الجمعة، 9 مايو 2014

عادل سعيد:أضواءٌ .. سائبة



عادل سعيد

أضواءٌ .. سائبة

الرئيسُ في إجازة
أطفِئوا
الشّعب
***
أبعدوا المارّةَ رجاءً
فهذا الصباحُ العجوز
آيلٌ للسقوط
***
المكانُ لا يتّسعُ لإثنين
سأحلُّ فيكِ
و معاً
نَحِلُّ
فِيََّ
***
ربّما تكون مهرّبةً
مِن تايوان
و لكنّ هذا الليل
يُبيعُ سبائكَ الضوءِ
بسِعر الكُلفة
سنكفُ عن استلافِ النّور
مِن بنكِ الدولة
للأضويةِ المَختونة
***
معا سنحتفلُ
أنتِ بميلادكِ
و أنا
بِما
قبلِ ميلادي
***
مُجرّحةٌ أقدامُ هذا الليل
بِأشواكِ ضوءٍ برّي
لَم يستطِع أديسون
اعتقالَهُ في مصباح
***
حفرتُ نفقاً في اسمِكِ
كي ألتحقَ
بمعناكِ
قبلَ تدويني
***
ببراعةِ قِطٍ
قفزَ ليلٌ
فوق مانعِ ضَوء
فتكسّر
ببراعةِ زُجاجٍ مُحترف
****
سنواتي تنزلقُ
بِخِبرةِ سمكة
مَنْ سَكب الزئبقَ
في عُمري!؟
***
كلّكم حصّادون!؟
نعتذرُ مِن مناجلِكُم الباسلة
فأروحنا تموت عادةً
قبلَ أن تبلُغَ
سِنَّ الصُفرة
***
بدون وحُوش!؟
بِماذا تتسلّى الغابُةُ
إذن !؟
***
تنظيمٌ جيفاريٌّ
تحت أرائكِ الجنّةِ
و حوريّةٌ
بحزامٍ ناسف
والقتلى
سبعون سلفياً
***
غامضٌ هذا الحُبُّ
و القلبُ أُمّيٌّ
لا يُجيدُ قراءةَ طريقةِ الإستعمالِ
في الكُرّاس المرفق
***
آخِرُ عاشق
....مات قبل لحظات
تبَرّعوا بالزهور
لقبرٍ يتيم
فرّ ميّتُهُ
(قبل (قيام الساعة
***
زرقةُ السّماءِ نَفَدَت
و البِحارُ لَمْ تُسدّد
ثمنَ ما في ذمّتِهِا
مِن زُرقة
***
تقاعدَ الوزنُ
استَقالت القافِيةُ
و الى بيتِ النثر
لجأَ الشِعر
فعلى أيِّ ايقاع
سيموتُ الغاوون !؟
***
لا صراعَ
بعدَ اليوم
فالطبقاتُ جميعاً
في فراش الزوجيّة
***
جِيادُ الحُريّة مُستَأجَرة
و سائسُها
عَبدٌ مُزمِن
***
.... تعبتُ من الوُضوح
سأطفِئُ
روحي
و
و أنام

الخميس، 8 مايو 2014

تجارب أنور الرحبي ... وثبات الأطياف ومشفّرات الرسم- عادل كامل


تجارب أنور الرحبي ... وثبات الأطياف ومشفّرات الرسم














عادل كامل
لا يغادر النص الفني ، في رؤية الفنان انور الرحبيي ، ذاكرة أقدم النصوص الفنية : زمن تدوين الصّورفوق جدران الكهوف ، متتبعا ً كل علاقة بين الاصابع ، والمحيط الخارجي . انها رحلة الرؤية – الفضاء ، بين المخفي الداخلي ، والاثر بصفته شاهدا ً . وفي السياق نفسه ، تأتي نصوصه في عصر لا تتجانس فيه الحدود ( والعلامات ) . فالرحبي يلملم شتات مصادره الثقافية والحياتية بالاداء الفني 0 فالنص ليس محض علامة ، علامة بين العلامات ، بل هو مخيال اس
تذكاري لمصائر ومواقف : شهادة تعلن عن ال ( ها هنا ) الوجودي .. هذا التحديق في تعاقب – تراكم الصور ، تلاشيها وانبثافها ، في حدود الامتداد .
ان مفهوم الصور ، الأشياء ، الاجزاء ، يتوازن مع شاعرية السكن في الذاكرة الخيالية : ذاكرة اليد والقلب وكل ما يكوّن مكونات اللامتناهي في الذرات : في تلك الطاقات الباثة بقوتها حول المحور الذي استلمه الرسام ، وجعل منه نسيجا ً بنائيا ً لرؤية قيد التدفق .. لأن التعبير البكر – والاخير ، يتلازمان الكيف ، مع شفافية أسئلة العقل – القلب معا ً . فتجاربه تلخص مغزى مفهوم البنائية – التوليدية .. والنص الواحد ، لا ينعزل عن سلاسل المغامرة ، بل يشتغل جاعلا الحضور ، في الحاضر ، امتلاء ً ، وليس شهادة لزمن غاب ـ أو قيد الغياب .



هذا الحاضر / هو النص الذي يعيد وجوده بصفته يحمل مخيالا لبنية جدلية يصير النفي فيها ضرورة لحريات التدفق ، والانبثاق ، والتواصل . ان انور الرحبي ، في الزمان العربي في فاتحة الالفية الثالثة ، يتلمس وجوده شعرا ً : نصا ً مضادا ً لمقولات وافكار أو مفاهيم موت الاله ، والفن ، والانسان .. فالنص لا يتلمس حضوره الا بقوة مركزية الرائي انسانيا ً : هذا السكن الذي يضفي على ساكنيه طرازا ً لحداثة شرقية : حداثة تعّرف ذاتها داخل اشتباكاتها وتضادتها كي تتوازن فيها المرجعيات مع القلب ، والضرورات بالحلم ، والموت بارادة ما بعده داخل فاعلية الكائن في الوجود .



انه ببساطة لا يربكنا بعلامات متطرفة ، غرائبية ، أو وظائف استهلاكية في عصر الرفاهيات المفترض ، بل يدمج شتى المصادر لصالح نص يسكننا ، بفعل مغزاه التوليدي .لأن الحساسية تعلن عن جدلها بما هو محذوف داخل النص ، وبما هو مكون عبر الاداء آنيا ً.انها علاقة كثافة لا علاقة فجوات ، مع ان الرحبي ، بمنحاه الشاعري ،لا يغادر أسئلة اغتراب الكائن ضمن انظمة حضوره . انه يختزل مولدا ً كثافة مشفّرة لكنها تقول الذي يقلص الامتدادات في النص / البيت /كي تصير – في هذا الخطاب – بلا حافات ، كباثات تتوحد عبره دالات الخبرة ، والمخفيات ، والبوح .. فالنص ليس علامة قطيعة ، وليس جزءا ً مقتطعا ً ، بل هو كل الذي يأخذنا اليه ، وهو الذي ، عبر المراقب / المشاهد ، يتضمن فاعليته في التعاقب ، والالفة . فالفنان يختفي ( يخفي – ميعلن ) كلما كان مصير نصه يمارس انبثاقاته وباثاته القائمة على ايقاع نبضات الفاعل ، والقلب ، واشتغاله بآليات عناصر الفن . هذا التجانس ، في ديناميته ، يتضمن موضوعيته : ان الرسم ، مرة بعد مرة ، يستدعي ذاته ، مفهوما ونصا ً ، مع كائن يتحرى اقامته جماليا ً . الا يصح ان نتلمس ، عبر قرن من حداثات الرسم العربي ، مغزى أو معنى لهذا الدافع : التوق ولبس الاكتفاء ، الشاعرية وليس الاستهلاك ، التحرر وليس الانغلاق . الا نجد ، في الرهافة ، مغزى الاتساع ، وفي العلامات المعلنة ، رغبات مكتومات للبوح ، والتواصل ، والامتداد .








