الأحد، 29 مارس 2015

ملحمة جلجامش,اللوح الثامن : جنازة إنكيدو:ترجمها الى الإنجليزية أندرو آر جورج 1999:ترجمها عن الإنجليزية الى العربية د. أنور غني الموسوي 2015

د. أنور غني الموسوي
ملحمة جلجامش
سين ليقي اونيني
اللوح الثامن : جنازة إنكيدو
ترجمها الى الإنجليزية أندرو آر جورج 1999
ترجمها عن الإنجليزية الى العربية د. أنور غني الموسوي 2015
النسخة النموذجية البابلية لملحمة جلجامش ( هو الذي رأى العمق)


مع أول بصيص للفجر
أخذ جلجامش يندب صديقه
إنكيدو يا من أمّك ظبية
و أبوك حمار وحشيّ
يا من أرضعتك الحمر الوحشية حليبها
يا من علّمتك البهائم الرعي في العشب
إنكيدو ،لتندبك طرق غابة الأرز
ليل نهار بلا توقف
ليندبك شيوخ أوروك
لتندبك الحشود التي اعطتنا بركتها
لتندبك قمم التلال و الجبال
....... النقية
مراعي الكلأ ستنوح عليك كوالدة
لتندبك أشجار البقس و السرو و الأرز
التي في وسطها سرنا بعنفوان
ليندبك الدبّ و الضبع و النمر و الفهد و الأيّل و أبن آوى
و الأسد و الثور البرّي و الظبي و الوعل و جميع البهائم في البريّة
و نهر أولي المقدّس
الذي على طول منحدراته مشينا بعنفوان
ليندبك الفرات النقي
الذي سكبنا مائه في الشراب من القِرِب
ليندبك شباب أوروك
الذين شاهدوا نزالنا حينما قتلنا ثور السماء
ليندبك الفلاح في حرثه
حينما يمجّد إسمك بترانيمه العذبة
ليندبك ... الحشد في أوروك
من أرسل إسمك ... مع أوّل
ليندبك الراعي في مراعيه
الذي صنع لفمك الحليب و الزبدة
ليندبك إبن الراعي
الذي صنع الزبدة لك
ليندبك صانع الخمر
الذي صنع الشراب لفمك
لتبكيك الغانية
التي مسحتك بدهن حلو
لتندبك ... التي في بيت الزفاف
التي .... زوجة
ليندبك ...
ليندبك كإخوة
لتنشر جدائلها كأخوات
لأجل إنكيدو ، أمّك و أبوك ...
من الأن سأندبك كل يوم
إسمعوني أيها الشباب إسمعوني
إسمعوني يا شيوخ أوروك إسمعوني
سأبكي على إنكيدو صديقي
كإمرأة تمتهن النوح ، و سأنتحب بمرارة
كان الفأس التي تثق بها يدي
و الخنجر الذي في قرابي ، و الترس الذي يقي وجهي
كسائي للعيد ، و كان نطاق إبتهاجي
ريح شريرة أخذته و سلبتني
يا صديقي ، حمار وحشي في السباق ، حمار في الرابية ، و نمر في البرية
صديقي إنكيدو حمار وحشي في السباق ، و حمار في الرابية و نمر في البرية .
اجتمعت قوانا حين تسلقنا الجبال
و تظافرت حين قتلنا ثور السماء
و دمرنا خمبابا الذي يقطن غابات الأرز
و الآن أية نومة تلك التي قبضت عليك
أنت أصبحت فاقد الإحساس ، أنت لا تسمعني
رفعه لكنه لم يرفع رأسه
تحّسس قلبه ، لكنه لا ينبض
لقد غطى وجه صديقه كما يغطى وجه العروس
كالنسر أخذ يدور حوله
كلبوة حرمت من أشبالها
مشى هنا و هناك في هذا الطريق و ذاك
شعره المجعّد نتفه الى أكوام
لقد شقّ جيبه و كشيء محظور طرحه عنه
عند أول بصيص لبزوغ الفجر
جلجامش أرسل نداء الى الأرض
أيها الحداد ، النحاس ، الصائغ
زيّنوا صديقي
لقد صنع تمثالا لصديقه
ذراعي صديقي يجب أن تكونا .....
حاجباك يجب أن تكون من اللازورد ، و صدرك من الذهب
جسده يجب أن يكون من .....
يجب علي أن أسجيّك على سرير عظيم
عليّ أن أسجيّك على سرير المجد
عليّ أن أضعك على يساري على كرسيّ مريح
حكّام العالم السفلي سيقبّلون قدميك
سأجعل سكّان أوروك يندبونك و ينوحون عليك
و ساجعل أهل الفرح يحزنون عليك
بعد أن تذهب سيتجعّد شعري من الحزن
و بجلد أسد ساطوف البريّة
عند أوّل بصيص للفجر
جلجامش صعد و دخل خزانته
فكّ اقفالها و نظر الى المجوهرات
عقيق أحمر ، لازورد ، مرمر
عملوا بدّقة ومهارة
زودهم لأجل صديقه ....
..... زودهم لأجل صديقه
..... منّاً من الذهب زوّدهم لأجل صديقه
..... منّاً من الذهب زوّدهم لأجل صديقه
..... منّاً من الذهب زوّدهم لأجل صديقه
..... منّاً من الذهب زوّدهم لأجل صديقه
و بينها جعل ثلاثين منّا من الذهب
......زوّدهم لأجل صديقه
......زوّدهم لأجل صديقه
.....زوّدهم لسُمكه
......زوّدهم لأجل صديقه
............. كبير
......زوّدهم لأجل صديقه
.... لاجل خصره
......زوّدهم لأجل صديقه
......زوّدهم لأجل صديقه
......زوّدهم لأجل صديقه
......زوّدهم لأجل صديقه
......زوّدهم لأجل صديقه
...... لأجل قدمه
.... من العاج
الذي ثبّته ب.... مناً من الذهب
العظيم .... لذراعه .... زوّدهم لأجل صديقه
.... و تثبيته من الذهب ، زوّدهم لأجل صديقه
... ذراعه من العاج
الذي ثبته باربعين مناً من الذهب ، لأجل صديقه
ثلاثة أذرع طوله ....
.... سمكه ، زوّدهم لأجل صديقه
..... من الذهب الخالص
.... العقيق الأحمر
مثبّت ....
لأجل صديقه
لقد ذبح الثيران و الخراف السمينة و جعلها كوما عاليا لأجل صديقه
.... شَمَش ....
حملوا جميع اللحم الى حكّام العالم السفلي
الملكة العظيمة عشتار
عصى الرمي و خشبة الوهج
لأجل الملكة العظيمة عشتار ، عرضها أمام إله الشمس
( عسى أن تقبل عشار العظيمة ذلك
عسى ان ترحّب بصديقي و تكون بجانبه )
........................
لأجل نمرا ست ، عرضه أمام إله الشمس
( عسى أن يقبل نمرا ست ذلك
و يرحب بصديقي و يركون بجانبه )
قارورة من اللازورد
لأجل إرشكيجال ، ملكة العالم السفلي ، عرضها أمام إله الشمس
عسى أن تقبل إرشكيجال ذلك
و ترحّب بصديقي و تكون بجانبه
مزمار من العقيق الأحمر
لأجل ديموزي ، الراعي محبوب عشتار ، عرضه أمام إله الشمس
عسى أن يقبل ديموزي ذلك
و يرحّب بصديقي و يكون بقربه
كرسيّ من اللازورد
عكاز من اللازورد
لأجل نمتار وزير العالم السلفي ، عرضها أمام إله المس
عسى أن يقبل نمتار ذلك
و يرحّب بصديقي و يكون بجانبه
...............
لأجل هوشبيشا ، مضيف العالم السلفي
عسى ان يقبل هوشبيشا ذلك
و يرحّب بصديقي و يكون بجانبه
لقد صنع ...
قبضة من فضّة و سوارا من ....
لأجل كاسو تابات كنّاس إرشكيجال و عرضه أمام إله الشمس
عسى كاسو تابات يقبل ذلك
و يرحّب بصديقي و يكون بجانبه
عسى أنّ صديقي لا ... ، و لا أن يصاب في قلبه
من المرمر المرصّع باللازورد و العقيق الأحمر .
برسم لغابة الأرز
مطعّم بالعقيق الأحمر
لأجل نونشالوهّا ، منظّفة البيت ، عرضه أمام إله الشمس
عسى أنّ نونشالوهّا منظفة البيت تقبل ذلك
و ترحّب بصديقي و تكون بجانبه
عسى نونشالوهّا تكون.... قبل صديقي
عسى أنّ صديقي لا ... ، و لا يصاب في قلبه
خنجر ذو حدّين بمقبض من اللازورد
مزخرف بصورة الفرات النقي
لأجل بيبّو قصّاب العالم السفلي ، عرضه أمام إله الشمس
عسى أن يقبل بيبّو قصّاب العالم السفلي المزدحم ذلك
و يرحّب بصديقي و يكون بجانبه
......مع مسند من المرمر
لأجل ديموزي- أبزو كبش العالم السلفي ، عرضه أمام إله الشمس
عسى أن يقبل ديموزي - أبزو كبش العالم السلفي المزدحم ذلك
و يرحّب بصديقي و يكون بجانبه
...... الذي قمّته من لازورد
مرصّع باللازورد
لأجل ....... عرضه أمام إله الشمس
عسى أنّ ..... يقبل ذلك
عسى أن يرحّب بصديقي و يكون بجانبه
( بعد فجوة يرجع النص يكون المتكلم شخص آخر غير جلجامش )
.... الذي نحن ....
.....أسماؤهم ....
..... حكام الأنونّاكي .........
جلجامش سمع تلك الكلمات
و استوعب فكرة ( سدّ ) النهر
مع أول بصيص للفجر
جلجامش فتح بابه
جاء بمائدة كبيرة مصنوعة من خشب الأمّاكو
ملأها بصحون مصنوعة من العقيق الأحمر
ملأها بصحون مصنوعة من اللازورد
لقد زيّنَ ... و عرضها أمام إله الشمس
لقد عرضها أمام إله الشمس
( باقي تفاصيل جنازة إنكيدو لم ترَ الضوء الى الآن)
&&&&&&&&&&&&&
إنتهى اللوح الثامن


