الاثنين، 27 يوليو 2015

قصة من المغرب العربي-هشام ناجح

قصة من المغرب العربي
في انتظار الحكم الأخير
هشام ناجح




السائح الألماني إيمانويل غندبرغ لم يكن يعلم أن نهاية رحلته لإفريقيا ستنقضي في جنوب السودان. الثقب الصغير في أنبوب الزيت لا يدعو للقلق. الشمس تبسط خيوطها الأولى اللاذعة على ضفة النيل الأبيض كأنها غطاء الجحيم، فلا مفر منها إلا الغابة الكثيفة الخضراء التي تترامى على مد البصر. تتناهى إلى سمعه أصوات مرعبة كأصوات الشياطين التي تسكن الأغوار السحيقة. تقترب الحمحمات مليا لم تكن المفاجأة سارة، تحيط به مجموعة من الشباب الأقوياء المفعمين بروح نياكانق التي تحرس قبائل الشلك وتبارك حياتهم .
الرث كورفافيتي سيتوج ملكا هذه الأيام ، الكل منهمك في إعداد العاج المقدس وخياطة كساء جلود الغزلان النادرة وصنع حراب القداسة من اللجين الخالص. لم يكن إحضار "العنبح" بالأمر الهين إنه أمر ملح لتزيين الرث، سيجوبون النيل بقوارب جديدة للبحث عنه .
يرنو غندبرغ بعينيه إلى السماء. الحبل الغليظ يؤلم جسده المشدود إلى شجرة القداسة. يبدو أن المستشار الألماني لم يحرك ساكنا أو ربما لم يسمع بهذا القطر الخالي من قبل، هكذا تغلي الأفكار في رأسه. لسعات الذباب تجعله يئن في صمت لكي لا يثير حقد الآخرين. الاجاياء الأفاضل يرمقونه بنظرة جبارة قد يحددون مصيره لكن مراسيم التتويج تلهيهم عن ذلك. القوة والبسطة في الجمال والفضيلة كلها من دواعي الاختيار الصائب للملك. لا زالت روح نياكانق ترشدهم لاختيار العروس البكر التي ستسعد كورفافيتي. قد يعجز عن محق شواظ الشمس كما فعل الجد نياكانق عندما أجبرها على الخنوع، فكانت بردا وسلاما برشة واحدة من حزمة الأرز البري المليئة بمياه النيل العظيم. يطرق كورفافيتي طابعا على شفتيه ابتسامة باردة فيحدث نفسه:
" إن الفضيلة والقوة تسمو بالروح إنني الملك الثالث والثلاثون الذي سيجنب قبائل الشلك مشقة السفر في الروح، فانعم يا نياكانق بالسعادة الأبدية. يا لك من إنسان إله "
تقترب منه الفتاة الأرورو محاولة إغراءه بحركاتها الجذابة وقوامها الممشوق كسمك البوري الذي ينط فوق ماء النهر وقت الغروب، لكن البيعة على الوفاء والفضيلة تمنعه من تقفي أثرها، فيعدل عن هذه الرغبة الزائفة.
تستمر الرقصات. يتناثر الغبار في شتى الوجهات راسما خيوطا تبتلعها أشعة الشمس. يحمحمون بحلوقهم كأنهم قبيل من الجان يفضي إلى منابع الروح المبهمة.
يرنو غندبرغ بعينيه منتظرا الحكم النهائي للاجاياء .



اليونسكو يكرم قامة فكرية شامخة في الفكر الإسلامي -


اليونسكو يكرم قامة فكرية شامخة في الفكر الإسلامي
أركون منتج الأسئلة المحرّضة على قراءة حديثة للنص الديني


بمناسبة جائزة اليونسكو للثقافة العربية، تخصص المؤسسة المذكورة، الجمعة، تكريما لأحد رؤسائها السابقين، والذي أتى بمنهجيته في قراءة النص الديني، عادة ما أثير حولها الكثير من اللغط.الأمر يتعلق بالمفكر الجزائري الأصل والذي اختار أن يدفن عند رحيله، قبل مدة، في العاصمة الاقتصادية للمغرب الدار البيضاء.
 بوعلام غبشي

يقول المثقف الجزائري ع الكريم حاج مهدي عن هذا الاسم، اللامع في عالم الفكر الإسلامي الحديث، في حوار خاص بإيلاف، إن أركون ظل يدعو إلى "الحوار بين الثقافات، على سعة أفق وشمولية وتنوُّر..." و أضاف "يتمثَّل مشروعُه الفكري الرصين في إنتاج ثقافة الأسئلة، بمنأى عن كافة المسلَّمات الجاهزة، وصولاً إلى المسكوت عنه واللامفكَّر فيه في الثقافة العربية الإسلامية.
ويحرص أركون، بحسبه، "على كشف المعوقات الذهنية والعراقيل التاريخية والاجتماعية التي تعوق التقدم وتعرقله. يقضُّه سؤال العقل الإسلامي، في شرطيه المعرفي والتاريخي، وكيفية تجاوز الواقع الراهن لدخول معمعان الحداثة".
و اعتبر هذا الإعلامي الجزائري صاحب كتاب "نحو نقد العقل الإسلامي"، "طفرة تاريخية لم توظف في عالمنا العربي والاسلامي-للأسف- على الرغم من الثورة الفكرية التي دعا إليها في كتاباته، و أراد من خلالها تغيير المسكوت عنه في ثقافتنا بشكل عام".


أركون و التصالح مع الحداثة
ويستعير حاج مهدي تفسير أركون في فهم حاضر الشعوب الإسلامية، و ذلك بالقول، " لكي نخرج من أزمتنا ومأزقنا التاريخ.. لابد من مرحلة تنوير تضيء تراثنا الديني بمناهج حديثة من أجل التصالح مع الحداثة الكونية..."
و أضاف "لكن مشكلة النزعة الإنسانية في الفكر العربي.. قديمه وحديثه.. هي هذا الهجوم الشديد الذي يلاقيه من يحاول مسّ المسألة بعمق أو حتى سطحيا.. "
و في السياق نفسه يتابع "فقد تعرض طه حسين حديثا لهجوم أخذ به الرجل ولم يترك حتى تراجع.. أو ادعى التراجع.. تفاديا لعواقب تنتظر كل من يحاول خلخلة هذا الثقل الفوق إنساني في الثقافة العربية.. وربما يكون الأمل هو في تلك القوانين التي تحكم اتجاه حركة التاريخ.. تتوقع بها النتائج طبقا لمقدمات مشابهة حدثت من قبل."
ليصل حاج مهدي "إلى أن أركون أشار إلى أن المسيحية الأوروبية هي وحدها التي اجتهدت للتصالح مع الحداثة علما بأن ذلك حدث مؤخرا. لأنها في البداية عارضت الحداثة والأنسنة. وكانت توجد في أوروبا أصولية مخيفة أعاقت النهضة كثيرا قبل أن تنهزم أمامها..."

المجتمعات العربية و القطيعة
يستدل ع الكريم حاج مهدي بالمفكر السوري هاشم صالح، مترجم وشارح أعمال أركون، لكي يؤكد أن أركون شغل موقع "الوسيط بين ثقافتين، بل فكرين مختلفين حتى لا نقول إن هناك صدامات في فهم كل فكر على حدة لشدة التعارض بينهما، إلا أن أركون عمل على أن يكون وسيطا ومقربا فكريا لكل من المفاهيم التي كانت تشير إلي صراع ضمني داخل الفكر الواحد..."
و يوضح، خريج معهد الفلسفة و العلوم الاجتماعية في الجزائر، "أن المجتمعات العربية تعاني قطيعتين لا قطيعة واحدة. الأولى، مع تلك الفترة المبدعة من تراثها الإسلامي والتي بدأت بسيطرة السلاجقة على الحكم (بداية القرن الحادي عشر ميلادية) حيث انتشر الفكر المدرساني (الإجتراري / التكراري) القائم على نشر مذهب واحد وإغلاق الباب أمام الأفكار الحرة، والاجتهادات التي أسست لفكر إنساني إسلامي (حداثي في وقته) وفيه تصالح مع العقل."
و يستطرد حاج مهدي "تعاني المجتمعات العربية والإسلامية أيضا من قطيعة مع عصر النهضة الأوربية والحداثة.ويذهب البعض أيضا إلى إضافة قطيعة ثالثة، وهي القطيعة مع مرحلة ما بعد الحداثة الأوروبية. لذلك تبدو مشكلة المثقف العربي (الطامح في التغير) في غاية التعقيد..."
و يرى أركون، يقول حاج مهدي، "أن الإصلاح الآن غير ممكن باستعمال الوسائل الفكرية القديمة.وأن على حركة التنوير الإسلامية المنتظرة أن تجيب على سؤال محير: هل نحتاج إلى إصلاح المفاهيم القديمة، أم أن الحلّ يكون بالقطيعة معها".
 فأركون، يوضح الحاج مهدي، يقول إن "المسيحية الأوروبية أجبرت، ودائماً بعد مقاومات عنيدة وتأخر زمني، على هضم مكتسبات الحداثة العلمية والفلسفية والقبول بها. ولكن ليست هذه هي حالة الاسلام، ولا اليهودية، ولا المسيحية الشرقية الأرثوذكسية التي لم تشهد مجتمعاتها الخطة العلمية والفلسفية نفسها التي شهدتها مجتمعات أوروبا الغربية بدءاً من القرن السادس عشر".

أركون و منتقدوه
يفسر الإعلامي الجزائري بلسان أركون نفسه، الانتقادات التي يتعرضون لها من الرافضين لأفكاره، بكون "المعركة قديمة جديدة. والأزمة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ العربي ـ الإسلامي. ومثلما أن ابن قتيبة كان يهاجم «العلوم الدخيلة» في وقته (أي الفلسفة اليونانية)، فإن أصوليي اليوم يهاجمون «الغزو الفكري» للغرب..."
و يستطرد في السياق ذاته أنه "على هذا المستوى من العمق ينبغي أن تموضع المشكلة لكي نفهمها على حقيقتها. وبالتالي فلا تكفي التحليلات السطحية السريعة لتقرير التنمية الإنسانية في العالم العربي بمواجهة الوضع المستفحل خطورة. فالمرض أكثر عمقاً وتجذراً مما يظنون..."
محمد أركون لم يدع يوما، بحسب المنافحين عن فكره، إلى القضاء على الدين، و إنما حملت أعماله رؤية حداثية لأي إمكانية في استقراء وضع المسلمين، وعبر عن ذلك في أكثر من مناسبة.
وهذا حصل "في ندوة نظمت  في جامعة السربون في باريس عام 2007 دعا فيها، يقول حاج مهدي، صراحة، إلى ضرورة أن يعود المسلمون إلى إعادة قراءة تاريخ علاقاتهم بأوروبا وتطوير مناهجهم الدراسية " للحاق بركب الحضارة الذي فاتهم".
في هذه المحاضرة التي ألقاها أركون، يفيد حاج المهدي، وكانت تحت عنوان " نقد العلاقة بين أوروبا والإسلام والعالم العربي "، قال أركون "لقد تخلينا عن الحداثة ونرفض الحداثة وأوصدنا في وجهها الباب بحجة الدفاع عن معتقداتنا وهويتنا..."
كما تحسر أركون على "التفريط في نصوص الحداثة ودعا إلى انفتاح الجامعات على تدريس ودراسة التاريخ المقارن لعلم اللاهوت "، وتساءل في هذا الإطار، "ماذا حدث لمقدمة ابن خلدون وهل قرأها المؤرخون وهل درّسوها لتلاميذهم....أعتقد انها دفنت كما دفن ابن رشد..."

