الثلاثاء، 3 فبراير 2015

حكايات ولدي الشاطر-عادل كامل


حكايات ولدي الشاطر



عادل كامل 



 


[ بعد عشرين سنة ]




     بعد انتصاف الليل، وأنا استعد للنوم، رأيت ولدي يقف أمام النافذة، يتأمل النجوم في السماء .. سألته :
ـ ماذا تفعل .. وماذا اكتشفت ؟ 
     أجاب، وهو مازال يحدق في الفضاء:
ـ أتذكر انك حدثتني، ذات يوم، عن جسيمات الضوء.. وكيف.. كلما اتسعت المسافات، بينها، تبقى الجسيمات تبحث عن ظلام تبدده .. حتى لم اعد أر ظلاما ً في هذه المساحات الشاسعة ..
ـ وآلان ..؟ 
ـ ها أنا بدأت أرى حبيبات الزمن..أمامي..
   تساءلت مندهشاً :
ـ ماذا ؟ 
  أجاب بصوت خفيض:
ـ  الزمن، كالضوء، كلاهما يخفي أسراره  ولا يعلن عنها. إنهما ،معا ً، إن مرا ولم نمسك بهما، كأننا كنا بلا وجود !
    كأنني كنت لا امتلك إجابة، ولا أسئلة.. وأنا أعيد تحليل  عبارته.. ولكنه قال لي بهدوء:
ـ مازلت اكرر كلمتك القديمة: ليس السر هو الذي نجهل ما فيه.. وإنما ـ هو ـ الذي يبقى يجذبنا إليه ..!!
     آنذاك كنت اكرر في نفسي: لا  اعرف من يدوّن كلمات الآخر. لكنه قال، وكأنه سمعني: 
ـ كلانا، يا والدي العزيز، نصنع الكلام، لكي يتكامل حضورنا.. فالكلام، مثل الضوء والزمن: حلاقات تتجانس فيها الإقامة : انه عمرنا الجميل!


1980ــ 2005




 [51]
أحلام 

كنا نتجول في الغابة، المجاورة لقريتنا، وكان ولدي يغني بصوت خفيض، عندما سألته :
ــ لم أسمعك تغني قبل هذا اليوم ؟
   فقال مبتسما ً:
ــ تعلمت ذلك من الأشجار وليس من البلابل !
 قلت بتعجب :
ــ ماذا تقول ؟
ــ لقد تعلمت الغناء من الإصغاء إلى أحلام الأشجار النائمة!

[52]
حوار



وأنا أحدثه عن كوكب بعيد تم اكتشافه مؤخرا ً، سألني :
 ــ هل توجد في هذا الكوكب الجديد ، كما في الأرض، غابات، وبحارا، وبشرا  ؟
ــ لا أحد يعرف .
 فسألني : 
ــ لماذا لا نذهب إليه ونعرف الحقيقة ؟
قلت : 
ــ هو الذي سيأتي إلينا..!
فقال : 
ــ لا اعتقد أن هذا هو السبب..  بل لأنك قلت لي : ألا تكفينا غابات  وبحار الأرض..!

[53]
مشاركة 



قبل أن يذهب إلى النوم، رآني ارسم مجموعة من الطيور .. فطلب مني أن لا أطفأ المصباح، فقلت له ــ لماذا؟
قال :
ــ كي تراني الطيور وتشاركني أحلامي ..!   

[54]
هل يتكلم الماء؟



ــ هل يتكلم الماء ؟
سألني ولدي وهو يداعب أمواج النهر.. فقلت :
ــ لا .
فقال :
ــ بل يتكلم عندما يجد من يصغي إليه ..!


 إشارة

     في العام 2005، وأنا أراجع بعض النصوص التي كتبتها، في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، إلى ( الأطفال) وجدت هذا النص المنشور في عدد من المجلات، ومنها مجلتي والمزمار الصادرة عن دار ثقافة الأطفال ببغداد، النص الذي كتب في سياق رصد العلاقة بين عالم ( الكبار) والعالم الذي مازال يتشكل بدوافع الحلم ومساحات الخيال المتحركة .. وجدت ، باستثناء الحكاية الأخيرة، التي كتبت بعد تحول ( الولد الشاطر) إلى عالم الكبارــ أي بعد عشرين سنة ــ إن أسئلة البراءة لا تمتلك ديناميتها وصدقها، أو دهشتها فحسب، وإنما جمالياتها في الارتقاء بوظائف الموجودات في وجودنا .. فهل استطعت، بصفتي أشتغل في حقل الفنون الجميلة، والكتابة الأدبية والنقدية، أن أعالج  تلك الفجوة بين أسئلة ( البراءة) وما بعدها.. الفجوة التي انجذبت إليها، لا  لاستعادتها، أو تأملها فقط ، وإنما لإقامة فيها : فكم ( نحن ــ أنا ) بحاجة إلى البراءة كي تبقى أحلامنا تمتلك طراوتها، ونبضها الذي لا يتعرض للإرباك أو التوقف.                                 !                                                                                                                                                  