انتقالات : التجريد طيفا

يصعب العودة الى ( موندريان ) أو ( كاندنسكي ) ، بحجة بلوغ الذروة . ولقد كان جبرا أبراهيم جبرا ، يرى هذا المصير الذي توؤل اليه مصائر التشخيص في الرسم العربي المعاصر بيد ان التجريد منذ تكوّن مفهوم ( النص ) كبنية تامة الاكتفاء بذاتها ، منذ عصر الكهوف مرورا ً بالختم وانتهاء ً بمشفرات ما بعد الحداثة ، كان منجزا ً ذاتيا ً على صعيد المخيال ، وعلى مستوى انبثاق الفن كظاهرة ما زالت تقاوم مغزاها الاستهلاكي . اي هذا الذي لا يتوقف عند التأويل ،أو حافات الشرح ، والفلسفة . وليس هو ، كما سعت التحليلات الجدلية ، ظاهرة عصر أو حقبة 0 انه ، كما الانسان ، يمتلك عناد المقاومة والحفاظ على الذي لا يقبل ان نقول فيه كلمة الختام . والفنان انور الرحبي ، كمعظم الرسامين ، عاشق غوايات : فضاءات الصحراء ، سحر نجوم الصيف ، رفرفة اجنحة الطيور ، غنج اللائي يحملن الموت ولا يمتن ، اعياد الطفولة واقواس المعابد ، حجارة المدن العتيقة ، نوافذ الازقة وابوابها ، حشود البشر ، دخان المقاهي الخ .وقد نفذها استنادا ً الى ضبط قواعد الرسم ، وتقاليده ومن ثم ، في مجال مغاير ، دفع بالعاطفة نحو التعبير ، مازجا ً الصمت بالصخب ، والكتمان بالتضرع ، والعناد بالمغامرة .



ان الاسلوب لا يعاند ، والبنية لا تمارس خيانتها مع الحساسية فكل رغبة تجد معالمها بترتيب العناصر . فالفنان يبني ، كما تشيّد المدن : انه يبني داخله ، مع موروثات ومرجعيات موضوعاته المختلفة يبني الاسلوب ، ليمتد ، بالتدفق والتواصل . فالمرور بالواقعية والانطباعية والتعبيرية لم يفض الى التجريد التعبيري ، ولا الى شفافية الرسم الحديث ، بل كان التجريد متكونا ً كبناء تضمن انتقالاته ، حيث التجريد ليس اختزالا ً ، من المشخص الى اللاتشخيصي ، بل بمعناه الاخر : انه ( نظرة ) الذي لا يتوقف عند الجزء ، بل ، يذهب حد الاندماج . ولكن الفنان يحافظ على مروره بالموضوعات ، لانه سيحذفها حد الاكتمال . فالمكعب الذي صار مرئيا من جهات عده ، صار مدينة مصغرة . بل صار داخله كمجسم لا يفارق احلامه في اكتناز المشاهد ، وجعلها مصدات . كما ان المناخ اللوني ، وتقطيع النص ، والتلصيق ، وترك الاصابع تمارس كلامها وآليات اشتغالها وما تريد البوح به ، كله ، كما غعلت اصابع الكنعاني والسومري والمصري . انها لم تبح الا بالذي ما زال يريد ان ينطق به . وماذا كان الماضي يريد ان يقول ؟ اليس انور الرحبي ، هو الاخر ، جاور فضاء الحلم ، ليدوّن ، كل الذي سيبقى يجذبنا اليه ، متكلما أو صامتا ً : هذا الطيف الكامن في نسيج الحائك وعبث اللعب السحري المنتظم حد اختفاء نظامه ودوافعه ؟ اليس الرحبي ، لا يلعب لعبا خارج اشتباك العلاقات بعد ان اتسمت نصوصه بالشفافية والالفة بل يحرر اللعب من اللعب ، ويدفع به نحو الاكتفاء والنعيم لكن اي نعيم عندما لا نرى الا مرارات عالجها الرسام بالتوازن والتشذيب . فالجمال الكامن في النص يختفي .انه ظهور خاطف ، كطيف يثب بعيدا عن الاقامة . ومع عناية الرسام بالمكان ، والاطار ، والايقونة ، والاشكال ، والتوازنات ، فانه يترك للاصابع ، كما للقلب ، ذلك الاضطراب الذي يؤرخ للعشق استحالة ان تكون له ذروة ، وختام .







اليس الرحبي ، كما في تجارب مماثلة ، ولكن استثنائية في الرسم العربي ، لا تتعكز على المعنى ، وعناده ، بل على البدائل . انه يرجعنا من الغد الى ولادتنا التي هي بلا ماض . فالعدم يختفي في نسيج الضؤ ، هذا الذي يقال – بعدانشتاين – يأتينا من اللاحافات . لان مقدار الضؤ في اللانهايات ، لا يسمح للعدم الا ان يكون هذا الذي مازال الضؤ يعمل فيه ، ولكن عبورا نحو لا حافات أبعد . ان فنه ، مثل تكونه يعمل على تصوير هذا الذي نراه ، هذا الذي يتخفى كي نعثر عليه في موضوعات الضؤ ، كما في كل باثات نبضات اللامرئي مؤطرا ً بالحدود والعلامات ، ومكتنزا عبر الغياب ، والانبثاق .

