ذاكرة الإبداع العراقي
مي ّ ورافع الناصري:
نختلف في بعض الأشياء وأحلامنا واحدة!
مي ّ: نختلف في التفاصيل البيتية!
رافع: الحزن يؤدي إلى الإبداع العميق.
مي ّ: الحلم أمتع لحظات فراغي.
رافع: لا اعرف لماذا ارسم!
كلاهما، الفنان رافع الناصري، والقاصة الشاعرة مي ّمظفر، يلتقيان في رؤية متجانسة: البحث عن (حياة) مشحونة بشرارات الإبداع والإيمان بالفن وجمالياته.
وكلاهما يتفقان على ان الثقافة حياة يومية، وليس (الفراغ)، إلا استراحة بين حلقتين من حلقات الإبداع، وان الحياة اليومية الممتدة، عميقا ً في الماضي والنابضة بالحاضر هي ضرب من ضروب الفنون الإنسانية الراقية، وهي التي تمتد نحو آفاق المستقبل.
قبل ان امسك بالقلم، وقبل ان أفكر بالسؤال الأول، كنت أتساءل بصوت مسموع: لو منح كل منا ـ كل كائن إنساني ـ سعادة لسواه، ولو منع كل كائن منا فعلا ً مضرا ً بسواه، فماذا ستكون الحياة عليه..؟
ابتسمنا أربعتنا ـ مع الزميل المصور ـ بحذر، وحدقنا في فضاء بعيد: ربما ما ندعوه بالحلم. رافع الناصري أطلق عليه: ومضى الآتي. مي ّ مظفر قالت: ربما هو الإنسان في سياق شفافيته القادمة.
على كل إنها كلمات!
وهكذا بعد ساعة تماما ً من تبادل الأفكار حول الفن الذي لا نخاف عليه من الزوال، وبذل العطاء للناس جميعا ً، طلبت من الفنان الناصري ان يتوجه بسؤال (حر) إلى زوجته مي ّ.
قبل هذا اعترف أني غالبا ً ما كنت ادع الإجابة ليكملها القاريء. أي أني لا اعتمد الحوار، الذي تنمو فيه فكرة محددة، بل الحوار الذي يشاركنا القاريء فيه، كأنه هو الذي يجريه، وكأنه أيضا ً هو الذي يمتلك حق الإجابة. على كل، هذه واحدة من محاولات قد تؤدي إلى نمط أدق للتعريف بمدعينا وفنانينا المعاصرين الكبار..
الآن نعود إلى سؤال الفنان رافع الناصري إلى السيدة مي ّ: السؤال الذي لم يسأله من قبل.
(قال: انه امتحان. صمت. ابتسم. لا يوجد سؤال. قالت مي ّ: طوال الوقت نتحدث معا ً!
ـ رأيك الصريح بعملي الفني..؟
ـ سؤال تقليدي.
وقال انه لم يسألها السؤال: ذات مرة تحدثت عن لوحة ..
ـ ماذا كانت اللوحة..؟
مي ّ: ليست لوحة معينة.. كل إنتاج جديد.. الأخير مثلا ً..
ـ ماذا تقولين في الأخير..؟
ـ اعتقد إنها مرحلة جديدة فيها وحشية غريبة عليه!
* ماذا تقول يا رافع ..؟
ـ مسألة طبيعية للحالة النفسية التي أعيش فيها في الوقت الحاضر.. ربما بسبب حالتي الذهنية.. فانا من النوع الذي لا ادعي الأشياء. عملي الفني يسيرني ونادرا ً ما أسيره!
* تقصد ان لمسيرتك الفنية أثرا ً مباشرا ً في انجاز اللوحة، أو المواصلة والاستمرارية..؟
ـ هذا صحيح. والعمل الفني لا يجرد عن ظروفه.. فالعمل ينتمي إلى تراكم الخبرة وينمو بعوامل كثيرة .. والخلاصة هي اللوحة..لأنها مجموعة تراكمات هذه الأشياء كلها.
* هل ترسم يوميا ً..؟
ـ تقريبا ً. وإذا لم ارسم أفكر في اللوحة.
* ماذا تشعر عندما لا تحقق النتيجة التي تتوخاها.
ـ أعادي العالم كله! (أكلب الدنيا).
قالت مي ّ: حالة عصبية.
* هل اللوحة جسر لسعادة غامضة..؟
ـ اللوحة جسر لكل السعادات الغامضة. اللوحة وجود.
مي ّ: هل لديك تعليق..؟
ـ انظر للعمل بالقدر الذي يؤثر في ّ.
* ما نوع تأثير عمل رافع عموما ً، من وجهة نظر ناقدة فنية ومتذوقة على حد سواء؟
ـ لوحات رافع قادرة على اقتحام النفس، والتغلغل إليها بشفافية بحيث تخلق الحالة النفسية التي تفرض نفسها.
* أحيانا ً أرى لوحات رافع جميلة ومضادة للجمال نفسه؟
رافع: رأي غريب!
*انه ـ العمل الفني ـ يضعنا في سؤال غامض، ربما صوفي، لكن الجمال يذكرنا بأحلام حقيقية ووهمية معا ً. اقصد من هذا ان أعماله تمتلك عدة إيحاءات والجمال ضرب من صوفية سلبية؟
مي ّ: اعتقد ان الجمال في عمل رافع لا يمتلك هذه السلبية. وليس هناك تلاشي في الأفق بقدر ما هناك امتدادات تأخذ العين إلى أبعاد لا متناهية.
* ماذا تعلق على أراء الناقدة مي ّ؟
ـ كلاكما بلغتما تشخيصات تخص اللانهائية في لوحاتي.
* اللانهائي ابتداء ً من الجزئي، من الملموس، أليس كذلك..؟
ـ بالتأكيد، كل الأشياء تبدأ بالجزئيات.
