الأحد، 10 يناير 2016

8 ومضات قصصية عن الجنون-عدنان المبارك (6-7-8)


8 ومضات قصصية عن الجنون


عدنان المبارك

6 - سأغني إلى نهاية العمر

- في عالم مجنون يكون المجنون وحده عاقلا. أكيرا كوروساوا
Akira Kurosawa ( 1910 – 1998 )

هذه الحياة الماصخة علمتني بأن لا أنتظر أي عون من أحد. ولماذا ؟ الكل مشغول بمشاكله وهمومه ومنغصاته. والأسوأ هنا أن هؤلاء المجانين يتهموني بالجنون، ولأسباب تافهة حقا : لبست فردتي جوارب مختلفتين ( لعلمكم أنا معروف منذ الصغر بسهوي وضعف التركيز الذهني ). وحتى هنالم يكن اختلاف كبير في الألوان والنقوش ، فهما بدتا وكأنهما من نتاج واحد. اذا أردتم سأوضح المسألة : في الفردة الأولى أربعة خطوطة عريضة بعض الشيء - حوالي خمسة سنتمترات ، صبغت باللون الأزرق الهاديء ، أما الخلفية فكان رمادية فاتحة. في الفردة الثانية : الخطوط خمسة لكنها أنحف وبجنبها نقش صغير لخط منحن أراد له الفنان أن يمثل طائرا رشيقا بدأ طيرانه ، أما الخلفية فكانت بالقهوائي الفاتح. اذن ، أين الجنون ؟ في عدد الخطوط ؟ في لوني الخلفيتين ؟ في جنون الناس الموّجه صوب كشف عيوب الآخرين. اذا استمرت الحال سأكون مرشحا مضمونا كي ألتحق بجنون الأكثرية التي صارت ساحقة من زمان ؟ و أقول للعقلاء منكم : لو كان الأمر يتعلق بالجوربين وحدهما لما أكترثت له. الا أن اللعنة في أنهم يتهموني بالجنون وعلى طول الخط. أوه ، الامثال كثيرة جدا ، ويتعبني حقا ذكرها جميعا. لكن لا مانع من ذكر بعضها :
- اعترف للجميع بأن ضحكتي ليست بالساحرة ، لكن اذا لم تكن هكذا فلا يعني الأمر بأنها ضحكة مجنون, أنا حسّاس جدا فيما يخص النكت والنوادر , عند سماعها أضحك بهستيريا أحيانا وحتى أني بنفسي انتبه لهذه الحال وأكف فورا عن الضحك. لكن فكرة أن أكثرية الناس عبوسين متجهمين وفارغي القلوب والرؤوس ، صارت راسخة في تفكيري.الأمثلة كثيرة جدا. خذوا مثلا هذه الحادثة الصغيرة التي عشتها في الأسبوع الماضي : أسير في شارع بعيد قليلا عن المركز التجاري في مدينتنا التي هي ليست بالصغيرة ، وماذا أرى ؟ فتاة صغيرة ذات صوت ساحر ولطيف حقا تنشد احدى البستات المحلية ويرافقها عزف رجل كهل على كمان بدائي. أمام الاثنين صينية ليست بالكبيرة وجدتها مليئة بقطع النقود الصغيرة. هذه الفتاة كانت لا تعرف جيدا البستة وأنا كخبير باغانينا وبستاتنا بفضل عمتي أم محفوظ ، وقفت بجنب الفتاة وأخذت أنشد معها بستة ( يا نبعة الريحان ). كان صوتي القوي قد طغى على صوت الصغيرة ، ومن هنا لقيت أعجاب الحاضرين مما دفعهم الى القاء قطع النقود في الصينية. لا أقول بأن أب الفتاة كان غير راض لكنه خشي العواقب كأن أطلب حصتي من المدخول. أبدا ، لم يكن في نيتي أن أشاركهما المدخول بل مجرد نداء فنّي دفعني الى مشاركة الصغيرة في الغناء. قد يكون الأب محقا حين صاح بوجهي : ( منو طلب منك تغني ويّانا ، يلله روح بدربك.). فالناس وقفوا كي يستمعوا الى غناء الصغيرة وليس الى غنائي بصوتي القويّ الذي طغى على انشاد الصغيرة الساحر رغم أخطائها في الغناء. ألقيت في الصينية قطعة كبيرة من النقود ورحت صامتا باتجاه النهر ، فقد تذكرت أن شوي السمك بدأ في مطعم أبو منذر. في الحقيقة أبو منذر يحبني ، فأنا من أقرب أصدقاء ابنه ، والخصلة التي أعجبته فيّ أني هاديء وأميل الى الصمت، ربما كان بحاجة الى ذلك ، فمنذر صاخب وثرثار وحتى أني لا أعرف لم أخترته زميلا لي. لا أنكر بأنه له صوتا يصلح لغناء البستات خاصة. وهكذا أقنعته بغناء مشترك طالما أن علي أنتظار سمكتي. المطعم كبير بعض الشيء ، ووضع أبو منذر حاجزا لركن العوائل. في الأخير اقنعت منذر بأن يغني معي تلك البستة التي كان مغرما بها جدي ، وقال ان جدّه كان معجبا بها أيضا. اذن بدأنا الغناء بستة كنا قد وضعنا لحنا سريعا لها و اخذنا كلماتها من شتى المصادر. كان مستهلها ( يا حلوة الوجه والنهدين شوكت تنطينا بوسة ...). كان اللحن مأخوذا من أغنية مصرية معروفة الا أننا أخضعناه لتحويرات هنا وهناك. كان كلانا يملك صوتا قويا طغى على ضرب منذر على الطاولة من أجل مسك اللحن. وقدأضاف منذر ردّة ( بوسة ) وكررها لأكثر من عشر مرات ، وكان في نيته أن يكررها الى ما لانهاية لولا دخول أبيه علينا وهو في أقصى الحنق الا أنه تمالك نفسه. انحنى على الطاولة وقال هو يصك بأسنانه :
- شنو قلة الأدب هاي ، عميان ما تشوفون أكو هنا عوائل.
كانت خيبتنا نحن الأثنين كبيرة جدا ، فقد تصورنا أن الجميع سيعجبون بصوتينا وأيّ كانت كلمات الأغنية.
تركني منذر وحيدا وذهب الى أبيه ، وعلى الأكثر كي يعتذر باسمي أيضا. وفي اليوم التالي أعلمني برأيه في الحادثة ،. قال ان الناس يتصرفون وفق قواعد ، وليست مهمتنا أن نخرقها. علقت على هذا الكلام غير المقنع بالقول : وشنو العيب في أن تذكر الاغنية بعض أعضاء الجسم ؟ لم أقنع منذر ، ومنذها صرت أكثر صمتا ونفورا من مجتمعناالغارق بسخافات من هذا النوع وغيره ( في الحقيقة أنا لم أحب هذا المجتمع منذ الصغر ). أضفت بأني منذ اليوم سآخذ ربابتي وأنشد الاغنية التي أثارت حنق أبو منذر في كل مكان من مركز المدينة ، بل أضفت كلمات فاضحة أخرى الى تلك الأغنية. وماذا كانت النتيجة ؟ منعوني من الغناء وجرّوني من ياقة قميصي ذي اللون الأزرق الفاتح ، ولعلمكم هو قميصي المفضل ، الى أقرب زقاق وأنهالت عليّ الكفحات التي صاحبتها كلمات مثل ( يا مخنّث ) ، ( يا طايح الحظ ) ، ( يا متربي بالكلجية ).
هل تعرفون بأني لم أتعظ ، بل واصلت الغناء لكني اخترت للغناء بستانا في الطريق الى مسقط رأس أبي ، كي أتجنب الكفخات والشتائم . مكان رائع حقا ، فخبر غنائي انتشر هناك بسرعة البرق ، وفي اليوم التالي جاء اليّ حشد كبير من الشباب كي يستمع الى أغنياتي الداعرة. وبقيت أغني وأغني لغاية اندلاع الحرب الرابعة مع الجار الذي هزمنا وحرّم رجاله علينا الغنا في الأماكن العامة . بالنسبة لي ازدادت الحياة مصاخة لكني لم أترك الغناء أبدا نكاية بمجتمع المجانين هذا.