فن التخطيط : المرأة والمدينة

المدينة انثى ، وليست تجريدا ً . ربما لو كان الوجود محض فلم مسجل داخل شريط ، ونظرنا الى المسافة المحصورة بين الكهف ، واية مدينة ، لقلنا ، هو ذا التراكم والتطور فالمدينة كانت قائمة في الذاكرة بيد ان هذا الشريط الوهمي ، المتخيل ، ينتمي الى الوجود التوليدي ، حيث لا قطيعة في سلاسل الازدهار والتدهور لكن اللاشيء انتج ، في الاخير ، وفي اي احتمال ، مفهوم التراكم . هذه المدينة ، في تخطيطات أنور الرحبي ، مدينة لم يتم احتلالها ، ولم تتعرض للبغي ، والذل .انها انثى خالصة ، لها حدودها ، ولها تضاريسها ، وفاكهتها . انها مدينة تعزف الناي ، لتتحول ، هذه المدينة الى انثى لا تعرف التراجع ، لانها عاشقة ، مدينة آتية من اعماق الصحراء ، ومحصنة بدفاعاتها الذاتية : جمالها وثمارها وامتلائها فالمرأة سابقة ، ولاحقة ، زمن الاخصاب الذكوري ، وكأنها تمتلك معجزتها في ذاتها ، مثل بذور الكون البكر ، التي تطرد اي نهاية متوقعة وقاطعة للفناء . فالرسام يرسم بنية لا تدخل في اطار ، ولا تغلق في مفهوم كأن الفنان جعلها – المدينة / المرأة – شعرا دونّت اولياته ، ومازالت في البدء . فالقصيدة ، كفن التخطيط ، غير قابلة للاكتمال والفنان الذي جعلها تكوّن جغرافيتها ، محمية بحدود الموسيقى ، ملاْْها بالرهافات ، وغفوات العشق . ان الرحبي يرسم كل الذي ينتمي الى عناد المقاومة ، بعيدا ً عن التشويهات النقدية ، ورموز العدوان . فالمرأة ، مع الطير أو حتى في عزلتها مع اصابعها ، أو مع مصباحها ، تجعل الوجود محتملا ً فهي تولد مدينة للرقص ، والتأمل ، والموسيقى والنعيم ، في هذه التخطيطات ، تجسده ليونة وصفاء الاداء . فالخطوط ، شعريا وربما هندسيا ، تدوّن همس المدن ، وكأنها لا تتحدث الا عن ابديات المسرة . ان ( مثالية ) هذه التخطيطات ، لا تغادر واقعيتها ، لا لان كل ما يرد في الذهن ، له موضعه او انه جزء لا يستغني عنه الكل ، بل لأن التضاد يتحاور مكونا واقعية أقل اثارة للمرارة ، والاسف . فالرسام ينفي ضرورات العقاب ، والمراجعة ، الا عبر شفافية تقاطع الخطوط ، مع اختلاف نسب الاشكال ، وملامسها الاقرب تدوينا لتمثل الاصوات . فالمدينة تعزف ، ولكن ، ليس لأحد . انها تعلن عن غائبها .



وانا افترض ان الاسطورة ، في عصر تصدع الحضارات وتحولاتها ، تذهب ابعد من محاولات اغتيالها ، ودفنها . فالحياة تشتغل بالمخيلة ، والانثى ، المدينة – من الكهف الى الى حلب او دمشق او حماة ، لا تخفي مشروع القرية الكبرى : الارض . بيد ان احدا ً لا يقدر ان يجعل العزف الا متنوعا ً ، مشحونا ً بالحواس والباثات ، بالاشكال موحدة بمداها المستحيل ، انها توقع توقيعها الذي لا يتلاشى امام الزوال. هذه الخصوصية للمرأة ، للمدينة ، تكتمل باشتغال اليد فوق القماشة ، بهذا التماس ، بالنار المتولدة والمشعة اكتمال دفئها . انها درجة مناسبة كي تتشبث بهذه العلامات ، لا ان نكون في حال المرمي ، أو المقذوف ، أو المتجه نحو نهاية الرؤية . فالرسام يخطط اشكاله ليمنحها شكلها بعد ان حصن داخلها ، فالبعد يكمن في أول الخلق : انها البذور البكر المخفية في لاحافات الخيال : بذور توّلد السلام الذي غدا وهما ، وقد صارت له حافات : طيور ، ثمار ، نايات ، دفوف ، ومصابيح ، حيث السكينة لا تصّدع بالرغبات ، والاستهلاك .ان واقعية هذه التخطيطات ، تجسد داخلها الشفاف ، ومثاليتها – حيث تستعيد فنون الكرافيك ورسومات كبار رسامي العصور – لا تغدو الا ضربا ً من السحر ، والنعيم . فهي علامات صنعها الرسام على ايقاع نبضات قلبه ، وشيدها بمزيد من اصغاءات لباثات لا نراها ، لكنها صارت تمتلك الابعاد ، حيث المدينة / المرأة تمتلك عبور الذي يبقى متحركا ً ، كالطيف ، لا يسكن مدينة الا واعاد لها نايها . انها تخطيطات سريعة ، خاطفة ، حيث يصعب ان تبلغ درجة الكمال ، درجة الموت .