غالب المسعودي - ألعنكبوت(قصة سُريالية)

الجمعة، 27 مارس 2015

قصيدة الومضة في الشعر العراقي المعاصر:د.انور غني الموسوي

الاختزال و التكثيف من مطالب الكلام الفطرية ، حتى انها تعد من جماليته الشعبية ، و ما يتفاخر به اهل اللغة من قديم الازمان ، وهو احد اهم مظاهر البلاغة و الفصاحة العربية ، كما ان قصيدة البيت الواحد معروفة و مشهورة عند العرب ، وهكذا الحال في قصائد الهايكو .
ان التوظيف الجمالي للغة الاقتصادية المختزلة له مفهومه الواضح ادبيا ، كما انه قد يحاكي الحركة التقليلية (minimalism ) التي تعتمد على اقل ما يمكن من عناصر الفن كالألوان في الفن التشكيلي ، او الكلمات ، بعيدا عن الزوائد كما نراه واضحا في كتابات ستيفن كرين احد رواد اللغة التقليلية و قصيدة الومضة في القرن التاسع عشر . و لحقيقة تخلّي اللغة الفنية المعاصرة عن الجماليات الشكلية ، فلقد برزت ملامح فنية لقصيدة الومضة صارت مقومة لتعريفها و جوهرها .
لو تتبعنا المقالات النقدية التي تناولت قصيدة الومضة ( 1) ، نجد ان هناك ملامح واضحة للفنية فيها ، يمكن تلخيصها بالأمور التالية :
1 – الاقتصاد اللغوي بالايجاز ، و الكثافة و التركيز، و تجنب الزوائد و النعوت الفرعية .
2 الوحدة العضوية المتكاملة و الفكرة الواحد و اندماج الشكل و المحتوى بحصر المحتوى بدفقة فكرية واحدة واضحة البداية والنهاية .
3 اللغة الوامضة : بالإيماض داخل النص من جهة، وفي ذات المتلقي من جهة أخرى مع توتر شديد فعلي وانفعالي، يمنحها قدرة أكبر على التعامل مع الحدث، الّذي يومض داخل النص وخارجه معتمدة المفارقة الصادمة وكسر التوقع و الإدهاش العالي .
.فهنا لدينا ثلاثة فصول سنتناول فيها تلك الملامح مع نماذج من قصيدة الومضة العراقية لكتابات متقدمة كلغة وامضة .
الفصل الاول : الوحدة العضوية المتكاملة
الوحدة العضوية في قصيدة الومضة اكثر من واضحة ، بل احيانا لا تجد الاسناد الا لموضوع واحد ، يقول ناصر الحاج :
(الفكرةُ المتدليةَ
من نافذةِ
الليل
تقضمني
بعينيها خلسةً
من بياضها
المتورد
من أقاصي
الحياء )
من الواضح دوران جميع الكلمات و بشكل متراص و مكثف حول الفكرة ، التي هي قطب النص و محوره البين ، ونلاحظ بوضوح ذوبان الزمن و الذات و النعوت في عالم ذلك الموضوع ، فلا تجد شيئا بعيدا عن ذلك القطب المركزي .
و يقول خالد العزاوي :
(سيان عندي
أن أغني للحبِ
أو للحربِ
أغني ,فقط..
لست سوى
حنجرة ٍعمياء
ومغن أحمق. )
نلاحظ هنا دوران فلك القصيدة و كواكبها المشدودة الى مورد المجرة النصية بانجذاب عظيم ، الا وهو الانا الكونية ، انا المتكلم الغارقة في عمق الانسانية ، و تلك الظلال الوصفية و المسندات ، كلها مشدودة بعالم كتلي متراص نحو المحور النصي ذلك الانا العميق .
و يقول سعد عودة
(عندما أفاق
وجد حلمهُ على وشكِ الخروج
من الغرفة
فألتحف بيأسهِ
ونام )
نلاحظ تلك المعاني و الارادات و الرغبات و السكونات كلها منشدة و مجذوب نحو محور النص و مركزه و هو الغائب العميق ، ضمير ( هو ) المتناهي في جذور الانسانية و ضياعها المميت . ورغم سعة المعاني التي تجلت في فضاء النص ، كالحلم و الياس ، الا انها ذابت كليا في تلك الغرفة و ذلك النوم لذلك البطل الاسطوري البائس .
و يقول قاسم وداي :
( على النهر الممتد بين ضفاف البيوت… ناديتها
فكان الصدى حوار الصمت )
نلاحظ النص جميعه يتمحور حول تلك اللحظة المميزة في المكان الحبيب ، مع الصدى الحبيب ، بالصمت الحبيب ، انها شعلة مضيئة من الشعور العميق ، و النشوة العارمة الاخاذة ، المحور و المكرز الذي يذوب فيه الانا و الاخر و الزمان و المكان .
وتقول صبا ا لعنزي :
(خمائل العمر
بدت نائمة
على زهرة الرازقي اأبيض
حين اقبل الصبح
منتشيا
بسكر خفيف
من اشعة الشمس )
اننا نرى كيف ان النوم على الزهر ، حينما اقبل الصباح منتشيا ، كان يلتف خمائل العمر ، مركز النص و محوره ، جميع تلك الفضاءات و الارادت ، تذوب و بقوة في خمائل العمر النائمة .
و يقول وادي الحلفي :
(ايها المحبوك بحب النخيل
وانت تهز جذع البنادق
لينهال الرطب
هكذا انحنت لك السنابل
عند اخضرار عودك
في سماء الوطن )
الاخر المخاطب ، الحامل للمعاني الكبيرة و الحبيبة و العطاء الكبير في ، النخيل ،و الرطب ، و السنابل ، و الاخضرار ، لأجل سماء الوطن الحبيب ، كل هذه المعاني تتجسد شاخصة في محور النص و مركزه الا وهو الاخر المخاطب ، الذي يهز جذع البنادق .
لو لاحظنا النصوص المتقدم و رغم قصرها فانها تخلق تاريخا نصيا هائلا ، وهذا الامر لم يكن متيسرا الا لعمق الموضوع و تركيز النص ، و كثافة اللغة .
الفصل الثاني : اللغة المقتصدة
الاقتصاد في اللغة من الميزات المهمة لقصيدة الومضة ، ليس فقط في قصر المقطوعة بل ايضا في خلوها من الزوائد و الايضاحات ،و التكثيف بمعنى اخر ، انها تعتمد الايحاء و الاخفاء و عدم البيان التفصيلي و تهتم فقط بجوهر الفكرة و قضيتها المركزية .
يقول ناصر الحاج
(أخبرتكَ
للمرةِ الالف
وأنت تُعيد
الامساك بحجرين
من الغيم
ليس هناك
سلالمَ خلفيةٍ
للمطر .. )
من الواضح الاقتصاد الشديد في الكلام ، بحيث لا تجد نعتا الا ما هو ضروري في ( المرة الالف ) و ( السلالم الخلفية ) و التي لا بد منها ، و اما باقي المفردات فكلها مجردة ، انها لغة مركزة في بنائها و ليس فقط في بوحها و دلالتها .
و يقول خالد العزاوي
( أنا وطن كبير
يبحث عن ظلِ
في خوذةِ
جندي )
نلاحظ الاختزال الكبير في المفردات ، و خلوها من الزوائد فلا نعوت الا ما هو ضروري في ( وطن كبير ) و اما الباقي فخط مستقيم تعبيري نحو النهاية .
و في بناء تقليلي فذ فعلا و عالي المستوى يقول قاسم وداي :
( هم يملكون الظلام ..
وأنا سراجي أسنانها )
فليس هنا سوى خط بناء اختزالي مكثف و سريع بعيد عن كل تفرعات او ايضحات نعتية او اعتراضية ، و بكتلة كلامة متراصة ، بعوالم من المعنى واسعة ، ذات ايحاء و عمق كبيرين .
و يقول وداي الحلفي
(ما لهذه الظلال
تركت اشجارها
بارده في فمي
) نلاحظ ان الكلام يتجه بسرعة نحو النهاية دون توقف او اعتراض او تفريع ، يتجه نحو الكمال البوحي ، برمزية عميقة و مجازية واسعة و لغة وامضة .
و كذا الحال في لوحة لصبا العنزي
(العالم…
اكذوبة
في فراغ )
فاننا نجد العبارة تتجه بقوة نحو النهاية ، في بناء متراص بعيد عن الزوائد ، و من خلال ظلال المعنى و عوالم الدلالات تنفجر الجملة على فضاء واسع من البوح و الايحاء .
و يقول سعد عودة
( انا كأيّ أتجاهٍ اخر
مايهمّهُ فقط نقطة ارتكازه
في هذه اللحظة)
التكثيف و الاقتصاد يأخذ مساحة واسعة في النص ، فلا مجال الا لما هو ضروري من الاعتارض ب( كاي اتجاه اخر ) لبيان الوحدة ، فالعبارة ليس فقط تتجه نحو النهاية بقوة بل ايضا نحو نفسها نحو نقطة واضحة ، معبأة بسيل من نقاط التوهج المعنوي الكبير.
الفصل : اللغة الواضمة و المفارقة
تتجه قصيدة الومضة الى التكثيف الكلامي و القولي الشديد و السريع ، معتمدة في الادهاش كثيرا على المفارقة الظاهرية و الخفية ، سواء بالابتعاد المتقصد عن جو النص ، و خلق التضاد و التقاطع اللفظي و التعبيري ، او بنحو مفارقة عميقة بالتناقض بين ظاهر النص و باطنه المكشوف بمفاتيح و رسائل و اضحة ،و بينما الاخير من وسائل و تقنيات الشعر وخصوصا قصيدة النثر ، فان المفارقة اللفظية و كسر خط الافادة و البناء هي الاوضح و الألصق بقصيدة الومضة . و نجد كل ذلك ظاهرا في قصيدة الومضة العراقية .
يقول قاسم وداي
( يكفيني وجهها ……….
.أذا أزدحم الظلام .)
نجد هنا وجه الخلاص و وجه الامل ، الذي يكفي النفس الكبيرة المريدة ، في زمن يزدحم فيه الظلام ، هنا تلك المعاني التي تنطلق بسرعة كبيرة نحو المركز ، نحو بؤرة عميق في النص انه وجهها ، ثم تنبثق منه مرة اخرى لتضيء ، هذه الحركة العظيمة ضمن عالم مشدود متراص ، احد عوالم الادهاش و الوحدة .
و في انحناءة خطية كبيرة محققة المفارقة في خط البناء اللغوي يقول قاسم وداي
( خبئيني بين جفنيك حتى يزورني الدمع لأغسل ذنوبي )
اذ تأتي عبارة ( لأغسل ذنوبي ) بكل الصدمة و الادهاش و الانحاء في خط بناء الافادة .
و في لوحة وامضة رمزية و عالية يقول وادي الحلفي
(ما لهذه الظلال
تركت اشجارها
بارده في فمي )
فبعد اتجاه اللغة نحو درجة الصفر في الافادة يأتي كسر واضح لمنطقيتها بعبارة ( باردة في فمي ) لتحقق مفارقة مدهشة و صادمة .
و في تعبيرية وامضة و خاطفة يتحقق الكسر المنطقي لبناء اللغة في نص لناصر الحاج
(ذلكَ الحجر
الذي مستهُ
الروعةِ
مازال مثقوباً
بالكلمةِ
بما يكفي
ليتسرب منه
الحب )
فبعد ان صاغت المفردات و التراكيب في النص جوا خاص للنص متجها نحو حقل من المعنى معين ، تأتي الانحناءت المفارقية لتحدث استرجاعا قراءاتيا بعبارة ( منه الحب ) .
و في لوحة وامضة تعبيرية يقول سعد عودة
(عندما رأى وجهَ أبيه
الذي توفى قبل ساعة
ابتسم
لم يكن يفرق بين وجهِ أبيه
ووجوه الذين قتلهم )
هنا اكثر من موضع لكسر منطقية الافادة و البناء الخطي للغة ، ففي ( ابتسم ) خرق فاضح لجوّ النص الحزائني و في ( الذين قتلهم ) خرق اخر لجوّ الحميمية ، فتتحق المفارقة بنموذجية عالية هنا .
و في ومضة بارعة لصبا العنزي يتحقق ارتداد تعبيري في نص تقول فيه
(قلبي
ﻻ يحتمل الخطايا
هو يذوب بها فقط )
نلاحظ الانكسار التعبيري و الانحناء في خط الافادة من جو مليء بالاعتراض ، الى حالة من التسليم محققة للمفارقة الصادمة و المدهشة .
ان اهمية قصيدة الومضة لا تكمن فقط في ما تحققه من جمالية و تجسيد لغايات اللغة الفطرية من التكثيف و الاختزال ، و انما ايضا اعتمادها تقنيات لا تسعها الكثير من التناولات المعتمدة على الخطابية ،فالقصيدة الوامضة خرق حر لخطابية اللغة ، و من يجعلها ضمن اشكال الخطاب اللغوي انما يمارس التحكم و الاقحام و مثل تلك الدراسات ستصطدم بالذوق الفطري و المطالب الاولية لأصول التخاطب .
كما انه قد اتضح في ضوء ما تقدم ان قصيدة الومضة ليست جنسا مختلفا في قبال قصيدة النثر ، بل هي قصيدة النثر الا انها بتقنيات خاصة و نمطية معينة ، ربما تكون مبثوثة بشكل غير نمطي و غير منتظم في قصيدة النثر النموذجية التي تتسم بحرية اكبر و انبساطية و بوحية اكثر في عوالم و فضاءات واسعة تبلغ درجة الحلم و السحر .
و قصيدة الومضة بصفاتها المقومة تدخل تحت اللغة التعبيرية ، و تقترب كثيرا من حركة التعبيرية التقليلية في الفن التشكيلي (minimalism ) ، و الذي ربما يستدعي ايضا نقدا تقليليا بعيدا عن الزوائد و التفرعات ، يتكلم عن الجمال بلغة مكثفة و مختزلة و يشير الى عناصر الابداع بلغة مقتصدة ، و ربما سنشهد ولادة المقالة القصيرة جدا في المستقبل القريب .
1- المصادر المشار اليها
– لقمان محمود : ( جماليات قصيدة الومضة في مرايا صغيرة ) : جريدة الاتحاد
– فواز حجّو : الومضة الشعرية : ستارت تايمز
– علوان سلمان : شنوار ابراهيم و القصيدة الكردية الوامضة : صحيفة النور
– أديب حسين محمد : ما هي قصيدة الومضة : جريدة الحوار المتمدن .