أركون و الآخر
و أشار الكاتب والإعلامي الجزائري، في الوقت نفسه، إلى "أن محمد أركون إلى جانب المفكرين التونسي هشام جعيط والمغربي محمد العابد الجابري من أبرز دعاة تحديث الخطاب الديني، وكثيرا ما تثير مؤلفاتهم الجريئة جدلا كبيرا في العالم الاسلامي، وهذا راجع إلى ما قلته...".
و قال حاج مهدي إنه "كثيرا ما تحدث أركون عن المستقبل بين الفضاء المغاربي والاوروبي"، و نسب إلى المفكر الراحل قوله، "علينا أولا أن نقيم بشكل علمي ما حدث في الفضاء الاوروبي ".
و يعتبر أركون، يقول الكاتب و الإعلامي الجزائري "بناء الاتحاد الاوروبي حدث فكري سياسي يعادل ظهور عصر الأنوار في القرن الثامن عشر، لأن بناء الاتحاد الاوروبي يعني الانفصال عن الدولة الأمة بعد أن قرروا أن يجعلوا كامل المنطقة الأوروبية فضاء مفتوحا للمواطنة ".
وفي المقابل ظل يتساءل المفكر العربي لما "أمام هذه الثورة الفكرية والإنسانية في أوروبا، ما زلنا نحن ننظر لما حصل وكأنه أمر لا يعنينا ولم نستخلص أي عبرة منه، و يخلص في الغالب، يضيف مهدي، إلى القول " نحن في المنطقة المغاربية وجب علينا أن نسأل أنفسنا لماذا فشلنا في بناء الاتحاد المغاربي".

أركون يحمّل المسؤولية للمتعلمين و النخبة
و لم يخف أركون مسؤولية المتعلمين و النخبة في وضع المسلمين، كما يؤكد الكاتب الجزائري ع الكريم حاج مهدي "لأن المفكر أركون كان يهدف إلى بناء "إسلاميات تطبيقية" و ذلك بمحاولة تطبيق المنهجيات العلمية على القرآن الكريم..."
و من ضمنها، يضيف حاج مهدي، "تلك التي طبقت على النصوص المسيحية، وهي التي أخضعت النص الديني لمحك النقد التاريخي المقارن و التحليل الألسني التفكيكي و للتأمل الفلسفي المتعلق بإنتاج المعنى و توسعاته و تحولاته". وقال في الإطار نفسه "لقد طرح أركون هذا المشروع في الدراسات الإسلامية لكي يهتم به الباحثون العرب و المسلمون عموما، لاسيما و هو مشروع متصل بالبحوث في النص الديني بصفة عامة.
ويعتبر حاج مهدي هكذا مشروع أنه "مبني بالأساس على التعرف إلى الظاهرة الدينية حتى تحل في أفق أوسع من الأفق الإسلامي. ولاسيما أنه يتم الاكتفاء بالنظر إلى تاريخ الإسلام كدين، كإطار فكري دون مراعاة ما حدث و ما يحدث في الأديان الأخرى".
و يفصل أكثر حاج مهدي هذه المسألة بكون "مشروع أركون يفتح بابا أوسع لتاريخ الأديان إذا انطلقنا من القرآن و من منطقه الذي يطرح قضية تاريخ النجاة، أي كيف نعيش حياتنا كمؤمنين متلقين كلام الله تعالى حتى نطبقه في حياتنا قصد النجاة من العذاب..."
و يوضح أكثر "أن فكرة النجاة موجودة في التوراة مع موسى والأنبياء الذين ذكرهم القرآن.و هذا يدعونا إلى الاهتمام بالتاريخ الروحاني الذي يختلف عن التاريخ السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي.و التاريخ الروحاني يتعلق بوجوب كلام الله على البشر".
و في السياق نفسه يتابع، "يؤكد محمد أركون أن المسلمين مازالوا لم يمارسوا بعد تاريخ الأديان، لأنه غير موجود لديهم.كما يشير إلى أن ما كتبه الشهرستاني عن الملل و النحل، و ما كتبه ابن حزم كذلك، تخلى و أعرض عنه المسلمون، إذ ركزوا كثيرا على ما ورد في تاريخ الإسلام أكثر مما ركزوا على ما ورد في القرآن نفسه".
و يستطرد "فهناك، حسب أركون، فرق بين القرآن الذي هو كلام الله و نزل إلى الجميع و ما قام به الفقهاء المسلمون من جهد نعتمد عليه لفهم الإسلام، و هو بطبيعة الحال فهم متغير الظروف التاريخية و الظروف الثقافية في المجتمع و خاضع أيضا للقوة السياسية العاملة في المجتمع".
و يخلص الكاتب و الإعلامي الجزائري إلى أن "محمد أركون ركز على ضرورة تفهم القرآن-كلام الله- و الذي يفتح للبشر – وللمؤمنين بالخصوص- آفاقا للتدبر والتفكر و التفقه و التعقل. فكم من مرة تكررت "أفلا تتدبرون" و "أفلا تعقلون" في القرآن الكريم؟ لكن هذا النوع من التفكير المتوسع تم تهميشه و ضيقت مجالاته".


الاسباني خوان غويتيسولو: القاهرة والاستهلاك والمتصوفة -

الاسباني خوان غويتيسولو: القاهرة والاستهلاك والمتصوفة



      بعيدا عن الرؤية الاستشراقية ينتقد الكاتب الاسباني خوان غويتيسولو المسلسلات التلفزيونية المصرية متهما اياها بتخدير "ذكاء وحساسية الشعوب العربية" وتغذية خيال الفقراء والمتسولين في القاهرة بالحلم بحياة أفضل حين يشاهدون الشقق الواسعة والفراش الوثير. وفي جولته ببعض الاحياء الشعبية في القاهرة الفاطمية حيث تنتشر ورش صناعة الاثاث يكتشف تكرار النموذج الاستهلاكي لشكل قطع الاثاث وهي "تلفزيونية من الدرجة الاولى" ولكنها تلبي حاجة نفسية لدى قطاع كبير من "المستفيدين من الانفتاح الاقتصادي المتوحش في عهد (الرئيس الاسبق أنور) السادت." ويصف مدينة القاهرة في كتابه (مقاربات لجاودي في كبادوكيا) بأنها مفرطة وقاسية رثة ورائعة "تنحل كي تعلو" ثم يعود الى ما يسميه تشخيص حال المدينة سياسيا كما سجله الرحالة المغربي الاشهر شمس الدين محمد بن عبد الله الطنجي المعروف بابن بطوطة قبل نحو 700 عام اذ قال "يستبد العسكر والشعب يئن تحت وطأة الحكم ولا يهتم الاقوياء بذلك والعجلة تدور." ويعلق غويتيسولو متسائلا.. أيوجد شكل أفضل لتلخيص تاريخ المدينة في الخمسين سنة الاخيرة؟
وكبادوكيا في عنوان الكتاب هي منطقة في تركيا أما جاودي فهو معماري اسباني (1852- 1926) والترجمة العربية للكتاب صدرت في 165 صفحة كبيرة القطع عن المركز القومي للترجمة بالقاهرة. وترجمت الكتاب أستاذة الادب الاسباني بجامعة حلوان هيام عباس محمد. ويحظى غويتيسولو الذي يعيش في مدينة مراكش المغربية باحترام الاوساط الثقافية العالمية والعربية بسبب مواقفه المناهضة للدكتاتوريات منذ عارض نظام الجنرال فرانكو في اسبانيا وأعلن العام الماضي رفضه جائزة القذافي العالمية للاداب في دورتها الاولى 2010 قبل الاعلان عن منحها له.
وفي مقدمة الكتاب قالت أستاذة الادب الاسباني بجامعة عين شمس نادية جمال الدين التي راجعت الترجمة ان الهم الاكبر لغويتيسولو الذي يكتب الرواية والقصة وأدب الرحلات والمقال هو اقامة الصلات بين الحضارات. وأضافت "منح النفي لابداع غويتيسولو عالمية وحرره من المحدودية الظرفية... التجارب السابقة لغويتيسولو جعلته.. انسانيا عالميا بلا جنسية ولا وطن كما يذكر في روايته لسيرته الذاتية.. "لكوني اسبانيا في كتالونيا ومتفرنسا في اسبانيا واسبانيا في فرنسا ولاتينيا في أمريكا ونصرانيا في المغرب وعربيا في كل الامكنة لن أطيل في العودة نتيجة ترحالي وسفري الى ذلك النموذج الفريد لكاتب غير مطارد من أحد. غريب وعاص ومعرض عن التجمعات والطبقات ... أن أكون خارج أسوار أيديولوجيات أو نظم أو كيانات مجردة اتسمت دائما بالانكفاء على الذات والتقوقع." وصدرت الترجمة بمناسبة زيارة غويتيسولو للقاهرة حيث يتحدث مساء يوم الخميس في ندوة تقام بالمجلس الاعلى للثقافة بالتعاون مع السفارة الاسبانية في القاهرة ضمن احتفالات المركز الثقافي الاسباني (معهد سربانتيس) بمرور 20 عاما على تأسيسه.
ويضم الكتاب مقالات يسعى فيها المؤلف الى الاقتراب من فضاءات حضارية وتقاليد ومشاهد تراثية وفنية اسلامية. فعلى سبيل المثال يتناول في فصل عن الدراويش اثار مولانا جلال الدين الرومي مشيدا بما يسميه "السحر الخالد للاناشيد الصوفية" وفي القلب منها أعمال الرومي. ويقول ان أعمال الرومي "متعددة ومعقدة فقارئ اليوم كما يؤكد المفسرون والشارحون لهذه الاعمال لا يملك الا أن يندهش أمام بعض حالات التجليات الغيبية لمولانا التي سمحت له أن يتنبأ قبل كوبرنيكوس (1473-1543) والاكتشافات الحديثة الفيزيائية والفلكية بانجذاب الشمس لكوكب الارض ومعرفة عدد كواكب نظامنا الشمسي أو أن داخل كل ذرة تتكرر بصور أصغر المجموعة الكونية. فالدوران الثمل للدراويش ما هو الا الدورة السريعة جدا والدائمة للنجوم التسعة." ويورد نصا للرومي يقول فيه "أيها اليوم أقبل. الذرات ترقص-والارواح الغارقة في النشوة ترقص- سأقول لك عند سمعك الى أين سيأخذك السماع-كل الذرات في الهواء وفي الصحراء- أعلم جيدا أنها تبدو مجنونة-كل ذرة بائسة أو سعيدة- تقع في حب الشمس. في الحقيقة شيء لا يمكن التعبير عنه.


الثقافة والفنّ في منطقة الخليج العربي:نهاية عصر التسامح- شارلوتة بانك ترجمة: رائد الباش



الثقافة والفنّ في منطقة الخليج العربي:نهاية عصر التسامح

 
شارلوتة بانك
ترجمة: رائد الباش

تمكَّنت دولة الإمارات العربية المتَّحدة في الأعوام الماضية من تحقيق عدد من المشاريع الفنِّية والثقافية المرموقة. ولكن على الرغم من ذلك ازدادت في الفترة الأخيرة الجدالات حول الحرية الأكاديمية والفنِّية في البلاد. شارلوتة بانك تسلِّط الضوء على هذه الإشكالية.

