الأربعاء، 8 سبتمبر 2010

في الرد على المرتد-سيد القمني-اختيار احمد الحلي



في الرد على ( المرتد ) ‏‏

مقالة للمفكر المصري سيد القمني

هذه واحدة من مقالات الدكتور ( سيد القمني ) الذي عوّد قرّاءه أن يضع يده على الجرح .. فيما عيون السلفيين ينظرون اليه ليس شزراً ، و لا حقداً ، حسب ،، بل بإشارات تهديد مباشرة ، كالتي وصلت اليه قبل بضع سنوات من البريد العلني المباشر ، فأعلن الرجل ( توبته ) و تخليه عن أفكاره التي تصدم جهات كهذه .. و تبرأ ـ حينها ـ في بيان علني عن طروحاته الصادمة الصريحة ، و هو ما آخذه عليه بعض المثقفين العرب الليبراليين..
في هذه المقالة الباحثة تحت صخور و تراب و رمال تاريخ العرب عبر ما تسمى بـ ( الدولة العربية الإسلامية ) يعود دكتور سيد القمني الى ساحة المواجهة .. و هذه المرة في الرد على دكتور ( محمد عمارة ) الذي كان قد تحول ـ ربما بتأثير ( المفكر ) الفرنسي السفيه ( روجيه غارودي ) ـ من أقصى اليسار الماركسي الى أقصى اليمين السلفي الإسلامي .
اليكم : مقالة دكتور سيد القمني في الرد على الماركسي ( المرتد ) الإسلامي السلفي د. محمد عمارة حول كذبة : ( وامعتصماه ) : نصاً

ــــــــــــــــــــــــ





معاوية بن أبي سفيان وولده يزيد لم يمنعهما إسلامهما من قتال آل بيت الرسول وجز رأس الحسين، الحجاج بن يوسف الثقفي اعدم من العراقيين مئة وعشرين ألفا واستباح نساء المسلمين ,العباسيون قتلوا خمسين ألفا من أهل دمشق وجعلوا من المسجد الأموي إسطبلاً لخيولهم. نشر المقال في مجلة "روز اليوسف"
هل كان ممكناً أن ترتج أجهزة الدولة كلها مستجيبة لاستغاثة مواطن يعاني القهر والظلم في بلاد المسلمين على يد المسلمين، في الإمبراطورية الإسلامية العظمى الغابرة، كما ارتجت وتحركت بعدّتها وجيوشها في القصة الأسطورية استجابةً لصرخة امرأة مجهولة منكورة لا نعرف من هي، وهي تنادي الخليفة من على الحدود عندما اعتدى عليها بعض الروم: "وامعتصماه"؟!.



إن هذا النموذج من القصص يريد أن يعلن مدى اهتمام الدولة جميعها بمواطنٍ فردٍ يعاني أزمة، وهو ما يستثير الخيال العربي المقموع ويدفعه إلى محاولة استعادة هذه الدولة الأبية التي كانت تردع الأعادي بكل فخرٍ ومجدٍ كما كانت تنشغل بالمواطن الفرد كل الانشغال، حتى بات عزيزاً كريماً مرهوب الجانب أينما كان. لكن بين القص الأسطوري وبين ما كان يحدث في الواقع مفارقات لا تلتئم أبداً، ولا تلتقي أبدا. والنماذج على ذلك أكثر من أن تحصيها مقالة كهذي، بل تحتاج إلى مجلدات من الكتب. لكن يكفينا هنا اليسير منها لنكتشف هل كانت ثقافة "وامعتصماه" أمراً حقيقياً فاعلاً في الواقع أم أنها مجرد قصة لرفع الشعارات دون الفعل وليس أكثر، كالعادة العربية المعلومة! خاصة أن هذه الدولة العزيزة بمواطنها الكريم هي الدولة النموذج التي يطلبها اليوم المتأسلمون على كافة فصائلهم وأطيافهم، ويزينونها للناظرين بقصٍّ كهذا عادة ما يبدأ بمسئولية الخليفة الراشد وهو في يثرب عن دابة لو عثرت بالعراق.
وينتهي بالحفل البانورامي حول احتلال "عمّورية" انتقاماً للفرد العربي الأبي حتى لو كان امرأة! مع علمنا بحال المرأة قياساً على الرجل في تراثنا.
لقد صرخت القبائل العربية في الجزيرة منذ فجر الخلافة "وإسلاماه" تستغيث بالمسلمين لردع جيوش الدولة عن ذبحها وسبي حريمها وأطفالها لبيعهم في أسواق النخاسة، تلك القبائل التي تمسكت بحقها الذي أعطاه لها ربها بالقرآن في الشورى والمشاركة الفاعلة في العمل السياسي. فرفضت خلافة أبي بكر"الفلتة" بتعبير عمر بن الخطاب لأنها تمت بدون مشورتهم ولا ترشيح احد منهم ولا أخذ رأيهم، فامتنعوا عن أداء ضريبة المال للعاصمة تعبيراً عن موقفهم، لكنهم عملوا برأي الإسلام فجمعوا الزكاة ووزعوها على فقرائهم في مضاربهم التزاماً بهذا الركن الإسلامي بجوار صلاتهم وصيامهم وقيامهم بقية الأركان المطلوبة. فلم يعفها ذلك من جزِّ الرقاب والحصد بالسيف. والصراع هنا لم يكن حول الإيمان والكفر، بل كان الشأن شان سياسة دنيوية لا علاقة لها بالدين.
ورغم الجميع فقد تواطأ السَّدنة مع السلطان ضد تلك القبائل ليؤسسوا في التاريخ المذهب السنِّي الذي وجد فرصته في مكان سيادي بجوار الحاكم، فقام بتحويل الخلاف السياسي إلى خلاف ديني، واعتبر أن محاربة هؤلاء واجب ديني لأنهم قد كفروا وارتدوا عن الإسلام لا لشيءٍ، إلا لأن هكذا كان قرار الخليفة؛ ولأن هذا الخليفة كان "الصدِّيق" صاحب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وصهره ووزيره الأول. فالبسوا الخليفة أولاً ثوب القدسية ولو ضد منطق الإسلام الذي لا يقدس بشراً، ثم البسوا القرار قدسية الخليفة، ثم أصدروا قرارهم بتكفير هذه القبائل بتهمة الردة عن الإسلام لأنها حسب القرار البكري قد "فرَّقت بين الصلاة وبين الزكاة"، وهو أمرٌ فيه نظر من وجهة نظر الشرع لا تبيح قتالهم ولا قتلهم. لذلك تم تدعيم القرار بأن تلك القبائل قد خرجت على رأي الجماعة وخالفته وهو اختراع آخر كان كفيلاً بوصمها بالارتداد منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم.

وهكذا، ومنذ فجر الخلافة جلس الفقيه في معية السلطان يصوغان لنا إسلامنا، إسلام يؤسلم ويكفّر حسب مدى التزام المواطن بالمذهب السيد الذي هو مذهب السدنة والسلطان وأولي الأمر، وطاعتهم أمر رباني وفرض سماوي. ومنذ خرجت جيوش أبي بكر تحارب تاركي الزكاة تحت اسم الدين والصواب الديني، أصبح معنى أن تخرج جيوش المسلمين لتحارب الكفار "غير حروب الفتوحات". إنها خارجة للقضاء على المعترضين أو المخالفين في الرأي السياسي الذي تتم إحالته إلى الدين، حتى يتم الذبح والحرق والسبي باسم الدين وليس لخلاف سياسي.
ونظرة عجلى على تاريخ العرب المسلمين ستكتشف أن مقابل "وامعتصماه" الأسطورية، ألف "وإسلاماه" كان جوابها مختلفا. وبلغ الأمر غاية وضوحه في زمن عثمان بن عفان الذي فتق بطن عمّار بن ياسر ضرباً وركلاً، وكسر أضلاع إبن مسعود حِبِّ رسول الله، ونفى أبا ذر إلى الربذة، فقتل المسلمون خليفتهم، وتم قتله بيد صحابة وأبناء صحابة. ومن بعدها خرجت الفرق الإسلامية تحارب بعضها بعضا وتكفّر بعضها بعضا، حتى مات حول جمل عائشة خمسة عشر ألف مسلم، ومن بعدهم مائة ألف وعشرة من المسلمين في صفّين، لا تعلم من فيهم من يمكن أن نصفه بالشهيد ومن فيهم من يمكن أن نصفه بالظالم المفتري!
أما عن زمن معاوية وولده يزيد فحدث ولا حرج عما جرى لآل بيت الرسول، وكيف تم جز رأس الحسين لترسل إلى العاصمة، وكيف تم غرس رأس زيد بن علي في رمح ثم غرسه بدوره فوق قبر جده رسول الله!. وإن ينسى المسلمون السُّنة، فإنَّ بقية الفرق لا تنسى هذه الأحداث الجسام التي فرَّقتْ المسلمين فرقاً وشيعاً، كلها تمسَّحتْ بالدين وكان الشأن شأن سياسة ودنيا وسلطان.
وإن ينسى المسلمون أو يتناسوا فان التاريخ يقرع أسماعنا بجملة مسلم بن عقبة المري لتأديب مدينة رسول الله "يثرب" ومن فيها من الصحابة والتابعين بأمر الخليفة القرشي يزيد بن معاوية. فقتل من قتل في وقعة الحرة التي هي من كبرى مخازينا التاريخية، إذ استباح الجيش نساء المدينة أياما ثلاثة حبلت فيها ألف عذراءٍ من سفاح واغتصاب علني وهن المسلمات الصحابيات وبنات الصحابة والصحابيات.
أما زياد بن أبيه، والي الأمويين على إقليم العراق، فقد شرَّع القتل بالظنة والشبهة حتى لو مات الأبرياء إخافة للمذنب، وشرَّع قتل النساء. أما نائبه الصحابي "سمرة بن جندب" فان يديه قد تلوثتا فقط بدماء ثمانية آلاف من أهل العراق على الظن والشبهة، بل اتخذ تطبيق الحدود الإسلامية شكلاً ساخراً يعبر عن تحكم القوة لا حكم الدين، كما في حال "المسود بن مخرمة" الذي نددَّ بشرب الخليفة للخمر، فأمر الخليفة بإقامة الحد إحقاقاً للشرع لكن على المسود بن مخرمة.
ثم لا تندهش لأفاعيل السلطة وشهوتها في التقوى والأتقياء. فهذا الملقب بـ"حمامة المسجد" عبد الملك بن مروان لكثرة مكوثه في المسجد وطول قراءاته للقران وتهجده ليل نهار، يأتيه خبر أنه قد أصبح الخليفة فيغلق القران ويقول له: "هذا آخر العهد بك"، ثم يقف في الناس خطيباً فيقول:"والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا وإلا ضربتُ عنقه".