تحياتي الطيبة الزملاء المعماريون العراقيون والأصدقاء- د. إحسان فتحي







 


تحياتي الطيبة
الزملاء المعماريون العراقيون والأصدقاء

مرت قبل ايام ذكرى بداية الحرب العدوانية على العراق في 1991 حيث كانت هي بداية التدمير المنهجي للعراق كبلد وللشعب كقوة بشرية كانت ذات طاقت مذهلة كان من الممكن، لو ادار العراق مجموعة متنيرة من الحكماء والتكنوقراطيين المهنيين، ان يكون العراق الان في مصاف الدول المتطورة. واستمر هذا التدمير اللاانساني، الذي افتقر الى حتى ابسط القواعد الاخلاقية، من خلال الحصار الذي حطم البنية المجتمعية العراقية وارجع العراقيين و العراق الى القرون الوسطى
وما حرب 2003 الا هي استكمالا لهذا المخطط حيث لم يكن لدى المحتلين ، هذه المرة، حجة احتلال بلد اخر مثل الكويت.  ولاتزال الاثار المدمرة لهذه العمليات العدوانية الكبرى ضد العراقيين مستمرة ومتواصلة حتى فترة زمنية طويلة قادمة، وفصوله تتفتح كل يوم

وددت هذا اليوم ان استذكر حادثة القتل المتعمد وغير المبرر إطلاقا للزميل المعماري بسام ألبير من قبل الجنود الأمريكان في 2005، كمثال للاستهتار الكامل بقيمة الانسان العراقي، وهو مثال حاله حال مئات الألوف، بل حتى ملايين حالات الظلم والسطو والقهر والتهجير والقتل التي أصبحت تحدث يوميا بشكل اعتيادي تماما.  اي  انهم نجحوا في تخدير مشاعرنا وتكييفها بشكل يصبح فيها القتل والتهجيرامرا مقبولا لاحاجة ان نحتج عليه

سيبقى بسام علي ألبير خالدا في ذاكرتنا وقلوبنا، ورمزا للظلم التاريخي الكبير الذي لحق بكل عراقي

د. إحسان فتحي
معماري ومخطط مدن





الأحد، 1 فبراير 2015

حكايات ولدي الشاطر-عادل كامل






حكايات ولدي الشاطر



عادل كامل


[41] عذاب



   سألني وهو يحدق في الجمر:
ـ هل تتعذب النار عندما تتوهج ؟
ـ لا أعرف .. ولكن لماذا هذا السؤال؟
    فكر بعض الوقت ثم قال:
ـ أنا أفكر في الأشجار التي قطعـت..!




[42] طيور




بعد أن أكملت رسم لوحة جديدة فيها مجموعة من الطيور .. سألني :
ـ لماذا رسمت هذه الطيور داخل هذه اللوحة؟
   قلت : لنتأملها..
فقال حالا ً: لا .. بابا ... دعها تعود إلى الغابة !

 
[43] غناء




ونحن نتجول بمحاذاة النهر، سألني:
ـ بابا .. ما  الذي تسمعه ؟
    نظرت في محياه قائلا ً:
ـ اسمع الريح تداعب الأمواج .
فقال:
ـ لا أقصد هذا .. أقصد ماذا تسمع ؟
   لم اجب .. فقال :
ـ أنا أسمع الأسماك تغني .. وهي تهرب كلما رأتنا نقترب من النهر !


[44] صراخ






قال لي: عندما تتكلم  يا  بابا  لماذا تصرخ ..!
ـ ومتى تكلمت .. ؟
ـ أمس .. وأنت تحلم !


[45] لماذا؟

 

سألني: لماذا يذهبون إلى الكواكب البعيدة ..؟
قلت : لدراسة العالم البعيد.
   فقال معترضا ً:
ـ لا .. إنهم هاربون من الأرض ..!