شرقية الخطاب : الالفة وأقدم البذور

تكاد الحداثة تتوج مجدها ، بعد ( هايديغير ) ، وفي سياق ما بعد الحداثة ، بمشروع لا يجعل من اوربا عتيقة ، بل ميتة . انها سلاسل لم تنقطع منذ لم يعد للفكر الاسطوري / الخرافي مغزاه في تحليل الوجود ، واعادة دفعه باتجاه المجهول . والرحبي ، مع قلة من مثقفي العرب ، تأمل المشهد . لكن ماذا لو تم استبدال التصور ، بالبراغماتية الجديدة ، بعد الموجة الثالثة ، وصناعة عصر يمتاز بالقوة ، وهو يبرهن ، ان ما بعد الرأسمال ، واقنعة الحوار ، فعالة عبرالجبرية ، لا عبر حقوق المشاركة ، والتجاور . ان اسلوب الرحبي ، يرث مغامرات قرن من التحديث ، والتشويه ، والخبرة . ومع ان الماضي ليس ملكية راسخة ، كالنقد ، ومثل الانسانية والافكار ، الا ان دفاعات القلب لديها ، امام التسارع وجنون الانخلاعات ، وقفات : انها وثبات . فالاحتماء بالاركان / الزوايا / الجسد / الدائرة / البيت / والمرأة ، تطرد المسافة . انها فعاليات لا تؤجل الزمن ، ولا تنحاز الى ميتافيزيقيا عمياء . فقرع طبول الالفية الثالثة ، مدوخة ، لا تتمتع بلذة ، بل بالمحو ، فماذا تفعل حواس كائن يقاوم مشهد الازاحات : كأن العالم محض مختبر بالغ الاطراف ، ومعادلات لا تقف الروح فيها كعامل مساعد ، بل علامة اندثار ، الا استعادة الامل . فالرسام يحفر ، يكوّن ، يركب ، يدوّن بالعناصر كتمان مصائر مليارات الكائنات ، بدل الصمت ، صمت الذاكرة والمخيال معا . ان الفنان يقاوم منحازا ً للحلم ، والاطياف .والغريب ان ( انا ) الرسام لا تنغلق ، بل تتوازن بين البدايات والحاضر ، وبين الاساليب ، ولا تبعد تعقيدات ما يحدث في العالم ان ( اناه ) تغادره وكأنها الطيف ذاته الذي اخترع الهة الفرات ، التي خرجت من الجزيرة العربية : انا صابرة ، مكتنزة بالامل ، فهي تتدفق وتنبثق داخل نصوصه : انا تجد مستقرا ً في النص الكوني ، كومضات لها انظمتها وخبرتها . فالخطاب المتكون يتضمن المحنة ، وحصار الفجوات ، ووعورة الطرق لكن الرحبي يستعيد ، بفعل مخيال يتذكر ، حاضره : كائناته ومكانها ، مدينته ورائحتها . فالرسام لا يفترض وجود قطيعة تامة ، كي ينخلع ، أو ينحاز لفعاليات الابادة . انه يتحصن بالشعر والالوان والاقواس بعد ان صار الجمال مرا ً ، فاجعا ، لكنه لا يحدق في العدم . ان هذا الخطاب البديل لحداثات تهرول وراء خرفان تائهة ،أو خيول معدنية ، يتوقف عند النص / الحلم ، والفن / الالفة . فالفنان يستذكر اقدم ميكرسكوبيات البذور الحية : المناخ والنبض. انه لا يتحجر ، ولا يتمثل مشاهد معسكرات الموت ، بل يصنع آلفة المتحضر الاول : سكان بيوت الطين ، حيث الاخير ولدّ حياة الموسيقى . يتمسك بحماية عشتروت ، وموروثات حضارة الفرات والجزيرة وروح الازمنة المشتركة هذا الخطاب ، لا يتكون سلفا ً ، بل يبنى بالرهافة ، وبايقاع تنتظم داخله مسارات وعلامات لا تحصى ، فليس الدفن عيدا ً ، بل صار يرصد الذي يبقى في حالة التوهج . انه يصّور عزلة الكائنات آلفة حرية ، حتى عندما لم يعد لديها الا هذا المصير . فالانسان يولد ويعيش حرا ً بحرية بالغة الانضباط . حتى ان اللامعنى ذاته يغدو ، كما عندما لا امل في العثور على حلول تامة ، يصبح ، معنى ، وسكينة للامتلاء . بهذا الصبر ، والعفوية ، والتعبير ، يركب ، ويبني ، البيت الذي يغدو شكلا للداخل . فالرسام ينقش مدوناته ، يرسم الوثبات ، وثبات حاضر يعلن عن جغرافية ألفته : انسانية محصنة بالفضاءات لانها انسانية تحمل معها ارادتها : شفافيات كانت المعلقات العظيمة قد حفرته شكلا لعهد لم يندرس ، ولا يستعاد أو يتكرر ، بل يتجاور ، حيث الحياة لها مذاقها وليس لها الا ذلك ، كي لا اقول كراهيتها وتحجرها . هذا الخطاب ولدتّه الرمال وعويلها ، مسار قوافل التجارة والهجرة ، وآثام غزاة حفرت في القلب وفي الذاكرة حيث صار الرسام يرسم كل الذي يمتد ويحصن ويبث : انه يعيد بناء وتأليف وتوحيد وتركيب اجزاء عالمه الكبير ، عبر بعد يضاف للابعاد المكانية والزمنية ، المتخيلة ، والمرئية واقعا ً ببعد الالفة . البعدالذي يدمج الواقعي بالخيالي ، والغائب بالحاضر . فالنصوص تخترع سكنها الافتراضي ، لكنه الملموس ، والمعتنى به . كما ان النصوص قائمة على دفع الحلم نحونا – لان حلم الفنان يغدو مضادا ً للشرح والتفسيرات . الا يبدو الشرق ، هنا ، يمتلك مخياله ممتزجا ً بدينامية الوحدات التشكيلية : بذور التخفي وصدمات عالمنا الذي يبتكر زواله. ان الفنان انور الرحبي ، يترك اصابعه تذهب مع حافات مكعباته وسطوحه وسقوفه والوانه حيث المصغرات تبقى تعلن عن اقامتها داخل بيت الالفة : هذه الالفة التي تمتد جذورها الى اقدم نصوص الجزيرة وحضارة الفرات والنيل ، مرورا ً بما صاغته ذاكرة المدن العربية الكبرى ، كي تكون المعاصرة قد جاورت بعناد عصر ما بعد الحداثات ، ولكن ، لا بالذوبان في مفاهيم علامات الاستهلاك ، او الكف عن شفافية الخطاب ، بل في صياغة دوافع بناء رائحة المرور والسكن المؤجل والاطياف . فالالفة تمتد وتعود الى اسباب حتميات ظهور حريات بذور التدفق الشفاف للكائنات ولا تنتهي بخطاب ينطوي مستقبله على ماضيه . ان الرحبي لا يجازف بالشعري والحدسي الا لان المجازفة / المغامرة تنطوي على أستحالتها : أنها أنجذابات بلا حدود ، صلة قوى أستمدت أشكالها بتآلفها وتوحدها ، وبما تتضمنه من أرسال أو باثات . هذا المنحى الذي يتضمن هندسته ، وشاعريته ، وبوحه ، يحافظ على جسوره مع المرجعيات وتجارب حداثات التشكيل العربي ، فضلاً عن تجاوره مع حداثات لا تحصى أسبابها ، كي لا يفرط بمركزية الفنان ( والفن ) : ان الفن لا يخفي ألا ما صار فجوة ، وفضاءً .. فكلاهما يكونان نصوص الألفة ، وخطابها الجمالي .




مجسمات منذر علي - الشعور المتوقد في الذاكرة : ماضي حسن نعمه

مجسمات  منذر علي 
الشعور المتوقد في الذاكرة 







ماضي حسن نعمه 


النحت لدى الفنان منذر علي هو اكتشاف المعاني المستترة وراء الأشياء ، إذ تعبر الصورة الشكلية لديه عن المادة ، والاختزال يوصل إلى التجلي ، والتجلي معنى ينطوي في استدارات الذاتية المحلقة في تأملاتها المنشدة نحو المجهول لكن جذورها تتغلغل بين ثنايا امتدادات الواقع المرئي 0 انه حاله نصل إليها من خلال المحسوسات ، والدوران حول الشيئيات المشخصة ، هكذا يندفع الفنان منذر دونما توقف عن الخوض في مبررات مقيده ، ولكن بكل وعي وتؤدة وتفكير ، انه يبحث عن هدف يحلق في أعالي هاماتنا ، ولكنها مرئية بين امتدادات وشائج الأفق ، فالشخوص الآدمية المحتشدة والمتفاوتة القامات كأنها تعبر عن جوانب مبهمة في العقل الذي ينساق مع الروح الجمالية المتماثلة بالواقع وتمثلنا للحياة ة ، كأنه يريد إن يقول إن الاقتراب والتلاحم بالمفهوم السيسيولوجي هو ا قرب من الشفاعة في الاحتماء  ، انه تمسك في الحياة على الرغم من كل شيء عن طريق تعبيراته الإبداعية  الجمالية 0
في أعماله وجوه مشدودة نحو أفق معلوم ولكن  نيله  أضحى حلما مجهولا بين ارتطامات الواقع الصاخب وادرأنه الموبقة ، قامات ممشوقة في نسق اصطفافي تعلن توازناتها الداخلية وفضاءاتها المفتوحة كي تحقق هدفا مفاده يتجلى بمحتوياتها الواقعية ضمنا ، انه هاجس الأمومة والدفيء الأسري الذي يأتي مؤجلا ، وجوه واجمة حزينة وأخرى متأملة رؤؤس صغيرة منتصبة أعناقها على أجساد مترا صفة يلفها نسق واحد من الألفة الإيقاعية سوى بعض التبدلات النسبية إنها رغم ذلك موضوعات اجتماعية من الواقع منتخبه من نسيج خيال الفنان ، امرأة تحتضن صغيرها ورجل يحتضن امرأة في محاولة للترميز عن العشق أو المحبة الأسرية ، أو هو حالة من بناء تكويني مفترض يتبناه الفنان في بعديه الوجداني والسيسيولوجي – الاجتماعي – انه تعبير مكتفي بذاته انه فن خالي من تعقيدات مشفره أو غامضة ، ولكنها استطاعت تسبر أغوار عمق الماضي ببساطة تلقائية ومعبرة فانتصاب الأشكال بكثافة وبحركات يسودها الوقار تذكرنا بالتراث الرافديني لاسيما التماثيل المصغرة والمنتصبة في اروقة المعا بد الاان لمسات الفنان ببعديه المعاصر والخصوصية – العراقية كان واضحا سواء كان ذلك في استخدام الخامات من الخشب ، كالسدر ، التوت ، والنارنج ، والبلوط ، والجوز وغيرها ، أو في ميكانيزمة الأداء التقني للعمل الفني والذي يتطلب الصقل والتنعيم المضني 