تقوم دول الخليج العربي منذ عدة أعوام بحملة إعادة تصنيف مكلفة، تسعى من خلالها إلى تعزيز موقعها كمركز للثقافة والفنون والعلوم، حيث افتتحت بعض الجامعات العالمية الرائدة مثل جامعة نيويورك وباريس الرابعة (السوربون) فروعًا لها في أبو ظبي، كما تخطِّط بعض المتاحف المشهورة مثل متحفي اللوفر وغوغنهايم إقامة فروع لها هناك. كذلك أصبح معرض آرت دبي الفنِّي نقطة جذب والتقاء للفنَّانين وأصحاب صالات العرض والخبراء في مجال الفنّ ليس فقط من منطقة الخليج، بل أيضًا من أوروبا والولايات المتَّحدة الأمريكية وجنوب آسيا وأستراليا. كما تقيم إمارة الشارقة كلّ عامين معرضًا دوليًا للفنون. وكلّ هذا ينسجم مع صورة مناخ مفتوح لتبادل ثقافي عالمي على المستوى الرفيع. لكن مع ذلك تظهر الآن في هذا المشهد بعض الشقوق، ويمكننا أن نتساءل عما إذا كان من الممكن على الإطلاق خلق مثل هذه الفضاءات للفكر الحرّ والفنّ في دولة محافظة ذات حكم مطلق مثل دولة الإمارات العربية المتَّحدة.
استغلال وحضارة

وفي بداية شهر آذار/مارس وضع فنَّانان عربيان مشهوران، الفنَّانة الفلسطينية إميلي جاسر واللبناني وليد رعد، عريضة على الإنترنت للاحتجاج على ظروف العمل المزرية التي يعاني منها عمَّال البناء في مشروع بناء متحف غوغنهايم. وبحسب تقرير صادر عن منظمة مراقبة حقوق الإنسان غير الحكومية فإنَّ هؤلاء العمال يتقاضون أجورًا بخيسة للغاية وكثيرًا ما يقومون بأعمال جسدية صعبة طيلة إثنتي عشرة ساعة يوميًا في درجات حرارة مرتفعة تصل حتى ثمانية وثلاثين درجة مئوية. وعلاوة على ذلك يحتفظ أرباب العمل بجوازات سفرهم وكذلك برسوم التشغيل التي عادة ما تكون باهظة، بحيث يبدو هذا العمل أشبه بعمل السخرة. وقد وقَّع على عريضة الاحتجاج هذه عدد من الفنَّانين والقيِّمين العالميين، الذين هدَّدوا بمقاطعة المتحف في المستقبل إذا لم يتغيَّر أي شيء في ظروف العمل.
فرض الرقابة على الفنون والعلوم

أكثر من 130 فنانًا عالميًا يهدّدون بمقاطعة فرع متحف غوغنهايم في الإمارات العربية المتَّحدة. نشرت منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان "هيومن رايتس ووتش" بيانًا للفنانين يطالبون فيه بحماية أفضل للعمال المشاركين في بناء المتحف.
وفي العاشر من شهر نيسان/أبريل تم إلقاء القبض على الخبير الاقتصادي، الدكتور ناصر بن غيث الذي يعمل استاذًا محاضرًا للاقتصاد الدولي في جامعة السوربون في أبو ظبي وتم نقله إلى مكان مجهول من دون إصدار بيان عن أسباب اعتقاله. والدكتور بن غيث طالب عدة مرَّات بإجراء إصلاحات سياسية وإجراء انتخابات حرة. وبالإضافة إلى ذلك أدَّت إقالة مدير بينالي الشارقة، جاك برسكيان في السادس من شهر نيسان/أبريل وبطلب مباشر من حاكم إمارة الشارقة، الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، إلى إثارة كثير من الجدل الاهتمام.
ومنذ عام 2005 عمل برسكيان مديرًا لهذا البينالي الذي أصبح في عهد إدارته واحدًا من أبرز مراكز المشهد الفنِّي في المنطقة وجذب العديد من الفنَّانين والزوَّار العالميين. وذُكر أنَّه تمة إقالة المدير لأنَّ أحد الأعمال الفنِّية التي عرضها أثار غضب الجماهير. وفيما بعد أزيل من المعرض هذا العمل الفني الخاص بالفنَّان والكاتب الجزائري مصطفى بن فضيل. وعلى إثر ذلك قامت مجموعة من الفنَّانين والكتَّاب والقيِّمين العالميين بكتابة بيانات وبتنظيم عريضة على الإنترنت انتقدوا فيها طريقة إقالة برسكيان وانعدام الشفافية في هذا الإجراء. وذكروا في الوقت نفسه أنَّ مثل هذه الأحداث يمكن أن تضرّ بسمعة الشارقة، لأنَّ ذلك يمكن أن يبيِّن للعالم أنَّ حرية العمل الفنِّي يمكن أن تكون مستحيلة في هذه الإمارة.
الفنّ الحرّ في بيئة مقيَّدة؟
ونظرًا إلى هذه الأحداث فمن المدهش أن تكون تجربة هذا البينالي الفنّي الحرّ والناقد قد استمرَّت طيلة هذه الفترة وبنجاح في دولة محافظة إلى هذه الدرجة وذات حكم مطلق مثل إمارة الشارقة. ولكن على الأرجح أنَّ الفنَّانين والقيِّمين كانوا يمارسون حتى الآن وبصمت أيضًا رقابة ذاتية، للتمكّن على الإطلاق من العمل في هذه البيئة.
وفي هذا الصدد تكشف تصريحات جاك برسكيان عن الكثير، ففي البداية اندهش من إقالته ثم انتقل إلى النقد الذاتي. وقال إنَّه "لم يقم بفحص الأعمال المعروضة فحصًا دقيقًا بما في الكفاية". وحتى أنَّه نأى بنفسه عن بيانات التضامن الكثيرة والعريضة المذكورة. كما أنَّ المدير السابق لبينالي الشارقة لم يقل أي كلمة للدفاع عن أعمال الفنَّان مصطفى بن فضيل التي خضعت للرقابة أو عن حقِّه في الحرية الفنِّية. وعلى ما يبدو لم يكن برسكيان راضيًا عن نفسه، وذلك لأنَّه لم يكن دقيقًا بما فيه الكفاية في ممارسته الرقابته الذاتية. ومن الواضح أنَّه غير قلق على حرّية الفنون في الإمارات العربية المتَّحدة.
سوء استخدام الفنّ
وهكذ لا عجب من أنَّ الفنَّان مصطفى بن فضيل - الذي كان عمله "Maportaliche/It Has No Importance" سببًا لهذا الخلاف، قد أعرب عن خيبة أمله في انعدام تضامن مدير البينالي معه. وعمله هذا تركيب يعالج المبرَّرات الدينية التي كانت تدَّعيها الجماعة الإسلامية المسلحة GIA لتبرير الفظائع التي كانت تقترفها في التسعينيات. وفي هذا العمل يقتبس بن فضيل من أحد أعماله الأدبية مونولوج تحكي فيه شابة في حالة هذيان عن اغتصابها من قبل بعض الإسلامويين. وفي هذا العمل تبدو اللغة قاسية، لكنها تعكس واقع الأعمال الوحشية التي يتحدَّث عنها. يشكِّل فرض الرقابة على هذا العمل الفنِّي فضيحة، وكذلك يطرح السؤال عما إذا كانت الحرّية الفنِّية تتوافق على الإطلاق مع الأنظمة المستبدة.
فالفنّ المعاصر يكون في بعض الأحيان مزعجًا ومثيرًا. ولكن الفنّ لا يمكن أن يزدهر في مناخ يشعر فيه الفنَّانون والمبدعون بأنَّهم ملزمون بفرض الرقابة الذاتية على أنفسهم. والفنّ لا يعتبر وسيلة مناسبة للعناية المجرَّدة بصورة البلاد أو من أجل تشجيع السياحة الفاخرة. وربما يكمن هنا أكبر سوء فهم لدى حكام الخليج.

الأحد، 26 يوليو 2015

سَئفتُ ولم أصبأ على صفحة جريدة بغداد


حياتي التي أتخيلها ...- نعيم عبد مهلهل


حياتي التي أتخيلها ...

 نعيم عبد مهلهل

    أتخيل حياتي التي ذهبت كما غيمة شاخت وناحت وهامت على عشب الذكريات تطرز للشيب دمع التوجع في ابتعاد البلاد ، وحزن العباد ، وأشياء أخرى يسميها مالك ابن الريب : صعلكة العولمة وشخير الدبابات والورد الذي يرتدي الشورت القصير ويكتب بلاتينية قديمة أبيات الابوذية وخطابات لينين...
في اللغة أعذب الكلام ما ينطقه القلب لا اللسان. لم أجد في لساني اليوم عذوبة النطق وقد فارقت الضاد بحكم القوي وهاجرت إلى قاموس غوته أفتش فيه عن جملة أدبر فيها حالي أمام الجميلة موظفة دائرة الهجرة ، فيما قلبي خفت خفقان الحلم فيه بعدما ابتعدت أصابع الشوق عن ملامسة خد الموجة ودمعة العصفور ورصيف الشارع وفرن الصمون الحجري ..ما تلامسه هنا ..هو المطر اليومي وعجائز بمظلات مزركشة ، وفرقة نغماتها مصنوعة من أزمنة الفاينكغ وليس فيها شيئ من بهجة خريف الفوانيس ومواسم حصاد القمح ونواح شهداء الحروب وشاي المقهى ...
بقيت تلك الأساطير عند من ظلوا هناك يلوكون حسرة لم الشمل وعودة شاشات السينمات الصيفية والكتب المستعارة من المكتبة العامة ، هذا البقاء الذي وفر لهم مساحة قليلة من الأمل بأن يعاش العمر كما تريده أفئدة القلوب لا كما تريده الفلسفات الفجة التي تعقد بأن كاتم الصوت والخنجر الغادر والعودة إلى داحس والغبراء هما الحل الأمثل لصناعة مملكة تعدد الزوجات والولاية والوصاية وماعون الثريد.
أولئك الذين تركتهم هناك ، الصديق والعشيقة وعابر السبيل وزميل الدائرة ومؤذن الجامع وشرطي المرور وبائعة القيمر والقهوجي وعضو قيادة الفرقة السابق وسائس عربة الخيل وبائع الصحف اليومية  يعيشون أزمنتهم بقدر مركب ومرتبك نتاج ما نسميه في التداول اليومي ( سقوط النظام ) ويعني هذا انهيار الحكم السابق ومجيء المحتل ومعه الساسة الجدد الذين بشر بهم رامسفيلد ونتمنى أن لايبشروا به ، لأنه كما نابليون جاء بمعادلة الرياضيات ولكن عن طريق حربة البندقية ، ولهذا تاه هؤلاء الطيبون بين القبول والرفض وساعات القطع المبرمج الذي يعانون منه من تسعينـات القرن الماضي وحتى الساعة. وفي كلتا الحالتين فالمتمنى لن يأتي كما المشتهى ، الذي يجيئنا دائماً ما كان يجيء قبلنا لأهل سومر وبابل وآشور ، واغلبه خيول لغزاة وحكام طغاة وشيئ من خيال جنائن معلقة وأماسٍ لربيع قصير كتبنا فيه الأساطير وقصائد الشعر الشعبي وبعضا من دواوين الشعر الحر وأغنيات الريف ، وغير هذا فنحن مسحورون بالهاجس الصعب والذي فيه اكتشفنا الكلمة وبسببها دفعنا الثمن غالياً منذ احتراق أور وحتى احتلال بغداد...!