* حسنا ً: ألا ترى ان حالة الاغتراب تبدأ من هنا بالذات..؟
ـ في الفنون التجريدية الاغتراب عن الواقع هو الواقع نفسه، فاللوحة التجريدية يكون الواقع فيها أساسيا ً، ومن جزئيات هذا الواقع تكتمل اللوحة.
سؤال صعب
* أود من القاصة مي ّ ان تسأل الفنان الناصري أي سؤال؟
( قال لها: لا تسأليني عن فني. قالت: أنا لست تقليدية. ثم سألت سؤالا ً غير قابل للنشر ـ شخصي جدا ً ـ قالت يعد ذلك: هذا سؤال صعب. قالت له: ماذا أسألك يا رافع؟
قال: لا اعرف. أنت حرة. ثم نظرت في ّ: حيرتني! أرجوك اجل هذا السؤال. هذا السؤال بحاجة إلى خيال.
قال رافع لي: حقا ً إنها لم تمارس العمل الصحفي)
فسألتها:
* حسنا ً: لو ترك رافع الرسم فكيف تنظرين إليه..؟
ـ اشك انه في حالة مرضية ويجب ان يعالج!
* أحيانا ً يكتب الناصري بعض ـ الملاحظات النقدية.. لماذا يفعل ذلك.. في تقديرك؟
ـ لأن هناك كثيرا ً من الأمور، يعتقد انه يجب ان يثبتها: سواء كان موقفا ً نقديا ً أو يخص التقاليد المهنية.
الخصام الجميل
* ما الجميل في حياتكما؟
قالا: التفاهم.
* ألا يحدث ان تزعجكما حالة من حالات النقد أو ما يماثلها؟
مي ّ: كثيرا!
* مثلا ً؟
ـ حين اقرأ عليه شيئا ً لا يعجبه، وأرى عملا ً اعترض عليه .. ويصل الخلاف الى المعركة!
* وكيف ينتهي هذا الخصام الجميل بينكما عادة؟
ـ برضوخ احد الطرفين للآخر، ولكن بعد حين، وبعد القناعة طبعا ً. وأعترف انه أكثر مني تقبلا ً للنقد.
* لهذا كان الشعر لديك وسيلة تعبر عن رهافة الحس؟
ـ لا اعتقد ان لهذا علاقة...
* هل كانت لديك محاولات للرسم ..؟
ـ أبدا ً.
* الفنان رافع: هل جربت ان تكتب قصة؟
ـ الشعر!
* الم تنشره؟
ـ لم انشره.
* بصدد وحدة الفنون، كيف ترى صلة الشعر بالرسم..؟
ـ حالة الشعر وحالة الرسم حالة واحدة، وكلتاهما حالة إبداعية واحدة. لو كنت لدى الأدوات الشعرية بمستوى الرسم لتركت الرسم وأصبحت شاعرا ً. دون شعر لا نستطيع ان نعيش.
* ماذا يعني الشعر لديك في بلد مؤسس على ملاحم شعرية منذ جلجامش ..؟
ـ أي إنسان بدون خيال وحلم لا يستطيع ان يعيش.
لا نختلف في أحلامنا
* أي شيء لا تختلفان فيه؟
مي ّ: كثير من الأشياء لا نختلف فيها: علاقاتنا بالآخرين، ذوقنا في القراءة متقارب تقريبا ً.
رافع: أحلامنا!
* وأي شيء تختلفان فيه يوميا ً؟
مي ّ: التفاصيل البيتية الصغيرة!
رافع: الوقت.
* ماذا تعني بالوقت ..؟
ـ تجريدية .. دعها هكذا!
الحزن حالة عميقة ولا تفسر
* سؤال لمي ّ مظفر: أكثر الأشياء حزنا ً تؤدي أحيانا ً إلى كتابة قصة أو قصيدة.. هل للمسرة اثر في تفجير فكرة إبداعية..كيف؟
ـ بالنسبة لي: في حالة الحزن والفرح الشديدين أكون في حالة شلل كامل. وكل ما يكتب في مثل هذه الحالة يكون ناقصا ً وغير ناضج.
* ما الحالة الاعتيادية للكتابة إذن؟
ـ بعد ان تزول ذروة الحزن وتبدأ التجربة بالتغلغل في الفكر لتستقر.
* رافع: أيحدث هذا لك؟
ـ ليس في حالة الفرح الشديد ولكن في حالة الحزن الشديد اعمل بعمق أكثر. أحسن ما عملت مؤخرا ً بعد وفاة والدي.
* هل لي بتعريف لهذا الحزن: هو حسي تماما ً ـ أم ثمة إشكالات من نوع آخر؟
ـ الحزن ليس بإشكال: انه حالة إنسانية عميقة جدا ً لا يمكن تفسيرها.
* تقصد الحزن المتسامي: الحزن الذي يصير مادة الجمال والرؤيا ..؟
ـ بالتأكيد هو الحزن الذي يؤدي إلى هذه النتائج: الحزن يدفع الإبداع الى حالات عميقة.
* ألا ترى ان سؤالي الأول: في البدء قصدت به ان الجمال ضرب من الحلم الصوفي.. وقد أقول انه ـ في أعمالك الفنية ـ احتفاء بأبدية مهددة بالزوال؟
ـ لو اتفقنا بان الفن هو الحياة فان أي إنسان يخاف على زوال حياته، إذن يخاف على زوال فنه، لأن كل شيء يمتلكه الإنسان مهدد بالموت.
* ما الخالد في عمل الإنسان؟
ـ الفن.
* ألا ترى ان الفن، مثل الحياة، يتفتت ويذوب ويتلاشى عندما نكون في بؤرة ، حلم ـ المستقبل؟
ـ أبدا ً، لأن الفن مادة أزلية!