الخميس، 26 مارس 2015

اتحاد ادباء وكتاب بابل يستضيف الفنان غالب المسعودي بمحاضرة بعنوان العنف وثقافة الاطفال






أسمت ألامم المتحدة ومن خلال منظمة اليونيسيف أن العام 2014 هو عام تدمير الطفولة, وأوردت إحصائيات مثيرة للدهشة, من يريد أن يتابعها عليه الرجوع للتقرير, وطبعا يحتل العراق أرقام الصدارة في التقرير, ولا زلنا نتساءل لم نحن متخلفون و في قاع الحضارة الانسانية, وكما هي العلوم علينا أن نراجع الاسباب أو ما يصطلح عليه إيتالوجيا ألمعرفة, سنجد أننا ندار من قبل إمرأة أجمل صفاتها أنها مومس وعوراءوالدليل على ذلك ملفات الفساد الاداري والمالي وملفات الفضائيين التي كشفها السيد رئيس الوزراء العراقي بعظمة لسانه تجعلنا نستنتج انك
عندما لاتستحي إفعل ما شئت,وعلى صعيد تجربتي الشخصية وانا اعمل في مستشفى تعليمي الكثير مما يشبه هذا وكتبت عنه كثيرا وعلى ما يبدو لاتوجد آذان صاغية إبتداءً من البصمة الذكيةإلى اتهام علية المجتمع وهم الاطباء الاختصاصيون بانهم غير ملتزمين, وعلى ما يبدو أن تيار العولمة يزيح تاثير المعنى ويسلع كل شيء بما فيها الثقافة والدين ,إذ أصبح الانسان سلعة رخيصة يباع في طاسات العنف بكل اشكاله إبتداء من العنف الجسدي الى العنف الثقافي ,وهنا لاأحمل الحكومات في بلدنا أي مسؤلية لأنها تقوم بواجبها الوظيفي, لكن المشكلة تبدو اكثر عمقا إذا راجعنا موقف المثقفون المقاولون, الذي أصبح يجسر الهوة بين الواقع المتردي وطموح الانسان, كلوا ما شئتم ونلبي ما شئنا
أن تعمل بواقعية وإخلاص أمر محضور بل إعمل بالرمزية والسريالية والتكعيبية لك الخيار, لأنك إبن الحداثة, وفي ألحداثة لا تملك فعل قرارك, وماذا يترتب على قرار لايعفي من ضريبة الخبز, عليك أن توقع على بنود وبنود,والفعالية لا تترتب على قرارك حتى لو كنت من دولة خارج المجموعة الشمسية أي كائن فضائي, عليك ان تكون رمزيا وشفافا,وتحترم قرارات ألسلطة أن يبكي طفلك من جوع أو يتهشم رأسه من تفجير أو يعاقبه الكون بالتهجيرأو يشكو مسن من نقص دواء, عليك ان تعيش طقوس الرمز فالرمز لنا غذاء, فالرمز لا يفتش أحذيتنا في مطارات الشمس ,نحن مشغولون ونعمل بهدوء نتتجسس على المحاكم الدولية وضمن الجدول الزمني, دون رقابة كأننا نمارس ميكانزما فرنسيا يسموه في أمريكا دوكي ستايل ,لكننا نفضل الطريقة الفرنسية لان كل حقوقنا مضمونة, لاتتعجب أدر ظهرك وسترى ,أن من يدير مستقبلك ومستقبل اطفالك, لأن المذنب تسجل مصيره الأمم المتحدة, كما جاء في التقرير, فكل ملفاتنا انهيناها وسلمناها, وعندما يصدر التقرير النهائي نتهم الآخر بالتزوير ,وأحكامه لاتسري علينا وهل هو عضو في محكمة روما ,جل دوره إنه عضو مراقب, يستطيع فقط ان يراقب لا يمتلك سلطة قرار, وفي هذه الحال كل حقوقنا مضمونة, وهذه مذ بدأت السلطة تأخذ ألبيعة بألسيف ,وتستأجر الشعراء للغناء فوق خيبتنا وتتصدى للانصاف ,ولا تدرك أن الشعب حينما يجوع ينقلب دبا روسيا لاتسكته صفعات عصي الاورال, لكن للاسف دبنا دب رمزي أسكتته سكرات الكلمات وخدرته الخطب الرنانة ,يسكر خارج الحانة, ومزته بصلا ويبدو أن البصل ممنوع داخل الحانات,
فكل حقوقنا مضمونة , الأطفال يتحكمون بمصائرنا و تصدت لهم اليونيسيف, لم ترمهم في مزبلة التاريخ بل قالت هذه أفئدتهم فأصحوا يا سكان البسيطة, هذه نتائج إدارة ألاطفال ,لاتتهموا الامبريالية وتتهموا الصهيونية,ما هم إلا سوبر ماركت للاسلحة من يدفع اكثر يشتري أكثر وتعرفون أن الاطفال تحب الشراء ,إن مكنتوهم بأي صفة سنجلب لهم لعب أطفال أكثر.
ملفاتنا انهيانها, والامم المتحدة
تتسري بكم ولانحن عضو في محكمة روما, وكل ما نحمل عضوية مراقب