[46] صوت


 

ـ بابا  لماذا تنظر إلى الصخور كثيرا ً ؟
ـ أصغي لصوتها.
ـ وهل تتكلم الصخور ..؟
ـ نعم .. لكنها لا تؤذي أحدا ً!


[47] واأسفاه


 

ذات مرة رفض أن ينام، وذهب إلى الحديقة. فسألته:
ـ ماذا تفعل في هذا الليل ؟
     قال بهدوء:
ـ أتعلم من أحلام أشجارنا النائمة..!
سألته:    
ـ وهل تحلم الأشجار ؟
 قال حالاً:
ـ واأسفاه ..يا والدي .. لقد شخت مبكراً !


[48] أسئلة






عندما بلغ ولدي السابعة من عمره، لم يعد يوجه الأسئلة لي .. فسألته:
ـ لماذا لم تعد تسألني ؟
 قال:
ـ ألان ..يا بابا.. أفكرّ في الإجابات !


[49] استمتاع ايضا ً


 



     ذات مرة رآني، على غير عهده بي، مسرورا ً جدا ً، فسألني:
ـ أراك سعيدا ً جدا ً يا  بابا ؟
ـ إنني ..الآن.. تعلمت لغة الغيوم ..!
   فقال بآسف :
ـ لكنني يوميا ً استمتع بنشيدها !

رائد عمارة الحدائق-د.إحسان فتحي معماري ومخطط مدن



رائد عمارة الحدائق





الزملاء المعماريين العراقيين والأصدقاء
تحية طيبة وبعد

       ان تخصص عمارة الحدائق أو ما يسمى ب (اللاند سكيب) بالانجليزية لا يدرس حتى هذه اللحظة في العراق كتخصص هندسي قائم بحد ذاته.  ان هذا عجيب ومستغرب جدا في بلد اخترعت فيه الحديقة!  في بلد كانت فيه جنائن بابل المعلقة، أو حدائق الخلفاء العباسيين الخرافية!.  أنا أتطرق لهذا الموضوع بسبب استذكاري للزميل الراحل زاهر محمد بهجت الأثري الذي كان له الفضل الأول بإدخال هذا التخصص وتدريسه في جامعة بغداد، كما كان الدور الأول في تخصيص المناطق الخضراء والمنتزهات العامة في بغداد، إضافة إلى تصميمه لحدائق بيتية جميلة للعديد من الشخصيات البغدادية المعروفة. وسأكون ممتنا اذا توفرت أي معلومات أو صور عن حدائق أو متنزهات صممها الراحل وذلك لتوثيقها.واعتقد انه ان الأوان ان تفكر رئاسة جامعة بغداد بفتح تخصص هندسي يعنى بتصميم الحدائق والمنتزهات العامة والفضاءات الحضرية المفتوحة، على مستوى الدراسات الأولية ثم الدراسات العليا.
د.إحسان فتحي
 معماري ومخطط مدن

في عيد ميلاده الخامس والسبعين جينكيز أيتماتوف كاتب أجمل قصة حب في العالم-بقلم أولي روتفوس الترجمة عن الألمانية علي مصباح


في عيد ميلاده الخامس والسبعين

جينكيز أيتماتوف كاتب أجمل قصة حب في العالم
بقلم أولي روتفوس
الترجمة عن الألمانية علي مصباح



جينكيز أيتماتوف هكذا وصفه لويس أراغون الذي ترجم رواية "جميلة" إلى الفرنسية. كتب أيتماتوف باللغتين الروسيّة والقرْغيزيّة وهو من أكبر ممثلي الأدب المعاصر لآسيا الوسطى. أولي روتفوس يعرّف بالكاتب والإنسان.

الآن وبعد أربعين سنة من ذلك النّجاح الباهر الذي عرفته جميلة يتواجد في سوق الكتاب ما يزيد عن الأربعين عنوانًا من أعماله المترجمة إلى اللغة الألمانيّة، وخمسة عناوين بالعربيّة، كما أنّ جنكيز أيتماتوف الذي شغل لسنوات عديدة منصب سفير للجمهوريّة القرغيزيّة ببروكسل عاصمة مجموعة دول البينيلوكس قد لقي أصداء غير معهودة بالنسبة لكاتب من عصرنا الحالي خلال قراءاته العموميّة التي كانت دومًا مناسبة يحيا المستمعون فيها علاقة فريدة من نوعها بين الأدب والتاريخ المعاش.

