الثلاثاء، 16 يونيو 2015

المعاصرة-عبد الامير الخطيب *


المعاصرة



عبد الامير الخطيب *

على ما يبدو، يكون السؤال الشكسبيري التاريخي، "اكون او لا اكون..ذلك هو السؤال" و الاصح " اكون او لا اكون، تلك هي القضية" ، من الاسئلة المصيرية التي تجابه الانسان في كل زمكان ، و المعنى الظاهر كالمعنى الخفي لهذه الجملة التاريخية، وهو ان الانسان يبحث عن مكانه في زمنه ، عن كينونته، و هذا هوالمعنى الأقرب لكلمة المعاصرة.
فالمعاصرة تختلف تماما عن الحداثة، التى عمل عليها الكثير ولا يزالون في قضايا الفن والادب وغيرها مثل التكنولوجيا و علم اللسانيات. وما يهمني هنا بالتحديد هو قضية الفن، وأعني المعاصرة في الفن، و حصراً الفن التشكيلي الذي برع و برز فيه العراقيون دون سواهم من العرب في عقود الخمسينات و الستينات و السبعينات من القرن الماضي، و عن الدور المعاصر الذي يلعبه هؤلاء في تكوين وتشكيل الصورة النهائية للفن التشكيلى المعاصر في عموم الارض.
هذا المقال ليس دراسة علمية ميدانية عن الفن التشكيلي المعاصر، و لا نقدا لظاهرة الفن التشكيلي المعاصر ، بل مجرد اراء احاول من خلالها طرح اسئلة لما اراه في تجربتي الذاتية كاحد العاملين المتواصلين في هذا المجال.
كثيرا ما تحدثنا عن الفن الحديث، و عن دور الريادة للفنانين العراقيين لهذا الفن في عموم البلدان العربية، و شهد بذلك للعراقيين العرب جميعا، بمن فيهم من الباحثين و الفنانين، و حتى المهتمين بهذا الشأن و المُقتنين. كذلك عرفنا ان الفنان العراقي اضاف و بكل جدارة للفن او لصورة الفن العربي الحديث الكثير و من الاسماء هناك الكثير ما يملأ هذا الانترنيت. و باعتقادي ان ليس من المفيد الان ذكر أي اسم لاني في صدد الحديث عن موضوع أخر وهو المعاصرة لهذا الفنان، او بالتحديد تجديد معلومات الفنان والناقد والمهتم بتطورات الفن في العالم والذي اضاف اليه الفنان العراقي على وجه التحديد.
في قصة الفن العراقي المعاصر يتعرف المطلع و القارئ على ان اهتمام الفنان العراقي بالفن الحديث و بفن الخمسينات والستينات يعود الى البعثات التي ارسلت الى اوربا لدراسة الفن ، من الرعيل الاول للفنانين، و كذلك تواجد فنانين بولونيين الى العراق اثناء الحرب العالمية الثانية. وهذاالتاثير او بعبارة اصح التلاقح الذي حصل بين المهتمين من الفنانين الاوائل او ما نصطلح على تسميتهم بالفنانين المحدثين وبين ما تأثروا به سواء ما اتى او ما جلبوه من الخارج اثناء دراستهم كان هو حجر التعامل الاساسي في ريادة العراقين للفن الحديث.
و لكن اين وصل الفنان العراقي بخطابة التشكيلى و اين تواصله مع الخطاب التشكيلى ؟ هل انتهى عند نقطة الحداثة ؟ هل عرف موقعة بين اقرانه من الفنانين ام انه صغر و انطوى كالقنفذ كي يحمى موروثه الذي بدأ به و كانت له الريادة في جلبه الى عالم مليء بالممنوعات و المحرمات فيما يتعلق ب"الفن التشكيلى" خاصة ؟
المعاصرة كلمة تعني التواصل، والعصرنة تعني انك مع أخر ما توصل اليه الناس من تجارب، لا أعني هنا في الفن فقط بل اعني جميع المنجزات الثقافية التي من شانها خلق حياة متحركة فيها الجديد و المتجدد باستمرار. كما تعني كلمة المعاصرة ، انك تعيش مع الحالة او الشخص في ذات الزمن كقولك عاش ابو نؤاس معاصرا للرشيد، أي انهما عاشا في ذات الزمن. اذن فالزمن هو القاسم المشترك لطرفي المعادلة.
لقد درس الفنانون العراقيون اثناء الخمسينات و الستينات من القرن الماضي في اوربا وتعايشوا مع الفن الاوربي، و كما اسلفنا فانهم جلبوا التاثير حسب. أي انهم ادّوا وظيفتهم ولم يطالبوا بتاسيس معاهد او حتى مؤسسات تهتم بدراسة اخر ما تم التوصل اليه من تجارب في الفن التشكيلى، وهذه ليست مشكلة محددة في جيل محدد بل هي مشكلة مع كل الذين اعقبوا جيل الستينات، لاننا ورثنا الفن والمعرفة في الفن اساتذة و دهاقنة الفن أي من شيوخ عشائر الفن الفاهمين الكاملين الذين لا ينطقوا عن الهوى. فكان من الطبيعي ان يضبب الاستاذ في كلية الفنون تجربة الفنانين الاخرين مثل بيكاسو و ماتيس وغيرهما، و يتحدث عن هذه التجارب كأنها المقدس الطاهر الذي ربما يدنسه الاطفال النجسون.
وبدلا من إيضاح رؤية بيكاسو للتلاميذ والتي اعطاها للعالم من خلال الفن، يحاول الاستاذ الإستصغار من تلامذته و ربما تحقيرهم و محاربة كل من يبرز من الطلاب مما يكون تعبيرا عن العشائرية الدفينة في اعماق نفس هذا الاستاذ المريض بالنرجسية و المرض العربي الذي لا يُستأصل -" العشائرية"التي تم جلبها الى الجامعة و المحترَف و في كل ميادين الحياة، ولكي تبلغ بنا ما بلغناه في زمننا المعاصر الان.
لقد تجاهل أو انقطع الفنان العراقي وقرينه العربي، عن اخر المتطورات في الساحة التشكيلية العالمية منذ بداية السبعينات وبقي يراوح في ما انجزه و ما توصل اليه في الستينات، وبدل الإنشغال بوظيفته الاساسية وهي التواصل في صناعة الخطاب و المشاركة في صناعة الاخرالتشكيلى ، لجأ الى التواصل مع الخطاب السياسي و التاكيد على صناعة الايقونات و صناعة الاصنام من هذه الايقونات، و لا اعني هنا العراق وحده بل طالت الحالة العالم العربي بأكمله.
وهنا اود ان أؤكد على أني لست ضد الايقونة و لا جميع الايقونجية، بل على ان على الفنان العربي ان يبرز مشاركته في صناعة الخطاب التشكيلى العالمي المعاصر، وهذا هو الذي دعاني الى كتابة هذه السطور المتواضعة، و طرح هذه الاسئلة التي لا بد منها.
في معرض نقاشي وفي مكالماتي مع اغلب الفنانين و النقاد والمهتمين بالفن التشكيلي، يتبين دائما ان الفنان العربي المعاصر يجهل تماما الفنانين الاخرين، أمثال انيش كابور و سيباستياو سلجادو و اوود نودروم أو أي فنان عالمي معاصر . إن هذا الجهل حالة خطيرة، و خطورتها الخفية تعّمق الهوة بين ما توصل اليه الفنان العربي و ما توصل أو يتوصل اليه الفنان الآخر ، المعاصر والعالمي.
يكتب معظم الفنانون العرب عن فنانين اخرين زملاء لهم او حتى كتابة بعض النقاد العرب او بالاحرى المشتغلين بالنقد عن الفنانين العرب، هي محض مجاملة ليس لها علاقة بالفن و تحليل الظاهرة او البحث الفني لهذا الفنان او ذاك، وهي تزيد الهوة عمقا ولا تردمها ابدا، بل وصلت الحال ببعض الروائيين و الشعراء بالكتابة عن بعض الفنانين كخالقين لظاهرة الفن الحديث، تماما ككتابة الشعر و الروايات عن سلاطينهم.
بقي ان اقول عن تجارب الفنانين العرب الذين ترعرعوا في الغرب و شاركوا في صناعة الخطاب التشكيلى المعاصر،و بالتاكيد سوف لن استطيع حصر هؤلاء ابدا فهم نجوم لامعة في سماوات " بلدانهم الثانية " ولهم وضعهم ومشاكلهم و حتى حضورهم الفعّال الذي يسجله لهم التاريخ. وأما قضية تغييبهم عن العالم العربي و الصحافة و الاعلام العربي فهذه قضية هي بحاجة الى بحث و تقص علمي.
اقول هذا وانا اتابع بعض ما ينشر في الصحف التشكيلية والثقافية التي تكتب عن الفن حيث ألمسُ أن الفنان العراقي يركز على حقبة الستينات و لا يريد ان يفهم الخطاب التشكيلي المعاصر فأحدهم يكتب عن فنان اخر بعين ستينية او حتى خمسينية صرفة، و يكتب السوري عن زميلة بذات العين. اما عن المنجز التشكيلي العربي المعاصر ، داخل العالم العربي ، فهناك ممارسة بالغة التعسف يمارسها العشائريون لوأد هذا المنجز و محاربته. ولنا مثال في ذلك الفنان البحريني الذي عمل انستليشن "فن تركيب" و طرد من موقع العمل و دُمِّر عمله.
لكن هذا لا يعني ان ليس هناك تجارب تشكيلية معاصرة ، فلنا في التجربة المجدِّدة للشباب المغاربة مثال على المنجز التشكيلي المعاصر، والمشاركة المعاصرة في صناعة الخطاب التشكيلي المعاصر. وهناك العشرات من الامثلة المعاشة أيضا.