الجمعة، 20 مارس 2015

حبر الإيرانيات أحمر .. سجينات طهران يكتبن أوجاعهن في أعمال أدبية-عبير زيتون



حبر الإيرانيات أحمر .. سجينات طهران يكتبن أوجاعهن في أعمال أدبية



عبير زيتون


واقع مستتر يحمل في أعماقه قصصا موجعة ومفجعة، متشابهة في تفاصيلها ونهاياتها المأساوية، يتجرع ضحاياها الإهانات ويخشون الكشف عما في صدورهم من عذاب وقهر خوفا من بطش أنظمة جائرة أو خوفا من عار الفضيحة، تخرج إلينا في العلن بشكل متواتر مع تطور وسائل الاتصال والطفرة التكنولوجية التي باتت وسيلة ناجعة في كشف المستور والمسكوت عنه.. هذا الواقع المعلن والمضمر، تنتشر تفاصيله من إيران، عبر ما تيسر من وسائط إعلامية، فتنقل صورة عن منظومة قروسطية، تتغول فيها السلطة التي يمتلكها أصحاب الاجتهادات في النص، فتنتهك الكرامة الإنسانية، وتقوض أسس العدالة.

لم تهدأ بعد، صرخة حبر الكلمات التي حملتها رسالة الشابة الإيرانية الراحلة بقوة حكم حبل المشنقة ريحانة جباري، ذات الستة وعشرين ربيعا.. تلك الرسالة التي بعثت بها إلى والدتها قبل تنفيذ حكم الإعدام بحقها، وهي تعري بدم الروح المفجوعة العدالة المفقودة ما يجري داخل السجون الإيرانية من انتهاكات وتعذيب واضطهاد واغتصاب بحق النساء المسجونات، تحت اتهامات شتى باسم العدالة..

ريحانة وأتينا

بعد تلك الرسالة/ الوثيقة خرجت إلى العلن بالصوت والصورة الشابة الإيرانية الشجاعة (أتينا فرقداني) المفرج عنها من سجن (أفين) سيئ الصيت بطهران على خلفية إقامتها معرضا حول انتهاك حقوق الأطفال في بلادها، بالإضافة إلى لقاءاتها التي تخالف مزاج السلطة مع أسر المعتقلين السياسيين وقتلى الانتفاضة الخضراء عام 2009، لتكشف عن تجربتها الشخصية المريرة طوال شهرين في المعتقل مع التعذيب والضرب وهتك الأعراض، حيث فضحت وجود كاميرات سرية في حمامات سجن النساء الذي تشرف عليه استخبارات الحرس الثوري.

وتحدثت الرسامة والناشطة الحقوقية (اتينا) في شريط فيديو نشر على مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعية قبل أسابيع، ونشرته قناة «العربية» عن تعرضها لشتى أنواع الضغوط النفسية خلال فترة اعتقالها، وعن إجبارها على خلع ملابسها وتعرضها للضرب مع كيل الشتائم والألفاظ البذيئة، وقالت إنها أضربت عن الطعام بعد مرور شهر ونصف وأفرج عنها بكفالة مالية بعد تدهور حالتها الصحية بانتظار مثولها أمام محكمة الثورة بطهران.

وأوضحت فرقداني أن الغرض من نشر هذا الفيديو على مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي فضح الإساءات المتكررة التي تحدث بحق النساء السجينات المعتقلات الإيرانيات كي تتوقف هذه الحوادث المؤذية.

وكانت الشابة الإيرانية الراحلة ريحانة جباري المتهمة بقتل ضابط استخبارات سابق حاول التعدي عليها واغتصابها، قد نفذ حكم الإعدام بحقها يوم 25 أكتوبر عام 2014 رغم تدخل المنظمات الدولية واستنكارها، وتركت ريحانة قبل رحيلها رسالة تصف فيها ما تعرضت له في السجون من ضرب واعتداء وتحرش، وفيها تقول: «كم كان متفائلا من أنتظر العدالة؟ لم يساعدني أحد وأنا تحت ضربات المحقق أسمع أحط ألفاظ السباب، وحين تخلصت من آخر علامات الجمال الباقية في جسدي بحلاقة شعري أعطوني مكافأة أحد عشر يوما في الحبس الانفرادي، أمام محكمة الله سأوجه الاتهام إلى المفتشين، سأوجه الاتهام إلى المفتش شاملو، سأوجه الاتهام إلى القاضي وإلى قضاة المحكمة العليا الذين ضربوني وأنا مستيقظة ولم يتورعوا عن التحرش بي.

لوليتا في طهران

هاتان الواقعتان تضيئان على حال المرأة الإيرانية، في مواجهة نظام تحكمي، يزجرها ويقصيها بالدرجة الأولى ككائن إنساني، وقد أثمر هذا الصراع عن محاولات جريئة قامت بها نساء باسلات للكشف عن مجاهل العنف والقسوة بكتب ذكريات ومذكرات، باتت اليوم من وثائق الإدانة ضد النظام الجائر. وقد لاحظت جريدة «نيويورك تايمز» الأميركية أنّ 370 امرأة إيرانية كتبن في السنوات الأخيرة كتباً مختلفة تخالف التوجّه الدّينيّ والسّياسيّ الملاّلي في إيران، الذي يقوم في أساسه على العنصرية الجنسية ويعمل جاهدا على التدمير التام لشخصية المرأة عبر سياسة الاضطهاد والإذلال والقمع.

ومن بعض الأعمال الروائية المشهورة في هذا المجال والجريئة في إفصاحها عما تعرض له النساء في السجون والمعتقلات الإيرانية وترجمت عربيا، العمل الأدبي الذي خطته الكاتبة والبرفسورة آذر نفيسي، على شكل سيرة ذاتية يحمل عنوان «من يقرأ لوليتا في طهران ـ ذكريات» الصادرة علم 2003 والأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة، وترجم إلى عدة لغات، نجحت من خلاله في تقديم قراءة لواقع سياسي وصراع سلطوي في طهران من خلال تجربتها الشخصية ومعاناتها الحياتية.

فآذر نفيسي رفضت ارتداء «التشادور»، مما سبّب لها ـ كأستاذة للأدب الإنجليزيّ ـ الطرد من جامعة طهران، فأصبحت تُدرِّس الأدب الإنجليزي لطلاّبها في بيتها، حيث تكوّنت أحداث روايتها «من يقرأ لوليتا في طهران»، والتي تُظهر فيها، كيف أنّ النساء الإيرانيات يخفن، أن تفلت خصلة من شعرهن خارج الحجاب مما سيؤدي بهن إلى الجلد والسجن، وربما الاغتصاب والموت.

حكايات خلف الأسوار

أما رواية «سجينة طهران» الصادرة عام 2013 للكاتبة ماريا نعمت، (ترجمة سهى الشامي) فتتذوق مع حروف مذكراتها ألم العذاب ومرارة طعم الاضطهاد والظلم في تجربتها الحية مع الاعتقال والتعذيب وهي ابنة السادسة عشرة، وقد صدر بحقها حكم الإعدام بتهمة ارتكاب جرائم تهدد الأمن القومي.