في كتابه المعروف "القارئ لأوّل" الذي ظهر إلى الوجود في بداية الستّينات والذي يستمدّ أهمّيته بدرجة أولى من كونه يعكس الكيفيّة الدّقيقة البارعة التي يجسّد بها كاتب سوفياتي بوسائل أدبيّة إعراضَه عن النظام الستاليني ويسجّل شهادته بضرورة إجرء إصلاحات سياسيّة، في هذا الكتاب كما في "توديع غولساري" و "طريق الحصَّاد" أو "يوم أطول من حياة بأكملها" وحتّى كتابه الأخير "طفولة في قرغيزيا" يجد القارئ نفسه أمام كفاءة قِيَميّة-أخلاقيّة تتجاوز مجرّد شهادة شخصيّة فرديّة لتعرض عليه توجيهًا ومسلكًا في بحثه الخاصّ عن قِيم.

وعلى الدّوام تظلّ كتب جنكيز أيتماتوف قابلة للقراءة كأمثلة نموذجيّة لإجابات عن الأسئلة الحياتيّة الخاصّة التي يطرحها القارئ على نفسه والقرارات التي يسعى إلى اتّخاذها، وذلك بصرف النظر كلّيًّا عن المحيط والأجواء التي تدور فيها أحداث هذه الرّوايات أو تلك التي تٌقرأ في إطارها.

مسرح الأحداث

تدور أحداث روايات جنكيز أيتماتوف بكلّيتها تقريبًا داخل قرغيزيا موطن طفولته وسنيّي شبابه. هناك عاش تلك الأشياء التي سيتّخذ منها رموزًا لمجمل العالم في ما بعد. وستغدو تلك الرموز مدرَكةً من قبل قرّاءٍ من محيطات ثقافيّة موزّعة على كامل الكرة الأرضيّة؛ وأعمال أيتماتوف منتشرة في وقتنا الحاضر عبر ما يزيد عن التسعين لغة في العالم.

ولد جنكيز أيتماتوف في شهر ديسمبر من سنة 1928 في زمن تمّت فيه للتوّ المجْمعة القسريّة لنمط حياة التّرحال وتحويل الرحّل إلى مستقرّين من طرف سلطة الحكم السوفياتيّ. وعاش أيتماتوف تجربة النمط التقليديّ لحياة القرغيزيّين القائمة على التّرحال، كما سمع الكثير من الحكايات عن تلك الحياة من بعد.

كانت جدّته، حسب ما يرويه، واحدة من أهمّ معلّميه في مجال المعرفة بتاريخ شعبه وكذلك في فنّ الحكْي. أمّا أبوه الذي كان شيوعيًّا وثيق القناعة، فبعد ارتقاء بالغ السرعة في سلّم النظام الشيوعي سرعان ما وقع ضحيّة لسياسة الرّعب الستاليني ثمّ أُعدم وهو في منتصف الثلاثينات من العمر. على إثرها عاد جنكيز أيتماتوف مع أمّه من موسكو إلى قرغيزيا حاملاّ وصمة ابن أحد ضحايا القمع.

وبالرغم من ذلك استطاعت عائلته، وهو بدوره أيضًا، انتزاع القسط الأساسيّ لتكوينه التعليميّ. وفي خضمّ الحرب العالميّة الثانية سنة 1942، ولكونه الوحيد الذي كان يجيد القراءة والكتابة بينما الكهول جميعهم يؤدّون الخدمة العسكريّة في الجبهة، أوكلت له خطّة سكرتير الحزب في قريته، وكان من بين مهمّاته آنذاك نقل أخبار الموت إلى المترمّلات وعائلات الذين وقعوا في المعارك.

وفي سنّ الرابعة عشرة كان أيتماتوف قد عاش الكثير ممّا تجرّه الحياة معها من مصاعب وقساوات. من بعدها اشتغل كجابي ضرائب وحصلت له أثناءها علاوة على التعرّف على المدى الشاسع لموطنه، معرفة بأحوال المزارعين القرغيزيّين وظروف معيشتهم. ثمّ درس علم تربية المواشي وأنهى دراسته بشهادة "فنّي
وكان في تلك الأثناء يشتغل بالكتابة أيضًا ونشر نصوصه في المجلاّت. ثمّ تمّ قبوله طالبًا في معهد غوركي ذي الشهرة والمكانة المرموقة، و بكتابة "جميلة" تسنّى له أن يغدو كاتب رواية ذاعت شهرتها في العالم كلّه. وقد نجح في الربط بين مواضيع محليّة لها صلة بآسيا الوسطى والتقاليد الأدبيّة الرّوسيّة، وغدا بذلك كاتبًا شهيرًا.