* عبد الامير الخطيب فنان عراقي غادر البلاد في عام 1986 و يقطن في فنلندا منذ 1990.
يترأس شبكة الفنانين المهاجرين في الاتحاد الاوربي. وله موقعه الشخصي : amir


عالم الرواية- "ألسنة اللهب"-رواية تتناول حركة الإخوان المسلمين الليبيين لصلاح الحداد


عالم الرواية
__رواية تتناول حركة الإخوان المسلمين الليبيين لصلاح الحداد




  "ألسنة اللهب" (دار الغاوون) رواية جديدة للكاتب الليبي الشاب صلاح الحداد تتناول بالنقد حركة الإخوان المسلمين الليبيين، من خلال حبكة روائية تروي حكاية أحد أعضاء الجماعة في أوروبا من الذين تمّ التغرير بهم واستخدامهم لتنفيذ بعض العمليات، كما تكشف الكثير من طقوس الجماعة وأساليبها في العمل السرّي.
ورغم الطابع التشويقي للرواية فإنها تتسم بزخم في الجانب التاريخي والمعلومات التي تعرضها عن تاريخ الجماعة عموماً ومؤسسها حسن البنا.
وصلاح الحداد من مواليد طرابلس بليبيا العام 1970. صدر له في القصّة: «قطار الحب» (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2005)، وفي النقد الأدبي: «على ضفاف الشعر» (دار البستاني، 2004). يقيم في إيرلندا منذ العام 1998.
من أجواء الرواية:
- يبدو أن حركة الإخوان ذات جذور ماسونية، فسيّد قطب، على سبيل المثال، الذي كان يكتب مقالاته في "التاج المصري"، وهي لسان حال "المحفل الأكبر الوطني المصري"، وإن لم يصرح أي من مصادر الماسونية أنه كان ماسونياً، لكن الصحف الماسونية، لم تكن لتسمح لأحد من غير الأعضاء في الماسونية، بالكتابة فيها مهما كانت صفته أو منصبه، فما مدى انتمائه إلى الماسونية؟ وما الغرض من انضمامه؟ وإلى أي مدى كان اقتناعه بمبادئها؟
- لا يمكنني الإجابة عن أسئلتك هذه، يا حسن، فهي جزء من بحثك المكلّف به. أجاب مبتسماً، ثم استطرد وهو يحكّ ذقنه قائلاً: "إن الاختلاف الوحيد ما بين حركة البنَّائين الأحرار وحركة الإخوان هو أن الماسونية أكثر تحرُّراً وليبيرالية من حيث سماحها للأفراد من جميع الديانات الانضمام إليها، في حين تركِّز الماسونية الإخوانية على الأفراد الملتزمين بعقيدة الإسلام. ومهما يكن من أمر، فإنهما يتشابهان في كل الأمور الأخرى؛ من الأهداف والوسائل والمبادئ إلى الطموح والطقوس والرؤى والمنطلقات. ألم تسمع عن شعارَي "النظام العالمي الجديد" و"أستاذية العالم"، اللذين يردِّدهما قادة الحركتين؟ وبالمناسبة، فإن أول من رفع شعار "أستاذية العالم" هو حسن الصباح؛ زعيم حركة الحشّاشين. وإذا أردتَ المزيد من الدقّة حول هذا وذاك، فما عليك إلا إلى الرجوع إلى عضو الماسونية الأول؛ الشيخ جمال الدين الأفغاني، وتركته التي خلفها بعدما توفّي العام  1897، وهي مجموعة كبيرة من المقالات السياسية والدينية، التي من شأنها أن شكَّلت جزءاً من أساس قامت عليه حركة الإخوان في وقت لاحق. كان هذا الأساس، في الواقع، مبنياً على تصوُّر الأفغاني لإعادة إحياء حركة الحشّاشين من جديد. ولا تنسَ بالطبع، أن تمرّ على علاقته بالشيخ التنويري محمد عبده الذي حصل على رتبة "الأستاذ الأعظم". ومن هناك تستطيع أن تقتفي أثر علاقته بتلميذَين نجيبَين له هما: الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا، وهو أبو حسن البنا، والشيخ محمد رشيد رضا؛ أستاذ البنّا ومربّيه ومرشده الروحي.
- هل أفهم من هذا أن شخصية الأفغاني شخصية محورية بكونها حلقة الوصل ما بين حركة الحشاشين والماسونية والإخوان؟ نظر إليه متطلعاً إلى حركة شفتَيه، وهما تتدفَّقان بالمعلومات الغزيرة كالنافورة.
- هذا صحيح، نظراً لأصوله الفارسية ونشأته وترعرعه على مرمى حجر من قلعة الموت، ناهيك عن ميوله السياسية المبكرة، وطموحه القيادي الكبير. لقد اطَّلع على كل تراث الحشاشين وزار قلعة الموت مراراً، وكان مثله الأعلى حسن الصباح، كما كان حلمه الأكبر يتمثّل في إعادة إحياء الحركة من جديد. وازداد وعيه تفتُّحاً عندما صار عضواً ماسونياً كبيراً، حيث ساوره شعور كبير بإقامة صرح شرقي مشابه. أجاب بثقة، ثم أضاف بصوت هادئ وقوي: إن الماسونية باختصار، يا حسن، هي امتداد لحركة التنويرين The Illuminati‏ التي نشأت في القرن الثامن عشر، مستلهمة مبادئها من حركة الحشّاشين في الشرق الأوسط، التي هي منبع الحركات السرّية السياسية في العالم. إن الخيط الرفيع الذي يربط بين هذه الحركات السرّية جميعاً، هو الهدف المتمثّل في التحكُّم بالعالم والسيطرة عليه. كان شعار حركة الحشاشين: "لا حقيقة في الوجود، وكل أمر مباح"، والمقصود بالطبع على غير ما وقع في تفسيره المؤرِّخون خطأ أو عمداً من اتهامات باطلة بالاتحاد والحلول والكفر. كلا، فالمقصود هو المعنى الباطن؛ أي لا حقيقة في الوجود سوانا، والغاية تبرِّر الوسيلة.
- إن هذا بالضبط ما يعمل به حشّاشو هذا العصر من الإخوان المسلمين.
- لا شك في ذلك، وإضافة إلى ما قلت فإن نظرية "الغاية تبرر الوسيلة" تُنسب خطأ إلى الفيلسوف الإيطالي نيكولو مكيافيلي، إذ يرجع الفضل في تخريجها في عالم السياسة للحشاشين وليس لأحد سواهم.