*

7 - لاخطر مني على أحد ولا على العالم

- عندما أكون وحيدا في غرفة مغلقة تصبح مخيلتي كونا ، وبقية العالم مفقودة. كريس جيمي
Criss Jami ( 1987 )

عشائي خفيف عادة . فبعد ذلك الهجوم الغادر للكبد قبل أربع سنوات صرت بالغ الحذر فيما يخص الطعام والاجهاد العضلي. لا أنكر بأن أفكاري تغلي طوال الوقت ، وأنا أعرف بأنها تغلي لأسباب معقولة ، وأنا لست مخطئا البتة ، فكل جماد وحيّ هو الحطب لأفكاري. أفكر كل ساعة بل أقل ، بأن هذا العالم سيء. لو كان سيئا بنسبة قليلة لهان الأمر لكن أن يتجاوز العطب أكثر من تسعين بالمائة فهذه ظاهرة تتخطى تصورات الرب وملاكه الساقط. سأكون صريحا أكثر. لا شيء مما خلق هو موضع رضاي. لاشيء نموذجيا ، وقد فكرت، لكن قصيرا فالأمر لا يحتاج الى تفكير طويل : لذا العالم غير نموذجي بل خلق وكأنه عاقبة نزوة لسكير افتقد بقية كحوله اليومي. من حين الى آخر أبتعد عن كل شيء وكل حيّ خشية أن تنعكس خيبتي من العالم على هذا وذاك. عموما الكل راض عن حاله. ولماذا ؟ هكذا يفعل ولأنه يخشى الأسوأ. سأكون صريحا مرة أخرى : تزوجت خمس مرات. وأنا الساذج الأبدي تصورت بأن أحوالي ستكون أحسن وسأغرق بالسعادة مع هذه الجميلة واللطيفة وذات القلب الذهبي الخ . ثم حانت اليقظة والسقوط من جديد في هذا الواقع المنقوص الى أبد الآبدين. الأولى كانت طمّاعة ( لا أنكر بأن أمي نبهتي الى هذه الخصلة المعيبة ، لكن سقط الفاس على الراس ولات ساعة مندم ) . يقيت مع الطماّعة أقل من سنة. الطلاق يكلف وليس قليلا لكن أحوالنا المادية كانت جيدة وراحت الطمّاعة الى بيت أهلها وهي راضية ومملوءة الجيب بالفلوس. الثانية كانت شريفة وذات أخلاق نبيلة لكنها ، وكما نعتتها أمي ، كانت نار كبرى. يكفي أن يسقط قليل من الماء على الأرضية وهاهي تشعل حريقا في النفس لم يكن من السهولة اخماده. واستمرت الحرائق سنة ونصف. وهذه المرة جمعت عددا من الشهود الذين كشفوا الحقيقة أمام المحكمة. والآن لماذا بدأت الكلام عن عشائي الخفيف ؟ زوجتي الثالثة مغرمة بطبخ الأكلات الدهينة والمليئة بالتوابل ( لا أقول بأنها لم تسألني قبل الزواج عن أيّ أنواع الطبخ أفضل. أجبتها بأن الاعتدال ديدني في الحياة ثم سألتني :هل أقترب من الكحول ؟ أجبتها بأن الاعتدال فضيلة ولو أني عارف بعدم رضا الرب عني. سؤالها الثالث هل ألعب القمار ؟ أجبتها بأني أتمسك في كل مكان بالاعتدال وحتى أنه ليس قمارا شراء ورقة يانصيب في كل أسبوع ). هذه الثالثة ، واسمها على غير مسمى : رحيمة ، دفعتني الى ركن مسوّر في جهنم. لم يفد بشيء تذكيرها يوميا بأني مريض بالكبد وسيقتلني مطبخها الهندي هذا. كان جوابها الدائمي بأني مريض بالوهم ومن هنا أبالغ في تجنب التوابل والدهونات. في البداية كنت استشيط غضبا بيني وبين نفسي لكن الكيل طفح وها أن أنفجاراتي صارت شبه يومية. لغاية الشوط الأخير مع رحيمة لم تتصورأبدا أن هناك من يعترض على مطبخها الذي هو تقليدي مائة بالمائة. الشيء الإيجابي هنا قرارالمحكمة بالطلاق ومن دون إعطاء نفقة ، فرحيمة كانت مدرّسة وراتبها لم يكن بالصغير.
بعدها حصلت فترة استراحة طويلة ( حوالي عشر سنوات ) فيما يخص الزواج . بقيت أعزبا يحتاط من أي هجوم غادر على كبدي . لكن ما العمل اذا كانت الوحدة لا تطاق خاصة لواحد عصابي مثلي ( اثناءها فقدت الوالدين ). كنت مدركا بأني قد دخلت ، في السنة الأخيرة ، العقد الرابع وأنا وحيدا كالاصبع في الحياة. ولذا لم أتردد طويلا حين ألتقيت بمهجة الجميلة والعاقلة جدا. العيب الوحيد هنا أنها كانت ضحية عملية جراحية فاشلة ولو أن وعود الأطباء بعودتها الى الصحة كانت كثيرة. بالفعل ، بعد الزواج بأقل من عام واحد قيل لها بأن عملية جراحية تنتظرها وستكون حاسمة أي أن رجوعها الى الصحة أمر مؤكد تماما. تبين أن الأطباء بالغوا في التفاؤل ، وفي النتيجة راحت مهجة الى العالم الآخر.
عدت الى العالم القديم وحيدا مهموما استيقظت فيّ كل الأمراض القديمة. كما جاءني مرض جديد : صار العالم مشوها الى درجة لاتطاق تماما كما لو أن أجمل امرأة في العالم اخذت تنظر في مرآ ة مشوهة تضخّم الأنف الى حد مضحك أو تطيل الرأس ثلاثة أضعاف وتحوّل الذراع الى ذراع قرد. وشيئا فشيئا قلّ خروجي من البيت وأخذت أجلس في الشرفة طوال النهار مفكرا بعالم آخر خال من البشر والحيوان والمجتمعات والعمران– مجرد صحراء شبيهة بتلك التي تطل مدينتنا عليها. وأسوأ ما في الأمر أني غيّرت معظم عاداتي ، فها أني اغرق طعامي بالتوابل والدهن وأشرب يوميا قنينة عرق وأطلق شتائما قبيحة جدا ، وأضحك من شرفتي على الرايح والجاي مما أثار غيظ الكثيرين وحتى أني لا أعرفهم جميعا ، لكن كان يكفي مرورهم من تحت الشرفة. في الحقيقة أنا قمت باستفزاز الآخرين مما دفعهم للاستنجاد بالشرطة التى جاءتني في الصباح الباكر واقتادتني الى مستشفى المدينة للتأكد من قواي العقلية. نتيجة الفحوصات لم تكن لصالحي. وكي أعبّر عن رفضي لقرار المستشفى بأني مخبول أطلقت تلك الضحكات التي كان يعرفها كل من مرّ تحت الشرفة. في الحقيقة ان ما اغاظني في القرار تلك الفقرة التي تذكر بأني قد أكون خطرا على المجتمع اذا بقيت مطلق السراح رغم أنهم عرفوا جيدا بأني من الصنف الهاديء والمسالم ، وتلك الضحكات من الشرفة لاتعني العكس.

*

8 - خمسة فرسان بلا خيول وسيوف

- هل تظن بأنه من الممكن أن يكون مجنونا شعب بكامله ؟ تيري براتشيت
Terry Pratchett ( 1948 2015 )

في الأخير اقنعت ألأربعة بأنه لا بد من القيام بعمل بوجه هذا الجنون العام. لم أجهد كثيرا في الأقناع ، فهؤلاء الأصدقاء الأربعة كانوا متفقين معي فيما يخص ضرورة العمل لكن وجهات النظر المتباينة كانت قد صعّبت عليّ اقناعهم. في الأخير توحدت الافكار لكن بقيت قضايا تطبيقها. ونحن شرحنا كل شيء في التويتر والفيس بوك والبريد الشخصي ( راجح قام بكتابة بعض شعاراتنا على حيطان الشوارع الخلفية ، ومرة أو مرتين وزّع منشورات في الأسواق خاصة كتبنا فيها ما نريده من المجتمع الذي طالت غفوته ). وكنا قد أتفقنا على أن تكون كتاباتنا وشعاراتنا وأقوالنا العلنية بعيدة عن استفزاز أيّ جهة وحتى المتزمتين والمتعصبين الدمويين الذين هم مستفزون ( بفتح الفاء ) طوال حياتهم. وبحكم اطلاعنا الواسع على التأريخ الأحدث للبلاد لم نتعرض للسلطة القائمة بأيّ نقد أوهجوم رغم علمنا بأن مجرد وجودنا هنا والآن هو أكبر استفزاز لها ، لكننا أخذنا بقاعدة عدم الاستفزازالى النهاية. لا أقول بان آراءنا موحدة بهذا الخصوص ، فمصعب بهجوميته المعروفة أراد توزيع الاتهامات يمينا وشمالا ولأن مجتمعنا كالانسان السائر في نومه – يمشي ويمشي غير آبه بما يحدث حوله ومن هنا ضرورة ايقاظه. زعيمنا الروحي مهدي جهد في أن يوضح لمصعب بأن هذا هو الواقع ولابد من أخذ كل شيء بعين الاعتبار ، ومن الانجع ايقاظ مثل هذا المجتمع برفق وتأن ، فسباته عميق وطويل.
كل هذا كان قبل أسبوع واحد ، أما الآن فالوضع تغيّر جذريا : مهدي تعرض لجلطة دماغية سجنته في الفراش ، ونجاح اعتقلوه حين كان يكتب على جدران أحد الجوامع شعارا استفزازيا يشيد بالديمقراطية وحرية الرأي الكاملة. صادق الذي كان مسؤولا عن اتصالاتنا الألكترونية اضطر الى السفر الى مصر حيث جزء من عائلته هناك وقد أخبروه بأن والدته مريضة جدا. أما احسان صديقنا الصامت والودود فقرر الزواج في الأخير، وها هو مشغول ليل نهاربالاعداد لهذا الحدث الكبير في حياته. أما أنا فمحظوظ : تفرغت تماما لكتابة قصص الخيال العلمي - مواصلة الكتابة. أنا أجد أن ما أكتبه ليس خيالا ولاعلميا أي على العكس فهو من حياتنا هنا والآن : لاشيء فيها معقولا ، ولا مشجعا على مواصلة البقاء على سطج هذا الكوكب المنكود. ها أني أكرر بعض آرائي القديمة. فأنا لم أجد لغاية الآن أن هناك آراء جديدة في بقعتنا الأرضية ، نعم نحن وحيدون ولا انقاذ هناك لا من جهة الرب ولا الشيطان... لدي أفكار أخرى لكن لأتوقف عن الكتابة اذ لا داعي لتعميق حفرتي وقد يوصاني الأمر الى ذلك المبني الأبيض في نهاية شارع الأمام الرضي. في الحقيقة أنا كنت هناك لكن لفترة قصيرة ، فقد تدخلت العائلة وعثرت على من له نفوذ كي أعود الى هذه الحياة اللامعقولة. كانت تجربة قاسية ولا أريدها أن تتكرر. وأظن أن هذا سبب وجيه للكف عن كتابة هذه القصة...

