الأربعاء، 13 يوليو 2011

مقابلات-لودميلا بيتروشيفسكايا - بدلاً من الحديث الصحفي-إعداد كريستينا روتكيرخ



مقابلات
لودميلا بيتروشيفسكايا - بدلاً من الحديث الصحفي

إعداد كريستينا روتكيرخ

ترجمة د. تحسين رزاق عزيز-
تعريف


ولدت لودميلا ستيفانوفنا بتروشيفسكايا في 26 مايس 1938 في موسكو، في عائلة استاذ في جامعة موسكو الحكومية. تخرجت في عام 1961 من كلية الصحافة في جامعة موسكو الحكومية. عملت منذ عام 1972 محرراً في الستوديو المركزي للتلفيزون. بدأت في منتصف الستينيات كتابة القصص القصيرة. نشرت أول قصتين في مجلة ((أفرورا)) عام 1972 و صارت منذ منتصف السبعينيات تقدم عروضاً مسرحية. و قد اخرج رومان فيكنوك في عام 1977 مسرحية بتروشيفسكايا ((دروس الموسيقى)). نشرت مجلة ((المسرح)) في عام 1979 ((الحب)) و هي مسرحية من فصل واحد كتبتها بتروشيفسكايا في عام 1974 و عرضها مسرح تاغانكا في موسمهِ المسرحي لعام 1981 – 1982.

تم في عام 1983 عرض مسرحيتها ((قدح ماء)) و ((دروس الموسيقى)) في مسارح موسكو، و مسرحية ((ثلاثة فتيات يرتدين الأزرق)) في مسرح ((لينكوم)) نالت بتروشيفسكايا شهرة كبيرة بعد عرض مسرحيتها على خشبة مسرح ((المعاصر)) في عام 1985. و لم تتمكن لودميلا بتروشيفسكايا من نشر أول مجموعة نثرية لها بعنوان ((الحب الخالد)) إلاّ في عام 1987. و حازت بتروشيفسكايا فيعام 1991 على جائزة بوشكين الألمانية. حصلت الكاتبة على جائزة البوكر الأولى (القائمة النهائية). ألفت الكاتبة مجموعة كبيرة من القصص القصيرة و الروايات و المسرحيات إضافة الى عدد من سيناريوهات افلام الكارتون. قامت دار نشر ((أ س ت)) المسكوفية و ((فيليو)) في خاركوف في عام 1996 بنشر ((مجموعة نتاجات)) بتروشيفسكايا بخمسة مجلدات.
صدرت في عام 2004 للكاتبة رواية ((الرقم واحد، أو في حدائق الأمكانيات الأخرى)).


*


كيف تصبح كاتباً: مهمة الكتابة في الواقع هي الوحيدة من بين كل المهن الأبداعية التي تتطلّب أبسط انواع الأعداد. القضية و ما فيها انك يجب أن تتعلّم القراءة و الكتابة. و لو أن تجتاز دورة الصفّين الأولِيْن في المدرسة الأبتدائية (بينما يتطلّب اعداد الموسيقيين و الرسامين و الممثلين دراسة تخصصيّة).
كان، في الفترة السوفيتية، من يريد ان يصبح كاتباً (أو بالأحرى عضواً في اتحاد الكتاب السوفيت) – بأستطاعته أن يكون كاتباً. كان عليه فقط أن يعرض أفكاره بصورة مترابطة و يكتبها وفق قواعد فكرية محددة.
عادة ما يسبق ذلك حب للقراءة و ميل للكتابة و هوس بها. و غالباً ما يجب على الكاتب الموعود، عندما يذعن لهذه الرغبة أن يجتاز المرحلة الأولية. أي أن يبدأ بتأليف القصائد الشعرية الغبيّة و بعد أن يلاحظ عدم رغبة جميع المحيطين به سماعها – أنذاك يتحوّل الشاعر الفاشل الى النثر. (يمكن اعتبار الفرد شاعراً عندما ما يمدحه الناس الغرباء و عندما يكونون مستعدين لسماع أشعاره، لا أن يقوم بذلك أمه و أبوه).
لكن الحال هنا أبسط. فكل من تُطبع كتاباته يمكن أن يكون كاتباً. طبعاً اذا ما وجد من هو على استعداد للمجازفة و تقديم نثره.
و الحق إننا جميعنا نعرف كم يطول انتظار مثل هذه الفرصة. كافكا، على سبيل المثال، لم يطل به العمر حتى يرى ذلك.
بيد أن الكتاب الموعودون في الزمن السوفيتي كان طريقهم بسيط بما فيه الكفاية فما عليهم إلاّ كتابة رواية عن المصنع او البناء أو عن الحياة العملية للشباب. و يجب أن يبرز في الرواية درو سكرتير المنظمة الحزبية بطيبتهِ و حكمته. و قال بهذا الصدد الشاعر السوفيتي تفاردوفسكي، المضمون يجب ان يكون بسيطاً: ((النائب متخلف، و الرئيس مربي، و الجد يدخل في تنظيم الحزب الشيوعي)) (الكلام هنا يدور عن جمعيّة تعاونية فلاحية - كلخوز-، و رئيس الجمعية و نائبه). كان يمكن جلب هكذا نتاجات الى رئاسة التحرير و بألحاح مُعَيَّن يتم نشرها. بعد نشر روايتين من هذا النوع يصبح الفرد عضواً في اتحاد الكتاب و يكون بأمكانه السفر في مأمورية على حساب الدولة بما فيها الى خارج البلاد، و بأمكانه كذلك ان يسكن في دور المبدعين على البحر و يأمل الحصول على شقة مجانية و سيارة و اثاث و ثلاجة (مقابل ثمن و لكن بدون الانتظار بالدور) و منزل صيفي فضلاً عن الثلاجة، كانوا يقدمون طلباً و بعد ذلك يدخلون في القوائم ثم ينتظرون بالدور لعدة سنوات في اماكن عملهم. و إذ ما غير الفرد مكان عمله كان يتم شطبه من القائمة و يتوجب عليه الدخول بالدور من جديد.
هذه هي فائدة عضوية اتحاد الكتاب السوفيت الذي كانت توزع فيه الخيرات بكرم كبير. كان الكثير من الناس يسعون للانضمام اليه.
أما المؤلف الذي يكتب عن صعوبات الحياة و الحب في الظروف السوفيتية فليس بأستطاعته ان يصبح عضواً في اتحاد الكتاب. أي ان الموضوع و الموقف الصحيح فكرياً كانا السبب الرئيس للاعلان عن كاتب جديد.
حدث امام نظري ان قاص شاب هو (ن.ن.) ألف قصة عن كاهن و جلبها الى مجلة ((العالم الجديد)). و قد استحسن الجميع في القسم هذه القصة لأن الموضوع جديد تماماً في ستينيات القرن العشرين. لكن لم يستطيعوا نشرها لأسباب مفهومة لأن المؤلف الشاب كان يتعاطف مع خدم الكنيسة ( وكأن أحد أقاربه كاهناً). و بعد معاناة و طراد لم يتمكن من إقناع من ينشر قصته. آنذاك فهم الكاتب الشاب القضية و أتي الى مجلة ((العالم الجديد)) بقصة أخرى عن مشاكل الكنيسة و لكن هذه المرّة بانتقاد لها. و كأنه يفضح في نتاجه الأدبي القُسس البخلاء مرتكبي المعاصي سارداً حقائق فضيعة. لكن قسم النشر في ((العالم الجديد)) لم يحبّذ مثل هذا التحوّل السريع للكاتب الجديد و أعادوا له مخطوطته بأستياء و كادوا يلومونه على النفاق و الغش.
الحقيقة أن في ذلك الزمان كان نشر قصّة عن حياة الكنيسة غير ممكن بل مستحيل. بينما هذا الكاتب الشاب لم يفهم الموقف جيداً و كتب عمّا يعرفه هو جيداً.
و كان بمقدوره أن يكتب بنجاح رواية عن حياة بائعات الهوى في الموانئ و لتمت قراءة عملة في رئاسة التحرير لكن لن يجرؤ أحد على نشر ذلك سواءً تعطاف مع بطلاته أو على العكس لو شجب دعارتهن و فسقهنَّ. لأن مواضيع مثل الكنيسة و الحياة الجنسية للشعب السوفيتي كانت مواضيع ممنوعة من النشر حالها حال الاضطهاد و معسكرات الاعتقال و تدمير البيئة و تدهور صحة المواطنين و مشاكل السن و الأيتام و الأمهات الوحيدات و المطلقات و الأطفال و النساء المهجورات و قلة المواد الغذائية و شحة البضائع الاعتيادية مثل الأحذية و الملابس ناهيك عن الباسطرما و الجبن التي كان الناس يصطفون بالدور لساعات طوال للحصول عليها إضافة للتفاصيل المريعة لحياة الأقليات القومية. الحقيقة كلها كانت ممنوعة.
كانت الواقعية الاشتراكية و هي المذهب الرئيسي في الأدب السوفيتي، تفترض رومانسية مزعومة تصوّر الإنسان السوفيتي و ظروف حياته بشكل مثالي تقريباً. و إن أهم ما مطلوب من الكاتب المبدع التعلّق السامي بالحزب و القيادة. و قد حدد الأديب البارع زينوفي بابيرني منهج الواقعية الاشتراكية بأنه ((مدح القيادة بصيغة مفهومة لها)).
لكن لسوء حظنا إن هذا الكاتب الناشئ ن.ن. كان مصّراً إن يصبح عضواً في اتحاد الكتاب. و بعد إن طرق جميع الأبواب و استفسر عن الموقف خطا الخطوة التالية فقد كتب رواية عن الأشخاص التقدميين في المصنع و بطريقة ذكية عمل على إن تقع هذه المخطوطة على مكتب السكرتير الأول لإتحاد الكتاب غ. ماركوف.
و تحقق كل شيء على يد ماركوف و هو شخصية هزيلة ترك الكتابة منذ فترة طويلة و كان يكتب روايات عن حياة الملائكة غير المجنحين، أي عن القادة الحزبيين. قام ماركوف بقراءة هذا النتاج الأدبي الجديد و فرح بتدفق القوى الجديدة الشابة و دخولها في مجال الأدب و سرعان ما سلم الرواية إلى النشر ثم قبل بطلنا في عضوية اتحاد الكتّاب، ثم أرسله بمأمورية إلى سيبريا و من ثم أوفده إلى الخارج، في البداية إلى أفغانستان حيث كنّا في تلك الفترة، بمساعدة الطائرات و الدبابات و المشاة، مُضَحَّينَ بحياة الشباب الروس، نقوم بمساعدة الشعب الأفغاني لتحقيق مستقبله السعيد بوصول حزب طالبان إلى السلطة.

