الأربعاء، 13 مايو 2015

مجسمات -عادل كامل










جامعة دهوك الخاصة والحلم الأمريكي !-د.إحسان فتحي



جامعة دهوك الخاصة والحلم الأمريكي !


د.إحسان فتحي

     قبل أيام لفتت انتباهي بعض الصور التي أظهرت بناية الجامعة الأمريكية الخاصة في مدينة دهوك وهي تحت الإنشاء وعلى وشك الانتهاء. من الواضح إن المصمم المعماري المسؤول عن التصميم (لا اعلم من هو) قد لجأ إلى الطراز الكلاسيكي الإغريقي أو الروماني، أو بشكل أدق، إلى ما عرف في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية منذ بدايات القرن التاسع عشر، بحركة "الإحياء" أو"الريفايفل". وقد شيدت المئات من أهم الأبنية الرسمية بشكل يحاكي تماما المعابد الاغريقية او الرومانية او القوطية، ومن بينها، على سبيل المثال لا الحصر، المتحف البريطاني في لندن، وبناية الكونغرس، والمحكمة العليا في واشنغطن، وجامعات عديدة منها هارفرد ولندن وتارتو في استونيا، وكذلك محطات للقطار منها بنسلفانيا، وكنيسة ماديلين العملاقة والبورصة في باريس، وغيرها الكثير. لكن هذه الحركة انتهت منذ بداية القرن العشرين حيث إزاحتها بقوة الحركة الحديثة واستهجنتها بشدة باعتبارها تيارا سلفيا عقيما لايراعي ابدا التطورات التقنية وتبعات الثورة الصناعية التي غيرت بشكل راديكالي تقنيات البناء وطورت مواد معمارية جديدة تماما. كانت هذه الأبنية عظيمة في زمانها ومكانها لانها عكست تماما القيم الجمالية والتقنيات السائدة آنذاك، لكن استنساخها بعد موتها بمئات او حتى آلاف السنين يشكل عملا عبثيا ورجعيا بكل معنى الكلمة.
 ومن المحتمل أن يكون المعماري قد خضع لتوجيهات محددة من مالكي مشروع  جامعة دهوك الخاصة أجبرته على محاكاة هذا الطراز الغريب جدا عن الارث الثقافي والمعماري بهدف عكس "أمريكية" الجامعة و"عراقتها" الكلاسيكية حسب اعتقادهم! إني لا أتردد بالقول بان الطراز الكلاسيكي التي تم تبنيه في هذه الجامعة هو امر محزن تماما ويعبر عن جهل عميق ولافت للإرث الثقافي العراقي أو الرافدي الذي كان بالإمكان الاستلهام منه بدلا من الإرث الإغريقي الذي اندثر منذ 2000 سنة!  ان طراز هذه الجامعة المضحك يعبر عن شعورواضح بالنقص ويبين للجميع مدى الانحدارالمخزي الذي وصل اليه البعض من معماريينا، عربا وأكرادا، ووو، في تعاملهم المبتذل مع العمارة والبيئة الحضرية باعتبارها منجزا ثقافيا وحضاريا.
 أشير بهذه المناسبة الى 3 تصاميم لجامعات عربية شيدت منذ فترة ليست بعيدة. الاولى هي جامعة الشارقة ( العربية والامريكية) التي صممهما المعماري الفرنسي (جامبرت) عام 1996 مستلهما طرازا اسلاميا كلاسيكيا محدثا ولم يقلد الطرز الكلاسيكية الاوروبية. وانا، بهذه المناسبة، لست متحمسا جدا لما سميته بالطراز الشارقي المعتمد رسميا في هذه الإمارة، ولكنه أفضل بأشواط بعيدة جدا عن مثال دهوك.
 المثال الثاني، وهو برأي احد أهم التصاميم الجامعية المعاصرة في منطقتنا، هو حرم الجامعة الأمريكية في القاهرة الذي صمم عام 2001 من قبل مكتب الياباني ساساكي وبالتعاون مع المعماري المصري عبد الحليم إبراهيم. وقد أبدع المصممون في تصميم حرم جامعي حديث يشكل تجربة متميزة حقا في توظيف الموروث الإسلامي في فن العمارة. أما المثال الثالث فهو بعض أبنية جامعة الأميرة نورا بنت عبد الرحمن للبنات والتي صممها المكتب الاستشاري العملاق (بيركنز+ ول) الذي تأسس في 1935 ويعمل فيه أكثر من 1500 موظف ومهندس! إن تصاميم العديد من أبنيتها الأكاديمية التي يرجع تاريخها إلى 2008 تمثل أيضا تجارب متميزة ومبدعة في توظيف فكرة المشربيات الضوئية العربية والأفنية الداخلية والحدائق الخلابة والبرك المائية والزخارف الإسلامية المؤثرة بصريا، والتي اعتقد بأنه يجب أن تكون أمثلة تدرس يحتذى بها حقا من قبل طلابنا ومعماريينا على السواء، بدلا من الأمثلة المزرية التي نراها الآن في كل مكان من زاخو إلى الفاو كما يقال.
نحن بحاجة إلى ثورة كاملة لإعادة تثقيف أنفسنا بعظمة موروث الحضارة الإسلامية وفنها المذهل الذي تبلور عبر أكثر من ألف سنة من التجارب والمنجزات الجبارة. نحن بحاجة إلى رد الاعتبار لذاتنا والشوق المتواصل لفهم ومعرفة موروثنا.



