Apr 7 at 11:16 PM
صورة نادرة لزعماء الربيع الأوربي
كاظم فنجان الحمامي
لنبتعد قليلا عن ثورات الربيع العربي وزعمائها المجهولين, الذين خرجوا علينا من أرصفة الساحات والميادين, ليؤججوا براكين فوضى عارمة اجتاحت العواصم العربية الجمهورية, واستثنت العواصم الملكية والأميرية, ولنذهب في رحلة خاطفة إلى الماضي القريب, نخترق فيها حواجز الزمن إلى الوراء, فنزور فيها ميدان التحرير وسط العاصمة البلجيكية بروكسل, في المكان الذي أينعت فيه أشجار الحدائق الأوربية, وتعطرت بشذى أزهار ربيعها العلمي, وأشرقت صباحاتها الجميلة على المنصة, التي وقف فوقها نخبة من رواد علوم الفيزياء والكيمياء, حاملين بأيديهم مشاعل الرقي والإبداع والتفوق, ومسجلين أولى خطوات الانقلاب العلمي في مؤتمر عقدوه هناك للمرة الخامسة على نفقة رجل الأعمال البلجيكي (أهرنفست سولفاي) للمدة من 24 إلى 27 تشرين الثاني (أكتوبر) عام 1927, فالتقطوا لهم هذه الصورة التذكارية الرائعة, ثم تسلح أحفادهم بتقنيات التصوير الرقمي, وادخلوا عليها الألوان الطبيعية الزاهية, وفاءً وعرفاناً للرعيل الأول الذي أنار لهم الطريق في مسيرة الازدهار والتقدم. .
كان الوطن العربي منشغلا وقتذاك بتكفير كل من يتجرأ على التمرد على السياقات الفكرية التقليدية الموروثة, فكفروا الشيخ (علي عبد الرزاق) عام 1925, وكفروا من بعده عميد الأدب العربي الدكتور (طه حسين), في الوقت الذي سارت فيه أوربا نحو تفعيل مقومات الثورة العلمية والصناعية, التي بدأت بنبوغ (ماكس بلانك), باكتشافه الكوانتم عام 1900, والكوانتم لفظة لاتينية تعني (الكم), ثم جاء ألبرت أينشتاين ليعلن في نيسان (أبريل) عام 1911 انه توقف عن التساؤل عما إذا كان للطاقة كوانتم من عدمه, معبرا عن قناعته المطلقة بالكم الذي تحمله الطاقة. .
في تلك الحقبة كان العلماء في حيرة من تعريف طبيعة الطاقة الضوئية, هل هي جسيمية أم موجية ؟, حتى جاء اليوم الذي نشر فيه آينشتاين خلاصة أبحاثه في الرابع والعشرين من نيسان (أبريل) عام 1924, والتي قال فيها: إن النظريتين الموجية والجسيمية صادقتان, ويتعين علينا القبول بهذا التناقض, ولم تمض بضعة أيام حتى تسلم آينشتاين رسالة علمية من الأمير (لوي دي بروي) تتضمن نتائج دراساته المختبرية عن العلاقة بين المادة والضوء كجزء من المتطلبات الجامعية المترتبة على نيله درجة الدكتوراه في الفيزياء. .
قال الأمير (بروي) في رسالته: إن الالكترونات لها خاصية مزدوجة, فهي جسيمات وموجات في آن واحد, ولكن لا يمكن رؤيتهما معاً, فتشكلت لجنة رباعية لمناقشتها, بيد أنها قررت الاستئناس بآراء آينشتاين, وهكذا وصلت إليه الرسالة في طرد بريدي, فجاء جواب آينشتاين على النحو الآتي: لقد أزاح الأمير طرفا مهما من الحاجز الكبير, وبهذا الجواب المختصر نال الأمير درجة الدكتوراه, وانضم إلى علماء الفيزياء النووية, وكان من ضمن المدعوين لمؤتمر سولفاي الخامس, وسنأتي على تسمية العلماء الظاهرين في الصورة التذكارية, التي ضمت (29) عالما في ثورة الربيع الأوربي, من بينهم العالم النمساوي المتألق (بول أهرنفست), وكان بعمر (34) سنة, ويعمل أستاذا للفيزياء النظرية بجامعة ليدن بهولندا, ويعد من المؤازرين لآينشتاين, ومن المؤمنين بنظرية الكم (الكوانتم), لكنه انحاز في اليوم الأول للمؤتمر ليقف ضد صديقه آينشتاين, ويدعم أفكار عالم الفيزياء الكلاسيكية الدنمركي (نيلز بور), فحزن آينشتاين, وتألم لموقفه المتذبذب وقال له: من يضحك أخيراً سيضحك كثيراً. .
كان من بين المشاركين في الربيع الأوربي سبعة عشر عالماً من الحائزين على جائزة نوبل, ولهذا قيل عنه انه ربيع العقول, التي صنعت العصر الذهبي للفيزياء الحديثة, ومهدت الطريق للصناعات الالكترونية الباهرة. .