ولابد أن يجد الحجاج بن يوسف الثقفي هنا ولو إشارة؛ لأنه كان المشير على الخليفة؛ ولأنه من قام على إصدار النسخة الأخيرة من القرآن بعد أن عكف مع علماء الأمة على تصويب الإصدار العثماني وتشكيله وتنقيطه بإشراف شخصي دائم منه، ولم يثبت عليه حب الخمر أو اللهو. لكنه كان أيضا هو الرجل الذي ولغ في دماء المسلمين، وكانت مخالفته في أهون الشئون تعني قص الرقبة، فهو الذي قال:"والله لا آمر أحدا أن يخرج من باب من أبواب المسجد فيخرج من الذي يليه إلا ضربت عنقه". وهو أحد خمسة ذكرهم عمر بن عبد العزيز قبل خلافته في قوله: "الحجاج بالعراق والوليد بالشام وقرة بمصر وعثمان بالمدينة وخالد بمكة، اللهم قد امتلأت الدنيا ظلما وجورا".
وقد سار الحجاج على سنَّة سلفه زياد في إعدام النساء والقبض على أهل المطلوب حتى يسلم نفسه، ومنع التجمهر، وإنزال الجنود في بيوت الناس ووسط العائلات يلغون في الشرف كيفما شاءوا إذلالاً للناس وكسرا لإنسانيتهم، حتى انه أعدم من العراقيين في عشرين سنة هي مدة ولايته مائة وعشرين ألفا من الناس بقطع الرأس بالسيف أو الذبح من القفا أو الرقبة، دون أن نعرف من هم هؤلاء الناس ولماذا ذبحوا اللهم إلا على الاحتجاج على ضياع كرامة الإنسان، أو لمجرد الشبهة والظن.
وقد وجد هؤلاء السادة في الذبح والحرق لذة وسعادة، بل فكاهة دموية. ففي فتوح جرجان سال أهل مدينة طمسية قائد المسلمين سعيد بن العاص بن عم الخليفة القائم عثمان بن عفان الأمان، مقابل استسلامهم على ألا يقتل منهم رجلاً واحداً، ووافق القائد سعيد ففتحوا له حصونهم فقرر الرجل أن يمزح ويلهو ويضحك، فقتلهم جميعا إلا رجل واحد!
وعندما وصل العباسيون إلى السلطة بدأوا حملة تطهير واسعة شملت من مواطني دمشق خمسين ألفا تم ذبحهم، وجعلوا من المسجد الأموي إسطبلاً لخيولهم. ولما استقام لهم الأمر استمروا على النهج الأموي في ظلم العباد وقهر آدمية الإنسان، وهو ما كان يدفع إلى ثورات، تنتهي بشي الثوار على نيران هادئة، أو بمواجهتهم للضواري في احتفالات رومانية الطابع.
وهكذا كان الإنسان سواءً مواطناً عادياً كان، أم كان في جيوش السلطان، في مقتطفات سريعة موجزة مكثفة من تاريخنا السعيد وزماننا الذهبي الذي يريد الدكتور محمد عمارة استعادته، لماذا؟ يقول لنا تحت عنوان "مميزات الدولة الإسلامية"، إن الشريعة الإسلامية فيها "تفوقت على غيرها من كل الشرائع والحضارات والقوانين الدولية، في أنها جعلت القتال والحرب استثناء مكروها لا يلجا إليه المسلمون إلا للضرورة القصوى". لذلك يرى الدكتور عمارة: "أن الدولة الإسلامية لم تخرج عن هذا المنهاج السلمي، حتى تضمن الدولة للمؤمنين حرية العيش الآمن في الأوطان التي يعيشون فيها"- مقالاته الحروب الدينية والأديان السماوية 7،8".

لكن ماذا عند سيادة الدكتور ليقوله بشان تلك الجسام الجلل في تاريخ ما يسميه الدولة الإسلامية؟!.



وإعادة الإمبراطورية القوية مرة أخرى. لقد كان زمنا ذهبيا بكل المعاني الذهبية بالنسبة للسادة الفاتحين الغزاة الحاكمين وحواشيهم من سدنة الدين وتجار البشرية، لكنه كان زمانا تعسا بائسا دمويا بالنسبة للمحكومين المغزوين المفتوحين.
وإذا قيل هنا أن ذلك كان منطق ذلك العصر، فلا خلاف أبداً حول قول القائل. وإذا قيل إنه لا يصح محاكمة ذلك الزمان بذوق زماننا الأخلاقي، أيضا ليس ثمة خلاف. لكن الخلاف ينشأ فور القول باستعادة هذا الشكل من الحكم والأنظمة بحسبانها الأمل والمرتجى. هنا لابد أن نحاكمها بذوق أيامنا، لنرى إن كانت هي الحلم المنشود والأمل المفقود، أم ستكون هي الختام لخير أمة أخرجت للأنام!

سيد القمني-كاتب من مصر-من موسوعة ويكيبيديا-اختارها د.غالب المسعودي



سيد القمني

سيد القمني كاتب من مصر حاصل على الدكتوراه في تاريخ علم الاجتماع الديني من جامعة كاليفورنيا الجنوبية من مواليد 13 مارس 1947 بمدينة الواسطى في محافظة بني سويف [1]، معظم أعماله الأكاديمية تناولت منطقة شائكة في التاريخ الإسلامي. البعض يعتبره باحثاً في التاريخ الإسلامي من وجهة نظر ماركسية والبعض الآخر يعتبره صاحب أفكار اتسمت بالجرأة في تصديه للفكر الذي تؤمن به جماعات الإسلام السياسي، بينما يعتبر السيد القمني نفسه وعلى لسانه من على قناة الجزيرة الفضائية إنه إنسان يتبع فكر المعتزلة. وصفه الكثيرين بانه مرتد أو بوق من أبواق الولايات المتحدة لتشابه وجهة نظره مع نظرة الإدارة الأمريكية في ضرورة تغيير المناهج الدينية الإسلامية وخاصة في السعودية علماً أن القمني وعلى لسانه كان ينادي بهذا التغيير لعقود سبقت الدعوة الأمريكية الحديثة التي نشأت عقب أحداث 11 سبتمبر 2001.
انتقده الكثيرون لإستناده على مصادر معترف بها من الأزهر فقط، حاول في كتبه مثل الحزب الهاشمي الذي بيعت 40،000 نسخة منه حتى قبل أن يطبع والدولة المحمدية وحروب دولة الرسول أن يظهر دور العامل السياسي في اتخاذ القرار الديني في التاريخ الإسلامي المبكر بينما يظهر في كتابه النبي إبراهيم تحليلات علمانية لقصص الأنبياء الأولين. أشهر مؤلفاته «رب هذا الزمان» (1997)، الذي صادره مجمع بحوث الازهر حينها وأخضع كاتبه لاستجواب في نيابة أمن الدولة العليا، حول معاني «الارتداد» المتضمَّنة فيه.
تصاعدت لهجة مقالات القمني ضد الإسلام السياسي وكان أكثر هذه المقالات حدّة ذاك الذي كتبه على أثر تفجيرات طابا في أكتوبر 2004. وكان عنوانه: «إنها مصرنا يا كلاب جهنم!»، هاجم فيه شيوخ ومدنيي الإسلام السياسي، وكتب: «أم نحن ولاية ضمن أمة لها خليفة متنكّر في صورة القرضاوي أو في شكل هويدي تتدخل في شؤون كل دولة يعيش فيها مسلم بالكراهية والفساد والدمار، ويؤكد وجوده كسلطة لأمة خفية نحن ضمنها». بعد هذا المقال، تلقى القمني العديد من التهديدات. إلى أن أتى التهديد الأخير باسم «أبو جهاد القعقاع» من «تنظيم الجهاد المصري»، يطالبه فيه بالعودة عن أفكاره وإلا تعرّض للقتل، فقد أهدر دمه ففي 17 يونيو 2005 أصدر تنظيم القاعدة في العراق رسالة تهديد وتم نشر رسالة التهديد على موقع عربي ليبرالي على الإنترنت تسمي نفسها شفاف الشرق الأوسط [1]. على الأثر كتبَ سيد القمني رسالة بعثها إلى وسائل الإعلام والى مجلته روز اليوسف، يعلن فيها توبته عن أفكاره السابقة وعزمه على اعتزال الكتابة، صوناً لحياته وحياة عياله. استقالة القمني الذي عبر عنها بقوله وبهذا اعلن استقالتي ليس من القلم وحسب، بل ومن الفكر أيضاً. فيبدو أن التعبير عن الآراء والأفكار أصبح تهمة يتوجب أن نتبرأ منها وإلا فأنت مستهدف.
محتويات
[1 بداية اهتمامه بالتاريخ الإسلامي
• 2 آرائه حول القرآن
• 3 آرائه حول تأسيس الإسلام
• 4 آراؤه حول تغيير المناهج الدينية
• 5 رسالة التهديد والإستقالة
• 6 المؤيدون له
• 7 المعارضون له
o 7.1 التشكيك في حصوله على الدكتوراه
• 8 الجوائز
• 9 بعض من مؤلفاته
• 10 المصادر
• 11 وصلات خارجية
• 12 انظر أيضاً