وداعا وسماء الاغا-1954-2015


مجلة الأدب العربي المعاصر : النقد السياقي وأزمة الثقافة

مجلة الأدب العربي المعاصر : النقد السياقي وأزمة الثقافة: د غالب المسعودي ليس النقد السياقي، في أساسه، سوى تسمية أخرى لما يعرف بـالنقد الجديد في الولايات المتحدة خاصة، أي النقد الشكلاني ...

الأحد، 10 مايو 2015

ابعد من القًسم.. !-عادل كامل



ابعد من القًسم.. !


عادل كامل
هناك حوار قصير جرى ـ أمامي ـ بين قاض ٍ ومشتكى عليه. وقد طلب القاضي من المتهم أن ينفي الاتهام بالقسم! لكن الأخير رفض! وقال للقاضي: إن لم تصدق .. فان القسم ـ بحد ذات ـ إدانة!!
لا اعرف لماذا ذكرني هذا المشهد بأحاديث كثيرة وصاخبة تجري بين الناس، أساسها، بالدرجة الأولى: الشك ـ لكن ليس بالمعنى الذي ذهب إليه الغزالي أو الفيلسوف الفرنسي ديكارت ـ  وإنما بمعنى عدم الثقة!
ففي الأدب أو الفن ـ على سبيل المثال ـ تثار أسئلة حول أهمية المنجزات [ المعرفية ] ـ خاصة أن التقييم والنقد يأتي متأخرا ً إن لم يغب نهائيا ً! ـ ومدى صدقها بما يتضمنه الإبداع من إشكاليات مزدوجة بين المبدع وبين من يتولى منحه الشرعية من جهة.. والعمل بما يتضمنه معالجات غير مناسبة او مغامرة أو مخالفة، من جهة أخرى.
هنا تتشكل صعوبات القناعات وما هو ابعد من الرضا والاستحواذ والهيمنة. فالإبداع  عمل ـ كما في أكثر الآثار حيوية  ورمزية كالدمى الطينية وتماثيل عشتار وجذور الكتابة العراقية ـ لا يتوقف عند قواعد ثابتة أو نهايات لا تقبل الدحض.. وإلا لغدا الوجود بصفته مجموعة آلات ـ لا  غاية له سوى إنتاج زواله: عبر الاستهلاك! مع أن الواقع غير [ الشعري ـ الروحي ـ الجمالي ] ينسحب على المشهد عامة، وهو الذي شكل سمة ما من سمات الحضارات المتعاقبة.
لكن العمل على دحض [الأشياء] أو الروحي المقيد داخلها، لم يحصل بمحض المغامرة أو المصادفة.. فثمة ما بعد المعرفة ذاتها: ما بعد إنتاج الموت!! الذي أعطى دينامية سمحت باختراع المجهول  بالدرجة الأولى! ـ: هذا الإبداع الاستثنائي، يماثل، لغز تكّون بذور  الخلق البكر: إن مادة البذرة، متوفرة، بيد أنها ليست محض معادلات قابلة للإدراك. لكن هل هذا هو [ ما وراء الطبيعة ـ الميتافيزيقا ] أو هو علم الروح..؟ أو ـ: الذهاب وراء عصور الاغتراب والتصادم..؟ لا   تتحد الإجابات بقرارات المنتج ـ التكنوقراطي المعاصر أو القديم ـ ولا بالربح ومكونات لغز الملكية [ السلعة ] بل على العكس: انه قدرة التحرر منها، ومن نظام راسخ وعنيد يجعل إنتاج [الاستهلاك] عقبة قابلة للدحض.  هذا العمل ليس بحاجة إلى شهادة ! أو نفي.. وليس حاجة إلى قاض ٍ [ ناقد ـ أو مؤرخ ] أو شهود: انه ظاهرة تمتلك ديمومتها عبر أكثر المناطق قسوة، وعزلة: لأنها لا تحدث إلا في مساحة بلا حافات! بالرغم من كل قيود شروط حضورها في عالم غير قابل إلا للذهاب بعيدا ً في المجهول!!