اختيار الخامات
لماذا مادة الخشب ؟
من الملاحظ إن الفنان منذر علي فضل استخدام مادة الخشب بأنواعه في أعماله النحتية ، من المعروف إن مادة الخشب تتطلب عملية هدم وحذف وإلغاء وتشذيب أي عملية خوض أدائي من الخارج إلى الداخل كغيره من مادة الحجر وهذه العملية تتطلب حذاقة وحذر في الأداء لان إلغاء أجزاء أو مناطق في الزحف غير المقصود أو بزلات الأزميل الجارفة يؤدي إلى خلق مشكلة من الصعب معالجتها ، على عكس النحت لمراحل الشمع والطين وغيرها من المواد التي تتطلب الدخول إليها من الداخل في عملية بناء لبناتها الأولى منتهية إلى أهدافها المرسومة والفنان منذر علي اختار هذا النوع من المواد رغم علمه بانفرادية ووحدانية هذا النوع من النتاج الذي لا يتكرر بالاستنتاج  كالبرونز مثلا ادرك ذلك كي يمنح العمل قيمة الواحد قيمة نادرة في النتاج لايسمح بالتكرار رغم تحمل تبعاته المعنية إذا أراد الفنان أن يحقق أعلى قدر من  التمتع الشخصي  المنسجم مع هواجســــــه الذاتية بعيدا عن متطلبات التسويق المفترضة ويبقى مزاولا لحريته بصدق في مراحل التطبيق الأدائي ، انه يرغب في الإبقاء على نكهة انتخاب مقتربات الوجود الذاتي والموضوعي للعمل على حد سواء، ففي مادة الخشب هنالك صلة فسلجية بالاستعارة الواقعية والتأملية ،أنها تعامل مادة حسية لها خصائص النمو والحياة والموت ، طبقات من تراكيب خلية حية سايتوبلازم وغشاء البلازما ومواد أخرى، كائن حي ينبض ويشعر ويتألم بفعل كوارث الحرق والقطع وغيرهما 00 انه إذا فنان عارف بأسرار تلك المواد التي يتعامل معهـــا إذ يبغي من وراء ذلك تحقيق( المعادل الفني ) بين ماهو مادة من نوع خاص وماهو إنساني كي تجعل الحياة تعلن عن مدياتها عبر السكن الوجيز فالخشب ممكن أن يكون (تابوا ) يحتضن الأموات في حالات أخرى لكن الفنان يسخر وضيفة هذه المادة نحو ممارسة فتح فجوات داخل فضاء فسيح الأمل ، نابض بالحياة والألفة الأسرية ،انه ضرب من التعبير الشعوري المعلن رغم متاهاتها وقيود حرية حركتها ، من هذا الجانب كان الفنان يصنع شخوص تحمل معها تذكار البيوت وكل ما يأوي له الإنسان ليكون ملاذا  آمنا لطرد العزلة والانكفاء المفرط عن مداخلات المحيط  الاجتماعي ، انه تماسك مع النسغ الروحي النابض بالحياة إذ تتمثل تلك بصناعة التعويذات وطوطم النجاة بنداءات شفافة تلك الأجساد محتشدة بدون جدران من الناحية الموضوعية لكن أمنها منبثق من تلاحم وتقارب تلك الأجساد مع بعضها لتشكل صدا روحيا  وتماسكا معنويا ، فامتداد قامات الأشخاص بهذا الشكل أشبه بامتداد سيقان الأشجار ، بهذا المقترب الشكلي البناء يحقق الفنان جذور المادة ابان وجودها الحي وبين وجودها بهيئة كائنات بشرية ، إذ منحت الوجود الحي في تمثلها الجديد بالهيئات الإنسانية ، لقد عول الفنان على مادة الخشب كمادة لرموزه التعبيرية،وخطابه الجمالي لتحمل أسرار حياتها البكر ،ويبقى يحمل أولى الحساسيات بـين نبض الكائنات الحية ومحيطهم الخارجي ، انه ضرب من الشعور المتوقد في الذاكرة – المتوهجة- تحمل معها نسيم  الليل ورطوبة الماء ، وإذا كان استخدام مادة الطين يلتحم مع السخونة المتوقدة في مراحل الانصهار، وكذلك التحولات الجارية  على مواد البرونز ،فان الخشب بجسيماته النابضة ترفض تلك المؤثرات القاسية والتي تغير المادة من حالة إلى حالة ومن صورة إلى صورة 0  إن هذه المؤثرات تلتهم هذه الخامة المفعمة بالحيوية النابضة التي يخطط لها الفنان بفعل مؤثراتها القاسية إن مادة الخشب لاشارات الفنان الحسية من الداخل إلى الخارج وتحاكيها بخيط التواصل الشعوري والباطني إلا إننا من جانب آخر ينبغي  أن لانكون مغالين بإفراط ونرتمي في لجة الاستفاضة في حال منح المادة شيء من الإسهاب في أبعادها تلك رغم وجودها الفعلي 00ونعتقد إن هذه المادة يميل لها البعض من الفنانين لاختصار مراحل البناء والصب والعناء الخاص بها فضلا عن تكاليفها لاسيما مادة البرونز كما إن مادة الخشب ارتبطت مع   صنعة الموبيليات أو الانتيك الاان الفنان منذر استطاع إن يمنحها فعلا متماسا مع سماتها الإبداعية المتفردة بأصالة ومن جانب آخر يدفع نتاجه نحو فرض صبغة شخصية تظهر عدم تكلفة أو عدم ادعائيته ، إذ نجد في نتاجه تبسطا مدققا بعيدا عن الديماغوجية الاستعراضية ، أعماله تنبع من دواخله دون إقحام أشكال فيها طابع الغرائبية أو التلاعب المفرط في تباين السطوح واتجاهات الحركة ، كما انه تجنب الموقف الانتفاعي واستثمار بعض ما يتحقق من نجاحات في تجربته الفنية باللجوء إلى استنساخها وتكرارها والتأليف على غرارها دون ملل ، لكن رغم ذلك فالفنان مطالب بتجديد  تغيرات دافقة تجري على ملامح الشخوص المتشابهة وكذلك حركة انتصابها الراسي باتجاهات مصاحبة أخرى أفقية 00شعاعية 00وغيرهما 