و هكذا قام بطلنا بكتابة رواية عن أفغانستان. و تشجيعاً له أرسلوه إلى أفريقيا إلى أحدى البلدان التي كانت تقاتل من اجل الشيوعية. حيث أصدر كذلك رواية مشابهة بطلب من الحزب و المخابرات. ظهر انه كاتب متمكن جداً. و صار طريقهُ الإبداعي منيراً و واضح المعالم. و من ثم ترأس أحدى دور النشر المعادية للساميّة. إنما ذكرت هذه الحكاية لأبرهن على انه في الفترة السوفيتية كان بأمكان كل فرد أن يصبح كاتباً إذا كانت لديه رغبة كبيرة علاوة على إتمامه الدراسة في الصف الثاني الابتدائي.
أحببت في طفولتي الأدب الروسي جداً لأن المكتبة لم تحوي غير هذا الأدب. و كنت أتمتع بقراءة هذه الروايات الضخمة (لم اعرف آنذاك إن مؤلفيها يزيدون عدد الصفحات لكي يدفعوا لهم أكثر). لقد إلتهمت انواع الكتب حول الزراعة و مصانع التعدين و شعوب الشمال و الرويات التاريخية التي تتحدث عن الملوك الجوجيين و المجلدات التي تصف الحرب اليابانية و خاصة الكتب التي تتناول ملاحم نضال الشيوعيين في الخارج من اجل حقوق شعوبهم ببناء الاشتراكية في باريس و برلين. إما حصولي على كتاب عن الجواسيس فكان يمثل نجاحاً لا يوصف! و كم من مرة نهرتني والدتي محاولة سحب هذه الكتب الشبيهة بكتل الطابوق الثقيلة، التي أخفيتها تحت الوسادة في الليل، لأنها ترى إن الطفل يجب إن ينام مبكراً! و لم يدر بخلدها إن ذلك كان تعليماً ذاتياً لكاتب موعود، لا يتم دون البدء بقراءة الأدب الرخيص. لقد كنت خبيرة في المهن الفنية أمثال عمّال سباكة الصُلب و عرفت المصطلحات الفنية مثل ((فرن الصهر)) و ((قوالب الصب)) و أطلعت على أحوال المزارع التعاونية و عرفت مواسم بذار و حصاد الغلات و إن الحلابات يرتدين صداري بيض. و فهمت التفاصيل الداخلية للحزب، و استطعت تميز السكرتير الأول للجنة المحلية عن السكرتير الأول للجنة المنطقة للحزب.