السبت، 25 يوليو 2015

حبيبة العلوي: "الثقافة الجزائرية بحاجة إلى تنشيط يبعدها عن الدهاليز"-حاورها كامل الشيرازي



حبيبة العلوي: "الثقافة الجزائرية بحاجة إلى تنشيط يبعدها عن الدهاليز"


حاورها كامل الشيرازي


 تؤكد المثقفة والأكاديمية الجزائرية البارزة "حبيبة العلوي" حاجة الثقافة في بلادها إلى تنشيط وإضافات نوعية تبعدها عن الدهاليز الرسمية وشكليات المهرجاناتية والكرنفالية.
وفي حديث خاص بـ"إيلاف"، تقول عرّابة مبادرة "حوار في الثقافة الجزائرية"، أنّ النشر بنوعيه الورقي والالكتروني صارا توأمين سياميين، لا يمكن فصلهما أو تهميش أحدهما لحساب الآخر.
• أطلقتم مبادرة "حوار في الثقافة الجزائرية" في محاولة لتغيير راهن المشهد المحلي، كيف يمكن بناء ثقافة نابضة في ظلّ الهزال الذي يعتري البلد؟
- لا يمكن لهذه الخطوة أن تفعّل أي حراك ثقافي من شأنه أن يسهم في بناء ثقافة جزائريّة نابضة، إن لم يلتف حولها فاعلون حقيقيّون يؤمنون بفكرة التطوّع الثقافي كفرض عين وحالة يقتضيها واقع ثقافي جزائري هزيل كما تفضلتكم.
فريق "حوار في الثقافة الجزائريّة" وليد حاجة ماسّة إلى منطق جديد من التنشيط الثقافي البعيد عن دهاليز المؤسسة الثقافيّة الرسميّة.
         أطلِقت هذه المبادرة قبل عام في شكل فريق على شبكة التواصل الاجتماعيّة "فايسبوك"، أيامها لم يكن للأخير كل هذه الشهرة العربية التي اغتنمها من ثورات الشعوب وسقوط الأنظمة الهرمة، لكني كنت مؤمنة بأنّ لهذه الشبكة الخطيرة دور حاسم في التواصل العربي خاصّة؛ نظرا لافتقار العرب إلى وسائل اتصال وإعلام مفتوحة وحرّة وغير موجّهة.
وكان نداءنا الأساس موجّه إلى كلّ مهتمّ بالثقافة الجزائريّة: راهنها، آفاقها، أزماتها، خصوصيّتها، وإلى كل منزعج من الركود الذي يعرفه المشهد الثقافي الجزائري، ومن حالة: اللاتواصل التي تجعل من النشاط الثقافي على قلّته في الجزائر، مبتورا من الجمهور، إذ لا يحضره عادة إلاّ بعض المنتمين إلى الوسط الثقافي الضيق من إعلاميين وبعض الوجوه المكرّرة.
نعيش حالة خطيرة من القطيعة بين الجمهور الواسع والفعالية الثقافية المبرمجة، فالجماهير لا تسمع عادة بمواعيد هذه النشاطات، وثمة نقص فادح في الإعلام والاشهار الثقافيين، اللذين يقحمان الجمهور في حالة ثقافيّة يوميّة تجعله يبرمج أيامه وأسابيعه وعطله بمنطق يجعل من الفسحة الثقافيّة مفردته اليوميّة تماما كالتسوّق أو ممارسة الرياضة، أو تتبّع المسلسلات التركيّة ومباريات الدوري الإسباني.
وعليه، "حوار في الثقافة الجزائرية" يسعى إلى تعويض هذا النقص بإرساء تقليد يجعل من كل عضو في الفريق إعلاميّا ينشر الخبر الثقافي الذي يصادفه في وسائل الإعلام ، في حيّه، في مدينته، في جامعته، في جمعيته... ليُعلم ويفيد كل الأعضاء، الذين بدورهم يمكنهم تمرير الأخبار في شكل من العدوى الثقافية.
كذلك، صفحة الفريق مفتوحة لكل النقاشات الثقافية التي تشغل بال الأعضاء بأي لغة يجيدونها سواء العربية أو الفرنسية أو الأمازيغية؛ ذلك أنّ الهدف الأساس لهذا الفريق هو نبذ الصراعات الوهميّة التي عطّلت الفعل الثقافي الجزائري لعهود والدفع به إلى انفتاح يسهّل طرح القضايا الأكثر إشكاليّة في الجزائر، للشروع في مساءلتها في شكل حوار مشترك هدفه النهائي الوصول إلى أجوبة ممكنة.
يتطلّع الفريق أيضا إلى الترويج للثقافة الجزائرية بكل تنوّعها وثرائها، هذه الثقافة التي تعيش في الواقع حالة من العزلة والحصار، فهي في النهاية ثقافة مجهولة على الصعيدين العربي والعالمي، بل ومتهمة في كثير من المناسبات بالفقر أو التبعيّة للمستعمر أو البدائيّة حتى؛ مثل هذه الأفكار المسبقة لم تكن لتجد مسوّغا لإطلاقها لولا حالة البؤس الترويجي للثقافة عندنا، إذ لا يكفي مطلقا أن نمثل ثقافة بلد في حجم الجزائر بمجموعة أسماء ووجوه نمطية مكرّرة وفي كثير من الأحيان مفروضة من جهات خارجيّة أصلا.
ينتظرنا عمل شاق اسمه: صناعة المشهد الثقافي، المشهد الذي يرضينا ونرتضي تمثيله لنا.
عليّ أن أعترف أن طموح هذا الفريق كبير ...وإمكاناته وطريقة اشتغاله تبقى متواضعة جدّا بالنظر لما يسعى إليه، ثم أن اعتماده في شكل أولي على الفايسبوك كوسيلة اتصال يبقى مثيرا للتساؤل:.هل علينا أن نحل كل مشاكلنا "الوجوديّة" بوسائل غيرنا؟! 
• لطالما نادى متابعون بإحياء الثقافة وابتعاث الحياة الإبداعية في الجزائر عبر ترسيخ صناعة ثقافية شاملة ومستدامة، إلى أي يمكن تجسيد هذا التصور؟
- يمكن جدًا تجسيد هذا الحلم المشترك بشرط انخراط جميع الفاعلين في هذا المشروع ، ولا يمكن أن يتسنّى للمؤسسة الثقافيّة الرسميّة أن تلبّي هذا المطمح، حتى وإن حرصت، طبعا السياسة الثقافيّة العامّة لها الدور الحاسم أو القاصم لأي مشهد وواقع ثقافي بأي بلد، لكن في النهاية إذا لم تتوحد جميع الجهود في سبيل خدمة تصورّ ما، فإنّ أي سياسة سيكون مآلها الكساد والفشل.
الثقافة فعل وممارسة يوميّة، تتعلق بكل فرد من المجتمع، عندما يقتنع ابن باب الوادي أو الحراش أو المدنيّة أو الكاليتوس أو الحمري أو السويقة وغير ها من أحياء الجزائر العميقة، بأنه معني تماما بالفعل الثقافي وصناعته مثله مثل أي مسؤول ثقافي بالبلد، هناك فقط يمكن أن نحرّك المشهد تحريكا حقيقيّا عاكسا لعمق الثقافة الجزائرية نابعا منها ونابضا بحقيقتها، متواصلا مع شارع يفترض أن يكون المعني الأول بأي حراك ثقافي.
أما إذا بقي الفعل الثقافي مقتصرا على خرائط طريق رسمية مهرجاناتيّة ومناسباتيّة في العادة، فسيبقى يعيش محنة العزلة والانغلاق والنمطية والركود، لأنه ببساطة لا يعتمد على مبدأ التواصل والحوار مع المجتمع، إنما يكتفي ويرتضي تواجدا ديكوراتيا هزيلا.
• هل هناك أزمة نخب في الجزائر، وما صحة انعزالها عن السياق العام؟
- لا توجد في الواقع أزمة نخبة في الجزائر، إنما الأزمة حسب تصوّري  تكمن في تصوّرنا وتحديدنا لماهيّة النخبة، عندما نعتبر جزافا أنّ مجموعة ما من "المثقفين" و"الإطارات" و"الجامعيين" تمثل نخبة بلد ما، من منطلق هشّ يستند بالأساس إلى انتماءاتها الأيديولوجيّة أو درجاتها العلميّة أو ترتيبها في السلم الوظيفي، دونما أدنى اعتبار لانتاجيّة تصل إلى واقع مجتمعها أو ابداعيّة تخدم هموم هذا الأخير وحاجاته، وحواريّة تعتمد لغة سلسة يمكنها بفعاليّة إيصال خطاب هذه النخبة إلى الشارع تماما كما تتمكّن من ترجمة خطاب هذا الشارع ونداءاته في لغة تصل إلى مراكز القرار.
مثل هذا النمط من النخبة لا أقول بانعدامه في الجزائر، إنما أنا على قناعة تامّة أنه مغيّب تماما ومنذ زمن بعيد، مغيبّ بتشتّته، ولأجل هذا يمكننا الجزم أنّ الجزائر لديها طاقات، لكن لم نتوصّل بعد إلى صناعة نخبة حقيقّيّة وفاعلة وذات سلطة، مادامت هذه الطاقات متناثرة بين المهاجر الخارجيّة والمنافي الداخليّة.
ربما الغربة التي تعانيها الطاقات الإبداعية الجزائريّة في الداخل هي أقسى من تلك الغربة التي تقهر الطاقات والأدمغة الجزائريّة المهجّرة، كلاهما في النهاية مهدور، الفرق الوحيد أنّ أحدهما يهدر إبداعه لصالح الآخر، والآخر ينحر إبداعه في داخله.
كيف نطالب نخبة غير موجودة بأن تلتحم بسياق لا يعترف بها أصلا، ولا تسعى إلى  التعرّف إليه، وهي مازالت تعيش قوقعة وتشرذم، أما عن عزلة "النخبة" المفروضة جزافا على مجتمع يبعد عنها بأميال من المحن، فذلك لسنا بالحاجة إلى إطناب الحديث فهي حالة جدّ مبرّرة ومنطقية !!
• هل هناك رفض من الشارع الجزائري لنوع معين من الثقافة؟  
- أعتقد أنّ الشارع الجزائري، من أصدق الشوارع العربيّة وأوضحها، هو شارع لا يجامل البتة وإن رفضك فإنّك تماما تستحق أن ترفض، من حيث أنّك لم تنجح في إقناعه بأنّك تمثّله ببساطة، لا يمكن أن نفرض على مجتمع ما نسق ثقافة تدّعي أنّها تشبهه وهي تعبّر بلغات لا يستسيغها ولا يقبلها ولا يتفاعل معها.
رجل الشارع اليوم يردّد كثير هذه الجملة:"واش من ثقافة عندنا..ثقافة الشطيح والرديح!!" (الرقص وهزّ البطون)، يمكننا أن نتأمل هذه الجملة بكلّ ما فيها من إقصاء وقسوة ووحشة.
في الوهلة الأولى قد يتهيأ لنا أنّ الجزائري لا يعتبر الرقص مثلا معطى ثقافيا، فهو يحتقر الثقافة التي تجعل الرقص مثلا صورة بالغة لها، لكن لو تأمّلنا مليّا في عميق هذا الخطاب نكتشف بأنّ لا علاقة له باحتقار الرقص قيميّا، إنما هو ردّ جد قاس على نسق من الثقافة يجعل من الكرنفاليّة المزمنة غطاء للفشل، بما أن الرقص في النهاية مفردة ليست ثقافيّة فقط وإنما حياتيّة مجتمعيّة يمارسها الجزائريون في مناسباتهم الأكثر حميميّة.
جمل قاسية كهذه لا تدلّ على رفض المبدأ وإنما رفض الطريقة، هو رفض إذن جدّ مبرّر و ذو بعد احتجاجي صارخ على سياسة ثقافيّة مائعة مهرجاناتية وجدّ سطحيّة لا ينظر إليها في الشارع المغلوب على أمره إلاّ على أنّها إهدار للمال العام الذي كان يمكن أن يطعمهم من جوع ويؤمّنهم من خوف!!!
هذا هو الالتباس الذي يتعيّن الاشتغال الجدّي على رفعه من مخيال الشارع، وهي مهمّة يفترض أن يتشاطر أعباؤها كلّ من المؤسسة الثقافيّة الرسميّة وجميع فاعلي الثقافة. 
• الأزمة الثقافية الغير مُعلنة في الجزائر، هل هي ناجمة عن أزمة هوية أم مرجعيات وماذا عن تراجع المقروئية؟
- الأزمة ثقافيّة بالأساس، لا تتعلّق بأزمة هويّة أو مرجعية؛ كل هذه الشعارات واليافطات التي تتستّر على أصل الداء بالنسبة لي مغلوطة  ومموّهة، الجزائري كان يعرف جيّدا معالم هويّته وإلى أي مرجعيّة يستند أيام الاحتلال الفرنسي، كان يعرف تماما أنه جزائري والآخر هو الآخر، عرف كيف يحافظ على أناه على علاّت هذه الأنا، وتشوّهاتها الحضاريّة.
غداة الاستقلال أقحم فجأة في معارك وهميّة كأزمتي الهويّة واللغة والتباس المرجعية، لتغييب المشروع الثقافي الذي كان يفترض أن يكون أساس الدولة الجزائريّة المستقلة، كانت هناك خيارات اقتصاديّة واجتماعيّة ضروريّة ومشروعة، غير أنّها لم تشفع بمعالم واضحة لمشروع ثقافي جزائري يقينا الانهيارات السهلة والفادحة.
بالنسبة لتراجع المقروئيّة، لا أحد يجزم أنّ الجزائري اليوم لا يقرأ، حتّى نمط القراءة اليوم تغيّر، والأزمة عالميّة، تتعلّق بالأساس بوسائل الإعلام الجديدة التي تفرض تقاليد حياتيّة جديدة، تفرض عليك خاصّة وإن كنت من بلدان العالم الثالث أن تبقى لمدة أطول أمام جهاز الكمبيوتر الموصول بشبكة النت التي تقول الحقيقة الأخرى التي لن يقولها الإعلام الحكومي مثلا، وأمام التلفزيون لأنه يريك  العالم الذي لن تطاله أحلامك.
عندما نُفكّر في حلّ هذه المعضلات بخلق بدائل حقيقيّة عن هذه الفضاءات الافتراضيّة المدهشة، عندها فقط يمكن أن نحاسب هذا القارئ الافتراضي. 
الواقع الجزائري صار يطالب بالكتاب في السنوات الأخيرة، ثمة حاجة متزايدة للقراءة عن الذات، عن التاريخ، عن تفاصيل الحياة اليوميّة وكيفية تجاوز حرجها، هذا عدا اهتماماته العلمية والأكاديمية، صحيح أنّنا نفتقد إلى تقاليد صحيّة للقراءة، لكن مادامت الحاجة موجودة وملحة، فعلى السوق أن تنفتح أكثر، وعلى الكتّاب أن يخرجوا من أسر الكتابات النمطية، لتصير الكتابة نقلا لتجربة حياة وليس حتما إبرازا لعبقرية.
وعلى الدولة أن تدعم هذا الانفتاح السلس الذي يضمن إقامة جسور تواصلية بين القارئ والكتاب؛ الضامن الوحيد لإنعاش القراءة، وثمة جهود يجب أن تبذل، تتشاطر أعباءها الدولة وسوق النشر والكتّاب والأسرة الثقافية ومن ثمّ القارئ بوصفه عضوا في مجتمع جزائري عليه أن يتحرّك في هذا المسار العام انطلاقا من الأسرة كنواة حاضنة لمشروع قارئ.
• ما موقفكم من السياسة الثقافية المنتهجة في الجزائر، وكيف تتصورون أفق المسألة الثقافيّة هناك؟ 
- من موقع الملاحظة والمهتمة، أقول أنّ ثمة جهود بُذلت فعلا على مستوى الحفاظ على الآثار، وبعث فضاءات ثقافية هُشّمت في عشرية الإرهاب، وإقامة مهرجانات أعادت الجزائر إلى الساحة الثقافية العربية والعالمية.
ثمة وعي بأنّ للثقافة دور ترويجي للصحّة السياسيّة للبلد وهذا جيّد، من شأنه أن ينشّط المشهد الثقافي الجزائري الذي جرى تثبيطه لعشريّة كاملة، لكن التوقف عند الاحتفالية، لا يبشرّ بحلول عميقة تجد أثرها في البنية الاجتماعية للجزائر.
جزائريو اليوم يحتاجون إلى فضاءات حرّة يمارسون فيها التفكير بصوت عال؛ ولأجل ذلك علينا بفتح المجال لمبادرات مبتكرة، كصالونات الثقافة والفكر والمسارح الخاصّة، وقاعات السينما المنفتحة على الفن السابع وليس فقط سلسلة هاري بوتر..!، وجعل هذه الفضاءات تتكاثر كمحلات الفاست فود والكراكيب الصينيّة، هذا الانفتاح سيخدم الدولة ويتعين عليها دعمه لأنه كفيل بخلق بدائل حقيقيّة ـ غير افتراضيةـ وآمنة لحوار جزائري  يستند إلى فضاءات جزائرية خالصة من شبهات التآمر والدسّ.
• هل تؤيدون الطرح القائل بوجود انفصام بين الكتابة التقليدية والكتابة الحداثية في الجزائر، أليس الأصح هو فصام حاصل بين جيلين؟
- الكتابة حالة فرديّة، والجزائري لا يقرأ فقط للجزائري، أكيد ثمّة مرجعيات وطنية لكن من قال أنّ جيلنا مثلا هو الذي يمثل المعاصرة وجيل كاتب ياسين تقليدي، هذا هراء، الإبداعيّة حالة قد توجد في أي زمن تماما كما التقليد، يبقى أنّ ثمة استمراريّة تفرضها علينا الجغرافيا الواحدة وبالتالي الهمّ المشترك، وثمّة قطائع حتميّة تفرض على المبدع الحقيقي الامعان في الإبداع والتميّز والتساؤل المزمن.