متوخين ذلك مفاجآت قد لايتوقعها هو قبل مشاهدي أعماله الفنية والفن عموما هو نوع من التحدي والتغيير والاكتشاف والتجديد والمفاجآت المثيرة كي تفعل فعلها عند المتلقي أولا وأخيرا 0
البناءات الشكلية 
تنسجم البناءات الشكلية للتكوينات عند الفنان منذر مع دلالاتها المستخلصة من طبيعة الخامة المستخدمة ( الخشب ) وبذا فأنني لاازعم إن طبيعة تراكيب المادة التكوينية قادة الفنان نحو إرساء صروحها الشكلي ، بل ربما قد تكون عونا طيعا وملائما لثيماته المرسومة 0
 يغلب على أعماله النحتية صفة الامتدادات الراسية سواء كان ذلك في أعماله الرمزية أو حتى التي تقترب من بناءاتها التجريدية باستثناء إيماءاتها غير المباشرة ولو تمعنا جليا في احد أعماله المنجزة بعد الأحداث التي جرت على البلد نجد هنالك مجموعة من التلاميذ ينتصبون واقفين بأطوال ممشوقة فوق رحلات أو مقاعد الدراسة المحطمة من جراء ما حصل من عبث وتخريب إن تلك الشخوص الواقفة تدلنا إلى أمرين أولهما يشكل   هذا الوقوف   حالة من التحدي والاستمرار في مواصلة العلم والتعليم نحو أفق المستقبل ومن جانب آ خر حالة من التسجيل والتوثيق لتلك الأحداث الدراماتيكية المؤلمة  لذلك ، أما في أعماله الأخرى رغم ما ذكرته سلفا من جذورها الطولية كالسيقان والأغصان   أقول : رغم ذلك فان الفنان جعل من ذلك البناء الشكلي ذا نسقا ربطيا مع المخلفات الأثرية لمصغرات النحت الرافد يني السومري والبابلي ووقوفهم المنتصب وعيونهم المحدقة والشاخصة بحشمة ووقار فالذاكرة تتوارث رغم عمقها ألزماني والانقطاع المتواصل بفعل مؤثرات عقائدية وأخرى تتعلق بتسويغ قبول ذوقي ناجم عن المؤثر الأول ولو تمعنا مرة أخرى في رؤؤس أعناق هذه الشخوص توحي لنا بتلك التماثيل ومنها تمثال كوديا مثلا رغم الاختلاف كونه في حالة جلوس ولكن تقربها من ناحية الحجم كذلك فالفنان لايميل إلى عمل تماثيله بإحجام كبيرة ربما تتعلق بسهولة السيطرة عليها وكذلك أمرا يتعلق بنقل هذه الأعمال من مكان لآخر وقبول أحجامها بما يتناسب مع الصالات والحجر لغرض الاقتناء الشخصي وهذا الأمر انعكس على اغلب الفنانين في الرسم والنحت بسبب غياب دور المؤسسات الحكومية لاقتناء الأعمال بأحجام كبيرة لاسيما العقد التسعيني من القرن المنصرم وما تلاه وأعود مرة أخرى لقراءة البناء الشكلي لإعمال الفنان فأقول إنها امتشاق أطوالها تتقارب لتعبر عن حالة من الحنو والعاطفة والدفيء الاجتماعي الذي يتم بالأمان والاستقرار إن هذه التكوينات الآدمية عمد الفنان أن يجعل من كل تكوين من الأشخاص يرتكزون على أنصاب متدرجة في المرتبة وهذا يسمى بأسس الفن التشكيلي بالإيقاع المتزايد وهو في الوقت ذاته إيقاع رتيب لان الوحدات ( الأشخاص ) متساوية مع الفترات والسكون ( الفراغ ) وكذلك بسبب تشابه الوحدات مع بعضها وتساوي الفراغات مع بعضها ففي هذا السياق يبدو إن الفنان قد التزم بضوابط الفن الإسلامي في مجالاتها غير الحرة ،   امافي أعماله الأخرى فان الكتل الفنية في صنع زوايا وانحناءات الأجزاء الواحدة للشكل ورغم إعلانها الغامض للشخوص إلا  أنها توحي بذلك بطريقة تجريدية تعبيرية ولقد بذل الفنان منذر جهدا مضنيا في صقل ملمسها الخارجي في جميع أعماله 0لم يترك اويسمح بوجود ملمس يؤكد نتوءات مفتعلة لغرض التكنيك المغاير لتلك السطوح إلا إن بعضا من  أعماله هناك  أجزاء من الوحدات من نفس العمل تأخذ تكنيكا مغايرا  ،خطوط غائرة وبارزة أفقية منحت العمل تجديد لها ولانتقالات رؤاها البصرية 0 إما علاقة الفضاء بالتكوين فان التكوين يشكل مساحة مغايرة ومكملة لها وهذا الأمر ينطبق بشكل عام على النحت المدور خاصة وبهذا التنفيذ غير المعقد ، سوى بعض الثقوب التي تتخلل الأعمال بشكل دوائر تبدو إنها تلقائية فائضة من جراء البناء التكويني 0 مما شكلت عمقا داخليا للعمل فضلا عن تجديد رتابة الانتقالات البصرية بين حلقة وأخرى لذات العمل النحتي 0 أما الحركة فإنها تتبع منظومة السياق المتبع لانتصابها الرأسي فتأخذ اتجاها  تصاعديا للأعلى مما يجعل عين النظارة تنتقل بشكل تصاعدي أو تنازلي رأسيا للعمل 0