بداية اهتمامه بالتاريخ الإسلامي
إستناداً إلى مقابلة صحفية للقمني مع صحيفة ميدل إيست تايمز Middle East Times في 10 نوفمبر 2004 [2] قال القمني إن بداية ولعه بالتعمق في التاريخ الإسلامي يعود إلى نكسة 1967 وتهاوي الحلم الناصري العروبي في بناء دولة حديثة فبدأ القمني وعلى لسانه بالتساؤل، ماذا حدث ؟ وقرر القمني وحسب تعبيره أن يكون جندياً من نوع آخر وأن يضع يده على جوهر وجذر المشكلة والتي لم تكن مشكلة إخفاق عسكري وحسب بل كانت حسب رأي القمني متأصلة في الإطار الفكري الإسلامي وليس في الإطار الفكري العروبي وفي خطوته الأولى نحو هدفه أعلن رفضه لفكرة ان الموروث الثقافي العربي يبدأ من بدأ الرسالة الإسلامية بل إنه مجموعة من التراكمات الثقافية والحضارية لشعوب كانت في منطقة الشرق الأوسط قبل وبعد ظهور الإسلام وأنه من المستحيل لثقافة أو حضارة أن تتكون من نقطة ابتداء محددة معلومة وأن تفكير البعض أن الثقافة العربية بدأت مع بدأ الوحي أمر غير منطقي يجعل الإنسان يؤمن بإنه لم يكن هناك أي دور للحضارات والشعوب والديانات والعوامل السياسية التي سبقت الإسلام في الصياغة والإعداد لظهور الإسلام
عبر القمني عن هذا بقوله أنه «لا شيء إطلاقا يبدأ من فضاء دون قواعد مؤسسات ماضوية يقوم عليها ويتجادل معها، بل ويفرز منها حتى لو كان ديناً» والإعتقاد بان كل فكرة سبقت الإسلام ليست متكاملة بل فيها الكثير من العيوب يجعل المرء حسب تعبير القمني متقوقعاً في إطار يعتقد انه الأفضل والأكمل ومثل هذا الفكر غير مستعد لنقد الذات أو التغيير أو الحوار وهذا بالتالي أدى حسب تحليل القمني إلى نشوء فكرة المخلص أو العالم أو البطل الذي له القدرة على فهم الغموض الإلهي والذي يدرك ويفهم في هذه الأمور أكثر من الإنسان البسيط وهذا بالتالي أدى إلى ترسخ فكرة المنقذ أو المخلص أو البطل في الثقافة الشرقية التي أدى بدوره إلى نشوء ترتيب طبقي في المجتمع لاعلاقة له بالاقتصاد وأصبح الشعب مقسماً إلى قسم يقود وقسم يقاد وبهذا لم يكن هناك أي مجال للتغيير الاجتماعي لسعة الفجوة المصطنعة بين القائد والشعب وحسب رأي القمني فإن هذه الظاهرة ليست حصراً لى الإسلام أو العرب فقط بل الإنسان الشرقي على مد التاريخ وشمل حسب ترتيب القمني أوزيريس إله البعث والحساب عند قدماء المصريين إلى اليهودية والمسيحية وحتى إلى عصرنا الحديث حيث وبنظر القمني إعتبر البعض صدام حسين بطلاً ومخلصاً ومنقذاً أثناء حرب الخليج الثانية وغزو العراق 2003.
هدف سيد القمني كان وعلى لسانه هو إدراك ومعرفة جذور طريقة تصرف المسلمين والعرب وفتح نوافذ قديمة للوصول إلى اكتشاف حقيقة النفس هل المصري على سبيل المثال عربي أم مسلم متشدد أم مصري وإنعدام وضوح الرؤية حول الشعب الشرقي حسب تعبير القمني أدى إلى سلسلة من الدكتاتوريين فالرجل حسب تعبيره دكتاتور على بيته ورب العمل دكتاتور على عماله والضابط دكتاتور على الجندي والأستاذ الجامعي دكتاتور على الطالب وعليه فان الإنسان الشرقي علم نفسه ان يكون دكتاتوراً لدرجة انه فقد معنى الحرية.
آرائه حول القرآن
يرى سيد القمني ان هناك بعدان للقرآن، البعد الأول حقائق، تتعامل مع أحداث تأريخية حدثت في التاريخ الإسلامي مثل غزوة بدر ومعركة أحد وصراع اليهود مع المسلمين في يثرب وغيرها من الأحداث وهناك بالإضافة إلى هذا الجانب التأريخي جانب روحي وميثولوجي إسطوري لم يحدث بصورة عملية فيزيائية وإنما يمكن اعتباره رموز وليس حقائق تأريخية ويورد القمني كمثال على هذا البعد نزول الملائكة للقتال إلى جانب المسلمين في معركة بدر ضد قريش وحادثة الإسراء والمعراج التي لابد ان تكون رموزا حسب اقتناع القمني وعليه فإن المسلم وحسب رأي القمني يجب أن يميز بين ماهو حقيقة تأريخية وبين ماهو مجرد رمز لكونها تتحدى قوانين المنطق والفيزياء ويوضح القمني فكرته بان الإعتقاد بأن الملائكة نزلت بالفعل في غزوة بدر فيه إساءة غير مباشرة إلى الإسلام لكونها مناقضة لأفكار لحقائق أخرى ويورد القمني مثالا وهو لماذا يحتاج الرسول محمد ان يرسل أشخاص ليستطلعوا امور قريش قبل أو بعد المعركة بل ما الداعي لأن يسأل الرسول محمد بن مسلمة لأن يقتل الشاعر اليهودي كعب بن الأشرف إذا كان الرسول محاطا في اغلب الأوقات بالملاك جبريل لماذا لم يرسل الملائكة لهذه المهمات بدلا من أناس من البشر ولذلك وحسب السيد القمني يجب الفصل بين الحقيقة التاريخية والرموز وهذا الفصل هو الخطوة الرئيسية نحو فهم الإطار الفكري الإسلامي.
يرى القمني أن القرآن يجسد نصّا تاريخيّا ولاضير من وضعه موضع مساءلة إصلاحية نقدية وإن هذا النقد الإصلاحي لايمثل ردة أو استخفافا بالقرأن حسب رأيه بل هو يعتبره «اقتحاما جريئا وفذا لإنارة منطقة حرص من سبقوه على أن تظل معتمة وبداية لثورة ثقافية تستلهم وتطور التراث العقلاني في الثقافة العربية الإسلامية ليلائم الإسلام احتياجات الثورة القادمة». وللقمني نظرة في التاريخ يخالفه عليها الكثيرين وهو إن مهمة الباحث ليست تدقيق معلومة يعطيها لنا علماء وأن المعلومات سواء كانت خطأ أم صوابا فهي ذلك المعطى الجاهز لنا من أهل التاريخ فيجب اذن حسب القمني تحليل الحقيقة بنفس مستوى تحليل أسطورة إذا ماكانت الخرافة بنفس مستوى الحقيقة لدى البعض.
آرائه حول تأسيس الإسلام
يعتبر كتاب الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية [3] وجهة نظر وتحليل القمني لجذور فكرة تأسيس الدولة الإسلامية، إعتبر البعض هذا الكتاب واحد من أهم الإصدارات العربية المعاصرة على الإطلاق بينما إعتبره البعض الآخر ضربات خفية وظاهرة للإسلام وكعبة الإسلام ونبي الإسلام ودس السم في العسل. كان هذا الكتاب مخالفا لوجهة نظر المؤرخين القدامى عن تأريخ الإسلام فقد حلل القمني التأريخ الإسلامي على أساس كونها ظاهرة بشرية وليست كمسيرة دينية، تحركها إرادة الله دون تدخل من الماورائيات والفوق منطقيات. بل إن الإسلام يصبح أقرب إلى رسالة سياسية هدفها الأول في تكوين دولة الحزب الهاشمي (دولة بني هاشم)، هذه النظرية بالتحديد ستعارضها نظرية مشابهة تنحو أيضا لدراسة الإسلام كتاريخ ورسالة سياسية دون أي اعتبار ديني على يد خليل عبد الكريم لكن عبد الكريم يرى ان رسالة الإسلام السياسية كانت بناء دولة قريش.
يرى القمني إن العامل الاقتصادي والفكر القومي العروبي لعب دورا كبيرا في نشوء الإسلام وحسب القمني فإن عبد المطلب بن هاشم جد الرسول محمد تمتع بوعي سياسي وقومي رفيع وحاول زرع البذور الأولى نحو الوحدة القومية فدعى إلى إلغاء التماثيل والأصنام وغيرها من الوساطات والشفاعات وبدأ بغرس فكرة الحنيفية مستلهما أسسه من ديانة إبراهيم الذي يعده العرب أباً لهم. يرى القمني إن الرسول محمد أكمل مابدأ به جده وقام الإسلام بالتخلص من أرستقراطية قريش واستقر أمر الدولة العربية الإسلامية الوليدة للبيت الهاشمي وتراجع نفوذ الأمويين من أبناء عمومتهم ليتأجج بعد ذلك الصراع التاريخي بينهما على أسس اقتصادية اجتماعية جديدة خاصة بعد اتساع الدولة بالفتوحات وانتشار الرسالة الجديدة وعندما سنحت الفرصة للحزب الأموي انقض على الهاشميين بضراوة واستولوا على الحكم، وساعتها تجلت مشاعرهم تجاه بني عمومتهم في المجازر الدموية التي راح ضحيتها كل من أيد البيت الهاشمي.
