الجمعة، 2 ديسمبر 2011
قصيدة الحسين للشاعر المصري احمد بخيت
أَسْمَاُؤنَا الّصحراءُ واسْمُكَ أخْضَرُ
أرني جِراحَك كلّ جرحٍ بَيْدرُ
يا حِنطةَ الفقراءِ يا نبع الرضا
يا صوتَنا والصمتُ ذئبٌ أحمرُ
يا ذبحَ هاجر يا انتحابةَ مريمٍ
يا دمعَ فاطمةَ الذي يَتحَدّرُ
إيٍهٍ أبا الشهداءِ وابنَ شهيدِهم
وأخا الشهيدِ كأن يومَك أعْصُرُ
جسدٌ من الذِّكْرِ الحكيمِ أديمُهُ
درعٌ على الدينِ القويمِ ومِغْفَرُ
عارٍ وتكسوه الدماءُ مهابةً
لا غمدَ يحوي السيفَ ساعةَ يُشْهَرُ
الأنبياءُ المرسلونَ إزاءَهُ
"والروحُ والملأُ الملائِكُ " حُضَّرُ
ومحمدٌ يُرخِي عليهِ رداءَهُ
ويقول: يا وَلَدَاه فُزتَ وأُخْسِروا
يا أظمأ الأنهارِ قَبلكَ لمْ تكُنْ
تَروي ظَما الدنيا وتظمأُ أنْهُرُ
لولا قضاءُ الله أن تظما له
لسعى إليك من الجنانِ الكوثرُ
يا عاريَ الأنوارِ مسلوبَ الرِّدا
بالنورِ لا بالثَوبِ طُهْرُكَ يُسْتَرُ
يا داميَ الأوصالِ لا قَبْرٌ لهُ
أفْدِيكَ إِنِّ الشَّمْسَ ليستْ تُقْبَرُ
طُلاّبُ موتك يا اَبْنَ بِنْتِ محمدٍ
خَرَجوا من الصحراءِ ثم تصحّروا
وكأن خيل الله لم تركض بهم
والسامرين بمكة لم يسمروا
وكأن برقًا ما أضاء ظلامهم
فمشَوا تجاه النور ثم استدبروا
وكأنما ارتدوا على أعقابهم
فأبوك أنت وهم جميعا خيبرُ
أوَلم يشمُّوا فيك عطرالمصطفى
كذبوا فعطر المصطفى لا يُنكَرُ
كلُّ القصائدِ فيك أمٌّ ثاكلٌ
في حِجْرِها طفلُ النبوةِ يُنحرُ
عريانةٌ حتى الفؤادِ قصيدتي
والشِّعْرُ بَيْنَ يَدَيّ أَشْعَثُ أَغْبَرُ
قلْ ليْ بمن ذا يَعدِلونك والذي
فطرَ الخلائقَ شسعُ نعلِك أطهرُ
شتانَ ما بين الثريا والثرى
بُعْدًا ويختصرُ المسافةَ خنجرُ
لولا قضاء الله لارتد الردى
عن حُر وجهِك باكيًا يستغفرُ
وَلَرَدَّ ذؤبانَ الفلاةِ ليوثُها
واحتز حمزةُ في الرؤوسِ وجعفرُ
ولذاد عنك أخوك أشجع من مشي
-إلا أبوك وجدُك المدثرُ-
ولكان أول من يرد رؤوسَهُم
للشام يعسوبُ الحقائقِ حيدرُ
والله لو لمحوا اللواءَ بكفِّهِ
لرأوا وطيسَ الحربِ كيف يُسعَّرُ
هو مَنْ علمتَ ويعلمونَ بلاءَهُ
وهو الفتى النبويُّ لا يتغيرُ
تمشي الملاحمُ تحتَ مَضْربِ سيفهِ
ووراء ضربتهِ يلوحُ المحشرُ
لو حارب الدنيا بكلِّ جيوشِها
تتقهقرُ الدنيا ولا يتقهقرُ
يأتي زمانٌ لا نجومَ ليهتدوا
يأتي زمانٌ لا غيومَ ليمطروا
يأتي زمانٌ ليس يعلم تائهٌ
هل فيكَ أم في قاتليكَ سيحشرُ؟
يأتي زمانٌ والمودةُ غربةٌ
والكُرْهُ بلدتُنا التي نستعمرُ
يأتي زمانٌ كلُّ شيء ٍزائفٌ
حتى اللِّحى العمياءُ وهي تُبصِّرُ
يأتي زمانٌ وابنُ آدمَ خُبزُهُ
دينٌ يدينُ به وفيه يُكفَّرُ
يأتي زمانٌ والكرامة سُبَّة
والعار فرعون الذي يتجبر
يأتي زمانٌ والسقوطُ وجاهةٌ
والناسُ مرعًى والرعاة الشُّمَّرُ
يأتي زمانٌ كل شيء ضده
الليلُ يُشْمِسُ والظهيرةُ تُقْمِرُ
يأتي زمانٌ لا زمانَ لأهلهِ
إلا رجال الله وهي تبشِّرُ
يأتي زمانٌ فالسلام على الذي
ذبحوه في الصحراء وهو يكبِّرُ
هذا ولائي يا ابن بنت محمد
أنت الشهادة والشهيد الأكبرُ
يدُ أُخْتِكَ الحَوراءِِ مسَّت جبهتي
فدماي تكبيرٌ وصوتي "المنبرُ"
كفي على جمرِ المودةِ قابضٌ
ودمي بحبِكُمُ الطَّهورِ مطهَّرُ
بايعت عن نجباءِ مصرَ جميعِهم
وأنا ابنُ وادي النيل واسْمي الأزهرُ
( يالشايل محبتك سر -الشاعر سعد الشريفي
( يالشايل محبتك سر )
الى صديقي الشاعر الراحل المناضل علي الشباني
عاش بريئا ، ومات بريئا ، لأن البريء شاعر
الشاعر سعد الشريفي
يا وجه الصبح .. والسهر .. والصفنات
والغبشه التكعد الناس
ودروب ( الديوانيه ) ونهرها والمواوويل
يا حزن السنين
النايم أبكل عين من عيون أهلنا
يا ضحكة طفل غافي أبضوه معرسات
يا لشايل محبتك تفتر أعله الناس
غص بيك الفرح مرات
( علي ) ...
يا دمعة حزن تعبان بيها الليل
ما كعد مشط غافي أبشعر حلوات
ولا جاور وخاوه الذيب
ولا غش أبسلامه ونام عالظيم
هايم طول عمره أيغني عالأسرار
راد أيفك لغزهن
لكه حتى اللغز أسرار
سافر والدموع أسرار
سافر والحنين أسرار
سافر والفرح منه أخذ شتلات للطيبين
ما ميت حنينك يا ( علي )
غافي أبسواد العين
ظل صافي حنينك يا ( علي )
لتراب المحبين
----------------
الأحد، 27 نوفمبر 2011
وماذا بعد الانسحاب 00 الامريكي من العراق-الباحث رياض البياتي
وماذا بعد الانسحاب 00 الامريكي من العراق
غادرت معظم القوات الامريكيه العراق ومن المفترض إن يكتمل انسحاب باقي القوات فئ نهاية هذا العام هذا ما أكده الرئيس أوباما لرئيس الوزراء العراقي في نهاية شهر اكتوبر 0 لقد تم الأمر تنفيذا لاتفاقيه الآطار الاستراتيجي التي عقدت بين العراق والولايات المتحدة وكان من المفترض إن العراق قد امتلك الحد الأدنى من القدرات التي تمكنه من الدفاع عن نفسه ضد اى تهديد خارجي أو داخلي ولكن التصريحات المربكة والمتناقضة التي أطلقها المسئولين العراقيين حول جاهزيه القوات العراقية كانت سياسية أكثر مما هي مهنيه فالقوى السياسية التي كانت تزايد في تصريحاتها يبدوا أنها لم تستمع لرئيس الأركان العراقي وهو يحذر من عدم جاهزيه القوات العراقية وان هناك حاجة لابقاء قوات امريكية وخصوصا قوات جوية وبحرية و جهد استخباراتي ويفترض إن الرجل هو المرجع الذي يعتمد علية للقرار على أبقاء أو رفض تواجد قوات أمريكية بعد العام 2012 لكن من المنطقي إن نسأل لماذا لم تصل القوات العراقية للمستوى الذي يؤهلها للنهوض بواجباتها رغم ألاموال الطائلة التي أنفقت والدعم الأمريكي المفترض 0ان السادة الذين تحدثوا عن الحاجة لأبقأء قوات أمريكية هم الذين تصدوا ومنذ سقوط النظام لأعادة تأهيل القوات المسلحة العراقية ويبدوا انهم فشلوا في تنفيذ هذا الأمر وهذا طبيعي نظرا لانعدام الخبرة والتأهيل 0 ان المعضلة الكبرى التي سوف تواجه العراق هي فقدان الدعم الجوى الامريكي مع فقدان كامل للقدرة الجوية العراقية التي دمرت خلال العقدين الماضيين إن ما سلم من القدرات الجوية من العام1991 تم نهبه من قبل جهات متخصصة تدرك قيمة المعدات التي تم نهبها إن طائرات الهيوز التي كانت تستخدم من قبل شركة بلاك ووتر لاغراض الحماية كانت على ألارجح طائرات عراقية كانت تستخدم لاغراض تدريب طياري طيران الجيش 000000000 وهنا سوف أتحدث بلغة المتخصص في القدرة الجوية العراقية خبرة استمرت لاكثر من ثلاثة عقود أنتجت خيرة طياري وضباط الركن الجويين خصوصا وساهمت بتدريب ضباط الركن البريين والبحريين وعندما أتحدث ارجوا إن لا يفهم الأمر وكأني ادعوا لبقاء القوات الامريكيه بل أني اعتقد إن مغادرة القوات الامريكيه للعراق يخدم العراق والولايات المتحدة0 إن انسحاب الأمريكان سوف يجعل العراق مكشوفا وبشكل كامل فلا سيطرة للعراق على مجاله الجوي فهو لا يمتلك إي من وسائل الدفاع الجوي سواء الفعال منها أو السلبي وحتى إن امتلك رادارات للسيطرة على السابلة الجوية المدنية وهذا ما يفترض وجوده مع وجود طيران مدني والتي يمكن إن ترصد النشاطات الجوية غير المصرح بها فهذا لا يعني شيئا بل هو توريط للحكومة العراقية بأمور لا تستطيع إن تتعامل معها فالدفاع الجوي هو وحدة متكاملة فمرحلة الكشف تعقبها مرحلة المعالجة ولا قيمة لأي مرحلة بدون الاخرى فهما متلازمان وهذا لا يعنى إن من الضروري استخدام القوة مع الاهداف غير المصرح عنها التي تخترق الاجواء العراقية بل يجب التعرف على هذه الاهداف اولا لكي يتم التعامل مع مصادرها إن عرفت لاحقا سواء عبر القنوات الدبلوماسية أو غيرها إن من الواضح إن المجال الجوي العراقي سوف يكون مفتوحا لكل دول الجوار وأسرائيل بالخصوص التي تمتلك الامكانيات الفنية للوصول الي اى نقطة داخل العراق وهنا لا أذيع سرا إن اسرائيل رغم الامكانيات الضخمة التي كان يمتلكها العراق في هذا المجال في الثمانينات استمرت بعمليات استطلاع0 جوي للعراق بشكل منتظم وكانت تصل الي الضفة الغربية لنهر الفرات وقد تكبد العراق عددا من الخسائر نتيجة للاشتباكات التي حصلت حيث سقطت احدا الطائرات العراقية داخل الاراضي السعودية التي لا يعقل أنها لا تعلم بهذه العمليات حيث إن طائرات ألانذار والسيطرة المحمولة جوا (AWACS )كانت تكشف كامل المجال الجوي العراقي 0 نحن لا نعرف ماذا جرى في المجال الجوى العراقي خلال السنوات المنصرمة ولكن حديث قائد القوة الجوية الامريكيه في العراق عند تسليم قاعدة بلد للجانب العراقي والذي ذكر فيه إن هذه القاعدة كانت تنفذ 2600 طلعة يوميا يوضح حجم الجهد الجوي الامريكي المستخدم في العراق وأذا افترضنا إن الأمريكان كانوا يوجهون خمسة بألمئه من هذا الجهد لمكافحة الإرهاب سواء كأسناد ناري مباشر أو استطلاع فان فقدان هذا الجهد سوف يودي إلا خلل كبير في عملية مكافحة الارهاب0اننا سوف نفترض إن ما تمكنت الولايات المتحدة من الحصول علية من معلومات تتعلق بإيران قد جرى تمريرها فعلا الي اسرائيل وليس من المستغرب إن يساهم طيارين من اسرائيل بعمليات استطلاع من هذه القاعدة والتي هي اقرب القواعد العراقية الى أيران و أذا كانت عملية قصف المنشاة الإيرانية الذرية تمثل تحديا كبيرا للمخطط الاسرائيلي فأن الانسحاب الأمريكي سوف يسهل من هذه المهمة بشكل كبير و أذا كان انتشار الاهداف الذرية الإيرانية معضلة كبيرة فعلا الأقل إن الاهداف التي تقع الي شرق العراق وشمال إيران سوف تكون اهداف سهلة نسبيا وبمخاطر محدودة و من الواضح إن القوة الجوية الإيرانية لا تمتلك لا الطائرات ولا شبكات دفاع جوي حديثة قادرة على التصدي لطائرات ف 22 الحديثة التي تمتلكها اسرائيل ناهيك عن السيطرة على المجال الجوي العراقي المفتوح والمتاح للجميع 0ان الحديث عن الانتصار الإيراني الذي اجبر الأمريكان على الخروج من العراق قد يصبح كارثة كبيرة لن تنحصر تداعياتها بالضربة نفسها بل ما يعقب الضربة ولن يكون العراق بمنجى من هذه التداعيات لقد كانت القوات البرية للولايات المتحدة في العراق ضمانة كبيرة لايران حيث إن الرد الإيراني سوف يستهدف هذه القوات بكل الوسائل المتاحة وهو ما كانت تخشاه الولايات المتحدة أن إيران تمتلك خيارات متنوعة على الساحة العراقية يمكن ا ن تكبد الولايات المتحدة خسائر كبيرة قد لا يقبلها الشارع الامريكي إن هذا ما كان يدفع الولايات المتحدة للضغط على إسرائيل للتوقف عن قصف المنشأة الذرية الإيرانية 0ان الانسحاب من العراق لم يترك المجال الجوي مفتوحا فقط بل ترك القوات البرية العراقية بدون الدعم الناري الاضطراري الكثيف الذي قد تحتاجه العمليات البرية رغم إن تكتيكات القاعدة التي تتخذ من المدن العراقية ساحة لعملياتها حاليا قد يجعل هذه الحاجة محدودة ولكن القاعدة أنما لجأت للعمل داخل المدن العراقية تجنبا للقدرات الجوية الامريكيه التي لا تمتلك الأدوات اللازمة لمواجهتها وعند زوال هذا الخطر من المحتمل إن تعود لاستخدامه مرة أخرى مما يوسع من مساحة العمليات العسكرية0 إن عمليات مكافحة التسلل و استطلاع الحدود سوف تتأثر بشكل كبير مما يسمح لمزيد من الانفلات على الحدود المشتركة وخصوصا الحدود السورية التي تنشغل ألان بهم داخلي كبير 0 أما في الجانب البحري من الواضح إن القوة البحرية لا تمتلك القدرات التي تمتلكها دول الجوار والتحدي ألان بدون الدعم الامريكي المباشر هل تستطيع هذه القوة من التعامل مع عمليات القرصنة واستهداف منشأة تحميل النفط العراقي إن تصدير النفط هو شريان الحياة بالنسبة للعراق 0 كان يمكن إن تحل الكثير من هذه ألاشكالات لو أديرت عملية تأهيل القوة الجوية العراقية من قبل عناصر محترفة غير مسيسه وكان يمكن لهذه القوة إن تؤمن الدعم الازم للقوات البرية والبحرية ولا نتفت الحاجة للقوات الجوية الامريكيه في هذا الجانب إن السلاح الجوي0 هو القادر على تامين الدعم السريع والنيران الكثيفة للسلاح البري والبحري 0ان الصورة تبدوا قاتمة جدا والسؤال لماذا انصرمت ثمانية أعوام منذ سقوط النظام السابق ولم تتخذ الخطوات اللازمة لملأ الفراغ الأمني الذي يحصل أليس هذا استخفاف بسلامة العراق وابنائة0