كنت في طفولتي طلائعية متعلمة. و تعلقت بالكتب بصورة كبيرة بحيث قرأت كل كتاب وقع في يدي. و لم يبعده عني لا مضمون باهت و لا لغة غبية و لا شخصيات كارتونية. و بعد انتهاء الدوام في المدرسة لم أذهب إلى البيت أو اتغدى أو العب مع الأطفال في الفناء بل اذهب إلى مكتبة الأطفال. و لو كانت المكتبة مغلقة كنت أجر قدميَّ إلى ما يسمى ((مكتب التوعية الحزبية)) التابع للجنة المنطقة للحزب في شارع تشيخوف إلى غرفة متربة فيها دورق زجاجي فيه ماء مسموح للجميع الدخول فيها (و لم يدخلها أحد غيري سوى بعض الأولاد اللذين كانوا يلعبون الشطرنج فيها أيام الصقيع القارص). و كان يوجد في هذه الغرفة دولاب يحتوي على كتب و مجلات. و قد قرأتها جميعاً منذ زمان لكني رغم ذلك كنت اختار منها مجلد ما و انكب على قراءته من جديد. و لم يهمني سوى القراءة فقط. إما مجلات ((التمساح)) و ((الشعلة)) فقد كدت أحفظها على الغيب (ولم يدر بخلدي أني شخصياً يوماً ما سأنشر فيها كتاباتي).
بعد إن أنهيت الدراسة الثانوية استمريت الصيف كله بالذهاب إلى مكتبة الأطفال، و أعددت نفسي لامتحان التقديم إلى الجامعة. و مع إن أمينات المكتبة القاسيات عاملنني بتجهم (لم يعطينني كتباً عن الجواسيس للقراءة بل طالبنني إن استعير كتب المناهج المدرسية) – لكن قلب احدهن رقّ لي عندما جئت لتوديعهن بعد دخولي الجامعة. فاخرجت بطاقة استعارة الكتب خاصتي المنتهية صلاحيتها و شطبت السطر الأول الذي يحمل اسمي و أدارتها بيدها دون ان تنظر إلي و قالت: ((هل تعرفين انك قرأت عندنا كتباً أكثر من الجميع منذ إنشاء المكتبة. إذ إننا دائماً ما نجري إحصاءا. زورينا))...
فقد قرأت الأدب السوفيتي كله – قرات لجميع الكلاسيكيين (غوركي بنتاجاته الفضيعة عن نهضة الوعي عند البروليتاريا النسوية، اعني روايته ((ألام))، و رواية ((السعادة)) لبافلينكو التي لا تقل عنها فضاعة، عندما يضطجع البطل و البطلة في المقطع الأخير و تقول له هي: (و سنسمي ابننا ((يوسف))، و في كل مرة تجتاحني الرغبة لإكمال العبارة ((يوسف فيساريونوفج))) ( اسم ستالين يوسف فيساريونوفيج – المترجم) . و قرأت رواية ضخمة بعنوان ((ال جوربين)) لا أتذكر كاتبها، و رواية ((اليتيت يذهب إلى الجبال)) أيضا لا أتذكر كاتبها ألان، و ((موسم الحصاد) لغالينا نيكولايفا عن المزارع التعاونية و كتابها عن عمال صهر الحديد، أما فادييف بصراحة، فلم يعجبني لان كلا روايتيه نهايتهما غير جيدة. و أنا أفضل النهايات السعيدة. لهذا أحببت كتاب فيدين ذا المجلدين الذي لا أتذكر عنوانه الآن. إما ليونيد ليونوف فقد قرأت نتاجاته و أتذكر عبارته ((لقد لحس الملعقة و صارت شفته اكبر من حجمها بخمس مرات)). تراءت هذه العبارة لي كلاماً حاذقاً. و فكرت كثيراً بمغزاها و فهمت منها جوهر اللعب بالكلمات. و تصورت إن إمامي ربما تكون رائعة من روائع الأدب لم أشاهد لها شبيهاً حتى ذلك الوقت بعد ذلك قررّت إن ماياكوفسكي عبقري. حدث لي ذلك و أنا بنت أربع عشرة سنة، عندما يبدأ الشباب بالاهتمام بالشعر. فقد توصلت إلى إن مثل هذه القوافي لا يمكن إن يقولها أي احد! و على العموم حتى لو بذلت اكبر جهد لا يمكن إن أتوصل إلى مثل ذلك – لهذا فهو ليس مثلي أو مثلنا جميعنا لأنه عبقري.
و هكذا فقد نشأت بين نصوص الكبار التي افهمها بصورة مطلقة و لا تثير لدي أي توتر ذهني مهما قلّ. و التهمت هذه النصوص كما يلتهم السمك الماء و كما يلتهم المشاهد الصبور مجموعة المسلسلات في كل مساء.
حيث إن نتاجات بلاتونوف و بابل و بولغاكوف كانت ممنوعة و أخفيت روائع الأدب في مدافن الحزب العميقة أو دفنت تحت المتاريس القذرة و المعتمة لسونامي الحزب مثل ما دفنت أرواح ملايين البشر حَمَلَة الفكر الأخر و الثقافة و الأخلاق الأخرى.
إما الكتاب العمالقة الأجانب المسموح بعرض نتاجاتهم في فترة شبابي – فهم ليسوا كافكا ولا بروست، بل توماس مان و همنغواي، و فيتسجيرالد.
و تعرضت إلى هزة من الصميم عندما تعرفتُ على أليوشا و شكلو فسكي و تينيانوف و قد أسرتني نضريتهم في الغرابة. نعم! أنها تجبر القارئ على الدهشة من أول عبارة و تقلب أفكاره رأسا على عقب و يأخذ بالانشغال بالمجاز و بالمقارنة. و قد كتبت أول قصة قصيرة بصورة مبتكرة لدرجة كبيرة بحيث حشوت في كل عبارة عدة صيغ. فقد صوّرت الرموش المزينة و كأنها براثن الصراصير و شبهت القطار الكهربائي و هو ينطلق إلى الإمام كالخوذة، إما اللفافة حول الايس كريم فجعلتها تنتفخ و كأنها بدله رقص البالية... الخ.
غير إن ذلك كله اعتبرته مرحلة تمهيدية، و كأني ابحث عن طريقي الخاص و أسلوبي. هكذا جرت الأمور. عملت لسنين طوال على النصوص و كنت أطبع و أطبع على الآلة الكاتبة ملازمة بيتي حتى أني لم أغادر البيت في المساء، و في الوقت نفسه كنت اعمل في أحدى المجلات و كانت فيها نشرة جدارية هزلية بمناسبة رأس السنة يكتبون فيها أشياء عن الجميع و ماذا حققوا و قد كتبوا فيها عني أني لم احقق شيئاً سوى أني كسرت حرف ((ب)) في الآلة الكاتبة التابعة لهيأة التحرير!
لكن في أحدى المرات سمعت من زينا و هي مهندسة الصوت عندنا قصة عن جارتها، التي كانت مومساً، قد تعرضت في طفولتها للاغتصاب على يد والدها و غادرت منزلها ثم وقعت في الأيدي القذرة. و هزت مشاعري هذه القصة. كتبت قصة قصيرة بعنوان ((هذه الطفلة)). كتبتها بصورة مبسطة جداً بلا إسهاب و بلا شخصيات. لم تكن بالضبط قصة تلك الطفلة الضحية، بل كانت مونولوجاً لأمراة يخونها زوجها. و لا اعلم لماذا ظهرت القصة بهذا الشكل.
كأن القصة كتبت نفسها. و هذا الأسلوب لا يحتاج أي تصحيحات. حدّد ذلك عملي المستقبلي و صرت اكتب دائماً، من ذلك الوقت، بمنتهى البساطة دون بذل أي جهود لجعل ما هو جميل و بهي يبدو بصورة مغايرة. و لم تظهر عندي أي إشكالات أو صعوبات و توقفات – و أخذت اكتب القصص واحدة بعد أخرى ببساطة و كأن أحدا يمليها عليَّ.
أعود إلى نطاق قراءتي في الطفولة – مفهوم إن ذوقي مع الزمن قد تغير كثيراً، و صرت اهتم بما لم يكن موجوداً ضمن نطاق قراءتي و بالذات صرت اهتم باللغة الدراجة بلغة الناس المحكية.
ربما كان الفرق كبيراً بين ما قراته في الطفولة و بين الحياة الواقعية. إن تربية الإنسان المثالي هذه بمساعدة كتب المنهاج المدرسي للحياة المثالية، ربما أعطت في نهاية المطاف نتيجة مذهلة بقوتها. فقد أرادت أمينات المكتبة تعلمي عن طريق الكتب كيفية العيش على شاكلة أبطال الروايات (الأدب) اللذين كانوا يعضون – ممنوع الكذب و النفاق و يجب الدفاع عن وجهة نظرك مهما كان الثمن. و لو كنت جاسوساً في معسر الأعداء فأثبت حتى النهاية.
و قد رَبَّوني شخصاً متحمساً و مبدئياً و جعلوني عدواً لا يلين و لا يستكين لهذا الأدب و هذا النظام الاجتماعي. و لكوني جاسوساً مُحَنّكَاً، فقد أخفيت حقيقتي لسنوات طوال لم أتحدث في أي مكان و لم اعمل أي مؤتمرات صحفية و عندما أرادوا إن يسجنوني في أحدى المرات لم يستطيعوا إن يثبتوا أني مُنشقّة و لم ارغب بالهجرة بأب ثمن.
و لحد الآن لم اكشف سرّي هذا. و هكذا يمكن اعتبار حديثي هذا أول اعتراف لي.