أرشديني ايتها القبعات|- نجاج زهران




أرشديني ايتها القبعات|
 نجاج زهران

ها هنا أتكأ على شعاع الشمس
أشيائي ...دلالة أنثى
نسيتْ العثور عليها
 ميراث يصوره غبار فراشة
  أتورط بسكرة اليقين
بلفظة اللعبة الشقية لحصاني
وما أكل من أوراقي
 مكبلة بنوارس اليدين وخلاخيل الموج
لم أعد أسمع  خياراتي
إلا ظلا صرخ بالقلب
قمرٌ يحرق إبريق الليل بوشاحي
يربط الفجر بسرّة من شرر
لم أعد أعرف جسمي من عينيك
إنك تتكأ على أغلالي
تيمنا حد القلق
نسيتْ أين تقبع شرنقتي
 نفسي تتحول الى شبق أزرق
يرعبني الشغف بعينيك
الظل الذي تنثره
 هوالغد  ترسمه شقوق الريب
 يملأني استعطاف الحلم
موثَقة أركض الى مرآتي
لعثوري على نار الشريان
يغمرني سؤال
جسدي يفلت
أَلأن على حواف الضّوء المليئ بالطرقات
والاحلام
أجر الكون بمجدافي
أبارك الحياة  بالوصل
ما الذي  سيّعيد جسور المحطات
 ويمضي الى النهار
بين الرّغبة والنهايات
وسلالاتِ السباق
 رموزٍ وأعراق
أنا نفسي اغص بالمد
والملاعب
أغاني الساحات الليلية الحالمة
أَأَنا صلابة التناقض والمُفْتَرق على الحب
أأنا جرأة المستقبل وعماء التاريخ
ما الذي يزأر بتياري
يـقَهْقه ببساتيني  االنامية؟
أَأَنا  الشيء المحجوب واللاشيء
يسألُني  آخري : مَن أنتِ؟
ومِن أينَ غابات الندى الشفيفة؟
غاباتي أبناءها  قتال
 في  مستنقعات الدمٍ
الرمال قزحية
ملح على الجسد
أجُنونٌ؟
 مَنْ أنا في يقظة الحلم ؟
أَرْشِدْيني ايتها القبعات
يا هذا الجنونْ وأرق اللغز
أبحث  عن قيد بصلابة الرأس
وطمي الصدر
 ينتظر محطة في الطريق

الاثنين، 15 يونيو 2015

مؤتمر موقع قنطرة حول دور وسائل الإعلام في حوار الثقافات:مثير فتنة أم وسيط؟-هيثم عبد العظيم- برلين





مؤتمر موقع قنطرة حول دور وسائل الإعلام في حوار الثقافات:مثير فتنة أم وسيط؟ ـ دور الإعلام في حوار الثقافات

هيثم عبد العظيم- برلين

شهدت جلسات مؤتمر الإعلام الذي نظمه موقع قنطرة العالمي للحوار مع العالم الإسلامي مناقشات حامية، إذ اقترح الصحفي عبد الباري عطوان ميثاقا صحفيا يضمن عدم الإساءة إلى الأديان، فيما اعتبر آخرون أن ذلك قد توظفه الأنظمة الديكتاتورية لصالحها. هيثم عبد العظيم يطلعنا على أهم مداولات المؤتمر.



حاول مؤتمر قنطرة البحث عن إجابات تتعلق بطريقة التغطية الإعلامية للإسلام وللنقاش حول المهاجرين ودور الإعلام في حوار الثقافات
في عالم تحول إلى قرية صغيرة بفضل ثورة الاتصالات، يتعاظم دور وسائل الإعلام التقليدية والحديثة في خلق وتعزيز الحوار بين الثقافات، لاسيما في أوقات الأزمات. فهل تعي وسائل الإعلام مسؤولية الحوار الملقاة على عاتقها؟ وكيف يمكنها أن تضطلع بها خلال تغطيتها الإعلامية؟ من أجل الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها افتتح موقع قنطرة ومؤسسة دويتشه فيله في (25 اكتوبر/تشرين أول) مؤتمرا في برلين تحت عنوان "دور الإعلام في الحوار بين الثقافات - وساطة أم إشعال حرائق؟".

وحضر المؤتمر لفيف من الإعلاميين، والخبراء العرب والألمان من بينهم عبد الباري عطوان رئيس تحرير صحيفة القدس العربي اللندنية، وخالد الحروب مدير مشروع الإعلام العربي بجامعة كامبريدج، وايهاب الزلاقي من صحيفة المصري اليوم المصرية، إضافة إلى صحفيين غربيين من بينهم ياسين مشربش المحرر في الموقع الالكتروني لجريدة دير شبيجل الألمانية، وميشيل سلاكمان مدير مكتب صحيفة نيويورك تايمز في برلين.

وعُقد المؤتمر في مقر وزارة الخارجية الألمانية على مدي يومين والذي يأتي أيضا في إطار المؤتمر الخامس لتحالف الحضارات الذي تأسس بمبادرة تركية إسبانية عام 2005، وترعاه الأمم المتحدة. ويهتم التحالف بدعم المشاريع الهادفة إلى تعميق التفاهم بين الشعوب، وبخاصة بين الغرب والعالم الإسلامي، ومن هنا جاء قرار الخارجية الألمانية، إحدى شركاء موقع قنطرة، استضافة المؤتمر للإشارة إلى قنطرة كمثال ناصع لهدم الهوة بين الثقافات.

"ميثاق صحفي لضمان عدم الإساءة للأديان"


"المشكلة تكمن في الاهتمام بالأحداث الساخنة وإهمال المواد الصحفية التي تخلق سياقا لفهم تلك الأحداث وتحليلها"


المحور العريض لجلسات المؤتمر الثلاث اليوم كان النقاش حول مسؤولية الإعلام وسبل إسهامه في الحد من الصراعات بين الثقافات، وتناول المشاركون عددا من المحاور كان أكثرها إثارة للنقاش الاقتراح الذي تقدم به الصحفي عبد الباري عطوان والمتعلق بالحاجة إلى وضع ميثاق شرف صحفي يضمن عدم الإساءة إلى الأديان، وذلك على خلفية أزمة الرسوم الكاريكاتورية الدانمركية، وانتقد عطوان بشدة الإعلام الغربي معتبرا أنه يؤجج الصراعات في العالم العربي بسبب "تغطيته المنحازة والتي تعيد إنتاج الصور النمطية"، موضحا أن "الإساءة إلى الدين اليهودي تُعتبر عداء للسامية، والإساءة إلى السود تُعتبر عنصرية، أما الإساءة إلى المسلمين فتعد حرية للتعبير عن الرأي".

لكن الصحفي الأمريكي ميشيل سلاكمان الذي كان الضيف الآخر بجانب عطوان في الجلسة الأولى أبدى تشككه من إمكانية أن تكون فكرة وضع ميثاق صحفي مفيدة، بل إنها إذا صدرت من أنظمة غير ديمقراطية فقد تفتح الطريق أمام تضييق حرية التعبير عن الرأي وتكميم الأفواه، وعوضا عن ذلك يراهن سلاكمان على وعي القارئ وسلامة حسه اللذين يضمنان استبعاد أية مواد قد تكون مسيئة بفضل الإمكانيات الحديثة التي تمكنه من توصيل رأيه إلى الجهة الإعلامية المعنية.


وظيفة الإعلام خلق سياق للخبر 


كريستيان غرامش مدير راديو وموقع دويتشه فيله: "الإعلام لم يتدخل كوسيط وإنما دافع أو هاجم، ما ساهم في إشعال الأزمة".