• ما مقاربتكم للواقع الإبداعي في الوطن العربي وسط المساجلات بين ثقافة الورق والالكترون؟
- الكتابة الرقمية مشروع لابد منه، يفرضه العصر، بلغاته وفضاءاته الجديدة، جزائريا مازلنا متخلفين عن هذا الركب لدينا تجربة "عصام حمود" في التدوين التي نجحت، كما تجارب عربيّة أخرى إلى المرور من مرحلة النشر عبر النت، من خلال مدونته "حمود ستوديو" إلى مرحلة النشر الورقي في شكل كتاب حمل اسم "عامين اثنين".
لكن يبقى استغلال النت كفضاء، مقتصرا بحسب علمي على التدوين ونشر نصوص تقليدية ـ خطيّة يعني: مقالات، شعر، نثر في مواقع ثقافية متخصصة أو عامة، نظرا لانفتاح النت وإجرائيته وتيسره بالمقارنة وتعقيدات وسائط النشر التقليدي الورقي.
معنى هذا أنّنا لم نطوّر تجربة كتابة رقمية؛ كصنعة جديدة تعتمد وسائط الكترونية وسمعية بصريّة لإثراء النص اللغوي وتحويله إلى نص رقمي، لدينا تجربة رائدة في الأردن للروائي محمد سناجلة، لكنها تبقى تجربة لم تتجاوز مرحلة التجريب أو التمرين على نمط جديد من الإبداع الحي والتفاعلي.
مازال أمامنا الكثير لبذله ليس على مستوى الإبداع فقط، وإنما على المستوى القانوني والحقوقي، وأدعو عبر "إيلاف" ديوان حقوق المؤلف بالجزائر، ومن خلاله كل هيئات حقوق التأليف العربية إلى الانفتاح على هذا الفضاء الجديد بالتأصيل لقوانين تحمي المؤلفين والناشرين عبر هذه الوسائط الالكترونية.
لم تعد لنا خيارات، فالزمن سيحمل لنا تحديات كثيرة، علينا استباقها بأطر قانونية تحمي الإبداع العربي ولا تبقيه حكرا على فضاءات النشر التقليديّة خوفا وحذرا من السرقات والقرصنة.
النشر بنوعيه الورقي والالكتروني صارا توأمين سياميين، لا يمكن فصلهما أو تهميش أحدهما لحساب الآخر، لذا وجب التفكير في حلول سريعة وجيّدة، حتى لا تبقى هناك قطيعة بين الحركة الإبداعية والمؤسسة الثقافية التي يفترض أنها راعية لها.

• ما الكيفية لإيصال ثقافتنا نحن كعرب بزخمها وتشاكيلها إلى الغرب؟
- عندما نجيد إيصالها لذواتنا ودواخلنا الهشّة، سيتيسّر علينا أمر الغرب، ثقوا أنّ الغرب حاليّا يعرف عن ثقافتنا أكثر مما نعرف بكثير، وهو يفوتنا في اهتمامه بها بمراحل؛ ذلك أنّه على قناعة تامّة بقيمة أن تمتلك دراية جيّدة بثقافة الآخر.

في الادب الروسي المعاصر حوار مع الكاتب الروسي يوري ماملييف- كريستينا روتكيرخ ترجمة د. تحسين رزاق عزيز



في الادب الروسي المعاصر
حوار مع الكاتب الروسي يوري ماملييف


كريستينا روتكيرخ

  ترجمة د. تحسين رزاق عزيز

 
ولد يوري فيتاليفيج ماملييف في 11 كانون الأول عام 1931 في موسكو في عائلة استاذ بالطب النفسي، قتل أثناء الإرهاب الستاليني. انهى في عام 1956 الدراسة في معهد تقنية الغابات في موسكو، ثم صار يدرس الرياضيات في المدارس المسائية، و انشغل الى جانب ذلك بممارسة الابداع الادبي و الفسلفة الهندية و الفلسفة الباطنية و الغيبيّة.
كتب للفترة من عام 1953 الى 1973 مئات القصص القصيرة، و روايتين و الكثير من الابحاث الفلسفية و الاشعار. لكن لم يتم طبع كل هذه النتاجات. انتشرت نصوص مؤلفاته عن طريق الاستنساخ باليد و كاسيتات التسجيل التي تحمل قراءة لنصوص كتاباته. نظم ماملييف منذ عام 1958 في شقته في زقاق يوجينسكي حلقة سرية للفلسفة الباطنية سماها ((التصوّف الجنسي)).
غادر ماملييف الاتحاد السوفيتي في عام 1974. و عاش في الولايات المتحدة الامريكية للفترة من عام 1975 حتى عام 1983 حيث كان يُدَّرس الادب الروسي في جامعة كورنيليا في مدينة اتاكا.
تردد اسم ماملييف لأول مرة في عام 1975 في مجلتي ((الموجة الثالثة)) و ((المجلة الجديدة)) و بعدها صدرت له في دورية م. شيمياكين ((أبولون 77)) تشكيلة مختارة من قصصه.بعد اصدار المجموعة الامريكية لنثر ماملييف ((The sky Above Hell)) (1980) التي تحمل اسم احدى قصصه ((سماء فوق الجحيم)) تم قبول الكاتب عضواً في نادي القلم. انتقل في عام 1983 الى باريس حيث استمربتدريس الادب و اللغة الروسية في معهد باريس للغات و الحضارت الشرقية و في مركز ميدون لدراسة اللغة الروسية و الادب.
نال في الفترة التي قضاها في المهجر شهرة عالمية. حيث صَدَرت نتاجاته باللغات الروسية والانكليزية و الفرنسية والالمانية وغيرها ...

بدء منذ عام 1989 ينشر نتاجاته في بلاده. تمت في 1991 اعادة الجنسية الروسية ليوري ماملييف، و عاد في نفس السنة الى روسيا.
للكاتب مشاركات كثيرة في المؤتمرات الدولية و يلقي المحاضرات في مختلف الجامعات و له برامج اذاعية و تلفزيونية .
لكن يضل اهتمامه الرئيسس منصباً على نشاطه في الادب و الفلسفة. فهو يقوم بتدريس الفلسفة الهندّية في جامعة موسكو الحكومية و بنشر اعمالاً في مجلّة ((قضايا الفلسفة)) و نشرية ((Unio mistica)). يوري ماملييف حائز على جائزة اندري بيلي (1991) و جائزة بوشكين العالمية التي أسسسها صندوق الفريد توبفير بمشاركة نادي – القلم الدولي (1993).

---------------

* يوري فيتاليفيج انت اليوم احد اشهر الكتاب الجادين في موسكو، كتبك تصدر و يعاد طبعها و تتحدث في مختلف محطات الاذاعة و التلفزيون في كل مكان. فكيف كان الامر في الستينات عندما كنت تعيش في زقاق يوجينسكي؟

- كانت تلك فترة وجود السلطة السوفيتية، فمن الطبيعي، ان نتاجات مثل نتاجاتي لا يمكن نشرها، رغم انها كانت تخلو من كل ما هو سياسيي، لكن علم الجمال في الاتحاد السوفيتي كان محدداً برؤية واحدة للواقعية الاشتراكية لدرجة ان كل دار نشر سوفيتية كانت تهرب من نتاجاتي. كان في زقاق يوجينسكي في ذلك الوقت احد مراكز ما يسمى بالثقافة غير الرسمية في روسيا. كانت تجتمع هناك مختلف الشخصيات – بما فيهم مخالفوا الرأي السياسيون من امثال فلاديمير بوكوفسكي و الرسام المعروف – اناتولي زفيريف و الاكسندر خاريتونوف و الشعراء، مثل غوبانوف و هو شاعر موهوب بصورة غير اعتيادية. اضافة الى مختلف افراد المجتمع. كانت حلقة فلسفية ادبية تركز حولها الكثير من الشباب. و قد انطلقت انا من هذه الحلقة بالذات. انحصر نشاطها في ان اقوم بقراءة قصصي و نقوم بمناقشتها، و كنا نلتقي ليس في زقاق يوجينسكي فقط، اذ كانت توجد في موسكو عدة مراكز اخرى ازدهرت فيها الثقافة غير الرسمية. و انحصر نشاطها بالاساس بالقراءات و معارض الرسامين.