الثلاثاء، 12 يوليو 2011

تعساء حتى في أوطاننا -كاظم فنجان الحمامي



تعساء حتى في أوطاننا


جريدة المستقبل العراقية في 11/7/2011

كاظم فنجان الحمامي

أتعس ما نمر به اليوم هو هذا الشعور بالغربة ونحن في بيوتنا وأوطاننا, وهذا الشعور بالخذلان بين أهلنا وذوينا, أما كيف تكون الغربة في الوطن ؟, وكيف يعيش الإنسان غريبا في بلده ؟, فتلك مسألة لا يفهمها, ولا يحس بها إلا الذين يعيشون في البلدان التي اهتزت فيها معايير المبادئ والقيم الوطنية, وانقلبت فيها معاني الإيثار والإخلاص رأسا على عقب.

في العراق نعيش تعساء في نومنا, تعساء في يقظتنا, وكأننا خلقنا تعساء, وكتب علينا أن نعيش غرباء, ونموت غرباء. رافقتنا التعاسة والغربة منذ زمن بعيد, والتصقت بنا حتى صارت اكبر كوابيسنا الثقيلة المزعجة.
تتقاذفنا اليوم تقلبات السنوات الخداعات, التي يؤتمن فيها الخائن, ويخوّن فيها الأمين, ويُصدّق فيها الكاذب, ويُكذّب فيها الصادق, وظهرت علينا تماسيح بشرية خبيثة من ذوات الوجوه الزئبقية, طعنوا العراق في ظهره, وباعوا تربته بثمن بخس في أسواق النذالة السياسية, وانحرفوا عن المسارات الوطنية الثابتة, فكانوا أول من وقف مع الكويت في زحفها الحدودي التوسعي, وأول من تطوع للدفاع عن مشاريعها المينائية الاستفزازية في جزيرة (بوبيان), ومشاريعها النووية المستقبلية في جزيرة (وربة), فالتحقوا بصفوف الذين سبقوهم في تقديم فروض الخنوع والخضوع والتواطؤ, وسبقوهم في السقوط في بورصة الولاءات الرخيصة المعلنة لصالح أعداء العراق والطامعين بثرواته, وظهر علينا في الوقت نفسه طابور آخر من المتخاذلين الذين فقدوا مروءتهم, وفضلوا الصمت والسكوت, واختاروا الهروب من المواجهات والتحديات الخطيرة المحيطة بالعراق, ولم يكترثوا بتجاوزات دول الجوار على مسطحاتنا المائية وممراتنا الملاحية, ولم يقفوا معنا في المطالبة باسترداد حقوقنا السيادية الضائعة في شط العرب وخور عبد الله, أحياناً نرى بعض الأكاديميين وهم يتحدثون بحزن في الفضائيات, ويذرفون الدموع على الدمار, الذي خلفته موجات المد البحري التي اجتاحت اليابان, وضربت جنوب شرقي آسيا, وكانت بعض المراكز العلمية العراقية تتابع بشغف تغيرات قيعان البحار المصاحبة لزحزحة القارات, وتسجل تصدعات الصفيح القاري في المحيطين الهادي والهندي, لكن العاملين فيها لم يعيروا اهتماماً لزحزحة الحدود البحرية الزاحفة نحو سواحلنا في الفاو, ولم يكلفوا أنفسهم مشقة الدفاع عن قنواتنا البحرية, وبحرنا الإقليمي المنكمش تحت ضغط الانتهاكات الحدودية المتكررة.

يتحذلق بعضهم كثيراً في دراساته المعمقة عن جغرافية جبال الأنديز, وتضاريس البحيرات المرة في كندا, وهجرات السلالات البشرية من هضبة التبت, وارتفاع مستويات الرطوبة النسبية في غابات الأمازون, لكنهم يبخلون علينا بكتابة بضعة أسطر عن جغرافية شط العرب, ولا يتطرقون لظاهرة الاختزال الساحلي عند مقتربات رأس البيشة, ويتجاهلون المواضيع المرتبطة بمياهنا الدولية المتقلصة, وممراتنا الملاحية المنكمشة, والأغرب من ذلك كله أنهم يعرفون أدق تفاصيل البحار والمحيطات والمضايق والممرات الملاحية الدولية, لكنهم لا يعلمون أين تقع قناة (الروكا), ولا يعرفون أسماء الجزر العراقية الكثيرة المتناثرة عند منعطفات شط العرب, ولا شأن لهم بما آلت إليه ظروف المسالك الملاحية الضيقة المؤدية إلى موانئنا النفطية في عرض البحر, ولا يريدون التحدث عن أزمات العراق الحدودية والبحرية والسياسية مع الكويت, حتى لا تغضب عليهم وتحرمهم من تأشيرة التسكع في أسواقها, وتحرمهم من تأشيرة السفر لدول مجلس التعاون كلها.
اما نحن الفقراء الذين نذرنا أعمارنا لخدمة قضايانا الوطنية العادلة, فكانت حصتنا التهميش والتسطيح والتسفيه والتكميم والتعتيم والتخويف والترويع بالأدوات التي يمتلكها أصحاب الوجوه الزئبقية في هذا السيرك التنكري الكبير, الذي فقدت فيه القيم, وضاعت فيه المبادئ, وانتهكت فيه القواعد, فلم نعد نشعر إلا بالغربة في وطن تكاثرت في جسده الخلايا السرطانية الخبيثة, وشوهت صورته بؤر الفساد , فتعمق شعورنا بالغربة, حتى صارت غربتنا حقيقية, وتعددت مواقف الخذلان لتعتري أنماطا جديدة من حياتنا اليومية البائسة, لكننا وعلى الرغم من ضعفنا لن نخذل العراق أبدا, وسيبقى العراق أقوم البلدان قبلة, وأطهرها دجلة, وأقدمها تفصيلا وجملة. .

أما والذي أعطاك أسمى هِباتِهِ
وأرسى علَيكَ الفُلْكَ والماءُ يَزخَرُ
لو الأرضُ كلُّ الأرضِ شاهَتْ وجوهُها
فبالماءِ في نهرَيْكَ يَوماً تُطهَّرُ

الأحد، 10 يوليو 2011

سفر بطول قصيدتي-سوسن ماس-اللوحة غالب المسعودي


سفر بطول قصيدتي
في واحة الامس
حيث كان الزهر اعزل
مدينة بلا ضفاف
كارخبيل الاماني الضائعة
بعض اوراق صغيرة
كان قلبي حين اذرته الرياح
على اسوار حزن غابر
اشرعت الامي على ذاك الرصيف
فبكى الزهر على تلك الجداول
وهبت الانسام في ركض
خفيف
تقتفي وجه السنابل
الليل انكر عشقنا
فالام تبحث ايها المنسي
في لون دمك
انت الذي كالبحر مسبي
..ومسلوب …هواك
من عالم الازهار طبع العاشقين
والهب الكون سواك
لتمضي الليل متكئا حزين
ترثي الدروب معاتبا
ام ترثي خطاك
ايتها النجوم
في صدر السماء
تعالي نتبادل الاسرار
ان لي ان استريح
بلورة صافية قلبي
غضب العواصف والبحار
من يصلح ذلك المخلوع
رأسي؟
وينفخ فيه الحياة؟
من يشتري ..من يقتني
هذا الشتات؟
من يكتب الشعر
في عصر انتحار الاغنيات؟
مالذي تحتاجه الريح لتفلت من عقالها
من يطلق الفرس الحرون؟
لنبتدي صهيل الامنيات
من يوقد الحب
على شرف العيون
من يقنع الازهار
بالذين لاياتونا