رمز الأمل المستقبلي

تطوّر جنكيز أيتماتوف من "لينيني متفائل من الرّعين الأخير"، كما يورد ذلك كاتب سيرته بوريس شليبنيكوف، مرورًا بالشيوعيّ الإصلاحيّ ومستشار لغورباتشوف إلى منزلة المحافظ القِيَميّ. وكاتب كان يُنظر إليه في الاتّحاد السوفياتي بكلّيته كرمز للأمل المستقبليّ –فَرجة مضيئة داخل عتمة سنوات عصر بريجنيف – وكواحد من القلائل الذين يفسحون للعقل مجالا لتخطّي الأسيجة والحدود.

كانت لأيتماتوف مقدرة على التحرّك ببراعة داخل الحيّز الضيّق الذي كانت تسمح به الرقابة السوفياتيّة المضروبة على الأدب. و بالنسبة لقرّائه من القوميّات المتعدّدة التي يتكوّن منها الاتّحاد السّوفياتي كان يمثّل ككاتب رمزًا للمبادئ الإنسانيّة والعفّة السياسيّة. أمّا في الخارج فقد ظلّ أيتماتوف يزداد مع كلّ كتاب جديد شهرة، وكانت كتبه كلّها تُتقبّل في أوروبا، وبقطع النظر عن الفوارق الثقافيّة، بنفس القدر من الإعجاب الذي تحظى به في آسيا الوسطى.

لم يكن أيتماتوف ليخشى المواجهات مع كبار العقول من عصره: تشهد بذلك كتبه التي نشأت عن محادثاته مع فلاسفة وزعماء روحانيّين ودينيّين من أمثال الفيلسوف الياباني والمصلح البوذيّ دايزاكو إيديكا، أو ممثّل الديانة البهائيّة فيض لله نامادار. تمثّل تلك الكتب شهادات على جرأة أيتماتوف على الدخول في مواجهات عميقة مع أصوله المتّصلة بالتقاليد الإسلاميّة، ومع الفراغ الديني للعهد السوفياتي ومع ثقافات وحضارات أخرى.

"أنا لا أعدّ نفسي من الملحدين" يقول أيتماتوف، ثمّ يوضّح الغاية النهائيّة التي يقوده إليها هذا التطوّر الذّهني: " إنّ الجذر المشترك لكلّ إيمان في نظري هو احترام الحياة والإنسان، وبالتالي أنا أحترم كلّ ديانة إذ تساعد الإنسان على الحياة." وكتاباته هي الدليل المتفرّد على كونه، سواء في مجادلاته الفكريّة أو في رواياته مهما كانت بسيطة التركيب ومصاغة بلغة أكثر بساطة، إنّما يرى دومًا إلى العالم ككليّة.

التحول إلى معلم إخلاقي

ثمّ هاهو الاشتراكي السابق، الوفيّ كليًّا لمبادئ الواقعيّة الاشتراكيّة، وعضو الحزب الشيوعي السوفياتي، وحامل أكبر جائزة يمكن أن تُمنح في الاتحاد السوفياتي –جائزة لينين- وذلك في سنة 1963، وعضو السوفيات الأعلى منذ سنة1966، و حامل جائزة الدولة السوفياتيّة لسنتي 1966 و1983، و بطل العمل الاشتراكي لسنة 1978، هاهو يتحوّل الآن إلى معلّم أخلاقي ذي حساسيّة بالمسؤوليّة البيئويّة.

"أردت أن أجعل القارئ يفكّر في ما هو أهمّ من هذه الحياة الملموسة، ما هو أهمّ من كلّ شيء، ما هو أهمّ من الجنس البشريّ "، يقول أيتماتوف بمناسبة صدور رواية " الصبيّ والبحر"، "أي أنّنا بشر وجديرون بالصراع من أجل أن تتواصل الحياة فوق هذه الأرض". وهكذا فإنّ الطريق التي اتّخذها لمغادرة الحزب قد قادته إلى البحث عن قيم أخلاقيّة أكثر تماسكًا؛ إلى "الأسئلة الجوهريّة للانسانيّة ".