كان (نيلز بور) على قناعة تامة بوجود عالمين: عالم كبير, وعالم صغير, العالم الأول هو الذي نعيش فيه, والذي يخضع لمنطق (العلية), بمعنى إن لكل علة معلول, والمعلول في هذه الحالة حتمي الحدوث, وليس احتمالي الحدوث, أما العالم الصغير فهو عالم الكوانتم, التي لا تخضع لمنطق (العلية) بسبب حركتها العشوائية غير المنتظمة, ويصعب التكهن بتصرفاتها على حد قول (نيلز بور), و(هيزنبرغ), الذين أطلقوا على تأويلهم هذا اصطلاح (تأويل كوبنهاكن), فقال لهم آينشتاين: (((لقد خلق الله الكون كله بنظام حسابي ثابت مستقر منضبط, لا يخضع للعشوائية ولا الاحتمالية, فالله جل شأنه لا يلعب النرد, وان نفي العلية يعني الفوضى, وان تأويلكم هذا سيحدث زلزالا مدمرا في العلوم والمفاهيم والنظريات القديمة والحديثة, وان عجزكم عن فهم خصائص الجزيئات الصغيرة في الذرة يعبر عن قصور عقولكم عن فهم عوالمها وألغازها))). .
لقد استدل العلماء بالدليل القاطع على إن التوازنات الدقيقة لأصغر الأجسام في الكون تعكس صورة التصميم الدقيق لكل المخلوقات المادية والحيوانية, ومن غير المعقول إن يحدث ذلك كله بالمصادفة, فالذرة الصغير ومكوناتها المتناهية في الصغر هي الدليل على إتقان الخلق اتقاناً يدل على إن الخالق المبدع يتصف بصفات الكمال. .
لقد رسم زعماء الربيع الأوربي ملامح الطريق الصحيح نحو ارتقاء سلم المجد والتفوق, ونحو بناء القواعد الصناعية العملاقة, ونحو صياغة المناهج التربوية الصحيحة, والاعتماد عليها في إعداد الأجيال القادمة. .
دعونا الآن نستعرض أسماء العلماء الظاهرين في الصورة, ونبدأ بالصف الأول من اليسار بالعالم (لانغمور إيرفنغ Langmuir Irving) ويحمل الرقم (1), وهو عالم كيميائي أمريكي من مواليد 1881, حصل على جائزة نوبل عام 1932 في كيمياء السطوح, ويعود له الفضل باختراع المصباح ذي الشريط التنغستوني المملوء بالغاز الخامل, وهو أول من استعمل الهيدروجين الذري في اللحام, وله نظرية ذرية مسجلة باسمه بالاشتراك مع العالم (لويس Lewis), وابتكر طريقة لتصوير الفيروسات بواسطة الطبقة وحيدة الجزيئات, وكانت وفاته عام 1957. .
يأتي بعده في الصف الأول من اليسار العالم (ماكس بلانك Max Plank), ويحمل الرقم (2), وهو عالم ألماني من مواليد 1858 يعود له الفضل الأكبر في تأسيس نظرية الكم, ويعد من أشهر علماء القرن العشرين, وكانت وفاته عام 1947. .
تأتي بعده العالمة البولندية الأصل (مدام كوري Marie Sklodovska), وتحمل الرقم (3), وهي من مواليد 1867, عالمة في الفيزياء والكيمياء, اكتسبت الجنسية الفرنسية بعد زواجها من العالم (بيير كوري), تعد من رواد فيزياء الإشعاع, وأول من حصل على جائزة نوبل مرتين, مرة في الفيزياء ومرة في الكيمياء, وهي المرأة الأولى التي تحصل على هذه الجائزة, والأولى التي تحصل عليها في مجالين مختلفين, وكانت وفاتها رحمها الله عام 1934. .
يأتي بعدها العالم الهولندي (هندريك أنتون لورنتس Hendrek Antoon Lorentz), ويحمل الرقم (4), وهو من مواليد 1853, حصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1902 مع (بيتر زيمان), وهو أول من وضع معادلات التحويل التي اعتمد عليها آينشتاين في وصف الفراغ والزمن, وله اكتشافات كثيرة في المجال الكهرومغناطيسي, وكانت وفاته عام 1928. .
اما الشخص الخامس في التسلسل, والذي يجلس في المقدمة, ويتوسط الجميع, فهو الفيزيائي الألماني الفذ, والموسيقي المبدع, والرياضي اللامع, (ألبرت آينشتاين Albert Einstein), المولود في ألمانيا عام 1879, وهو أبو النظرية النسبية, حاز عام 1921 على جائزة نوبل في الفيزياء, وله بحوث كثيرة في ميكانيكا الكم, وتكافؤ المادة والطاقة, عرفه الناس بذكائه المفرط, حتى أصبحت كلمة (آينشتاين) مرادفة للعبقرية, كانت وفاته رحمه الله في أمريكا عام 1955. .
ويجلس إلى يساره العالم الفيزيائي (بيير لانغفن Pierre Langevin), ويحمل الرقم (6), ولد في فرنسا عام 1872, كان من خيرة العلماء الذين درسوا الموجات الصوتية, ويعود له الفضل باختراع أجهزة السونار. كانت وفاته في فرنسا عام 1946. .
يأتي بعده العالم الفيزيائي السويسري (تشارلس يوجين جاي Charles Eugene Guye), ويحمل الرقم (7), ولد عام 1866, كان ألبرت آينشتاين من الذين تتلمذوا على يده, تخصص في الفيزياء الذرية, وله فيها أكثر من 200 ورقة بحثية, ذاع صيته بين الناس بعد أن اثبت مختبريا بأنه لا وجود للصدفة في خلق الطبيعة, وان الله وحده هو الخالق المبدع المدبر, كانت وفاته عام 1942. .