لم يبق إلا أسلمة اليابان..!رشيد الخيون


لم يبق إلا أسلمة اليابان..!
رشيد الخيون


‎التقيت الحاج صالح مهدي السَّامرائي، وهو مِن المقيمين باليابان منذ عقود، وينشط في مجال التبشير بالإسلام هناك. لاحظت معه رجلاً على هيئة متصوف، تركي الأصل، اسمه نعمة الله خليل إبراهيم يرت، ويُلقب نفسه، حسب كارت التعارف الذي يوزعه على من يمر به، بإمام المركز الإسلامي باليابان. تظهر صورته على الكارت حاضناً وردةً حمراء، وهي وردة الجوري لدينا، ووشح كارته بالشَّهادة: «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، مترجمة إلى اليابانية والإنكليزية.
‎الحاج صالح مثقف ويعرف أكثر مِن لغة، وناشط سابق في تنظيم الإخوان المسلمين العِراقيين، وعلى وجه الخصوص أوان أزمتهم مع حكم الزَّعيم عبد الكريم قاسم (قُتل 1963)، ولا شأن له، على ما يبدو، حالياً بالإسلام الحزبي أو الحركي، ناشط في مجال الدَّعوة إلى الإسلام، وبالتالي يرنو إلى أسلمة اليابان كافة. صنف السَّامرائي كتاباً أنصف فيه اليابان، ويبدي الإعجاب بأهلها، وما بلغته مِن تطور تعدى الدُّول والشُّعوب التي سبقتها إلى مجد الصِّناعة والمدنية، لكنه كإسلامي يرى أن ذلك يكتمل بأسلمة اليابان.
واليابان، كنظام سياسي، يُقرُّ دستورها الآتي: «لا ينبغي أن تحصل أي هيئة دينية على أي امتيازات مِن الدَّولة أو تمارس أي سلطة. ولن يرغم أي شخص على المشاركة في أي عمل ديني أو احتفال أو طقوس أو ممارسات عقائدية. ويحظر على الدَّولة وأجهزتها ممارسة التَّربية العقائدية، أو أي نشاط ديني» (المادة 20). وحسب السَّامرائي: «الحكومة لا تُقدم المساعدة لأي شيء يتعلق بالأديان، ولا تُدرس مادة الدِّين في المدارس والجامعات. لكن حُرية الأديان مكفولة للجميع» (السامرائي وخان، الإسلام في اليابان)، تطبيقاً لمبدأ «الدِّين لله والوطن للجميع».
‎وجد الحاج السَّامرائي في الشَّعب الياباني، وفق نظام بقاء الدِّين خارج نطاق أو اهتمام الدَّولة، وعدم تدريسه في المدارس الآتي: نسبة عالية مِن الرَّفاهية، والمرأة متساوية مع الرجل تماماً، لديهم أربعة عشر عيداً: عيد توقير كبار السِّن، وعيد الثَّقافة، وعيد الشُّكر للعمال، وعيد الدُّستور... (المصدر نفسه).
‎ويتقن الياباني المهنة أو الحرفة بحذاقة، ولديه شعور بالرَّقابة الذَّاتية، أي لا طريق للفساد بأموال الدَّولة ولا تهاون في ساعات العمل، ويحب العمل الجماعي، ولا يتظاهر ولا يتسلق. ولديهم مجلس شيوخ ومجلس شورى (حسب عبارة السَّامرائي)، أي مجلس عموم. وعلى الرَّغم مِن عظمة بلادهم إلا أن وزاراتهم عشرون لا 42 وزارة، ولا نواب ثلاثة لرئيس الجمهورية. وإمبراطوريتهم دستورية، أي مشروطة بدستور بلا ضجة مثلما حدث لدينا في العام 1906، ولا نظنهم طالعوا كتاب «تنبيه الأمة وتنزيه الملة» للشيخ النائيني (ت 1936)، أو طبائع الاستبدادي والشكوى من الاستبداد الديني الأخطر مِن السياسي حسب «طبائع الاستبداد» للكواكبي (ت 1902).
‎بعد هذا سألت الحاج السَّامرائي وصاحبه المبشر التُّركي: هل تسمحان لبوذي ياباني التَّبشير بديانته بسامراء أو بأنقرة مثلاً؟! ولا يُطبق عليه، وعلى مَن بَشره وبوذه (مِن البوذية) حكم الرَّدة! وهنا نلفت النَّظر: ما الذي مكنَّ السَّامرائي وزميله مِن التَّبشير بحرية سوى النِّظام العَلماني أو المدني؟!
‎هذا أولاً، وثانياً هل حُلت مشاكلنا بأسلمة مجتمعاتنا، وخلط الدِّين بالدولة، وانتهازية الدَّولة والسِّياسة لكسب الناخبين أو ود الجماهير باسم الدِّين! أقول: لو تُركت اليابان، على ما هي عليه، فنحن أحوج إلى علومها وصناعاتها، بدلاً مِن نقل مصائبنا إليها، فإذا أسلمت فستُشغل بالخلاف حول الأُصول، فمثلما وصلها الحاج السُّني أسرع إليها الشيخ الشِّيعي. دعوا اليابان تعيل نفسها وتُعيلنا بصناعاتها وعقولها.

العراق بين فكي ايران وتركيا!-عماد رسن




‫العراق بين فكي ايران وتركيا!