* ما الذي يجعل الفن مادة أزلية ..؟
ـ عناصره الأساسية: شهادته على عصره.. تمثيله لجماليات ذلك العصر.. توقه إلى المستقبل دائما ً.. شعور الفنان الأزلي بالخلود.
النقاد يسألون ...!
*الأشكال كثيرة، لكن الدائرة، والكرة، بل نصف الكرة تسيطر عليك في الفن سيطرة عارمة.. ما الأسباب ؟
ـ هي عناصر طبيعية.. وأحسها عناصر من طبيعتنا.
* أود ان أضيف للسؤال: هل للدائرة من فلسفة لديك؟
ـ هي الكون.. هي النافذة التي تطل على العالم اللا متناهي.
* شكلان من الشعر في تجربتك. في الأول تتحدثين عن المستقل، وفي الآخر تتحدثين عن الماضي.. امن تفسير.. والسؤال من الناقد عبد الجبار داود البصري؟
ـ وجهة نظر.
* ما اختصاصك بالضبط؟ السؤال من الفنان ماهود احمد..؟
ـ هل يمكن الإجابة على السؤال بسؤال مماثل؟
* نعم، شرط ان نعود إلى السؤال.
ـ الفنان ماهود احمد اخذ بطرق كل الأبواب حتى صار يكتب شيئا ً يقول انه شعر!
* نعود إلى سؤال الدكتور ماهود احمد..
ـ أنا أتعامل بالكلمة.. ولم أتعامل بغيرها.. وكل طريق بهذا الاتجاه مفتوح أمامي.. لأن الثقافات سواق ٍ تصب الواحدة في الأخرى.
* وأحب هذه السواقي لديك؟
ـ الشعر، لأنه المنبع.
* يراك البعض قاصة بالدرجة الأولى...؟
ـ كتبت القصة لأجد متنفسا ً آخر بعد ان ضاق بي ّ الشعر.
* لماذا الكتابة في الفن التشكيلي.. أمن تفسير ؟
ـ دراستي للشعر قادتني بالضرورة لدراسة الفنون التشكيلية للعلاقة الوثيقة التي تربطهما ابتداء من ثورة الحداثة.
* كل الأشجار تخضر وتخضوضر.. ما الذي غيّب كل الأشجار واخضر التين في قولك (وان التين قد خضّرْ) والسؤال من مدني صالح؟
ـ لأنها أول ورقة خضراء تبشر بقدوم الربيع.
* كم تحبين لو كان اسمك (ميَة) التي في العلياء يامي ّ مظفر التي في بغداد؟
ـ من يحبني من الأصدقاء وبضمنهم رافع ينادونني (ميًة).
الالتزام يبدأ بالعمل الفني
• هل يعتقد رافع الناصري انه فنان من الطراز الأول؟ سؤال من ماهود احمد؟
ـ وهل من شك لديه؟
* ما مدى مساهمة أعمالك في التزام قضايا الإنسان العربي، والسؤال لماهود احمد أيضا ً..؟
ـ ما هو الالتزام؟ اعتقد انه يفسر الالتزام من وجهة نظره الشخصية، بينما اعتقد أنا بان الالتزام هو ما اطرحه في عملي الفني وهو خلاصة هموم إنساننا العربي. الالتزام ليس بطرح الواقع كما هو فوتوغرافيا ً (مع احترامي للفن الأخير) بل انه تعبير عن خيال وحلم وثورة الإنسان العربي بصيغ متطورة التي هي جزء من تطور المجتمع العربي ومعاصرته.
وعلقت مي ّ على السؤال قائلة:
ـ اعتقد ان ربط العمل الإنساني بالتشخيصي من البديهيات التي تجاوزناها او تجاوزها الفن الحديث.
* الجمال في الفن مادة للروح الأصلية: التشخيصي أو المجرد أو أي اتجاه هو جزء من فاعلية ضرورية .. أي بلد من التنوع ضمن وحدة كلية قد نطلق عليها: سحر الفن أو ثراء التجربة بكل معناها الإنساني. أليس كذلك؟
مي ّ: لأن التجربة إنسانية أصلا ً.
*إذن لا يمكن ان نتحدث عن فن غير ملتزم؟
ـ كل فن جيد ومؤثر هو ملتزم.
رافع: وكل فنان جيد ومخلص لعمله الفني ملتزم بالضرورة.
*كيف تقيم بيان الرؤية الجديدة الآن: هل له علاقة بالبيان الشعري؟ فقد صدرا في وقت واحد..
ـ السؤال يوضح الجواب، فالزمن الذي صدرا فيه (1969) زمن عربي خاص: يبدو لي الآن بأنهما مهمان في مسيرة الرسم والشعر.
التأمل .. والحلم
* ما أمتع لحظات الفراغ عندك يا رافع؟
ـ التأمل.
* ولديك يا مي ّ؟
ـ الحلم.
* هل يمكن ان أتعرف على معنى الفراغ لديكما؟
رافع: هو الزمن الذي يفصل بين حالة إبداعية وأخرى.
مي ّ: هي اللحظة التي أحس فيها بأنني غير مطالبة بشيء!
لا ننسجم في كل شيء!
* هل تنسجمان في مشاهدة مباراة لكرة القدم ؟
مي ّ:لا. لا أراقب كرة القدم.
رافع: كلا. أشاهد بعضها. وأشاهد بعضها، وأحب مشاهدة الأهداف.
* في الحديقة، أيكما أكثر اهتماما ً بالزراعة ..؟
مي ّ: هو يحب الزراعة.. وأنا أحب النتائج واستعجلها!
* لو طلبت منك ان تكوني ناقدة لأعمالك .. فكيف تقيمينها؟
ـ أعمالي تقع بين القصة والشعر. صعب ان افعل هذا. كل ما استطيع ان أقوله هو أني اعرف أين أقف. واعتقد ان هذا ليس بالشيء السهل.