غادرت معظم القوات الامريكيه العراق ومن المفترض إن يكتمل انسحاب باقي القوات فئ نهاية هذا العام هذا ما أكده الرئيس أوباما لرئيس الوزراء العراقي في نهاية شهر اكتوبر 0 لقد تم الأمر تنفيذا لاتفاقيه الآطار الاستراتيجي التي عقدت بين العراق والولايات المتحدة وكان من المفترض إن العراق قد امتلك الحد الأدنى من القدرات التي تمكنه من الدفاع عن نفسه ضد اى تهديد خارجي أو داخلي ولكن التصريحات المربكة والمتناقضة التي أطلقها المسئولين العراقيين حول جاهزيه القوات العراقية كانت سياسية أكثر مما هي مهنيه فالقوى السياسية التي كانت تزايد في تصريحاتها يبدوا أنها لم تستمع لرئيس الأركان العراقي وهو يحذر من عدم جاهزيه القوات العراقية وان هناك حاجة لابقاء قوات امريكية وخصوصا قوات جوية وبحرية و جهد استخباراتي ويفترض إن الرجل هو المرجع الذي يعتمد علية للقرار على أبقاء أو رفض تواجد قوات أمريكية بعد العام 2012 لكن من المنطقي إن نسأل لماذا لم تصل القوات العراقية للمستوى الذي يؤهلها للنهوض بواجباتها رغم ألاموال الطائلة التي أنفقت والدعم الأمريكي المفترض 0ان السادة الذين تحدثوا عن الحاجة لأبقأء قوات أمريكية هم الذين تصدوا ومنذ سقوط النظام لأعادة تأهيل القوات المسلحة العراقية ويبدوا انهم فشلوا في تنفيذ هذا الأمر وهذا طبيعي نظرا لانعدام الخبرة والتأهيل 0 ان المعضلة الكبرى التي سوف تواجه العراق هي فقدان الدعم الجوى الامريكي مع فقدان كامل للقدرة الجوية العراقية التي دمرت خلال العقدين الماضيين إن ما سلم من القدرات الجوية من العام1991 تم نهبه من قبل جهات متخصصة تدرك قيمة المعدات التي تم نهبها إن طائرات الهيوز التي كانت تستخدم من قبل شركة بلاك ووتر لاغراض الحماية كانت على ألارجح طائرات عراقية كانت تستخدم لاغراض تدريب طياري طيران الجيش 000000000 وهنا سوف أتحدث بلغة المتخصص في القدرة الجوية العراقية خبرة استمرت لاكثر من ثلاثة عقود أنتجت خيرة طياري وضباط الركن الجويين خصوصا وساهمت بتدريب ضباط الركن البريين والبحريين وعندما أتحدث ارجوا إن لا يفهم الأمر وكأني ادعوا لبقاء القوات الامريكيه بل أني اعتقد إن مغادرة القوات الامريكيه للعراق يخدم العراق والولايات المتحدة0 إن انسحاب الأمريكان سوف يجعل العراق مكشوفا وبشكل كامل فلا سيطرة للعراق على مجاله الجوي فهو لا يمتلك إي من وسائل الدفاع الجوي سواء الفعال منها أو السلبي وحتى إن امتلك رادارات للسيطرة على السابلة الجوية المدنية وهذا ما يفترض وجوده مع وجود طيران مدني والتي يمكن إن ترصد النشاطات الجوية غير المصرح بها فهذا لا يعني شيئا بل هو توريط للحكومة العراقية بأمور لا تستطيع إن تتعامل معها فالدفاع الجوي هو وحدة متكاملة فمرحلة الكشف تعقبها مرحلة المعالجة ولا قيمة لأي مرحلة بدون الاخرى فهما متلازمان وهذا لا يعنى إن من الضروري استخدام القوة مع الاهداف غير المصرح عنها التي تخترق الاجواء العراقية بل يجب التعرف على هذه الاهداف اولا لكي يتم التعامل مع مصادرها إن عرفت لاحقا سواء عبر القنوات الدبلوماسية أو غيرها إن من الواضح إن المجال الجوي العراقي سوف يكون مفتوحا لكل دول الجوار وأسرائيل بالخصوص التي تمتلك الامكانيات الفنية للوصول الي اى نقطة داخل العراق وهنا لا أذيع سرا إن اسرائيل رغم الامكانيات الضخمة التي كان يمتلكها العراق في هذا المجال في الثمانينات استمرت بعمليات استطلاع0 جوي للعراق بشكل منتظم وكانت تصل الي الضفة الغربية لنهر الفرات وقد تكبد العراق عددا من الخسائر نتيجة للاشتباكات التي حصلت حيث سقطت احدا الطائرات العراقية داخل الاراضي السعودية التي لا يعقل أنها لا تعلم بهذه العمليات حيث إن طائرات ألانذار والسيطرة المحمولة جوا (AWACS )كانت تكشف كامل المجال الجوي العراقي 0 نحن لا نعرف ماذا جرى في المجال الجوى العراقي خلال السنوات المنصرمة ولكن حديث قائد القوة الجوية الامريكيه في العراق عند تسليم قاعدة بلد للجانب العراقي والذي ذكر فيه إن هذه القاعدة كانت تنفذ 2600 طلعة يوميا يوضح حجم الجهد الجوي الامريكي المستخدم في العراق وأذا افترضنا إن الأمريكان كانوا يوجهون خمسة بألمئه من هذا الجهد لمكافحة الإرهاب سواء كأسناد ناري مباشر أو استطلاع فان فقدان هذا الجهد سوف يودي إلا خلل كبير في عملية مكافحة الارهاب0اننا سوف نفترض إن ما تمكنت الولايات المتحدة من الحصول علية من معلومات تتعلق بإيران قد جرى تمريرها فعلا الي اسرائيل وليس من المستغرب إن يساهم طيارين من اسرائيل بعمليات استطلاع من هذه القاعدة والتي هي اقرب القواعد العراقية الى أيران و أذا كانت عملية قصف المنشاة الإيرانية الذرية تمثل تحديا كبيرا للمخطط الاسرائيلي فأن الانسحاب الأمريكي سوف يسهل من هذه المهمة بشكل كبير و أذا كان انتشار الاهداف الذرية الإيرانية معضلة كبيرة فعلا الأقل إن الاهداف التي تقع الي شرق العراق وشمال إيران سوف تكون اهداف سهلة نسبيا وبمخاطر محدودة و من الواضح إن القوة الجوية الإيرانية لا تمتلك لا الطائرات ولا شبكات دفاع جوي حديثة قادرة على التصدي لطائرات ف 22 الحديثة التي تمتلكها اسرائيل ناهيك عن السيطرة على المجال الجوي العراقي المفتوح والمتاح للجميع 0ان الحديث عن الانتصار الإيراني الذي اجبر الأمريكان على الخروج من العراق قد يصبح كارثة كبيرة لن تنحصر تداعياتها بالضربة نفسها بل ما يعقب الضربة ولن يكون العراق بمنجى من هذه التداعيات لقد كانت القوات البرية للولايات المتحدة في العراق ضمانة كبيرة لايران حيث إن الرد الإيراني سوف يستهدف هذه القوات بكل الوسائل المتاحة وهو ما كانت تخشاه الولايات المتحدة أن إيران تمتلك خيارات متنوعة على الساحة العراقية يمكن ا ن تكبد الولايات المتحدة خسائر كبيرة قد لا يقبلها الشارع الامريكي إن هذا ما كان يدفع الولايات المتحدة للضغط على إسرائيل للتوقف عن قصف المنشأة الذرية الإيرانية 0ان الانسحاب من العراق لم يترك المجال الجوي مفتوحا فقط بل ترك القوات البرية العراقية بدون الدعم الناري الاضطراري الكثيف الذي قد تحتاجه العمليات البرية رغم إن تكتيكات القاعدة التي تتخذ من المدن العراقية ساحة لعملياتها حاليا قد يجعل هذه الحاجة محدودة ولكن القاعدة أنما لجأت للعمل داخل المدن العراقية تجنبا للقدرات الجوية الامريكيه التي لا تمتلك الأدوات اللازمة لمواجهتها وعند زوال هذا الخطر من المحتمل إن تعود لاستخدامه مرة أخرى مما يوسع من مساحة العمليات العسكرية0 إن عمليات مكافحة التسلل و استطلاع الحدود سوف تتأثر بشكل كبير مما يسمح لمزيد من الانفلات على الحدود المشتركة وخصوصا الحدود السورية التي تنشغل ألان بهم داخلي كبير 0 أما في الجانب البحري من الواضح إن القوة البحرية لا تمتلك القدرات التي تمتلكها دول الجوار والتحدي ألان بدون الدعم الامريكي المباشر هل تستطيع هذه القوة من التعامل مع عمليات القرصنة واستهداف منشأة تحميل النفط العراقي إن تصدير النفط هو شريان الحياة بالنسبة للعراق 0 كان يمكن إن تحل الكثير من هذه ألاشكالات لو أديرت عملية تأهيل القوة الجوية العراقية من قبل عناصر محترفة غير مسيسه وكان يمكن لهذه القوة إن تؤمن الدعم الازم للقوات البرية والبحرية ولا نتفت الحاجة للقوات الجوية الامريكيه في هذا الجانب إن السلاح الجوي0 هو القادر على تامين الدعم السريع والنيران الكثيفة للسلاح البري والبحري 0ان الصورة تبدوا قاتمة جدا والسؤال لماذا انصرمت ثمانية أعوام منذ سقوط النظام السابق ولم تتخذ الخطوات اللازمة لملأ الفراغ الأمني الذي يحصل أليس هذا استخفاف بسلامة العراق وابنائة0
السبت، 26 نوفمبر 2011
أختام عراقية معاصرة-عادل كامل/ الختم الخامس
أختام عراقية معاصرة
عادل كامل/ الختم الخامس
[1] التتابع: ابعد من الغياب أو الحضور تاما ً
لا أريد لبصري، وربما لأصابعي، أو باقي حواسي، ان تغادر أداة السومري في الحفر فوق الطين، فأنا ابني بالكلمات مأواي، كما يبني الطائر عشه: الم ْ يلمح باشلار إلى ذلك كعلاقة بين قلب الطائر وعشه: المكان كقلب وقد غدا شعرا ً! فانا أكاد اسمع كلماتي تغادر (ما قبل) ماضيها كي تأخذني معها إلى (ما بعد) موتي. أليس هذا ـ ولا اعرف لماذا تذكرت الشاعر سامي مهدي ـ مقاربة لتعريف الشعر: ان ننتقل من المجهول ـ بزوالنا ـ إلى ما بعد الكلمات، لغزا ً يذهب ابعد من حضوره ـ وابعد من غيابه! سر وجود كائنات وجدت مصيرها لا علاقة له بما شغلها: لا بالحواس ولا بالعقل ولا بمخفياتهما أيضا ً، إنما بعلاقة لا غياب فيها وقد أصبح الحضور تاما ً.
وها أنا اترك أصابعي تعمل كي أتتبع عثراتها، وتوقفاتها، وما تريد ان تقول.. لكنني اعرف ان الفن ليس اختيارا ً خالصا ً، أو لعبا ً حرا ً، كأنه من غير علة، أو قد عزل عن مكوناته، مثلما أدركت منذ زمن بعيد ان الحرية، كي تحافظ على ما فيها من سر، فإنها الضرورة وقد غادرت قيودها: حرية لا تذهب ابعد من هذه القيود، ولكنها ستمنح هذه القيود تاريخ الإنسان: مجده وعبثه، رمزيته وعدمه، عناده وتلاشيه.
[2] أدور، بمعنى: أتسمر!
ها أنا أدور، كالسومري الذي تحدث عن الدورات: دورة الفرد، دورة السلطة، ودورة الأرض، ودورة الكون، الأمر الذي سمح له ان يجد دافعا ً إلى: الكتابة/ الفن/ الحكمة. ومع أنني لا اعرف ـ إلا عبر الآثار ـ ذلك الزمن السحيق، لكني أكاد أعيد سكني عند ضفاف الفرات، وأنا أعيد قراءة شريعة أور نمو، بين كائنات استبعدت العنف عن حياتها، فلم تدع الراعي يسفك دم المزارع، كما في قابيل وهابيل في النص التوراتي، بل صاغت مفهوما ً تكامليا ً سنجد أصداءه في ديانات الهند، والصين القديمتين؛ وهي الذروة ذاتها التي بلغتها ملحمة جلجامش: الخالد ليس من لا يموت، بل الذي يمتلك قدرة ان يمتد صانعا مصيره، كأقدم قانون للمصالحة بين السماء والأرض، وعمليا ً، لا نستطيع إغفال العلاقة بين من تراكمت الثروات عنده، وبين من سلبت منه. ففي بنود الشريعة ان الإنسان لا يمتلك إلا ان يحافظ على المسافة النائية بين من في الأعالي وبين من صنع من الطين.
أدور، بمعنى، أتسمر! فانا مثل المسمار (إشارة إلى تماثيل الأسس) أجد أنني لم اعد معزولا ً ـ وأنا أؤدي عمل الحرية كضرورة، وأؤدي دور الضرورة عندما لا تكون الحرية وهما ً، فالمسمار ما هو إلا علاقة إقامة. انه إشارة لمفتاح بين اللاحافات ـ وحافتي: إقامتي. وهنا أجد العالم وقد تحول الى بستان، فاستعيد نسق الاسطورة في صياغة تدريباتي، لا بصفتها تسلية، ولا بصفتها عقارا ً، ولا بصفتها عبثا ُ، او ما شابه ذلك، بل واجبا ً مضادا ً للواجب: قهرا ً للقهر. ففي الفن ـ أجد أني أؤدي دور المسمار، لا دور الريح أو الزمن، فالأول علاقة، والثاني(الريح أو الزمن) امتداد عبر فواصل. ذلك لأن المسمار ذروة عمل: انه كد الإنسان وكلمته.
[3]المسمار ـ ابعد من الدفن
وربما كان للصليب، قبل ثمانية آلاف عام، المنقوش والمحفور والمرسوم فوق فخاريات أعالي الفرات، وجنوبه، إشارة لضرب من الصلح اثر اشتباكات أو تصادمات. فالصليب سيأخذ الشعار الذي اختاره (هتلر) (وكأنه فعل ذلك بوحي من نيتشه)، شبيها ً بالصليب المعقوف المرسوم فوق سطوح فخاريات أعالي الفرات: لأنه رمز إلى مركزية السلطة، وحدودها. فالسلطة هي حصيلة ما لا يحصى من الكد، حد الحرب، وهنا يلتقي قصد هتلر ويفارق: فهو شعار سلطة تحكم الجهات أربع، وعند هتلر، يتكرر القصد، ولكن في عالم يصعب حكمه خارج ديمومة الاشتباك.
إلا أنني أجد المسمار ـ الصليب ـ من جانب الرأي العام إلى الخاص، كي يتشكل عبر الدفن. فالميت مسمار، هو الآخر، وشغف الأحياء بموتاهم لن يفقد دوره أو حضوره. فالذاكرة لم تصبح مستقبلا ً معزولا ً عن مقدماتها/ جذورها. وهنا يأخذ القبر محتوى وشكل المسمار ـ الصليب أيضا ً: انه البذرة التي يتحتم ان تدفن، كي تنبت، كتأويل لأقدم آلية قتل لا واعية للإله ديموزي. فلو لم تقم (إنانا) ـ في لا وعيها ـ بإنزال حبيبها إلى العالم السفلي الذي لا عودة منه، لأصبح وجوده صنو الريح!
وليس لزمن قصير مكث سكان وادي الرافدين يندبون مأساة ديموزي، بقتل البطل ـ أي دفن البذرة ـ فسيتكرر الفعل ـ ضمن دورة وجود الإنسان ـ لتمنح الانتظار، بعد ذلك، جدلية الديمومة ـ والامتداد. الم ْ يدون الحكيم السومري: ما من امرأة ولدت ابنا بريئا ً قط! حتى أصبحت الأخيرة رمزا ً للأفعى، ورمزا ً للشيطان. من ثم دخلت اللاوعي الجمعي، وقد جعل منها الحكيم (ماني) نشاطا ً مقترنا ً بالعتمة ـ العدم. وبمعنى ما: فالحياة مكثت تمتد، مثل عمل المسمار، لا يكتفي بالحفر، والنقش، بل لأنه سيذهب ابعد من الدفن.