يقول الدكتور علي الوردي إن العراق كان مركزا ً للنفوذ والإستقطاب بين الدولتين الصفوية والعثمانية لمدة ثلاثة قرون, حتى أن المثل العراقي كان يقول (بين العجم والروم بلوة ابتلينا), أي أبتلينا بالفرس والأتراك الذين كانوا يسمون بالروم من قبل العرب لأنهم جاءوا من جهة الروم. لقد عبر هذا الصراع السياسي عن نفسه من خلال النزاع الطائفي بين السنة والشيعة, فقد كان الشيعة يعتبرون ايران حامية المسلمين الشيعة والسنة يعتبرون تركيا حامية السنة في العراق, فلا وجود لأفكار كالأمة والوطن والإستقلال وماشاكل ذلك. فالصراع في جوهره سياسي للسيطرة على منطقة مهمة ضمن سياقات التحالافات الدولية آن ذاك.
حتى بعد ظهور العراق كدولة لها كيان في بدايات القرن العشرين لم يخفت النفس الطائفي الا قليلا ً بعد أن بنيت الدولة على أكتاف من درسوا مختلف العلوم في اسطنبول مقابل عزوف الطرف الآخر من الدخول في بناء الدولة, ومنها عدم الدخول في المدارس أو في الحكومة إلا بمشاركة وزير واحد فقط. ولكن, لابد من التذكير بأن النفس الطائفي خفت كثيرا ً بعد ظهور الحركات القومية في الشرق الأوسط فتحول الصراع إلى صراع بين الفرس والعرب وفيما بين العرب أنفسهم. فقد كان نظام الشاه يسمى شرطي الخليج بمباركة أمريكا, فما كان من العراق إلا أن أخذ دور حامي الأمة العربية الحلم. وليكون كذلك لابد للعراق أن يكون قويا ً بما يكفي ليكون حامي تلك الأمة, بالخصوص بعد إنسحاب مصر من دور الريادة بعد إتفاقية كامب ديفد مع الإسرائليين. وعلى هذا الأساس بدأ العراق يبني جيشا ً ويسلحه تسليحا ً حديثا ً مستعينا ً باموال النفط الذي أممه من سيطرة الشريكات الأجنبية. لقد كانت القوة العسكرية هي الركيزة التي اعتمد عليها العراق ليبقى قويا ً. وكحال جميع الدكتاتوريات والأنظمة الشمولية يؤدي فشل العقل السياسي وترهله وفساده وغياب الإستراتيجية الواضحة البعيدة النظرضمن السياقات الإقليمية والدولية إلى توجيه تلك القوة العسكرية لحماية الحزب والفرد الواحد ليتخذ من الشعب عدوا ً وندا.
لقد وجهت ماكنة القوة العسكرية في العراق بإتجاه الشعب العراقي لتقتل وتهجر مئات الآلاف من كرد وعرب وسنة وشيعة. ومن ثم وجهت لدول الجوار لتدخل في حربين طاحنتين ليعقبها حصار وحرب مرة أخرى. لقد أضاعت مغامرات النظام السابق تلك القوة العسكرية وصار العراق ضعيفا ً ومفككا ً بعد سلسلة من الحروب والأزمات. وما أن اصبح العراق ضعيفا ً حتى تكالبت عليه دول الجوار تنهش فيه كما تنهش الذئاب بشاة خائرة القوى. فبين قصف لقرى حدودية لقطع مياه وسد منافذ بحرية إلى إقتطاع أراض وحفر آبار بشكل مائل تبدو الدبلماسية العراقية عاجزة عن صياغة خطاب موحد يمثل وجهة نظر الحكومة العراقية تجاه السياسة الخارجية فيما يخص دول الجوار في ظل غياب إستراتيجية واضحة وتخبط غير مسبوق. بل إن الدبلماسية العراقية عاجزة حتى عن إتخاذ مواقف حازمة تجاه تلك الإنتهاكات الغير مبررة. لقد عاد العراق الضعيف وتحول لمنطقة نفوذ بين تركيا وايران مرة أخرى واللتان تريدان من العراق أن يكون ضعيفا ً تبعا ً لمصالحهما, وسط إنقسام طائفي تكرس من خلال المحاصصة الطائفية.
لقد شهد العراق حركة دبلماسية وإقتصادية نشيطة في الآونة الأخيرة من قبل الترك والايرانيين. فما أن تهبط طائرة تركية تدشن خطا ً جويا ً جديدا ً في جنوب العراق حتى تفتح ايران قصنلية في شماله. لقد ازداد حجم التبادل التجاري العراقي مع كلا الدولتين بشكل كبير. فايران التي تبحث عن منفذ لعقوباتها الاقتصادية وجدت في العراق ضالتها, أما تركيا فهي تبحث عن دور سياسي من خلال الاقتصاد بعد أن أدار الإتحاد الأوربي ظهره إليها. إن تلك الدول تبحث عن مصالحها وهذا شيء لاعيب فيه في السياسة ولكن, إلى متى يبقى العراق ضعيفا ً ومعتمدا ً على جيرانه اقتصاديا ًّ
لابد للعراق أن يكون قويا ً لينجو من خطر التقسيم ويكون فاعلا ً على المستويين الإقليمي والدولي, ولكن كيف! نعم, يمكن للعراق أن يكون قويا ً بإقتصاده وليس بالقوة العسكرية. فيمكن للعراق أن يتسلح فقط ليحمي أرضه وسمائه, ولكن وفي نفس الوقت, يمكن للعراق أن يكون دولة قوية في إقتصاده من خلال التركيز على الإستثمارات والإهتمام بالتنمية البشرية. ففي العراق مقومات لاتتوفر عند أغلب الدول العربية والدول المجاورة. ففي العراق ثروة نفطية يمكن أن تكون رأس مال للإستثمار والإنتقال بالعراق خطوة لإيجاد البديل عن المصدر النفطي الوحيد. في العراق يوجد أيضا ً ثروة من الغاز الغير مستثمر, فالعراق يمكن أن يزود أوربا بالغاز من خلال أنابيب تمتد من شمال وغرب العراق مرورا ً بتركيا. أما ثروة العراق البشرية فهي كبيرة ولدية قاعدة لابأس بها من أصحاب المهارات. أما جغرافيا ً فالعراق يقع على مفترق طرق يربط بها قارتين ويمكن من خلال العراق ربط أوربا بالمياه الدافئة عبر القناة الجافة.
لايوجد خيار للعراق سوى الحل الإقتصادي الذي يجعله بمأمن من التدخلات الخارجية من خلال شبكة من المصالح المشتركة. فهناك نماذج كثيرة خرجت من حروب ونجحت إقتصاديا ً ككوريا الجنوبية والمانيا واليابان. أن خيار الديمقراطية والسوق الحرة يحتم على العراق السير تجاه الظهور كقوة اقتصادية تحميه من المخاطر الخارجية. ولكن, على ساسة العراق وخبرائه إدراك هذا الأمر الذي سيغيب المشكلة الطائفية ربما إلى الأبد. أن غياب الإستراتيجية الاقتصادية وعدم توفر شروط النهوض الإقتصادي يعيق هذا التوجه ولابد للسياسيين إدراك ذلك. لابد من خطوات جادة وحاسمة من خلال مكافحة الفساد والارهاب لجلب الاستثمارات الاجنبية والتي يصاحبها اصلاح للنظام القانوني والمصرفي وتقليل قيود البيروقراطية. لابد أيضا ً من بناء البنية التحتية والتركيز على التنمية البشرية من خلال بناء الكفاءات في خارج البلد ومساعدة القطاع الخاص بعيدا ً عن المركزية. على العراق أن يبني من جديد الطبقة الوسطى التي حطمتها الحروب والحصار الاقتصادي والسياسات الغير مسؤولة من قبل الحكومات المتعاقبة منذ ثلاثين عاما.

عماد رسن
Imad_rasan@hotmail.com‬

السبت، 9 يوليو 2011

أشواق الجاف : سجلنا حالات اجبار قاصرات في دور الايتام على زواج المتعة



أشواق الجاف : سجلنا حالات اجبار قاصرات في دور الايتام على زواج المتعة



بغداد- ساحات التحرير
كشفت عضو لجنة حقوق الانسان في مجلس النواب اشواق الجاف عن تسجيل حالات اجبار قاصرات يقيمن في دور الدولة لرعاية الايتام على زواج المتعة ، وقالت " سجلنا حالات من خلال لقاء القاصرات في دور ايواء رعاية الايتام تعرضهن لقبول زواج المتعة عبر احد رجال الدين الذي غالبا ما يزور الدور فيختار من يراها مناسبة للزواج المؤقت بشخص اخر".
واكدت ناشطات في منظمات المجتمع المدني تفشي ظاهرة الزواج المؤقت، وعزت اسباب ذلك الى وجود غطاء شرعي وتشجيع من قبل رجال الدين من دون مراعاة تداعيات هذا النوع من الزواج على الاوضاع الاجتماعية .


النائبة أشواق الجاف

واضافت الجاف :" ان الفتاة القاصرة وبعد ان تجبر على الزواج المؤقت لمدة زمنية قصيرة لاتستيع العودة الى دور الايتام فتضطر للالتحاق بدور الدعارة ". مشيرة الى تسجيل حالات استخدام القاصرات للعمل في البيوت خادمات " ثم يتم الاستغناء عن خدماتهن ويصبح مصيرهن مجهولا ".
وطبقا لتقارير منظات المجتمع المدني فان حالات زواج المتعة ارتفعت بمعدلات عالية بعد سقوط النظام السابق ،وعبر وسطاء واشخاص مستعدين لتقديم خدماتهم لمن يرغب بالزواج لقاء الحصول على مبالغ مالية .
ولفتت الجاف عضو ائتلاف الكتل الكردستانية الى ان لجنتها سجلت الحالات تمهيدا لطرحها امام مجلس النواب في جلساته المقبلة . محملة الجهات المكلفة بادارة دور الايتام مسؤولية الحفاظ على الفتيات :" وعلى الحكومة ان تتخذ اجراءاتها الفورية بخصوص الحد من هذه الظاهرة " معربة عن اعتقادها بصعوبة اتخاذ اجراء رسمي سريع ،" لان بعض المسؤولين من قياديي الاحزاب الدينية ينظرون الى زواج المتعة بوصفه حقا شرعيا وليست هناك موجبات لمنعه ".
وانتشرت في منطقة الكاظمية في العاصمة بغداد ومحافظات وسط وجنوب العراق وخصوصا التي تضم مراقد دينية مكاتب اهلية لتسجل عقود الزواج تمهيدا لتصديقها في محاكم الاحول الشخصية ، وانتشرت تلك المكاتب لتلبية رغبه العديد من العراقيين في الحصول على تسجيل رجل دين من طائفتهم لعقد الزواج قبل مصادقته رسميا من قبل المحاكم المختصة .