* لو تأملنا في الماضي كيف ترى دورك في تلك الايام؟

- أنذاك لم نكن نستغرق بالتفكير بالمستقبل على وجه خاص لأنه كان غير واضح المعالم اي انه كان مرتبطاً بالاحداث و كنت ببساطة ارى نفسي أقوم بدور احد مؤسسي الثقافة الروسية الجديدة، غير الخاضعة للرقابة. و بما ان الظروف كانت انذاك لا تسمح لنا بأن نأمل بنشر اعمالنا فالرقابة كانت غير موجودة على اعمالنا. و لم ترفع الرقابة السوفيتية فحسب. بل حتى الرقابة الداخلية، اي كانت حالة من الحرية المطلقة لم يجري الكلام خلالها عن اي تصحيح – لقد كنا احراراً تماماً في كل شيء و خاصة كنا نعوض وجود الاستبداد الذي يخيم فوق رؤوسنا بالحرية الكاملة في التعبير و في مناقشة مختلف المسائل و القضايا. و اني اعتقد ان في تلك الفترة لم يجرؤ أحد على نشر مثل هذه الاشياء حتى في الولايات المتحدة.

*ألم تكونوا تخافون؟

- لم نكن نخاف، اولاً لأن كل هؤلاء الناس كانوا يعرفون بعضهم البعض الاخر جيداً – كانت الحلقة ضيقة. ثانياً بما انهم لم يسمحوا لنا بالنشر في تلك الفترة و لا بأقامة المعارض للفانين فأنهم لم يتابعوا ما كنا نعمل في الداخل – كانوا يعرفوا ان هذا الامر لابد منه. الملاحقة كانت بالاساس للمعارضيين السياسيين المباشرين – من امثال سولجنيتسين او بوكوفسكي.

* روايتك ((المتسكعون)) هي اكثر اعمالك شهرة و حزناً. ما مقدار تصويرها لتلك الفترة من حياتك؟

- تم تأليف هذه الرواية في تلك الفترة بالذات، و قد ساعد غياب كل انواع الرقابة، بما في ذلك الرقابة الداخلية على تكوين هذه الرواية، التي عالجت اكثر القضايا المؤلمة للحياة البشرية، التي عادة ما يتهرب الانسان من الحديث عنها. الحقيقة ان التعبير لم يكن حرفياً – لأنها كانت رواية فنية و ليس عملاً وثائقياً. لكن كانت توجد فيها نماذج اصلية. و تم عرض المواقف في الرواية بصورة فنية، و كما هو الحال في الادب فقد تم ذلك بصورة حادة اي ان هذه المشاكل كانت موجودة بالفعل لكنها لم تكن موجودة بهذا الشكل المكشوف الشاذ المفضوح كما هو في هذه الرواية. و كان وقعها قوياً لان كل شيء فيها تم تضخيمه و تم تسليط الضوء على كل الجوانب المعتمة.

* اقتبس لك هذا القول:(( يذكر معارف ماملييف في الستينات انه كان لا يختلف عن ابطاله. فالخوف من الموت و الادمان على المشروبات الكحولية، و شكل الحياة البوهيمي و تأرجح الابداع قد اضعفت اعصاب الكاتب. و انه كان يصور ابطاله الفضيعين من واقع حياته)).

- هذه، طبعاً حقيقة، و لكنها حقيقة سطحية جداً و ناقصة. لأنه أولاً، اعذريني، عمّا يقول كاتب المقالة، ففي تلك الفترة كانت روسيا كلها مدمنة على الكحول و نحن لم نختلف عن الاخرين في هذا المجال. ثانياً، في ما يخص ضعف اعصابي، فهذا غير صحيح البتة: فالكاتب عندما يؤلف نتاجاً ادبياً، على العكس، هو يقوى روحياً – و يحدث له التنفيس الروحي المعروف في علم الجمال. و لهذا فعندما تصف الشر ذلك لا يعني انك منغمس فيه بل انت تتطهر منه. اذن فذلك لم يكن ضعفاً في الاعصاب لا من جانبي و لا من جانب الاخرين.

* أنت نفسك قلت في احدى المرات ان: ((هذه الروايات قد ألفتها في قبو عميق في موسكو و كتبتها في جو من اليأس عندما كانت مل الامال تبدوخائبة بما في ذلك الايمان بالخلود...)).

- نعم، بكل تأكيد. هذا وصف فعلي دقيق لذلك الوضع، و الكاتب بطبيعة الحال لا يشبه ابطاله ابداً بصورة كاملة اي ان الكاتب دائماً ما يسمو فوق ابطاله و الاّ افأنَّه لا يستطيع ان يخلقهم لو كان حاله مثلهم. على الاقل كانت توجد في حياتي العملية غربة من نوع خاص: فربما اني كنت هاديء بعض الشيء أو متحمساً أحياناً و لكني مراقباً لما يجري، أي أني كنت في حالة دراسة و بحث – و الفن كان عندي يؤدي، على الاغلب، دور الادراك، ادراك لهذه الاعماق غير الاعتيادية للنفس البشرية. و هذا هو نهج دوستويفسكي بالذات.

* أنك تصوّر في ((المتسكعون)) العالم و كأنه جحيم و الناس مسوخ. فالكثير من ابطالك الشاذين اما قتلة مرعبون او ساديون بشعون. مفهوم بلا شك ان هناك اشكال مختلفة لأستيعاب ابطال نتاجاتك الادبية فهل شعرت مرة، باعتبارك مؤلف، بالتقزز من ابطالك؟

- نعم، و لكن ليس التقزز ... و الغالب ان هذا لا يقتصر على ((المتسكعين)) فقط بل يشمل كذلك القصص الاخرى، انا كما قلتي انت، على مستوى مباشر اعتيادي ربما كنت اشعر بالفزع مما كتبت. هذا في الحالة الاعتيادية ة لكني افهم انهم، كما يقال، قرابين يضحي بهم عادة الاديب عندما يعمل بالفن.

* فهل يعني هذا انك كنت تكتب نصوصك في وضعٍ خاص؟

- بكل تأكيد لم يحدث ذلك مطلقاً! و لم تشمل هذه الحالة اي إدمان ما على المخدّرات او الكحول. اعتقد انه لا يمكن في هذه الحالة تأليف شيء ما. كلا، انها كانت حالة قريبة من التأمل. إذ أني متخصص بالأمور الهندية، ثم اني مدرس الفلسفة الهندية و دائماً ما كنت مهتماً بالشرق. لم تكن المسألة سوى حالة رايت فيها هذه الزوايا الغريبة و غير الاعتيادية للنفس البشرية التي لم تكن اعتيادية. لهذا فاني قد دخلت في هذه الحالة ثم خرجت منها.


* عندما تكتب، هل تستغرق في هذه الحالة عدة ساعات؟

- نعم، تقريباً. في البداية كان صعباً الدخول في هذه الحالة ثم صار طبيعياً. و كنت استغرق فيها ساعتين او ثلاثة ساعات. عادة لا استمر في الكتابة اكثر من ثلاث ساعات. ثم اكون قد خرجت منها بشكل ما و لكن فيما بعد كان سهلاً الدخول في هذه الحالة، لأنها كانت طبيعية بالنسبة لي.

* لماذا تلزم نفسك بعرض مختلف انواع الشر الاكثر وحشية و ضلامية؟ الدمار لديك ذو طابع فلسفي و ميتافيزيقي، اليس كذلك؟

- نعم، بكل تأكيد. و لكن يجب القول ان رواياتي الاخيرة ((الزمن الضال)) و ((العالم و القهقهة)) و الرواية الاخيرة ((الاخر)) تعتبر مغايرة لـ (المتسكعين)) ان ((الزمن الضال)) بمضمونها الفلسفي و بفلسفة ما بين السطور فيها هي جواب على التساؤلات التي طرحت بصورة حادة في ((المتسكعين)). هناك فيها النور و الامل و فيها الايمان. اما تلك الحقبة المدمرّة فكانت ضرورية. هل تعرفين ان هذا يذكرني بطقوس الاستهلال عندما تكون مجبراً في البداية على الانغماس بالصورة السلبية للعالم و بحالته السلبية و من ثم تستطيع الخروج من هناك الى الامل و النور و الصفاء و هذا الطريق للوصول للنوراعتيادي في الشرق.

* هل ترى امكانية اعتبار رواياتك ((المتسكعون)) و ((الزمن الضال)) و ((العالم و القهقهة)) ثلاثية؟

- ربما و نعم، من الناحية الفلسفية. رغم ان رواية ((الزمن الضال)) كتبتها في روسيا اما ((المتسكعون)) ففي الاتحاد السوفيتي. و لكن بلا شك يوجد خيط يمكن ان يربط بينها و ربما تبدو ثلاثية تجري فيها الاجابة المتدرجة على تلك المتاهات التي تمت الاشارة لها في ((المتسكعين)). و كما قال الكاتب امريكي المعروف جيم ماكونكي ما معناه ان كتاب ((المتسكعين)) قاتل بهزله لكن محتواه غيبياً.

* يبدو لي انه في هذا العالم الخيالي المضحك الغريب ((للمتسكعين)) تحمل كل شخصية في ذاتها تقريباً سؤالاً مفرداً – وحيداً: هو ما هي حدود ما بعد الموت؟

- نعم، ما هي حدود ما بعد الموت؟ و لكن هناك توجد ايضاً حالة مهمة اخرى، اذا تحدثنا عن المضمون الفلسفي الا و هي الاحساس بالعالم كوهم. و كما كتب الامريكان عن فيدور سومنوف، هذاالشخص يقتل لأنه يبحث عن الخلود. مفهوم انه كان يرى هذا العالم وهماً و كان يصلي من اجل، ارواح من قتلهم هو بنفسه.

- لديك ايضاً رواية ((واقعية)) هي ((المناورة المسكوفية)). فكم هي وثائقية؟

- انها رواية واقعية تماماً. و هي وثائقية لدرجة كافية و لكن رغم ذلك هي نتاج ادبي. و فيها بالذات تم وصف حالة يوجينسكي و الصالونات الثقافية الاخرى في موسكو. و الشخصية الفنية الوحيدة هي شخصية البطل الرئيسي الكسندر تريبيتوف – و ما هي الاّ تركيز للبحث الروحي كله الذي كان يجري هناك. و الشخصيات فيها هي نماذج حقيقية و هذا الشي واضح كل الوضوح.

* كيف كانت فترة شبابك السوفيتية؟

- كان شبابي، بشكل او اخر، عادياً للانتليجنتسيا السوفيتية في ذلك الزمان: والدي كان مختصاً بعلم النفس و امي خريجة كلية الجغرافيا، جامعة موسكو. عشنا، حسب المعايير السوفيتية ، بصورة جيدة نسبياً في الثلاثينات، و لكن والدي أُعتُقِل لأسباب سياسية (حسب المادة 58 التي على ضوءها زجوا بالسجون كل ذوي المعتقدات اللاسوفيتية). و قامت والدتي بتربيتي اثناء الحرب و بعدها، و طبعاً كان الوضع صعباً. و لكن كانت تساعد والدتي اختها التي كانت بروفسورة مختصة بالامراض النسائية، و زوجها جوروف اسحاق سولومونوفج الذي كان كذلك بروفسوراً جراحاً و مخدراً. هذه هي العائلة التي ساعدتنا و ساعدت والدتي على تربيتي.