* هل هناك ناقد توصل إلى هذا الحكم، ولنقل: هل كان للنقد من اثر ما، في تجربتك؟
ـ لم يكتب عني النقد إلا قليلا ً.. ولم يكن له أي اثر!
* غريب، ما تفسيرك لهذا؟
ـ أنا مستغربة أيضا ً.
* أتتفقين معي ان الكاتب من الطراز الأول ليس بحاجة إلى ناقد من الطراز الثاني؟
ـ اعتقد انه سواء من الطراز الأول أو الثاني: فالكاتب أو المبدع بحاجة إلى من يقرأ عمله بعمق.
* العمل الإبداعي عمل نقدي أصلا ً؟
ـ ليس هذا بالضبط .. فانا اعتقد بان المبدع الجيد هو بالضرورة يتمتع بحس نقدي يجعله قادرا ً على تصحيح مسيرته بين حين وآخر.
* كتابتك، عامة، قليلة، هل من تفسير لهذا ؟
* وأنت يا رافع: أنشط من السيدة مي ّ؟
ـ ليس بالضرورة، لكني متواصل في العرض.
* أستاذ رافع: هل تنتظر كلمة ما من النقد.. وهل يهمك النقد كثيرا ً؟
ـ وكيف لا يهمني والعمل الفني هو عملية جدلية بين الإنتاج ونتائجه.
* وهل لديك تصورات عن المراحل القادمة لأعمالك الفنية؟
ـ بالتأكيد لا ..
* ولكني أراك من أكثر الفنانين اهتماما ً بالجانب العقلي في صناعة العمل الفني..لا تترك للمصادفات دورا ً مهما ً..
ـ هكذا تبدو نتائج اللوحة.. ولكن فيها الكثير من العفوية!
لوحات فيها الكثير من الشعر
* هل تفكران بعمل مشترك؟
رافع: كان لدينا ديوان مشترك (رسم ـ شعر) ولكننا لم ننجزه.
* ربما بسبب الكلفة؟
مي ّ: أكيد.
*عندما ترسم.. هل ثمة ملاحظات من مي ّ تسهم في انجاز عملك؟
ـ الملاحظات تأتي بعد انجاز العمل الفني..
* السيدة مي ّ: هل من أفكار قصصية أو شعرية تولدها لديك تأملات لوحات رافع ..أو عالم اللوحة السحري؟
ـ إنها قريبة إلى نفسي للحد الذي يجعلني أحس بأنها أنا .. وفيها الكثير من الشعر.
لماذا ارسم ؟
رافع: اود ان تسأل نفسك السؤال الذي لا تستطيع الاجابة عليه؟
ـ لماذا ارسم؟
* هل يمكن للناقدة مي ّ الإجابة على هذا السؤال؟
ـ لأني اعتقد إنها عملية ممارسة للحياة نفسها.
* أود ان تسألي من نفسك السؤال الذي لا تمتلكين الإجابة عليه؟
ـ بعد الانتهاء من عمل ما اعتقد انه ناضج أتساءل: هل صحيح أني عملت ذلك وكيف؟
* السيدة مي ّ: هل لتشجيع الآخرين اثر في مواصلة الإبداع؟
ـ نعم. بعضهم يساعدني.
* ماذا تفعلين عندما تواجهك صعوبات أو معوقات لانجاز عمل حسب تصورك؟
ـ ابكي.
* بعد ذلك؟
ـ أحاول من جديد.
الصحراء والبحر
• ما أحب الألوان لديكما؟
رافع: الفيروزي.
مي ّ: الأحمر المشبع بالبني.
• البحر أم الصحراء؟
رافع:الصحراء.
مي ّ:البحر والصحراء.
*أحب الأشجار لديكما؟
رافع: النخل.
مي ّ: المشمش.
* أحب الشعراء العالمين لديكما؟
رافع:جاك برفير.
مي ّ: جوته.
* شاعر عراقي معاصر؟
رافع: رشدي العامل.
مي ّ: سامي مهدي.
* فنان تشكيلي عراقي معاصر؟
رافع: شاكر حسن.
مي ّ: شاكر حسن.
* مطرب عراقي معاصر؟
رافع: يوسف عمر.
مي ّ: زهور حسين.
* أحب روائي عراقي ؟
رافع: فؤاد التكريتي.
مي ّ: أيضا ً.
* أحب المعلقات لديكما؟
رافع: معلقة امرؤ ألقيس.
مي ّ: معلقة طرفة.
* أفضل وسائل السفر لديكما؟
رافع: القطار.
مي ّ: السيارة.
* أحب الفصول؟
رافع: الخريف.
مي ّ: أيضا ً.
ناقد عراقي تقرءان له؟
رافع: مي ّ وسعدون فاضل.
مي ّ: كتابات متفرقة.
جواد سليم
* أرجو من رافع ان يسألني أي سؤال؟
ـ اذكر لي خمسة فنانين من الطراز الأول...؟
ـ بدون إحراج اذكر جواد سلين فقط!
السيدة مي ّ: هل لديك سؤال؟
ـ لماذا تسأل كل هذه الأسئلة.
* هو حوار...!
ـ هي محكمة!
* أبدا ً ... كنت اسأل وكانت لديك الحرية المطلقة بالإجابة..
ـ الحوار ان تنشأ فكرة وتنمو بين اثنين.. أما هنا فالأسئلة محدودة وقاطعة أحيانا ً والأجوبة عنها يجب ان تكون محدودة أو بكلمة واحدة.
* سؤال لكما .. سؤال أخير: هل تعتقدان ان القاريء واصل متابعة هذا الحوار..؟
رافع: ان كان لديه قليل من الجدية وقليل من المرح سيتابعه بكل تأكيد.
مي ّ: هذه مسؤوليتك!!