الربيع العربي بين نظريتي الطائفية والمؤامرة -بقلم : ساهر عريبي -


بقلم : ساهر عريبي -

تواجه إنتفاضة الشعوب العربية ضد حكامها تحديات جمة أهونها سيل الأتهامات الباطلة التي تواجهها هذه الحركات الشعبية العظيمة التي لم يشهد لها التأريخ العربي مثيلا منذ قرون. فمنذ إنطلاقة شرارة هذه الثورات وضع الكثير من المشككين والمهزومين والمتذاكين والمنتفعين والسذج العديد من علامات الأستفهام حولها ذاهبين إلى حد إتهامها بالتواطؤ مع الخارج وخاصة مع إسرائيل لأجل تقويض إستقرار الدول العربية بزعمهم.فيما حاولت بعض الأنظمة المتهالكة إتهام تنظيم القاعدة بالوقوف وراء ها كما فعل الطاغية الليبي وأما طاغية اليمن فاعتبر إضمحلال تنظيم القاعدة مرهون ببقائه على سدة الحكم في اليمن السعيد الذي أضحى حزينا طيلة عهده. ولقد ساهم في ترسيخ نظرية المؤامرة هذه المواقف الغربية والأمريكية خاصة التي حاولت الظهور بمظهر الداعم لهذه الثورات وهي التي كانت من أشد الداعمين للأنظمة الدكتاتورية العربية كالنظام المصري ونظام بن علي في تونس.

وواقع الأمر أن الدعم الأمريكي للثورات العربية عبر مطالبة الأدارة الأمريكية لعدد من هؤلاء الحكام بالتنحي او بإجراء إصلاحات سياسية وإقتصادية, لم يكن سوى محاولة لركوب الموجة ولتصحيح أخطاء السياسة الأمريكية في المنطقة العربية عبر فتح صفحة جديدة مع الشعوب العربية الثائرة والتي عانت الكثير من التهميش وإنتهاك الكرامات وكبت الحريات والمصاعب الأقتصادية بفضل تلك الأنظمة المدعوم معظمها أمريكيا.

ولقد تجلت نظرية المؤامرة بشكل واضح وجلي مع نهضة الشعب السوري ضد نظامه الدكتاتوري الذي حكمه طيلة عقود تحت نظرية الحزب الواحد والقائد الأوحد.فالنظام السوري إتهم جهات خارجية بتأجيج نار الثورة في سوريا كرد على مواقف سوريا الرافضة للأحتلال الأسرائيلي وللسياسة الأمريكية في المنطقة , وكعقابا لها على تحالفها الأستراتيجي مع إيران التي تخوض صراعا طويل الأمد مع أمريكا عبر قيادتها لمحور معاد للولايات المتحدة الأمريكية لم تعد إمتداداته تقتصر على العراق وسوريا ولبنان وفلسطين وأفغانستان بل وصلت إلى أمريكا الجنوبية وإلى أقاصي أسيا.

إلا أن الأمر اللافت للنظر هو أن بعدا أخر أضيف إلى الأنتفاضة السورية على عكس نظيراتها المصرية والتونسية واليمنية ألا وهو البعد الطائفي عبر إضفاء هذه الصفة على النظام السوري معتبرين إياه نظاما علويا يحكم غالبية سنية.وأما إنتفاضة الشعب البحريني التي وصفها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل بالثورة المظلومة فهي الأخرى إتهمت بأنها متواطئة مع إيران وبأنها طائفية . ولقد صب عدد من رجال الدين وللأسف النار على الزيت عبر إضفائهم لهذا البعد الطائفي على هاتين الثورتين.

إلا أن كلتا النظريتين التي أريد عبرهما تحليل تلك الثورات لم تصيبا كبد الحقيقة بل كانتا محاولة يائسة من قبل الأنظمة الدكتاتورية ومن يدعمها من وعاظ السلاطين لتبرير تشبثها بالحكم ولأعطائها مبررات لقمع تلك الثورات الشعبية الخالصة التي لم تكن وليدة يومها بل كانت ثمرة مخاض عسير ومعاناة كبيرة مرت بها الشعوب العربية. فإنتفاضة تونس ومن بعدها مصر كانتا إنتفاضتين وطنييتين خالصتين ولا أمتدادات خارجية لهما لأن العامل الخارجي كان اكبر المتضررين من وقوعهما. ولم تكن سنوات القمع وكبت الحريات وهدر الكرامات والفقر والبطالة والتخلف سوى الدافع الأساسي لقيامها. إلا ان بعض المهزومين ممن لا إرادة لهم يأبون إلا تحليل كل مايحدث في الكون عبر نظرية المؤامرة متناسين إرادة الشعوب ويقظتها.

واما ماحصل في البحرين وسوريا فقد أراد النظام البحريني تبرير قمعه للأنتفاضة البحرينية وذلك بإتهامها بالأرتباط بجهات خارجية وبالتحديد إيران وحزب الله اللبناني.وواقع الحال أن إنتفاضة الشعب البحريني لم تكن سوى إمتدادا وصدى للثورات العربية الأخرى ولاتختلف أسبابها كثيرا عن تلك التي إندلعت بسببها الثورة في الأقطار العربية الأخرى.إلا أن تهمة المؤامرة هذه اريد منها إثارة هلع دول الخليج العربية الأخرى ومحاولة لحملها على التدخل لأجل إنقاذ النظام البحريني وهو ماحصل . فيما حاول بعض رجال الدين وللأسف إخراجها من خانة الثورات العربية معتبرا إياها تمردا طائفيا من قبل طائفة ضد حكومة تنتمي إلى طائفة أخرى.

إلا أن الأمر العجيب هو تفسيرهم لثورة الشعب السوري على انها ثورة وطنية ضد حكومة طائفية على عكس البحرين التي إعتبروها ثورة طائفية ضد حكم وطني وفي هذا تناقض وإزدواجية لاتخفى على كل مراقب ولاتثير إلا الدهشة. لقد تسببت هذه التحليلات والتفسيرات وماترتب عليها من مواقف وتدخلات وردود فعل خارجية إلى نشوء حالة من الأصطفاف الطائفي التي دفع ومازال يدفع ثمنها الشعبين السوري والبحريني , فالتدخل السعودي وإن كان قد تم بطلب من الحكومة البحرينية إلا انه فتح الباب على مصراعيه امام أيران لدعم النظام السوري حتى إعتبر المرشد الأيراني الثورة السورية على انها نسخة مزيفة من ثورة الشعوب العربية الأخرى كما إعتبر الأخرون أن إنتفاضة البحرين هي طائفية ومرتبطة بإيران.