الفنان السوداني عمانوئيل جال: رمز لمستقبل السودان-بقلم ماكس أنّاس ترجمة علي مصباح


الفنان السوداني عمانوئيل جال:
رمز لمستقبل السودان


بقلم ماكس أنّاس
ترجمة علي مصباح




لقد تغلب عمانوئيل جال موسيقيا على الصراعات في بلده السودان.



"وقف إطلاق النار" عنوان آخر أسطوانة للفنان السوداني الشاب عمانوئيل جال بالاشتراك مع الموسيقي عبد القادر سالم، نجم موسيقى الرقص والمقاهي في شمال السودان. ماكس أناس يعرفنا بالفنان الشاب الذي قضى طفولته كجندي قي جيش تحرير السودان.

أشهر قليلة فقط مرت على صدور قرص CD بعنوان "Rough Guide to the Music of Sudan"-"دليل عام للموسيقي السودانية". وكما هو معتاد مما تتميز به إنجازات مؤسسة Londoner Labels Musik Network من دقة وإتقان، يسعى هذا القرص أيضا إلى تقديم صورة وافية عن بلاد بأكملها من خلال الموسيقى.

وهو أمر على غاية من الصعوبة بالنسبة للسودان: والأمر لا يتعلق هنا بالتناقض القائم بين التقليدي والحديث فحسب، بل وكذلك بالتناقض الذي يقابل بين الشمال والجنوب، والإسلام والمسيحية، وذلك على طول خط الحدود التي أقامتها الحرب الأهلية في الفترة السابقة.

بعد الاطلاع على محتوى هذا القرص تكون هناك رغبة ملحة في الاستماع إلى المزيد من الموسيقى لواحد من الفنانين الذين يحتويهم. مقطوعة "غوا" للفنان عمانوئيل جال هي بمثابة وعد باسطوانة قادمة.

في البداية يجد المستمع نفسه منشدّا إلى صوت كورس نسائي، ثم يُسمع صوت رجالي في نغمة ناعمة قبل أن يشرع جال في آداء مقاطعه المقفّاة ذات المنحى السردي الطفيف.

مقتصد جدا في استعمال الآلات مع قليل من الإيقاع وبعض المُواءات الآلية الطفيفة ليجد المستمع نفسه في الآخر يباغت بانتهاء المقطوعة على نغمات الأصوات النسوية، وفي داخله رغبة وحيدة: مزيدا من ذلك!

طفولة في الخدمة العسكرية

"غوا" مقطوعة حول السلام : صيحة من أجل السلام، يوضح عمانوئيل جال، شاب في منتصف العشرينات من العمر: "إنها تعني أن الناس يريدون العودة إلى بلادهم، ولم تعد لهم رغبة في أن تظل حياتهم وقفا على المساعدات الأجنبية."

جال أصيل جنوب السودان. لأكثر من عشرين سنة تضطرم نيران حرب أهلية في البلاد؛ حرب انفصالية بين الجنوب ذي الأغلبية المسيحية والشمال المسلم الذي توجد به العاصمة المركزية بالخرطوم.

وقد أرغم جال في طفولته على الالتحاق بفيالق الجنود الأطفال التابعة لجيش تحرير السودان للمشاركة في الحرب.

بعد "غوا" تأتي الآن اسطوانة بكاملها بعنوان ‚Ceasefire’ –"وقف إطلاق النار". لكنها جاءت مختلفة تماما عما كان يمكن أن يمثل متابعة منطقية للمقطوعة الأولى ذات النجاح الكبير. ‚Ceasefire’ عمل مشترك بين عمانوئيل جال والموسيقي الكبير عبد القادر سالم، نجم موسيقى الرقص والمقاهي في شمال السودان، الفنان الذي تنقل كثيرا بين البلدان وقدم عروضا في أشهر القاعات العالمية.