[4] ما بعد/ وما قبل ومضات الغياب
فيشرد ذهني، في محاولة التأويل، حول منهجي في التفكير: هل ثمة برمجة صاغتها حتميتها، أم أنها وجدت بتعديلاتها، خارج عمل المشفرات الوراثية، وعمل الجينات..؟ أي ان المضاف، يتكّون بحسب السياق ذاته حتى لو قمت بدحضه! فالمصادفة لم تحدث من تلقاء ذاتها، كي تأخذ هذا النظام المشفر، من اللا مرئيات إلى الوعي، ومن الدماغ إلى المجرة، ومن اللا حافات إلى ما هو خارجها! أتذكر ـ في هذا الجزء من اللحظة ـ أن احد الفلاسفة الأتراك، وبلذّة متصوف، أو عاشق، أو فنان، قال ان الله يقع خارج هذا كله! ولا أرى انه أضاف حرفا ً ليعزز بديهة ان الخالق وحده ليس بحاجة إلى برهان. فهناك: واجب الوجود. لكن حدود عمل الوعي تصطدم، وتشتبك، في المحدود: الانشغال بالموت، والولادة. فالإنسان يأتي إلى الدنيا ـ بحسب المثل الصيني القديم ـ في الحزن ويموت فيه. على ان فرحا ً ما بالحياة وبالموت، له سياقه العنيد: حتميته ـ: العمل. ومرة أخرى لا تبدو اختياراتي خالية من الإثم! فانا بعملي الفت النظر ...، ثمة متراكمات، كنوز صغيرة لفتت نظر اللصوص! ومثلما لا اعرف كم فقدت، من أحلامي ومن ممتلكاتي المجهولة، جرحت، وبالحزن وحده ذهبت إلى روحي: كل هذا يأخذ موقعه في الأثير: غبار المجرات، والنجوم، والأثير الممتد بين لا حافات الفضاءات. فأصغي إلى صوت موتي: أيها الولد ـ أيها العجوز ـ انك لم تذق بعد ما بعد اللذّة! فعد راقب ومضات قلبك وهي تنسج بأصابعك هذا الختم: محو الفراغات. فلا تغضب، ولا تتذمر، وإلا من يطرق بالمطرقة فوق المسمار، وإلا من سيذهب من غير ظل، بعد ان فقد نوره، ويكمل تتمات اللغز، وإلا من يحتفل بالراحل، ومن يحتفل بالحبيب، وأنت ـ وأنت كباقي الغائبين في ومضات حضورهم، وكالبشر وقد أغوتهم فخاخ ما بعد/ وما قبل ـ هذا الحضورـ تمشي في جنازة الريح، وأنت تشيّع زمنك متتبعا ً الأثر وقد سبقك في الغياب !
[5] الطيف: اكتمال دورة المقدمات بنهاياتها
ليس، كما ألمحت، ان ما أراه يتوارى، هو ان أرى حضورا ً للفن ذاته، كعدم يغادر أبديته، ليسكن المسافة ما بين الخامات والبصر/ اليد، ولكنه ليس شيئا ً مغايرا ً. ان أصابعي، مرة ثانية، تمنحني العزاء: لن أتتبع موتي! ها أنا أراه يحدق في ّ، فأموت، كي اتركه يغادرني، لكنني ـ في روحي النائية ـ أدرك استحالة صياغة هذا، أو الإمساك بأثره. فانا سأتوارى، ضمن آليات الدورة! وأعترف أني وضعت علامة التعجب لسؤال خطر ببالي قبل الكتابة: ماذا لو عدت أشاهد الزمن يرتد إلى الوراء، كما افعل بفلم أراه بالمقلوب: من الموت إلى لحظة الولادة، والى ما قبل الخلق! ثم، أواصل تتبع الانسحاب إلى ما قبل التكوين! كي أتساءل: هل تخطيت حدودي...؟ لا! فأنا ـ بداهة ـ مركب من الأبعاد اللا محدودة بدا ً من الزمن إلى ما قبله، فأنا موجود في الوجود حد استحالة وجود نقيض له، عدا تحولات الأشكال، تبعا ً لمحركاتها.
ألا يحق لي ـ كي لا ادع الفكرة تغيب ـ ان امسك بنظام سمح لي ـ خارج إرادتي ـ ان امتلك هذا الحضور...؟ أم، لأن الحضور وقد بلغ غيابه، سمح لي بما ليس غائبا ً، وبما ليس حاضرا ً، لأمر ما شبيه بالطيف، أو بما لا يمكن رسم مروره، أو وصفه بالكلمات...؟ هل تراني أصبحت نائيا ً عن جسدي، عن أصابعي، وعن رأسي، كي أوثق حالة شبيه بالصفر، التي تكتمل فيها الأبعاد، أو بالأحرى، ترجع إلى أصلها! كي يحافظ الأثر على دمج المقدمات بنهاياتها، لكن عبر هذا المرور، وقد اكتسب زمنه، ومنفاه، سواء بسواء...؟
[6] هوية الفعل ـ الأثر
يبلغ الوعي ذروته: انه ـ في كل خطوة ـ يخترع توازنه. فانا لم اعد معزولا ً عن أدواتي: القلم/ الورقة/ الضوء/ وتتبع ما أراه يتوارى ...، بل أصبحت امتدادا ً له طالما كلانا تحولات محكومة بما لم يعد للمعرفة فيه إلا الاختباء فيه. معرفة الفن وهو يخفي معناه، نائيا ً، عن كل خاتمة. فهو شريك الجسد في هذا الامتداد، وليس في القطيعة. وبمعنى ما يعلن الفن عن شراكته لي في تلافي المنفى ـ والنفي. فانا لا أتطهر فحسب، بل اكف عن المقاومة. فأجد أنني لم أتحول إلى آخر، بل أتوحد مع ذاتي كي تكتمل النهايات بمقدماتها.
هل بلغ الوعي ذروته، حقا ً، كي أرى حياتي ـ بفجواتها وبمفارقاتها وإرباكاتها ـ كعناصر انصهرت مكوناتها فيه واستحالت عنصرا ً مغايرا ً، أم ظهر لي، برغم هذه المراقبة، أني أتمسك بآليات لا واعية للتمسك بالأثر ـ دالا ً على صانعه، رغم إدراكي التام للصفر وما يخفيه من امتدادات لا تغادر لغزه!
لا يحتمل الفن، ولا العملية الفنية، هذا التأويل. فالمحكوم بالموت، قبل رحيله، وحده يكون (عبر) ماضيه، كما لا معنى للقبر، بصفته ذرات تراب، المحو وحده سيبقى يحدد هوية الفعل ـ الأثر!
[7] حافات المحو
وبمعنى ما يصعب تتبع المحركات اللا مرئية، وتحولها إلى فعل، والى مشروعات للقفز في مساحات المجهول. والأصعب من ذلك، ان تجد نفسك مشاركة في عمليات الهدم، كي تغيب، بعيدا ً عن الرصد، والتوثيق، ومدى صلتها بالإبداع، ومشاكله!
في هذا الشرود، مازلت المح هذا الكيان الغامض، القائم على أكثر من تصادم. لأن سؤال ماذا نريد لم يقترن بأدواته الحديثة، وبالوضوح المطلوب. فالعشوائية ستؤدي دورها حتى النهاية، وهي التي كادت ان تنفي شرعية (التجريب) وتجعله محض ادعاءات قائمة على الخطأ والصواب.
ماذا نريد ...وما الذي يستحق ان لا نريده، ونستبعده أصلا ً والذي سيشكل علامة لا يمكن عزلها عن كل ما سيشكل مصائر المشتغلين في الفن، وطرقه، وعلاماته..؟
لن أتحدث عن الذين كانوا يشاركوننا هذا الهاجس المعرفي، في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته، لأن من مكث معنا، هو الآخر، كان لا يمتلك إلا الدرب المتغير وقد خيمت عليه غيوم كالحة بفعل تحولات العالم من ناحية، وما يجري في القارات المحتضرة، وقد زوروا الأسماء، بمنحها تسميات مراوغة: كالعالم الثالث، النامي، من ناحية ثانية!
ان كل ما يتصل بالتنمية البشرية، والتحضر، والتراكم المعرفي، تم استبعاده، واستئصاله، وترك الجميع يتخبطون في سراديب خالية من السلالم، كما ذكر منعم فرات، أو كعمل مجرشة الملا عبود الكرخي، سمة لقرن في طريقه إلى الأفول.
ولنستبعد نظريات المؤامرة، ونقول: هذه هي أخطاؤنا! حسنا ً،لكن الذي حصل شبيه بقصص ادمون صبري، ليست مضيعة للوقت، له ولنا حسب، بل لا جدوى من إعادة قراءتها!
فالتنمية ستتراجع حد الصفر، بمعنى: أنها ستغلق سرداب منعم فرات، وتترك من فيه يتخبط في الحفر! هو ذا كهف أفلاطون، يدور المفتاح في قفله، فلا إضاءة ولا ظلال! فما يروى وحده قد بلغ ذروته: لن يتزحزح لا إلى الأمام، ولا إلى الخلف!
أنا لست بصدد إعادة الحفر في موجهة الانخلاع: لماذا حدثت، وكيف استكملت برنامجها: حياتنا وهي لا تتباهى الا بخرابها! انه خرابي في نهاية المطاف. فبعد 1958، مرورا ً بالمتغيرات المشحونة بموجات القسوة، والذعر، خلال المتغيرات السياسية، وحتى يومنا هذا في عام (2011)، ولكن هل ثمة دراسات توقفت عندها، بمنظور يتوخى تفكيك المشهد كاملا ً، وليس ثقب مغلق! فالسيناريو الممسرح بين الفصائل، لم يجد من يرجعه إلى حده الأدنى من المحركات. ولا أنا سأفعل ذلك أيضا ً. لأن المشترك العام فقد مركزه. فليس هناك مقدسات، ولا وجود للحد الأدنى من الثوابت. فالجواهري، على سبيل المثال، أثنى على شخصيات لا تقل إساءة إلى الإنسان، وحقوقه، وتنميته، ومعرفته، لا مبرر لها ..الخ وهو ما ينطبق على شخصيات أخرى، مع ذلك كان غياب ألجواهري، ومئات العلامات الثقافية، في مختلف حقول المعرفة، والإبداع، ضربة توازي التنكيل بأصحاب المشاريع التنموية ، والحريات. فلقد تحولت الأراضي الزراعية إلى أدغال، وتدهورت مشاريع الري، فيما أصبحت المصانع في ذمة التاريخ، من معامل صناعة الورق إلى الزجاج، ومن النسيج إلى الجلود والمعلبات ..الخ إلى جانب دفن المصانع الأهلية، وتركها تحتضر وتلفظ أنفاسها في الأخير.
كانت الهجرة شبيهة بحدث (كارثي)، وكأنه ليس من صنع البشر، بل من عمل كائنات تعمل في كوكب آخر، لأن وضع قائمة بها، خلال نصف القرن الماضي، سيرسم لنا نهايات المشهد. فماذا لو كان الوعي، أو شيئا ً شبيها ً به، قد تصدى لموضوع الانخلاع، والفرار الجمعي، وناقشه بأدوات غير التي أدت إلى ذروته، ماذا كان سيحدث....؟ أم علي ّ ان لا ابعد شبح الأثر الكارثي الذي جعل مصائر البشر قيد التدمير، والزوال..؟
هذه الظلال، والضلال، ستعمل في أقاصي الرأس: في خلايا الدماغ، وفي ومضات الوعي، بعيدا ص عن الثنائية، وبعيدا ً عن مثنويات الفلسفات القديمة، فانا عشت ـ كعدد من زملائي ـ المشهد حد تذوق خفاياه اللاذعة، المهلكة، ثانية بثانية. فالإنسان لم يولد في الخوف، ولن يعيش فيه، كي يدفن في حفرته فحسب، بل الخوف (وربما علي ّ ان أقول: اللا تنمية/ اللا عمل/ اللا احترام، ومعاملة بعضنا للبعض الآخر وكأننا في أتون: حرب الجميع ضد الجميع) سبق حضورنا أصلا ً، لأن المشهد برمته لم يعد بحاجة إلى ديمومة. لكن الاحتضار ـ وهذه إشكالية لم نر من يشخصها لنا بما هي عليه ـ غدا البرنامج الذي علينا ان نحافظ عليه: الشعوب التي عليها ان لا ترى النور، هي ذاتها، عليها ان تبقى عليلة، تدور في المحور ذاته، ولا تنتج إلا ما شخصه الملا عبود الكرخي: مشاجرات مومسات الميدان! في ذلك الزمن (الكلجية) التي تم استبدال معناها من موقع لجماجم ثوار بغداد إلى موقع للدعارة!
لا احد أضاء لنا الدرب تمام الإضاءة، حتى لو كانت خاتمته سابقة مقدماته، إلا في حدود تنمية الإقصاء، ومن مختلف الفصائل، شعارات للتشهير، والمطاردة، والإذلال. فالمعركة، برمجت كي لا يخرج منها احد إلا مثقلا ً بالذنوب! ألا يبدو القرن الماضي (بين 1921 ـ 2011) مشهدا ً لا ينتمي إلى مسرح العبث، واللامعقول فحسب، بل إلى ما لا يسمى، والدخول فيه، كالدخول في حفرة كومت فيها مئات الجثث مجهولة الهوية في صيف بغداد الذي لا يرحم! ـ: عطر التاريخ، يا بودلير، ويا أيها المعري، ويا طرفة، ويا أيها الحكيم السومري الذي لخص المأزق ذاته قبل ستة آلاف عام، العطر المشبع بالنتانة، وشفافيات المحو، والتنكيل، باسم الحداثة، وما بعدها، حيث لم يجمعنا القبر، بل كان على كل منا ان يجد وسيلة للتواري، وتجنب الأصوات، ولفت النظر! فالفصائل ستوكل إليها مهمة تجاوز مشروع ذبح الجميع للجميع، نحو: ترك المستقبل يمحو ماضيه!
[8] ديالكتيك التتابع
لنصف قرن وأنا أفكر: هل ثمة مسافة بين إدراكي للحقائق، أو التي تحولت إلى موضوعات لهذا الإدراك، وبين ما هو حقيقي، من غير تدخل شكوكي في الإدراك، الخاصة بتلك الموضوعات، أو المرئيات، أو الأشياء...؟
انه سؤال الفلسفة السابق على حب الحكمة: هل وجدت الموجودات لغاية تشترك معي في ما هو ابعد من غايتها، وابعد من غايتي، أم وجد (وعي) ـ وعينا ـ كي يحدد وجودي وفق معايير هذا الوعي..؟ ما الحكمة عندما اكتشف ان هذا النمط من المشتغلين في التفكير، هما اقل البشر تمتعا ً بالحقوق، وهم، في نهاية المطاف، دروب لصعود اقل الكائنات إحساسا ً بموضوعات الفكر وبما يتحكم فيه، بخلاصة الحكمة، ولغزها..؟
الختم، هناـ كما في أقدم النصوص الشبيهة بالفن ـ ليس أداة تحكم، أو تعويذات، أو إشارات، وليس تمهيدا ً لتحولها إلى سلع، للتبادل، أو للهيمنة، أو لبناء علاقات حسب، بل تغذية لنزعة الشك بما في مادة الحياة ومظاهرها، وفي انساق الوعي نفسه، قبل جوهره النائي، والكامن بحصانته، وامتناعه، وما هو عليه في الأخير.
إنها لذّة مقلوبة، يبررها علم النفس، بظاهرة حب إيذاء الذات، في مقابل، إيذاء الآخر. لكن هذا لا يكفي لوجود تقاليد امتدت عبر مختلف العصور، وتحولاتها. فالفن غدا مندمجا ً في حكمة الحياة، حد لا يمكن استبعاده منها، لا في فن صناعة الطعام، ولا في فن التعذيب، والقتل، وانتزاع مخفيات العقول، ولا في العمليات الأكثر قسوة في أنظمة الحكم وما تتطلبه من فنون إبادة ـ ومحو، فحسب، بل للحياة بما لا يمكن دحضها!
لأن الإنسان لو لم يكن فنانا ً، منشغلا ً بشحذ وسائله في التقدم، والتغيير، منذ تلك الحقب السحيقة التي منحت الأصابع قدراتها، كالبصر وباقي المجسات، في صناعة ما يشبه آخر إبداعات الحداثة ـ وما بعدها، لكان اقل إثارة للجدل، عند الحكماء، وليس لدي المتحكمين بمصائر الناس، ولكان، وهو يكتفي بحياة النمل/ أو النحل/ أو الأسماك/ أو الطيور..الخ غير مراقب، وغير مسؤول، عما سيراه خطيئة، ورحمة، وتوبة، واقل براعة في البرهنة ان الوجود ـ بهذا الوعي له ـ هذا الانحدار الاستثنائي نحو المحو ـ بأكثر وسائله إبداعا ً، وعدم اكتراث!