لقد دفعت الشعوب العربية ثمن هذه التدخلات الخارجية في شؤون ثوراتها الامر الذي أطال معاناتها فيما أضحت المنطقة العربية محورا لأستقطابات طائفية عمقت الخلافات وروح التافر بين ابنائها , ولذا فإن المسؤولية تقع على عاتق الحكومات النافذة في المنطقة وذلك عبر ممارستها لنفوذها السياسي على تلك الأنظمة عبر الضغط عليها للكف عن قمع شعوبها والبدء بعملية إصلاح حقيقي بدلا من دعم تلك الانظمة التي سئمت منها شعوبها , فاليوم هو عصر الشعوب ولن تستطيع أي قوة مهما عظمت من الوقوف بوجه إرادة الجماهير المظلومة

الجمعة، 8 يوليو 2011

عن دار تموز للطباعة والنشر صدر كتاب جديد للفنان والاديب جميل الكبيسي بعنوان اوراق متسافطة



عن دار تموز للطباعة والنشر صدر كتاب جديد للفنان والاديب جميل الكبيسي بعنوان اوراق متساقطة يحكي فيها الفنان ذكريات طقولته عن المكان ,والناس,والحياةكما جاء في مقدمة الكتاب:انا ذلك المجهول الضائع بين المتاهات,ابحث عن سر وجودي,وسر مصيري,انازع البقاء بقلب نابض, واياد تحترق.تائها في جهلي,وتائها في بصيرتي.اسال:لماذا نتألم ونشقى ونحترق,كلما توغلت اقدمنا خطوة للامام.....؟

عن دار تموز للطباعة والنشر صدر كتاب دور لينين في تطور النظرية الماركسية للمفكر والباحث فلاح امين الرهيمي


عن دار تموز للطباعة والنشر صدر كتاب دور لينين في تطور النظرية الماركسية للمفكر والباحث فلاح امين الرهيمي.جاء الكتاب ب142 صفحة من القطع المتوسط و\كر الباحث في تمهيده للكتاب مايلي:التمهيد :-
بشروق فجر القرن العشرين، ليكون لشعاع ذلك الفجر شرف إيقاظ الفكر الثوري الراقد في كتب ماركس وأنجلز ويترجمه واقعاً حياً العبقري لينين الذي من خلالها ينتفض الجياع والمضطهدين فيخلقون الثورة، حيث توجه المادية الجدلية ضربة قاصمة إلى المثالية الميتافيزيقية بعد أن يهبط بها في أرض روسيا بين أهلها الجياع والمضطهدين فيجعل العلوم الطبيعية والمعرفة العلمية المجردة والافتراضات الفلسفية الصرفة معركة الجماهير الكادحة والمحرومة مع الطبقات المستغِلة من مصاصي دماء المظلومين والجياع، ليست عراكاً فلسفياً وإنما حولت الأفكار والقوانين العلمية من مجال الفلسفة إلى صراع طبقي من خلال الظواهر والتطورات والفوارق الطبقية الاجتماعية، وانتقلت النظرية الماركسية من أفقها النظري إلى الممارسة الواقعية، وتحولت من ممارسة ثورية بانتصار الثورة إلى سلطة ثورية منتصرة يقودها العمال والفلاحون والمثقفون الثوريون في سياق أوضاع سياسية واجتماعية واقتصادية وعسكرية عالمية مضطربة. وكانت النظرية الماركسية هي مصدر المشروعية لهذه الثورة المجيدة ومرجعيتها الفكرية والعملية الأساسية.

خواطر من خلال الواقع لمشروع البرنامج-فلاح أمين الرهيمي


خواطر من خلال الواقع لمشروع البرنامج
بعد أن مس مشروع البرنامج روحي، تركت العنان لقريحتي لتقول ما يفيض به فكري من واقع المعرفة والتجربة من آراء مثقلة بالأماني والمسؤولية الإنسانية التاريخية.
أن المشروع يجسد طموحات وأماني إنسانية عن الوطن المذبوح والشعب المستباح، ازدحمت بها جميع برامج الأحزاب السياسية على الساحة العراقية وأن الشعب لم يلمس من خلال الواقع أي شيء يذكر من فقرات البرنامج، ومن خلال ذلك يتبين لنا أن العبرة والمحصلة النهائية ليس بالوعظ وثرثرة الكلام وإنما بالتطبيق العملي عن طريق تحويل فقرات ومكونات المشروع إلى واقع عملي عن طريق الشعارات المطلبية الجماهيرية، وكما نلاحظ ذلك من خلال تسابق الأحداث مع الزمن على الساحة العراقية والناس نيام على (زيد الوعود تداف في عسل الكلام).
إن النظرية الماركسية تمتاز بالأممية ولكنها في نفس الوقت تمتاز بالخصوصية الوطنية لأنها ولدت من رحم المجتمع ومحيطه الجماهيري وثقافته وتبقى مرتبطة بها وبوعيها ومعرفتها في أية بقعة من العالم، ولذلك فهي تتفاعل وتنصهر مع طبيعة المجتمع السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتصبح نبراس عمل ونضال جماهيري لذلك الشعب لأن جميع مكوناتها تتمحور حول الإنسان ومن أجل الإنسان في سعادته ورفاهيته وازدهاره ومستقبله المشرق السعيد، وهذا يعني أن الإنسان ما زال موجود في الحياة فإن النظرية الماركسية موجودة ومتى ما فني الإنسان فإن النظرية الماركسية تفنى وتنتهي معه، وهذا يعتبر من المستحيلات في المفهوم العلمي العام.
إن النظرية الماركسية أصبحت حقيقة واقعية تمتاز بعلميتها وفكرها وفلسفتها تمتلك الخريطة الواضحة والسديدة والنبراس الهادي والإشعاع النير فجذبت واحتضنت الملايين من معتنقيها ومحبيها وعشاقها بعد أن تزودوا بفكرها وثقافتها وعقيدتها ثم صقلتهم أيديولوجيتها فتكون حزبهم الشيوعي الذي جمعهم برنامجه الذي يدعو إلى حرية وكرامة الإنسان وسعادته واطمئنانه ومستقبله المشرق السعيد، ويقوم على أساس التنظيم الذي يعكس ثباته ورسوخه والتزام أعضائه ووحدتهم وإقدامهم ونضالهم في نشر أهدافهم وأفكارهم المتجسدة في برنامج الحزب وهو مد الجسور إلى جماهير الشعب والانصهار معهم في بودقة واحدة لكي يصبحوا قوة فعالة ذات تأثير ودور في القرار السياسي باعتبار الحزب لا يقاس بعدد أعضائه وإنما بسعة جماهيره.
وبما أن الحزب الشيوعي العراقي يسترشد بالفكر الماركسي في نشاطه وعمله ويمتلك برنامجاً واسعاً عن حرية الوطن وسعادة الشعب وأن نشر هذا البرنامج يأتي من خلال تنظيمات الحزب وامتدادها إلى جماهير الشعب أصحاب المصلحة الحقيقية في مشروع البرنامج وتطبيقه والاستفادة منه ويأتي انجذاب وتعاطف جماهير الشعب مع الحزب الشيوعي من خلال ما يتحقق لهم من مكاسب وفوائد ملموسة، ما عدا ما يتحقق لجماهير الشعب من مكاسب يعتبر الكلام وعوداً مجردة من كل معنى، ولا فائدة من طرح أفكار وإضافات على البرنامج إذا لم تنفذ فقراته السابقة على الواقع الملموس لجماهير الشعب. إن المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي بشكل عام يعتبر تغييراً نحو الجديد، وأن هذا الجديد يجب أن لا يكون خروجاً من التاريخ وإنما حواره مع الحاضر من خلال امتداد الماضي للحاضر والاستفادة من الماضي ودروسه عبر فحص التجربة وتصويب مسارها مما يؤدي إلى استحداث سياسة جديدة من خلال الاستفادة من تجارب الماضي وصهرها بالحاضر وإصلاحها وتحويلها إلى حالة جديدة من خلال التحليل النقدي وتصويب الخطأ، وليس استنباط تجربة جديدة تتناسق وتنسجم مع الواقع الموضوعي الجديد (تفكك المعسكر الاشتراكي وانهيار نظامه الاشتراكي) وصهر التجربة الجديدة بعد تنقيحها بالفكرة الماركسية على اعتبارها تشكل مطامح الجماهير بالمساواة والعدالة الاجتماعية، فإن ذلك يشكل تشويهات وخروجاً عن الفكر الماركسي الخلاق.


فلاح أمين الرهيمي