 هذه الإسطوانة تمثل أكثر من قرص موسيقي عادي، بل هي إلماحة سياسية: "أردنا أن نثبت أن عملا مشتركا بين مسيحي ومسلم أمر ممكن، و’Ceasefire’ هي رمز لرؤية؛ رمز لمستقبل السودان."

لجال في هذه الاسطوانة نصيب الأسد، وله مقطوعات أكثر مما لعبد القادر سالم، كما أن حضوره في أغاني سالم أكثر من حضور هذا الأخير في مقطوعاته هو. يستعمل مغني الراب جال المساحة التي تمنحها الموسيقى العربية لسالم كخلفية ينضد فوقها بصفة انتقائية مقتصدة كلمات نصه الذي يتلاءم في الأصل مع موسيقى "البيتس".

وبالمقابل لا تتعدى مداخلات سالم في مقطوعات جال بعض النغمات التصالحية من تخته الجازيّ(Combo) بواسطة الساكسوفون في أغلب الأحيان أو العود. وبالرغم من النوايا السياسية التي تمثل خلفية هذه الاسطوانة فإن هذا العمل المشترك، وذلك هو ما يثير الدهشة، قد نجح في أن يسفر عن اسطوانة ذات مستوى جيد.

في الموسيقى تكمن قوة خاصة

إن الحديث مع عمانوئيل جال يعني دوما التحول بسرعة إلى مجال السياسة: "الموسيقى تتوجه إلى الروح. إن لديها سلطة قوية. فهي تجعل الناس يصارعون، وهي تجعل الناس يتحابّون، وهي التي تحدث التواصل بين الناس."- " الموسيقى قادرة على إتيان أشياء لا تقدر عليها بقية وسائل الإعلام. فكل ما لا يستطيع أن يعبر عن نفسه على أعمدة الصحف، وكل ما لا ينبغي له أن يقال في الراديو، تستطيع الموسيقى أن توصله."- "إن الموسيقى قادرة على تقريب الناس."

إن من سيرى في الجملة الأخيرة مجرد كلام سطحي لا يستطيع أن يدرك ما الذي يمكن أن تعنيه هذه الكلمات في بلاد مدمّرة بالتناحر مثل السودان. يراهن جال على أن الوحدة السياسية بإمكانها أن تتوصل إلى التغلب على الانقسامات العرقية والدينية – تماما مثل ما تقدمه ‚Ceasefire’ كنموذج:

"إنه تحد موجه إلى الحكومة التي عليها أن تبرهن الآن على أنها تريد فعلا القيام بشيء ما لصالح البشر." أما عن موت الزعيم السابق للمتمردين الانفصاليين جون قرنق الذي لقي حتفه أواخر شهر يولية/تموز الماضي في حادث طائرة ، فإن جال يرى في ذلك فرصة يمكن أن تكون إيجابية:

"إن ذلك قد جعل الجنوب يلتف على وحدته من جديد. والزعيم الذي تبِعه يتمتع بشرعية ديمقراطية أفضل."

أصدر جال في كينيا اسطوانة مغايرة تماما، عنوانها "غوا" مثل مقطوعته المنفردة. وقد أثار حركية داخل السوق المحلية المزدهرة للراب. "أردت في الواقع فقط أن أرى إن كان الناس سيحبون موسيقاي... ولم يكن لي أن أتصور أنه سيكون لي مثل هذا النجاح الكبير."

لكن لا بد من تضافر عوامل عدة كيما يحصل نجاح ما. فقصة الطفولة العسكرية لوحدها لا يمكنها أن تصنع نجما فنيا شعبيا لا في إفريقيا ولا في أوروبا.

لكن إذا ما انضافت إلى القصة أغنية مثل "غوا"، ورافق ذلك مشروع موسيقي سياسي مثير للجدل مثل ‚Ceasefire’ فإن الأشياء ستأخذ عندها منحى أكثر ديناميكية. إما عما إذا كان السودان سيتخذ له من مثال جال وعبد القادر نموذجا فذلك ما يظل مسألة مفتوحة للمستقبل.