التغطية الصحفية لأزمة الرسوم الكاريكاتورية الدانمركية كانت حاضرة بقوة في المؤتمر باعتبارها أبرز مثال على فشل وسائل الإعلام في نزع فتيل الصراع. فقد اعتبر مدير البرامج لإذاعة ومواقع دويتشه فيله كرستيان غرامش خلال كلمة الافتتاح أن الإعلام لم يتدخل كوسيط بين الأطراف المختلفة وإنما انبرى للدفاع أو الهجوم مما أدى إلى اشتعال الأزمة. وتساءل غرامش في كلمته ما سبب هذا الفشل الذريع؟

إحدى الإجابات الممكنة قدمها الصحفي الألماني من أصل عربي ياسين مشربش، فقد اعتبر أن المشكلة تكمن في الاهتمام بالأحداث الساخنة وإهمال المواد الصحفية التي تخلق سياقا لفهم تلك الأحداث وتحليلها. وانتقد مشربش الإعلام العربي لإنه لم يقدم لقارئه خلفيات كافية توضح له مدى حساسية حرية الصحافة لدى الغرب، معتبرا أن الإعلام الغربي لم ينجح في كل الأحوال لعمل الشيء نفسه لكنه على الأقل حاول، إذ لم تكد وسائل الإعلام الألمانية أثناء الأزمة أن تخلو من مواد صحفية تسعى إلى توضيح للقارئ الألماني حساسية المسلمين تجاه تناول نبيهم في أعمال فنية، ناهيك عن تحريم تصويره، أما الإعلام العربي فخلا تقريبا من خلال متابعته من مواد شبيهة توضح للقارئ أهمية حرية الصحافة في الثقافة الغربية.

الصحفية التركية ايسي كربات التي ضمتها الجلسة الثانية مع مشربش وآخرين ضمت صوتها إلى الأصوات المنادية بأهمية تقديم مواد صحفية تحليلية، وقالت إن النزاعات تتسبب كثيرا في أبلسة الآخر، ونزع صفة الإنسانية عنه، وبالتالي قطع الطريق أمام أي محاولة لفهم كيف يفكر الآخر، وهنا يأتي دور الإعلام من وجهة نظر كربات، وذلك من خلال تقديم قصص صحفية تعيد صفة الإنسانية إلى ذلك الآخر، وخلق سياق هادئ غير مشحون قد يؤدي في النهاية إلى قيام حوار بين أطراف النزاع.

أهمية النقد الذاتي والالتزام بالمعايير الصحفية

وتداول المشاركون في المؤتمر عددا من الأفكار والمقترحات الأخرى التي تسهم في عمل الإعلام على الحد من الصراعات، من بينها أهمية النقد الذاتي والاعتراف بالخطأ والتراجع عنه إذا حدث. في هذا السياق ثمّن عبد الباري عطوان الاعتذار الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز بعد حرب العراق عام 1991، حيث اعتبرت أن نبأ امتلاك نظام صدام حسين لأسلحة نووية، والذي نشرته قبل الحرب، هو نبأ خاطئ لم تتحر الجريدة دقته، ونشره يستحق الاعتذار للقارئ.

كذلك أشار المشاركون إلى أهمية الالتزام بمعايير العمل الصحفي، وروى الصحفي ياسين مشربش أنه اضطر للانتظار عدة أشهر لتأكيد معلومة لديه في مقال يعمل عليه حتى حصل أخيرا على تأكيد من مصدر موثوق، ثم نشر الخبر. فتلقى رسالة من مدون ينتقد فيها نشر الخبر الآن لإن المدون المذكور نشره منذ مدة طويلة، فكانت إجابة مشربش أنه صحفي وعليه التقيد بمعايير العمل الصحفي ومن بينها التأكد من صحة المعلومة، أما المدون فلا يحتاج لذلك. وهذا من وجهة نظر مشربش مصدر قوة الصحفي. كذلك أشار الصحفي عارف حجاوي أن ما يميز الصحفي عن المدون، هو أن معظم المدونين هم بالأساس مدافعون عن الحرية أو عن قضايا أخرى، أما الصحفي فهو ينقل الأخبار ويوضح سياقها بحياد ودقة ولا يضع نفسه في خدمة هدف خارجي.





الشاعر المغربي محمد الأشعري الفائز بجائزة «بوكر» العربية:-أجرت الحوار: ريم نجمي

.





الشاعر المغربي محمد الأشعري الفائز بجائزة «بوكر» العربية:
سنظلم الشعر كثيراً إذا اعتبرناه مجرد حطب للثورة


أجرت الحوار: ريم نجمي



فاز الروائيان السعودية رجاء عالم والمغربي محمد الأشعري بجائزة «بوكر» العربية مناصفة عن روايتيهما «طوق الحمام» و«القوس والفراشة». محمد الأشعري هو أحد أهم الأصوات الشعرية في المشهد الثقافي العربي .في هذا الحوار مع ريم نجمي يتحدث وزير الثقافة المغربي السابق عن دور الشعر اليوم وعن قضايا ثقافية أخرى. .

الأشعري :سنظلم الشعر كثيراً إذا اعتبرناه مجرد خطب للثورة،إن الشعر يستطيع كل شيء حتى عندما لا يستطيع شيئاً
تم الحديث في وسائل الإعلام أن بعض الأبيات الشعرية لأبي القاسم الشابي ساهمت في تأجيج الثورة في تونس،هل تعتقد أن الشعر ما زال يحظى بهذه القوة التأثيرية؟

من المؤكد أن الأبيات الشهيرة لأبي القاسم الشابي وجدت سياقها الطبيعي في الشعب الذي أراد الحياة ، فاستجاب القدر، وفي القيود التي انكسرت بمجرد الانتصار على الخوف ، وإجبار طاغية على الفرار خوفاً من الشعب ،لكننا سنظلم الشعر كثيراً إذا اعتبرناه مجرد حطب للثورة،إن الشعر يستطيع كل شيء حتى عندما لا يستطيع شيئاً.


اختيرت روايتك" القوس والفراشة" ضمن القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية، كيف تلقيت هذا الاختيار، خاصة وأن هويتك الأساسية هي هويتك كشاعر؟

كتبت هذه الرواية بشغف حقيقي وبجهد دام أكثر من أربع سنوات ، وقد استمتعت كثيراً وأنا أكتبها ،استمتاعاً لا أظن أن جائزة أدبية ستوفره لي مهما كانت أهميتها،ومع ذلك فإن الآفاق التي تفتحها الجائزة في مختلف مراحلها أمام الرواية أمر لا يستهان به، فأن تقرأ الرواية على نطاق واسع وفي لغات متعددة شيء لا بد أن يؤثر في مسار الكاتب وربما أيضاً في علاقته بالكتابة، عدا ذلك فإنني لا أخاف على هويتي الشعرية لا من الرواية ولامن جوائزها المحتملة، لأنني أكتب كل ما أكتبه بانشغال شعري بالأساس.

الأبيات الشهيرة لأبي القاسم الشابي وجدت سياقها الطبيعي في الشعب الذي أراد الحياة ، فاستجاب القدر، وفي القيود التي انكسرت بمجرد الانتصار على الخوف
ترجمت أعمالك الإبداعية إلى لغات عديدة، ما الذي يمثله لك انتقال أعمالك إلى لغات أخرى؟

عندما أقرأ أعمالاً أدبية جميلة مترجمة إلى اللغة العربية أو إلى اللغة الفرنسية التي أقرأ بها ،أحس أنني أتلقى أعمالا تحررني من رقبة الهوية المغلقة،وتمنحني إقامة مضيئة في هويات أخرى،إذا قدر لي أن أحقق شيئاً مماثلا من خلال عمل لي في لغة غير لغتي فسأكون سعيداً بذلك.


يحظى الإبداع الألماني من فكر وأدب بمكانة بارزة في الثقافة الإنسانية، كيف تنظر إليه كمثقف مغربي وعربي؟

في القوس والفراشة قصائد لهولدرلين، أردت أن أستحضر من خلالها قوة الشعر الألماني وإنجازاته الجمالية والفلسفية، لا أعتقد أن بإمكاننا استيعاب الشعرية المعاصرة دون الاقتراب من الشعر الألماني،لذلك أرى أن الحوار مع الفكر والأدب الألمانيين من خلال الترجمة مشروع على قدر كبير من العمق والحيوية.