كان أيماتوف أحد المستشارين القريبين من غورباتشوف خلال مسرة لبرسترويكا والغلادنوست.
وقبل انتخاب غورباتشوف سكرتيرًا عاماًّ للحزب بشهر نشر أيتماتوف رسالة في "البرافدا" الصحيفة المركزيّة للحزب مقالا بعنوان "الحكمة في محاصرة الأسلحة النوويّة" يطالب فيه بالتخلّي الكلّيّ عن الأسلحة النوويّة ويناشد فيه بـ"ميلاد روح إنسانيّة جديدة وسلّم قيم وأخلاقيّات جديدة، وقيم إنسانيّة جديدة عبر مجمل العالم يكون مبدؤها هو الآتي: ليس هناك فقط مقولة "لا ينبغي عليك أن تقتل"، بل لا ينبغي عليك أيضًا أن تفكّر في الحرص على حفظ الأمن العامّ والحفاظ على بقاء الأجيال ضمن نطاق مقولات القتل."

لقد أعرب أيتماتوف دومًا عن التزامه بحقوق الإنسان، بما في ذلك وبصفة خاصّة حقوق الأقلّيات، وكذلك بالقضايا البيئيّة. ولم يكن يمارس ذلك عبر أعماله الأدبيّة فقط، بل في مجال الممارسة السياسيّة العمليّة حيث غالبًا ما رفع صوته محذّرًا ومنبّهًا. إنّها إحدى الوجوه المتمّمة للصورة العامّة التي يظهر من خلالها إنسانًا ملتزمًا ورجل سياسة وكذلك فيلسوفًا عميقًا وكاتبًا متعدّد الأوجه والمناحي الروائيّة.

وكان في تلك الأثناء يشتغل بالكتابة أيضًا ونشر نصوصه في المجلاّت. ثمّ تمّ قبوله طالبًا في معهد غوركي ذي الشهرة والمكانة المرموقة، و بكتابة "جميلة" تسنّى له أن يغدو كاتب رواية ذاعت شهرتها في العالم كلّه. وقد نجح في الربط بين مواضيع محليّة لها صلة بآسيا الوسطى والتقاليد الأدبيّة الرّوسيّة، وغدا بذلك كاتبًا شهيرًا.

رمز الأمل المستقبلي

تطوّر جنكيز أيتماتوف من "لينيني متفائل من الرّعين الأخير"، كما يورد ذلك كاتب سيرته بوريس شليبنيكوف، مرورًا بالشيوعيّ الإصلاحيّ ومستشار لغورباتشوف إلى منزلة المحافظ القِيَميّ. وكاتب كان يُنظر إليه في الاتّحاد السوفيتي بكلّيته كرمز للأمل المستقبليّ –فَرجة مضيئة داخل عتمة سنوات عصر بريجنيف – وكواحد من القلائل الذين يفسحون للعقل مجالا لتخطّي الأسيجة والحدود.

كانت لأيتماتوف مقدرة على التحرّك ببراعة داخل الحيّز الضيّق الذي كانت تسمح به الرقابة السوفياتيّة المضروبة على الأدب. و بالنسبة لقرّائه من القوميّات المتعدّدة التي يتكوّن منها الاتّحاد السّوفياتي كان يمثّل ككاتب رمزًا للمبادئ الإنسانيّة والعفّة السياسيّة. أمّا في الخارج فقد ظلّ أيتماتوف يزداد مع كلّ كتاب جديد شهرة، وكانت كتبه كلّها تُتقبّل في أوروبا، وبقطع النظر عن الفوارق الثقافيّة، بنفس القدر من الإعجاب الذي تحظى به في آسيا الوسطى.

لم يكن أيتماتوف ليخشى المواجهات مع كبار العقول من عصره: تشهد بذلك كتبه التي نشأت عن محادثاته مع فلاسفة وزعماء روحانيّين ودينيّين من أمثال الفيلسوف الياباني والمصلح البوذيّ دايزاكو إيديكا، أو ممثّل الديانة البهائيّة فيض لله نامادار. تمثّل تلك الكتب شهادات على جرأة أيتماتوف على الدخول في مواجهات عميقة مع أصوله المتّصلة بالتقاليد الإسلاميّة، ومع الفراغ الديني للعهد السوفياتي ومع ثقافات وحضارات أخرى.

"أنا لا أعدّ نفسي من الملحدين" يقول أيتماتوف، ثمّ يوضّح الغاية النهائيّة التي يقوده إليها هذا التطوّر الذّهني: " إنّ الجذر المشترك لكلّ إيمان في نظري هو احترام الحياة والإنسان، وبالتالي أنا أحترم كلّ ديانة إذ تساعد الإنسان على الحياة." وكتاباته هي الدليل المتفرّد على كونه، سواء في مجادلاته الفكريّة أو في رواياته مهما كانت بسيطة التركيب ومصاغة بلغة أكثر بساطة، إنّما يرى دومًا إلى العالم ككليّة.