لكن القمني في هذا الإطار لا يوضح سببا واحدا لمحاولات الرسول المتعددة للتقرب من بني أمية وإدخالهم في دولة الإسلام، من زواجه من أم حبيبة بنت أبي سفيان التي كانت أول البوادر التي أسست لتحالف أبي سفيان مع الدعوة، إلى تصريح الرسول يوم فتح مكة "ومن دخل بيت أبي سفيان فهو آمن" فهذه العوامل كلها مهدت لاحقا لدخول بني أمية بشكل لافت في الدعوة الإسلامية بل أنهم سيصبحون أبرز من يدافع عن دولة الإسلام زمن حروب الردة، هذه الأحداث لا تفسرها نظرية القمني فكيف يمكن لمن يريد تأسيس دولة بني هاشم أن يحاول أن يقرب بني أمية ناهيك أن الرسول لم يكن يبدي أي ميول لتفضيل أقرباءه الهاشميين طوال فترة الدعوة.[من صاحب هذا الرأي؟]
إستنادا إلى كتاب الحزب الهاشمي فإن فكرة النبي المنتظر كانت وليدة التحولات التأريخية التي بدأها عبد المطلب، أما عن الكعبة فيرى القمي إنها بنيت على يد العرب وهذا مخالف للقناعة السائدة بأن الكعبة أقدم من العرب. من الفقرات التي أحدثت ضجة كبيرة هو تفسير القمني للآيات 6، 7، 8 من سورة الضحى والتي نصها "أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى، وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى، وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى" هذه الآيات حسب رأي القمني نزلت في فضل خديجة بنت خويلد على النبي محمد لأنها أغنته بمالها وهذا مناقض للتفاسير المعتمدة. شبه البعض كتاب الحزب الهاشمي برواية آيات شيطانية للروائي سلمان رشدي مع فرق واحد حسب المقتنعين بهذه الفكرة وهو ان القمني لم يستخدم الألفاظ البذيئة التي إستعملها رشدي بل إنه أساء للإسلام بهدوء وبمنتهى الأدب حسب تعبيرهم.
مثل هذه الدراسات التي تتناول التاريخ الإسلامي من منظور اقتصادي سياسي تاريخي وجدت أيضا في إطار أكاديمي منذ بدايات الأربعينات في دراسات عبد العزيز الدوري لكن الدوري لم يقم بحذف المؤشرات التاريخية التي تشير إلى ان رسالة الإسلام الأساسية كانت دينية وليست سياسية بحتة.
آراؤه حول تغيير المناهج الدينية
في حوار تلفزيون]]ي على شاشة قناة الجزيرة الفضائية في برنامج الاتجاه المعاكس (تم بثه في 17 فبراير 2004) وفي حوار مع الباحث في الشؤون الإسلامية كمال حبيب طرح القمني آراءه حول تغيير المناهج التعليمية الإسلامية تحت ضغوط الأدارة الأمريكية ويمكن تلخيص آرائه بالتالي [4]:
• أنه طالب بالتغيير منذ عام 1996 أي قبل ضغوط الولايات المتحدة لتغيير المناهج التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر 2001، (والثقافة الإسلامية التي تشجع العنف يجب أن تتغير، بالأميركان أو من دونهم لأنها تفرز الإرهاب).
• هناك نصوص معينة في المناهج السعودية من وحي الفكر الوهابي تشجع على الإرهاب وتكفير الطوائف والمذاهب الإسلامية الأخرى ويورد القمني هذه الأمثلة: في منهج التوحيد المقرر على ثاني متوسط في السعودية صفحة 105 وأولى ثانوي صفحة 12 وثاني ثانوي صفة 37 نرى النص التالي «الفِرق المخالفة من جهمية ومعتزلة وأشاعرة وصوفية قلدوا من قبلهم من أئمة الضلال فضلّوا وانحرفوا وهي فرق ضالة»، ويوجد نص آخر في كتاب التوحيد ثالث ثانوي صفحة 126 نصه «الاحتفال بمناسبة المولد النبوي تشبُّه بالنصارى» وفي كتاب التوحيد ثالث ثانوي صفحة 41 يوجد النص التالي «محبة الله لها علامات منها العزة على المخالفين والكافرين وأن يظهروا لهم الغلظة والشدة».
• مستوى التعليم في المدارس العربية «في قاع بحر الظلمات» لأن طريقة التعليم هي الحفظ والتلقين وحتى العلوم الغربية يتم تدريسها بطريقة إسلامية.
• الإسلام كتاب مفتوح للكل وليس من حق أحد ان يعتبر منهجه الإسلامي صحيحا ويعتبر الآخرين عى خطأ ولا خلاص إلا بأخذ المناهج الغربية في التفكير على كل المستويات بدون انتقاء.
رسالة التهديد والإستقالة
إستنادا إلى تصريح صحفي لنجلة القمني، المهندسة سلوى القمني فإن سيد القمني تلقى تهديدات كثيرة بالقتل منذ تفجيرات طابا كان بعضها من تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين الذي كان يتزعمه أبو مصعب الزرقاوي عبر شبكة الإنترنت خاصة بعد مقال كتبه بعنوان "إنها مصرنا يا كلاب جهنم" ولكن القمني لم يأخذه بجدية حتى وصله التهديد الأخير من جماعة الجهاد والذي أخذه على محمل الجد [5]. جاء في هذه الرسالة التي نشرت صحيفة إيلاف الإلكترونية مقتطفات منه المقطع التالي «اعلم ايها الشقي الكفور المدعو سيد محمود القمني، أن خمسة من اخوة التوحيد وأسود الجهاد قد انتدبوا لقتلك، ونذروا لله تعالى ان يتقربوا إليه بالإطاحة برأسك، وعزموا ان يتطهروا من ذنوبهم بسفك دمك، وذلك امتثالا لأمر جناب النبي الأعظم صلوات ربي وتسليماته عليه، إذ يقول "من بدل دينه فاقتلوه» [6]
كانت هناك شائعات حول أن قرار استقالة القمني كانت على أثر خلاف مع رئيس التحرير الجديد لمجلة روز اليوسف الذي إعتاد القمني على كتابة مقاله الأسبوعي فيها وإن رواية التهديد مشكوك فيها فقد كتب مصطفى سليمان مقالا في جريدة الأسبوع المصرية متهما القمني بخلق قصة التهديد وكتب حسب تعبيره «ان القمني أراد أن يلعب دور الشهيد وأراد أن يعيد الزمن مرة أخرى إلي الوراء، فقد اتخذت الجماعة الإسلامية قرارها بوقف العنف منذ 7 سنوات وهو قرار استراتيجي لا رجعة فيه». وشارك هذا الصحفي الرأي المفكر الإسلامي كمال حبيب وهو قيادي سابق في تنظيم الجهاد وأول من كتب في فكر المراجعات للجماعات الإسلامية الذي أضاف ان «ان تنظيم الجهاد المصري أوقف عملياته منذ عام 1995 وانضم إلي الجبهة العالمية لقتال اليهود والأمريكان وحتي العمليات التي تمت سابقا ضد مثقفين مصريين مثل الروائي الكبير نجيب محفوظ وفرج فودة لم تكن عمليات تنظيمية من قيادات الجهاد أو الجماعة الإسلامية وإنما كانت من شباب صغير متحمس» [7]
على أثر هذا التهديد كتب القمني في يونيو 2005 رسالة اعتزاله التي جاء فيها «تصورت خطأ في حساباتي للزمن أنه بإمكاني كمصري مسلم أن أكتب ما يصل إليه، بحثي وأن أنشره علي الناس، ثم تصورت خطأ مرة أخرى أن هذا البحث والجهد هو الصواب وأني أخدم به ديني ووطني فقمت أطرح ما أصل إليه علي الناس متصورا أني علي صواب وعلي حق فإذا بي علي خطأ وباطل، ما ظننت أني سأتهم يوما في ديني، لأني لم أطرح بديلا لهذا الدين ولكن لله في خلقه شئون» [8]
المؤيدون له
• أنيس منصور: ما احوج الفكر المصري الراكد والفكر العربي الجامد الي مثل قلمك‏ وطبيعي أن يختلف الناس حولك‏ فليكن‏!‏ ولكنك قلت وأثرت وأثريت وفتحت النوافذ وادخلت العواصف واطلقت الصواعق‏ [9]