عادل كامل/ مجلة ألف باء/ مطلع ثمانينات القرن الماضي
مي ّ ورافع الناصري:
نختلف في بعض الأشياء وأحلامنا واحدة!
مي ّ: نختلف في التفاصيل البيتية!
رافع: الحزن يؤدي إلى الإبداع العميق.
مي ّ: الحلم أمتع لحظات فراغي.
رافع: لا اعرف لماذا ارسم!
كلاهما، الفنان رافع الناصري، والقاصة الشاعرة مي ّمظفر، يلتقيان في رؤية متجانسة: البحث عن (حياة) مشحونة بشرارات الإبداع والإيمان بالفن وجمالياته.
وكلاهما يتفقان على ان الثقافة حياة يومية، وليس (الفراغ)، إلا استراحة بين حلقتين من حلقات الإبداع، وان الحياة اليومية الممتدة، عميقا ً في الماضي والنابضة بالحاضر هي ضرب من ضروب الفنون الإنسانية الراقية، وهي التي تمتد نحو آفاق المستقبل.
قبل ان امسك بالقلم، وقبل ان أفكر بالسؤال الأول، كنت أتساءل بصوت مسموع: لو منح كل منا ـ كل كائن إنساني ـ سعادة لسواه، ولو منع كل كائن منا فعلا ً مضرا ً بسواه، فماذا ستكون الحياة عليه..؟
ابتسمنا أربعتنا ـ مع الزميل المصور ـ بحذر، وحدقنا في فضاء بعيد: ربما ما ندعوه بالحلم. رافع الناصري أطلق عليه: ومضى الآتي. مي ّ مظفر قالت: ربما هو الإنسان في سياق شفافيته القادمة.
على كل إنها كلمات!
وهكذا بعد ساعة تماما ً من تبادل الأفكار حول الفن الذي لا نخاف عليه من الزوال، وبذل العطاء للناس جميعا ً، طلبت من الفنان الناصري ان يتوجه بسؤال (حر) إلى زوجته مي ّ.
قبل هذا اعترف أني غالبا ً ما كنت ادع الإجابة ليكملها القاريء. أي أني لا اعتمد الحوار، الذي تنمو فيه فكرة محددة، بل الحوار الذي يشاركنا القاريء فيه، كأنه هو الذي يجريه، وكأنه أيضا ً هو الذي يمتلك حق الإجابة. على كل، هذه واحدة من محاولات قد تؤدي إلى نمط أدق للتعريف بمدعينا وفنانينا المعاصرين الكبار..
الآن نعود إلى سؤال الفنان رافع الناصري إلى السيدة مي ّ: السؤال الذي لم يسأله من قبل.
(قال: انه امتحان. صمت. ابتسم. لا يوجد سؤال. قالت مي ّ: طوال الوقت نتحدث معا ً!
ـ رأيك الصريح بعملي الفني..؟
ـ سؤال تقليدي.
وقال انه لم يسألها السؤال: ذات مرة تحدثت عن لوحة ..
ـ ماذا كانت اللوحة..؟
مي ّ: ليست لوحة معينة.. كل إنتاج جديد.. الأخير مثلا ً..
ـ ماذا تقولين في الأخير..؟
ـ اعتقد إنها مرحلة جديدة فيها وحشية غريبة عليه!
* ماذا تقول يا رافع ..؟
ـ مسألة طبيعية للحالة النفسية التي أعيش فيها في الوقت الحاضر.. ربما بسبب حالتي الذهنية.. فانا من النوع الذي لا ادعي الأشياء. عملي الفني يسيرني ونادرا ً ما أسيره!
* تقصد ان لمسيرتك الفنية أثرا ً مباشرا ً في انجاز اللوحة، أو المواصلة والاستمرارية..؟
ـ هذا صحيح. والعمل الفني لا يجرد عن ظروفه.. فالعمل ينتمي إلى تراكم الخبرة وينمو بعوامل كثيرة .. والخلاصة هي اللوحة..لأنها مجموعة تراكمات هذه الأشياء كلها.
* هل ترسم يوميا ً..؟
ـ تقريبا ً. وإذا لم ارسم أفكر في اللوحة.
* ماذا تشعر عندما لا تحقق النتيجة التي تتوخاها.
ـ أعادي العالم كله! (أكلب الدنيا).
قالت مي ّ: حالة عصبية.
* هل اللوحة جسر لسعادة غامضة..؟
ـ اللوحة جسر لكل السعادات الغامضة. اللوحة وجود.
مي ّ: هل لديك تعليق..؟
ـ انظر للعمل بالقدر الذي يؤثر في ّ.
* ما نوع تأثير عمل رافع عموما ً، من وجهة نظر ناقدة فنية ومتذوقة على حد سواء؟
ـ لوحات رافع قادرة على اقتحام النفس، والتغلغل إليها بشفافية بحيث تخلق الحالة النفسية التي تفرض نفسها.
* أحيانا ً أرى لوحات رافع جميلة ومضادة للجمال نفسه؟
رافع: رأي غريب!
*انه ـ العمل الفني ـ يضعنا في سؤال غامض، ربما صوفي، لكن الجمال يذكرنا بأحلام حقيقية ووهمية معا ً. اقصد من هذا ان أعماله تمتلك عدة إيحاءات والجمال ضرب من صوفية سلبية؟
مي ّ: اعتقد ان الجمال في عمل رافع لا يمتلك هذه السلبية. وليس هناك تلاشي في الأفق بقدر ما هناك امتدادات تأخذ العين إلى أبعاد لا متناهية.
* ماذا تعلق على أراء الناقدة مي ّ؟
ـ كلاكما بلغتما تشخيصات تخص اللانهائية في لوحاتي.
* اللانهائي ابتداء ً من الجزئي، من الملموس، أليس كذلك..؟
ـ بالتأكيد، كل الأشياء تبدأ بالجزئيات.