السبت، 9 مايو 2015

القاعدة..أم...الاستثناء .. !-عادل كامل


 القاعدة..أم...الاستثناء .. !
عادل كامل


·   في الصحافة، كما في المنتديات الثقافية، أو في المقاهي الأدبية، يحدث أحيانا ً أن تتيح بعض الحالات، لعدد من [الأشخاص] مسؤوليات الإشراف، أو التنسيق، أو التوجيه في مجالات تسهم بتحديد صلاحيات لها صلة بجانب من جوانب الثقافة .. وتحدث، كما قلت [أحيانا] أن تنقلب المعادلات...كأن يصبح النادل المتحدث الأول! أو العكس..! وقد يكلف المحرر، أو من لا علاقة له بالتحرير، والكتابة، المسؤول الأول...
·   ولا ضرورة لذكر الأمثلة، في بلدان تنتمي إلى ما يسمى بالعالم [الثالث]: فهي ترسم مشهدا لإيذاء الثقافة وليس إلى العكس.. ولا ضرورة أيضا ً لذكر الأسماء ـ: لان الثقافة، كما تعلمنا، هي ثمرة روافد لا تحصى، وعملية البناء الثقافي تبقى متصلة بالواقع الاجتماعي والنفسي والمعرفي في مجموع تحولاته ومصائره.. وليس محض ازدهار لعدد من الآراء والمواقف الشخصية أو الانحيازات أو الأمزجة...الخ
·   وتتيح لطلاب المعرفة، وكل متابع دقيق، وهو يفكك التاريخ الثقافي للقرن الماضي، في حدود واقعنا، تمييز أي الأدوار لا يمكن إغفالها، في المجالين: الايجابي أو السلبي..مادامت الثقافة هي مرآة المجتمع وسجله الزاخر بالعلامات والرموز والتشفيرات... فالمؤسسة الثقافية تتطلب وعيا ً يوازي أهدافها ..لأنها ستمثل الصيرورة الكلية لمجموع التفاعلات والإبداعات والاختلافات والمتضادات، بعيدا عن الأحادية...
·   ألا توضح مكتبة [أشور بانيبال] بكنوزها الفريدة أنها لم تكن أقدم مكتبة متكاملة في العالم، بل من أكثر المكتبات دقة في عمل المؤسسة وأهدافها الحضارية. فقد حفظت لنا المسار الدقيق للمنجز السومري والاكدي والبابلي والكلداني ..الخ عبر الملاحم والفنون وعلوم الكيمياء والرياضيات والفلك.. إلى جانب  الرقم الموثقة للحياة اليومية في أندر تفاصيلها ...
·   فهل استطعنا، عبر القرن الماضي، أن ننجز ما تم انجازه قبل أكثر من [27] قرناً ؟  من العمل المنظم ومن الخبرة ومن الحرص.. فقد تأسست بتضافر أفضل العناصر وأكثرها كفاءة وإخلاصا في النظر إلى الثقافة بصفتها جزءا من حضارة، شاملة، تكاملت فيها عناصر الإبداع .. ومن القيم النبيلة، إن كانت أخلاقية أو جمالية أو تقنية، في هذا الحقل الذي يستحق أن يكون إضاءة لجهود تحرص أن لا تزول بزوال المتغيرات، وان تبقى شديدة الصلة بالأبعاد الاجتماعية والثقافية والحضارية...؟


المستشرق الألماني كارل هاينريش بيكَر والاستشراق الألماني:-بقلم هرمانّ هورستكوتّه ترجمة رائد الباش



المستشرق الألماني كارل هاينريش بيكَر والاستشراق الألماني:
وداعا أيها الشرق!

بقلم هرمانّ هورستكوتّه
ترجمة رائد الباش






الحضارة الإسلامية نسيج من العلاقات ما بين الدين والسياسة والاقتصاد، حسب مفهوم المستشرف بيكر.




يتناول البادث ألكسندر هريدي في كتابه الصادر حديثا كارل هاينريش بيكَر، إحدى الشخصيات الأساسية في الاستشراق الألماني ويظهر دوره في ترسيخ أفكار نمطية عن الشرق. تقرير هرمان هورستكوته.