يأتي بعده العالم الاسكتلندي (تشارلس توماس ريس ويلسون C.T.R. Wilson) ويحمل الرقم (8), ولد عام 1869, وحصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1927 لاختراعه الغرفة الغيمية, وكانت وفاته عام 1959. .
اما الجالس في طرف الصورة ويحمل الرقم (9) فهو العالم الفيزيائي الانجليزي البارع (أوين وليانز ريتشاردسون Owen W. Richardson), ولد عام 1879, وكانت وفاته عام 1959, وحصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1928 لنجاحه في صياغة قانون الانبعاث الحراري. .
ثم نتعرف على الجالسين في الصف الثاني, ونبدأ من اليسار بالتسلسل رقم (10), وهو العالم (بيتر ديبي Peter Debye), المولود في هولندا عام 1884, والحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1936, وكانت وفاته في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1966. .
ثم يأتي بعده العالم الدنماركي الكبير (مارتن كنودسن Martin Knodson), ويحمل الرقم (11), ولد عام 1871, ويعود له الفضل في صياغة ما يسمى برقم كنودسن, ويرمز له (Kn), وهو رقم لا بعدي يعرف على انه يمثل نسبة المجال الوسطي الحر للجزيئات إلى طول فيزيائي معين في الأوساط المائعة, وكانت وفاته عام 1949. .
ويجلس إلى جانبه العالم الاسترالي (وليم لورنس براغ W. Lawrence Bragg), ويحمل الرقم (12), وهو مولود عام 1890, وحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1915 بالاشتراك مع (وليم هنري براغ), وكانت وفاته عام 1971. .
يأتي بعده العالم الفيزيائي الهولندي (هانز كرامرز Hans Kramers), ويحمل الرقم (13), وهو من مواليد عام 1894, وكانت وفاته عام 1952. .
ويجلس إلى جانبه العالم الانجليزي الشاب (Pual Direc), ويحمل الرقم (14) خلف آينشتاين تماماُ, وهو أصغر المشاركين سناً, ولد عام 1902, وكان عمره (25) عاما عندما شارك في المؤتمر, حصل على جائزة نوبل عام 1933 بالاشتراك مع العالم (إروين شرودنغر), لوضعه صياغات جديدة لنظرية الكم, وكانت وفاته في فلوريدا عام 1984. .
يليه عالم الفيزياء الأمريكي (آرثر كومبتون Arthur Compton), ويحمل الرقم (15), وهو من مواليد 1892, حصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1927 عن اكتشافه تأثير كومبتون, وكانت وفاته عام 1962. .
يليه العالم الفرنسي الكبير (الأمير لوي دي بروي Louise de Broglie), ويحمل الرقم (16), ولد عام 1892, وتخصص في الفيزياء وبرع فيها, وكان من المقربين لآينشتاين, حصل عام 1929 على جائزة نوبل في الفيزياء, وتولى منصب سكرتير الأكاديمية الفرنسية للعلوم, ساهم في تطوير نظرية الكم, واخترع المجهر الالكتروني, وكانت وفاته عام 1987. .
يأتي بعده العالم الألماني (ماكس بورن Max Born), ويحمل الرقم (17), ولد عام 1882, وحصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1954 عن ميكانيكا الكم, كانت وفاته عام 1970. .
ثم يأتي بعده غريم آينشتاين وهو العالم (نيلز بور Niels Bohr), ويحمل الرقم (18), وهو من المنادين بقبول الطبيعة الاحتمالية في تفسير نظرية الكم, وكانت وفاته عام 1962. .
أما الذين يقفون في الصف الثالث, فهم من اليسار: العالم الفيزيائي السويسري (أوغست بيكر Augeste Piccard), ويحمل الرقم (19), ولد عام 1884, وهو أول من اكتشف طبقة الستراتوسفير في الغلاف الجوي, وصمم أول غواصة لسبر الأعماق السحيقة في البحار والمحيطات, توفي هذا العالم الكبير عام 1962, وخلف وراءه كل مفيد للبشرية من اختراعاته المتنوعة كالمناطيد والغواصات, والمعادلات الفيزيائية التي أنارت الطريق للأجيال القادمة. .
اما العالم الذي يحمل الرقم (20) فهو الكيميائي الفرنسي (إيميل هنريوت Emile Henriot), ولد عام 1885, وهو من تلاميذ مدام كوري, ويعود له الفضل في تطوير المجهر الالكتروني, وكانت وفاته عام 1961. .
ثم يقف إلى جانبه العالم النمساوي (بول اهرنفست Paul Ehrenfest), الذي يحمل الرقم (21), ولد عام 1880, وتوفى عام 1933, لكنه وعلى الرغم من صغر سنه كان من أشهر علماء الفيزياء في عصره. .
ويقف إلى جانبه العالم البلجيكي (إدوارد هيرزن Edouard Herzen), الذي يحمل الرقم (22), وهو من مواليد عام 1877, تخصص في الكيمياء الفيزياوية, وهو حفيد الكاتب الروسي (الكسندر هيرزن), تبوأ أرقى المناصب العلمية عام 1921, وتوفي عام 1933. .