أم على الوعي، بشكل ما من الأشكال، ان يجد نفسه ينحدر، خلف من سبقه، نحو الهاوية ذاتها، بالعثور على آليات تضمنت المسافة بين الوعي ـ وما هو مكون له ـ في الوجود، ودمجهما بعمليات التتابع حد ان هذا الوعي ـ المرهف والشفاف ـ لا يعمل على دحض ما هو عليه! بل على تغذية الامتداد، بمنح الفن تقاليده، وخصائصه، ومكانته في هذا الاشتباك..؟
[9] الذات ـ والبرمجة الجمعية
ربما هناك صيغة للإدراك تتضمن سببيتها لكنها تحافظ على جانبها الوظيفي: إنها وجدت كي توجد. وسيشكل إدراكي لها لا لأنها وجدت حسب، بل لأنني أنا هو الموجود، ولأننا ـ ثالثا ً ـ وجدنا ضمن علاقة ثلاثية، فالكائنات لديها قدرة التلقي، والتحليل، ومن ثم الدخول في عمليات الإنتاج. إنها ديمومة مركبة عبر دورات ـ كما فكر أسلافنا عند تدشين الكتابة في سومر. والروح/ أو النفس/ منذ عصور سحيقة، تجد في الجسد مأوى للإقامة ـ وللمغادرة ـ وللعودة مرة ثانية بعد الموت. وثمة، إلى جانب هذا التصور، أن شيئا ً ما ـ كالنفس أو كالروح ـ يحل في كيانات أخرى، غير بشرية، في الحيوان وفي النبات وفي الخامات. إنها تصوّرات تمنح (الوعي) صيغة جمعية متماثلة تتصدع وتنبني عبر علاقات بالغة الدقة مع المكونات الأخرى. فالوعي الجمعي للأنواع ـ إنسان/ حيوان/ نبات ـ لا يمكن فصله، في هذا السياق، عن عمل الكيانات المختلفة. والاختلاف الفردي، ليس شذوذا ً، أو طفرات تحدث إلا لتؤكد هذا الترابط. فلزمن طويل كان الحيوان الأقوى ، وضمنا ً الحيوان البشري ـ وفق قانون الصياد ـ الطريدة، الضحية، الهامش له نسقه التام. ولتعديل هذا القانون، أو دحضه، كجعل ملكية الجماعة خاصة بها، وليس لزعيمها، أو تحت زعامته، تعد وثبة نحو نظام الوعي الجمعي في حماية مكونه، وضمنا ً أفراده.
فهل ثمة وجود ادراكات خاطئة كلية، أو غير صائبة تماما ً،أم ليس هو إلا تعبير عن تدرج (سببي/ منطقي) للعمل المترابط بين الجزء والكل..؟ كالاعتراف بوجود شخص ما يتقاطع مع عادات الخرافة، مثل (غاليلو) ـ على سبيل المثال ـ أو كأبحاث دافنشي في العلوم، فان المثال يلفت النظر إلى وعي جمعي أنتجته عوامله، وان تعديل المعتقدات/ التصوّرات، في الأخير، خاص بالحقائق ذاتها، وليس في الوعي إلا لأنه أعاد اكتشافها.
وثمة أمثلة أخرى توضح، مثلا ً، ان وجود اللذّة في الوظائف، وكأنها مستقلة أو منفصلة، تؤدي الدور الجمعي لحماية النوع. على ان هناك لذّات تبدو شاذة، كوجود أجزاء ذات وظائف غامضة، كالجنس الثالث مثلا ً، المزدوج، وكوجود أعضاء إضافية، أو ناقصة، وظهور سلوكيات مغايرة تماما ً، قد تؤدي إلى ظهور سلسلة جديدة لها وعيها الجمعي، مرة أخرى، بدءا ً بالحالة الشاذة..؟
هذا المثال يؤكد تحولاته عبر أزمنة طويلة. لأن عملية استبدال الوعي، سينتظر تراكمات لا تحصى، تؤدي إلى ضرب من الموازنة بين النوع وعوامله الخارجية. فقد يؤدي ضمور نجم ما، أو أي تغير في الجاذبيات، والمسافات، إلى وجود كيانات مغايرة لأصلها، مع احتفاظها بمبدأ انها تعمل بالقانون نفسه، وفي مقدمته: إنها غير مسؤولة إلا عن حدود عمل وعيها، مع الكيانات الأخرى. فالحيوانات التي تلقى حتفها، بإرادتها، لأسباب تبدو مجهولة،لا تتمتع بالحرية التي يستخدمها نوعها قناعا ً، أو سلوكا ً يتضمن مشفراته، إلا باليات كلية تتضمن مبدأ المصادفة ـ والشاذ.
هل أنتج أسلافي تلك الإشارات الشبيهة بالفن، أقنعة، أو فرمونات، أو منبهات، لهذا السياق الجمعي في التكيف، مع الحفاظ على النوع إلى تدميره..؟ بمعنى، ابعد من ذلك: ان اللاوعي سيتضمن أشكال وعيه المعلنة، دامجا ً القصد، المصادفة، في عمله الكلي، الأمر الذي بلور حتمية التصادم، والتناقض، والتناحر، كسياق لعمليات الانبثاق/ التواري، وكامتداد للقوانين في عملها خارج حدود الإدراك.
هو ذا وعيي لن يسمح لي إلا بخلق حمايات رمزية، تستبعد الرضا بالمسلمات لأنظمة شبيهة بما يحدث في مملكات النمل/ الأسماك/ والنحل. لكن الإنسان، بعد قرون، ليس لديه هذا الوعي، بحكم الضرورات، والوثبات البديلة، التي لن تعدو أكثر من آليات عمل، تجعل الوعي يعمل بحدود ضوابطه، وفي الوقت نفسه، تسمح له بكسرها، ودحضها، ومحوها في نهاية المطاف.
[10] اللا متوقع ـ والشرود
الذهن الشارد، في حالات الاستبصار، كحال المتصوف، أو العاشق، لكن الأخير سرعان ما يدمره الصحوً لأن المتصوف يكون قد عبر حال السكر والولادة وسكن الذي استدل عليه غيابه، فلم يعد منشغلا ً بالمأوى، ولا بالمكاسب، ولا بحجابات اللغة. والعاشق،لن يشبه صانع النص، حيث الأخير كلما تخيل حافة النهاية وجدها تقع وراء الحافات. فإذا كانت العائلة ـ مع انها مازالت تتعرض إلى التفكيك والهدم ـتصهر، عبر آليات النظم المجتمعية، الذكر بالأنثى نحو سعادة تمضي باتجاه نهايتها. فالشارد الذهن ـ مثلي ـ لا يرغب ان يتوهم انه عثر على المفتاح، ونجا، وانه حاز على ما ولد لأجل ان يراه وهما ً أو كالوهم، حقيقة أو كالحقيقة. ان هذه العلاقة لن تجد رضاها لو كانت شبيهة بالعلاقات السابقة. فبكارة النص لا وجود لها في الأصل، والتأويل السيكولوجي هو جزء من مسار شائك للأنظمة الأكثر تعقيدا ً. ففي الفنان ومضات/ محركات تجعل وثباته شبيهة بقفزات الإلكترون، لا نظام لها، ولن تكرر حركاتها أبدا ً! ففي الشرود قوة يصعب تحديد أسبابها كي يصرخ الفنان: وجدتها! انها ابعد من الحقائق العلمية. فالفنان غير مشغول بتحديد نوع الخامة، لأنه، يرغب ان يمسك بما بعد الشغل، وان يبلغ الوحدة. لأنه غير معني بالربح والخسران، ولا بالصياد وطرائده، ولا بالجلاد وضحاياه. فهو خارج التناقض! فهل ثمة (وهم) تمت برمجته، بما لا يدحض..؟ وهم ان تبدو الظواهر كالحقائق، لا تفنى ولا تستحدث!
أتذكر ـ قبل أربعين عاما ً ـ سألني فاضل العزاوي ـ أستاذي وصديقي ـ عن كتاب كنت قراءته. فرحت احكي له انطباعاتي عنه. لكنه قال لي ببساطة: انه لم يقرأ كتابا ً سيئي الترجمة كهذا الكتاب، وأنني كنت اخترع ما لا وجود له في الكتاب!
أتراني كنت احفر في الكلمات، وأحول الأخطاء إلى محفزات لبناء أوهام لا وجود لها، أم كنت أفكر بمعزل عن الكتاب، ألمنبهه، لأنني لم أكن منشغلا ً بالشرح، وإعادة سرد ما في الكتاب!
هذا الشرود لا استطيع عزله عن مراقبتي لتحولات ـ وتصدعات ـ وانبثاقات ما يجري في ّ، وخارجي، ضمن الجسور القائمة بيننا، خلال عمليات المراقبة. فانا غير مشغول بـ: لماذا ..ولكنني مشغول بما وراء الارتواء المستحيل. فلم تعد تغريني ثوابت الآخر، أيا ً كانت، إلا كي أتأكد من هذا الذي يأخذني معه إلى وراء المتاهات: خلف الموت الذي أتبادل معه العبور، من الشرود إلى صحو شارد، ومن سكر مستحيل إلى رغبة كفت عن الاستغاثة، وعن الطلب. فثمة، على خلاف ما يحصل بين ذكر وأنثى، انشغلت بالشمس: لماذا تراها تقذف حممها، وإشعاعاتها، وعناصرها الأخرى، كي تخصب الأرض، لكن بخراب، هو الآخر، كالغابات/ البحار/ الحيوان وضمنا البشر، لا يمتلك إلا زمن اندثاره!
فالابن أو البنت، كالثمرة، أو البذرة، وكالأفكار، والنصوص، ما هي إلا نتائج هذا العرس: الشمس بالأرض! ويا له من خراب لا يشاطرني إلا الاحتفال بزمن لا يمتد أكثر من عبوره نحو الزوال!
[11] الشمس ـ بذور شبيهة بالحجارة
بمنى ما: ليس هذا الذي يصنعه الصانع إلا كعمل المفتاح في القفل، إنما بقفل يتوارى فيه المفتاح! وهل رأينا حقاً القفل، كي نمسك بالمفتاح! إنها ليست غنيمة، جائزة، أو نجاة من الجحيم. فانا لا اعرف كيف قالوا لناـ في معبد مردوخ ـ ان حمورابي أصغى للإله آشور، ليسن شريعته..؟ لا اعرف من كان وهمه شبيها ً بثوابت حكم الموت، والقصاص، اهو مردوخ، أم أشور، أم حمورابي، أم تصوراتنا نحن النمل/ النحل البشري!
يصعب علي ّ، ان أصغي ـ بلا ظن ـ للسكن بجوار مردوخ، مستمتعا ً بالضوء، والثمار، وبالنعيم. فعالم الآلهة لا يبدو أكثر من حلم: بيت شفاف! فيما كان حمورابي معلما ً للحكمة. ففي القانون شرود شبيه بالذي لازمني وأنا أجد ان التنازل عن طعامي كحيوان جائع يتوازن مع روح تلك الشريعة! لكن هذا لا يكفي، لا لأن الشريعة هدمت، ودفنت، مع رموزها، تحت الأرض، بل لأنني، كبذرة خزنت ماضيها، مازالت تبحث عن توكيد يتجاوز برمجة جهاز الاستنساخ. الدفن وانتظار وليد لا أب له، ولا أم، إلا بما وراء سياق: فض البكارة، أو ارتكاب العدوان، وكنز كنوز ...، ذلك لأن في الشرود ـ كالذي دفع أسلافي وهم يراقبون الشمس، الذكر وقد استحال أنثى ـ تقذف بذورها إلى الأرض، العروس/ الرحم، التي تخلت عن وليدها لا من العقم، ولا من الاخصاء، بل من خلط التدفق ـ لان الغوايات ستكمن في النسج، وفي عمليات البناء، حيث اللاحافات تمتد، وتتسع، خارج مفهوم المسافة/ الزمن، والحركة، وقد أعطتنا المفتاح، لكنها حجبت عنا القفل، تارة، أو أعطتنا القفل، وقالت لنا: هذه هي المحنة! فأين هو المفتاح، بعد ان بدا الوهم ـ وحده ـ شبيه بما لا وجود له، وقد تزين،كالمرأة العقيم، وقد أنجبت سلالات من الجلادين، ومن الضحايا، بعدد بذور الشمس التي لم تخصب إلا حجارة، وفنانين، وشعراء!
[12]
في عالم أجد نفسي فيه مرغما ً ان استكمل مقدماته، رغم انفي، وإرادتي، وأنا أرى خاتمته قد فرضت حضورها مع تلك المقدمات، لكنني، ببساطة، لا امتلك إلا ان استبعد النهايات! فسألت نفسي: هل باستطاعتي الامتناع عن الطعام، أو التنفس، او الكلام، او التفكير، أو المشاركة في حياة فقدت غواياتها، ومبررات الاندماج في كياناتها؟ وايل ديورانت يذكر مثالا ً لامير اتخذ قراره بالامتناع عن تناول الطعام بعيدا ً عن العاطفة، وبعقلانية، لكنه اضطر، تحت ضغط شقيقته بسبب زواجها، ان يتناول وجبة طعام، كي لا يحدث موته إرباكا ً لاحتفالات العرس. هل أقول: فقد لذّة الشعور بالحياة، أم على ّ الذهاب ابعد من هذا الاحتمال، وأفكر ان برنامجه الوراثي رسم له حتمية هذا القرار، أم ابحث عن ضعف المناعة تجاه الرغبة بالسكينة، والاتحاد بالأبدية، من غير ذل، وقهر، أم ان قوة الموت تفوقت على دوافع الديمومة، أم ان الرجل ذهب ابعد من الزمن الذي وجد حياته فيه لا تتوازن مع رؤاه، لعالم تمحى فيه الوصايا، وتداس، وقد بلغ الاشتباك، والتصادم، وموت البراءة، حدها الذي لم يعد يحتمله، فقرر، بهدوء، كما فعلت فرجينيا وولف، أو همنغواي، أو فان كوخ، أو ستيفانزفايج وقرينته...الخ قهر الرداءة، بأكثر الدفاعات سلبية، والتخلي عن قانون: الصياد ـ وعن أي نظام يتأسس على تراكمات الفراغ!
ملأني هذا الهاجس بفزع نحو الكتابة، ولكن ليس تجاه الألوان، أو وأنا اصنع أختامي، ثم، في أجزاء لا مرئية من الثانية، أوشكت ان أباشر في التلوين، لكنني ـ وبالمشاعر ذاتها وفي زمنها الوجيز ـ وجدت القلم بين أصابعي يلون هذه الكلمات: كلمات مازالت تلفت نظري إلى: كيف خطر ببال الرسام الأول، ان يرسم ...؟ لم أفكر، بل كتبت: انه سياق استكمال المقدمات نحو نهاياتها! فابتسم! ولكن ماذا لو قلبت المعادلة: الضرورة السابقة على الرغبة بتناول الطعام، في الأصل! بمعنى إنهما وجدا معا ً: إنها الديمومة بزوالها، والزوال بديمومته. لأن الرسام الأول، وجد لذّة ما، ونشوة في محاكاة ما رآه، أو ما نحته، وفي ما أنتجه، فأصبح عمله شبيها بعلاقة الصوت مع أعضاء الكلام، لتتشكل عملية انتقاء المفردات، مع الوظائف، عبر مكونات المجموعة، وبحكم نظامها.
فهل استطيع ان أتخلى عن الكتابة، وعن الفن، وأنا لا امتلك تصورات إضافية لعالم بعد عالمنا هذا القائم على هذه التصورات، بضروراتها، حد استحالة العثور على مبررات غير التي أصبحت تعمل كعمل الشمس: تسمح للحياة بالحضور، والتداول، من ثم تتحد بالظلمات!
فجأة وجدت الهواء يزداد سخونة، مع صداع رطب يصعد إلى أعلى الرأس، والآم في المفاصل، وحرقة مرة في القلب، كلها، مع رغبة في تأمل أشعة الشمس من وراء الشباك الزجاجي، وهي رغبة تمارس إخصاب كل ما سيتحول إلى مضادات لا تشبه ما يجري في أفران الشمس، سمحت لي ان أواصل الكتابة، عن هذا الذي أراه يتكون، لا المعنى، بل الكلمات، وهي تسبق أصابعي في أداء عملها! كي استنتج، في ذروة الشرود، ان الشمس ستبقى، تمد وجودي بلغز هذا الوجود: المرارات، والعفن، والاحتضار!
أعود إلى ذلك الرجل النبيل الذي مات بهدوء، في ايطاليا، والى رجل آخر، في الهند، درب نفسه، بعد 15 عاما ً، ان يمتنع عن تناول الطعام، ويكتفي بالهواء، واسأل نفسي: أي سياق هذا الذي يسمح لي ان أبدو حقيقيا ً، وربما، صادقا ً، حتى وأنا اجهل لماذا وقعت في غواية هذا الاختيار!
عادل كامل/ الختم الخامس
[1] التتابع: ابعد من الغياب أو الحضور تاما ً
لا أريد لبصري، وربما لأصابعي، أو باقي حواسي، ان تغادر أداة السومري في الحفر فوق الطين، فأنا ابني بالكلمات مأواي، كما يبني الطائر عشه: الم ْ يلمح باشلار إلى ذلك كعلاقة بين قلب الطائر وعشه: المكان كقلب وقد غدا شعرا ً! فانا أكاد اسمع كلماتي تغادر (ما قبل) ماضيها كي تأخذني معها إلى (ما بعد) موتي. أليس هذا ـ ولا اعرف لماذا تذكرت الشاعر سامي مهدي ـ مقاربة لتعريف الشعر: ان ننتقل من المجهول ـ بزوالنا ـ إلى ما بعد الكلمات، لغزا ً يذهب ابعد من حضوره ـ وابعد من غيابه! سر وجود كائنات وجدت مصيرها لا علاقة له بما شغلها: لا بالحواس ولا بالعقل ولا بمخفياتهما أيضا ً، إنما بعلاقة لا غياب فيها وقد أصبح الحضور تاما ً.