* حسنا ً: ألا ترى ان حالة الاغتراب تبدأ من هنا بالذات..؟
ـ في الفنون التجريدية الاغتراب عن الواقع هو الواقع نفسه، فاللوحة التجريدية يكون الواقع فيها أساسيا ً، ومن جزئيات هذا الواقع تكتمل اللوحة.
سؤال صعب
* أود من القاصة مي ّ ان تسأل الفنان الناصري أي سؤال؟
( قال لها: لا تسأليني عن فني. قالت: أنا لست تقليدية. ثم سألت سؤالا ً غير قابل للنشر ـ شخصي جدا ً ـ قالت يعد ذلك: هذا سؤال صعب. قالت له: ماذا أسألك يا رافع؟
قال: لا اعرف. أنت حرة. ثم نظرت في ّ: حيرتني! أرجوك اجل هذا السؤال. هذا السؤال بحاجة إلى خيال.
قال رافع لي: حقا ً إنها لم تمارس العمل الصحفي)
فسألتها:
* حسنا ً: لو ترك رافع الرسم فكيف تنظرين إليه..؟
ـ اشك انه في حالة مرضية ويجب ان يعالج!
* أحيانا ً يكتب الناصري بعض ـ الملاحظات النقدية.. لماذا يفعل ذلك.. في تقديرك؟
ـ لأن هناك كثيرا ً من الأمور، يعتقد انه يجب ان يثبتها: سواء كان موقفا ً نقديا ً أو يخص التقاليد المهنية.
الخصام الجميل
* ما الجميل في حياتكما؟
قالا: التفاهم.
* ألا يحدث ان تزعجكما حالة من حالات النقد أو ما يماثلها؟
مي ّ: كثيرا!
* مثلا ً؟
ـ حين اقرأ عليه شيئا ً لا يعجبه، وأرى عملا ً اعترض عليه .. ويصل الخلاف الى المعركة!
* وكيف ينتهي هذا الخصام الجميل بينكما عادة؟
ـ برضوخ احد الطرفين للآخر، ولكن بعد حين، وبعد القناعة طبعا ً. وأعترف انه أكثر مني تقبلا ً للنقد.
* لهذا كان الشعر لديك وسيلة تعبر عن رهافة الحس؟
ـ لا اعتقد ان لهذا علاقة...
* هل كانت لديك محاولات للرسم ..؟
ـ أبدا ً.
* الفنان رافع: هل جربت ان تكتب قصة؟
ـ الشعر!
* الم تنشره؟
ـ لم انشره.
* بصدد وحدة الفنون، كيف ترى صلة الشعر بالرسم..؟
ـ حالة الشعر وحالة الرسم حالة واحدة، وكلتاهما حالة إبداعية واحدة. لو كنت لدى الأدوات الشعرية بمستوى الرسم لتركت الرسم وأصبحت شاعرا ً. دون شعر لا نستطيع ان نعيش.
* ماذا يعني الشعر لديك في بلد مؤسس على ملاحم شعرية منذ جلجامش ..؟
ـ أي إنسان بدون خيال وحلم لا يستطيع ان يعيش.
لا نختلف في أحلامنا
* أي شيء لا تختلفان فيه؟
مي ّ: كثير من الأشياء لا نختلف فيها: علاقاتنا بالآخرين، ذوقنا في القراءة متقارب تقريبا ً.
رافع: أحلامنا!
* وأي شيء تختلفان فيه يوميا ً؟
مي ّ: التفاصيل البيتية الصغيرة!
رافع: الوقت.
* ماذا تعني بالوقت ..؟
ـ تجريدية .. دعها هكذا!
الحزن حالة عميقة ولا تفسر
* سؤال لمي ّ مظفر: أكثر الأشياء حزنا ً تؤدي أحيانا ً إلى كتابة قصة أو قصيدة.. هل للمسرة اثر في تفجير فكرة إبداعية..كيف؟
ـ بالنسبة لي: في حالة الحزن والفرح الشديدين أكون في حالة شلل كامل. وكل ما يكتب في مثل هذه الحالة يكون ناقصا ً وغير ناضج.
* ما الحالة الاعتيادية للكتابة إذن؟
ـ بعد ان تزول ذروة الحزن وتبدأ التجربة بالتغلغل في الفكر لتستقر.
* رافع: أيحدث هذا لك؟
ـ ليس في حالة الفرح الشديد ولكن في حالة الحزن الشديد اعمل بعمق أكثر. أحسن ما عملت مؤخرا ً بعد وفاة والدي.
* هل لي بتعريف لهذا الحزن: هو حسي تماما ً ـ أم ثمة إشكالات من نوع آخر؟
ـ الحزن ليس بإشكال: انه حالة إنسانية عميقة جدا ً لا يمكن تفسيرها.
* تقصد الحزن المتسامي: الحزن الذي يصير مادة الجمال والرؤيا ..؟
ـ بالتأكيد هو الحزن الذي يؤدي إلى هذه النتائج: الحزن يدفع الإبداع الى حالات عميقة.
* ألا ترى ان سؤالي الأول: في البدء قصدت به ان الجمال ضرب من الحلم الصوفي.. وقد أقول انه ـ في أعمالك الفنية ـ احتفاء بأبدية مهددة بالزوال؟
ـ لو اتفقنا بان الفن هو الحياة فان أي إنسان يخاف على زوال حياته، إذن يخاف على زوال فنه، لأن كل شيء يمتلكه الإنسان مهدد بالموت.
* ما الخالد في عمل الإنسان؟
ـ الفن.
* ألا ترى ان الفن، مثل الحياة، يتفتت ويذوب ويتلاشى عندما نكون في بؤرة ، حلم ـ المستقبل؟
ـ أبدا ً، لأن الفن مادة أزلية!