ويقف إلى جانبه عالم الرياضيات البلجيكي (ثيوفيل دي دوندور Theophile de Donder), ويحمل الرقم (23), ولد عام 1872, اشتق عام 1923 بعض الصيغ الرياضية للتفاعلات الكيماوية, وتوفي عام 1957. .
ويقف إلى جانبه عالم الفيزياء النمساوي (إروين شرودنغر Erwin Shrodenger), ويحمل الرقم (24), ولد 1887 وتوفي عام 1961, وهو معروف بإسهاماته في ميكانيكا الكم, وبخاصة معادلة (شرودنغر), التي حاز من أجلها على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1933, اشتهر بوضع صيغ رياضية لوصف سلوك الالكترونات في تركيبة الذرة. .
ويقف إلى جانبه العالم البلجيكي (يوليوس إيميل فيرشافلت Jules Emile Vershafelt), ويحمل الرقم (25), ولد عام 1870, وتوفي عام 1955, وكان من أشهر علماء الفيزياء في عصره. .
ثم يأتي من بعده العالم النمساوي (فولفغانغ باولي Wolfgang Pauli), ويحمل الرقم (26), ولد عام 1900, وتوفي عام 1958, لكنه كان من أشهر علماء الفيزياء, وحاز على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1945, واسهم إسهاما فاعلا في تطوير نظرية الكم. .
ويقف إلى جانبه العالم الألماني (فيرنر هليزنبيرغ Werner Heisenberg), ويحمل الرقم (27), ولد عام 1901, وتوفي عام 1976, حاز على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1932, واكتشف أهم مبادئ الفيزياء الحديثة, وهو مبدأ عدم التأكد, أو عدم اليقين, الذي أعلنه عام 1927. وانصبت اهتماماته المختبرية على دراسة سلوك أشعة غاما. .
ويقف إلى جانبه العالم البريطاني (رالف هاورد فاولر Ralph Howard), ويحمل الرقم (28), ولد عام 1889, وتوفي عام 1944, وكان بارعا في الفيزياء والفلك. .
ويقف في الطرف الأخير من الصف الثالث العالم الفرنسي الكبير (ليون نيكولاس بريلوين Leon Brillouin), الذي يحمل الرقم (29), ولد عام 1889, وانتقل إلى رحمة الله عام 1969, ينحدر من عائلة توارثت علم الفيزياء جيل بعد جيل, وكان من أشهر الفيزيائيين في منتصف القرن الماضي. .
لقد حصل المشاركون في الربيع الأوربي على أكثر من سبعة عشر جائزة نوبل, وعشرات الجوائز العلمية والأوسمة الرفيعة, وتركوا للأجيال اللاحقة كنوزا علمية زاخرة بالمفاهيم العلمية الجديدة, التي منحتهم القدرة على النهوض بالمراحل المستقبلية المثقلة بالمهمات الصعبة. .
كان أكبر المشاركين في انتفاضة الربيع الأوربي العالم الهولندي (هندريك أنتون لورنتس), الذي انتقل إلى جوار ربه بعد عام واحد (1928) من انعقاد المؤتمر, أما اصغر المشاركين في الربيع فهو العالم الانجليزي الشاب (Pual Direc), وكان آخر الراحلين منهم, إذ وافته المنية عام 1984, بعد ثماني عقود حافلة بالانجازات العلمية الباهرة, نال على أثرها جائزة نوبل بالفيزياء. .
كانوا قدوة حسنة قادوا أحفاد القارة العجوز نحو المجد, وكانوا نخبة منتخبة من العلماء الأعلام شيدوا الأسس الرصينة لقيام النهضة الصناعية الحديثة, التي منحتهم القوة في مواجهة أصعب التحديات, لم يشغلوا أنفسهم مثلنا بالمهاترات والصراعات الطائفية العقيمة, ولم يتفننوا بصناعة الموت, ولم يغرقوا في مستنقعات الحقد والكراهية. كرسوا حياتهم كلها من اجل تحقيق المنافع العامة لأوطانهم, وافنوا أعمارها في ميادين الإبداع والتفوق. كان لهم الفضل الكبير على كل القارات بما تركوه من تراث علمي وضعوه في خدمة الجنس البشري. .
بعد هذه الانجازات الرائعة والقفزات العلمية الهائلة يأتيك احد المتحجرين من المنظمات المتطرفة الغارقة في الجهل والتخلف ليهمس في إذنك, ويخبرك إن هؤلاء الذين خدموا الإنسانية سيذهبون كلهم إلى النار, لأنهم............؟؟؟؟؟؟؟؟؟. .
كان هذا ملخصا للربيع الأوربي, الذي نهض به علماء تركوا بصماتهم على صفحات المقررات الدراسية لمدارس ومعاهد وكليات البلدان والمدن والقصبات في كوكب الأرض, ومن المفارقات العجيبة إن بعض الذين شاركوا (مع أو ضد) ثورات (الربيع العربي) كانوا من رجال الأمن وأصحاب السوابق, ولديهم سجلات ملوثة بدماء الأبرياء في أقبية مديريات الأمن وأجهزة المخابرات والاستخبارات ومراكز الشرطة. .
وهذا هو الفارق الكبير بين الرجال الذين شيدوا المستقبل وبين الرجال الذين شيدوا المعتقل. .