* كان والدك في تلك الاثناء في معسكرات الاعتقال؟

- نعم، والدي توفي في تلك المعسكرات. هكذا كان الحال.

* قلت ان والدك كان مختصاً بالطب النفسي و اقاربك كذلك اطباء. فهل اثر ذلك بشكل ما على ابداعك و عليك باعتبارك كاتباً؟

- نعم، يمكن القول، ان ذلك كان له تأثير لأن اقاربنا و اصدقاء عائلتنا الاخرون كانوا ايضاً اطباء و اطباء نفسانين. و عرفت من خلالهم الكثير من الحالات غير الاعتيادية، التي وصفتها فيما بعد في ((المتسكعون))، بما في ذلك الولد، الذي كان يصنع الحساء من جمسه. اي اني عرفت العلاج النفسي من كتب والدي، و لكني لم اكن مهتماً بالجنون الفعلي، اي مجالات الشيزوفرينيا و الكآبة بحد ذاتها. لأن هذه الحالات هي امراض واضحة للعيان فلم اهتم بها. و لكن التي اثارت اهتمامي هي تلك الحالات التي لا يكون فيها الانسان مريضاً بمعنى الكلمة بل على حافة المرض كما يقال. اي الحالات النفسية التي يكون فيها الفرد على الحد بين الصحة و الجنون لان هؤلاء الافراد بالذات لا يخافون و لا يستطيعون ان يخفوا ما يخفيه الانسان الاعتيادي.

* هل توجد بعض نتاجات الادب السوفيتي التي مازالت تمثل لك اهمية ملحة؟

- انت تعرفين ماذا يعني مصطلح الادب ((السوفيتي)). فلو اخذنا على سبيل المثال بولغاكوف و بلاتونوف الذين عاشوا في الحقبة السوفيتية لرأينا انهم في الواقع كتاب روس من روسيا لأنهم تربوّا في فترة ما قبل الثورة. و ان ابداعهم هو اسمترار حقيقي للكلاسيكية الروسية. او نأخذ ادب العشرينيات مثلاً ((بيلنياك)) انه تماماً غير سوفيتي. و حتى الكسي تولستوي و غوركي، كلهم كانوا استمرار لكلاسيكية الادب الروسي. الادب السوفيتي بمعناه الحرفي بدأ بعد الحرب عندما غادر هذا الجيل الحياة، و ربما هنا لم يظهر ما يثير اهتمامي في الادب السوفيتي. القضية الاخرى هو ظهور نتاجات الادب غير الرسمي في هذه الفترة مثل اشعار غوبانوف و ادب برودسكي و سولجنتسين. و ظهر كذلك، و لازال يعجبني، فينيتشكا يروفيف بملحمتهِ الخالدة التي يسميها الفرنسيون ((الياذة الادمان الروسي)). و تعرفت على يروفييف شخصياً و كان قريباً من حلقتنا في يوجينسكي. قرأت هذا الكتاب مستنسخاً باليد عن طريق اصدقائه المقربين، اثار هذا الكتاب انذاك انطباعاً عميقاً و محركاً للعواطف.

* كيف بدأت الكتابة؟

- كان عندي ميل واضح للادب و الفلسفة و قد لاحظ المدرسون ذلك في المدرسة. و لدينا في المدرسة مدرس الفيزياء يفغيني رودولفوفيج و هو شخص ذو اطلاع موسوعي من جيل ما قبل الثورة القديم. لم يتمكن من التدريس في المعاهد العليا السوفيتية بسبب اصوله فأخذ يدرَّس عندنا رغم انه كان يعرف الفيزياء بصورة فريدة. و هو شخص مثقف. و نصحني قائلاً: ((يورا لا تذهب، بأي حال من الاحوال، للدراسة في المعاهد الانسانية، اولاً لأن التقديم لها بسيط. و السبب الثاني، ان الادب دائماً هو بحر مجهول، الافضل لك ان تحصل على اختصاص معيين تستطيع ان تأكل خبزك منه...)). اقاربي كذلك نصحوني ان لا اجازف بالتقديم الى معهد للدراسات الانسانية لا سيما ان والدي كان معتقلاً. فكان لا يفرق عندي التقدم الى اي معهد فني فدخلت معهد تقنية الغابات. هذا ما حدث. و الحق اني مُنِحْتُ عند انهاء الدراسة في المعهد شهادة مهندس، لأني درست في كلية زراعة الغابات حيث كنّا ندرس كذلك الرياضيات و الفيزياء. و هذه الشهادة منحتني الحق بتدريس الرياضيات لأن القانون السوفيتي كان يسمح للمهندس ان يُدَرَّس في المدرسة الثانوية الفيزياء و الرياضيات.

* كيف عشت في زقاق يوجينسكي و قمت بتدريس الرياضيات، هل تعرضّت للملاحقة؟

- الحقيقة كان الجميع تحت المراقبة، و هذا طبيعاً. فلجميعنا اهل الفن غير الرسمي (من كَتَبَ او عرض لوحاته) نظمَّت ملفات غير رسمية. و كانوا يجمعون المعلومات عن مثل هؤلاء الاشخاص بما في ذلك من كان يشاهد هذه المعارض اي جرت عمليات استجواب. حدثني فيما بعد من تم استجوابه انهم كانوا دائماً يسألونهم عنّي: من هو و ما هي نتاجاته و غيرها من الاسئلة، لكن لم يجري استجوابي لأنهم كما قالت لي احد قرّائي انهم لم يتمكنوا حسب كلامهم ان ((يفهموا، من هذا هذا الشخص و لماذا يكتب مثل هذه النتاجات؟ لا توجد في نتاجاته سياسة. نحن نعتقل الاشخاص عندما يكون عندهم شيء ملموس: عندما نعرف ماهية الشخص و نعرف بماذا نواجهه)). و لهذا كان رد فعلهم بهذا الشكل.

* لماذا اتخذت قراراً بمغادرة البلاد عام 1974؟ و كيف تركوك تغادر؟

- تركوني لسبب بسيط: هو ان في تلك الفترة كان يوجد موقف غير علني يسمح لما يسمون بمخالفي الرأي بمغادرة البلاد سوية مع المهاجرين اليهود. و كان ذلك متنفساً بسيطاً لم يشمل فقط المخالفين السياسيين مثل سولجنيتسين و ماكسيموف و سينيافسكي بل حتى كل الكتاب المنشقين و الرسامين الانعزاليين الذين نظمت لهم اضابير في الاجهزة الامنية و كانوا مشهورين في الاوساط الفنية غير الرسمية. و بهذا الطريقة كان يمكن مغادرة البلاد. و لو جاءهم شخص غريب غير معروف لهم فسوف لن يتعرّض الاّ
لبعض المضايقة. و قد غادر في الواقع رسامون من امثال شيمياكين و اصدقائي تسلكوف و اوسكار رابين. هم رسامون فحسب لم يكونوا سياسيين ابداً. و لكن تم السماح بالمغادرة لكل من اطلق عليهم ذوي الافكار المغايرة بالفن. كان يمكن المغادرة لهؤلاء بل يستحب ذلك لهم.


* اذن العملية كانت بسيطة و لكن القرار، ربما كان صعباً ؟

- نعم، العملية كانت سهلة لأنهم كانوا يحاولون التخلص منا. و القرار كان صعباً طبعاً. فكرنا في البداية ان نعيش في الاتحاد السوفيتي و ننشر في الغرب، و لكن في تلك الفترة ظهر قانون يعتبر نقل مخطوطات الثقافة غير الرسمية الى الغرب، دون علم الهيأت الرسمية جريمة جنائية. رغم ان هذا القانون لم ينفذ بكل حذافيره. لكني و زوجتي، بعد صدور هذا القانون، رأينا ان الامر تجاوز حدّه لأن الكاتب يجب ان ينشر اعماله اثناء حياته. و لهذا السبب تمت مغادرة الكثير من الكتاب و الفنانين للاتحاد السوفيتي في تلك الفترة.

* يبدو ان النقاد يخافون نتاجاتك، و بدلاً من دخول عالم الكوابيس هذا، نراهم يلمزونك بمختلف الالقاب مثل: اللاعقلاني السوداوي، و اللامفهوم، السريالي... و اليوم انت نفسك تقول انك تنتسب الى الواقعية الغيبية. فهل هذا اتجاه جديد في الادب الروسي؟

- نعم، هذا اتجاه جديد تماماً في الادب الروسي. و قد اسست ذلك على مستوى فلسفي في كتابي ((قدر الوجود)) في الفصل الاخير ((غيبية الفن)). تكمن المسألة في ان عناصر الغيب، اي ما وراء حدود العالم المرأي تدخل في الحديث الواقعي بالذات، بأدق معاني هذه الكلمة. هذا يرتبط بحدس الكاتب و بمعرفته بالتقاليد الروحية، و بمعتقداته الشخصية او بعقائده. و لكن هذا يستثني الخيال. لأن المسألة كلها تكمن في ان هذا مبني على معارف معيَّنة تراكمت عند البشر عن هذا المجال بهذا الجانب و عن حدس الكاتب الشخصي. و كان الاحداث تجري على الجانبين كليهما – هنا و هناك. هذا مبدء الواقعية الغيبية. لكن لا تجري الاحداث في عالم الغيب بالمعنى الحرفي بل من هناك يجب ان تأتي رؤى – ما و شعاع – ما ... الخ.



* كتب احد النقاد: ((يبدو لي ان ظاهرة ماملييف الاستثنائية ستبقى تعذب اهل الادب لسنوات طوال. طبعاً لا يجرؤ احد على تناول مثل هذه المادة غير المفهومة)). فهل توجد مقالات نقدية لنتاجاتك قد اثارت اعجابك؟ او هل غالباً ما تشعر انهم لا يفهونك؟

- كلا، كلا. انهم يفهمون بصورة ممتازة و لكن، ربما، لا يفهمون للنهاية لأنه كماقلت انت ان في نتاجاتي عدة مستويات. و لكن الان صارت تكتب رسائل ماجستير، كما سمعت، في الغرب. و قد ارسلت لي احدى الفتيات من ألمانيا اطروحة رائعة، و كذلك من أيطاليا من جامعة فينيسيا. ان النقد العام في الصحف متنوع فربما يكون عاطفياً جداً او يحاول التغلغل في اعماق المادة. النقاد الآن كثيرون. و عندي اضابير كاملة باللغات الفرنسية و الألمانية و الانكليزية و الايطالية و الروسية. و لكن ليس فيها فطنة علمية للامر. انه نقد عاطفي و حتى انه احياناً يستند بصورة كبيرة على احاديثي الصحفية التي احاول فيها بطريقة ما توضيح نتاجاتي. حيث تصبح مفهمومة على مستوى ما معيّن. لدي الكثير من القراء من بين الشباب الذين يتعصبون لي (و لا اخاف ان اقول هذه الكلمة). و يحبون نتاجاتي و يتأثرون بها و تحدث لهم بعد قرائتها تأثيرات مختلفة: مثلاً اراد شخصان روسيان موسيقيان يقيمان في برلين في التسعينات ان ينهيا حياتهما بالانتحار. و قد قاما بالتناوب بقراءة رواية ((المتسكعون)) في ليلة واحدة (حصلا على الكتاب بالصدفة)). و قد ترك الكتاب لديهم انطباعاً بحيث قالا: ((سوف لن نقوم بالانتحار لأن الحياة خيالية و رائعة لدرجة لا نريد معها الموت)) اي ان هذه الرواية الكئيبة تركت تأثيراً عكسياً – التنفيس بالفن. و سمعت ان هذا يحدث في الكثير من الحالات. و قد يثير النفور، طبعاً، عند البعض حيث يقولون: ((انا لا استطيع قراءة هذا – لأنه سيدمرني)). و البعض الاخر يقولون: ((نعم، هذا فعلاً شيء ضلامي لكنه معمول بهذا الشكل لكي تقوم قوة الفن نفسها بأحداث التأثير الطيب)). اما غيرهم، كما هو حال الموسيقيين، سيقولون: ((كلا، أن هناك في العمق يوجد ما يجبر الانسان على العيش)). فعلاً ان الحب للوجود فيها قوي جداً. لماذا هم يبحثون عن الخلود؟ لأنهم يريدون ان يعشون بصورة ابدية. و هذا ليس ما يدمر الحياة: انه اليأس، لكنه يمثل كذلك بحثاً ما عن الحياة الابدية. تكمن في اساسه الرغبة بالعيش و تمني الخلود.