وها أنا اترك أصابعي تعمل كي أتتبع عثراتها، وتوقفاتها، وما تريد ان تقول.. لكنني اعرف ان الفن ليس اختيارا ً خالصا ً، أو لعبا ً حرا ً، كأنه من غير علة، أو قد عزل عن مكوناته، مثلما أدركت منذ زمن بعيد ان الحرية، كي تحافظ على ما فيها من سر، فإنها الضرورة وقد غادرت قيودها: حرية لا تذهب ابعد من هذه القيود، ولكنها ستمنح هذه القيود تاريخ الإنسان: مجده وعبثه، رمزيته وعدمه، عناده وتلاشيه.
[2] أدور، بمعنى: أتسمر!
ها أنا أدور، كالسومري الذي تحدث عن الدورات: دورة الفرد، دورة السلطة، ودورة الأرض، ودورة الكون، الأمر الذي سمح له ان يجد دافعا ً إلى: الكتابة/ الفن/ الحكمة. ومع أنني لا اعرف ـ إلا عبر الآثار ـ ذلك الزمن السحيق، لكني أكاد أعيد سكني عند ضفاف الفرات، وأنا أعيد قراءة شريعة أور نمو، بين كائنات استبعدت العنف عن حياتها، فلم تدع الراعي يسفك دم المزارع، كما في قابيل وهابيل في النص التوراتي، بل صاغت مفهوما ً تكامليا ً سنجد أصداءه في ديانات الهند، والصين القديمتين؛ وهي الذروة ذاتها التي بلغتها ملحمة جلجامش: الخالد ليس من لا يموت، بل الذي يمتلك قدرة ان يمتد صانعا مصيره، كأقدم قانون للمصالحة بين السماء والأرض، وعمليا ً، لا نستطيع إغفال العلاقة بين من تراكمت الثروات عنده، وبين من سلبت منه. ففي بنود الشريعة ان الإنسان لا يمتلك إلا ان يحافظ على المسافة النائية بين من في الأعالي وبين من صنع من الطين.
أدور، بمعنى، أتسمر! فانا مثل المسمار (إشارة إلى تماثيل الأسس) أجد أنني لم اعد معزولا ً ـ وأنا أؤدي عمل الحرية كضرورة، وأؤدي دور الضرورة عندما لا تكون الحرية وهما ً، فالمسمار ما هو إلا علاقة إقامة. انه إشارة لمفتاح بين اللاحافات ـ وحافتي: إقامتي. وهنا أجد العالم وقد تحول الى بستان، فاستعيد نسق الاسطورة في صياغة تدريباتي، لا بصفتها تسلية، ولا بصفتها عقارا ً، ولا بصفتها عبثا ُ، او ما شابه ذلك، بل واجبا ً مضادا ً للواجب: قهرا ً للقهر. ففي الفن ـ أجد أني أؤدي دور المسمار، لا دور الريح أو الزمن، فالأول علاقة، والثاني(الريح أو الزمن) امتداد عبر فواصل. ذلك لأن المسمار ذروة عمل: انه كد الإنسان وكلمته.
[3]المسمار ـ ابعد من الدفن
وربما كان للصليب، قبل ثمانية آلاف عام، المنقوش والمحفور والمرسوم فوق فخاريات أعالي الفرات، وجنوبه، إشارة لضرب من الصلح اثر اشتباكات أو تصادمات. فالصليب سيأخذ الشعار الذي اختاره (هتلر) (وكأنه فعل ذلك بوحي من نيتشه)، شبيها ً بالصليب المعقوف المرسوم فوق سطوح فخاريات أعالي الفرات: لأنه رمز إلى مركزية السلطة، وحدودها. فالسلطة هي حصيلة ما لا يحصى من الكد، حد الحرب، وهنا يلتقي قصد هتلر ويفارق: فهو شعار سلطة تحكم الجهات أربع، وعند هتلر، يتكرر القصد، ولكن في عالم يصعب حكمه خارج ديمومة الاشتباك.
إلا أنني أجد المسمار ـ الصليب ـ من جانب الرأي العام إلى الخاص، كي يتشكل عبر الدفن. فالميت مسمار، هو الآخر، وشغف الأحياء بموتاهم لن يفقد دوره أو حضوره. فالذاكرة لم تصبح مستقبلا ً معزولا ً عن مقدماتها/ جذورها. وهنا يأخذ القبر محتوى وشكل المسمار ـ الصليب أيضا ً: انه البذرة التي يتحتم ان تدفن، كي تنبت، كتأويل لأقدم آلية قتل لا واعية للإله ديموزي. فلو لم تقم (إنانا) ـ في لا وعيها ـ بإنزال حبيبها إلى العالم السفلي الذي لا عودة منه، لأصبح وجوده صنو الريح!
وليس لزمن قصير مكث سكان وادي الرافدين يندبون مأساة ديموزي، بقتل البطل ـ أي دفن البذرة ـ فسيتكرر الفعل ـ ضمن دورة وجود الإنسان ـ لتمنح الانتظار، بعد ذلك، جدلية الديمومة ـ والامتداد. الم ْ يدون الحكيم السومري: ما من امرأة ولدت ابنا بريئا ً قط! حتى أصبحت الأخيرة رمزا ً للأفعى، ورمزا ً للشيطان. من ثم دخلت اللاوعي الجمعي، وقد جعل منها الحكيم (ماني) نشاطا ً مقترنا ً بالعتمة ـ العدم. وبمعنى ما: فالحياة مكثت تمتد، مثل عمل المسمار، لا يكتفي بالحفر، والنقش، بل لأنه سيذهب ابعد من الدفن.
[4] ما بعد/ وما قبل ومضات الغياب
فيشرد ذهني، في محاولة التأويل، حول منهجي في التفكير: هل ثمة برمجة صاغتها حتميتها، أم أنها وجدت بتعديلاتها، خارج عمل المشفرات الوراثية، وعمل الجينات..؟ أي ان المضاف، يتكّون بحسب السياق ذاته حتى لو قمت بدحضه! فالمصادفة لم تحدث من تلقاء ذاتها، كي تأخذ هذا النظام المشفر، من اللا مرئيات إلى الوعي، ومن الدماغ إلى المجرة، ومن اللا حافات إلى ما هو خارجها! أتذكر ـ في هذا الجزء من اللحظة ـ أن احد الفلاسفة الأتراك، وبلذّة متصوف، أو عاشق، أو فنان، قال ان الله يقع خارج هذا كله! ولا أرى انه أضاف حرفا ً ليعزز بديهة ان الخالق وحده ليس بحاجة إلى برهان. فهناك: واجب الوجود. لكن حدود عمل الوعي تصطدم، وتشتبك، في المحدود: الانشغال بالموت، والولادة. فالإنسان يأتي إلى الدنيا ـ بحسب المثل الصيني القديم ـ في الحزن ويموت فيه. على ان فرحا ً ما بالحياة وبالموت، له سياقه العنيد: حتميته ـ: العمل. ومرة أخرى لا تبدو اختياراتي خالية من الإثم! فانا بعملي الفت النظر ...، ثمة متراكمات، كنوز صغيرة لفتت نظر اللصوص! ومثلما لا اعرف كم فقدت، من أحلامي ومن ممتلكاتي المجهولة، جرحت، وبالحزن وحده ذهبت إلى روحي: كل هذا يأخذ موقعه في الأثير: غبار المجرات، والنجوم، والأثير الممتد بين لا حافات الفضاءات. فأصغي إلى صوت موتي: أيها الولد ـ أيها العجوز ـ انك لم تذق بعد ما بعد اللذّة! فعد راقب ومضات قلبك وهي تنسج بأصابعك هذا الختم: محو الفراغات. فلا تغضب، ولا تتذمر، وإلا من يطرق بالمطرقة فوق المسمار، وإلا من سيذهب من غير ظل، بعد ان فقد نوره، ويكمل تتمات اللغز، وإلا من يحتفل بالراحل، ومن يحتفل بالحبيب، وأنت ـ وأنت كباقي الغائبين في ومضات حضورهم، وكالبشر وقد أغوتهم فخاخ ما بعد/ وما قبل ـ هذا الحضورـ تمشي في جنازة الريح، وأنت تشيّع زمنك متتبعا ً الأثر وقد سبقك في الغياب !
[5] الطيف: اكتمال دورة المقدمات بنهاياتها
ليس، كما ألمحت، ان ما أراه يتوارى، هو ان أرى حضورا ً للفن ذاته، كعدم يغادر أبديته، ليسكن المسافة ما بين الخامات والبصر/ اليد، ولكنه ليس شيئا ً مغايرا ً. ان أصابعي، مرة ثانية، تمنحني العزاء: لن أتتبع موتي! ها أنا أراه يحدق في ّ، فأموت، كي اتركه يغادرني، لكنني ـ في روحي النائية ـ أدرك استحالة صياغة هذا، أو الإمساك بأثره. فانا سأتوارى، ضمن آليات الدورة! وأعترف أني وضعت علامة التعجب لسؤال خطر ببالي قبل الكتابة: ماذا لو عدت أشاهد الزمن يرتد إلى الوراء، كما افعل بفلم أراه بالمقلوب: من الموت إلى لحظة الولادة، والى ما قبل الخلق! ثم، أواصل تتبع الانسحاب إلى ما قبل التكوين! كي أتساءل: هل تخطيت حدودي...؟ لا! فأنا ـ بداهة ـ مركب من الأبعاد اللا محدودة بدا ً من الزمن إلى ما قبله، فأنا موجود في الوجود حد استحالة وجود نقيض له، عدا تحولات الأشكال، تبعا ً لمحركاتها.
ألا يحق لي ـ كي لا ادع الفكرة تغيب ـ ان امسك بنظام سمح لي ـ خارج إرادتي ـ ان امتلك هذا الحضور...؟ أم، لأن الحضور وقد بلغ غيابه، سمح لي بما ليس غائبا ً، وبما ليس حاضرا ً، لأمر ما شبيه بالطيف، أو بما لا يمكن رسم مروره، أو وصفه بالكلمات...؟ هل تراني أصبحت نائيا ً عن جسدي، عن أصابعي، وعن رأسي، كي أوثق حالة شبيه بالصفر، التي تكتمل فيها الأبعاد، أو بالأحرى، ترجع إلى أصلها! كي يحافظ الأثر على دمج المقدمات بنهاياتها، لكن عبر هذا المرور، وقد اكتسب زمنه، ومنفاه، سواء بسواء...؟
[6] هوية الفعل ـ الأثر
يبلغ الوعي ذروته: انه ـ في كل خطوة ـ يخترع توازنه. فانا لم اعد معزولا ً عن أدواتي: القلم/ الورقة/ الضوء/ وتتبع ما أراه يتوارى ...، بل أصبحت امتدادا ً له طالما كلانا تحولات محكومة بما لم يعد للمعرفة فيه إلا الاختباء فيه. معرفة الفن وهو يخفي معناه، نائيا ً، عن كل خاتمة. فهو شريك الجسد في هذا الامتداد، وليس في القطيعة. وبمعنى ما يعلن الفن عن شراكته لي في تلافي المنفى ـ والنفي. فانا لا أتطهر فحسب، بل اكف عن المقاومة. فأجد أنني لم أتحول إلى آخر، بل أتوحد مع ذاتي كي تكتمل النهايات بمقدماتها.
هل بلغ الوعي ذروته، حقا ً، كي أرى حياتي ـ بفجواتها وبمفارقاتها وإرباكاتها ـ كعناصر انصهرت مكوناتها فيه واستحالت عنصرا ً مغايرا ً، أم ظهر لي، برغم هذه المراقبة، أني أتمسك بآليات لا واعية للتمسك بالأثر ـ دالا ً على صانعه، رغم إدراكي التام للصفر وما يخفيه من امتدادات لا تغادر لغزه!
لا يحتمل الفن، ولا العملية الفنية، هذا التأويل. فالمحكوم بالموت، قبل رحيله، وحده يكون (عبر) ماضيه، كما لا معنى للقبر، بصفته ذرات تراب، المحو وحده سيبقى يحدد هوية الفعل ـ الأثر!
[7] حافات المحو
وبمعنى ما يصعب تتبع المحركات اللا مرئية، وتحولها إلى فعل، والى مشروعات للقفز في مساحات المجهول. والأصعب من ذلك، ان تجد نفسك مشاركة في عمليات الهدم، كي تغيب، بعيدا ً عن الرصد، والتوثيق، ومدى صلتها بالإبداع، ومشاكله!
في هذا الشرود، مازلت المح هذا الكيان الغامض، القائم على أكثر من تصادم. لأن سؤال ماذا نريد لم يقترن بأدواته الحديثة، وبالوضوح المطلوب. فالعشوائية ستؤدي دورها حتى النهاية، وهي التي كادت ان تنفي شرعية (التجريب) وتجعله محض ادعاءات قائمة على الخطأ والصواب.
ماذا نريد ...وما الذي يستحق ان لا نريده، ونستبعده أصلا ً والذي سيشكل علامة لا يمكن عزلها عن كل ما سيشكل مصائر المشتغلين في الفن، وطرقه، وعلاماته..؟
لن أتحدث عن الذين كانوا يشاركوننا هذا الهاجس المعرفي، في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته، لأن من مكث معنا، هو الآخر، كان لا يمتلك إلا الدرب المتغير وقد خيمت عليه غيوم كالحة بفعل تحولات العالم من ناحية، وما يجري في القارات المحتضرة، وقد زوروا الأسماء، بمنحها تسميات مراوغة: كالعالم الثالث، النامي، من ناحية ثانية!
ان كل ما يتصل بالتنمية البشرية، والتحضر، والتراكم المعرفي، تم استبعاده، واستئصاله، وترك الجميع يتخبطون في سراديب خالية من السلالم، كما ذكر منعم فرات، أو كعمل مجرشة الملا عبود الكرخي، سمة لقرن في طريقه إلى الأفول.
ولنستبعد نظريات المؤامرة، ونقول: هذه هي أخطاؤنا! حسنا ً،لكن الذي حصل شبيه بقصص ادمون صبري، ليست مضيعة للوقت، له ولنا حسب، بل لا جدوى من إعادة قراءتها!
فالتنمية ستتراجع حد الصفر، بمعنى: أنها ستغلق سرداب منعم فرات، وتترك من فيه يتخبط في الحفر! هو ذا كهف أفلاطون، يدور المفتاح في قفله، فلا إضاءة ولا ظلال! فما يروى وحده قد بلغ ذروته: لن يتزحزح لا إلى الأمام، ولا إلى الخلف!
أنا لست بصدد إعادة الحفر في موجهة الانخلاع: لماذا حدثت، وكيف استكملت برنامجها: حياتنا وهي لا تتباهى الا بخرابها! انه خرابي في نهاية المطاف. فبعد 1958، مرورا ً بالمتغيرات المشحونة بموجات القسوة، والذعر، خلال المتغيرات السياسية، وحتى يومنا هذا في عام (2011)، ولكن هل ثمة دراسات توقفت عندها، بمنظور يتوخى تفكيك المشهد كاملا ً، وليس ثقب مغلق! فالسيناريو الممسرح بين الفصائل، لم يجد من يرجعه إلى حده الأدنى من المحركات. ولا أنا سأفعل ذلك أيضا ً. لأن المشترك العام فقد مركزه. فليس هناك مقدسات، ولا وجود للحد الأدنى من الثوابت. فالجواهري، على سبيل المثال، أثنى على شخصيات لا تقل إساءة إلى الإنسان، وحقوقه، وتنميته، ومعرفته، لا مبرر لها ..الخ وهو ما ينطبق على شخصيات أخرى، مع ذلك كان غياب ألجواهري، ومئات العلامات الثقافية، في مختلف حقول المعرفة، والإبداع، ضربة توازي التنكيل بأصحاب المشاريع التنموية ، والحريات. فلقد تحولت الأراضي الزراعية إلى أدغال، وتدهورت مشاريع الري، فيما أصبحت المصانع في ذمة التاريخ، من معامل صناعة الورق إلى الزجاج، ومن النسيج إلى الجلود والمعلبات ..الخ إلى جانب دفن المصانع الأهلية، وتركها تحتضر وتلفظ أنفاسها في الأخير.