شيزوفرينيا عربية انفصامية الانسان العربي بين ماضيه وحاضره-وليد خالد أحمد حسن

شيزوفرينيا عربية

انفصامية الانسان العربي بين ماضيه وحاضره

 

وليد خالد أحمد حسن


يشكل الماضي قيمة هامة في حياة الإنسان ، فهو المحرك الأساسي الذي يدفعه إلى الحاضر ويأخذ بيده إلى المستقبل . لذلك ، تشكل العلاقة بين الماضي والمستقبل قضية هامة برغم قدم طرحها ، حيث احتلت  حيزاً بارزاً ومتقدماً في مواجهة الاهتمامات والقضايا المحورية التي تتركز عليها وتدور حولها أحاديث المثقفين العرب وكتاباتهم . حيث يتواصل البحث فيها والحوار حولها تحت عناوين متنوعة ، كالأصالة والمعاصرة ، والقدم والحداثة ، والتقليد والتجديد ، وما شابه ذلك من عناوين هي بمثابة تقاسيم على وتر واحد.
مع أن هذه المسألة قد طرحت منذ عقود ، وكثر فيها الجدل والنقاش ، الأمر الذي افقدها مقداراً من ألقها وجدتها وربما جديتها أيضاً . فأننا نجدها بين حين وآخر تقفز من جديد إلى موقعها البارز والمتقدم في صالونات الأدب ومنابر الفكر العربيين ، فتتصدر محاور الاهتمام الفكرية في الساحات العربية مشرقاً ومغرباً.
ولقد بات واضحاً ، أن المناقشات الطويلة التي جرت بشأن هذه القضية قد أسفرت عن تبلور ثلاثة مواقف أساسية تجاه الماضي تتراوح بين التعصب له والتعصب عليه مروراً بالنظرة الموضوعية أو القريبة من الموضوعية ، وهي النظرة التي لاتضفي على الماضي طابع التقديس والتزكية المطلقة ، لكنها في الوقت نفسه لاترشقه بسهام الرفض والاستعلاء وإنما هي تدعو إلى دراسته وتقويمه للكشف عما فيه من جوانب الإيجاب والسلب ومعرفة ثوابته وتحولاته .
أما العبء الواقع علينا في التعامل مع هذه المواقف ينحصر في ضرورة الوعي بخصائصها وبإبعاد الصراع الإيديولوجي بينها . لأن علاقتنا بها ستتحول إلى علاقة تصديق غيبي إذا تخلينا عن وعينا النقدي في التعامل معها . وهذا الأمر سيتطلب منا مستوى متقدماً من الوعي يحمل في مضمونه أسئلة تتمحور حول الإشكاليات التي يضج بها واقعنا العربي . وضمن هذا السياق العربي سنتجنب التسليم بكل ماجاء بها ، وسنجعل بالتالي وعينا جدلياً قائماً على الحوار والفعل كي لاتكون ضحية من ضحايا الأفكار المدسوسة التي تغلف بعضها .
ولنبدأ أولاً من علاقة أية أمة في الحاضر بماضيها . هل الماضي يشكل ثقلاً على ظهر أية حضارة أم العكس ؟ هل ماضي الأمة وعمق هذا الماضي يؤديان إلى إغناء الحاضر ؟ وهل نحن العرب نتعامل مع الماضي باعتباره تعويضاً عن الحاضر ؟
لنتخذ من هذه التساؤلات مبرراً عاماً لمناقشة نقطة في غاية الأهمية :- انفصامية الإنسان العربي أو بمعنى آخر ، حيرة هذا الإنسان بين ماضيه وحاضره، مع محاولة أن نجمع حولها بعض الظواهر الأساسية التي يعيش فيها الآن .
لنأخذ أوربا على سبيل المثال ، والتقدم الذي شهدته ، وكيفية موازنتها بين التكنولوجيا المعاصرة وماضيها وتقاليدها في كل أوجه حياتها اليومية ، على الرغم من ماضيها وإنجازاته الرائعة على مدى أكثر من عشرة قرون وفي ميادين متعددة جداً . ومع ذلك ، لاأعتقد أن الأوربي المعاصر يعيش في ماضيه ومعه أو تجمعه بماضيه العلاقة ذاتها التي تجمع الإنسان العربي بماضيه .
إن هذه المسالة طالما أثارت نقاشاً عميقاً بين مثقفينا ، وعليه ، فإن هذه النقطة تعد أساسية ، ومنها نستطيع أن نعالج مشكلة موقفنا من الماضي ، مشكلة عدم مواجهتنا للحاضر بشكل مباشر ورغبتنا الدائمة في التهرب من هذا الحاضر، في سبيل الاجترار المستمر لأمجاد ماضيه ، حيث نتصور أنها ستعوضنا عن قصر الحاضر وفراغه .
إن هذا الصراع الفكري الذي يمزق شخصية الإنسان العربي ويصيبها بالفصام والقلق والاغتراب النفسي نتيجة لثنائية مصطنعه بين المثال والواقع ، وبين حياة الإنسان الروحية وحياته المادية ، الأمر الذي يحملنا على القول :- إن الكثيرين من العرب هم حالياً في واقع الأمر ، الصورة الجامدة السطحية للحضارة العربية الإسلامية التي يحيونها من الخارج لا من الداخل ، كما أنهم الصورة الباهتة الشوهاء للحضارة الغربية الحديثة التي يستهلكون قشورها دون جوهرها ، إنهم حيارى ، مبتوروا الجذور ، فلاهم مع جوهر التراث الماضي ولاهم مع روح العصر ، وليسوا بقادرين على استشراف آفاق المستقبل .
لذلك نرى ، أن علاقة الإنسان العربي بماضيه علاقة غير طبيعية ، وهذه العلاقة تنحصر في أن الماضي يريد أن يحل محل الحاضر في ذهن الإنسان العربي . وفي رأيي أن مختلف التيارات التي تسيطر على الوطن العربي اليوم وتتحكم في توجهه ، أو بمعنى آخر ، بعض فئاته خصوصاً الدعوات السلفية التي ظهرت لتقتلع كل شيء ، وابرز أسباب ظهورها بهذا الشكل القوي هو فشل المشروع النهضوي الحضاري العربي ذي السمات القومية . وهذه الدعوات لاتريد أن تحل هذه المشكلة حلاً حقيقياً ، بل ربما وجدت لها مصلحة أساسية في بقاء هذه العلاقة التي قد نعتبرها علاقة مرضية بين الماضي والحاضر .
ولكن ، ألم نجد بين تجارب الشعوب ما نجح منها في الاستفادة من الماضي وتطويعه في سبيل التقدم؟ أليس من الممكن أن يكون هناك مجال للاستفادة من تلك التجارب ؟
اعتقد أن هناك علاقة وثيقة بين الماضي والحاضر والمستقبل ولايمكن بتر المراحل عن بعضها بشكل قسري . وهناك فارق كبير بين من يدعو للعودة إلى الماضي والتقوقع فيه وبين من يدعو إلى الاستفادة من ايجابيات الماضي وإلغاء سلبياته .
في تصوري ، أن مسألة الموقف من الماضي تحكمها أو تحسمها قضية التطور الاقتصادي والاجتماعي التي يمر بها المجتمع ، لأنه كلما كان المجتمع متخلفاً كان حنينه إلى الماضي كبيراً خاصة إذا كان طريق التطور إمامه غير واضح المعالم .