• الكاتب العراقي جاسم المطير: القمني صرخة كبرى سوف لا ينضب لها عطاء من نور وتنوير وستكون هذه الصرخة الاحتجاجية في رحاب الرعب السلفي قادرة على فتح أبواب الحرية الدينية وقادرة على إدانة يد القمع الفوضوي الإسلامي مثلما ستكون قادرة على إدانة السلطة التي تتراكم فيها عفونة العصور المظلمة وكهوفها. [10]
• الروائية الأردنية ليلى الأطرش: تهديد سيد القمني ورضوخه الذي قد يُفهم في سياق قوة الاحتمال والظروف الخاصة به، فقرة في سلسلة اغتيال الفكر والقتل وإقامة الحسبة وخنق الحريات باسم الدين. ولكن الرضوخ يعني مزيدا من بطش هذه الجماعات وإعادة المجتمعات إلى كهوف الظلام والجهل، ونزع كل مكتسبات التنوير والفكر الحر وحقوق النساء [11]
• الكاتب السعودي صالح إبراهيم الطريقي: كفوا عن إرهاب الرجل، فليس من العدل أن تهدد حياته بسبب أفكاره، وتهدد إنسانيته وكرامته بسبب تركه هذه الأفكار وتساءلوا لماذا المجتمعات العربية تصنع كل هذا الرعب للإنسان إن القمني يعلن وإن لم يقل هذا بصريح العبارة، إنه إنسان خائف ومرعوب، لهذا لا تطلبوا منه أن يكون نصف إله يعبد هو وأفكاره بعد مماته [12].
• الكاتب المصري كمال غبريال: لقد فضح القمني طيور الظلام، والذين يقدمون لها الحب والماء والأعشاش، والذين يصفقون لتحليقها كغمامة سوداء فوق رؤوسنا، كما فضح غير المبالين الذين يقتصر دورهم على التناسل، أو وضع مزيداً من البيض المرشح لفقس المزيد والمزيد من طيور الظلام [13].
• فالح الحمراني: سيد القمني قيمة عربية، اثرى للفكر العربي منهجيا ومعلوماتيا ورؤية. واعماله إضافة فكرية ناصعة ومهمة تصب في اتجاه بلورة موقف وفكر عربي اصيل من قضايا إنسانية عامة.
• سعد الدين إبراهيم ،أستاذا بالجامعة الأمريكية في القاهرة، أحد دعاة حقوق الإنسان في مصر : القمني مفكر إسلامي كبير، مبدع مجتهد [14].
• الكاتب الكردي طارق حمو: سيد القمني أبدع وأنجز وأسس مدرسة فكرية بحثيّة عملاقة، سلطّ في مشغله المتواضع، الضوء الساطع على نصوص التراث الصدئة، ففككها وأعادها إلى زمانها ومكانها الأولين، مستعيناً لإنجاز كل ذلك، بإخباريات وسيّرهذا التراث نفسه [15].
• الكاتب الفلسطيني أحمد أبو مطر: إن إعلان التضامن مع القمني مسالة مبدئية، وبيانه الراضخ لتهديدات الإرهابيين، لن يلغي دور أفكاره هذه، فسوف تظل حافزا تنويريا رغم تراجعه البياني عنها [16]
المعارضون له
• المفكر الإسلامي كمال حبيب، قيادي سابق في تنظيم الجهاد المصري: إن ما ذكره القمني لا يعدو أن يكون "دجلاً ونصباً ومحاولة للتسول والارتزاق من بعض الجهات القبطية والعلمانية في مصر التي تقدم له الدعم.
• الكاتب الاردنى شاكر النابلسي: كان نقد القمني لفكر الأصوليين الإرهابيين من باب الكراهية لهم وليس من باب ايجاد البديل من داخل الإسلام نفسه، وثقافة القمني الإسلامية سطحية إلى حد كبير وكافة طروحات القمني الفكرية لا تستدعي أن يقتل صاحبها بل على العكس فإن هجوم القمني على دول الخليج والإخوان المسلمين كان يُسعد القاعدة [2].
• الكاتب المصري منصور أبو شافعي: حاول القمني مركسة الإسلام وتعمدالكذب ليتمكن من إرجاع مثلث الإسلام - الرسول - الرسالة إلى منابع جاهلية ويهودية [3]
• الكاتب المصري إبراهيم عوض: يشكك أصلا في حصول القمني على درجة الدكتوراه وإنه زوَّر لنفسه شهادة الدكتوراه ليسبق اللقبُ اسْمَه، لم يركع لله ركعة ويجاهر بقصص ممارساته للزنا والفجور والمخدرات، لا يُجِيدُ إلا الكذب وترديد أقوال المستشرقين، ومع ذلك فإن الدولة أفردت له المجلات والصحف وتولى اليساريون الأشرارُ تلميعَه وتقديمَه كمثقف [17].
• الكاتب الإسلامي أبو إسلام أحمد عبد الله: (الأنبا) هو لقب أحببت أن أمنحه من عندي، للكاتب سيد قمني، من باب إنزال الناس منازلهم، فالرجل للحق وإن كان منتسباً إلى كتبة ألوان الطيف السبعة، فهو شيعي حيناً ويساري أو اشتراكي حيناً آخر، وحداثي وعلماني وليبرالي حيناً ثالثاً، ثم كنسياً في آخر (موديل)، إذ أن نجمه لم يسطع بين عشرات المهتمين بخصومتهم لإجماع الإسلام والمسلمين، إلا بعد أن أصبح كاتباً متميزاً في صحيفة (وطني).
• الكاتب الأردني أحمد الحمايدة: المشكلة مع سيد القمني ليست في أن الرجل صاحب فكر وتجديد ويحمل افكار خارجة عن إطار المألوف, المشكلة أن سيد القمني يرفض الإسلام من حيث المبدأ فتراه حينا يرفض الخلفاء وحينا يقول أنه تم تحويل النساء إلى "عساكر" من خلال لبس الحجاب, فإذا كان يدعي العلمانية والديموقراطية فلماذا يسمح للنساء العلمانيات بالتعري ويعترض على ارتداء المسلمات للحجاب..اوليست تلك حرية أن ترتدي الحجاب أو تخلعه
التشكيك في حصوله على الدكتوراه
شكك البعض في حصول القمني على الدكتوراة أولهم جريدة المصريون الالكترونية [4]، فبحسب "دليل بيرز للحصول على الدرجات العلمية عن طريق التعليم عن بعد" صفحة 280، Bears' Guide to Earning Degrees by Distance Learning 2003, page 280 فإن جامعة كاليفورنيا الجنوبية التي يظهر اسمها على شهادة الدكتوراه الخاصة بالقمني هي جامعة وهمية أنشأها آل فاولر، الذين تم سجنهم في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1987 لقيامهم ببيع الدرجات العلمية للراغبين. مما يعني أن القمني توقف تعليمه عند درجة الماجستير خلافاً لما أذيع [5],[6].
هذا، وقد أنكر سيد القمني بأن الجامعة التي حصول علي الدكتوراه منها هي جامعة وهمية، حيث قال أنه حصل عليها من جامعة جنوب كالفورنيا وليس جامعة كالفورنيا الجنوبية الوهمية وذلك في مقال نشره علي جريدة المصري اليوم [7] ولكن القمني لم يظهر الشهادة ولم يثبت أنها حقيقة ولكنه اكتفى بقوله " إذا كنت قد اشتريتها بفلوسى فلماذا كان كل هذا الجهد وهذا العمر والسعى ومشقات هذا السعى وتكاليفه المادية..." ولم يرد على اتهامات المشككين بأي دليل مادي قاطع.
الجوائز
فاز سيد القمنى بجائزة الدولة المصرية التقديرية في العلوم الإجتماعية لعام 2009 التي تبلغ قيمتها مائتا ألف جنيه مصري، الأمر الذي أثار جدلا حول أستحقاقه لهذه الجائزة [8] ،فقام الداعية الإسلامي الشيخ يوسف البدرى اليوم برفع دعوى قضائية، ضد كل من وزير الثقافة فاروق حسني وأمين عام المجلس الأعلى للثقافة علي أبو شادى وشيخ الأزهر، بسبب فوز سيد القمنى والدكتور حسن حنفي بجائزة الدولة التقديرية لهذا العام، وهو ما اعتبره البدرى إهدارا للمال العام لأنهما من وجهة نظره يسيئان إلى الذات الإلهية وإلى الإسلام.[9]
بعض من مؤلفاته
• أهل الدين والديمقراطية صدر 2005
• الجماعات الإسلامية رؤية من الداخل صدر 2004
• الإسلاميات: صدر 2001
• الإسرائيليات: صدر 2002
• إسرائيل، الثورة التاريخ التضليل: صدر 2000
• قصة الخلق: صدر 1999
• النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة: صدر 1999
• حروب دولة الرسول: صدر 1996
• النبي إبراهيم والتاريخ المجهول: صدر 1996
• السؤال الآخر: صدر 1998