* تدور احداث رواياتك، دائماً، بأماكن مهجورة و غريبة في اطراف موسكو في المراحيض او اماكين تجيع النفايات – في اوساط المُهَمَّشين. ربما لا توجد الآن في ضواحي موسكو مثل هذه الاماكن؟

- كانت هذه الاماكن موجودة في الاتحاد السوفيتي. بينما روايتي الجديدة ((الاخر)) تصف الروسي الجديد و بيته الفخم. ابطالي صاروا يعيشون في وضع غير مهمّش بل على العكس في غنى. هذا الحال الاول. اما الحال الثاني – هو اني في ((الزمن الضال)) و ((العالم و القهقهة)) لم اتناول اهمال هذه الاماكن بل تناولت موضوع عزلتها. فهذه البيوت ربما تكون ملائمة لكنها منعزلة. و مثل هذه الاماكن موجودة حتى الآن: فقد يوجد بيت منعزل في مكان ما، مثلاً، في اطراف المنازل الصيفية ... قرب مناطق تجميع النفايات...

* انها بيئة شاذة – كما في الاحلام، شيء ما سوريالي...

- نعم، انها بيئة شاذة نوعاً ما. فلو قرأت بعض ذكريات الجنود الألمان الذين وقعوا في الاسر في روسيا في الحرب العالمية الثانية لعرفت ان كل هذا الوضع السوفيتي كان بالنسبة لهم يبدو كابوساً اثناء النوم او منظراً سريالياً. حيث ان الكثير مما هو سريالي من وجهة النظر العامة يبدو في روسيا واقعياً.

- تجري في ((المتسكعين)) و في بعض قصصك القصيرة مقابلات مهمة لأشخاص من السوقة مع ممثلي الانتليجينتسيا (الطبقة المثقفة).

* نعم، مثل هذه اللقاأت موجودة و تحدث الى الآن. و يتم في روايتي الجديدة (الاخر)) وصف مثل هذا اللقاء. و حتى الآن تجري مثل هذه اللقاأت عندما تلتقي بعض العناصر المهمّشة في الحانات او في بعض الاماكن الاخرى مع الانتليجينتسيا. و بعض هذه اللقاءات طريفة جداً رغم اني لا اعني بالسوقة المجرمين او المتحجرين، كما يقال عندنا، بل من هم على الحافة. لماذا هذه اللقاأت مهمة للانتلجينتسيا ؟ و لماذا اولئك يهتمون بالفن ؟ لأنهم غالباً ما يكونون متقاربين من بعضهم. فأما ان يكون الناس البسطاء (السوقة) غير اعتياديين تماماً – لأن روسيا ليس فيها فرقاً اجتماعياً كما هو الحال في الغرب. فربما يكون شخص روحاني جداً في الحضيض الاجتماعي. فقد تحدثت في احدى المرات مع شاب بسيط عسكري شارك في الكثير من النقاط الساخنة. و كان شخصاً بسيطاًاعتيادياً. و سألته ((كيف استطعت ان تبقى حياً هناك؟)) اجانبي ((لقد قرأت اعمال بلاتونوف)). و قد دُهِشْتُ لذلك.

* لقد كتبت خلال فترة حياتك الكثر من القصص، ربما، المئات من القصص. فمن اين تستمد مواضيع قصصك؟

- قد يكون مضمون القصص مروي، لكن ليس من الصحف، و كان دوستويفسكي يأخذ احياناً مواضيع حتى من الصحف، كما تعرفين. و ربما تكون حكاية من شخص ما في لقاء عابر...

- وهكذا يبدأ الموضوع؟

* هذا فقط يعطي حافز للكتابة. فلو اخذنا قصة ((العالم الكبير)) التي يلقي بها شاب بنفسه من الطابق الخامس الى الاسفل نتيجة جدال. فكيف تولدت هذه الفكرة؟ كنت انذاك اعمل مدرساً في مدرسة الشباب العامل (هكذاكانوا يسمون مدارس اليافعين الذين لم يكملوا الثانوية بسبب إلتحاقهم بالعمل). دخلت الصف في احدى المرات و لاحظت غياب احد التلاميذ و سألت الشباب عن سبب غيابه. فذكروا لي الحادثة التي جرت له! حيث انه تناول الكحول مع احد الاشخاص و تراهن على ان يلقي بنفسه من الطابق العلوي ففعل ذلك و كان مرتدياً المعطف. و تكسر حتى الموت و طبعاً دُهِشْتُ جداً و كذلك زملاؤه. و فكرت هل كان هو مجنوناً؟ لكنه لم يترك عندنا انطباع بالجنون. و هكذا على اساس هذه الحادثة و تفسيرها كتبت قصة ((العالم الكبير)). و رغم اني لم اغير موضوع و مضمون الحكاية لكنّي تناولت في الكتابة الجوانب الباطنية النفسية و السايكولوجية و الغيبية لهذه الحادثة الغريبة.

* أرى ان القصص القصيرة بالذات تعرض بصورة رائعة التغيرات في ابداعك: فماملييف الشاب هو دائماً هزلي و عنيف، بينما ماملييف الناضج هو جدي و اكثر حزناً. فكيف تتصور انت هذا التطور؟

- الحقيقة ان البداية كانت كما يجب، فقد بدأت بقصص الحياة اليومية. و قدمت في الطبعة الألمانية لقصصي الكثير من الاشياء المبكرة لأنها مرحة و هزلية. و بعد ظهور الانطباعات الجدية- الفلسفة و لقضايا العميقة - تغيّر الامر تماماً. لكن النتاجات الاخيرة خاصة تلك التي يضمُّها كتاب (الآخر)) يدخل فيها مبدء كاتارسيس (التنفيس بالفن) بصورة اكثر و صارت فيها استنارة عقلية. و يمكن ان تقول بعبارة ابسط ان الكثير من الحالات و ان كانت مبنية على اساس القصص المتشائمة لكن النور فيها واضح للعيان. مثلاً الكتاب الجديد يحتوي على مجموعة قصص تبدأ بقصة ((أمسية فكر)). الموضوع مأخوذ من الحياة اليومية: يدخل قاتل و سارق الى شقة معتقداً ان اصحابها غير موجودين. لكنه يُخطيء حيث يعثر في الشقة على شخصين في منتصف العمر، في الاربعين من عمرهما. يظهر انهما ضعيفان. فيقوم بقتلهما كلاهما الرجل و المرأة. و كان يضن ان لديهما ثروة: نقود و ذهب. المهم انه قتهلهما. لكن القضية تكمن في خروج طفل عمره خمس سنوات بعد ذلك من الغرفة الأخرى. و جرى ذلك قبيل عيد الفصح. خرج الطفل و لم يفهم شيئاً، لأنه لم يسمع اي شيء، لأن القاتل نفذ جريمته بسرعة و بهدوء. خرج الطفل و قال للّص: ((قام المسيح)). أحدث ذلك تأثيراً مرعباً على القاتل بحيث فقد وعيه. و لا اعرف ماذا جرى له بعد ذلك. لقد قصوا عليّ هذه الحكاية، لعله تم اعتقاله فيما بعد لكني استمريت بالقصة بحيث ينجو القاتل على كل حال و في النهاية يلتقي بذلك الطفل الذي قال له: ((قام المسيح)).

* كيف تمثلت لك عودتك الى الوطن من المهجر؟

- لقد كنا نعيش في نفس الوقت في فرنسا. عندما جاء غورباتشوف الى السلطة و بدأ البريسترويكا و من ثم جاء يلتسن، اعتذروا منّا نحن المنشقين و قالوا لنا أننا نستطيع العيش حيث ما أردنا في فرنسا، في ألمانيا، في امريكا و لكن نستطيع ان نعيش كذلك في روسيا. لقد كانت العودة مذهلة للجميع، طبعاً، لأنه في تلك الفترة جميع الناس تقريباً الذين عاشرتهم بمافيهم الاقارب كانوا احياءاً. بأستثناء البعض، الذين من بينهم الشاعر غوبانوف. و تحدث لك صعقة، طبعاً، عندما تشاهد، بعد خمسة عشر عاماً، الناس الذين قضيت معهم سوية الكثير من الوقت. و كذلك زوجتي كانت مندهشة لأن والدتها عاشت هنا. و كان كل شيء على ما يرام – و صار اللقاء جديداً. بينما شاهدنا على المستوى الاجتماعي ان البلد أصبح شيئاً أخراً: فقد كان في ذلك الوقت كل شيء يغلي حيث كانت تجري المظاهرات و اللقاات و غيرها. أما في الستينات فكانت اغلب الانتليجينتسيا سوفيتية و تخدم السلطة السوفيتة. الجميع حتى باسترناك كتب عن ستالين ناهيك عن الكتاب السوفيت الرسميين. و فجأة شاهدنا كل شيء قد تغيَّر: صارت الانتليجينتسيا تشبه الفئة الضيقة للانتليجينتسيا في الستينات بنفورها من الشيوعية. الموقف تغيَّر تماماً.

* انت اليوم كاتب لك محبيك و تعتبر زعيماً لمدرسة الواقعية الغيبية التي تحدثت عنها أنفاً. حتى انه يوجد ((نادي الواقعية الغيبية)) التابع لدار الادباء المركزية. فما هو العامل المشترك لدى اعضاء هذا النادي؟

- يعتبر سرغي سيبيرتسيف مؤسس كل هذا. يضم هذا النادي كتاباً مشهورين في روسيا مثل اناتولي كيم و فلاديمير ماكانين و اخرين.
قال كتاب جُدُد بما فيهم اولياسلافنيكوفا اذا ما وجد شيء جديد يغني القصة الواقعية فأنهم على استعدا للانضمام لهذا النادي لأنهم يريدون تطويره. اي انهم لا يريدون ان يبقوا هذا الاتجاه و هذه النزعة على حالها و هم يسعون الى الانظمام اليّ و الوقوف تحت رايتي. لكن الاهم في هذا انهم شباب. و كلهم اسماء معروفة و هم كتاب رائعون يعبرون عن الحالة الغيبية بصورة قوية جداً و مباشرة. و قد صدر عن دار النشر (أكات)) مجموعة قصص لكتاب شباب ذوي الاتجاه الغيبي. و هناك مجموعة اخرى يجري الاعداد لنشرها. إن قرائي و مُحبّي نتاجاتي هم بالاساس الشباب.

* لكن لديك ايضاً وريث في الادب و هو في العمر اكبر من الشباب قليلاً. انه فلاديمير سوروكين.

- ان حالة فلاديمير سوروكين لها خصوصيتها فهو لحد الآن لم ينظم الى حركتنا. هو نفسه يقول انه يعتبرنفسه تلميذي. لكنه يبقى مستقلاً و نتاجاته هي ادب له خصوصيته.

* لقد أعيدت لك الجنسية الروسية في عام 1991 و حصلت في عام 2000 على جائزة بوشكين المشهورة. فكيف تقيّم استيطانك و عملك في روسيا اليوم؟

- إنا اعمل بصورة اعتيادية و لكن الادب دائماً مرتبط بحالة دراماتيكية معينة. فنحن دائماً ما نتواجد في اوربا بما في ذلك فرنسا و ألمانيا. و انا أعتقد أن زماننا هو زمن التوحد و التقارب و لكنّهُ دراماتيكياً بما فيه الكفاية




غالب المسعودي - سَئِفتُ ولم أصبأ

قصص قصيرة جدا-عادل كامل