أوهام الكتابة في التشكيل العراقي . خطوط أولية
علي النجار
أعتقد, والاعتقاد افتراض قابل للتداول, المناورة, المحاورة, الفحص, التجريب, التأكيد, الرفض. على الضد من الجزم. الذي هو قابل للنقض فقط. بأن هناك كثرة بأفعال الجزم في الساحة التشكيلية. وبالذات في مجال الكتابات التشكيلية, إن لم نقل النقدية( لعدم توفر أدوات النقد). أو لكون أفعال زمننا, في فوضاها الشاملة وبشكل عام, تراوغ وتداهن منطق النقد كما عرفناه. وعرفه أسلافنا. الجزم هنا, بمعنى إطلاق التصرف بالنص حسب هوى القناعات, أو أطلاق اليد على علاتها.
أعتقد, والاعتقاد موصول بما دونه الكتاب الموهومين بالموسوعية(بوهم بعض من مورثنا) عن نتاج بعض التشكيلين. تدبيج كتب, لا تزال على الرف(افتراضا), أو مقالات, لا تتعدى وهم المعرفة بالنتاج التشكيلي الذي يستحق أن يشار إليه, أو يشاد به. كمنجز يستحق جهد بحث التدوين. كتب, وكتابات, تتعاطى, وتعلي من شأن بعض الظواهر التشكيلية التزويقية. والفرق شاسع ما بين العمل الفني الذي ينتمي لزمننا( والذي يجب أن يكون كذلك, بما انه زمننا) والعمل ألتزويقي, وما أكثره(وصفة, مصنوعة بمواصفات وهاجس المتعة الزائلة) مضافا لها سقط متاع الازمنة التشكيلية الماضية. فهل يستحق أن يتداول, كمنجز يندرج ضمن مساحة تشكيل زمننا الحالي. عدا عن كونه يشكل جزء لا يستهان به من فضاء التشكيل العراقي الحالي الملتبس.
أعتقد أيضا أن جل من كتب في الموسيقى, كان, أو هو, يجيد العزف على آلة موسيقية ما. كما انه امتلك أو يمتلك أذنا موسيقية مرهفة, و ألم أو ملم بتاريخ وحاضر الموسيقى التي يود المساهمة في التدوين عنها. ولا اعتقد بأن لمقدرة التذوق الموسيقي الشخصية لوحدها, أن توفر إمكانية القدرة النقدية الموسيقية, بشكل كاف, أو مقتدر. فهل يكفي إن يكتب في التشكيل من له مقدرة على التذوق الفني الشخصي فقط, وهي مقدرة نسبية. دون دراسة, أو دراية كاملة بأساليب وتقنية الفعل النقدي, ومعرفة آليات وفضاءات الحراك التشكيلي. هل الذائقة لوحدها من تستحق شرف الكلمة الفصل في هذا المجال. أم هي مجرد خلفية ربما تكون مناسبة لممارسة هواية الكتابة لا أكثر. وهل القليل من الإدراك الفني, كافيا لذلك. فما بين القشرة واللب فرق شاسع, يتطلب قشط القشرة أولا, وهو أمر ليس بالهين بلوغه.
أعتقد, أن سيادة هكذا أفعال تشكيلية تدوينية, إن لم تؤدي إلى شيء, فإنها ربما تؤدي إلى تضخيم ذات الفنان المزعومة المنوه عنها. أو ربما تزيد من محنته(الغافل عنها). مع محنة الاستقبال, وهي محنة خاصة وعامة تزيد من مزالق الوهم. وتتعداه إلى سيادة الفهم السطحي للعمل التشكيلي. مثلما تؤدي إلى إطالة محنة المبدع الحقيقي الذي ينتظر منا اعترافا بقيمة عمله الإبداعي. فهل هو سعي صائب, هذا الذي يؤدي في نتائجه النهائية لمضاعفة تهميشه. ونحن في انتظار من يسعى لإعادة الفحص والتمحيص والفرز و إعادة تقليب النتاج التشكيلي العراقي من جديد, بالتوازي وجدة التشكيل المعاصر. وحتى بادراك مناطق مراوغته, التي تبدو أحيانا عصية على الاختراق. لكني اعتقد بان فهمنا للظروف الحالية, بأصعدتها المختلفة. وفهمنا لدهاليز السوق والذائقة التشكيلية المناورة, وعدم الاستقرار المصاحب لهما. ربما يقودنا إلى إمكانية إطلاق آراء نقدية(وليست أحكام) تتوازى والمقدرة الأدائية لتشكيلينا. وإمكانية العثور على خطوط وصل والمنتج التشكيلي الأوسع, الذي اعتدنا نعته بالعالمية. مع اعتقادي بان العالمية ليست وجها واحدا لعملة واحدة, بل هي تمتلك أكثر من وجه ووجه.