أستره بارك ، كانون أول 2015

Adnan1935 @ gmail. Com

8 ومضات قصصية عن الجنون-عدنان المبارك(3-4-5)


8 ومضات قصصية عن الجنون


عدنان المبارك


3 – السعادة في أن تكون بهلوانا ولو لأمد قصير


- نزهة عرضية في دار المجانين تظهر أن الايمان لم يدلل على أيّ شيء. فريديريك نيتشه
Friedrich Nietzsche ( 1900 – 1844 )

يقول مثل عاد جدا ( الفلوس تجيب العروس ). للغالبية العظمى هو مثل عملي وصحيح تماما. لكني أحذف العروس وأضع بدلها طلبات عملية أيضا. أنا لست بحاجة الى العروس. السبب ؟ خشية ما لايحمد عقباه. فتاة ، وليس من المستبعد أن تكون جميلة ، صبغوا وجهها بالمساحيق وأجلسوها على كرسي ونصحوها بأن تمنح وجهها ابتسامة خجولة وتتظاهر بأن خوفها مما سيحصل شديد جدا. مختصر مفيد : أنا بحاجة الى دخل أضافي ، فكل الأشياء معطوبة . سيارتي المتهالكة ومبردتي العاطلة والنفقة التي أدفعها منذ عشر سنوات ، تصرخ بي : ابحث يا رجل عن مدخول إضافي ! وهكذا قررت في الأخير أن أنزل الى الشارع كبهلوان. مفهوم أني تدربت على بعض الأفعال السيركية كمهرج يتظاهر بالغباء التا م ، أو ممثل لأيمان ديني ما أوجمباز يقفز الى أعلى ويحرّك رجليه بايقاع سريع الى الأمام والخلف. فكرت بأن استعراضي سيكون أكثر اثارة وتشويقا لو رافقني قرد ألبسه طربوشا على رأسه و صدرية ملونة. صرفت النظر سريعا عن هذه الفكرة ، فامتلاك قرد يكلفغاليا رغم أن القرود البشرية متوفرة في كل مكان. من ناحية فكرت بأن أدفع اجرة لصبي يتظاهر بأنه قرد. أصبغه بالأسود وألصق بمؤخرته ذيلا. كذلك صرفت النظر عن هذه الفكرة التي كلها استفزاز : تحويل الانسان جهارا الى قرد. فتحويل القرد الى انسان ذي سلطة أمر ممكن...
بعد عرض نال الاعجاب عدت الى البيت فخورا راضيا عن النفس. واخذت أفكر بأضافة فقرات جديدة الى برنامجي. رأسي مليء بالأفكار، لكنها تتجنب تلك المتعلقة بالسياسة وشؤون الديانات وبينها معضلة هل الله موجود أم لا ، كذلك تجنب كل ما يغضب الناس عليّ. في الحقيقة بقي أمامي هامش للعمل لكنه ليس بالصغير. لمست بأن ما أعجب الجمهور وأثار عاصفة من ضحكهم هو قيامي بدور المهرج مما دفعني الى التفكير بان موهبتي تعبّر عن نفسها في حقل التهريج. اذن أخذت أهتم أكثر فأكثر بفنون التهريج التي أخذت تشيع في هذه الأيام بشكل ملفت للنظر. وهل تظنوا بأني غير متابع لما يحدث في عالم الفنون مثلا. عرفت مثلا أن الكثير من مسارح العالم يشرك الجمهور في الفعل المسرحي. بالنسبة لي ستكون فرصة طيبة بل أكثر : باهرة للغاية أن أفعل الشيء نفسه مع جمهوري .وهكذا أعددت هيبيننغ أو فعلا من هذا القبيل فحواه التوجه الى الجمهور بالاسئلة. وأعترف بأنها كلها من النوع الخبيث ، بعبارة أخرى من النوع المنتزع من واقعنا.
اذن رحت الى الشارع بعد أن بالغت في ماكياجي كمهرج وأتحفت أنفي بكريّة حمراء واستعرت من جارلي جابلن عصاه الشهيرة ، وكنت قد تدربت طويلا أمام المرآة على رمش العينين والتظاهر بالغباء والبلاهة. مجموع الأسئلة التي ألقيتها كانت أربعة قبل ظهور أولئك الثلاثة الذين بدوا وكأنهم من أبطال المصارعة الحرة.اقتادوني أمام الجمهور الذاهل الى مكان ليس بالبعيد كثيرا. قبل أن أفتح فمي للسؤال عن جلية الأمر نزلت علي كفخات قوية وجلاليق مؤلمة وسط صراخ وصياح بكلمات لما أفهم منها الكثير سوى أني ملحد وعميل سعودي ( هكذا سمعت رغم أن الصراخ كان عاليا ) ومخنث وجودي . وحين عدت الى البيت بعد هذه البهذلة التي لم تخطر على بالي أبدا اخذت أفقه السبب في ما حصل . كانت تلك الأسئلة الأربعة اللعينة ! ، فأنا سألت عن مجموع السرقات ، الكبرى بالطبع ، وهنا أردت اضحاك الجمهور بذكر قول دارج ( من طيز الدجاجة لحلك أبو علي ). السؤال الثاني : هل هي مجرد شائعة بأن الله خلق كوكبا آخر تعيش على سطحه مخلوقات هي طبق الأصل منا لكن بدون لعنات كالشر والحروب و الايمان ( في الحقيقة رفض ذلك الرجل من الجمهور الإجابة على السؤال ). السؤال الثالث كان في الواقع في غاية البساطة : هل أنت انتخبت هذه الحكومة وهل قرأت سيرة حياة الرجل رقم واحد فيها ؟ السؤال الرابع الذي لا أغفر لنفسي توجيهه الى شيخ من بين الجمهوركنت قد انتبهت الى أنه ضحك طويلا في اثناء عروضي الفقرات الجديدة من البرنامج : واحد ألماني قال بأن الله مات ، هل سمعت بهذا الخبر ، وهو قديم جدا ويعود الى نهاية القرن التاسع عشر؟ ...
انتبهت أيضا الى أني خرقت مبدئي في عدم التدخل بالسياسة والمعتقدات. وفي الصباح التالي طرق الباب بعنف. سلمني أحدهم ورقة فيها قرار سلطات المدينة بحظر عروضي الشارعية. كانت هناك ورقة أخرى من المحكمة تستدعيني للحضور بعد كم يوم للنظر في شكايات من مختلف الجهات وبينها ذلك الشيخ الذي لم يصلني حينها جوابه على سؤالي الرابع.
فكرت بأنه اذا لم يلقوني في السجن فسأفكر بعمل جديد يوفر ذلك المدخول الأضافي اللعين. وجدت من بين كل الأفكار الأكثر عملية و بعدا عن السياسة و المعتقدات والله أيضا ، أن أبيع تلك الحلوى التي تجيد اعدادها عمتي أم عمار.