أشرفت على الشأن الثقافي المغربي كوزير للثقافة لمدة زمنية قاربت العشر سنوات، كيف ترى الوضع الثقافي المغربي اليوم؟


فريدرش هولدرلين الشاعر الألماني الذي أراد الأشعري أن يستحضر من خلاله قوة الشعر الألماني وإنجازاته الجمالية والفلسفية أومن بكون الثقافة كإنتاج وكصناعة،لا يمكن أن تعرف دورة نمو قوية إلا في مناخ عام يتسم بالتحول الإيجابي، وبنوع من الطفرة في الذكاء الجماعي، ففي هذا المناخ تتحرر الطاقة الإبداعية ،و يتنامى الطلب على الخيال، لذلك لم يكن صدفة أن يعرف الوضع الثقافي في بلادنا نموا نسبياً في غمرة التحولات السياسية الإيجابية التي عرفتها بلادنا في نهاية التسعينات،ورغم ما في الإلحاح على هذا التلازم من مجازفة أو تعسف فإنني أميل إلى الاعتقاد بأن التقييم الكمي لا معنى له تقريباً في المجال الثقافي ، يجب بالأحرى أن ننتبه للقيم الجديدة ، وللروح التي تمنحها رؤية ثقافية مشدودة إلى المستقبل.

لقد تيسر لي أن أرى في بلدان غنية بأنظمة سياسية متخلفة، بنيات ثقافية مدهشة من مسارح ومتاحف ومكتبات،دون أن يكون لذلك أثر في إنتاج أو تداول ذرة واحدة من الجمال ،لذلك أقول إنني أرى الوضع مقلقاً في المجال الثقافي اليوم، ليس بسبب النتائج الكمية فحسب ولكن بالنظر إلى التحولات المعاقة كذلك.


ذاكرة التشكيل العراقي أرداش : الرسام شاعرا- جبرا إبراهيم جبرا

ذاكرة التشكيل العراقي

أرداش : الرسام شاعرا


  جبرا إبراهيم جبرا
رائع أن يكتب الرسام شعرا . فهذه المساحات الشاسعة من الألوان ،هذه القماشات المالئة فضاءات الجدران بشخوصها ورموزها وغوامضها ، هذه كلها لم تكف أرداش لقول ما يريد أن يقول . وكان لابدّ له من الكلمة ، المنقذ الاخير حتى لمن أتقن الضربات اللونية العريضة في فسحات لوحات لعلّ ما من حرية في تجربة الإنسان تساوي التعامل معها إنطلاقا ونشوة وجرأة.
الكلمة ، هذه السرينة الغاوية ، هذه الشرسة الناعمة ، هذه الملوحة ابدا بصور تتوالد ، وتنشطر ، وتتشظى ، الى ما لانهاية. ومن هنا عشق الرسام لها ، حين يجدها تأتيه بصور أخرى تعجز عنها الريشة . حتى ميكيلأنجلو ، الذي طوّع الخط واللون والحجر كما لم يطوّعه إنسان ، وجد أن لا بد له من أن يكتب قصائد / ملجأه الأخير ، منقذته الأخيرة ، من عذابات لجاجة التعبير.
وشاعرية أرداش هي في أنه يكتب الشعر كما لايكتبه الا رسام لايغمض له جفن. فهو يقظ أبدا ، يتسقط الكلمات بالعين ، لا بالذهن ، فيقذفها صورا ً ، لاجملا ً، وتتناثر المعاني في كل صوب ، وتراها العين في نثارها وتجمّعها في إضطراب كإضطراب الحلم .
شاعريته هي في أنه يكتب الشعر كما يخشى أي شاعر أن يكتبه ، أو كما يتمنى لو أنه يستطيع أن يكتبه. لاتنسيق ، لاتناغم ، لا منطق ، حيث الإعتماد في معظمه على الشررالذي ينطلق من قدح الأضداد.
إنها الشاعرية التي تنتعش بروعة المستحيل. فهو ، كما يقول ، يستطيع أن يرسم الغيوم والطيور ، السفن والبحار ، يرسم الله غاضبا ويرسمه رحيما ، يرسم الأرض والأمطار والمناجم ، لكنه لايعرف كيف يرسم ملامح الوجه الذي يحب ، لأنه المستحيل الذي يعصى على كل فن ويستحث الأصعب من كل فن .
وهذا سرّ من أسرار العشق. وهو عند أرداش عشق دائم ، جريح ، ساخر من نفسه ، لايبالغ ولايهوّل ، أسير المفارقات المستمرة التي تجعله يرى أحلاما ، ( وهوالذي لم يحلم قط ) ، كما يقول. يأتيه الشيء صورة ً ليندرج في سياق صورغير متوقعة ، فتتجّدد صدمة الألم ، وتتكرربها طعنة العشق .
ما أبسط هذه اللغة ! ولكن ما أكثف دلالالتها وإيحاءاتها!
الصداقة ، الحب ، الشهوة : الإتصال دوما جسدي ودوما ضبابي . فالتجربة آنية وفيزيائية ، غير أنها في ومضة واحدة تتحول الى غمام أبدي : إنها تزاوج اللذة والذكرى في غيبوبة الشعر.
هذا الذي يرى المدينة ( عذراء مباحة ) / مستباحة ، هذا الذي يحاور أحجارها ، وأبوابها الوحشية ، ويقرأ رسائل الأحباب على مصاطب شوارعها : يرى نفسه أميرها ، وإذا هو ( محارب من خزف ) في سيرك المدينة . إنه المهرّج الذي يعتصر الأحزان ضحكة ً للآخرين .
وفي طرقات المدن ، في حدائقها ، في ضباباتها ، في لهيبها ، هو دائما مع ذلك ( الطير الأبيض ذي الشفاه العريضة ) ، تلك المخلوقة التي يشعرنا في كل ساعة بأنه وإياها ثائران في أرض حرقتها الشمس ، حيث هما أيضا يحترقان عبثا ، مع الأزهار.
والزهرة فراشة ضائعة في الطرقات .
أهمس وئيد هنا ، أم صراخ مكتوم ؟ لايأس هنا ، ولكن أيضا ، لا أمل. ولاشيء يبقى هنا ، الا الشعر والأسى ، حيث الزمن هارب ، لايستكين. يسرق ، ويهرب ، والشاعر هو ( عاشق هذا الزمن ) محاولا الإمساك بالطير الأبيض مرة أخرى .
رائع أن يمسك أرداش بلحظات العشق الهاربة ، عن طريق الكلمة ، كما حاول أن يمسك بها عن طريق الصورة ، وهو هائم في متاهات الغربة ، متاهات الحنين الى نبعه الأول / أيام كان معنا ، في الخمسينات ، فتى أصغرنا سناً في ( جماعة بغداد ) ومليئا مثلنا برؤى المستحيل .

1990
عن كتاب ( معايشة النمرة ) لجبرا إبراهيم جبرا

معرض ضخم للسوفيتي الكسندر دينيكا-




معرض ضخم للسوفيتي الكسندر دينيكا






: تستضيف روما ولغاية 1 ايار/مايو معرضا للوحات الفنان السوفيتي الكسندر دينيكا مستهلة به سنة حافلة بمئات الفعاليات الثقافية الروسية من عروض فنية وسينمائية وحفلات موسيقية في ايطاليا تقابلها سنة ثقافية ايطالية في روسيا.
يضم المعرض الذي يقام في بلازو ديلي ايسبوزيوني 87 لوحة بينها اعمال من غاليري تريتياكوف والمتحف الروسي ومن مجموعة دينيكا في كورسك مسقط رأس الفنان.
تصور اللوحات مشاهد شهيرة من الثورة الروسية والحرب العالمية الثانية الى جانب نساء عاريات وصور من الحياة اليومية في الاتحاد السوفيتي موضوعاتها عمال مصانع ورياضيون واطفال.
كان دينيكا (1899 ـ 1969) رساما ونحاتا امضى فترة طويلة من حياته في ايطاليا. ويعتبره النقاد من اهم الفنانين السوفيت في النصف الأول من القرن العشرين.
من اشهر اعمال لوحة "الدفاع عن بتروغراد" (1928) والموزائيك الذي يزين محطة مايوكوفسكايا في مترو موسكو.
كان يُشار الى دينيكا وصديقه الايطالي ريناتو غوتوسو بوصفهما "مايكل انجلو القرن العشرين" بسبب تمثيلهما الواقعي لجسم الانسان.
ولد دينيكا لعائلة من عمال السكك وبدأ حياته مصورا فوتوغرافيا بعد تخرجه من المعهد الفني.
يقام المعرض باسم "الكسندر دينيكا: استاذ الحداثة السوفيتية" وحضر افتتاحه الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف ورئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلسكوني.