أما إذا اندفع المجتمع على طريق التقدم الاقتصادي والاجتماعي ، فاعتقد أن علاقة الإنسان بماضيه وحضارته القديمة تصبح علاقة حميمية وجدلية . بمعنى انه يعتبر بهذا الماضي دون أن يجعله متحكماً في حاضره وفي مسار مستقبله ، فيأخذ من هذا الماضي ما يفيد الحاضر وربما ما يفيد المستقبل .
فمما لاشك فيه ، أن الماضي يصبح عبئاً ثقيلاً على الشعوب إذا لم تعرف كيف تدمجه دمجاً وثيقاً بالحاضر والمستقبل ، وإذا لم تحسن تجديده لتبقيه حياً متحركاً يملك الديناميكية اللازمة للتفاعل مع العصر والتفاعل مع المستقبل . لكن لابد من الإجابة على السؤال التالي :- لماذا هذا الحنين الخاص الذي يكنّه العرب لماضيهم ؟
لابد أن نذكر ، بأن العودة إلى الماضي في مرحلة من مراحل حياتنا العربية اضطلعت بدور الحفاظ على الذات العربية وعلى الهوية ، ولاسيما في مرحلة الاستعمار حيث مثلت بسببه عاملاً ايجابياً متمثلاً في الحفاظ على الذات والحفاظ على الهوية وعدم الذوبان في ثقافات الآخرين وفي ثقافة المستعمر بوجه خاص .
كان هذا التصرف حذراً مفروضاً على العرب في مرحلة ما . غير أن هذه الظروف زالت وأصبح العربي يواجه ظروفاً جديدة ، لكننا ما نزال إلى حد ما في الموقف نفسه فيما يتصل بارتباطنا بالماضي والحنين إليه .
صحيح أن الصيغ تغيرت ولكن هنالك غزواً ثقافياً وبالتالي هنالك حاجة إلى تأكيد هوية ثقافية لأنها هي المحافظة في النهاية على كرامة الشعوب وذاتيتها ، وهي التي تحول بينها وبين الذوبان ، لاسيما إننا أمام تقدم علمي وتكنولوجي يغزونا شئنا أم أبينا ، وهذا التقدم يحمل قيماً هي قيم المجتمع الذي أنتجها .
والتقدم العلمي والتكنولوجي ليس حيادياً ، إذن لابد من هويتنا الذاتية ، وموضوع الهوية مايزال مفتوحاً ، ولكن ينبغي أن يطرح بعبارات جديدة تتلخص في نظري في النقطة الآتية :-
          لايعني تأكيد الهوية العودة حرفياً إلى شكل من إشكال الماضي وتفاصيله ولاسيما أن الماضي ممتد وواسع وهو مجموعة من المواضي وليس ماضياً واحداً. ولكننا بحاجة إلى صيغة جديدة . ومعنى ذلك ، أن الحل لايكمن في الرجوع إلى أي شكل حرفي من إشكال الماضي ، وان كان يكمن في أن نستمد كثيراً من القيم والمبادئ والتجارب والخبرات التي علمنا إياها هذا الماضي ، وان ندرسها ونحللها. والحل يكمن في أن ندرك حقيقة أساسية ، وهي أن الثقافة أو الهوية الثقافية تتحقق عندما نبني ثقافتنا – واقصد الثقافة في المعنى الواسع للكلمة – بذاتها وبأيدينا .
هذه هي الثقافة الذاتية التي تحقق الهوية ، والثقافة التي تحقق الهوية ليست مجرد ثقافة تعود إلى شكل من أشكال الماضي . الثقافة الذاتية التي تحقق هويتنا هي تلك التي نبنيها بناءاً جديداً من عناصر جديدة ، ولابد أن تكون مركباً جديداً فيه من الماضي وفيه من الحاضر والمستقبل ومن تجربة العصر . وهذه الصيغة التي نتبناها مشروعاً لمستقبلنا ولحضارتنا ، هي هويتنا في نهاية الأمر .
أعتقد أن مسألة الهوية مشكلة زائفة استدرجنا إليها احتجاجنا ضد الغرب لأنها لاتعني سوى الوجود في مقابل الأخر ، فكان الأساس هو الأخر ، وكيف اثبت نفسي إزاءه . والواقع إننا لسنا في حاجة إلى إثبات هويتنا أولاً لأننا نحملها دائماً .
إذن ، لابد أن تحدث ثورة ، وهذه الثورة مرتبطة بالتفكير ، وهذا يقودنا إلى نمط التفكير العلمي ودور المثقف فيه وبالتالي التبعية المضروبة حول المثقف ونوعية العلم وما تقدمه مؤسساته الأساسية .
إن الإنسان كما هو معروف ، هو المركز الأساسي للتغيير الاجتماعي ، ومركز التغيير في الإنسان هو المعرفة ، وهذه مرتبطة بالمعلومة وبالثورة العلمية، وبالتالي بمؤسسات الأعلام . وهذه إلى حد كبير – في الوضع العربي الراهن – تدخل في إطار التبعية ، بحيث لاتخرج عن الإطار المضروب حولها . وهذا يقودنا إلى ما يدور حول التفكير الميتافيزيقي بالماضي والسلفية وغيره ، وبالتالي الاستمرار في إطار التبعية.
واذا أردنا خلق تفكير علمي وكسر حاجز الصراعات والتناقضات والتعقيدات ... فإنني أعتقد إننا نصطدم  لامحالة مع السلطة . وهذا يقودنا إلى السؤال :- مانوع العلاقة بين الثقافة والسلطة ؟ وإذا سرنا في اتجاه هذا التفكير نستطيع الإجابة على السؤال :- إلى أي مدى يمكننا الاستفادة من تاريخنا ؟
          إن المعرفة هي الاستفادة من تجارب التاريخ ، وهذا يقودنا إلى قضية أساسية مرتبطة بالفكر العلمي والأعلام ، هي قضية الديمقراطية بممارستها .
          إن الثقافة بمعناها الواسع هي أنماط السلوك المادي والمعنوي السائد في مجتمع من المجتمعات . وهي أهم محرك لحياة المجتمع وأهم عامل من عوامل تقدمه ، وهي واحدة من مقومات التنمية الاقتصادية والاجتماعية . لذلك ، ينبغي أن نعتني بالثقافة بهذا المعنى . ولعل هذا أجدى بكثير من أن نتحدث عن الماضي وان نعتني بدراسة هذه القيم الثقافية ومغالبة ما يحتاج إلى فعالية ، وعلى التأكيد على مايحتاج إلى تأكيد .
          واضح من مجمل ماطرح ، إننا في أوقات الأزمة السياسية والاقتصادية العاصفة وفي ظل التبعية للعالم الغربي المتقدم اقتصادياً وتكنولوجياً ، نجد في العودة إلى الماضي نوعاً من الراحة النفسية ونوعاً من محاولة إغلاق الإذن عما يدور والبحث عن نوع من التطمين الذاتي الخادع للنفس ، ولكن هذا الخداع لاينكشف إلا بعد تضحيات جسيمة .
          والسؤال المطروح الآن هو :- هل العلاقة بين الماضي والحاضر علاقة توفيقية ؟ هل يمكننا أن نأخذ قليلاً من الماضي وقليلاً من الحاضر ونمزجهما بنوع من التوليفية في محاولة للخروج من المأزق الحالي ؟ أم هل سيظل الماضي يسحبنا في اتجاهات الرجعية السلبية ؟
والسؤال ليس جديداً ، فقد طُرح في القرنين الثالث والرابع الهجريين بشكل واضح جداً ، وأمامنا تجربة المعتزلة ماثلة . فالقضية المطروحة ليست بالجديدة ، وتاريخنا مليء بمناقشات مشابهة .  



 

سمير الزغبي - الواقعية الجديدة في السينما الإيطالية