صورة نادرة لزعماء الربيع الأوربي
كاظم فنجان الحمامي
لنبتعد قليلا عن ثورات الربيع العربي وزعمائها المجهولين, الذين خرجوا علينا من أرصفة الساحات والميادين, ليؤججوا براكين فوضى عارمة اجتاحت العواصم العربية الجمهورية, واستثنت العواصم الملكية والأميرية, ولنذهب في رحلة خاطفة إلى الماضي القريب, نخترق فيها حواجز الزمن إلى الوراء, فنزور فيها ميدان التحرير وسط العاصمة البلجيكية بروكسل, في المكان الذي أينعت فيه أشجار الحدائق الأوربية, وتعطرت بشذى أزهار ربيعها العلمي, وأشرقت صباحاتها الجميلة على المنصة, التي وقف فوقها نخبة من رواد علوم الفيزياء والكيمياء, حاملين بأيديهم مشاعل الرقي والإبداع والتفوق, ومسجلين أولى خطوات الانقلاب العلمي في مؤتمر عقدوه هناك للمرة الخامسة على نفقة رجل الأعمال البلجيكي (أهرنفست سولفاي) للمدة من 24 إلى 27 تشرين الثاني (أكتوبر) عام 1927, فالتقطوا لهم هذه الصورة التذكارية الرائعة, ثم تسلح أحفادهم بتقنيات التصوير الرقمي, وادخلوا عليها الألوان الطبيعية الزاهية, وفاءً وعرفاناً للرعيل الأول الذي أنار لهم الطريق في مسيرة الازدهار والتقدم. .
كان الوطن العربي منشغلا وقتذاك بتكفير كل من يتجرأ على التمرد على السياقات الفكرية التقليدية الموروثة, فكفروا الشيخ (علي عبد الرزاق) عام 1925, وكفروا من بعده عميد الأدب العربي الدكتور (طه حسين), في الوقت الذي سارت فيه أوربا نحو تفعيل مقومات الثورة العلمية والصناعية, التي بدأت بنبوغ (ماكس بلانك), باكتشافه الكوانتم عام 1900, والكوانتم لفظة لاتينية تعني (الكم), ثم جاء ألبرت أينشتاين ليعلن في نيسان (أبريل) عام 1911 انه توقف عن التساؤل عما إذا كان للطاقة كوانتم من عدمه, معبرا عن قناعته المطلقة بالكم الذي تحمله الطاقة. .
في تلك الحقبة كان العلماء في حيرة من تعريف طبيعة الطاقة الضوئية, هل هي جسيمية أم موجية ؟, حتى جاء اليوم الذي نشر فيه آينشتاين خلاصة أبحاثه في الرابع والعشرين من نيسان (أبريل) عام 1924, والتي قال فيها: إن النظريتين الموجية والجسيمية صادقتان, ويتعين علينا القبول بهذا التناقض, ولم تمض بضعة أيام حتى تسلم آينشتاين رسالة علمية من الأمير (لوي دي بروي) تتضمن نتائج دراساته المختبرية عن العلاقة بين المادة والضوء كجزء من المتطلبات الجامعية المترتبة على نيله درجة الدكتوراه في الفيزياء. .
قال الأمير (بروي) في رسالته: إن الالكترونات لها خاصية مزدوجة, فهي جسيمات وموجات في آن واحد, ولكن لا يمكن رؤيتهما معاً, فتشكلت لجنة رباعية لمناقشتها, بيد أنها قررت الاستئناس بآراء آينشتاين, وهكذا وصلت إليه الرسالة في طرد بريدي, فجاء جواب آينشتاين على النحو الآتي: لقد أزاح الأمير طرفا مهما من الحاجز الكبير, وبهذا الجواب المختصر نال الأمير درجة الدكتوراه, وانضم إلى علماء الفيزياء النووية, وكان من ضمن المدعوين لمؤتمر سولفاي الخامس, وسنأتي على تسمية العلماء الظاهرين في الصورة التذكارية, التي ضمت (29) عالما في ثورة الربيع الأوربي, من بينهم العالم النمساوي المتألق (بول أهرنفست), وكان بعمر (34) سنة, ويعمل أستاذا للفيزياء النظرية بجامعة ليدن بهولندا, ويعد من المؤازرين لآينشتاين, ومن المؤمنين بنظرية الكم (الكوانتم), لكنه انحاز في اليوم الأول للمؤتمر ليقف ضد صديقه آينشتاين, ويدعم أفكار عالم الفيزياء الكلاسيكية الدنمركي (نيلز بور), فحزن آينشتاين, وتألم لموقفه المتذبذب وقال له: من يضحك أخيراً سيضحك كثيراً. .
كان من بين المشاركين في الربيع الأوربي سبعة عشر عالماً من الحائزين على جائزة نوبل, ولهذا قيل عنه انه ربيع العقول, التي صنعت العصر الذهبي للفيزياء الحديثة, ومهدت الطريق للصناعات الالكترونية الباهرة. .