المفكر عبدالله العروي متحدثا عن مفهوم الايديولوجيا-احمد الحلي


المفكر عبد الله العروي متحدثا عن مفهوم الأيديولوجيا

المقلّد لايصغي
أحمد الحلي
بين أيدينا الطبعة السابعة من كتاب " مفهوم الايديولوجيا " للمفكر العربي عبد الله العروي ، والتي صدرت في العام 2003 ، وتناول فيه هذه الموضوعة الشائكة والحيوية " الايديولوجيا " بشيء من التفصيل والإحاطة ، باحثاً في المصادر والمظان عن جذورها وامتداداتها في الفكر العالمي ، وصولاً إلى العصر الذي نحيا فيه والذي شهد الانتحار الجماعي للايديولوجيات " الشمولية " الوضعية . التي إستلمت منها الزمام آيديولوجيات أصولية شرسة يعتقد منظروها أنهم يتلقون الأوامر من السماء ..
يشير الكاتب في مقدمة كتابه المقتضبة الى أن أصل الكتاب محاضرة تم القاؤها من قبله على طلبة كلية الآداب بالرباط تحت إشراف الجمعية الفلسفية ، وكانت المحاضرة بعنوان " ما هي الايديولوجيا " .
في الفصل الأول من الكتاب ، يستقصي الكاتب أصل كلمة " ايديولوجيا " ويعرض مقترحاته بشأنها ، فيقول إن هذه الكلمة دخيلة على جميع اللغات الحية ، وهي تعني لغوياً ، في أصلها الفرنسي ؛ علم الأفكار ، لكنها لم تحتفظ بالمعنى اللغوي ، إذ استعملها الألمان وضمنوها معنىً آخر ، ثم رجعت الى الفرنسية ، فأصبحت دخيلة حتى في لغتها الأصلية ، وهو يرى أن ترجمتها الى اللغة العربية غير مرضية ، ذلك أن العبارات التي تقابلها ؛ منظومة فكرية ، عقيدة ، ذهنية ، الخ ... ، والتي تشير فقط الى معنى واحد من بين معانيها ، غير أنه يضيف : " إننا نجد في العلوم الإسلامية لفظة لعبت دوراً محورياً ، كالدور الذي تلعبه اليوم كلمة ايديولوجيا ، وهي لفظة " الدعوة " في الاستعمال الباطني ، غير أنه من المستحيل احياؤها والاستعاضة بها عن كلمة ايديولوجيا التي انتشرت رغم عدم مطابقتها لأي وزن عربي ، لذا أقترح أن نعربها تماماً وندخلها في قالب من قوالب الصرف العربي ، وسأعطي المثل ، فاستعمل فيما يلي كلمة " ادلوجة " على وزن افعولة وأصرّفها حسب قواعد العربية " .
ويلاحظ أن الكاتب " إستعمل اسلوبه التبسيطي التعليمي في توضيح المرامي التي هو بصددها فيقول ؛ نقول إن فلاناً ينظر الى الأشياء نظرة ادلوجية ، نعني انه يتخير الأشياء ويؤول الوقائع بكيفية تظهرها دائماً مطابقة لما يعتقد أنه الحق ، يتعارض الفكر الادلوجي مع الفكر الموضوعي الذي يخضع للمحيط الخارجي فيتشبع بقوانينه ، ويخلص الى القول : " إن عصرنا الذي يعبد العلوم الطبيعية يرى الفكر الادلوجي بامتعاض كبير ، اذ يعتقد أن الارتباط بمعتقدات مسبقة غير مبنية على تجربة شخصية علامة من علامات المراهقة الفكرية " .
في الفصل الثاني ، يتعرض الكتاب الى المرحلة التاريخية التي سبقت تبلور مفهوم الايديولوجيا ، متناولاً " الإرث الافلاطوني " والتجربة الإسلامية ، حيث يعرض تساؤل أبو حامد الغزالي في كتابه المشهور ( فضائح الباطنية ) : لماذا يعتنق الرجل العاقل دعوة متناقضة البرهان واهية الأساس ؟ ، ويصل الغزالي الى الاستنتاج التالي : إن المسألة ليست من قبيل المنطق ، ولذلك لا تنفع فيها المناظرة الكلامية . ولافتاً في الوقت ذاته الى أن اعتناق الدعوة الباطنية هو دافع نفسي سابق لكل تدبر ، دافع يرجع الى عداوة مستحكمة ضد الدين الإسلامي ، وهو لا يقف عند الخلل العقلي ، بل يعزوه الى العلة الأولى ؛ النزعة التي لا ينفع فيها ولانصح ولا جدال ، يقول في ( القسطاس المستقيم ) : " إن المقلد لا يصغي " .
وفي الفصل الثالث ، وتحت عنوان الادلوجة / قناع ، يعرض المؤلف مشروع فلسفة الأنوار الني بشرت وواكبت عصر النهضة الأوروبية ، والذي يمكن تلخيصه بالمقولة التالية : أصبحت الادلوجة تعني في العرف تلك الأوهام التي يستغلها المتسلطون ( الرهبان والنبلاء والأغنياء ) ليمنعوا عموم الناس من اكتشاف الحقيقة . وينتقل الى ماركس والمصلحة الطبقية ، ونيتشه الذي عاصر مرحلة نشوء الماركسية ، والذي لا يرى في الاشتراكية إلاّ صورة غلّ وحسد الضعفاء ، ثم ينتقل الى فرويد ومنطق الرغبة ، ونجد عنده عبارات نظن أول الأمر أنه نقلها عن نيتشه ، نقرأ مثلاً : " علينا نحن بني الانسان أن لا نهمل الحيواني في طبعنا " ، ولا غرابة في ذلك اذا تذكرنا أن نيتشه كان يعتقد ان الانسان يحتاج الى الأطباء أكثر مما يتحاج الى الفلاسفة . ويستعرض عدداً من التفسيرات الفرويدية حول انتشار الدعاية السياسية ، اي الكيفية التي يقتنع بها الفرد بأدلوجة ما ، ويصبح يرى كل شيء حسب منطق مقولاتها ، " إن التفسير الرائج في أواخر القرن الماضي يعتمد الإيحاء والتلقين ويرى أن الاقناع هو نتيجة هيبة يشعر بها فرد إزاء فرد آخر ، وهذه الهيبة تعمل كالمغناطيس ، فالفرد الذي يملكها يوحي الى الآخرين بآرائه ويفرضها عليهم " .
وعلى العكس من ماركس الذي يرى أن الأيدلوجية تخفي مصلحة طبقية ، يقول نتشه إن القيم الثقافية أوهام ابتدعها المستضعفون لتغطية حقدهم ضد الأسياد ويعلل قوله استناداً إلى قانون الحياة . " ويتوقف الكاتب طويلاً عند هيغل الذي يحيلنا إلى منتسكيو الذي ربط من خلال مؤلفه (روح القوانين ) بين النظام السياسي والقانون المحيط الجغرافي الذي يعيش فيه شعب ما من جهة ، وبين السمات الخلقية التي يتحلى بها أفراد ذلك الشعب من جهة ثانية ، وهكذا نجده يقول أن الفضيلة روح الديمقراطية والانفة روح الملكية والخوف روح الاستبداد ، ويعتقد هيغل أن روح التأريخ واحد لأن قصد التأريخ الانساني العام هو تحقيق الحرية ، فحين تغادر الروح دولة لتحل دولة أخرى فانها تنتقل من حرية إلى حرية أعلى ، وحين تهاجر روح التاريخ ثقافة ما فلأن ظروف حرية اكبر تواجدت في غيرها من الثقافات وهكذا يحكم على كل حقبة تاريخية اعتماداً على معيارين متكاملين : معيارها الخاص بها ومعيار عام هو روح التاريخ الشامل الذي يشخص المطلق . ويضرب مثلاً بالرق ؛ كان أرسطو يبرر الرق قائلاً : إن المنتصر في الحرب يستطيع دائماً أن يقتل المغلوب . لكن في استطاعته أيضاً أن يعطيه الخيار بين الموت والاسترقاق ، من يفضل الحياة على الحرية يصبح عبداً ، وهذا هو عين العدل ، ثم جاءت المسيحية وقالت إن الناس كلهم سواء عند الله وان الروح الفردية لا تستعبد ابداً ، ثم جاء عهد الأنوار وقال إن الناس يولدون أحراراً ، فحكم أن الرق وصمة في التاريخ القديم .
كما أن ماركس ياخذ على المؤرخين " أنهم يسجلون فقط الوقائع الكبرى ، من أحداث سياسية وحروب دينية ونزاعات نظرية ، وأنهم يشاطرون رغماً عنهم أوهام الحقيقة التي يؤرخون لها "
وينقل الكتاب تأكيد ماكس فيبر في الرد على بعض مزاعم الماركسية من أن التأريخ ليس محدثاً في كل مظاهرة ، كانت سمات مثل عقلنة العمل أو الانضباط ، معروفة في اديرة القرون الوسطى ، وفي الجيش الروماني ، بل وحتى في بابل والصين " ، مشيراً إلى أن هناك ظاهرة واحدة لم تكن معروفة وهي الميزة التي كوّنت الرأسمالية الحديثة ويعرفها فيبر هكذا ؛ " كون المرء يعتبر أنه يقوم بواجب أخلاقي عندما يمارس حرفة أو مهنة ... كون الفرد يقوم بعمله وكأنه رسالة " .
أما الفصل السابع فقد خصصه المؤلف عن الأيدلوجيا في العالم العربي ، مسلطاً الضوء على كتابين مهمين صدرا في هذا المجال أولهما الكتاب الضخم المعنون الايدلوجيا الانقلابية " وهو لنديم البيطار الذي صدر في عام 1964 والثاني الايدلوجيا العربية المعاصرة للمؤلف نفسه وقد صدر في العام 1967 ، ويلاحظ المؤلف أن البيطار يظن أن العرب في حاجة إلى عقيدة الجبر التاريخي ليقتنعوا أنهم غير مختارين ، بل أنهم مضطرون إلى تقبل أيدلوجية ثورية ، ويصر البيطار على الاعتقاد بان القدر التاريخي ضروري لأن ذلك الاعتقاد في نظره جزءٌ لا يتجزأ من الادلوجة الانقلابية التي بدونها يستحيل تحرير الانسان وبالتالي تحرير المجتمع العربي ، ويستنتج المؤلف بعد عرض كل هذه المعطيات بأن هدف البيطار عملي أولاً واخيراً ، فهو بالضرورة ذرائعي وتلفيقي ، ثم يلقي الضوء على المصادر التي استقى منها البيطار افكاره بل وانتحلها في كثير من الاحيان مثل ديلتاي ومانهايم والكانطية الجديدة وجورج سويرل وكذلك نتشه .