لقد درج في العالم الغربي منذ عهد طويل سؤال مفاده: "هل يتوافق الإسلام مع ... كذا وكذا"؟ وشرط التوافق هو: حقوق الإنسان والديموقراطية والقوانين الدولية إلخ. وألكسندر هريدي، الخبير الشاب يعتبر صورة للإسلام كهذه "شاملة ومشكوك فيها بسبب تعميمها" بناءً فكريًا محضا، يحاول "تفكيكه".

إن كارل هاينريش بيكَر هو النموذج الأَفضل لهذا الغرض. فمن جهة كان البروفيسور بيكَر يحب الحديث عن "حضارة" إسلامية كنسيج من العلاقات ما بين الدين والسياسة والاقتصاد، نسيج موحّد عابر للقارات؛ وبذلك استطاع بيكَر أَنْ يجعل نسيج العلاقات هذا منذ عام 1910 في أَلمانيا حقلاً علميًا مستقلاً له أَساتذته الجامعيون الخاصون في بعض الجامعات.

ولكن من جهة أخرى كان بيكَر يُدرِّس أيضًا: أَنّ "دولة الخلافة المركزية شكّلت الاطار لهذه الحضارة المتكاملة"، ولكن دولة الخلافة المركزية غير موجودة الآن، وذلك منذ سبعمائة عام. وعلى حد وصف بيكَر فإن "عالمية الإسلام" باتت من ذلك الحين ليس إلاّ "نظرية سياسية" غريبة عن الواقع.

كأنما يعلق على يوطوبيا الأَمة الذي ترددها شبكة القاعدة الارهابية وعلى "الصورة المعادية للإسلام" في الغرب على حد سواء. وفي المقابل كان بيكر قبل حوالي مائة عام متأكدا من أن "الحياة اليومية يشكل الفرق الكبير بين مختلف الشعوب“.

الإسلام كحليف

1908 حصل بيكَر على منصب أستاذ جامعي وكان عمره لم يتجاوز الثلاثين عامًا وذلك لدى المعهد الاستعماري في مدينة هامبورغ. وكان يرى (تمامًا حسب مجرى التفكير العادي للإمبريالية الأوروبية) المبرّر الأخلاقي للاستعمار في "تمدين" الشعوب المستعْمَرة.


برّأ إدوارد سعيد "الدراسات الاستشراقية الأَلمانية"من الاستدلالات الامبريالية – رأي خاطئ، كما يبين ألكسندر هريدي في كتابه. وبحسب رأي بيكَر فإنّ الإسلام على كل حال ليس خصمًا، مثلما يعتقد الكثيرون، إنما حليف. فالإسلام يخلق - مثلما يرى بيكَر - في أفريقيا خاصة و"بأسلوب أَوسع بكثير جدًا مما يمكن للبعثات التبشيرية المسيحية تحقيقه، روحًا للآداب ولحسن السلوك، وما يُستند عليه وجدانيًا، وبهذا فهو يؤسس لما قبل حضارة راقية".

بيد أَنّ المشكلة الكبرى تكمن في "تحديث الإسلام". كما أَنّ "مستقبل الإسلام" يقوم فقط "في ملاءمته مع الحياة الفكرية الأوروبية"، وبتعبير معاصر إذن في إسلام-أوروبي (عالمي). والشيء الحاسم لذلك هو - برأي بيكَر: كون الدين أمرًا خاصًا في عالم علماني، عالم وضعي بدأ في أوروبا مع عصر النهضة (أي فيما تغلب تسميته في يومنا هذا بعصر التنوير).

إذا ما نظر المرء لدى بيكَر، فمن الممكن أَنْ يوفّر على نفسه كمًا كبيرًا من الكتب الاختصاصية والتوجيهية الاجتماعية والسياسية والمعنية بتاريخ الفكر.

جذور فكرية مشتركة

يقول بيكَر، الذي يعتبر بمثابة أبو الدراسات الإسلامية في أَلمانيا، إنّ دين محمد لا يقف عقبة في طريق التقدّم الحضاري؛ إذ أَنّ الجذور الفكرية للدين الإسلامي هي نفس التي لأوروبا المعاصرة والممتدة إلى العصور القديمة - إلى الفكر الهيليني واليهودي والمسيحي القديم. بيد أَنّ الركود هو علامة مميّزة للشرق، الذي يمدّه بيكَر تبعًا لشروط ما حتى اليابان.