وفي رواية «بنات طهران» الواقعية للكاتبة ناهيد رشلان (ترجمة عمر الأيوبي) الصادرة عام 2008 تروي الكاتبة معاناة حياتها وعائلتها في أحد الأحياء الفقيرة بطهران مع الفقر وسياسة التمييز الجنسي، والجهل والغيبيات المسيطرة على عقول الناس.

وتكشف قصة «رجم ثريا» الصادرة عام 2011 للكاتب الإيراني فيدون صاحب جم (ترجمة كوثر محمد وإيناس حامد المغربي) عن الوجه القبيح لعدالة المتطرفين في إيران أثناء حكم الخميني عام 1986 عبر وقائع حادثة إعدام بالرجم حتى الموت بحق شابة في الخامسة والثلاثين من عمرها، والتي يقول المؤلف فيها إنها ليست سوى واحدة من بين آلاف الإعدامات المماثلة التي شهدتها إيران بعد خلع شاه إيران ووصول النظام الأصولي بقيادة آية الله الخميني إلى السلطة في شباط عام 1979.

أما رواية «طهران الضوء القاتم» للكاتب مير حسن جهلين الصادرة عام 2014 (ترجمة غسان سليم حمدان) فقد صودرت أكثر من مرة وكاد كاتبها أن يسجن بسببها لولا هروبه إلى ألمانيا بعد تعرضه لعدة محاولات اغتيال على يد السلطات، التي لم ترق لها رواية تصور الفساد الاجتماعي والنفاق الأخلاقي في عهد الثورة الخمينية.

ومؤخرا صدرت رواية «يوميات امرأة في سجون إيران» للصحفية كاميليا انتخابي فرد (ترجمة أسامة منزلجي)، وقد سجنت المؤلفة بتهمة تهديد الأمن القومي وتحدي نظام الحكم. وتصور الرواية حالة التجريف الثقافي التي ارتكبتها سلطة الملالي للتراث الإيراني في محاولة منها لطمس معالم الثقافة والهوية الإيرانية واستبدالها بثقافة تخدم السلطة الدينية الحاكمة.

الجلاّد/ الزوج

وفي كتاب «الإنسان الإسلامي الجديد: السجن السياسي في إيران» الصادم حد الرعب من حجم الوقائع الواردة فيه بالأرقام والإحصائيات للكاتبة وعالمة الاجتماع الإيرانية شهلا شفيق، والذي وصفه الكاتب جورج طرابيشي في قراءة عن أبعاده النفسية، أنه رحلة في عمق جحيم القرون الوسطى، لا التاريخ هو التاريخ، ولا الجغرافيا هي الجغرافيا، فالجحيم القروسطي ليس جحيم أوروبا اللاتينية، ولا محاكم التفتيش هي محاكم الكنيسة الكاثوليكية، بل نحن في إيران في العقد التاسع من القرن العشرين، والمحاكم هي محاكم الثورة الإسلامية، أما الحقبة الزمنية فهي الحقبة الخمينية الممتدة من مطلع نيسان (أبريل) 1979 يوم أعلن الإمام الخميني: (اليوم تقوم حكومة الله في إيران)، إلى يوم وفاة زعيم الثورة الإسلامية في 3 حزيران (يونيو) 1989، وهي الحقبة التي دشنها الإمام الخميني بالقول في تصريح أدلى به لصحيفة «لاكروا» الفرنسية في 1 تشرين الثاني (نوفمبر) 1978: «لن يكون هناك وجود في الدولة المستقبلية، لسجناء سياسيين»!

تقول شهلا شفيق في كتابها: «إن مصير النساء في سجون الثورة الإسلامية الإيرانية يبدو أسوأ من مصير الرجال، وما ذلك فقط لأن النساء أضعف مقاومة، وأقل احتمالاً للتعذيب، بل كذلك لأن المرأة تُعتبر، من المنظور اللاهوتي للنظام الإيراني، عنصراً مغوياً، وجسدها بما هو كذلك محل للشر والدنس، وتعذيب جسد المرأة قد يأخذ شكل اغتصاب، وعلى رغم ضرورة الكتمان، التي تفرض نفسها في مثل هذه الأحوال، وُجدت بين السجينات السياسيات الإيرانيات من يمتلكن الجرأة، لكن الكثيرات منهن لم تتح لهن الفرصة لا للكلام ولا للصمت. فالمغتصبات غالباً ما يتم إعدامهن، وغالباً أيضاً ما يكون اغتصابهن هو الفعل الأخير السابق لإعدامهن، ذلك أن القاعدة في السجن السياسي الإيراني أن المرأة، المقرر إعدامها، لا تعدم إذا كانت غير متزوجة، وبما أن هناك معتقداً لاهوتياً مؤداه أن المرأة إذا ماتت غير متزوجة ذهبت إلى الجنة، لذا وضماناً لذهابها إلى النار، فإن المناضلة السياسية تُزوّج قبل أن تُعدم، تُزوج للجلاد الذي سيتولى إعدامها، وهذا الزواج يتم بموجب عقد شرعي رسمي يتضمن، في ما يتضمن، تحديداً لمقدار (المهر)، وهذا المهر يدفع لاحقاً لعائلة الضحية ويكون بمثابة إشعار رسمي بأنها... أُعدمت.