كانت الهجرة شبيهة بحدث (كارثي)، وكأنه ليس من صنع البشر، بل من عمل كائنات تعمل في كوكب آخر، لأن وضع قائمة بها، خلال نصف القرن الماضي، سيرسم لنا نهايات المشهد. فماذا لو كان الوعي، أو شيئا ً شبيها ً به، قد تصدى لموضوع الانخلاع، والفرار الجمعي، وناقشه بأدوات غير التي أدت إلى ذروته، ماذا كان سيحدث....؟ أم علي ّ ان لا ابعد شبح الأثر الكارثي الذي جعل مصائر البشر قيد التدمير، والزوال..؟
هذه الظلال، والضلال، ستعمل في أقاصي الرأس: في خلايا الدماغ، وفي ومضات الوعي، بعيدا ص عن الثنائية، وبعيدا ً عن مثنويات الفلسفات القديمة، فانا عشت ـ كعدد من زملائي ـ المشهد حد تذوق خفاياه اللاذعة، المهلكة، ثانية بثانية. فالإنسان لم يولد في الخوف، ولن يعيش فيه، كي يدفن في حفرته فحسب، بل الخوف (وربما علي ّ ان أقول: اللا تنمية/ اللا عمل/ اللا احترام، ومعاملة بعضنا للبعض الآخر وكأننا في أتون: حرب الجميع ضد الجميع) سبق حضورنا أصلا ً، لأن المشهد برمته لم يعد بحاجة إلى ديمومة. لكن الاحتضار ـ وهذه إشكالية لم نر من يشخصها لنا بما هي عليه ـ غدا البرنامج الذي علينا ان نحافظ عليه: الشعوب التي عليها ان لا ترى النور، هي ذاتها، عليها ان تبقى عليلة، تدور في المحور ذاته، ولا تنتج إلا ما شخصه الملا عبود الكرخي: مشاجرات مومسات الميدان! في ذلك الزمن (الكلجية) التي تم استبدال معناها من موقع لجماجم ثوار بغداد إلى موقع للدعارة!
لا احد أضاء لنا الدرب تمام الإضاءة، حتى لو كانت خاتمته سابقة مقدماته، إلا في حدود تنمية الإقصاء، ومن مختلف الفصائل، شعارات للتشهير، والمطاردة، والإذلال. فالمعركة، برمجت كي لا يخرج منها احد إلا مثقلا ً بالذنوب! ألا يبدو القرن الماضي (بين 1921 ـ 2011) مشهدا ً لا ينتمي إلى مسرح العبث، واللامعقول فحسب، بل إلى ما لا يسمى، والدخول فيه، كالدخول في حفرة كومت فيها مئات الجثث مجهولة الهوية في صيف بغداد الذي لا يرحم! ـ: عطر التاريخ، يا بودلير، ويا أيها المعري، ويا طرفة، ويا أيها الحكيم السومري الذي لخص المأزق ذاته قبل ستة آلاف عام، العطر المشبع بالنتانة، وشفافيات المحو، والتنكيل، باسم الحداثة، وما بعدها، حيث لم يجمعنا القبر، بل كان على كل منا ان يجد وسيلة للتواري، وتجنب الأصوات، ولفت النظر! فالفصائل ستوكل إليها مهمة تجاوز مشروع ذبح الجميع للجميع، نحو: ترك المستقبل يمحو ماضيه!
[8] ديالكتيك التتابع
لنصف قرن وأنا أفكر: هل ثمة مسافة بين إدراكي للحقائق، أو التي تحولت إلى موضوعات لهذا الإدراك، وبين ما هو حقيقي، من غير تدخل شكوكي في الإدراك، الخاصة بتلك الموضوعات، أو المرئيات، أو الأشياء...؟
انه سؤال الفلسفة السابق على حب الحكمة: هل وجدت الموجودات لغاية تشترك معي في ما هو ابعد من غايتها، وابعد من غايتي، أم وجد (وعي) ـ وعينا ـ كي يحدد وجودي وفق معايير هذا الوعي..؟ ما الحكمة عندما اكتشف ان هذا النمط من المشتغلين في التفكير، هما اقل البشر تمتعا ً بالحقوق، وهم، في نهاية المطاف، دروب لصعود اقل الكائنات إحساسا ً بموضوعات الفكر وبما يتحكم فيه، بخلاصة الحكمة، ولغزها..؟
الختم، هناـ كما في أقدم النصوص الشبيهة بالفن ـ ليس أداة تحكم، أو تعويذات، أو إشارات، وليس تمهيدا ً لتحولها إلى سلع، للتبادل، أو للهيمنة، أو لبناء علاقات حسب، بل تغذية لنزعة الشك بما في مادة الحياة ومظاهرها، وفي انساق الوعي نفسه، قبل جوهره النائي، والكامن بحصانته، وامتناعه، وما هو عليه في الأخير.
إنها لذّة مقلوبة، يبررها علم النفس، بظاهرة حب إيذاء الذات، في مقابل، إيذاء الآخر. لكن هذا لا يكفي لوجود تقاليد امتدت عبر مختلف العصور، وتحولاتها. فالفن غدا مندمجا ً في حكمة الحياة، حد لا يمكن استبعاده منها، لا في فن صناعة الطعام، ولا في فن التعذيب، والقتل، وانتزاع مخفيات العقول، ولا في العمليات الأكثر قسوة في أنظمة الحكم وما تتطلبه من فنون إبادة ـ ومحو، فحسب، بل للحياة بما لا يمكن دحضها!
لأن الإنسان لو لم يكن فنانا ً، منشغلا ً بشحذ وسائله في التقدم، والتغيير، منذ تلك الحقب السحيقة التي منحت الأصابع قدراتها، كالبصر وباقي المجسات، في صناعة ما يشبه آخر إبداعات الحداثة ـ وما بعدها، لكان اقل إثارة للجدل، عند الحكماء، وليس لدي المتحكمين بمصائر الناس، ولكان، وهو يكتفي بحياة النمل/ أو النحل/ أو الأسماك/ أو الطيور..الخ غير مراقب، وغير مسؤول، عما سيراه خطيئة، ورحمة، وتوبة، واقل براعة في البرهنة ان الوجود ـ بهذا الوعي له ـ هذا الانحدار الاستثنائي نحو المحو ـ بأكثر وسائله إبداعا ً، وعدم اكتراث!
أم على الوعي، بشكل ما من الأشكال، ان يجد نفسه ينحدر، خلف من سبقه، نحو الهاوية ذاتها، بالعثور على آليات تضمنت المسافة بين الوعي ـ وما هو مكون له ـ في الوجود، ودمجهما بعمليات التتابع حد ان هذا الوعي ـ المرهف والشفاف ـ لا يعمل على دحض ما هو عليه! بل على تغذية الامتداد، بمنح الفن تقاليده، وخصائصه، ومكانته في هذا الاشتباك..؟
[9] الذات ـ والبرمجة الجمعية
ربما هناك صيغة للإدراك تتضمن سببيتها لكنها تحافظ على جانبها الوظيفي: إنها وجدت كي توجد. وسيشكل إدراكي لها لا لأنها وجدت حسب، بل لأنني أنا هو الموجود، ولأننا ـ ثالثا ً ـ وجدنا ضمن علاقة ثلاثية، فالكائنات لديها قدرة التلقي، والتحليل، ومن ثم الدخول في عمليات الإنتاج. إنها ديمومة مركبة عبر دورات ـ كما فكر أسلافنا عند تدشين الكتابة في سومر. والروح/ أو النفس/ منذ عصور سحيقة، تجد في الجسد مأوى للإقامة ـ وللمغادرة ـ وللعودة مرة ثانية بعد الموت. وثمة، إلى جانب هذا التصور، أن شيئا ً ما ـ كالنفس أو كالروح ـ يحل في كيانات أخرى، غير بشرية، في الحيوان وفي النبات وفي الخامات. إنها تصوّرات تمنح (الوعي) صيغة جمعية متماثلة تتصدع وتنبني عبر علاقات بالغة الدقة مع المكونات الأخرى. فالوعي الجمعي للأنواع ـ إنسان/ حيوان/ نبات ـ لا يمكن فصله، في هذا السياق، عن عمل الكيانات المختلفة. والاختلاف الفردي، ليس شذوذا ً، أو طفرات تحدث إلا لتؤكد هذا الترابط. فلزمن طويل كان الحيوان الأقوى ، وضمنا ً الحيوان البشري ـ وفق قانون الصياد ـ الطريدة، الضحية، الهامش له نسقه التام. ولتعديل هذا القانون، أو دحضه، كجعل ملكية الجماعة خاصة بها، وليس لزعيمها، أو تحت زعامته، تعد وثبة نحو نظام الوعي الجمعي في حماية مكونه، وضمنا ً أفراده.
فهل ثمة وجود ادراكات خاطئة كلية، أو غير صائبة تماما ً،أم ليس هو إلا تعبير عن تدرج (سببي/ منطقي) للعمل المترابط بين الجزء والكل..؟ كالاعتراف بوجود شخص ما يتقاطع مع عادات الخرافة، مثل (غاليلو) ـ على سبيل المثال ـ أو كأبحاث دافنشي في العلوم، فان المثال يلفت النظر إلى وعي جمعي أنتجته عوامله، وان تعديل المعتقدات/ التصوّرات، في الأخير، خاص بالحقائق ذاتها، وليس في الوعي إلا لأنه أعاد اكتشافها.
وثمة أمثلة أخرى توضح، مثلا ً، ان وجود اللذّة في الوظائف، وكأنها مستقلة أو منفصلة، تؤدي الدور الجمعي لحماية النوع. على ان هناك لذّات تبدو شاذة، كوجود أجزاء ذات وظائف غامضة، كالجنس الثالث مثلا ً، المزدوج، وكوجود أعضاء إضافية، أو ناقصة، وظهور سلوكيات مغايرة تماما ً، قد تؤدي إلى ظهور سلسلة جديدة لها وعيها الجمعي، مرة أخرى، بدءا ً بالحالة الشاذة..؟
هذا المثال يؤكد تحولاته عبر أزمنة طويلة. لأن عملية استبدال الوعي، سينتظر تراكمات لا تحصى، تؤدي إلى ضرب من الموازنة بين النوع وعوامله الخارجية. فقد يؤدي ضمور نجم ما، أو أي تغير في الجاذبيات، والمسافات، إلى وجود كيانات مغايرة لأصلها، مع احتفاظها بمبدأ انها تعمل بالقانون نفسه، وفي مقدمته: إنها غير مسؤولة إلا عن حدود عمل وعيها، مع الكيانات الأخرى. فالحيوانات التي تلقى حتفها، بإرادتها، لأسباب تبدو مجهولة،لا تتمتع بالحرية التي يستخدمها نوعها قناعا ً، أو سلوكا ً يتضمن مشفراته، إلا باليات كلية تتضمن مبدأ المصادفة ـ والشاذ.
هل أنتج أسلافي تلك الإشارات الشبيهة بالفن، أقنعة، أو فرمونات، أو منبهات، لهذا السياق الجمعي في التكيف، مع الحفاظ على النوع إلى تدميره..؟ بمعنى، ابعد من ذلك: ان اللاوعي سيتضمن أشكال وعيه المعلنة، دامجا ً القصد، المصادفة، في عمله الكلي، الأمر الذي بلور حتمية التصادم، والتناقض، والتناحر، كسياق لعمليات الانبثاق/ التواري، وكامتداد للقوانين في عملها خارج حدود الإدراك.
هو ذا وعيي لن يسمح لي إلا بخلق حمايات رمزية، تستبعد الرضا بالمسلمات لأنظمة شبيهة بما يحدث في مملكات النمل/ الأسماك/ والنحل. لكن الإنسان، بعد قرون، ليس لديه هذا الوعي، بحكم الضرورات، والوثبات البديلة، التي لن تعدو أكثر من آليات عمل، تجعل الوعي يعمل بحدود ضوابطه، وفي الوقت نفسه، تسمح له بكسرها، ودحضها، ومحوها في نهاية المطاف.
[10] اللا متوقع ـ والشرود
الذهن الشارد، في حالات الاستبصار، كحال المتصوف، أو العاشق، لكن الأخير سرعان ما يدمره الصحوً لأن المتصوف يكون قد عبر حال السكر والولادة وسكن الذي استدل عليه غيابه، فلم يعد منشغلا ً بالمأوى، ولا بالمكاسب، ولا بحجابات اللغة. والعاشق،لن يشبه صانع النص، حيث الأخير كلما تخيل حافة النهاية وجدها تقع وراء الحافات. فإذا كانت العائلة ـ مع انها مازالت تتعرض إلى التفكيك والهدم ـتصهر، عبر آليات النظم المجتمعية، الذكر بالأنثى نحو سعادة تمضي باتجاه نهايتها. فالشارد الذهن ـ مثلي ـ لا يرغب ان يتوهم انه عثر على المفتاح، ونجا، وانه حاز على ما ولد لأجل ان يراه وهما ً أو كالوهم، حقيقة أو كالحقيقة. ان هذه العلاقة لن تجد رضاها لو كانت شبيهة بالعلاقات السابقة. فبكارة النص لا وجود لها في الأصل، والتأويل السيكولوجي هو جزء من مسار شائك للأنظمة الأكثر تعقيدا ً. ففي الفنان ومضات/ محركات تجعل وثباته شبيهة بقفزات الإلكترون، لا نظام لها، ولن تكرر حركاتها أبدا ً! ففي الشرود قوة يصعب تحديد أسبابها كي يصرخ الفنان: وجدتها! انها ابعد من الحقائق العلمية. فالفنان غير مشغول بتحديد نوع الخامة، لأنه، يرغب ان يمسك بما بعد الشغل، وان يبلغ الوحدة. لأنه غير معني بالربح والخسران، ولا بالصياد وطرائده، ولا بالجلاد وضحاياه. فهو خارج التناقض! فهل ثمة (وهم) تمت برمجته، بما لا يدحض..؟ وهم ان تبدو الظواهر كالحقائق، لا تفنى ولا تستحدث!
أتذكر ـ قبل أربعين عاما ً ـ سألني فاضل العزاوي ـ أستاذي وصديقي ـ عن كتاب كنت قراءته. فرحت احكي له انطباعاتي عنه. لكنه قال لي ببساطة: انه لم يقرأ كتابا ً سيئي الترجمة كهذا الكتاب، وأنني كنت اخترع ما لا وجود له في الكتاب!
أتراني كنت احفر في الكلمات، وأحول الأخطاء إلى محفزات لبناء أوهام لا وجود لها، أم كنت أفكر بمعزل عن الكتاب، ألمنبهه، لأنني لم أكن منشغلا ً بالشرح، وإعادة سرد ما في الكتاب!
هذا الشرود لا استطيع عزله عن مراقبتي لتحولات ـ وتصدعات ـ وانبثاقات ما يجري في ّ، وخارجي، ضمن الجسور القائمة بيننا، خلال عمليات المراقبة. فانا غير مشغول بـ: لماذا ..ولكنني مشغول بما وراء الارتواء المستحيل. فلم تعد تغريني ثوابت الآخر، أيا ً كانت، إلا كي أتأكد من هذا الذي يأخذني معه إلى وراء المتاهات: خلف الموت الذي أتبادل معه العبور، من الشرود إلى صحو شارد، ومن سكر مستحيل إلى رغبة كفت عن الاستغاثة، وعن الطلب. فثمة، على خلاف ما يحصل بين ذكر وأنثى، انشغلت بالشمس: لماذا تراها تقذف حممها، وإشعاعاتها، وعناصرها الأخرى، كي تخصب الأرض، لكن بخراب، هو الآخر، كالغابات/ البحار/ الحيوان وضمنا البشر، لا يمتلك إلا زمن اندثاره!
فالابن أو البنت، كالثمرة، أو البذرة، وكالأفكار، والنصوص، ما هي إلا نتائج هذا العرس: الشمس بالأرض! ويا له من خراب لا يشاطرني إلا الاحتفال بزمن لا يمتد أكثر من عبوره نحو الزوال!
[11] الشمس ـ بذور شبيهة بالحجارة
بمنى ما: ليس هذا الذي يصنعه الصانع إلا كعمل المفتاح في القفل، إنما بقفل يتوارى فيه المفتاح! وهل رأينا حقاً القفل، كي نمسك بالمفتاح! إنها ليست غنيمة، جائزة، أو نجاة من الجحيم. فانا لا اعرف كيف قالوا لناـ في معبد مردوخ ـ ان حمورابي أصغى للإله آشور، ليسن شريعته..؟ لا اعرف من كان وهمه شبيها ً بثوابت حكم الموت، والقصاص، اهو مردوخ، أم أشور، أم حمورابي، أم تصوراتنا نحن النمل/ النحل البشري!
يصعب علي ّ، ان أصغي ـ بلا ظن ـ للسكن بجوار مردوخ، مستمتعا ً بالضوء، والثمار، وبالنعيم. فعالم الآلهة لا يبدو أكثر من حلم: بيت شفاف! فيما كان حمورابي معلما ً للحكمة. ففي القانون شرود شبيه بالذي لازمني وأنا أجد ان التنازل عن طعامي كحيوان جائع يتوازن مع روح تلك الشريعة! لكن هذا لا يكفي، لا لأن الشريعة هدمت، ودفنت، مع رموزها، تحت الأرض، بل لأنني، كبذرة خزنت ماضيها، مازالت تبحث عن توكيد يتجاوز برمجة جهاز الاستنساخ. الدفن وانتظار وليد لا أب له، ولا أم، إلا بما وراء سياق: فض البكارة، أو ارتكاب العدوان، وكنز كنوز ...، ذلك لأن في الشرود ـ كالذي دفع أسلافي وهم يراقبون الشمس، الذكر وقد استحال أنثى ـ تقذف بذورها إلى الأرض، العروس/ الرحم، التي تخلت عن وليدها لا من العقم، ولا من الاخصاء، بل من خلط التدفق ـ لان الغوايات ستكمن في النسج، وفي عمليات البناء، حيث اللاحافات تمتد، وتتسع، خارج مفهوم المسافة/ الزمن، والحركة، وقد أعطتنا المفتاح، لكنها حجبت عنا القفل، تارة، أو أعطتنا القفل، وقالت لنا: هذه هي المحنة! فأين هو المفتاح، بعد ان بدا الوهم ـ وحده ـ شبيه بما لا وجود له، وقد تزين،كالمرأة العقيم، وقد أنجبت سلالات من الجلادين، ومن الضحايا، بعدد بذور الشمس التي لم تخصب إلا حجارة، وفنانين، وشعراء!