* ما الذي يجعل الفن مادة أزلية ..؟
ـ عناصره الأساسية: شهادته على عصره.. تمثيله لجماليات ذلك العصر.. توقه إلى المستقبل دائما ً.. شعور الفنان الأزلي بالخلود.
النقاد يسألون ...!
*الأشكال كثيرة، لكن الدائرة، والكرة، بل نصف الكرة تسيطر عليك في الفن سيطرة عارمة.. ما الأسباب ؟
ـ هي عناصر طبيعية.. وأحسها عناصر من طبيعتنا.
* أود ان أضيف للسؤال: هل للدائرة من فلسفة لديك؟
ـ هي الكون.. هي النافذة التي تطل على العالم اللا متناهي.
* شكلان من الشعر في تجربتك. في الأول تتحدثين عن المستقل، وفي الآخر تتحدثين عن الماضي.. امن تفسير.. والسؤال من الناقد عبد الجبار داود البصري؟
ـ وجهة نظر.
* ما اختصاصك بالضبط؟ السؤال من الفنان ماهود احمد..؟
ـ هل يمكن الإجابة على السؤال بسؤال مماثل؟
* نعم، شرط ان نعود إلى السؤال.
ـ الفنان ماهود احمد اخذ بطرق كل الأبواب حتى صار يكتب شيئا ً يقول انه شعر!
* نعود إلى سؤال الدكتور ماهود احمد..
ـ أنا أتعامل بالكلمة.. ولم أتعامل بغيرها.. وكل طريق بهذا الاتجاه مفتوح أمامي.. لأن الثقافات سواق ٍ تصب الواحدة في الأخرى.
* وأحب هذه السواقي لديك؟
ـ الشعر، لأنه المنبع.
* يراك البعض قاصة بالدرجة الأولى...؟
ـ كتبت القصة لأجد متنفسا ً آخر بعد ان ضاق بي ّ الشعر.
* لماذا الكتابة في الفن التشكيلي.. أمن تفسير ؟
ـ دراستي للشعر قادتني بالضرورة لدراسة الفنون التشكيلية للعلاقة الوثيقة التي تربطهما ابتداء من ثورة الحداثة.
* كل الأشجار تخضر وتخضوضر.. ما الذي غيّب كل الأشجار واخضر التين في قولك (وان التين قد خضّرْ) والسؤال من مدني صالح؟
ـ لأنها أول ورقة خضراء تبشر بقدوم الربيع.
* كم تحبين لو كان اسمك (ميَة) التي في العلياء يامي ّ مظفر التي في بغداد؟
ـ من يحبني من الأصدقاء وبضمنهم رافع ينادونني (ميًة).
الالتزام يبدأ بالعمل الفني
• هل يعتقد رافع الناصري انه فنان من الطراز الأول؟ سؤال من ماهود احمد؟
ـ وهل من شك لديه؟
* ما مدى مساهمة أعمالك في التزام قضايا الإنسان العربي، والسؤال لماهود احمد أيضا ً..؟
ـ ما هو الالتزام؟ اعتقد انه يفسر الالتزام من وجهة نظره الشخصية، بينما اعتقد أنا بان الالتزام هو ما اطرحه في عملي الفني وهو خلاصة هموم إنساننا العربي. الالتزام ليس بطرح الواقع كما هو فوتوغرافيا ً (مع احترامي للفن الأخير) بل انه تعبير عن خيال وحلم وثورة الإنسان العربي بصيغ متطورة التي هي جزء من تطور المجتمع العربي ومعاصرته.
وعلقت مي ّ على السؤال قائلة:
ـ اعتقد ان ربط العمل الإنساني بالتشخيصي من البديهيات التي تجاوزناها او تجاوزها الفن الحديث.
* الجمال في الفن مادة للروح الأصلية: التشخيصي أو المجرد أو أي اتجاه هو جزء من فاعلية ضرورية .. أي بلد من التنوع ضمن وحدة كلية قد نطلق عليها: سحر الفن أو ثراء التجربة بكل معناها الإنساني. أليس كذلك؟
مي ّ: لأن التجربة إنسانية أصلا ً.
*إذن لا يمكن ان نتحدث عن فن غير ملتزم؟
ـ كل فن جيد ومؤثر هو ملتزم.
رافع: وكل فنان جيد ومخلص لعمله الفني ملتزم بالضرورة.
*كيف تقيم بيان الرؤية الجديدة الآن: هل له علاقة بالبيان الشعري؟ فقد صدرا في وقت واحد..
ـ السؤال يوضح الجواب، فالزمن الذي صدرا فيه (1969) زمن عربي خاص: يبدو لي الآن بأنهما مهمان في مسيرة الرسم والشعر.
التأمل .. والحلم
* ما أمتع لحظات الفراغ عندك يا رافع؟
ـ التأمل.
* ولديك يا مي ّ؟
ـ الحلم.
* هل يمكن ان أتعرف على معنى الفراغ لديكما؟
رافع: هو الزمن الذي يفصل بين حالة إبداعية وأخرى.
مي ّ: هي اللحظة التي أحس فيها بأنني غير مطالبة بشيء!
لا ننسجم في كل شيء!
* هل تنسجمان في مشاهدة مباراة لكرة القدم ؟
مي ّ:لا. لا أراقب كرة القدم.
رافع: كلا. أشاهد بعضها. وأشاهد بعضها، وأحب مشاهدة الأهداف.
* في الحديقة، أيكما أكثر اهتماما ً بالزراعة ..؟
مي ّ: هو يحب الزراعة.. وأنا أحب النتائج واستعجلها!
* لو طلبت منك ان تكوني ناقدة لأعمالك .. فكيف تقيمينها؟
ـ أعمالي تقع بين القصة والشعر. صعب ان افعل هذا. كل ما استطيع ان أقوله هو أني اعرف أين أقف. واعتقد ان هذا ليس بالشيء السهل.