* الاتحاد


التاريخ : 2015/03/19 10:31:59

الثلاثاء، 17 مارس 2015

لعبة الحبال- عادل كامل-

قصة قصيرة



لعبة الحبال

عادل كامل
ـ أترى ما يحدث هناك، أم اختلطت عليك الرؤية، مثلي...؟
   سألت السلحفاة الضفدع البدين، وهما يراقبان ما يجري في ساحة الحديقة الكبرى. فقال الأخير:
ـ لو كنت أرى جيدا ً لمكثت في القاع...، فالبركة مدفني وأنا مدفنها...، ولكن الضوضاء  هي التي أثارت انتباهي، وفضولي...، وهي التي أثارت فضولك ِ أيضا ً. 
    رفعت السلحفاة رأسها المدبب، مصغية إلى الأصوات المبهمة المختلطة تأتيها مشوشة، متقطعة، مثلما كانت الصور تأتيها مبهمة فكانت تشاهد كرات تتطاير متلاصقة وأخرى متباعدة، وثمة حبال بدت لها شبيهة بحلقات الدخان وأخرى حلزونية ترتفع عاليا ً في الفضاء.
   فقالت الضفدعة بتوجس:
ـ كأنها حفلة راقصة، كأنهم يبتهجون بيوم الفأر الأكبر، أو لمناسبة عيد الخفاش..!
     ابتعدت السلحفاة قليلا ً عن الوحل بغية الغطس، لكنها سألت الضفدعة:
ـ للأسف لم يوجهوا دعوة لنا للاشتراك معهم في هذا الاحتفال..، أليس كذلك..؟
   أومأت برأسها بنعم، لأنها حذرت ان ترفع صوتها خشية الرصد، والمراقبة، فقالت:
ـ ما شأننا بهم، وما شأنهم بنا، فهم في عالم ونحن في عالم آخر. 
وأضافت:
ـ ثم متى كانوا يفكرون بما يجري في مستنقعنا ..، ومتى كنا نفكر بما يجري في أقفاصهم وحظائرهم وإسطبلاتهم، وأجنحتهم الأخرى...
ردت عليها بسخرية:
ـ وماذا يجري في بركتنا!
     لم تجب، فقد خالجها إحساس بالحذر من زميلتها السلحفاة. فلم تسرف في الكلام.
   فقالت السلحفاة وهي تراقب المشهد عن بعد:
ـ ها هم  يلعبون بالحبال...، فانا أرى وثباتهم، إلى الأعلى، والى اليسار تارة، والى اليمين تارة أخرى....، فانا أرى هالات وغمامات تتداخل من ثم تأخذ بالاتساع...، وأخرى تتناثر فوق التراب.
ـ دعيني أشاهد...، فانا نظري كليل.
   فقالت الضفدعة:
ـ بل أراهم يحّومون، يصعدون، يدورون، وارى الحبال هي التي تمسك بهم، مرة، واراهم يمسكون بالحبال مرة ثانية.
ـ وما هو الاختلاف...، إن أمسكت الحبال بهم، أو هم امسكوا بها، فاللعبة تتطلب مثل هذه المهارة...، ومثل هذا الذكاء!
    اقترب جرذ بحجم قطة، منهما، بنية شرب الماء، من البركة، فسألته السلحفاة:
ـ في اعتقادك، أيها العزيز، ماذا يجري في الساحة الكبرى؟
    رفع رأسه ونظر إلى اليسار، والى اليمين، ونطق بتردد:
ـ مع إنهم لا يسمحون لنا بالاقتراب، بل ولا يسمحون لنا بمغادرة حدود أجنحتنا، أي جحورنا، فانا اعتقد إنهم يتدربون!
    اقتربت الضفدعة منه وسألته بصوت خفيض:
ـ يتدربون...، ماذا تقصد...؟
ـ  وأنا أغادر جحري طلبا ً للارتواء بهذا الماء الأزرق، سمعت ثورا ً يتحدث مع ابن أوى ويقول له: إنهم يستعدون لخوض غمار الحرب!
اقتربت السلحفاة كثيرا ً منه وسألته بصوت مرتبك:
ـ ماذا قلت يا جرذ النفايات...؟
ـ اقسم لك...، أنا سمعت...، فانا أصغيت إلى الثور يتحدث عن الاستعدادات...، وهذا يعني إنهم رفعوا الشعار الخالد: التدريب، ثم التدريب، ثم التدريب! 
ولم يكمل: ثم الهزيمة. ضحكت السلحفاة وهي تخاطب الضفدعة:
ـ دعينا نرجع إلى وطننا ونبحث عن حشرة، أو عن قشة.
  فسألها الجرذ:
ـ أتأكلون القش، أم هذه إشاعة...؟
   خافت السلحفاة:
ـ سيدي، أنت تعرف إننا لا نسرف في الطعام، فالإسراف مضر...، كما إننا كائنات عشبية في الأصل، وأخيرا ً لماذا تعتقد إننا نبث الإشاعات...؟
ابتسمت الضفدعة وهي تواصل كلامها:
ـ مع ان الأزمات ما انفكت تتفاقم علينا، لكنها أزمات خلاقة، ثم إنها ناعمة، وكما يقال: حريرية، وشفافة! 
ـ آسف...، فانا لم اقصد الاستفزاز...، أو جس النبض، فانا لا أتصيد زلات اللسان، فقد ولى والى الأبد زمن الجواسيس، والتجسس،  وزمن الوشاية، والوشاة، بفضل الرصد الالكتروني ذاتي الذكاء، ألا يكفي هذا ....للاطمئنان؟
  بصوت ناعم اعتذرت وقال:
ـ في الواقع كنا سألناك عما يجري، هناك، في الساحة...، ولم يخطر ببالنا إضاعة الوقت في سفاسف عفى عليها الزمن، وأصبحت من الماضي.
فقال:
ـ أنا لم اقل كلاما ً زائدا ً، بل قلت لكما: إنهم يتدربون....، والتدريب ضرورة استعدادا ً للمواجهة...، فانا لم أتحدث حتى عن الأزمات الخلاقة.
    صرخت الضفدعة في وجهه، بعد ان استنشقت رائحة كلب يقترب:
ـ أغرب عنا يا لص المزابل، وابحث عن حشفة لم تلتقطها العصافير!
   قبل ان يولي الأدبار تمتم:
ـ هذا أفضل من العيش في مثل هذا المستنقع، والحشفة أفضل من القش، مع إنها نعمة لا تقدر بثمن وإن كانت محض فضلات!
     اقترب كلب نحيل ولعق بلسانه قطرات من الماء، فسألته السلحفاة:
ـ يا صديقنا، يا شبيه النمور، ماذا يجري في الساحة الكبرى....؟
تأوه، وتنفس قليلا ً من الهواء، وهز ذيله:
ـ أين...؟
ـ قلت لك في الساحة الكبرى...؟
   فقالت الضفدعة تخاطب السلحفاة:
ـ المسكين هرم، شاخ، ونوعه يوشك على الانقراض...، فهو لم يعد يكترث بالأصوات  ...، ولا بالاحتفالات، ولا حتى بالمناسبات البهيجة!
فقال لها:
ـ تأدبي! فانا لم اعزل من العمل، ولم أصبح فائضا ً...، ولكن لماذا لم توجه لكما الدعوة للمشاركة في الاحتفال...، اقصد لماذا لم يتم استدعاءكما؟
ـ يستدعوننا....، ماذا فعلنا..؟
ـ اقصد للمشاركة في عرس مديرنا العظيم...!
ـ آ ...
وتأوهت السلحفاة بنشوة زائفة، لتسأله في الحال:
ـ لقد عرفنا الطرف الأول...، ولكن من هي صاحبة السعادة سيدة الحديقة الأولى...؟
  فقال بصوت جهوري:
ـ وهل هناك غير أستاذتنا الببغاء تليق بمقام استأذنا كبير العظماء؟
ـ يا له من عرس كبير، زعيمنا الثعلب منحها حظوة السيدة الأولى، وجعل منها مستشارة فوق العادة!
    اعترض الكلب، وقد بدأ يتراجع خطوات إلى الخلف:
ـ لا تفسدوا علينا حرية التعبير، ولا تدعوهم يتراجعون ويقننون الكلام علينا!
   صاحت الضفدعة تنق نقيقا ً:
ـ من يفسد هذه الحرية، نحن أم أنت أيها الكلب السائب غير الملتزم بالولاء لزعيمنا الخالد...؟
   ولى من غير اثر. فتقدم نحو البركة دب ضخم، وراح يرتوي من مائها. فسألته السلحفاة:
ـ بارد! ومنعش، هذا الماء الأزرق المشبع بالاخضرار...، أليس كذلك؟
رد الدب بنشوة:
ـ  بل أكثر من ذلك...، حتى لو كان باردا ً في هذا الشتاء الشديد البرودة، وحتى لو كان اخضر مشبعا ً بالاحمرار والسواد البرّاق!
ـ آ ...، دب مؤمن! ولكنك لم تخبرنا بما يجري في ساحة العظماء...؟
ـ ماذا يجري...؟
   تساءل شارد الذهن، ثم أضاف:
ـ آ ....، يتدربون على أعمال بهلوانية استعدادا ً لاستقبال زائر كبير...!
ـ كل هذا الهرج، وهذا الصخب، من اجل الاستقبال..؟
ـ من يعلم..؟ قد يكون ابتهاجا ً لمناسبة ما، فالمناسبات لا تعد ولا تحصى، حتى ان باقي الحدائق تحسدنا على هذا الترف الباذخ في المسرات، السعادات، والنعيم!
   اقتربت الضفدعة منه وهمست في آذنه تسأله:
ـ لماذا تكذب، أثمة ضرورة لهذا الكذب...؟
ـ أنا...؟
  رد باستغراب، وأجاب بذهول:
ـ اكذب على من...؟
ـ تكذب على نفسك!
    كاد يسقط من شدة الضحك، فقالت السلحفاة له وهي تحدق في فمه الكبير:
ـ ما هذه الأسنان الخرافية..؟
ـ ما بها...؟
ـ كأنك سرقتها من تمساح ميت، أو من ديناصور منقرض...؟
    أجاب وهو ينهض بصعوبة من شدة الضحك، مبتعدا ً لتلافي نتائج الجدل:
ـ بعد لحظات ستتهمونني بسرقتها من وحيد القرن، أو من ذئب أعمى!
   قالت الضفدعة للسلحفاة:
ـ دعينا من هذا المشرد...، لنقترب ونرى ما يحدث، على ارض الواقع.
ـ أنا لا أجازف...، فقد نتعرض للاختطاف، أو القتل...، فالضواري طليقة، والجوارح تحّوم ...
ـ آ ...، منذ زمن بعيد لم نر مثل هذه الفعاليات والأعمال البهلوانية..، رغم البرد الشديد في هذا الشتاء القارص.
ـ بالفعل ...، فانا أرى النمر يثب إلى الأعلى، أعلى من الحبال، وارى القرود تمشي فوقها  بلا حذر...، بل ها هو الدولفين ذاته يقفز أعلى منها ويدور في الفضاء، يا له من مهرجان يبعث في النفس البهجة، والمسرة!
فقالت السلحفاة:
ـ بل أنا أرى الحبال ترتفع إلى الأعلى، وتدور، والنمر يرقص بينها، تتبعه القرود تؤدي قفزات إلى اليسار والى اليمين بخفة ورشاقة...، والحبال تساعد الدولفين على الوقوف بثقة تامة، حتى إنني لا اعرف من يساعد الآخر على هذا اللعب؟
وأضافت:
ـ ها هو النمر يبتعد عن الحبال.
ـ أنا أراه ذئبا ً، أو كلبا ً أجنبيا ً...، بل ربما تكون فقمة، أو كائنا ً مستحدثا ً!
  فردت بانشراح:
ـ ما الفارق...،فالكل يلعب، يتدرب، يلهو، ويمرح...، من الأسد إلى الغزال....، ومن أفراس النهر إلى المستحدثات الذكية، لأن من لا يلعب يطرد من اللعبة، بل ربما يعاقب!
ـ كما طردونا!
ـ دعك ِ من المزاح...، فهم لم يطردوننا...، بل نحن لم نلب الدعوة!
ـ وهل وصلتنا دعوة...؟
ـ أجل...، دعوات، ومنها المشاركة في فعاليات السيرك الكوني!
ـ آ ....، تذكرت، نحن اخترنا الرقص تحت الماء الأزرق الشفاف، وقلنا: لهم تسليانهم ولنا تسالينا! بل قلنا إننا نتفوق عليهم بان حبالنا أكثر مرونة وليونة وانسيابية!
   ساد الصمت لبرهة، تبدد باقتراب أتان تترنح:
ـ يا لهذا الجمال، والرشاقة...، اقتربي، فالماء وفير....، فضلا ً عن توفر العشب والدغل.
   اقتربت ببطء شديد. فصاحت الضفدعة تسألها:
ـ أأنت مريضة، أم ثملة، أم متولهة بحبيب...؟
ردت الأتان بصوت حزين:
ـ ولدت بغلا ً للتو!
ـ جميل...، سلامتك، فما أعظم هذا الانجاز، فولدك لن يصبح حمارا ً، وتحمل عليه الأثقال، مثل أسلافه، ومثلك ِ...  ثم انه لن ينهق، ولن يصبح صوته من أقبح الأصوات! فلماذا أنت حزينة؟
ـ أنا لست حزينة، بغلي هو الحزين، ولدي العاق!
   قالت السلحفاة بأسف:
ـ حتى الأمهات رحن يشهرن بأولادهن، ويقللن من شأنهم...، فيا لها من محنة تجعل الأم تشهر بوليدها، بدل ان تفرح به؟
      قربت الأتان فمها من الماء وراحت ترتوي، وهمت بالانسحاب. فسألتها الضفدعة:
ـ لم تخبرينا عما يجري في المنصة الكبرى..؟
ـ مصيبة!
ـ يا ساتر ....
وتساءلت السلحفاة بخوف:
ـ  هل هم حقا ً يتربون استعدادا ً للدفاع عن حديقتنا ...؟ 
صاحت الأتان:
ـ  عن أي استعدادات تتحدثين ...؟
ـ إذا ً فهم يلعبون، يمرحون...، استعدادا ً لاستقبال زائر كبير...؟
ـ أي لعب، أي استقبال...؟
ـ لكن ما هذا اللعب بالحبال، أيتها الأتان الحزينة، ما هذا الصخب، الزعيق، التهريج، الزئير، العواء، والنباح، ما هذه الوصوصة، والخشخشة والهمهمات...، أليس من اجل الدفاع عن كرامتنا، وحقوقنا، ومجدنا العظيم ...؟
ـ أي مجد...، وأية عظمة...؟
    قالت السلحفاة بصوت مرتبك:
ـ إذا ً...، هذا التدريب على الحبال يجري لإقامة الاحتفال بالعرس، عرس زعيمنا بالاقتران على سيدتنا الأولى...؟
ـ أي عرس...؟
ـ عرس مديرنا على السيدة مستشارته...؟
ـ ما هذا الكلام، من صرّح به...؟
ـ إذا ً هم يتدربون على الألعاب البهلوانية...، فانا رأيت النمر يقفز قفزات عالية في الهواء، تارة يدور الحبل من حوله، وتارة هو يدور من حول الحبل...، ورأيت ابن أوى، مثل الذئب، يجتاز الحبال برشاقة، بخفة، كأنه ساحر، مثل غزال ...، ورأيت الدب ...، بل انظري ـ أيتها الأتان العزيزة ـ كأنه يطير...، حتى وحيد القرن أصبح خفيفا ً مثل ريشة في مهب الريح!
ـ ما هذا الكلام ....، الغريب، غير المسؤول...؟ 
    وابتعدت عنهما، تترنح، توشك على السقوط، صامتة ولم تجب. فصاحت الضفدعة مرة ثانية بصوت حاد النهايات:
ـ إذا ً فأنت تتجاهلين القرار القاضي بمعاقبة كل من لا يبتهج في هذا اليوم البهيج، ويعاقب كل من لا يفرح في هذا النهار السعيد، ويسجن كل من يتخلف عن حضور هذا الاحتفال المجيد....؟
   نهضت الأتان بصعوبة، واقتربت منهما، وفتحت فمها ببطء:
ـ أفضل ان ترجعا إلى قاع المستنقع...، فقد تنجوان من ...، الكارثة!
  فسألتها السلحفاة وهي ترتجف:
ـ أهناك كارثة في الأفق...، بعد ما جرى علينا...؟
    ارتج جسد الأتان، وتمايل، وهي توشك ان تفقد توازنها، بعد ان استعادته قبل قليل، غير قادرة على النطق. فسألتها الضفدعة:
ـ  ماذا حصل، ماذا يحصل...، اخبرينا، قبل ان نتوارى في مستنقعنا الخالد.
قالت بصوت مرتجف:
ـ إنها حفلة موت!
ـ حفلة موت.....؟
ـ نعم...،  فانا رأيت الحبال تدور حول الرقاب، الواحدة بعد الأخرى ...، رقبة الذئب، النمر، الأسد، الفهد، الدب، التمساح....، ثم...، رأيتهم يجرجرون ولدي المسكين...، بغلي الذي ولدته فجر هذا اليوم، فلذة كبدي...، ورأيت أقدامه الصغيرة تتعثر بالأرض، وكاد يقع، ويسقط....، فقلت له: لا تخذلني. فقال لي: تبا ً لك، ماذا فعلت كي أموت، فصحت به: مت مغوارا ً بطلا ً كأنك في ساحات الوغى، والمنازلات الكبرى، ولا تمت ذليلا ً، مثل كلب أجرب يقتل في الظلمات!  
   قالت السلحفاة للضفدعة البدينة:
ـ دعينا نعترف بأننا لم نر صورة، ولم نسمع صوتا ً، ولم نرى شيئا ً غريبا ً، وان ما حصل ليس إلا آثار حمى برد، ووهن ابدأن خاملة...، دعينا نمحو هذا الذي كاد يبدو حقيقة، في هذا الفجر...، ولا نصّدع رؤوسنا بالحبال إن دارت حول رقابهم، أم ان رقابهم هي التي كانت تدور حول الحبال....، فقد ظننا إنها لعبة حبال بريئة، مسلية، ولم يخطر ببالنا إنها لعبة موت!
  اقتربت الأتان منهما، وهمست:
ـ ألا تخشيان خشونة الحبل وقسوته عندما يدور حول الرقبة الناعمة....، الطرية؟ 
صرخت السلحفاة:
ـ نحن نخشى الرقاب الخشنة القاسية عندما تدور حول الحبال الرقيقة، الناعمة! 
14/3/2015