[12]
في عالم أجد نفسي فيه مرغما ً ان استكمل مقدماته، رغم انفي، وإرادتي، وأنا أرى خاتمته قد فرضت حضورها مع تلك المقدمات، لكنني، ببساطة، لا امتلك إلا ان استبعد النهايات! فسألت نفسي: هل باستطاعتي الامتناع عن الطعام، أو التنفس، او الكلام، او التفكير، أو المشاركة في حياة فقدت غواياتها، ومبررات الاندماج في كياناتها؟ وايل ديورانت يذكر مثالا ً لامير اتخذ قراره بالامتناع عن تناول الطعام بعيدا ً عن العاطفة، وبعقلانية، لكنه اضطر، تحت ضغط شقيقته بسبب زواجها، ان يتناول وجبة طعام، كي لا يحدث موته إرباكا ً لاحتفالات العرس. هل أقول: فقد لذّة الشعور بالحياة، أم على ّ الذهاب ابعد من هذا الاحتمال، وأفكر ان برنامجه الوراثي رسم له حتمية هذا القرار، أم ابحث عن ضعف المناعة تجاه الرغبة بالسكينة، والاتحاد بالأبدية، من غير ذل، وقهر، أم ان قوة الموت تفوقت على دوافع الديمومة، أم ان الرجل ذهب ابعد من الزمن الذي وجد حياته فيه لا تتوازن مع رؤاه، لعالم تمحى فيه الوصايا، وتداس، وقد بلغ الاشتباك، والتصادم، وموت البراءة، حدها الذي لم يعد يحتمله، فقرر، بهدوء، كما فعلت فرجينيا وولف، أو همنغواي، أو فان كوخ، أو ستيفانزفايج وقرينته...الخ قهر الرداءة، بأكثر الدفاعات سلبية، والتخلي عن قانون: الصياد ـ وعن أي نظام يتأسس على تراكمات الفراغ!
ملأني هذا الهاجس بفزع نحو الكتابة، ولكن ليس تجاه الألوان، أو وأنا اصنع أختامي، ثم، في أجزاء لا مرئية من الثانية، أوشكت ان أباشر في التلوين، لكنني ـ وبالمشاعر ذاتها وفي زمنها الوجيز ـ وجدت القلم بين أصابعي يلون هذه الكلمات: كلمات مازالت تلفت نظري إلى: كيف خطر ببال الرسام الأول، ان يرسم ...؟ لم أفكر، بل كتبت: انه سياق استكمال المقدمات نحو نهاياتها! فابتسم! ولكن ماذا لو قلبت المعادلة: الضرورة السابقة على الرغبة بتناول الطعام، في الأصل! بمعنى إنهما وجدا معا ً: إنها الديمومة بزوالها، والزوال بديمومته. لأن الرسام الأول، وجد لذّة ما، ونشوة في محاكاة ما رآه، أو ما نحته، وفي ما أنتجه، فأصبح عمله شبيها بعلاقة الصوت مع أعضاء الكلام، لتتشكل عملية انتقاء المفردات، مع الوظائف، عبر مكونات المجموعة، وبحكم نظامها.
فهل استطيع ان أتخلى عن الكتابة، وعن الفن، وأنا لا امتلك تصورات إضافية لعالم بعد عالمنا هذا القائم على هذه التصورات، بضروراتها، حد استحالة العثور على مبررات غير التي أصبحت تعمل كعمل الشمس: تسمح للحياة بالحضور، والتداول، من ثم تتحد بالظلمات!
فجأة وجدت الهواء يزداد سخونة، مع صداع رطب يصعد إلى أعلى الرأس، والآم في المفاصل، وحرقة مرة في القلب، كلها، مع رغبة في تأمل أشعة الشمس من وراء الشباك الزجاجي، وهي رغبة تمارس إخصاب كل ما سيتحول إلى مضادات لا تشبه ما يجري في أفران الشمس، سمحت لي ان أواصل الكتابة، عن هذا الذي أراه يتكون، لا المعنى، بل الكلمات، وهي تسبق أصابعي في أداء عملها! كي استنتج، في ذروة الشرود، ان الشمس ستبقى، تمد وجودي بلغز هذا الوجود: المرارات، والعفن، والاحتضار!
أعود إلى ذلك الرجل النبيل الذي مات بهدوء، في ايطاليا، والى رجل آخر، في الهند، درب نفسه، بعد 15 عاما ً، ان يمتنع عن تناول الطعام، ويكتفي بالهواء، واسأل نفسي: أي سياق هذا الذي يسمح لي ان أبدو حقيقيا ً، وربما، صادقا ً، حتى وأنا اجهل لماذا وقعت في غواية هذا الاختيار!
الجمعة، 25 نوفمبر 2011
سقوط شريف وتنحي شرف-كاظم فنجان الحمامي
سقوط شريف وتنحي شرف
جريدة المستقبل العراقية 24/11/2011
كاظم فنجان الحمامي
قال الشعب المصري كلمته بعد واقعة الجمل, فسقط (صفوت) غير الشريف, وسحقته الجموع الثائرة الغاضبة في قلب ميدان التحرير. .
تسلق رجال الجيش سلم السلطة مرة أخرى في حوض النيل, وتربعوا على منصة الحكم, وكادوا أن يستحوذوا عليها, فزحف الشعب ثانية نحو ميدان التحرير, ليكمل ما تبقى من خطوات مسيرة الحرية والانعتاق, ويقف بوجه بوادر عودة الجور والظلم والاستبداد, فاستقالت حكومة (شرف), في خطوة وطنية جريئة, جاءت رداً على الدماء, التي سالت بميدان التحرير بأسلحة الأجهزة الأمنية, التي مازالت تحمل عقيدة النظام السابق ورواسبه العنترية, فعادت السلطة مؤقتا إلى ثكنات المشير (طنطاوي), وشهد الاستقرار في مصر تدهورا كبيرا في ظل الهرجلة والهرولة والمرجلة, التي تفسر تأرجح الأوضاع بين حقبة (الشريف موافي) ومرحلة (العصامي شرف), وشتان بين صفوت الشريف, وعصام عبد العزيز شرف, فالأول لم يكن شريفا, ولا نظيفا في يوم من الأيام, ولم يكن عفيفا بالمرة, والثاني هو الذي قال: (لا) في وجه من يقولون: (نعم, وحاضر يا فندم, وأمرك يا سيدي على راسي).
قدّم (شرف) استقالته الأولى قبل ثلاث سنوات, تاركاً مكتبه الفخم في وزارة النقل, بعد فاجعة قطار (قليوب), وهو نفسه الرجل الذي أطلق مفاجأته الثانية هذا الأسبوع, عندما قرر مغادرة منصب رئيس الوزراء من غير مهاترة ولا مكابرة, فلا وجه للمقارنة بين صفوت الشريف الذي كان الصندوق الأسود لأسرار مبارك, وبين الدكتور عصام وزير النقل الأسبق, ورئيس وزراء مصر منذ 3/5/2011. .
لم يكن صفوت الشريف شريفا في حياته, ولم يكن مجرد قيادي في حزب مبارك, بل كان هو القواد الكبير, الذي تمرس بسلسلة لا حصر لها من العمليات القذرة. .
بدأ حياته في ممارسة الدعارة السياسية منذ اليوم الذي عمل فيه ضمن وحدات الاستخبارات, تحت اسم حركي (موافي), فانحصرت مهمته في تجنيد الساقطات في العمليات الاستخباراتية, وهي المهنة التي أجادها, واستعان بها في نشر الرذيلة في الأوساط السياسية, للمدة التي أمضاها وزيرا للإعلام (23) عاماً, منذ بداية حكم مبارك, نال بعدها عدة ألقاب, نذكر منها: الشيطان, ومسؤول الدعارة في أروقة القصر الجمهوري, واخطر رجل في مصر, والقواد موافي. .
في حين نال الدكتور عصام شرف مرتبة الشرف في العلوم الهندسية من جامعة بوردو الامريكية في هندسة النقل عام 1984, عمل بعدها أستاذا في جامعة القاهرة, ثم انتقل للتدريس في جامعة الملك سعود, وعاد إلى مصر لينال شرف منصب أمين عام مجلس الأشغال بجامعة القاهرة, حتى صار وزيرا للنقل والمواصلات في أول حكومة شكّلها أحمد نظيف, لكنه ترك الوزارة احتجاجا على إهمال حكومته وتقاعسها عن أداء واجباتها على الوجه الأكمل, وعاد إلى الظهور على الساحة السياسية ليتبوأ منصب رئيس وزراء مصر, لكنه ما أن شعر باتساع سلطات الجيش, وأدرك الانحراف في مسار الثورة التحررية حتى بادر لتقديم استقالته مرات ومرات, لينجح في نهاية المطاف في التنحي عن السلطة, ويسحب البساط من تحت أقدام العم طنطاوي ومعسكره القلق, الذي فقد شرعيته في شهادة وفاة رسمية, كتبها ووقعها الثوار بأصواتهم الهادرة, المنددة بعودة العسكر إلى سدة الحكم. (الشعب يريد إسقاط المشير).
استشعر المصريون الخطر, فتصرفوا وكأنهم تعلموا الدرس من الشعوب المجاورة, التي مرت بالأزمات الانتقالية نفسها, وقرءوا المقررات الدراسية المستقبلية قراءات معمقة مستفيضة, فقرروا التصدي لكل الانحرافات التي قد تصادر حرياتهم, والتي ربما تعيدهم إلى الخنادق العسكرية الفولاذية. .
فهل سيصمد المشير طنطاوي لوحده في مواجهة الجموع الغفيرة, التي خرجت للمطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة والإنسانية في إطار حكومة مدنية منتخبة, قادرة على انتشال مصر من محنتها القديمة المعاصرة ؟؟.
الجواب سنسمعه قريبا من مكبرات الصوت في ميدان التحرير. . .
جريدة المستقبل العراقية 24/11/2011
كاظم فنجان الحمامي
قال الشعب المصري كلمته بعد واقعة الجمل, فسقط (صفوت) غير الشريف, وسحقته الجموع الثائرة الغاضبة في قلب ميدان التحرير. .
تسلق رجال الجيش سلم السلطة مرة أخرى في حوض النيل, وتربعوا على منصة الحكم, وكادوا أن يستحوذوا عليها, فزحف الشعب ثانية نحو ميدان التحرير, ليكمل ما تبقى من خطوات مسيرة الحرية والانعتاق, ويقف بوجه بوادر عودة الجور والظلم والاستبداد, فاستقالت حكومة (شرف), في خطوة وطنية جريئة, جاءت رداً على الدماء, التي سالت بميدان التحرير بأسلحة الأجهزة الأمنية, التي مازالت تحمل عقيدة النظام السابق ورواسبه العنترية, فعادت السلطة مؤقتا إلى ثكنات المشير (طنطاوي), وشهد الاستقرار في مصر تدهورا كبيرا في ظل الهرجلة والهرولة والمرجلة, التي تفسر تأرجح الأوضاع بين حقبة (الشريف موافي) ومرحلة (العصامي شرف), وشتان بين صفوت الشريف, وعصام عبد العزيز شرف, فالأول لم يكن شريفا, ولا نظيفا في يوم من الأيام, ولم يكن عفيفا بالمرة, والثاني هو الذي قال: (لا) في وجه من يقولون: (نعم, وحاضر يا فندم, وأمرك يا سيدي على راسي).
قدّم (شرف) استقالته الأولى قبل ثلاث سنوات, تاركاً مكتبه الفخم في وزارة النقل, بعد فاجعة قطار (قليوب), وهو نفسه الرجل الذي أطلق مفاجأته الثانية هذا الأسبوع, عندما قرر مغادرة منصب رئيس الوزراء من غير مهاترة ولا مكابرة, فلا وجه للمقارنة بين صفوت الشريف الذي كان الصندوق الأسود لأسرار مبارك, وبين الدكتور عصام وزير النقل الأسبق, ورئيس وزراء مصر منذ 3/5/2011. .
لم يكن صفوت الشريف شريفا في حياته, ولم يكن مجرد قيادي في حزب مبارك, بل كان هو القواد الكبير, الذي تمرس بسلسلة لا حصر لها من العمليات القذرة. .
بدأ حياته في ممارسة الدعارة السياسية منذ اليوم الذي عمل فيه ضمن وحدات الاستخبارات, تحت اسم حركي (موافي), فانحصرت مهمته في تجنيد الساقطات في العمليات الاستخباراتية, وهي المهنة التي أجادها, واستعان بها في نشر الرذيلة في الأوساط السياسية, للمدة التي أمضاها وزيرا للإعلام (23) عاماً, منذ بداية حكم مبارك, نال بعدها عدة ألقاب, نذكر منها: الشيطان, ومسؤول الدعارة في أروقة القصر الجمهوري, واخطر رجل في مصر, والقواد موافي. .
في حين نال الدكتور عصام شرف مرتبة الشرف في العلوم الهندسية من جامعة بوردو الامريكية في هندسة النقل عام 1984, عمل بعدها أستاذا في جامعة القاهرة, ثم انتقل للتدريس في جامعة الملك سعود, وعاد إلى مصر لينال شرف منصب أمين عام مجلس الأشغال بجامعة القاهرة, حتى صار وزيرا للنقل والمواصلات في أول حكومة شكّلها أحمد نظيف, لكنه ترك الوزارة احتجاجا على إهمال حكومته وتقاعسها عن أداء واجباتها على الوجه الأكمل, وعاد إلى الظهور على الساحة السياسية ليتبوأ منصب رئيس وزراء مصر, لكنه ما أن شعر باتساع سلطات الجيش, وأدرك الانحراف في مسار الثورة التحررية حتى بادر لتقديم استقالته مرات ومرات, لينجح في نهاية المطاف في التنحي عن السلطة, ويسحب البساط من تحت أقدام العم طنطاوي ومعسكره القلق, الذي فقد شرعيته في شهادة وفاة رسمية, كتبها ووقعها الثوار بأصواتهم الهادرة, المنددة بعودة العسكر إلى سدة الحكم. (الشعب يريد إسقاط المشير).
استشعر المصريون الخطر, فتصرفوا وكأنهم تعلموا الدرس من الشعوب المجاورة, التي مرت بالأزمات الانتقالية نفسها, وقرءوا المقررات الدراسية المستقبلية قراءات معمقة مستفيضة, فقرروا التصدي لكل الانحرافات التي قد تصادر حرياتهم, والتي ربما تعيدهم إلى الخنادق العسكرية الفولاذية. .
فهل سيصمد المشير طنطاوي لوحده في مواجهة الجموع الغفيرة, التي خرجت للمطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة والإنسانية في إطار حكومة مدنية منتخبة, قادرة على انتشال مصر من محنتها القديمة المعاصرة ؟؟.
الجواب سنسمعه قريبا من مكبرات الصوت في ميدان التحرير. . .
الخميس، 24 نوفمبر 2011
كان زمــان
كان زمــان
للحقيقة والتأريخ وبدون مزايدات نقول
هذه هي وثيقة محايدة لخارطة اخرجت من ادراج الارشيف العثماني تتضح
فيها حدود ولاية البصرة حتى تأريخ نهاية الحكم العثماني في العراق وبداية الاحتلال البريطاني للعراق في العام 1918 ويلاحظ فيها مايلي :
1. ان حدود البصرة تمتد الى جنوب قطر
2. ان الخليج العربي كان يسمى بخليج البصرة
3. ان البحرين كانت ضمن حدود البصرة
4. ان قطر كانت ضمن حدود البصرة
5. ان الاحساء والمنطقة الشرقية الان كانت ضمن حدود البصرة
وهذا يظهر لنا حجم التأمر والمؤامرة على العراق في أقل من مئة سنة حيث سلخت من العراق هذه الامارات والمناطق الشاسعة واسست لها دويلات وامارات ومشايخ وما اشبه اليوم بالامس
الاثنين، 21 نوفمبر 2011
موقف محرج علمني دروساً-سلام الشماع
موقف محرج علمني دروساً
سلام الشماع
أخفي بين يديّ وجهي خجلاً كلما تذكرت موقفي المتهور معه... وبعد حين لمت نفسي لكنه علمني دروساً لن أنساها أبداً انطبعت على سلوكي فيما بعد.