*
4 - حين لم أسمع نصيحة هشام


- محادثات حلوة جنونية مليئة بانصاف الجمل و أحلام اليقظة و أحوال سوء الفهم هي أكثر أثارة من أحوال فهم سوف لن تكون أبدا . توني موريسن
Toni Morrison ( 1931 )

هكذا أنا ابحث عن الناقص دائما – نقص في الفهم ، نقص في الأخلاق ، وحتى نقص في التسامح رغم أن أحاديثي مع الاخرين لا تخلو من الجنون . اسمع دائما الرد نفسه على سؤالي بخصوص هذه الهوة بيني والناس والتي أشعر بأنها تكبر باستمرار. لحسن الحظ انا أتجنب كل مواجهة ومهما كانت صغيرة وتافهة. صار طموحي كله في أن أكون مسيحيا نموذجيا ، يدير خده الآخر لتلقى الصفعة التالية ، ويحب اعداءه ( الكلام بيننا لا أحب جميع هؤلاء خاصة اذا كانوا من النوع المؤذي والخطر على المجتمع والناس الآمنين.رغم مسيحيتي النموذجية وجدت نفسي معزولا وتحيطني الشبهات . لا أعرف السبب الحقيقي. صديقي الأقرب هشام لخّص المسالة بأني لا أثير التعاطف بسبب أمراضي النفسية وشكوكي المرضية وانعدام مطلق للثقة بالجهات الرسمية. بالطبع دافعت عن نفسي بالقول اني لست شاكا بل متحوطا وحذرا ، أما علاقتي بالجهات الرسمية فهي مثقلة بالأخطاء والخطايا من جانبها. هشام يعرف كل شيء لكنه يرى بأن عليّ أن ألجا الى سلوك شبيه بما يفعله الساسة ، فالمهم هنا ليس طبيعة السلطات بل الغرض ، غرضي ، من كل هذه العلاقات السيئة. هشام صديق حقيقي ، فعلاقتنا قائمة على التفهم والتساهل من جانبه. وما يحزنني أنه لا يجد عندي هذين الشيئين. ففي أغلب الأحوال يكون شاهدا على انفجاراتي العصبية وانزال اللعنات وحتى على الرب في بضع مرات ( لعلمكم لا أعتبر هشام من المؤمنين ولا هو يعتبر نفسه هكذا ). هشام أوضح لي أكثر من مرة بأن كل هذه الانفجارات لا تقدم ولا تؤخر ، وعموما ( أنت يانعمان لن تحقق شيئا بطرقك مثل هذا الدرب الوعر ). المفارقة الكبرى هنا أني على اقتناع تام بأقوال هشام لكن المشكلة في أني أنساها بأقرب مناسبة. أنسى بأن السلطة هي السلطة وأن هناك بشرا طيبين وكلهم احتشام وآخرين على العكس منهم. اذن ما العمل؟ نفي الأشرارالى كوكب آخرأم تخويفهم ليل نهار بما سينتظرهم في العالم الآخر ؟ لا أظن بأنه تخويف ناجع ، فهم واعون بأفعالهم. أما السلطة فهي كما كانت وكما هي وكما ستكون. برأيي طالم لا يمكنني الاجهاز عليها فلألجأ الى تنغيص عيشها ومهما كان هذا التنغيص - كبيرا أو صغيرا. المهم أن أفرغ هذه السموم من جسمي. وهكذا وصلت حينها الى نتيجة معيّنة. لحسن الحظ كانت التنغيصات التي أديتها من النوع الصغير بل البريء على وجه التقريب كأن أضيف كلمة او كلمتين الى واجهات المؤسسات الرسمية. هذه الأضافات استغرق تنفيذها وقتا ليس بالصغير ، وقد حالفني الحظ في أنهم لم يكتشفوا الفاعل فورا. لعلمكم أيضا أن هشام لم يمنع نفسه من الابتسام حين عرف بمؤامراتي الصغيرة هذه. وكنت قد بدأت بواجهة وزارة الصحة التي صارت ( وزارة الصحة والعافية والأوبئة والمقروبات ). خطّي جيد جدا والتنفيذ كان متقنا حقا و لو جاء مخلوق ليس من بلادنا لصدّق بأن هذه الوزارة ترعب المقروبات أيضا. بعدها رحت الى وزارة المالية وكتبت هناك ( وزارة الخزينة الخاوية ) ثم وزارة الري التي صارت وزارة للجفاف. أقول لكم باني لم أكن مغتبطا في حياتي وكما في مغامراتي مع واجهات السلطة. جابهتني بعض الصعوبات مع واجهة وزارة الخارجية لكثرة الكلمات الموائمة لعمل هذه المؤسسة لكني أضفت في الأخيرالكثير من الكلمات : ( ... والخوارج والطبيخ و " أوكي " على بركة الله والأولياء ).
أكيد أنه كانت هناك إخبارية ضدي ، فبعد انتهائي من تلك الإضافات بيوم واحد قاموا بفتح بابي عنوة ( كنت في الحمام ولم أسمع زعيقهم ) وأكتشفوا كل شيء : الأصباغ و نماذج الكلمات المنقوشة على الواجهات. لم يضربوني بل أرسلوني الى الطبيب الاختصاصي الذي اكتشف فيّ بارانويا لا يستبعد بأنها أكثر خطورة على المجتمع من التفجيرات في الأسواق. في الحقيقة أنا سعيد في سكني الجديد. فجميع القاطنين هنا هم رمز كبير للوداعة وقلة الكلام لا أعرف مدة اقامتي في هذا السكن المريح لكن قراري نهائي : سأواصل ، في اثناء ما بقي لي من العمر ، تنغيص حياة هذه السلطة.


*

5 – أنا كلي سعادة ، ف( سقراط ) معي


- الجنون نسبي. ويعتمد الأمر على من هو المسجون وفي أيّ قفص. ري برادبري 1920 – 2012ٌ
Ray Bradburyٌ

- إلى الصديق عادل كامل
يزداد يقيني بصحة حكمتنا ( الجنون فنون ). فالكثير من هذه الفنون لا يظهر على السطح دائما . بعضها كامن الى نهاية العمر ، وربما تستيقظ في العالم الآخر. الحال عندي على النقيض ، فمنذ سني الطفولة كنت أعرف بأني مجنون ، و الفضل هنا ليس لوعيي بل لسماعي في كل يوم بأني ( موعاقل ). بالفعل في عمر الرابعة أنزويت في زاوية من غرفة الجلوس الكبيرة ورحت أفكر : لي عينان وأذنان و منخران لكن عندي فما واحدا. هل كان هذا سهوا أم أمرا متعمدا ؟ بقي السؤال لغاية اليوم بلاجواب. في عمر المراهقة بقيت أوجه الأسئلة في ذلك الركن من الغرفة. ثم جاء سن البلوغ شغلتني أمور أخرى أي دفعت جانبا تلك الأسئلة لكني لم أمحيها من العقل والذاكرة. بالطبع جاءت أسئلة جديدة لكنها لا تخص فسيولوجيتي هذه المرة بل فسيولوجية المجتمع وأفراده ثم العالم القريب والآخر البعيد. كنت أسمع اللغط في شارعنا و لغط التلاميذ في المدرسة و هناك أيضا لغط الكتب . اجتمع كل هذا كي يعمّق جنوني الذي صار يتمثل بلامبالاة وانفصال تام عما يشغل الآخرين. أكثرت من التحديق في السماء . رحت أنسج قصصا عجيبة غريبة عن حيوات في النجوم. مرة كشفت عما يدور في الرأس لأمي ، وهي معلمة وتعرف الحياة على الأرض جيدا كان جوابها أني أجتاز طريقا وعرا بمثل هذا التفكير ( قالت أنها هواجس يغلب عليها اللون الأسود ) الذي يوقف مسيرة حياتي ويدفعني في طريق جانبي مسدود. أعترف بأنها لم تقنعني ، وصار شاغلي أن أعثر من يشبهني في مثل هذا التفكير. خلال عشر سنوات بحثت طويلا لكني فشلت. ليس تماما فقد كان هناك من يشبهني بخمسين بالمائة و آخر بستين وثالث بعشرين. كل هذا كان يعني أنصاف حلول. ولذلك لم تستقر علاقاتي مع هؤلاء.وهكذا دخلت دربا آخر و جديدا تماما : قوّيت علاقتي بالحيوانات خاصة أني أرى بأنها تفهمنا لكنها تعجز عن التواصل معنا بلغتنا. بضعة وقائع أقنعتني بأن الحيوان يفهمنا أيضا لكننا بدافع غرورنا البشري وتفوقنا العقلي نظن بأنها مجرد حيوانات. وهكذا مضت ست سنوات واعتاد واحدنا على الآخر. أقصد القط الذي أطلقت أسم الدلع : سقراط. وكما لمست اعتاد هو على الاسم الى درجة انه لا يقترب مني اذا ناديته بدون هذا الاسم. وكان يرافقني وحتى في اثناء الوظيفة ، فقد اتفقت مع أحد السعاة في أن يبقى ( سقراط ) في احدى الغرف الفارغة في الدائرة لغاية انتهاء الدوام. المبهج حقا أن ( سقراط ) فهم كامل هذه العملية ، وبقي في الغرفة لساعات ثمان مظهرا صبرا عجيبا. الا أني كنت أجزيه بالقشدة والمثلجات التي صار مغرما بالتهامها. وحدثت المأساة عند عبورنا الشارع . لغاية الآن لا أعرف لم تكاسل ( سقراط ) و لم يعبر بنفس السرعة التي عبرت بها. المسكين نفق فورا. ودخلت في مشاجرة حامية مع السائق مما أثار ضحك المتفرجين على هذه الواقعة.
لا أعرف أين قرأت بأن الأرواح ، وليست أرواح البشر وحدهم ، تتخاطب معنا ، وربما مع مخلوقات من كواكب أخرى. بالفعل جاءتني روح ( سقراط ) في ليلة من ليالي الشهر الماضي .لم يكن حلما بل واقعا شبيها تماما بواقع تحريك ساقي اليمنى الآن. وظهرت المشكلة القديمة من جديد فيما يتعلق بالتفاهم مع ( سقراط ) الا أني لمست تحسنا في الوضع ، فها أنه حين أتكلم يهز رأسه موافقا ويقوم بهزة أخرى حين يعلن عن عدم موافقته. بأختصار كنت في غاية السعادة ورجوت ( سقراط ) أن يعود الى رفقتي القديمة ان أمكن. تبين أن عالم الأرواح هو أحسن بكثير من عالمنا ، فهم سمحوا له بمرافقتي ليل نهار. نعم ، لا أزال سعيدا رغم تبدل سكني .الا أن ( سقراط ) معي ، و لا أظن أن بمقدورهم أن يبعدوا أحدنا عن الآخر. المهم لدي أن سكني الجديد يلقى قبول ( سقراط ) فهو سكن مشترك ، وأحيانا يعلو ضجيج السكنة من ضحك ونحيب وتمزيق اللباس بل وصل الأمر الى أن حبيب وهو جاري الذي كان وديعا وهادئا شنق نفسه. لا يهم ، فالسكن يطاق هنا ولامقارنة البتة بينه والسابق حيث كنت تحت مراقبة مشددة طوال الوقت. الأهم لدي أن لا تظهر ظروف سيئة تفصل بيني و( سقراط ). الاشكال الوحيد هنا هو أني لا استطيع توفير القشدة والمثلجات ل( سقراط ) ، فهم يمنعوني من الخروج .
( سقراط ) تقبل هذا الأمر بهدوء رواقي حقا الا أني وعدته بالقشدة والمثلجات في اول فرصة مواتية.

