوميروس " ، هال استندت في دراستها على ما تناوله الآخرون من بحث ودراسة أحوال أوديسيوس وهو أحد الشخصيات الرئيسة في تلك الملحمة العظيمة خاصة منها دراسة ويليام بيدل ستانفورد رجل الدين الإيرلندي والتي حملت عنوان " يوليسيس : تكييف بطل " الصادرة عام 1954 تتبع فيها مجموعة كبيرة من الردود على أوديسيوس غالبا ما كانت أدبية ومصادر أخرى وصولا حتى هوميروس ، ستانفورد رجح على أن هذا البطل كان قادرا على التكيف مع سيناريوهات متعددة غير متوقعة خاصة في صراعه مع عملاق الكهف ذو العين الواحدة وتخطيه لسرير الساحرة ، وتقديم نفسه بطرق مختلفة لجميع من التقاهم ، هذا ما وجده ستانفورد في أدب أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد والذي يعرف بالمأساة الأثينية Athenian tragedy ، التي يرتبط أوديسيوس فيها مع كل هموم مجتمعه المعاصر، لكنه يتناقض ونبل اياكس وسوفوكليس ، فهناك اشتباه متزايد بأن صفات أوديسيوس ليست جيدة على الاطلاق كما لاحظت ذلك سيلفيا مونتيجليو في كتابها الذي نتحدث عنه " من وغد إلى بطل : أوديسيوس في الفكر القديم " ، فهو مارق كما ترتبط النذالة في الكثير من صفاته وكان قادرا على الكذب عندما تتطلب الظروف ذلك ، ساعده كثيرا ذكاءه وقدرته على الحفاظ على أحاسيسه في الحصول على مبتغاه بأي وسيلة ممكنة .
مونتيجليو وبسبب زحمة الدراسات عن الأوديسة وأوديسيوس فقد ساهمت من جانبها بقراءة جديدة عنها لأنها أحبتها وتعلقت ببطلها فراحت تتعقب تفاصيلها أكثر بكثير وأعمق مما تم القيام به من قبل ، دليلها المصادر الفلسفية القديمة مع تخصيصها مساحة صغيرة نسبيا من دراستها لمؤلف ستانفورد ومؤلفات أخرى باستثناء مصادر المسرح الشعري التي لايمكن التعويل عليها بسبب مبالغتها ، حيث أظهرت الكاتبة أن تلك الدراسات الفلسفية أعطت صورة إيجابية لأوديسيوس بسبب صبره الطويل على معاناته واستخدامه الحكمة كخيار حتمي في مواجهة الصعاب ، وهو ما يبحث عنه الفلاسفة على الرغم من أنانيته وكذبه في بعض المواقف .
مونتيجليو بدأت بسقراط الذي يبدو انه قد ميز نفسه عن السفسطائيين الآخرين من الفلاسفة في موقفه من أوديسيوس ، هم حاولوا أن يكون حكمهم عليه مغايرا عن بقية الفلاسفة فقد أصروا وعلى رأسهم جورجياس على أنه غير ذكي ومحتال ومخادع ، سقراط سبح ضد هذا التيار في تبنيه أوديسيوس كنموذج للبطل الملحمي مع كل ما قيل عنه ، لكن تبقى وجهة نظره هذه قابلة للنقاش منها أن مشكلة أوديسيوس كما تقول مونتيجليو تكمن في أن الفلاسفة اعتمدوا على الأخبار المتواترة عنه والذي بدا لهم أنه يخضع لمصالح ذاتية وهو على استعداد لوضع عقله على أعتاب تلك المصالح واعتماد أية وسيلة متاحة لتحقيق أهدافه الأنانية ، سوفوكليس أيد هذه الأقوال فقد أورد في تراجيدياته المسرحية أن الرجل كان على استعداد تام للخداع والتملق الذي تقول عنه المؤلفة سمة قد تبدو مريبة وأصبحت قوية بشكل متزايد في ثقافة روما الإمبراطورية ، الأفلاطونيون من جهتهم كانوا قد تأملوا كثيرا في رحلة أوديسيوس على أنها تمثل الكفاح التدريجي والشاق للهروب من التشابكات التي ينوء بحملها العالم إلى عالم الروح والنقاوة الكامنة ما وراء الحواس ، والعديد من مفكري النهضة الأوربية أل Neoplatonists أو ما يطلق عليهم بالنيو الأفلاطونية يعللون سبب تلك الرحلة بأنها سعي النفس البشرية التواقة الى الروح الحقيقية الخالية من كل تلك السلبيات ، وهو ما تشير إليه مونتيجليو في نهاية كتابها أنها تريد منا قراءة تأملية لها فإنه ليس بالأمر السهل أن نحكي قصة مر عليها الحكائون وكتب عنها كثيرا دون أن نعي حقيقتها وهي قطعا ليس بالقراءة السهلة ، كتاب سيلفيا مونتيجليو " من وغد إلى بطل: أوديسيوس في الفكر القديم " الصادر عن مطبعة جامعة ميشيغان هو إضافة أخرى لما كتب عن هذا البطل الذي لن تنتهي الكتابات عنه ابدا .