21 آذار ...يوم الشعر العالمي- د. وريا عمر أمين

.

21 آذار ...يوم الشعر العالمي

                             د. وريا عمر أمين

أُبَارِكُ  في  النَّاسِ  أَهْلَ  الطُّمُوحِ         وَمَنْ  يَسْتَلِـذُّ رُكُوبَ  الخَطَـر
وأَلْعَنُ  مَنْ  لا  يُمَاشِي  الزَّمَـانَ        وَيَقْنَعُ  بِالعَيْـشِ  عَيْشِ  الحَجَر
هُوَ الكَوْنُ  حَيٌّ ، يُحِـبُّ  الحَيَاةَ           وَ يَحْتَقِرُ   الْمَيْتَ  المُندَثَر
فَلا  الأُفْقُ  يَحْضُنُ  مَيْتَ  الطُّيُورِ        وَلا النَّحْلُ يَلْثِمُ مَيْتَ الزَّهَــر
                                          ابو القاسم الشابي

         الشعر هو  أسمى أشكال التعبير اللغوي ، يجسد الحرية المطلقة للفكر والإبداع. يتكون من المشاعر الانسانية النبيلة و يحتل الموقع المركزي في حضارة الانسان..وهو وسيلة حية ومؤثرة لسرد الوقائع الحياتية و جعلها اكثر حيوية. ، ويشكل عنصراً اساسيا مكوناً لهوية الشعوب.
         الشعر لغة انسانية موحدة تجمع الاسرة البشرية الواحدة و يعبر عن مكنونات النفس في علاقتها مع الانسان و الوجود و الحياة و الذات  و يعد الحجر الأساس في قدرته على التواصل الأكثر عمقاً للثقافات المتنوعة. له أثر كبير في تعزيز إنسانيتنا المشتركة ، كون أن جميع الأفراد في العالم يتشاطرون ذات التساؤلات والمشاعر والاحلام و الاهداف و يواجهون ذات التحديات و المصير المحتوم.
       الشعر متحف تأريخ المشاعر الانسانية الفياضة والأحاسيس الرقيقة ، واروع ما فيه هو انه لا يستوعب ولا يتقبل الا ماهو جميل . خالد خلود الحب و الجمال وسوف يبقى مادامت قيم الخير تلوح في الأفق نورا وهاجا يبدد الظلام الحالك.
     اهمية الشعر تكمن في تماسه الحقيقي مع الهم الانساني. الشعراء هم قادة المجتمع  المفكرون، لهم القدرة على توعية الضمائر بأوجه الظلم التي يعاني منها العالم . هم وحدهم يستطيعون تغير الحياة. يخلقون عالما جديدا يلهم الناس ويعلمهم السلوك النبيل و حب الحياة.  كتبوا الشعر بدمائهم. كتبوها بالألم و الامل والحلم ،كتبوها بأرواحهم النقية وإرادتهم العظيمة من اجل يوم افضل و مستقبل مشرق للانسان اينما كان.
     تحتفل اليونسكو سنويا باليوم العالمي للشعر. حيث اُعتمد أثناء الدورة الثلاثين لليونسكو عام 1999 بباريس  مقررا بإعلان 21 آذار من كل عام يوما عالميا للشعر لاظهار الدور الحيوي الذي يؤديه الشعر في حياة الانسان بغض النظر عن اللغة او اللون او الدين او العرق او الفكر،  للتذكير بالكلمة الجميلة والمشاعر الفياضة والأحاسيس الرقيقة و دورها في تحقيق التقارب بين الناس و الشعوب.  ويوفر فرصة للحوار والتأمل.
       ووفقا لمقرر اليونسكو، فإن الهدف الرئيسي من ذلك هو دعم التنوع اللغوي من خلال التعبير الشعري، ولإتاحة الفرصة للغات المهددة بالإندثار بأن يُستمع لها في مجتمعاتها المحلية.
      لتحقيق هذه الاهداف تعمل اليونسكو على وضع برامج عمل تستجيب للتحديات التي تواجه البشرية في مجال الفكر و الثقافة لحماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي و تشجيع  نشر التراث الشعري العالمي وحفز الإبداع الشعري و رسم صورة جذابة للشعر في وسائل الإعلام . كما تشجع الدول الأعضاء على القيام بدور نشط في الاحتفال باليوم العالمي للشعر، سواء على المستويين المحلي والقطري، وبالمشكاركة الايجابية للجان الوطنية والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات المعنية الخاصة منها والعامة مثل: المدارس والبلديات والمجمعات الشعرية، والمتاحف والمراكز الثقافية، ودور النشر، والسلطات المحلية...