السبت، 9 يناير 2016

8 ومضات قصصية عن الجنون-عدنان المبارك(1,2)


8 ومضات قصصية عن الجنون


عدنان المبارك


1 - الاتفاق مع النفس من نعم الجنون

- السبب في أني أتكلم مع النفس هو أني الوحيد الذي يتفق مع أجوبتي . جورج كارلن(
george Carlin ( 1937- 2008

وجدت أن وتيرة خيباتي في هذه الحياة قد تصاعدت في الأونة الأخيرة. لكن ليس هو موضوعي اليوم بل هو انخراطي في عصبة من الرفاق تعرفت على أحد أفرادها صدفة قبل شهرين. كنت متوجها الى أبي الخصيب في باص قديم يتقافز مع كل حفرة في الطريق ومهما كانت صغيرة. أوشكت على التقيؤ الا أن جاري انتبه الى حالي و قدّم لي قنينة ماء وصرخ بالسائق كي يخفف من سرعة الباص. بعدها استعدت حالتي الطبيعية. شكرت الجار وبدأ بيننا حديث غير مألوف. كان كلامه في غاية البساطة وقد تلقيته في البدء ككلام غريب لكني سرعان ما انتبهت الى صحة كل ما قاله تقريبا. مثلا : لماذا أنا في مثل هذا الزمكان ، ولماذا كل هذه القوانين التي تسجن الانسان بل ولماذا الانسان ولماذا المادة ولماذا الكون ؟ قال بأننا اعتدنا على كل هذه السجون. بعدها طفق يتكلم عن المجانين. ذكر أن الكثيرين منهم هم على حق حين أخذوا يتمردون على قوانين المجتمع أولا ثم قوانين المكان والزمان. أخبرني بأنه عمل لسنتين كممرض في دار المرضى عقليا ، و( هناك فطنت الى حقائق أخرى ) . ذكر بعضها. خنق مجنون آخر لايمانه بأن هذا لا يستحق الحياة ، فهو لم يسيطر على أعصابه ونزواته ، ولم يتعظ ( بما فعله الغضب وهوس العقاب لدن رب العالمين الذي قد تنصرف عنه جماهيره في حالةعدم انزال العقاب ). فهمت من كلامه أنه ليس بممرّض محترف بل بحث هناك عن حقائق معيّنة. وهنا فاجأني بأنه أنهى عدة دراسات بينها علم النفس والأحياء والفلسفة ( قال بأنه لم يكمل دراسة علم الاجتماع ). تكلم بعدها عن أصدقائه الذين ( أداروا ظهورهم للواقع بكل اثقاله من عقائد وتأريخ غير معقول بنسبة تتجاوز التسعة والتسعين بالمائة ). قال انهم من بعثه الى دار المجانين كي يعرفوا أكثر عن ( هذه الظاهرة المسماة بالحياة ). وذكر أن زياراتهم للدار كانت يومية و( صديقنا احسان قرر البقاء هناك ، والغريب أننا جميعا وافقنا بل شجعناه على المضي في هذا الدرب الجديد . والآن بعد مضي أكثر من سبعة أشهرعلى حياته الجديدة وجدنا أن من باب خلق التوازن عليه الرجوع الى دار الجنون الكبرى. بالفعل رجع رجلا آخر الى حد واضح. ذكر بأنه أثناء معاشرة مجانين الدار صار مثلهم: متفق تماما مع نفسه وأفكاره ويجد العيب في أناس خارج الدار. فهم مشغولون بأعمال لاطائلة من ورائها ....).
الشيء الجديد فيّ أني على اتفاق تام مع محّدثي وصحبه.

*
2 - صراعي اليومي مع الجنون والعقل

- صرت مجنونا، مع فترات طويلة من التعقل الرهيب. أدغار ألان بو
Edgar Allan Poe ( 1809 – 1849 )

وجدت في الأخير أن عليّ الأخذ بنوع جيّد من التنظيم ، تنظيم حياتي خاصة أن هناك أجراس انذار تفصل بين جنوني و استرجاعي العقل. انتبهت الى أن حالي هي مثل حال ادغار ألان بو لكن بالعكس ، فالجنون يلتهم ثلاثة أجزأء من وقتي. لحسن الحظ يوافق الجزء الرابع الخاص بالعقل وقت الهجوع الى الفراش. ثمان ساعات أكون فيها عاقلا ليس بالوقت القليل. ما انتبهت اليه أن فترة الانتقال من العقل الى الجنون تستمر وقتا يكفي كي أعتاد على الجنون ، والحال نفسها عند الانتقال منه الى العقل. لابد من القول ان جنوني ليس من النوع الدموي بل المسالم و كله هدوء ، وفي أحيان ليست بالقليلة أمنح وجهي ابتسامات ناعمة ، وفي أثنائها أحاول أن أنسى كل المتاعب التي تسببها هيمنة العقل.اذا رجعتم الى مذكراتي التي كتبتها قبل عشر سنوات ، بالطبع لم أنشرها لا ورقيا ولا ألكترونيا كما لم أوزعها كمنشورات غير خاضعة للرقابة ، في الشوارع ، لوجدتم أن الجنون والعقل قد وزعا بالعدل في حياتي لكن كل ما حصل بعدها كان الإنذار الأول والأخير بأن لا فائدة من العقل الذي فعل حسنا واختار منذ العام الماضي ساعات الليل كي يعلن عن حضوره في حياتي لكن الليلية. اذن ، جنوني من النوع الهاديء مما يعني تسهيلات كثيرة في الحياة اليومية. فكل شيء لا يفضح جنوني الذي بدا وكانه أنزوى في ركن مظلم في رأسي. وخلال كل هذه السنين لم تحصل سوى استثناءات قليلة جدا فيما يخص جنوني الهاديء. اذكر منها أني وقفت بوجه شرطي انهالت صفعاته على صبي صغير. لم أحتمل هذا الاعتداء البربري ومنعت ذلك النياندرتالي من مواصلة الصفع ، وبعد أن فقدت هدوئي المعتاد قلت للشرطي بصوت عال : ليش تضرب بنت عمتي وهي ما سوّت شي ؟ شتمت رئيس الوزراء الأحول بس, وشنو يعني ؟ مو احنا عايشين بزمن الديمقراطية والحرية و ... الصلوات على آل البيت من صغيرهم الى كبيرهم ، مو تمام ؟ اذكرأن الشرطي اغتاظ كثيرا ، وعلى أكبر احتمال بسبب حول عينيه أيضا ، واقتادني الى المركز. وهناك ضحكوا عاليا وأطلقوا سراحي. رغم جنوني اخذت بحكمة ضبط النفس خاصة أن عقلي الداخلي و ليس هذا الذي سيطر عليه الجنون همس لي بأن لا فائدة من الوقوف بوجه هذا التيار الهادر من جنون آخر. وهل تعرفون ما هو محرّكه ؟ جنون من صنف آخر تماما : يتظاهر وليس مثلي بالتعقل والحكمة. في الحقيقة اقنعتني تلك الضحكات العالية في مركز الشرطة بأنه عليّ الأخذ بجنون شبيه بالجنون السائد الان...