* هل هناك ناقد توصل إلى هذا الحكم، ولنقل: هل كان للنقد من اثر ما، في تجربتك؟
ـ لم يكتب عني النقد إلا قليلا ً.. ولم يكن له أي اثر!
* غريب، ما تفسيرك لهذا؟
ـ أنا مستغربة أيضا ً.
* أتتفقين معي ان الكاتب من الطراز الأول ليس بحاجة إلى ناقد من الطراز الثاني؟
ـ اعتقد انه سواء من الطراز الأول أو الثاني: فالكاتب أو المبدع بحاجة إلى من يقرأ عمله بعمق.
* العمل الإبداعي عمل نقدي أصلا ً؟
ـ ليس هذا بالضبط .. فانا اعتقد بان المبدع الجيد هو بالضرورة يتمتع بحس نقدي يجعله قادرا ً على تصحيح مسيرته بين حين وآخر.
* كتابتك، عامة، قليلة، هل من تفسير لهذا ؟
* وأنت يا رافع: أنشط من السيدة مي ّ؟
ـ ليس بالضرورة، لكني متواصل في العرض.
* أستاذ رافع: هل تنتظر كلمة ما من النقد.. وهل يهمك النقد كثيرا ً؟
ـ وكيف لا يهمني والعمل الفني هو عملية جدلية بين الإنتاج ونتائجه.
* وهل لديك تصورات عن المراحل القادمة لأعمالك الفنية؟
ـ بالتأكيد لا ..
* ولكني أراك من أكثر الفنانين اهتماما ً بالجانب العقلي في صناعة العمل الفني..لا تترك للمصادفات دورا ً مهما ً..
ـ هكذا تبدو نتائج اللوحة.. ولكن فيها الكثير من العفوية!
لوحات فيها الكثير من الشعر
* هل تفكران بعمل مشترك؟
رافع: كان لدينا ديوان مشترك (رسم ـ شعر) ولكننا لم ننجزه.
* ربما بسبب الكلفة؟
مي ّ: أكيد.
*عندما ترسم.. هل ثمة ملاحظات من مي ّ تسهم في انجاز عملك؟
ـ الملاحظات تأتي بعد انجاز العمل الفني..
* السيدة مي ّ: هل من أفكار قصصية أو شعرية تولدها لديك تأملات لوحات رافع ..أو عالم اللوحة السحري؟
ـ إنها قريبة إلى نفسي للحد الذي يجعلني أحس بأنها أنا .. وفيها الكثير من الشعر.
لماذا ارسم ؟
رافع: اود ان تسأل نفسك السؤال الذي لا تستطيع الاجابة عليه؟
ـ لماذا ارسم؟
* هل يمكن للناقدة مي ّ الإجابة على هذا السؤال؟
ـ لأني اعتقد إنها عملية ممارسة للحياة نفسها.
* أود ان تسألي من نفسك السؤال الذي لا تمتلكين الإجابة عليه؟
ـ بعد الانتهاء من عمل ما اعتقد انه ناضج أتساءل: هل صحيح أني عملت ذلك وكيف؟
* السيدة مي ّ: هل لتشجيع الآخرين اثر في مواصلة الإبداع؟
ـ نعم. بعضهم يساعدني.
* ماذا تفعلين عندما تواجهك صعوبات أو معوقات لانجاز عمل حسب تصورك؟
ـ ابكي.
* بعد ذلك؟
ـ أحاول من جديد.
الصحراء والبحر
• ما أحب الألوان لديكما؟
رافع: الفيروزي.
مي ّ: الأحمر المشبع بالبني.
• البحر أم الصحراء؟
رافع:الصحراء.
مي ّ:البحر والصحراء.
*أحب الأشجار لديكما؟
رافع: النخل.
مي ّ: المشمش.
* أحب الشعراء العالمين لديكما؟
رافع:جاك برفير.
مي ّ: جوته.
* شاعر عراقي معاصر؟
رافع: رشدي العامل.
مي ّ: سامي مهدي.
* فنان تشكيلي عراقي معاصر؟
رافع: شاكر حسن.
مي ّ: شاكر حسن.
* مطرب عراقي معاصر؟
رافع: يوسف عمر.
مي ّ: زهور حسين.
* أحب روائي عراقي ؟
رافع: فؤاد التكريتي.
مي ّ: أيضا ً.
* أحب المعلقات لديكما؟
رافع: معلقة امرؤ ألقيس.
مي ّ: معلقة طرفة.
* أفضل وسائل السفر لديكما؟
رافع: القطار.
مي ّ: السيارة.
* أحب الفصول؟
رافع: الخريف.
مي ّ: أيضا ً.
ناقد عراقي تقرءان له؟
رافع: مي ّ وسعدون فاضل.
مي ّ: كتابات متفرقة.
جواد سليم
* أرجو من رافع ان يسألني أي سؤال؟
ـ اذكر لي خمسة فنانين من الطراز الأول...؟
ـ بدون إحراج اذكر جواد سلين فقط!
السيدة مي ّ: هل لديك سؤال؟
ـ لماذا تسأل كل هذه الأسئلة.
* هو حوار...!
ـ هي محكمة!
* أبدا ً ... كنت اسأل وكانت لديك الحرية المطلقة بالإجابة..
ـ الحوار ان تنشأ فكرة وتنمو بين اثنين.. أما هنا فالأسئلة محدودة وقاطعة أحيانا ً والأجوبة عنها يجب ان تكون محدودة أو بكلمة واحدة.
* سؤال لكما .. سؤال أخير: هل تعتقدان ان القاريء واصل متابعة هذا الحوار..؟
رافع: ان كان لديه قليل من الجدية وقليل من المرح سيتابعه بكل تأكيد.
مي ّ: هذه مسؤوليتك!!
عادل كامل/ مجلة ألف باء/ مطلع ثمانينات القرن الماضي