محاولة لقمع القلم الحر... دعوى قضائية حكومية ضد رسام كاريكاتير عراقي!- محاولة لقمع القلم الحر... دعوى قضائية حكومية ضد رسام كاريكاتير عراقي!






محاولة لقمع القلم الحر...
دعوى قضائية حكومية ضد رسام كاريكاتير عراقي!
عبد الجبار العتابي



 

3

      وصلت محاولات الترهيب إلى الكاريكاتير العراقي، والى احد ابرز رساميه، وقد أقيمت ضده دعوى قضائية لأنه مارس حقه بالنقد !!
 أعلن العديد من المثقفين العراقيين تضامنهم مع رسام الكاريكاتير خضير الحميري الذي رفعت ضده دعوى قضائية بسبب رسوماته التي انتقد فيها عمل الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية، وعدوا ذلك محاولة للاعتداء على الصحافة العراقية بشكل عام والكاريكاتير بشكل خاص، مؤكدين انها محاولة بائسة لطمس الحقيقية وإسكات القلم الحر والريشة الصادقة، الذي هو صوت الفقراء والمعدمين، موضحين ان الدعوى اجراء تعسفي ظالم يراد منه تقييد لحرية التعبير وموضحين انها مخالفة دستورية وقانونية صريحة، فيما اكد البعض ان الدعوى القضائية وسام شرف على صدر الكاريكاتير العراقي يزيده فخرا.
تقييس وسيطرة نوعية
فقد اعلن الفنان خضير الحميري استغرابه من الدعوى مؤكدا انه مارس في الرسومات حقه في توجيه النقد لأي جهة أو شخصية أو ظاهرة أو سلوك يستوجب النقد، وقال: تم تبليغي هذا اليوم 5/3/2015 بالمثول أمام السيد قاضي تحقيق محكمة النشر والإعلام يوم الأحد 15/3/2015 للنظر في الدعوى المرفوعة ضدي من قبل السيد سعد عبد الوهاب عبد القادر رئيس الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية إضافة لوظيفته..لأني (تطاولت) في توجيه النقد للجهاز المذكور في رسومي المنشورة على صفحات مجلة (الشبكة العراقية) في 4آب 2014..
 وأضاف: كنت قد نشرت في هذا التاريخ مقالة و5 رسوم تحت عنوان ( تقييس وسيطرة نوعية) مارست فيها حقي في توجيه النقد لأي جهة أو شخصية أو ظاهرة أو سلوك يستوجب النقد..
 وتابع: ما قلته في المقالة الصاحبة للرسوم:" لا أعرف فيما إذا كان الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية مازال يفرض سيطرته على نوعية البضائع التي نستهلكها، أم انه أوكل المهمة الى ضمير التجار و( حرصهم) على مصلحة المستهلكين، وفي الحالتين تبدو المهمة عسيرة وسط سيل الاستيراد من مناشئ لا تفرق بين التقييس و..التفقيس!،فالعلامة التجارية الواحدة مثبتة على بضائع متباينة المستويات، فهذا أصلي وذاك تجاري، هذا باب أول وذاك شباك ثاني،هذا ياباني والآخر صيني، هذا وارد أوربي وهذا وارد موزمبيقي !،ولا دليل يعين المستهلك نحو البضاعة الجيدة من البضاعة (الكلك)، سوى أن يشتري ويجرب..ثم يعض أصابع الندم !!.
دعوة للتضامن
اما رسام الكاريكاتير الفنان علي المندلاوي، فقد دعا الى دعوة للتضامن مع الفنان الحميري، وقال: يتعرض فن الكاريكاتير، والصحافة في العراق للاعتداء، والتحجيم، وفي احسن الاحوال الى المقاضاة.
واضاف:فناننا الكبير خضير الحميري الذي رفد الصحافة في بلادنا والصحافة العربية، والكردية ايضا منذ بدأ النشر منذ اواخر الستينيات من القرن الماضي، وحتى اليوم، وحتى مدى غير منظور في المستقبل استدعي الى المحكمة لنشره رسوما ينتقد فيها اداء مؤسسة لم نلمس منها فعلا مؤثرا، مؤسسة نأتمنها جميعا على حياتنا،مؤسسة لا تدري بان الكيد سيرتد اليها، لانها وحسبما اشار الحميري في رسومه اللوذعية، وحسبما نلمس جميعا قاصرة إلى حد كبير في اداء مهامها.
وتابع: نحن جميعا مع الحميري، مع الكاريكاتير الحر، مع الصحافة الحرة، مع النقد، مع صيانة صحة الإنسان وأمنه الغذائي.
 لن تسير لوحدك أبداً
من جانبه خاطب رسام الكاريكاتير الفنان برهان المفتي زميله الحميري بقوله: خضير... لن تسير لوحدك أبداً، فقال: يبدو أن الربيع لا يحب الكاريكاتير، فمطاردة الرأي الكاريكاتيري والرؤية الكاريكاتيرية تنشط في آذار.
واضاف: في الذكرى الأولى لرحيل رسام الكاريكاتير أحمد الربيعي كمداً وهروباً، نرى هجوماً هذه المرة على أيقونة من آيقونات الكاريكاتير، الجميع يعرفه بألتقاطاته الذكية من صميم مشاكل المجتمع: خضير الحميري، رسام بروح آهات الناس، قريب منهم حتى تحسه يأكل معك دون عزيمة ! صاحب ضحكة مليئة حزناً ونظرة تحدي مغلفة بإنكسارات الوطن.
وتابع: رغم أن القضية التي أستدعي بها خضير للمحكمة " لتطاوله " كاريكاتيرياً على جهاز التقييس والسيطرة، إلا أن الربيع أصر أن يكون الإستدعاء في آذار، جهاز السيطرة النوعية فقد السيطرة على أعصابه وتصرف بتشنج واضح تجاه خضير،ولأنني مشجع ليفرپولي وأحفظ جيداً أغنية نادي ليڤرپول، فأني أقول لأبي عمار: خضير... لن تسير لوحدك أبداً.
الدعوى ساقطة
 الى ذلك استغرب الكاتب عدنان حسين، رئيس تحرير جريدة المدى، وقال: في البلاد الأخرى يفرشون السجاد الأحمر تحت أقدام رسام مثل خضير الحميري، لكنه في بلادنا وفي هذا الزمن الأغبر بالذات مطلوب رأسه!.
 واضاف: "جريمة" الحميري انه بطريقته (الشقندحية) المحببة رسم كاريكاتيرات عن السلع الخربانة والمزورة المنتشرة في أسواقنا، وأرفقها بمقالة، فهو كاتب متمكن أيضاً.
وتابع: قبل كل شيء، الدعوى ساقطة لأنها لم تُرفع في المدة القانونية. ومع هذا أتمنى عليه أن يذهب غداً الى المحكمة بخطى واثقة ورأس مرفوعة... إنها من القضايا التي تشرّف صاحبها.. ليست قضية فساد داري ومالي تجري لفلفتها بين كبار المسؤولين الفاسدين في دولتنا.
واضاف ايضا: أتمنى عليه أن يذهب الى المحكمة ويقدّم مطالعته بشأن التهمة الموجهة اليه، وأن يطلب من المحكمة تزيين صدره بنيشان المسؤولية الاجتماعية والوطنية التي كانت وراء الرسوم والمقال، فأسواقنا غرقى بنفايات السلع الصينية والإيرانية والتركية والسورية، وعلى إدارة التقييس والسيطرة والنوعية أن توفد كبار مسؤوليها الى الباب الشرقي وشارع الجمهورية وشارع الرشيد والبتاويين وسوق مريدي في العاصمة وفي ما يماثلها في المدن الأخرى، للتأكد بأنفسهم بان معظم السلع التي تُباع هناك والمستوردة من مختلف المناشئ هي زبالة حقيقية.
وختم حديثه بالقول: خضير الحميري.. تقدّم الى المحكمة واطلب شهادتنا.. نحن معك حتى لو تطلّب الأمر ان نذهب معك الى السجن، فهذا ليس بغريب في هذا الزمن الأغبر.