الثلاثاء، 7 سبتمبر 2010

ستيفن هوكينغ والفيزياء الحديثة-عن موقع شبابيك المنوع


ستيفن هوكينغ: الفيزياء الحديثة تنفي وجود خالق للكون


صلاح أحمد من لندن
يقدم العالم ستيفن هوكينغ في كتابه الجديد نظرية جديدة شاملة تفضي الى أن الإطار العلمي الكبير لا يترك حيزا لخالق للكون.
تعرّف الموسوعة الحرة "ويكيبيديا" العلّامة الانكليزي الشهير ستيفن هوكينغ بأنه "من أبرز علماء الفيزياء النظرية على مستوى العالم، درس في جامعة أكسفورد وحصل منها على درجة الشرف الأولى في الفيزياء، وتابع دراساته في جامعة كامبريدج للحصول على الدكتوراة في علم الكون. له أبحاث نظرية في هذا العلم وأبحاث في العلاقة بين الثقوب السوداء والديناميكا الحرارية، وله دراسات في التسلسل الزمني".

وفي مقال إنفردت به صحيفة "تايمز" البريطانية الخميس يخلص هذا العالم الى القول إن الفيزياء الحديثة لا تترك مجالا للإيمان بأي خالق للكون.
ويقول إنه مثلما أزاحت النظرية الدارونية الحاجة الى خالق في مجال علم الأحياء "البيولوجي"، فإن عددًا من النظريات الجديدة أحالت أي دور لخالق للكون عديمة الجدوى والحقيقة.
وكانت الصحيفة تنقل حديث البروفيسير هوكينغ من كتابه المقبل The Grand Design "المشروع العظيم" الذي احتكرت نشر مقتطفات منه على صفحات ملحقها "يوريكا" الخميس. ويسعى فيه العالم الانكليزي للإجابة على السؤال: هل كان الكون بحاجة الى خالق؟ ويقول: "الإجابة هي: لا! وبعيدا عن كون الأمر حادثة لا يمكن تفسيرها الا بأنها تأتت على يد إلهية، فإن ما يعرف باسم "الانفجار الكبير" لم يكن سوى عواقب حتمية لقوانين الفيزياء".
ويقول هوكينغ: "لأن ثمة قانونا مثل الجاذبية، صار بمقدور الكون أن يخلق نفسه من عدم. والخلق العفوي هذا هو السبب في ان هناك شيئا بدلا من لا شيء، وفي وجود الكون ووجودنا نحن". ويمضي قائلا: "عليه يمكن القول إن الكون لم يكن بحاجة الى إله يشعل فتيلا ما لخلقه".
وتقول "تايمز" إن أهمية كتاب البروفيسير هوكينغ تنبع من كونه نكوصا تاما عن آرائه المنشورة سابقا في أمر الأديان. ففي كتابه A Brief History of Time "تاريخ موجز للزمن" الذي أصدره العام 1988، لم يعترض البروفيسير على المعتقدات الدينية، وأوحى بأن فكرة الإله الخالق لا تتعارض مع الفهم العلمي للكون. وقال في ذلك الكتاب: "إذا اكتشفنا نظرية مكمّلَة، تيسر لنا الانتصار النهائي العظيم للعقل البشري، إذ سيكون بوسعنا أن نحيط علما بعقل الخالق".
ولكن الكتاب الأخير "المشروع العظيم"، الذي كتبه البروفيسير هوكينغ بالاشتراك مع الفيزيائي الأميركي لينارد ملوديناو وسينشر في التاسع من الشهر الحالي أو قبل أسبوع من زيارة بابا الفاتيكان لبريطانيا، يقدم نظرية جديدة شاملة تفضي الى أن الإطار العلمي الكبير لا يترك حيزا لخالق للكون.
ويعيد الكتاب تركيب معتقدات السير آيزاك نيوتن القائلة إنه ما كان للكون أن ينشأ عن فوضى، فقط بسبب قوانين الطبيعة، ولذا فهو من خلق إله. ويقول هوكينغ إن الضربة الأولى التي تلقتها تلك المعتقدات جاءت في العام 1992 بتأكيد أن كوكبا ما يدور في فلك نجم بخلاف الشمس. ويقول: "متصادفات الأوضاع الكواكبية - الشمس الواحدة، وحسن الطالع المتمثل في المسافة الصحيحة بين هذه الشمس والأرض، وكتلة الشمس نفسها - تنقص كثيرا من عنصر الإثارة وعنصر الإقناع المتصلين بأي دليل على أن الأرض صممت على نحو يهدف إلى إرضائنا نحن البشر".
ويقول البروفيسور هوكينغ إن الأرجح هو وجود أكوان أخرى تسمى "الكون المتعدد" - وليس مجرد كواكب أخرى - خارج مجموعتنا الشمسية.
ويضيف قوله إنه "إذا كانت نية الإله هي خلق الجنس البشري، فهذا يعني أن ذلك الكون المتعدد بلا غرض يؤديه وبالتالي فلا لزوم له".
ومن جهته رحب عالم الأحياء، البروفيسير البريطاني الملحد ريتشارد دوكينغز الذي اشتهر بكتابه "وهم الإله" (2006)، بنظرية البروفيسور هوكينغ قائلا: "هذه هي الداروينية متعلقة بنسيج الطبيعة نفسها وليس مجرد الكائنات الحية التي تعيش في إطارها، هذا هو ما يقوله هوكينغ بالضبط. لست ملماً بكل تفاصيل الفيزياء لكنني افترضت الشيء نفسه على الدوام".
لكن علماء آخرين أبدوا حماسة أقل، مثل البروفيسير جورج إيليس، البروفيسير في جامعة كيب تاون ورئيس "الجمعية الدولية للعلوم والدين". فهو يقول: "مشكلتي الكبرى مع ما ذهب اليه هوكينغ هي أنه يقدم للجمهور أحد خيارين: العلوم من جهة والدين من الجهة الأخرى". وسيقول معظم الناس: "حسنا.. نختار الدين".، وهكذا تجد العلوم أنها الخاسرة".
ايلاف
****************
ستيفن هوكينج