الأحد، 14 يونيو 2015

مجسمات-عادل كامل











أغرق بقشة العمر-نجاح المصري زهران

أغرق بقشة العمر
نجاح المصري زهران

من هنا كان ينبغي للجاجة قلبي
 ان تدفء السرير
ان تحمل الوقت الى العين السابعة
الى إبريز السماء
ما هذه الأطر التي تسكن شرفاتي
 وما هذا الزجاج
قل أيها التاريخ المشرع على الرمل
على الأفول
 لهب ولا شيء سواه
سوى انه في اتقاد
أبجدية أمام رأسي
خلف حنجرتي
صديق وصياد
اللغة تقص حواف الصفير
عصف بـ الرأس
تمطر من نعاس الوديان
من حلم لا يعرف عصابة الرأس
 أعطه جزية العسل
خذ قليلا من روحي أو بعضا منها
ودع ما تبق منها جنب السرير
أترى خيطها يحن للبقاء
يرفعني بإناء النهار
ببقايا الأحجية
فأنحني من صمت الحلم والقوس على الفجر
ولي فيها تفاحة ضاعت بزغب أطفالها
تتمايل بجناح الوسادة
السجادة تتنفس من رئة الغيمة على الباب
هل أضم الدقائق قبل أن يقضمها الاقتصاد
داخت العتمة بداخلي  بـ انفجارات الشمس
بتعويذة الطين للجسد
بهيكل المطرقة للفقه
قلت امنحني  شفاه بربرية
 بعيدا عن الخيبات
عن دحرجة عيني على الظن
أرتق بها كوة الحلم وخاصرة النمل
أجمع ذارع الدهشة  وشعر الاستفهام
لشرر نبض باللحظة العابرة
لشظايا البيت ومستنقع الأسرار
حتى هذه اللحظة يطفو الزمن على وجهي
أغرق بقشة العمر
وعطش حدق بالنهايات