اعتقد بان مساحة الكتابة التشكيلية العراقية المتداولة, ليست صغيرة. إذ لم يمر عرض تشكيلي, سواء في داخل العراق أو خارجه. سواء عرض شخصي, أو جماعي. دون الكتابة عنه. واعتقد, أن غالبيتها كتابات, مجرد كتابات, كأنها صنعت بالتوافق, الظاهر أو المبطن,
ما بين الفنان والكاتب. حسنا. ربما اختلفت الأهداف, فبالنسبة للفنان, ربما هي مجرد كتابة أرشيفية تذكارية, لكي لا تمر مناسبة عرضه بدون ذكر. وبالنسبة للكاتب, هي ممارسة مهارات اجتهادية. ربما تجيز له العبور من خلالها لممارسات مشابهة أخرى, ربما تشكل له امتداد أو شحذ لمهارات سابقة, يعتقدها تفي حق الفعل النقدي. لكني اعتقد بأننا لو جمعناها معا, فلا نحصل منها إلا على فعل الأرشفة. فلا كلمات التعظيم, ولا صيغ الوصف, ولا إقحام بعض المصطلحات النقدية, أو إيراد مرادفات أسماء فنانين عالميين أو محليين, ولا التعمية والغموض المقصود بوهم ممارسة عمل ثقافي( بدون تجنيس) واضح يكسبها صيغة النقد الحق. ولو تعدينا فعل النقد الأكاديمي وشروطه التدوينية التي ربما لا توائم كتابة المقالة. فمن الرابح, ومن الخاسر, ومن وقع في فخ الوهم.
أعتقد بأننا بحاجة إلى رد الاعتبار للكتابة النقدية التشكيلية. لكن من أين نبدأ وقد بات هذا المجال(عراقيا) عصيا علينا. ما عدى الندرة النادرة, واعتقدها هي الأخرى لا يمكن التعويل عليها لفهم ما يجري على عموم ساحتنا التشكيلية الحالية. اليس بإمكاننا الخروج من معطف الأرشفة, الى الإجادة في مستلزمات واليات النقد التشكيلي المعاصر, وترك ما أثقلتنا به حوادث الحداثة الأولى, وكتاباتها. نحن بحاجة لمخاطبة العالم تشكيليا, وليس الاكتفاء بمناورة ما لدينا من أفعال الماضي القريب التشكيلية ومخرجاتها النظرية.
أعتقد, من اجل الخروج من مأزقنا. البدء في معاودة بناء جسور عملية بالمصادر الثقافية التشكيلية العالمية في مراكزها الأكاديمية والتقنية, وكوادر المؤسسات المتحفية(مناهج تدريسية, وورش عملية, نقاد لهم وزنهم). مع عدم إقصاء لمحركاتنا الثقافية المحلية الأكثر إدراكا وعمقا. بالتأكيد ليست هناك وصفة جاهزة. بل اعتقدها وصفات لا تعد, لكنها في محصلتها النهائية تتجمع لتشكل ثقافة تشكيلية متنوعة المصادر, ملمة بعدة وحجم الحراك التشكيلي الأوسع و شساعة منطقته(التي نحن جزء منها, كما بقية شعوب العالم), دون إغفال الخوض في متاهة مراوغة وزوغان أفعاله التشكيلية. عدة يجب أن تنتبه لها المؤسسات التعليمية التشكيلية أولا, والمؤسسات الثقافية الرسمية.
أعتقد بان التشكيل العراقي ومنذ الخمسينات لم يكن منفصلا, في بعض خيرة اعماله, عن بعض من النتاج التشكيلي الأوربي. ربما جاء متأخرا, ربما مقلا, ربما هي أعمال فردية. لكني اعتقد بأننا نستطيع أن ننعتها بنفس نعوت المدارس التشكيلية الأوربية. وهي فعلا بعض من نتاجهم, بسبب من التحصيل الدراسي الفني الأوربي. لكن, بماذا يمكننا أن ننعت الكثير الكثير من نتاجنا الحالي. وأعتقد أنني لا استثني غالبية المغتربين الذين يعيشون ويتنفسون الثقافة الغربية. لا يكفي أن تتنقل عبر خطوط الجغرافيا, لتدرك ماذا يحدث في عالم التشكيل, وماذا تريد أو تستطيع أن تفعله. فالعمل التشكيلي حمال أوجه. وجه للتقنية, وجه للثقافة, وجه للإدراك, وجه باطني, وجه ظاهري. وهكذا لأكثر من ذلك. إذا هي لعبة حياة موازية, على الفنان أن يلعبها بمهارة لا تخلو من هاجسها الزمني. ليس للوهم من نصيب فيها. لكن يبقى السؤال عالقا, ربما موقتا, ربما لا ادري إلى أين أو متى, ماذا نفعل نحن التشكيليون العراقيون. بمن(أدواتنا) ولمن. أليست حسابات الزمن قاسية. الم يحن أوان إدراكها. قبل أن يدركنا أوان تجاوزها.
31- 10-2015