يعلّق هريدي على ذلك منتقدًا، أَنّ كارل هاينريش بيكَر، يفترض مصطلح الشرق "افتراضًا مُستدل عليه من المُفترض“ ويستخدمه باعتباره آخر سبب بديهي بذاته للتراجع في التطوّر بالمقارنة مع أوروبا. كما يعتبر بيكَر أن كل أَشكال هذا المصطلح سلبية:

فمن الناحية السياسية نجد الشرق مطبوعًا بطابع التعسّف والاستبداد/الحكم المطلق؛ ومن الناحية الاجتماعية فهو مطبوع بطابع الإيمان اليومي بالقضاء والقدر - هذا الإيمان الذي يمكن أَنْ يتحوّل إلى إيمان ديني؛ أما من الناحية السياسية فإنّ المجتمعات المعنية في الشرق هي مجتمعات غير منتجة.

المصطلحان شرق/غرب غير صالحين للاستعمال!

وعليه فإنّ "الشرق" كما يبدو هو الرمز الذي كان يستخدم في تلك الفترة لما يطلق عليه في يومنا هذا اسم "الدول النامية" على خلاف الغرب. بيد أَنّ بيكَر لم يكن على الاطلاق فاقدًا للأَمل: "إنّ نظام التعليم الشرقي ليس مسألة دينية خالصة. فهو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالنهضة الاقتصادية في بلد شرقي ما، من خلال فتح المجال للطاقات المختلفة".

من المدهش، كيف تحدد منذ مائة عام على الأَقل الآراء الحاسمة في الغرب عن العالم غير المطبوع بطابع أوروبي من خلال وجهات النظر عينها. يطالب هريدي باستبعاد "المصطلحين المتقابلين غير المتوازيين“ (شرق/غرب) من هذا الخطاب.

لقد نادى إدوارد سعيد بذلك قبل ثلاثين عامًا تقريبًا في كتابه "الاستشراق - صورة الغرب عن الشرق"، إلاّ أنه برّأ "الدراسات الاستشراقية الأَلمانية" بشكل صريح من الاستدلالات الامبريالية – رأي خاطئ، كما يبين ألكسندر هريدي في كتابه.

ــــــــــــــ

* هرمانّ هورستكوتّه، أستاذ في الجامعة التقنية في آخن وصحفي مختص بشؤون التعليم.

أَلكسندر هريدي: نموذج "الحضارة الإسلامية" - أو تأسيس علوم الدراسات الإسلامية الأَلمانية من خلال كارل هاينريش بيكَر (١٨٧٨ - ١٩٣٣)؛ صدر هذا الكتاب عن دار نشر إرغون، ضمن سلسلة: أَخبار عن تاريخ المجتمع والحضارة في العالم الإسلامي، المجلد الـ١٩، ڤورتسبوغ ٢٠٠٥.

ألكسندر هريدى (١٩٦٧) تخصص فى الدراسات الإسلامية والحقوق والعلوم الاجتماعية. وفى الفترة بين ١٩٩٧ وحتى ١٩٩٩ عين مديراً لمكتب الجمعية الأهلية الهولندية "للحوار العربى الأوروبى بين المواطنين" فى الرباط. كما شغل منصب مدير مكتب تمثيل الهيئة الألمانية للتبادل العلمى بالقاهرة من ١٩٩٩ وحتى ٢٠٠٥، ويعمل حاليا في مقر الهيئة في بون. واشترك أخيرا في إعداد الكتاب "الرقص على الحبل الغربي الشرقي"

نص-سالمة صالح : المانيا


نص


رؤية



سالمة صالح : المانيا



أنظر إلى هذه الصفحة
أنظر إليها جيدا
سترى صورة ما،
بيتا،
حجرا،
بابا مغلقة،
نافذة مفتوحة،
كسرة من زجاج نافذة حطمها انفجار
شظية من خشب
شجرة تعرت من أوراقها
سحابة تدفعها الريح
بيتا هدمته القنابل
شبحا يبحث بين الأنقاض عن شيء ما
ربما عن رقية تبقيه على قيد الحياة
أنظر إليه
إنه ينحني
يزيح شيئا ما جانبا
يلتقط شيئا
يقربه من وجهه
يلقي به ثانية
ليس هذا ما كان يبحث عنه
أنظر جيدا
ألم تر شيئا
رجلا يبتعد
طيرا يحط على غصن عار
نجمة تومض
شهابا يهوي
ألم تر شيئا
إن كنت لم تر شيئا
فقد رأيت ألليل بلا شك....
--------------