الجمعة، 12 يونيو 2015

قصة قصيرة-المستنقع- عادل كامل

قصة قصيرة

المستنقع

عادل كامل

    ـ هل أنجزت مهمتك...؟
    رفع الدب رأسه وأجاب الجرذ المسؤول عن المتابعة:
ـ يبدو إنني أكملت الجزء الأكثر أهمية فيها...، لكن الأمر ليس بهذه البساطة...، سيدي.
   ولم يتوقف عن الكلام، موضحا ً مدى عنايته بانجاز ما كلف به. فرفع الجرذ صوته،  بعد أن صمت الدب:
ـ تستطيع أن تقول أن المهمة التي يصعب وضع خاتمة لها، لا يمكن عزلها عن أسبابها...؟
ـ وهذا ما أكدته تماما ً.
فضحك الجرذ:
ـ  وإلا فانك ستواجه مشكلات أيها الدب العجوز.
   فكر الدب، مع نفسه، ثم رفع صوته بخوف:
ـ أمهلني فترة وجيزة من الزمن، فالوباء الذي تسلل إلى المناطق البرية، من الحديقة، نجح في إحداث اختراقات...
ـ ليس هذا ما نريده منك...
وسأله بصوت أعلى:
ـ  هل هناك استجابة، أو قل ترحيبا ً، أو تسترا ً ...، أو... خيانة؟
ـ بحسب زياراتي الميدانية اليومية، خلال ساعات النهار والليل...، وبعد المعاينة المباشرة، التفصيلية، وإجراء الفحوص المختبرية، والنفسية، والفكرية....، ظهر لي أن الوباء محض إشاعة!
ـ إشاعة...؟
ـ ليس لدي ّ كلمة أدق....، وإلا لقلت لسيادتكم:  إنها حالة اعتيادية!
ـ ولكن عدد الوفيات في زيادة ..، حتى أكدت بعض التقارير ان حالات الانتحار فاقت الإشاعات ...، دالة على وضع مبيت،ومقصود، يرتقي إلى الشبهات، بل إلى الخيانة...؟
  اقترب الدب من الجرذ:
ـ لم اترك شاردة ولا واردة إلا ودونتها...، أما مهمة البحث عن الأسباب الملغزة، فانا غير معني ...، وغير مسؤول عنها.
ابتعد الجرذ قليلا ً:
ـ سأخبر مكتب السيد المدير بذلك...!
ـ انتبه...، يا سيدي، فانا سأعثر على هذا الذي بدا لكم بلا أسباب، وعلل.
ـ جيد.
   اختفى الجرذ، المسؤول عن المتابعة، والمراقبة، والرصد، ففكر الدب مع نفسه، انه لم يعد يميز ما إذا كانت الحياة قد بلغت ذروتها، أم إنها ستبدأ من جديد. فثمة حد لا هو بالعازل ولا هو بالموصل بينهما؛ هل نحن خاتمة دهر أم أوله؟  وهل الكارثة واقعة بالضرورة أم أنها في طريقها إلى الاكتمال....؟  فتذكر ان الجرذ حذره من الوقوع في هذه المناطق الرخوة، والغامضة ، لأنها شديدة الالتباس، وقد لا تزيد الغموض إلا  مزيدا ً من التعقيدات غير الضرورية...، لهذا عليه بذل أقصى ما يتمكن من العثور على النتائج التي تؤكد ان المرض وجد استجابة، وليس محض ضيف أو زائر دخيل، وليس محض إشاعة!
ـ هل عثرت على هذا الذي لا وجود له...؟
    ورفع رأسه، محدقا ً في عيني جاره، الذئب العجوز:
ـ المشكلة ان الذين يموتون لا يتركون أثرا ً دالا ً... ، على أسباب الرحيل الغامض.
ضحك الذئب:
ـ بل المشكلة إننا أصبحنا غير معنيين بموتانا، ولا بأسباب الموت، أصلا ً! 
فقال الدب:
ـ سيان...، إن كانت الدوافع حقيقية أم كانت مراوغة، ووهمية، فالجثث المجهولة الهوية تملأ الممرات..، والزرائب، والحفر، والحظائر، وضفاف المستنقعات...
   ضحك الذئب مرة ثانية:
ـ قبل ان نرحل...، وقبل ان نطرد منها، وقبل ان نختفي من هذه الحديقة، طالما انتابنا هذا الإحساس بالغياب...
ـ لم افهم قصدك؟
ـ كلامي ليس بحاجة إلى الشرح، ولا إلى التأويل...، فعندما حل الوباء، فينا، قاومناه، وعندما فشلنا في القضاء عليه، تصالحنا معه، وبعد هذا الصلح أصبح الداء يمتلك لغز الغائب في حضوره، وهو لغز الحاضر في غيابه!
ـ كأنك تتحدث عن هذا الذي يحصل اليوم...
ـ أنا اعتقد ان الرغبة بالموت، في الأصل، كامنة فينا، أي إنها ليست مستحدثة، وليست بحاجة إلى من يوقظها ...
       عدنا إلى الحد الفاصل بين السراب والماء، بين الوهم والحقيقة، وبين الجائر العادل، والعادل الجائر...، عدنا إلى الفاصل الذي نجهل سر عمله وهو يموه علينا قدرته على التجدد، والانبثاق...، وأضاف يدندن مع نفسه بصوت أعلى:
ـ فإذا كان الوباء قد وجد من بانتظار حضوره، ووجد من يستقبله، ويحتفي به، ويتضامن معه، ويشاركه أهدافه.....، فما معنى البحث عن الأسباب الكامنة وراء هذه الأسباب؟
قال الذئب بصوت مذعور:
ـ لأننا سننقرض!
ـ ماذا نفعل إذا كانت النتائج واحده؟
ـ نحد منها.
ـ لدينا من وجد الموت حلوا ً مثلما هي الحياة...، ولدينا من فر وغادر...، ولم يبق إلا من لا عمل له سوى انتظار هذا الزائر الجميل!
ـ آ ...، أيها الدب، انك شغلت حياتك بقضية خاسرة....، للأسف لا جدوى حتى من الأسف، أو الاعتذار، أو حتى طلب الغفران!
ـ صدقني أنا لم انشغل بها...، هي التي شغلتني...، أو هكذا وجدت نفسي منشغلا ً بقضية تداخلت مقدماتها بنتائجها، ونتائجها بالمقدمات..! فانا الآن لا أرى إلا هذا الحشد غير المكترث لمصيره، ولمصيرنا جمعاء، فها أنت تراهم يتنزهون، ويتسامرون، ويتجولون...، بين الجثث، وتراهم لا يكترثون لموجات الفرار، والنزوح، والهجرة...، وكأن شيئا ً ما لم يحدث...
ـ هذه هي الحقيقة!
ـ حتى تكاد الحديقة أن تخلو من سكانها!
ـ الحقيقة أم الحديقة...؟
ـ سيان، مثل أن تقول: ما الصمت إلا اعلي الأصوات...، ومثلما تقول: ما الشمس إلا ذرة فحم! لأنك عمليا ً ستجد داخلها المجرات والشموس والكواكب، وهذه هي الحقيقية التي سكنت الحديقة، وهذه هي الحديقة التي ترعرعت فيها الحقيقة!
ابتعد الذئب عنه قليلا ً، فخاطبه الدب:  
ـ لِم َ لم تستنطقها...، وكلاهما يتضمنان اللغز نفسه...، مثل قولك: المفتاح هو القفل، والقفل هو المفتاح؟!
   اقترب منه، وتكلم همسا ً:
ـ كان علي ّ أن افعلها، قبل نصف قرن، ولكنني، لأسباب اجهلها، لم افعلها...، فقد قلت: دع الأيام تكمل مساراتها حتى لا تتعثر فتتعثر معها!
ـ لكنك تعرف أن المشكلة لا تكمن هنا...؟
ـ أين تكمن..؟
   هز الدب رأسه مذعورا ً:
ـ أنا أيضا ً لا اعرف...، فالحياة تبدو تعمل وهي تحول لا شرعيتها إلى واجب...، والواجب إلى لامبالاة!
ـ ها أنت تقترب من الحقيقة...
ـ إن متنا ورحلنا أو غبنا أو لم يحصل ذلك، إن ولدنا أو لم نولد،  فالنتيجة تبقى كامنة في عوامل ديمومتها، وهي عوامل فنائها...، وتستطيع أن تقول: القفا يستكمل الوجه!
ضحك الدب:
ـ دعك من الهزل!
ـ هل سردت لك طرفة، أم تراني اسخر...؟
ـ بل سمحت لي بالعثور على الأسباب المؤدية إلى وجود الأسباب...، ومنحتني قدرة الولع بلا أسبابها أيضا ً!
ـ آ ...، عدنا إلى الشر الذي تربص بضحاياه...، فما أن يجد الوباء سكنه حتى يغدو هو المأوى!
ـ لم افهم...، أرجوك، فهذا العدد الكبير من المعلومات يشوش علي ّ ما كنت أظن إنني عرفته...!
ـ سيدي، ببساطة، نحن أصبحنا المعضلة غير القابلة إلا كي تكمل مقدماتها...، فالوباء لم يتسلل، ولم يجد من يأوهيه، وليس هو إشاعة أيضا ً.
    ابتعد الدب ولصق جسده بالجدار:
ـ انك تدعوني إلى الموت؟
ـ ها، ها، ها....، كأنك لم تمت بعد؟
ـ لكن بماذا اخبر سيدنا المدير....، عندما يأتي الجرذ ويزعق في وجهي: هل أكملت مهمتك؟
ـ ها أنت تخترع مشكلة لا وجود لها...، كي تجعل منها مشكلة شرعية؟ فقبل أن يستوطن الوباء، كنا نعمل على استبعاد حضوره، وعندما حل، وراح يفتك بنا، أدركنا استحالة مقاومته، وعندما اعتدنا وجوده بيننا أصبحنا نعمل على مراضاته...، وعندما جاء من يدعونا للقضاء عليه...، أدركنا استحالة اجتثاثه!
    رد الدب بصوت واهن:
ـ لعل الزمن السعيد الوحيد الذي عرفته حديقتنا، كان زمنا ً لا وجود له....، وإلا كيف تتحدث عن السعادة والمسرة والمرح بمعزل عن الذين هم أصل البلاء، والوباء، والبلية...؟
ـ ها أنت تقول الصواب..
ـ سيدي، هذه نتيجة، وهم يطلبون مني أن اعثر على أسبابها...
قال الذئب وهو يبتعد نحو المستنقع:
ـ كان عليك أن تتعلم من الأشجار لغز مرحها، وكان عليك أن تتعلم من الصخور سر سكينتها، وكان عليك أن تتعلم من الماء سر شفافيته!