كان (نيلز بور) على قناعة تامة بوجود عالمين: عالم كبير, وعالم صغير, العالم الأول هو الذي نعيش فيه, والذي يخضع لمنطق (العلية), بمعنى إن لكل علة معلول, والمعلول في هذه الحالة حتمي الحدوث, وليس احتمالي الحدوث, أما العالم الصغير فهو عالم الكوانتم, التي لا تخضع لمنطق (العلية) بسبب حركتها العشوائية غير المنتظمة, ويصعب التكهن بتصرفاتها على حد قول (نيلز بور), و(هيزنبرغ), الذين أطلقوا على تأويلهم هذا اصطلاح (تأويل كوبنهاكن), فقال لهم آينشتاين: (((لقد خلق الله الكون كله بنظام حسابي ثابت مستقر منضبط, لا يخضع للعشوائية ولا الاحتمالية, فالله جل شأنه لا يلعب النرد, وان نفي العلية يعني الفوضى, وان تأويلكم هذا سيحدث زلزالا مدمرا في العلوم والمفاهيم والنظريات القديمة والحديثة, وان عجزكم عن فهم خصائص الجزيئات الصغيرة في الذرة يعبر عن قصور عقولكم عن فهم عوالمها وألغازها))). .
لقد استدل العلماء بالدليل القاطع على إن التوازنات الدقيقة لأصغر الأجسام في الكون تعكس صورة التصميم الدقيق لكل المخلوقات المادية والحيوانية, ومن غير المعقول إن يحدث ذلك كله بالمصادفة, فالذرة الصغير ومكوناتها المتناهية في الصغر هي الدليل على إتقان الخلق اتقاناً يدل على إن الخالق المبدع يتصف بصفات الكمال. .
لقد رسم زعماء الربيع الأوربي ملامح الطريق الصحيح نحو ارتقاء سلم المجد والتفوق, ونحو بناء القواعد الصناعية العملاقة, ونحو صياغة المناهج التربوية الصحيحة, والاعتماد عليها في إعداد الأجيال القادمة. .
دعونا الآن نستعرض أسماء العلماء الظاهرين في الصورة, ونبدأ بالصف الأول من اليسار بالعالم (لانغمور إيرفنغ Langmuir Irving) ويحمل الرقم (1), وهو عالم كيميائي أمريكي من مواليد 1881, حصل على جائزة نوبل عام 1932 في كيمياء السطوح, ويعود له الفضل باختراع المصباح ذي الشريط التنغستوني المملوء بالغاز الخامل, وهو أول من استعمل الهيدروجين الذري في اللحام, وله نظرية ذرية مسجلة باسمه بالاشتراك مع العالم (لويس Lewis), وابتكر طريقة لتصوير الفيروسات بواسطة الطبقة وحيدة الجزيئات, وكانت وفاته عام 1957. .
يأتي بعده في الصف الأول من اليسار العالم (ماكس بلانك Max Plank), ويحمل الرقم (2), وهو عالم ألماني من مواليد 1858 يعود له الفضل الأكبر في تأسيس نظرية الكم, ويعد من أشهر علماء القرن العشرين, وكانت وفاته عام 1947. .
تأتي بعده العالمة البولندية الأصل (مدام كوري Marie Sklodovska), وتحمل الرقم (3), وهي من مواليد 1867, عالمة في الفيزياء والكيمياء, اكتسبت الجنسية الفرنسية بعد زواجها من العالم (بيير كوري), تعد من رواد فيزياء الإشعاع, وأول من حصل على جائزة نوبل مرتين, مرة في الفيزياء ومرة في الكيمياء, وهي المرأة الأولى التي تحصل على هذه الجائزة, والأولى التي تحصل عليها في مجالين مختلفين, وكانت وفاتها رحمها الله عام 1934. .
يأتي بعدها العالم الهولندي (هندريك أنتون لورنتس Hendrek Antoon Lorentz), ويحمل الرقم (4), وهو من مواليد 1853, حصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1902 مع (بيتر زيمان), وهو أول من وضع معادلات التحويل التي اعتمد عليها آينشتاين في وصف الفراغ والزمن, وله اكتشافات كثيرة في المجال الكهرومغناطيسي, وكانت وفاته عام 1928. .
اما الشخص الخامس في التسلسل, والذي يجلس في المقدمة, ويتوسط الجميع, فهو الفيزيائي الألماني الفذ, والموسيقي المبدع, والرياضي اللامع, (ألبرت آينشتاين Albert Einstein), المولود في ألمانيا عام 1879, وهو أبو النظرية النسبية, حاز عام 1921 على جائزة نوبل في الفيزياء, وله بحوث كثيرة في ميكانيكا الكم, وتكافؤ المادة والطاقة, عرفه الناس بذكائه المفرط, حتى أصبحت كلمة (آينشتاين) مرادفة للعبقرية, كانت وفاته رحمه الله في أمريكا عام 1955. .
ويجلس إلى يساره العالم الفيزيائي (بيير لانغفن Pierre Langevin), ويحمل الرقم (6), ولد في فرنسا عام 1872, كان من خيرة العلماء الذين درسوا الموجات الصوتية, ويعود له الفضل باختراع أجهزة السونار. كانت وفاته في فرنسا عام 1946. .
يأتي بعده العالم الفيزيائي السويسري (تشارلس يوجين جاي Charles Eugene Guye), ويحمل الرقم (7), ولد عام 1866, كان ألبرت آينشتاين من الذين تتلمذوا على يده, تخصص في الفيزياء الذرية, وله فيها أكثر من 200 ورقة بحثية, ذاع صيته بين الناس بعد أن اثبت مختبريا بأنه لا وجود للصدفة في خلق الطبيعة, وان الله وحده هو الخالق المبدع المدبر, كانت وفاته عام 1942. .