قصص عربـــة الحصان الميت-عادل كامل


      
قصص


عربـــة
الحصان الميت

عادل كامل


 

القصص

1 ـ عربة الحصان الميت  ..                                                    
2 ـ القصة لم تبدأ بعد ..                                                     
3 ـ ليلة التمثال ..                                                                     
4 ـ الملكة لاما ..                                                            
5 ـ الصورة ..                                                                
  ـ6البرفسور الذي نطق ..                                             
7 ـ قصة ذئب ..                                                           
8 ـ الذراع .                                                               
9مدينة الصمت ..                                                           
10 ـ عاشقان ..                                                          
11 ـ عيون ..                                                       
12 ـ الشيخ والمدينة ..                                               
13 ـ حكاية هذا الرجل ..                                          
14 ـ عصفور في الرأس ..                                           
15 ـ غروب وقصص قصيرة جدا ً ....                               
16 ـ أخاديد الضوء ..                                               
17 ـ ضفاف..                                                    

18 ـ أنا قتلت الإمبراطور ..      
لمتابعة القصص يرجى الضغط على الرابط ادناه
  http://www.4shared.com/account/home.jsp#dir=EwCcFc6N                                

رحلة حب مع الفن التشكيلي - يوتيوب التمدن

مسرح- مؤيد داود البصام




 مسرح

عطيل يعود بحثاً عن دزدمونه في مسرحية ( إنا لحبيبي)...
ممثل واحد يأسر الصوت وهوامش التاريخ


 



    مؤيد داود البصام

علي قاعة المسرح الرئيسي في المركز الثقافي الملكي في عمان ، قدم الفنان غنام غنام مسرحية (إنا لحبيبي ) من تأليفه و إخراجه ، و تمثيل الفنان المخرج خالد ألطريفي . و قد ارتبط الثنائي غنام و خالد كمخرجين و ممثلين في أكثر من عمل ، فقد سبق إن اخرج خالد ألطريفي مسرحية (ملحمة فرج الله ) العام الماضي في مهرجان المسرح الأردني ، من إخراجه و تأليفه و تمثيل غنام غنام احد الممثلين الرئيسيين في المسرحية ، و الآن يتبادل الأدوار فيكون غنام مؤلفاًُ و مخرجاً و خالد ممثلاً .
في هذه ، التجربة يخوض الفنان غنام ، تجربة جديدة من تجاربه في لغة متحولة علي خشبة المسرح ، فهو يحاول إن يجمع بين العمل الكلاسيكي المبني علي القواعد الأرسطية ، و بين الرؤية الحداثوية ، و الخروج من مسرح العلبة و جعلة فضاءً تسبح فيه الكتلة المنظورة ، لهذا ينوع في تجربة بين الفخامة و البساطة ، و لكنة يبقي في سعيه لإبراز قضية الإنسان و الغور في أعماقه  استجلاء ما يضمر تجاه الظلم الذي يقع عليه ، أو يحركه لرفض الظلم و كشف الظالمين كما في مسرحية ( السياب يعود ثانية ) في محاولة لاختراق حاجز الصمت و جعله ينطق بما يسكت عنه ، و تبقي العناصر الجمالية التي يلجأ إليها ، هي في إيجاد خيط التطور المرتبط بالنظريات و التيارات القديمة و الحديثة ( لكون الفن المسرحي يملك اتساعاً كبيراً غير محدد و مشروط في إيجاد المناخات التي تلاؤم الرؤية ، و تعدد تأويلاتها ، فالمسرح جامع شامل لكل الفنون و الأنساق ، و لكنة وحدة منفردة في قدرته علي التماس المباشر الحي مع المتلقي) . ساعده في هذا المنحني سعة المعرفة و كثرة الاطلاع التي يمتاز بها غنام ، وحبه للمغامرة و التجديد .
مسرحية (إنا لحبيبي ) تقوم في بنائها علي ممثل واحد (خالد ألطريفي ) و مضمونها إعادة كتابة لحظة الفعل عند عطيل بين القبول و الرفض و عند ممثل شخصية عطيل ، و في هذا المنحني الذي يقدمه النص مفارقة لتعدد الأصوات في صوت واحد ، و مقارنة لفعل الأقدام و التردد في صياغة شخصيتين من الماضي و الحاضر ، و هي تؤكد علي البحث في أعماق الإنسان و مشكلته في التعامل الذاتي بينة و بين محيطة ، و كيفية تعامله مع الحدث في و وقائع الحياة اليومية ، فالاستناد علي إعادة كتابة الإعمال العظيمة من المسرح اليوناني و الإغريقي و الروماني و خصوصاً إعمال شكسبير ، فيها خصوصيات معرفية ، فقد أعيد كتابة الكثير منها برؤية معاصرة ، وكتب نص (إنا لحبيبي ) بلغة تقترب و تبتعد عن لغة شكسبير حسب متطلبات الدراما ، وهو تعامل ينبني علي أساس المسرح التجريبي الذي يحتوي علي الحداثة وما بعد الحداثة ، ولكن غنام لا يخرج إلي الحدود التي وصل إليها مسرح ما بعد الحداثة ، فهو يظل مشدوداً إلي جمهوره وواقع هذا الجمهور علي الرغم من تجاربه الحداثوية و إدخال العناصر المعاصرة في النص و الإخراج ، و التعامل مع النص الكلاسيكي لتحويل الفكرة التاريخية العامة إلي فكرة معاصرة ، موائمة للأخذ من ينبوع الماضي وإضفاء الرؤية المعاصرة علي الفكرة في الماضي ، لإعطائها صورة مستقبلية وجديدة ، فهو يعيد صياغة مسرح النص إلي رؤية جديدة لإثارة الاستفزاز في قضية معاصرة ، بحيث يأخذ من المسرح الكلاسيكي ما يشعره بوجود عناصر متطابقا مع العصر الحاضر ، فيعيد الصياغة حسب مفهومه ورأياه.

كيف تعامل
مع النص ؟
حاول غنام إن يفعل النص باختيار لحظة معينة من شخصية عطيل في مسرحية شكسبير ، لإدارة الحوار بين عطيل الماضي و بين عطيل كوجود في نص غنام وهو ممثل لدور عطيل فبني الفكرة علي هذا المقطع علي ضوء لحظة التعارض بين ماهر كائن وما يكون مع جر البناء الفكري للنص من الشخصي إلي نقد الواقع الاجتماعي، بين تكوين عطيل الاجتماعي والفكري وما خلفه هذا البناء الاجتماعي علي طابع الشخصية الشكسبيرية ،وبين الواقع الاجتماعي والفكري لممثل دور عطيل في العصر الحاضر وما يعيشه من وقائع الحياة المؤلمة وما يمر به إنساننا المعاصر من صراعات علي صعيد الواقع المحلي والعالمي ، ورسم الشخصية في تقلباتها وتحولاتها برؤية معاصرة حسب وقائع الحياة التي تلزمنا في اتخاذ مواقف متناقضة لما نطلب ونريد وهو ما نجد الإشارة إليه في ثريا النص لاسم المسرحية (إنا لحبيبي) الشعور المتناقض بين فورة الغضب والوصول بها إلي حد القطيعة بالقتل ومن ثم الندم، وهو حال الممثل في رفضه ومن ثم قبوله بين إن يكون هو وبين الرضوخ لمتطلبات الحياة التي تفرض عليه للاستجابة والانصياع،و بين طبيعة عطيل التي فرضها تكوينه الفسيولوجي والوراثي وبين الانصياع لرغبات التسلط والقمع ممثلة برغبات المخرج التي يرفضها الممثل ،ولكنه ينصاع ويقدم ما يطلب منه ،هذا الصراع والتوترات عالجها غنام باللغة الشكسبيرية وفخامتها علي صعيد النص واللهجة المحلية المحكية في تزاوج مبدع يتحرك الإيقاع للارتفاع بنا حلمياً مع تصاعد الكلمات والجمل والصوت وحركة اليدين للمثل ثم يهبط به إلي ارض الواقع عندما يعيدنا لتحسس اللغة المحكية وبنيرة تعيدك إلي ارض الواقع.