كنت محرراً في مجلة تعد في العراق الأولى وعمري لم يتجاوز السابعة عشر بعد، وكان ظهور اسمي على صفحات المجلة أسبوعيا يملؤني فخراً بنفسي، وما زادني كبراً أنهم أعطوني صفتين اثنتين هما أني أصغر محرر صحفي في العراق، وثانيتهما كاتب تحقيقات من الطراز الأول، ذلك غير تكليفي بمهمات صحفية يخفق فيها الكبار مثل مقابلات الوزراء والمسؤولين.
كان ذلك في العام 1975 بعد سنة واحدة من امتهاني الصحافة... ولكم أن تتخيلوا ما تأثير ذلك كله على فتى مراهق.
في يوم كنت كتبت عن منطقة عراقية فيها آثار آشورية، لعلها الشرقاط، التي عدت منها بأكثر من تحقيق صحفي مثير، وكان عليّ أن أستكمل التحقيق بتطعيمه برأي من مختص في الآثار، فذهبت إلى كلية الآداب في جامعة بغداد وتوجهت إلى قسم الآثار ودلفت غرفة الأساتذة ولكني لم أجد أحداً، فخمنت أنهم في الدرس وقلت لنفسي لا بأس أن أنتظر ليقودني أحدهم إلى رئيس القسم لأطرح عليه أسئلتي.
بعد نصف ساعة من الانتظار دخل إلى الغرفة شخص ملابسه قريبة إلى الرثاثة وبيده قدح شاي قدمه لي وجلس إلى جانبي، فدهشت من تصرفه، إذ كيف يجلس عامل النظافة في الكلية إلى جانب ضيف جاء لمقابلة رئيس القسم؟.
لكن الرجل سألني عمن أكون وعما أريد، فأجبته متضايقاً وباستعلاء بأني صحفي ولديّ أسئلة أريد طرحها على رئيس القسم... وإذا به يسألني بثقة: وما هي هذه الأسئلة؟..
أردت أن أنفجر بوجه فضوله، ولكني تراجعت، في اللحظة الأخيرة، عندما رأيت شعره الأبيض الذي يكلل رأسه، وبضيق أيضاً أجبته عن سؤاله، فقال لي: أكتب قد يتأخر عليك رئيس القسم لأنه خارج الكلية وسأجيبك أنا على قدر معلوماتي.
سلمت أمري إلى الله وتلوت عليه أسئلتي تخلصا من تطفله وفضوله على (صحفي مثلي)!!!، وهو عامل النظافة الذي جلب إليّ الشاي، فلم يكن منه إلا أن يتدفق بمعلومات أذهلتني... إلا أنني لم أنتبه وسألته كيف لعامل نظافة أن يمتلك هذه المعلومات كلها، فابتسم ابتسامة حيية ولم يشأ أن يحرج فتى صغيراً، وقال لي إنه يعمل منذ سنوات طويلة في هذه الكلية وقد سمع الكثير عن الآثار وعلم الآثار من الأساتذة فتكونت لديه معلومات، وطلبت منه أخيراً أن أثبت اسمه فأخبرني أنه (طه باقر).
شكرته وغادرت الكلية وعندما كتبت التحقيق أدرجت معلوماته بعد أن سبقتها بعبارة: (ويقول طه باقر أحد العاملين في قسم الآثار في كلية الآداب بجامعة بغداد).
وفي صباح اليوم التالي قدمت التحقيق إلى رئيس القسم الذي بدأ بقراءته ثم بعد ذلك فتح عينيه على وسعهما في أوراق التحقيق وفغر فاه وقال لي: هذا أجمل تحقيق قرأته لكن لي عليه ملاحظة واحدة، وهي أن (طه باقر) ليس أحد العاملين في الكلية وإنما هو أستاذ أساتذة علم الآثار!!.
احمر وجهي خجلاً وذهبت إلى أرشيف المجلة لأكتشف أن عامل النظافة الذي توهمت إنما هو قارئ الرقم الطينية القديمة، وهو رائد من رواد علم الآثار في العالم ومؤلفاته مصدر مهم من مصادر علم الآثار والحضارات والتاريخ القديم، وأنه على الرغم من كونه أستاذاً في كلية الآداب ودار المعلمين العالية لكنه ظل متعلقاً بالعمل الميداني، في مجال التحري والتنقيب فترأس بعثة للتنقيب في موقع (تل الدير) وعقرقوف أعوام 1941 – 1947، وأشرف على التنقيب في (تل حرمل) و(تل الضباعي) في بغداد 1945 - 1961 كما أشرف على التنقيبات في حوض سد دوكان وسد دربندخان أعوام 1956 – 1961، بالإضافة إلى أعمال الصيانة الأثرية في مدينة بابل سنة 1958 - 1963. وأنه قدم مئات البحوث المنشورة وعمل رئيساً لتحرير مجلة سومر.
ومنذ ذلك اليوم يحمر وجهي خجلاً كلما ذكر اسم طه باقر أمامي.
ومن باب ردّ الأمانات إلى أهلها أقول لكم: إن طه باقر الذي حزنت لوفاته في العام 1984 وبكيته، علمني دروساً كثيرة في هذا الموقف، منها ألا أحكم على الناس من خلال مظاهرهم وألا أحرج إنساناً وأن أتواضع، وألا أشعر بالكبر وأتخيل بأني ملكت علم الأولين والآخرين.
كان طه باقر علما عراقيا عربيا عالميا، ورمزاً من رموز العراق لذلك فأول جريمة ارتكبها أزلام الاحتلال بعد سرقة المتحف العراقي وتحطيمه وإحراق المكتبة الوطنية العراقية، كانت جريمة تجريف قبره وقبور ثلة من أعلام العراق كعلي الوردي، عالم الاجتماع الأبرز، وعلي جواد الطاهر، أستاذ النقد الأدبي المشهور، وجواد علي المؤرخ، صاحب كتاب (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام)، الذين جاوروا طه باقر في مرقده الأخير، وللحديث عن ذلك مناسبة أخرى.
سلام الشماع
أخفي بين يديّ وجهي خجلاً كلما تذكرت موقفي المتهور معه... وبعد حين لمت نفسي لكنه علمني دروساً لن أنساها أبداً انطبعت على سلوكي فيما بعد.
كنت محرراً في مجلة تعد في العراق الأولى وعمري لم يتجاوز السابعة عشر بعد، وكان ظهور اسمي على صفحات المجلة أسبوعيا يملؤني فخراً بنفسي، وما زادني كبراً أنهم أعطوني صفتين اثنتين هما أني أصغر محرر صحفي في العراق، وثانيتهما كاتب تحقيقات من الطراز الأول، ذلك غير تكليفي بمهمات صحفية يخفق فيها الكبار مثل مقابلات الوزراء والمسؤولين.
كان ذلك في العام 1975 بعد سنة واحدة من امتهاني الصحافة... ولكم أن تتخيلوا ما تأثير ذلك كله على فتى مراهق.
في يوم كنت كتبت عن منطقة عراقية فيها آثار آشورية، لعلها الشرقاط، التي عدت منها بأكثر من تحقيق صحفي مثير، وكان عليّ أن أستكمل التحقيق بتطعيمه برأي من مختص في الآثار، فذهبت إلى كلية الآداب في جامعة بغداد وتوجهت إلى قسم الآثار ودلفت غرفة الأساتذة ولكني لم أجد أحداً، فخمنت أنهم في الدرس وقلت لنفسي لا بأس أن أنتظر ليقودني أحدهم إلى رئيس القسم لأطرح عليه أسئلتي.
بعد نصف ساعة من الانتظار دخل إلى الغرفة شخص ملابسه قريبة إلى الرثاثة وبيده قدح شاي قدمه لي وجلس إلى جانبي، فدهشت من تصرفه، إذ كيف يجلس عامل النظافة في الكلية إلى جانب ضيف جاء لمقابلة رئيس القسم؟.
لكن الرجل سألني عمن أكون وعما أريد، فأجبته متضايقاً وباستعلاء بأني صحفي ولديّ أسئلة أريد طرحها على رئيس القسم... وإذا به يسألني بثقة: وما هي هذه الأسئلة؟..
أردت أن أنفجر بوجه فضوله، ولكني تراجعت، في اللحظة الأخيرة، عندما رأيت شعره الأبيض الذي يكلل رأسه، وبضيق أيضاً أجبته عن سؤاله، فقال لي: أكتب قد يتأخر عليك رئيس القسم لأنه خارج الكلية وسأجيبك أنا على قدر معلوماتي.
سلمت أمري إلى الله وتلوت عليه أسئلتي تخلصا من تطفله وفضوله على (صحفي مثلي)!!!، وهو عامل النظافة الذي جلب إليّ الشاي، فلم يكن منه إلا أن يتدفق بمعلومات أذهلتني... إلا أنني لم أنتبه وسألته كيف لعامل نظافة أن يمتلك هذه المعلومات كلها، فابتسم ابتسامة حيية ولم يشأ أن يحرج فتى صغيراً، وقال لي إنه يعمل منذ سنوات طويلة في هذه الكلية وقد سمع الكثير عن الآثار وعلم الآثار من الأساتذة فتكونت لديه معلومات، وطلبت منه أخيراً أن أثبت اسمه فأخبرني أنه (طه باقر).
شكرته وغادرت الكلية وعندما كتبت التحقيق أدرجت معلوماته بعد أن سبقتها بعبارة: (ويقول طه باقر أحد العاملين في قسم الآثار في كلية الآداب بجامعة بغداد).
وفي صباح اليوم التالي قدمت التحقيق إلى رئيس القسم الذي بدأ بقراءته ثم بعد ذلك فتح عينيه على وسعهما في أوراق التحقيق وفغر فاه وقال لي: هذا أجمل تحقيق قرأته لكن لي عليه ملاحظة واحدة، وهي أن (طه باقر) ليس أحد العاملين في الكلية وإنما هو أستاذ أساتذة علم الآثار!!.
احمر وجهي خجلاً وذهبت إلى أرشيف المجلة لأكتشف أن عامل النظافة الذي توهمت إنما هو قارئ الرقم الطينية القديمة، وهو رائد من رواد علم الآثار في العالم ومؤلفاته مصدر مهم من مصادر علم الآثار والحضارات والتاريخ القديم، وأنه على الرغم من كونه أستاذاً في كلية الآداب ودار المعلمين العالية لكنه ظل متعلقاً بالعمل الميداني، في مجال التحري والتنقيب فترأس بعثة للتنقيب في موقع (تل الدير) وعقرقوف أعوام 1941 – 1947، وأشرف على التنقيب في (تل حرمل) و(تل الضباعي) في بغداد 1945 - 1961 كما أشرف على التنقيبات في حوض سد دوكان وسد دربندخان أعوام 1956 – 1961، بالإضافة إلى أعمال الصيانة الأثرية في مدينة بابل سنة 1958 - 1963. وأنه قدم مئات البحوث المنشورة وعمل رئيساً لتحرير مجلة سومر.
ومنذ ذلك اليوم يحمر وجهي خجلاً كلما ذكر اسم طه باقر أمامي.
ومن باب ردّ الأمانات إلى أهلها أقول لكم: إن طه باقر الذي حزنت لوفاته في العام 1984 وبكيته، علمني دروساً كثيرة في هذا الموقف، منها ألا أحكم على الناس من خلال مظاهرهم وألا أحرج إنساناً وأن أتواضع، وألا أشعر بالكبر وأتخيل بأني ملكت علم الأولين والآخرين.
كان طه باقر علما عراقيا عربيا عالميا، ورمزاً من رموز العراق لذلك فأول جريمة ارتكبها أزلام الاحتلال بعد سرقة المتحف العراقي وتحطيمه وإحراق المكتبة الوطنية العراقية، كانت جريمة تجريف قبره وقبور ثلة من أعلام العراق كعلي الوردي، عالم الاجتماع الأبرز، وعلي جواد الطاهر، أستاذ النقد الأدبي المشهور، وجواد علي المؤرخ، صاحب كتاب (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام)، الذين جاوروا طه باقر في مرقده الأخير، وللحديث عن ذلك مناسبة أخرى.
الأحد، 20 نوفمبر 2011
حامد كعيد الجبوري هم ترتاح ؟-مهداة لصديقي الشاعر الراحل (علي الشباني ) بمناسبة أربعينيته-
هم ترتاح ؟
مهداة لصديقي الشاعر الراحل (علي الشباني ) بمناسبة أربعينيته
حامد كعيد الجبوري
هم ترتاح ؟
كضه عمرك حزن ...
وهموم فوك هموم
مشيت وما حنيت الراس
أغانيك فرح وشموع
تراتيلك عزيمه
وكابلت سفاح ...
هم ترتاح ؟
محطتكم ( قطار الموت )1
مر أبخاطره المكسور
فراكينه صبر وجروح
وكف بيها ...
أبونين وصاح ...
أشوكت ترتاح ؟
عمرك شيَّب أبعشرين
وطولك خيزران
وجف طراوه
أيلاوي فج الخوف
علَّـه فوك البيادر
فكرك الوضاح ...
هم ترتاح ؟
يا أول ( شيوعي ) أيبوك ...
باك ( الرونيو)2 ...
وسنطه
طبّع بيها الفكر
ويدرِّس الطلاب
ويوِّعي الشغيله
العامل وفلاح ...
هم ترتاح ؟
زناجيل الحبس ترثيك
و( الحله ) 3 وسجنها ...
و(نكرة السلمان) 4 ...
أنكسر ضلع ( السراي ) 5
الضيّع الأحلام
وزنزانة ( مظفر ) 6
والدمع سفاح ...
هم ترتاح ؟
روّه منك ( فرات )
وعرف طعم البيك
طعم ( حزبك ) وطن
ويفيض بالخيرات
رُبَـه بين النخل
وصرايف الفقره
شرب حد الثماله
وما تكضه صفاح ...
هم ترتاح ؟
ترافه خطوتك
ومشيت فوك ( الماي ) 7
أبهيد ... أبهيد
لا زلت رجِل ...
وتفارك الماشاك
درب موحش طويل
وما كلت تعبان ...
خطوه أبخطوه يمشي
( طارق ) 8 ويحدي ...
( عزيز ) 9 وتحفظ الألحان
جدَم تندل دربها
ومو مسير أشباح ...
هم ترتاح ؟
من زمان ميت ...
مو مثل هل الموت
حفرولك كبر
وعيون مسمومات
رادولك تموت وبيك ...
... سبع أرواح
هم ترتاح ؟
حاسب جيّـِته
وتانيته ملك الموت
تلكيته أبفرح وبخور ...
وسطر آخر قصيده أنهيت
خلّـص صفنته ...
وما خلصت الأقداح
هم ترتاح ؟
لملمت الكتب خليتها أبكلبك
وعدد آخر جريده ...
من ( الطريق )10 وياك
ما خذ صوغتك للموته ...
هم يردون !!!
تسمِّعهم ونين الأهل ...
والجيران
وأحزان الوطن
وهموم الحديثات
وصرخات اليتامى
ودمعة الأطفال
وطن يبجي الوطن ...
مو دمعة التمساح ...
هم ترتاح ؟
أول ليلة وحشة
والكبور هواي
يمك جم شهيد اليشتكي أهمومه
ويفرك راحته ...
ويعض أصابيعه
يسألك عالوطن ...
للساع ما مبيوع
وأطفال الوطن
من مر عليهم عيد
ذبوها الجرود11 الماتضوك الماي
ولبسوا للثياب أمطرزات ...
أبخيط البريسم
ومدارسهم تغني ...
وتركص الأفراح ...
هم ترتاح ؟
أول ليله وحشه ...
وللفجر طالت
تُنطر للحساب
أشحاسبت روحك
كيعانك صباخه وتنغسل بالدم
أبشرايين الوطن حد آخر الكطرات
شربت وأرتوت
وأنزرعت الشتلات
أنفضت كل التعب
من ورّد الجوري ...
شبّو ... الياسمين ..
وراسقي الفواح
نشّفت العرك
والغيرك القداح
وزعوها مغانم
وشوكت ترتاح ؟ ...
هم ترتاح ؟
هم ترتاح ؟
ما ترتاح ؟
********
1 : إشارة لقطار الموت 2 : جهاز تطبع به الأسئلة المدرسية أستعاره – سرقه - الراحل ليطبع به مناشير الحزب الشيوعي وأعاده لمحله وكشفت الخيوط ومسك وحوكم وسجن 3 ، 4 ، 5 : سجون ومعتقلات للأنظمة الدكتاتورية المتعاقبة 6 : إشارة الى الرمز العراقي الوطني مظفر النواب الذي تعرف عليه الراحل الشباني بسجن الحلة الدكتاتوري 7 : خطوات على الماء ديوان شعري أصدره الراحلون طارق ياسين وعزيز السماوي وعلي الشباني 8 : الشاعر الكبير الراحل طارق ياسين 9 : الشاعر الكبير الراحل عزيز السماوي 10 : جريدة طريق الشعب 11 : الملابس القديمة البالية .
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)