يأتي بعده العالم الاسكتلندي (تشارلس توماس ريس ويلسون C.T.R. Wilson) ويحمل الرقم (8), ولد عام 1869, وحصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1927 لاختراعه الغرفة الغيمية, وكانت وفاته عام 1959. .
اما الجالس في طرف الصورة ويحمل الرقم (9) فهو العالم الفيزيائي الانجليزي البارع (أوين وليانز ريتشاردسون Owen W. Richardson), ولد عام 1879, وكانت وفاته عام 1959, وحصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1928 لنجاحه في صياغة قانون الانبعاث الحراري. .
ثم نتعرف على الجالسين في الصف الثاني, ونبدأ من اليسار بالتسلسل رقم (10), وهو العالم (بيتر ديبي Peter Debye), المولود في هولندا عام 1884, والحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1936, وكانت وفاته في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1966. .
ثم يأتي بعده العالم الدنماركي الكبير (مارتن كنودسن Martin Knodson), ويحمل الرقم (11), ولد عام 1871, ويعود له الفضل في صياغة ما يسمى برقم كنودسن, ويرمز له (Kn), وهو رقم لا بعدي يعرف على انه يمثل نسبة المجال الوسطي الحر للجزيئات إلى طول فيزيائي معين في الأوساط المائعة, وكانت وفاته عام 1949. .
ويجلس إلى جانبه العالم الاسترالي (وليم لورنس براغ W. Lawrence Bragg), ويحمل الرقم (12), وهو مولود عام 1890, وحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1915 بالاشتراك مع (وليم هنري براغ), وكانت وفاته عام 1971. .
يأتي بعده العالم الفيزيائي الهولندي (هانز كرامرز Hans Kramers), ويحمل الرقم (13), وهو من مواليد عام 1894, وكانت وفاته عام 1952. .
ويجلس إلى جانبه العالم الانجليزي الشاب (Pual Direc), ويحمل الرقم (14) خلف آينشتاين تماماُ, وهو أصغر المشاركين سناً, ولد عام 1902, وكان عمره (25) عاما عندما شارك في المؤتمر, حصل على جائزة نوبل عام 1933 بالاشتراك مع العالم (إروين شرودنغر), لوضعه صياغات جديدة لنظرية الكم, وكانت وفاته في فلوريدا عام 1984. .
يليه عالم الفيزياء الأمريكي (آرثر كومبتون Arthur Compton), ويحمل الرقم (15), وهو من مواليد 1892, حصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1927 عن اكتشافه تأثير كومبتون, وكانت وفاته عام 1962. .
يليه العالم الفرنسي الكبير (الأمير لوي دي بروي Louise de Broglie), ويحمل الرقم (16), ولد عام 1892, وتخصص في الفيزياء وبرع فيها, وكان من المقربين لآينشتاين, حصل عام 1929 على جائزة نوبل في الفيزياء, وتولى منصب سكرتير الأكاديمية الفرنسية للعلوم, ساهم في تطوير نظرية الكم, واخترع المجهر الالكتروني, وكانت وفاته عام 1987. .
يأتي بعده العالم الألماني (ماكس بورن Max Born), ويحمل الرقم (17), ولد عام 1882, وحصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1954 عن ميكانيكا الكم, كانت وفاته عام 1970. .
ثم يأتي بعده غريم آينشتاين وهو العالم (نيلز بور Niels Bohr), ويحمل الرقم (18), وهو من المنادين بقبول الطبيعة الاحتمالية في تفسير نظرية الكم, وكانت وفاته عام 1962. .
أما الذين يقفون في الصف الثالث, فهم من اليسار: العالم الفيزيائي السويسري (أوغست بيكر Augeste Piccard), ويحمل الرقم (19), ولد عام 1884, وهو أول من اكتشف طبقة الستراتوسفير في الغلاف الجوي, وصمم أول غواصة لسبر الأعماق السحيقة في البحار والمحيطات, توفي هذا العالم الكبير عام 1962, وخلف وراءه كل مفيد للبشرية من اختراعاته المتنوعة كالمناطيد والغواصات, والمعادلات الفيزيائية التي أنارت الطريق للأجيال القادمة. .
اما العالم الذي يحمل الرقم (20) فهو الكيميائي الفرنسي (إيميل هنريوت Emile Henriot), ولد عام 1885, وهو من تلاميذ مدام كوري, ويعود له الفضل في تطوير المجهر الالكتروني, وكانت وفاته عام 1961. .
ثم يقف إلى جانبه العالم النمساوي (بول اهرنفست Paul Ehrenfest), الذي يحمل الرقم (21), ولد عام 1880, وتوفى عام 1933, لكنه وعلى الرغم من صغر سنه كان من أشهر علماء الفيزياء في عصره. .
ويقف إلى جانبه العالم البلجيكي (إدوارد هيرزن Edouard Herzen), الذي يحمل الرقم (22), وهو من مواليد عام 1877, تخصص في الكيمياء الفيزياوية, وهو حفيد الكاتب الروسي (الكسندر هيرزن), تبوأ أرقى المناصب العلمية عام 1921, وتوفي عام 1933. .