الإخراج والتمثيل
إن مسرحية الممثل الواحد من المسرحيات التي تتطلب جهدا من المؤلف والمخرج والممثل لأنها تتطلب إبعادا تختلف عما في المسرحية المتعددة الشخوص، ففي مسرحية الممثل الواحد يكون الجمهور بمواجهه شخص واحد، والقاعة تركز علي نقطة واحدة معينة، ولا بد لهذه النقطة التي يمثل مركزيتها الممثل إن تبقي المشاهد منشدا لها ولا تحدث الملل والضجر لديه وتفقد إمكانية الإثارة والاستفزاز وهو يتطلب كما سبق واشرنا إلي جهد ليس بالقليل وهو ما استطاع غنام إن يقدمه في هذه المسرحية بحركة الممثل التي حصرها في الديكور المنفذ هو الأخر بطاولة مستطيلة بحدود ثلاثة أمتار طولا والمتر عرضا مغطاة بقماش شفاف توحي بوجود شخص في أسفل الطاولة، وهو ما يشير إليه الممثل علي أساس انه مكان اختفاء (دزدمونه)، وبهذا حصر حركة الممثل في نقطة مركزية مع حركة محسوبة إلي عمق المسرح بنفس إسقاطات خطوط عرض الطاولة وترك بقية خشبة المسرح للفراغ من دون ديكور، فحقق مسألتان في هذه الحركة حداثة الفكرة وحصر تركيز المتلقي في بقعة محددة بحيث جعل المشاهد لا ينتبه إلي بقية الفراغ في خشبة المسرح بجعل الكتلة في المراكز الوسط وحقق الثقل في الوسط ،وجعل الفراغ يدور حولها ونجح في الرؤية التشكيلية بإعطاء الموازنة للإطار العام ولم يشتت الرؤية البصرية لأمن حيث الديكور أو الحركة، واحدث توازنا عاما في التشكيل للوحات ساعد في ذلك الإمكانيات الفنية للفنان محمد مرشده في ملاحقة النص والتمثيل في تصميم وتنفيذ الإضاءة التي جاءت مواكبة للحركة والحدث وأضفت روح الامتلاء علي خشبة المسرح، لاشك إن الإمكانيات التي يمتلكها الفنان خالد ألطريفي كممثل تلقائي بارع مكنته من ملاحقة النص ومنحته هذه الروح في شد الجمهور، فالحركة والإيماءة والتنغيم كلها بوصفها لغات مسرحية تختصر الكثير من الحوار والكلمات والجمل قد برع فيها الممثل خالد وجاءت القيمة التعارضية بين تكوين جسم عطيل الشكسبيري كمقاتل وذو عضلات ويتسم بالرشاقة وبين التكوين الجسدي للفنان خالد الذي تحرك علي هذا الإيقاع ليستلب الحركة الدرامية بين الشخصية الأصل والممثل المعاصر لهذه الشخصية، وان ما يريد إن يقوله المؤلف بأنه يريد إن يقدم عطيل كما أراد شكسبير ولكنه أراد إن يعطينا عطيله بصراعاته ومشكلاته المعاصرة التي تختلف عن تكوين عطيل الأصل، حتى بالتكوين الجسدي للمثل خالد الذي برع في شد الجمهور حركة وصوتا وإمكانية هائلة علي إخضاع خشبة المسرح لوجوده، واحتواء المشاهدين بفرض بساطته وعفوية الحركة والايماءه لامتلاء الكتلة والفراغ، وجعل الكتلة خاضعة لعرضه وسيطر علي الفراغ بالحركة واللاانفعالية وأسقط الانفعالات المصطنعة إنما كانت حركاته عفوية ،وحواره المتقن هي التي شدت الجمهور وحبست أنفاسه مع وضوح النطق، كما إن المخرج ترك بطله يتحرك ضمن رقعة محددة لكنه استطاع إن يغطي خشبة المسرح فلم يلجأ إلي الحركة الواسعة والمربكة إلا في حدودها لكي تأخذ دورها مع الحوار بلغته العصرية.
إن مسرحية (إنا لحبيبي) عرض متميز شد الجمهور وقرب فكرة الصراع الإنساني المعاصرة بحدودها وتناقضاتها الذاتية أو من خلال الشد الخارجي حاكت الماضي بفكرة تنتمي إلي الحاضرة وربط الماضي بالحاضر، ملتقطا لحظة واحدة من لحظات العرض الشكسبيري ليحولها إلي دراما برؤية معاصرة من دون إعادة لصياغة المسرحية بأكملها. انه يلخصها كما جاء علي لسان الممثل في نهاية المسرحية (قتيل العشق والظلم والغدر والمسرح)ليوضح لنا نضال الإنسان ضد الظلم الذي لا يستطيع  إن يدرءه أو يقف منه موقف الند ، لأنه مستلب .

15 قصة قصيرة جدا ً-عادل كامل

15  قصة قصيرة جدا ً


" إن وقوف المرء على حافة الجنة أكثر إرهابا ً من انغماسه في نار جهنم"
هنري ترويا

عادل كامل

[1] استغاثة
   عندما حاول الثور الاستغاثة، كانت أنياب السبع قد أطبقت على رقبته، من الأسفل، فاستسلم لخدر وجده يسري داخل جسده، بهدوء تام، إلا أن السبع لم يقض عليه، فأخلى سبيله، لبرهة:
ـ أنا لم اطلب منك إلا التضرع....كي أرحمك!
   بعينين دمويتين أوجز الثور رده:
ـ لا تلهو..، تعجل، أم انك تفكر بثور آخر....، أم انك تبحث عن ذريعة..؟
  قرب السبع رأسه من الثور وسأله:
ـ ألا ترغب أن أعفو عنك ...؟
عندما هم بالنطق، رأى السبع يرتفع عاليا ً، ويسقط أمامه، من غير حركة.
ـ لماذا...؟
فرد السبع بصوت واهن:
ـ آن لك أن تهرب...، بعد أن لم تستجب لطلبي..
    لم يستطع الثور الجريح أن يرفع صوته، فقال في نفسه: وهل كان سيتركني لو فعلت ..، أم كان لا يود إلا الاحتفال بنصره؟


[2] سكين
   مكث الحمل يتلوى ألما ً، فقالت السكين له:
ـ حتى لو استجبت لتضرعاتك، أيها الحمل الوديع، لكن ماذا افعل لقلب القصاب؟


[3] رقص
      راح الفأر يراقب الهر، خارج قفصه، يرقص، فسأله متندرا ً:
ـ ماذا تفعل..؟
ـ ألا تراني ارقص!
فقال الفأر:
ـ آ ...، كم وددت أن أتعلم منك الرقص...؟
حدق الهر فيه بعينين حادتين:
ـ استطيع أن أعلمك الرقص، ولكن في الخارج...!
ـ لكنهم سجنوني...، ومنعوني من الخروج خوفا ً أن تفترسني!
ـ  إذا ً تعلم الرقص وأنت داخل سجنك!


[4] سؤال
   وهو يحدق في الغزلان تقترب من بركة الماء، رفع التمساح رأسه وقال بصوت ودود:
ـ أود أن أخبركم بأنني أعلنت توبتي... فانا بعد اليوم لن أؤذي غزالا ً أو حملا ً...، فتعالوا نلعب معا ً!
قالت واحدة من الغزلان:
ـ إذا كنت تبت حقا ً...، فهل سألت نفسك من ذا سيمنحنا الشجاعة كي نلعب معك؟


[5] إنتاج
   عندما بدأ بالطيران، سأل أمه:
ـ كيف نحصل على غذائنا ...؟
قربت الحمامة رأسها منه وقالت له:
ـ كنت تريد أن تسألني: ما هو عملنا في هذه الحديقة...، وماذا ننتج، أليس كذلك...؟!
أجاب مرتبكا ً:
ـ أجل...
ـ سأخبرك: هناك ألف ألف صنف من الأشجار عملها هو إنتاج المزيد من الثمر...، والأسماك تنتج آلاف الأسماك، وهناك ألف ألف نوع من الدواب والبهائم والزواحف والثدييات والطيور تنتج....
وسكتت، فقال لها:
ـ إنها لا تنتج شيئا ً! عدا...، إنها تنتج الروث، البعرور، والبراز....!
ـ ولكنها ـ يا ولدي ـ لديها ما تعمله...
ـ اعرف...لديها ما تعمله: إنها تفترس بعضها البعض الآخر...، أليس كذلك؟
   وابتعد عنها قليلا ً، ثم اقترب:
ـ وإنها لا تنتج إلا الروث...، البعرور...، والبراز!


[6] لهو

    سأل الدب الصغير جده، وهو يراقب السباع والنمور والدببة تمشي متبخترة فوق الحبال، ولا تسقط أرضا ً:
ـ هل خلقنا للرقص على الحبال...؟
   فكر الجد طويلا ً، ولم يعثر على جواب...، فسمع حفيده يقهقه بحزن:
ـ  ما الذي يدعوك إلى الضحك؟
ـ يا جدي، إن الحبال هي التي وجدت كي تلهو بنا!

[7] رحمة
   بعد أن فشلت البقرة في العثور على ثور تحاوره، في المزرعة، رأت بغلا ً فاتجهت نحوه:
ـ أراك وحيدا ً يا صديقي...؟
فقال:
ـ ولدت هكذا ...، يا عزيزتي..، ووحيدا ً أموت!
ـ آ...، ما هذا الحزن...؟
فحدق في عينيها:
ـ  بدل أن ابحث عن حصان، أو عن أتان، لا يتركان في ّ إلا الأسى والحزن!
ـ آ ...، نسيت، فأنت ولدت عقيما ً!
ـ هذا أفضل من إنجاب أولاد يتم إرسالهم إلى المجزرة...
ـ ولكن ...، يا صديقي، هذه هي سنن الدنيا؟
ـ اعرف...، وهل خالفتها، هل كفرت، أو عصيت، أو خرجت على القانون...، فانا وجدت الرحمة بالعقم، وأنت وجدتي رحمتك بالإنجاب!

[8] سؤال
 سأل القط ابن أوى:
ـ في هذه الحرب التي لا تريد أن تضع نهاية لها...، مع من أنت...، هل أنت مع الضحايا، أم مع الطغاة...؟
أجاب حالا ً:
ـ مع لا احد!
فقال القط:
ـ لا تتغابى، أو تموه علي ّ، فأنت تجد طعامك في بيوت الطغاة، ولكنك لا تكف عن سرقة دجاج الضحايا...؟
فقال ضاحكا ً:
ـ وهل كان لدى الضحايا شيئا ً فائضا ً عدا أحزانهم، صمتهم، وأجسادهم!