هرول الدب خلفه:
ـ لا تسرع...، فإذا مت أنت يا جاري، بعد أن حصد الموت أرواح هذا العدد الهائل من المخلوقات، فعن من أدوّن، ولمن أبوح بالأسرار...؟
ـ لا تدوّن....، ولا تفشي سرا ً...، مع إننا اتفقنا بعدم وجودها، إلا بحدود ظاهرها المعلن...، لا تدوّن ...، فمن طلب منك أن تشتغل في مهنة اختراع الوهم،  ومن طلب منك أن تكد وتشقى في وصف تفاصيله الدقيقة، من ثم لتعيد بناءه، كي تدرك أخيرا ً انك لم تعرفه...، تارة تقول انك أضعته، وتارة تقول انه أضاعك، وفي الغالب تكون أضعت  حياتك، هذا إذا كانت لديك حياة أصلا ً!
ـ توقف..، لا تسرع، فالجرذ لم يمت بعد...، ومادام لم يمت فهو سيعثر علينا، وسيلقي القبض علينا حتى لو متنا!
تسمر الذئب مذعورا ً:
ـ كأنك أصبتني بالعدوى...؟
ـ العدوى...؟
ـ فانا أصبحت اجهل ما سيحصل لي بعد الموت؟
ـ سيدي، لا اعتقد انه سيحصل لك إلا ما كان حصل لك قبل أن تولد!
ـ آ ....، ها أنت تعيد لي السكينة...، فما سيحصل لي بعد الموت هو استكمال للمشروع الذي سبق ولادتي...، فانا أدرك الآن ـ الحقيقة وفي هذه الحديقة ـ إنني لم اربح خسائري، ولم اخسر مكاسبي...، فالعدم السابق على الوجود سيمتد إلى الوجود المكمل لعدمه...!
ـ بالضبط!
ـ هل ستدوّن هذا في تقريرك أيها الدب الأحمق؟!
ـ أرجوك ...، فإذا كنت أحمقا ً فهذا لأن الحماقة سابقة في وجودها وجودي...، فانا لم اخترها، مثلما لا يوجد احد ما يختار الذهاب إلى جهنم بطيب خاطر، وإنما لأن الاختيار يحصل من غير قدرة على قهره...؟
صرخ الذئب:
ـ  إنها الحرية الشفافة! إنها الحرية التي لا يصنعها إلا الأحرار...، لأن ناتج عمل الأحرار لا يأتي إلا بها، مع إن أحدا ً لا يعرف لماذا دامت أغلال العبودية بديمومة وجود هذا العدد الغفير من الأحرار..؟  ذلك لأن الحرية إذا ً سابقة في وجودها وجودي...، وهنا يبدو الإيمان بها وهما شبيها بمن يدحضها أو يغفلها...، وهكذا عدنا ـ سيدي ـ إلى المعضلة...؟
ـ تقصد ... التي وجدت قبل وجودنا...، لأنها هي التي ورطتنا بالوباء، ثم علينا أن نجد ونكد ونشقى ونعمل على استبعاد إنها معضلة...، وهكذا تمتلك الشرعية قدرتها على التمويه، والديمومة، والخلود؟!
ـ على البطش، والجور، و...على ما لا يقال.
ـ أسكت...، قد تلتقط ذبذبات أصواتنا...، وقد يرصدون ومضات عمل أدمغتنا، ما داموا يمتلكون مفاتيح فك شفرات هذا المفاتح في هذا القفل؟
ـ لم افهم..؟
ـ الم تقل إن الحقيقة وجدت مأواها في هذه الحديقة، وان خلاف هذا القول لا يحتمل الدحض: فلولا الحقيقة لا وجود للحديقة، ولو لم تكن هناك حديقة فان الحقيقة تكون عادت إلى ما قبل وجودها، ووجودنا، وإنها خالدة بعد فناء الزمن؟
ـ قلت اسكت..، رغم إن هذه الذبذبات، سيدي، سابقة في وجودها وليس ملحقة به!
ـ نحن أم الذبذبات...؟
ـ كلانا...، فهل لديك قدرة فصل هذا السابق عن اللاحق، في ديمومة بقاء النهايات متسترة على لغز انبثاقها، وتجددها....، أم لديك قدرة عزل النهايات الممتدة عما سبقها من أزمنة لا بدايات لها....؟
    تهاوى الدب..، فاقترب الذئب منه:
ـ مسكين! أمضيت حياتك منشغلا ً بهذا الذي  ذهب ابعد من وجودك! ابعد من الماء والأشجار والصخور والزمن...، ابعد من الحديقة، ومن الحقيقة أيضا ً...؟
    وجد الدب لديه قدرة على النطق:
ـ وأنت...؟
ـ أنا لم اترك حملا ً لامه، ولم اترك ذئبة لبعلها، ولم اترك أرنبا ً طليقا ً، ولا طيرا ًيدب فوق الأرض، ولا بشرا ً يتبختر، إلا واعدت له عدمه...، سقته إلى الدرب الذي ضل مساراته فيه! فكنت اردد مع نفسي: أنا هو عدمكم وقد اكتمل وجوده!
ـ آ ....، أنت إذا ً هو الوباء، سيدي؟
ـ بل أنا هو العقار...، يا حيوان، يا حمار، يا معزة، يا بعير، يا بعوضة، يا جاموسة، يا ...
ـ اسكت، أرجوك، فقد يظنون انك تقول الحقيقة، فكيف اثبت لهم إنني لست إلا حيوانا ً، حمارا ً أو قنفذا ًأو بغلا ً....، كيف اخلص نفسي مع إنني فقدتها قبل أن يكون لها وجود ...؟
ـ هذه معضلتك التي عليك أن تستكمل فصولها... ولا تتركها مبتورة، ناقصة، فلا يصح أن تكون حكيما ً من غير مغامرة، ولا يصح أن تكون ربحت شيئا ً من غير خسائر...، فالنار لا تترك إلا رمادا ً، والحياة، في الأخير، لا تترك ما يدل عليها!
ـ إذا ً...، لم تعد لدي مهمة...، بعد حديثك المروّع هذا...، فأنت لم تبق لي شيئا ً ما من الوهم أتعكز عليه...؟
ـ هي التي ستعثر عليك، ولن تدعك وحيدا ً، فالذي يولد وتراه يهرب من الموت هو في الواقع يخدعنا ويخدع نفسه لأنه وحده من يقترب منه....، فإذا اعتقدت بأنني سأرمي بجسدي إلى المستنقع، فانا في الواقع ألبي نداء الأغوار النائية...، لأننا عمليا ً لم ندوّن إلا ما كنا نسعى إلى محوه..!
ـ وهل ستتركني أراقب كيف نغطس في هذه المياه الآسنة...؟
ـ هذه هي المشكلة...، لأنني كنت احلم أن أموت في المياه العذبة! لعلي أولد في مستنقع  آخر تندمج نهاياته بدشيناته وتغيب فواصله وتلاشى قبل أن تترك أثرا ً لها، ولا أثرا ً يدل على إنها قاومت حتى زوالها!
ـ ها أنت تجعل الحد الفاصل بينهما متحدا ً...، مادمت ستولد من موتك مرة ثانية، لتكون لك صورة غير التي محوتها...؟
ـ أنا ـ يا سيدي ـ مثلك، فانا هو الوباء الذي لا يمكن استئصاله إلا بالعودة إلى هذا الذي نلبي نداءه...!
صرخ الجرذ، وهو يقترب منه،  يتبعه حشد من النمور، والتماسيح، والأسود، وأفراس النهر، ويمشي خلفه السيد المدير:
ـ قفوا ...، قفوا...
    لكن الذئب غطس في ماء المستنقع، واختفى...، تاركا ً فقاعات من الهواء، فوق السطح، تحولت إلى هالات!
ـ ها أنا أرى ما لا يحصى من الكواكب تتلاشى، ومن الشموس تنطفئ، وثمة مجرات تتناثر...، في هذا الفضاء المشغول بالفضاءات، وقد تخللته هذه الومضات الغريبة! فالدورة لم تستكمل دورتها وما انفكت تدور....
   امسك الجرذ بالدب:
ـ هل دوّنت كلماته...؟
ـ نعم، سيدي، فانا لم اترك شاردة إلا ولحقت بها، ولم اترك واردة إلا واقتنصتها، لم اترك أدق التفاصيل تغيب عني، ولا اللا مرئيات تتوارى داخل مكنوناتها، حتى عثرت على اللا أسباب التي ستشغلنا ملايين السنين، ورحت ارصد مساراتها الملتوية، المراوغة، لظاهرها وباطنها، كما تعقبت الأصداء بعد زوال أصواتها، وتحريت عن مصادر الظلال، والضلال، ولم اترك ضالة، ولا بدعة، ولا منكرا ً، ولا فرية....، إلا ونبشت في حفرها وفي دهاليزها المظلمة وأخرجتها من مخبئها ومناطقها المجهولة....
    سمع المدير كلمات الدب، فسره ما سمع، فأمر بحركة من رأسه الجرذ، نفذها في الحال.
صرخ الدب:
ـ  لم يحن أوان نهايتي أيها الزعيم....، فهناك الكثير الذي لم أدوّنه بعد....، الكثير...، بل الأكثر من الكثير....، من هذا الذي نقشته فوق هذه الألواح...؟
ـ مت بوقار الصمت!  فهناك ألف ألف حسنة ستحصل عليها، وألف ألف أخرى تنتظرك بعد الموت...، وألف ألف ألف مضافة عندما تبعث إلينا من جديد!
ـ سيدي أيها الزعيم الذي لا يموت، يا واهب المقدمات من غير نهاية، وواهب النهايات من غير مقدمات،، يا من  ظله لا يزول، ولا يستحدث، يا سيدي الجبار لا أريد إلا واحدة .... من هذه الحسنات!
ورفع صوته:
ـ واحدة فقط...
فأمر المدير الجرذ:
ـ دعنا نستمع إلى رغبته...
قال بصوت غائب:
ـ لا أريد أن أموت!
   ابتسم المدير وقال للجرذ:
ـ ولكنهم لا يريدون أن يتأخر...
وخاطب نفسه:
ـ أما أنا فلا صلاحيات لدي ....، وأنت أول من يعرف ذلك!
فصرخ الجرذ:
ـ سيدي...، لدي ّ كلمة أخيرة...
ـ قل.
ـ إنهم لن يدعوك، بعد موته، حيا ً!
ضحك المدير:
ـ اعرف!
فقال الدب لنفسه:
ـ وأنا أيضا ً كنت اعرف لماذا لم يردم هذا المستنقع!
9/6/2015