ويقف إلى جانبه عالم الرياضيات البلجيكي (ثيوفيل دي دوندور Theophile de Donder), ويحمل الرقم (23), ولد عام 1872, اشتق عام 1923 بعض الصيغ الرياضية للتفاعلات الكيماوية, وتوفي عام 1957. .
ويقف إلى جانبه عالم الفيزياء النمساوي (إروين شرودنغر Erwin Shrodenger), ويحمل الرقم (24), ولد 1887 وتوفي عام 1961, وهو معروف بإسهاماته في ميكانيكا الكم, وبخاصة معادلة (شرودنغر), التي حاز من أجلها على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1933, اشتهر بوضع صيغ رياضية لوصف سلوك الالكترونات في تركيبة الذرة. .
ويقف إلى جانبه العالم البلجيكي (يوليوس إيميل فيرشافلت Jules Emile Vershafelt), ويحمل الرقم (25), ولد عام 1870, وتوفي عام 1955, وكان من أشهر علماء الفيزياء في عصره. .
ثم يأتي من بعده العالم النمساوي (فولفغانغ باولي Wolfgang Pauli), ويحمل الرقم (26), ولد عام 1900, وتوفي عام 1958, لكنه كان من أشهر علماء الفيزياء, وحاز على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1945, واسهم إسهاما فاعلا في تطوير نظرية الكم. .
ويقف إلى جانبه العالم الألماني (فيرنر هليزنبيرغ Werner Heisenberg), ويحمل الرقم (27), ولد عام 1901, وتوفي عام 1976, حاز على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1932, واكتشف أهم مبادئ الفيزياء الحديثة, وهو مبدأ عدم التأكد, أو عدم اليقين, الذي أعلنه عام 1927. وانصبت اهتماماته المختبرية على دراسة سلوك أشعة غاما. .
ويقف إلى جانبه العالم البريطاني (رالف هاورد فاولر Ralph Howard), ويحمل الرقم (28), ولد عام 1889, وتوفي عام 1944, وكان بارعا في الفيزياء والفلك. .
ويقف في الطرف الأخير من الصف الثالث العالم الفرنسي الكبير (ليون نيكولاس بريلوين Leon Brillouin), الذي يحمل الرقم (29), ولد عام 1889, وانتقل إلى رحمة الله عام 1969, ينحدر من عائلة توارثت علم الفيزياء جيل بعد جيل, وكان من أشهر الفيزيائيين في منتصف القرن الماضي. .
لقد حصل المشاركون في الربيع الأوربي على أكثر من سبعة عشر جائزة نوبل, وعشرات الجوائز العلمية والأوسمة الرفيعة, وتركوا للأجيال اللاحقة كنوزا علمية زاخرة بالمفاهيم العلمية الجديدة, التي منحتهم القدرة على النهوض بالمراحل المستقبلية المثقلة بالمهمات الصعبة. .
كان أكبر المشاركين في انتفاضة الربيع الأوربي العالم الهولندي (هندريك أنتون لورنتس), الذي انتقل إلى جوار ربه بعد عام واحد (1928) من انعقاد المؤتمر, أما اصغر المشاركين في الربيع فهو العالم الانجليزي الشاب (Pual Direc), وكان آخر الراحلين منهم, إذ وافته المنية عام 1984, بعد ثماني عقود حافلة بالانجازات العلمية الباهرة, نال على أثرها جائزة نوبل بالفيزياء. .
كانوا قدوة حسنة قادوا أحفاد القارة العجوز نحو المجد, وكانوا نخبة منتخبة من العلماء الأعلام شيدوا الأسس الرصينة لقيام النهضة الصناعية الحديثة, التي منحتهم القوة في مواجهة أصعب التحديات, لم يشغلوا أنفسهم مثلنا بالمهاترات والصراعات الطائفية العقيمة, ولم يتفننوا بصناعة الموت, ولم يغرقوا في مستنقعات الحقد والكراهية. كرسوا حياتهم كلها من اجل تحقيق المنافع العامة لأوطانهم, وافنوا أعمارها في ميادين الإبداع والتفوق. كان لهم الفضل الكبير على كل القارات بما تركوه من تراث علمي وضعوه في خدمة الجنس البشري. .
بعد هذه الانجازات الرائعة والقفزات العلمية الهائلة يأتيك احد المتحجرين من المنظمات المتطرفة الغارقة في الجهل والتخلف ليهمس في إذنك, ويخبرك إن هؤلاء الذين خدموا الإنسانية سيذهبون كلهم إلى النار, لأنهم............؟؟؟؟؟؟؟؟؟. .
كان هذا ملخصا للربيع الأوربي, الذي نهض به علماء تركوا بصماتهم على صفحات المقررات الدراسية لمدارس ومعاهد وكليات البلدان والمدن والقصبات في كوكب الأرض, ومن المفارقات العجيبة إن بعض الذين شاركوا (مع أو ضد) ثورات (الربيع العربي) كانوا من رجال الأمن وأصحاب السوابق, ولديهم سجلات ملوثة بدماء الأبرياء في أقبية مديريات الأمن وأجهزة المخابرات والاستخبارات ومراكز الشرطة. .
وهذا هو الفارق الكبير بين الرجال الذين شيدوا المستقبل وبين الرجال الذين شيدوا المعتقل. .