[9] صورة

ابن البعوضة سأل أمه:
ـ من خلقنا..؟
ـ إلهنا...، اله البعوض...
ـ إذا ً هل نحن نشبهه، أم هو يشبهننا...؟
ـ ما هذا السؤال... الغريب...،  إن كنا نشبهه أو كان هو يشبهنا...؟
أجاب بشرود:
ـ اليوم سمعت الغراب  يقول للحمامة إن من خلقه لا يشبهه...!
ـ ماذا قال...؟
ـ قال الغراب للحمامة، وهما يتأملان دواب الأرض وبرغوثها، زواحفها وبعوضها، مفترساتها وحشراتها وديدانها....: إن كل دابة وكل طائر وكل بهيمة تعتقد إن من خلقها هي على صورته وعلى هيأته... ، وفي الواقع، قال الغراب للحمامة: إن هذا محض وهم، وخيال، وسراب !
ـ وماذا قال أيضا ً...؟
ـ سكت!
فسأل ابن البعوضة أمه:
ـ وأنت ِ ماذا تقولين...؟
ـ أقول انك لم تعد تشبهني، وانك لم تعد تشبه أسلافك، ولا أجدادك، ولا آباءك أيضا ً!
ـ أتقصدين إنني لم اعد أشبه نفسي؟
ـ وهذا ـ تحديدا ً ـ صار يثير قلقي، ويربكني كثيرا ً!
ـ ولِم َ يثير قلقك، ومخاوفك، ويربكك، وأنت على صورة أسلافك وعلى صورة أسلاف أسلافهم ...؟!
ـ اخبرني أيها الابن العاق: هل تعلمت هذا من الغراب اللعين ...؟
ـ كلا...، وألف كلا...، لأن الغراب قال للحمامة: إن المعضلة لا تكمن في إن كل واحد منا كان يرى انه على صورة من خلقه، بل يرى إن من خلقه هو على صورته!

[10] الضفدعة والكركدن

    عند ضفاف البركة، قالت الضفدعة تخاطب الكركدن:
ـ تأكد إنني لم ْ أر حيونا ً أقبح منك!
ضحك الكركدن، ولم يجب. فعادت تنق:
ـ دعنا نتساءل: هل ولدت قبيحا ً، أم أنت اخترت هذا القبح، أم انك لم تقدر أن تصبح جميلا ً كغزال...، مثلا ً...؟
   لم تستفزه كلماتها، فمكث صامتا ً، لكنها عادت تخاطبه:
ـ ربما أكون أنا أجمل حيوان خلق في هذه الحديقة، فانا استطيع الغطس، والجري، والوثب، والطيران أحيانا ً!
فسألها بعد أن كاد يفقد صبره:
ـ ومن قال لك ِ إني غير سعيد بقبحي؟
ـ آ ...، هل أنت سعيد بقبحك حقا ً...؟
ـ طبعا ً أنا سعيد لدرجة إنني غير مكترث لك، ولجمالك، لولا لسانك هذا الطويل!
ـ سيدي، يا أقبح المخلوقات، حتى لو لم أفكر، ولو لم يكن لدي لسان طويل، ولو لم أسألك هذه الأسئلة، فان الجمال وحده لا يطرد حزني، أو يسليني، خاصة أنا اجهل كيف جمعت القبح والسعادة معا ً مع لا مبالاتك بما يحصل في عالمنا هذا؟!

[11] طليق
    بعد أن شاهدهم يفترسون الصغار، الواحد بعد الآخر، غير مكترثين لذعرهم، زعيقهم، فزعهم، وصراخهم، انتقلوا إلى افتراس الإناث، الواحدة بعد الأخرى، بهدوء، من غير اكتراث لدموعهن، نحيبهن، وتضرعاتهن...، آنذاك وجد انه لا يمتلك إلا أن يسألهم:
ـ هل أمركم الإله بهذا ...؟
اقترب قائدهم منه:
ـ وما شأنك بالإله...، أيها الصعلوك الوضيع...؟
ـ من أمركم...أن تفعلوا هذا ...إذا ً...؟
ـ هل تبحث عن الأسباب...، إذا ً... اذهب وارو ما شاهدته...، لأننا لن ندعك تعيش من غير أسباب، فأنت طليق....!

[12] رسالة
   دار بخلد الأم، وهي تكتب رسالة إلى ولدها الذي  خلصته من براثن مختطفيه، بعد أن دفعت الفدية، وطلبت منه الهرب إلى بلاد بعيدة:
ـ لا تحاول أن ترى ما يحدث لنا...، فالصواريخ البعيدة المدى ... ليست عمياء! فلا تفكر أن تشاهد الخراب...، لأننا ـ أنفسنا ـ  لم نعد نراك، وربما أنت لن تستطيع رؤيتنا!

[13] إثم مشترك
    شعرت اللبوة بأجنتها تتحرك داخل جوفها، بالأسى، لأنها كانت منشغلة بمراقبة السباع وهم يتأملونها عن بعد، ولكنها لم تكن تمتلك إرادة التخلص من أجنتها، وقتلهم، قبل الولادة، كما رأت ذلك في المرة السابقة، بعد أن وضعتهم، فراحت تبحث عن مكان ناء ٍ بعيد عن السباع، ولكنها أدركت أيضا ً إنها لم تكن بريئة أبدا ً...، وان هؤلاء السباع لم يكونوا قتلة عن طيب خاطر!

[14] مصير

   بعد أن مد رأسه  خارج  فتحة الحفرة، قليلا ً، عاد وسحبه سريعا ً، من غير تفكير، فقد لسعته نسمات الهواء البارد جدا ً حد التجمد، ولكنه عاد يفكر بأنه قد يستطيع مقاومة الجوع، ومقاومة العزلة، ولكنه لا يستطع احتمال أن يموت وحيدا ً، داخل الحفرة...، فعاد وجمع قواه، من غير وعي، وغادر الحفرة.
    مع انه تذكر إن آخر مرة لجأ فيها إلى الحفرة كانت بسبب بطش الضواري، حيث نجا بأعجوبة من مخالبها، وأنيابها، أما الآن ـ دار بباله ـ فالبرد جمد خوفه، وجمد خياله، وجمد الزمن. متمتما ً بمرح مكتوم: استطيع أن أموت تحت هذه السماء الزرقاء إذا ً!  إنما شاهد ـ عن قرب ـ كتلة حيوان تعترض طريقه...، لم يخف، كان البرد قد جمد أطرافه، انفه، ونصف جسده غدا بلا حركة، فتقدم منه، كان هو ذاته الذئب الذي قاد الهجوم، وهو الذي رآه يفترس أفراد عائلته، الأولاد والبنات والأم، الجد والجدة، العمات والخالات، ولم يترك أحدا ً منهم على قيد الحياة...، اقترب منه بلامبالاة، متمتما ًمع نفسه، وهو ذاته الذي لم يرني وأنا ألوذ بالفرار، اهرب، وأتوارى محتميا ً بحفرتي...!
   تقدم منه خطوة، وخطوة أخرى، غير مكترث حتى لو كان قد نصب كمينا ً، فالعودة للموت في الحفرة أفزعته، فتقدم منه...، مد بوزه، ليطلب منه بصوت مرتفع: خلصني! وانتظر الرد، فلم يأت، فتقدم حتى لا مسه، ليدرك انه كان قد تجمد، وانه لا يستطيع أن يتحرك، وان أعضاء جسده كلها تصلبت...، آنذاك نظر إلى السماء فرآها زرقاء خالية من الغيوم، من ثم أرسل نظره ممتدا ً مع الأفق، ليراه يمتد بصفاء تام...، فترك رأسه يسقط بمحاذاة فم الذئب، المغلق بإحكام، وقد أدرك انه لم يعد يقوى على تنفس الهواء أيضا ً!

[15] اختيار!
ـ لو أخبرتنا بماذا تؤمن... سنطلق سراحك، ولن نقتلك؟
ـ آ ...، لو كنت اعرف بماذا أؤمن....، لكنت أنا ـ هو ـ من يسألكم .... هذا السؤال!
4/1/2016
Az4445363@gmail.com

سلام عليك باغتسال النهر-نجاح زهران


سلام  عليك باغتسال النهر

 أكتَب عن شظايا الروح
 تعالج صحوة الأفق باغتسال النهار
أكتب عن أهداب الجسد
عن تزاوج الحب للرقص
بلا رقم هو ارتوائنا بالحماسة
آه من خصوصية الذاكرة بلا ورق
و رائحة الرياحين تبكي
بـعروة الرفض
من أي كاسحة نبدل النبوءات
غباري تهجئته الحمى
و عيني على الزوايا
حلم يتشكل
بهشيم غيمة تضرب السماء
لدم يفتح الليل
ساهرا عند اختراق العادة
لجسد يتلألأ بستائر الرحمة
من كتاب زهد !!
هيّا أنتشي قبل بداية الفصول
 بمسرحية فيها كل ألأماني
تصفّق للمرايا التي تهز النبض
تفيض بالشك
بـ غضب على الاثارة
قلت :
أسترح قليلا  من تفاحتي
فقد أطلقت عليّ الموج .
قلت من أي زاد ضاقت خاصرتك
وانت تقضم ذنوبي
ناولني دفئا وقُبلة ترافقني
صندوق لعب تُريح أنفاسي
و قناديل تُنير لي أين طعامي
أيها الراوي أين كأس الخمر؟!
سلام عليك أيها الإنسان
فربما بدعائي ينير لك الحقل
هذا الحرف يحمل الحطب
قلت كما الحفاة لنا أعناق الجمر
نجمة تنفخ اللهب
 غيمة تَتْلو صلاتها على كتف الشمس
لمسرحية الشوارع الحمراء
دون سقف
لتصفّق الطواحين لما يكتبه الوقت
بوحشة المنافي
و أصابعي تخفق باغتسال النهر


نجاح زهران