التحول إلى معلم إخلاقي

ثمّ هاهو الاشتراكي السابق، الوفيّ كليًّا لمبادئ الواقعيّة الاشتراكيّة، وعضو الحزب الشيوعي السوفياتي، وحامل أكبر جائزة يمكن أن تُمنح في الاتحاد السوفياتي –جائزة لينين- وذلك في سنة 1963، وعضو السوفيات الأعلى منذ سنة1966، و حامل جائزة الدولة السوفياتيّة لسنتي 1966 و1983، و بطل العمل الاشتراكي لسنة 1978، هاهو يتحوّل الآن إلى معلّم أخلاقي ذي حساسيّة بالمسؤوليّة البيئويّة.

"أردت أن أجعل القارئ يفكّر في ما هو أهمّ من هذه الحياة الملموسة، ما هو أهمّ من كلّ شيء، ما هو أهمّ من الجنس البشريّ "، يقول أيتماتوف بمناسبة صدور رواية " الصبيّ والبحر"، "أي أنّنا بشر وجديرون بالصراع من أجل أن تتواصل الحياة فوق هذه الأرض". وهكذا فإنّ الطريق التي اتّخذها لمغادرة الحزب قد قادته إلى البحث عن قيم أخلاقيّة أكثر تماسكًا؛ إلى "الأسئلة الجوهريّة للانسانيّة ".

كان أيماتوف أحد المستشارين القريبين من غورباتشوف خلال مسرة لبرسترويكا والغلادنوست.
وقبل انتخاب غورباتشوف سكرتيرًا عاماًّ للحزب بشهر نشر أيتماتوف رسالة في "البرافدا" الصحيفة المركزيّة للحزب مقالا بعنوان "الحكمة في محاصرة الأسلحة النوويّة" يطالب فيه بالتخلّي الكلّيّ عن الأسلحة النوويّة ويناشد فيه بـ"ميلاد روح إنسانيّة جديدة وسلّم قيم وأخلاقيّات جديدة، وقيم إنسانيّة جديدة عبر مجمل العالم يكون مبدؤها هو الآتي: ليس هناك فقط مقولة "لا ينبغي عليك أن تقتل"، بل لا ينبغي عليك أيضًا أن تفكّر في الحرص على حفظ الأمن العامّ والحفاظ على بقاء الأجيال ضمن نطاق مقولات القتل."

لقد أعرب أيتماتوف دومًا عن التزامه بحقوق الإنسان، بما في ذلك وبصفة خاصّة حقوق الأقلّيات، وكذلك بالقضايا البيئيّة. ولم يكن يمارس ذلك عبر أعماله الأدبيّة فقط، بل في مجال الممارسة السياسيّة العمليّة حيث غالبًا ما رفع صوته محذّرًا ومنبّهًا. إنّها إحدى الوجوه المتمّمة للصورة العامّة التي يظهر من خلالها إنسانًا ملتزمًا ورجل سياسة وكذلك فيلسوفًا عميقًا وكاتبًا متعدّد الأوجه والمناحي الروائيّة.

الخميس، 29 يناير 2015

وداعا ً زهير العطية-د.إحسان فتحي







وداعا ً زهير العطية


الأصدقاء الأعزاء
تحياتي
صدمني هذا اليوم خبر وفاة احد اعز أصدقائي في العراق وهو زهير الشيخ رايح العطية والذي قضيت معه سنوات طويلة وجميلة كان اغلبها مخصصا لتوثيق التراث العراقي المهدد بالزوال الأبدي. كتبت هذا البوست بسرعة استذكارا واعترافا بمنجزاته العظيمة كأحد ابرز الموثقين التراثيين في العراق المعاصر. كان كنزا كبيرا من المعرفة في اصول الفنون الشعبية العراقية. ان رحيله هي خسارة لا تعوض حقا.
وداعا يا أبا شاهين... ستبقى حيا في قلوبنا
د.إحسان فتحي

قصة قصيرة الحصان والأتان-عادل كامل

قصة قصيرة
الحصان والأتان
عادل كامل
     مرت الأتان(1) تتبختر نشوانة من أمام الحصان، في الإسطبل، حيث أخفى ابتسامة لمحتها الأتان، فاقتربت منه كثيرا ً، حتى استنشق رائحتها، فسألته:
ـ أتسخر مني، أيها الحصان الجميل؟
ـ بالعكس...، فانا استعدت أزهى أيامي، عندما بذلت كل ما كان بوسعي ان أقدمه للآخرين!
   لم تخبره بما اسر في إذنها، قبل سنوات طويلة، وهو يسفدها: عساك ان تلدي مهرا ًعداء مثلي، فلا تجعليه كالحمار الذي ينوء بحمل الأثقال(2) لتقول:
ـ ماذا نفعل غير حمل الأثقال..، فانا نفسي لو افعل ذلك لتخلصوا مني، وجعلوني وليمة للمفترسات!
ـ هذا هو الصواب.
ووجد صعوبة في متابعة الكلام، فسألته:
ـ أراك مهموما ً، حزينا ً، وتنظر بشرود ...، ولا مبالاة؟
أجاب بلا بعدم اكتراث:
ـ كنت أود لو مت بدل ان انطق بكلمة أسف، على ما مر...، ولكنني سأعترف لك، يا صديقتي القديمة، مادام الكلام، في نهاية المطاف، كالصمت، محض مرور من المجهول إلى المجهول، فها أنت ِ تستنطقيني!
ـ ها أنت أصبحت فيلسوفا ً، تفكر مثل القدماء؟
ـ لا، أيتها الأتان السعيدة، فانا لم اعد اجري في ساحات الوغى، ولا في ساحات المنازلات الكبرى، ثم لم اعد اجر العربات، بعد ان شغلوني بجر عربات الموتى، ثم عربات الزبل، ثم حمل الأثقال، رغم تقدمي بالعمر بعد سنوات طويلة من الخدمات التي قدمتها!
ـ وماذا بعد ذلك..؟
ـ الجواب وحده سيبقى لغزا ً...، فانا لم اقتل، ولم أمت...، بل وجدت مصيري ينتهي بي في هذا الإسطبل، في هذه الحديقة، وقد وضعوا لافتة تقول: حصان أصيل!
نطقت بنشوة:
ـ وها أنا أجدها مناسبة كي نعيد صداقتنا الحميمة القديمة...، يوم ولدت بغلا ً!
قالتها بخبث، فأجاب بصوت واهن:
ـ آ ...، أيتها الجميلة، مهما تقدم العمر بك، فأنت مثار للدهشة، والغواية...، ولكن لماذا تبعثين في الأسى، بعد ان غاب عني عقلي، وفقدت جذوته!
فقالت بحيرة:
ـ  وماذا افعل بعقلك...؟
ـ لا تسخري مني، فالعقل وحده مسؤول عن الغواية، والخطيئة!
ـ لو كان ما تقوله صحيحا ً، لكانوا أرسلوك إلى المسلخ طعاما ً للضواري، أو تخلصوا منك بإرسالك إلى المحرقة!
  فقال بصوت حزين:
ـ لن يطول الأمر ...، فعندما لم اعد قادرا ً على عرض مهاراتي، للزائرين، بوصفي أصبحت أثرا ً، كما قالوا ذلك، ستنتهي حفلتي في هذا الوجود!
ـ يا للخيبة، لن أتذوق عسلك!
فنطق بصوت مرتجف:
ـ لكن خيبتي اكبر ...، أيتها الغالية، عندما لا أجد ساحة للجري، ولا أجد ساحة للمنازلة، ولا أجد قدرة للتمتع بزمني...، عدا الاحتفاء بوجودي وقد صار هيكلا ً...، بعد سنوات بذلت فيها كل ما كان بوسعي ان ابذله من اجل الآخرين، ولكن اخبريني..
صمت فترة غير قصيرة، ليسألها:
ـ أين ولدنا الغالي؟
اكتأبت، وبصعوبة وجد الرد:
ـ افترسته الذئاب.
ـ آ ....، فهمت، لهذا ترغبين بابن...! إذا ً...، لن ادع الحزن يؤذيك، بعد ان  ملأت رائحتك عقلي!، لكن ما الذي يضمن ان بغلنا السعيد، ابننا، لن تفترسه الكلاب، أو ينتهي به المطاف إلى هذا الإسطبل، في هذه الحديقة؟!
14/1/2015



_________________________________
1 ـأتان: ( اسم )
الجمع : أُتُنٌ ، و أُتْنٌ
الأتان : الحِمارة ، أنثى الحمار
2 ـ طه باقر " مقدمة في ادب العراق القديم" ادب السخرية والغزل والتراتيل. جامعة بغداد ـ كلية الاداب ـ 1976 ص182