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
ستيفن هوكينج (بالإنجليزية: Stephen Hawking‏) ولد في أكسفورد، إنجلترا عام 1942 وهو من أبرز علماء الفيزياء النظرية على مستوى العالم، درس في جامعة أكسفورد وحصل منها على درجة الشرف الأولى في الفيزياء، أكمل دراسته في جامعة كامبريدج للحصول على الدكتوراة في علم الكون، له أبحاث نظرية في علم الكون وأبحاث في العلاقة بين الثقوب السوداء والديناميكا الحرارية، وله دراسات في التسلسل الزمني.
نشأته وتعليمه
كفائته في الفيزياء النظرية
1971 بالتزامن مع عالم الرياضيات روجر بنروز أصدر نظريته التي تثبت رياضيا وعبر نظرية النسبية العامة لأينشتاين بأن الثقوب السوداء أو النجوم المنهارة بالجاذبية هي حالة تفردية في الكون "أي أنها حدث له نقطة بداية في الزمن ".
1974 أثبت نظريا أن الثقوب السوداء تصدر إشعاعا على عكس كل النظريات المطروحة آنذاك وسمي هذا الإشعاع باسمه " إشعاع هاوكينج" واستعان بنظريات ميكانيكا الكم وقوانين الديناميكا الحرارية.
طور مع معاونه (جيم هارتل من جامعة كاليفورنيا) نظرية اللاحدود للكون التي غيرت من التصور القديم للحظة الإنفجار الكبير عن نشأة الكون إضافة إلى عدم تعارضها مع أن الكون نظام منتظم ومغلق.
1988 نشر كتابه "موجز تاريخ الزمن" الذي حقق أرقام مبيعات وشهرة عالية ولاعتقاد هوكينج أن الإنسان العادي يجب أن يعرف مبادئ الكون فقد بسط النظريات بشكل سلس.
1993 نشر مقاله بعنوان "الكون الوليد والثقوب السوداء"
2001 نشر كتابه "الكون في قشرة جوز".
2005 نشر نسخة جديدة من كتابه "موجز تاريخ الزمن" لتكون أبسط للقراء.
المرض
أصيب هوكينغ بمرض عصبي وهو في عمر 21 هو مرض التصلب الجانبي ALS وهو مرض مميت لا دواء له وقد ذكر الأطباء أنه لن يعيش أكثر من سنتين، ومع ذلك جاهد المرض وهو في عمر 68 الآن وهي مدة أطول مما ذكره الأطباء، ذلك المرض جعله مقعدا تماما غير قادر على الحراك، لكن مع ذلك استطاع أن يجاري بل وأن يتفوق على أقرانه من علماء الفيزياء رغم أن أيديهم كانت سليمة ويستطيعون أن يكتبوا المعادلات المعقدة ويجروا حساباتهم الطويلة على الورق كان هوكينج وبطريقة لا تصدق يجري هذه الحسابات في ذهنه، ويفخر بأنه حظي بذات اللقب وكرسي الأستاذية الذي حظي به من قبل السير إسحق نيوتن.

مع تطور مرضه وأيضا بسبب إجرائه عملية للقصبة الهوائية بسبب التهاب القصبة، أصبح هوكنج غير قادر على النطق أو تحريك ذراعه أو قدمه أي أصبح غير قادر على الحركة تماما، فقامت شركة انتل للمعالجات والنظم الرقميه بتطوير نظام حاسوب خاص متصل بكرسيه يستطيع هوكينج به التحكم بحركة كرسيه والتخاطب باستخدام صوتا مولد الكترونيا واصدار الاوامر عن طريق حركة عينه وراسه وعن طريق حركة العينين يقوم بإخراج بيانات مخزنة مسبقا في الجهاز تمثل كلمات واوامر. في 20 أبريل 2009.. صرحت جامعة كامبردج بان ستيفن هوكنك مريض جدا وقد اودع مستشفى ادينبروك.
كمؤيد للتعلم
يتميز ستيفن ببديهة عالية حيث أجاب على سؤال "ماذا يأتي قبل الانفجار الكبير في الكون؟" فكانت إجابته أن هذا السؤال يشبه سؤال "ما المكان الذي يقع شمال القطب الشمالي؟" وكانت هذه الاجابة تلخيصا لنظريته حول الكون المغلق والذي بلا حدود.

التقدير والاعتراف
1976 وسام هيوز للجمعية الملكية
1979 ميدالية ألبرت آينشتاين
1982 وسام الامبراطورية البريطانية (القائد)
1985 الميدالية الذهبية للجمعية الفلكية الملكية
1986 عضو في الأكاديمية البابوية للعلوم
1988 وولف نوبل في الفيزياء
1989 جائزة أمير أستورياس في كونكورد
حياته الشخصية
يعتبر هاوكينج نفسه محظوظا بعائلة متميزة وخصوصا زوجته "جين وايلد " التي تزوجها عام 1965، ويعتبر هاوكينج نموذج في التحدي والصبر، ومقاومة المرض وإنجاز ما عجز عنه الأصحاء، إلى الجانب العلمي، يتميز هاوكينج بالدعابة، وهو مساعد للطفولة وقرى الأطفال،

الاثنين، 6 سبتمبر 2010

لوحات خلف طايع تبحث عن المثالية بعيدا عن الإنسان

الفية الولد الخجول-نص عادل كامل-تقديم مدني صالح-العشر الثالث







العشر الثالث

[1]
سرقت رفاتي .. هذا الريح .. فما جدوى الاعتراض إذا ؟
[2]
كيف أحرر ذاكرتي من قيود .. ما زالت
هداياها تقدم للعابرين ؟
[3]
أنا ولدت هكذا: أعشاب فصول.
[4]
للنسوة .. مثلما للموت .. بيارق ممزقة
ومواكب تذهب إلى المجهول.
[5]
في طريقهن إلى المبغى
كن يتحدثن عن الفارابي .. فيما كنت
في طريقي إلى المنفى
انثر أحلامي فوق الحشائش .
[6]
وا أسفاه .. مضى الموسم .. إنما .. بوفرته
كنت وحيدا .
[7]
خذ خبزك .. ومثله التفاح .. ثم بلا استـئذان
غادرني .
[8]
لست قبيلة ولا امة .. إنما أنا ..
عصفور من رماد.
[9]
ملائكة أسفاري .. إنما روحي
أصابها بعض الاضطراب.
[10]
للعاشق خوذة .. أيضا ..
واأسفاه لا اعرف من سرقها .
[11]
هن نسوة جائعات
يقرأن الطالع .. فيما الذي صعد إلى السماء
لا يغادر جلده .
[12]
اخجل أن اصعد إلى السماء
فيما
اسمي مثقل بالانحناءات .
[13]
ولما أفاقت من الليل .. زنبقتي
توزعت إلى شظايا .
[14]
الينابيع .. من شدة صحوي
أقامت لي قداسا .
[15]
حبيبي تغار منه الزنابق
حبيبي يتوارى الفجر إذا رآه
حبيبي لم يولد .. ولا مثيل له في الصفات !
[16]
كلما أفقت أراها تسكرني بالتراتيل
لا أنا مؤذ أشواك البرية
ولا الذئاب تدنو من غزلاني
كلانا واحد .. لا ليل بعد ولا نهار .

[17]
بأي الينابيع اطهر جثمانك
أنت الذي كانت تغار منك الأنوار .
[18]
يسجد له الليل .. يسبّح له الفجر
ذاك حبيبي الذي لم يأتْ
ذاك أنا الذي ذاهب إليه .
[19]
من أعطاك خبز الخلود
لكي تفنيني فيك ؟
[20]
أعطاني المفتاح.. ولم يقل: الباب مشرّع
أعطاني الموت.. ولم يقل: اتبعني
أعطاني الوعد.. ولم يقل: هذا منفاك!
[21]
وأنا في طريقي إلى التراب
رأيت الشمس تسرق كفني!
وأنا أعود إلى النهار
رأيت ظلي يغادرني إلى الشمس
[22]
حبيبي خجول مثل ملاك مشاكس
حبيبي جميل مثل سنبلة مثقلة بالشمس
حبيبي مثلي .. لا أنا عارف متى يولد
ولا هو عارف متى أموت !
[23]
مثواي الذي باتساع كلمة
تطردني منه الأرض .
[24]
إن أغلقت بابي أو فتحته
القفل يدور .. القفل يدور .
[25]
انك تحرس لؤلؤة مسروقة .. أنا ..
لا احرس إلا النسيان .
[26]
من ظلالي صنعت الفضة
فما أنت صانعه ـ لي ـ من الزوال؟

[27]
يسألونك لم الأرض بسطت .. والجبال شيدت والحدائق ازدهرت .. والملائكة سجدت
قل لان حبيبي مثلي ..
ما أن رأته الشمس حتى غابت
وما أن رآه الليل حتى كشف عن سره
[28]
النشيد الذي نزفه جرحي .. سرقته البلابل
ترى ماذا ستسرق مني أيها الإنسان ؟
[29]
لأي الأسباب تطلقون النار على كوكب
لا ينـزف إلا الضوء ؟
[30]
امن اجل كوكب أكثر انطفاءً
أعطيتني القلم
أم هو ذا زاد الغرباء ؟
[31]
ليس قلبي الذي غنى ولا حنجرتي ..
إنها أصابعي المتناثرة
سرقها الفضاء .. وأضاعها الضوء .
[32]
المشتهاة .. أبدا .. تجعل القيامة هنا
كلمات فوق كلمات .. وطيور توشي بطيور .

[33]
النسوة ينثرّن الزنابق فوق العشب
العشاق يكتمون أسرار الشهوة
أوسمة تسرقها الريح
فيما أنا وبضع أشجار
نزرع حقلا من الذبائح .
[34]
أقاسمك أشلائي: رأس ملاك من صفيح
وصباحان ضائعة في الجداول .
[35]
والآن لنتقاسم غنائم الحرب
لك بضعة ملائكة .. ولي حشد قبور .
[36]
احدهم سرق الشمس .. آخر .. بلا مبالاة نثر
الظلمة فوق الأرض ..
فيما أنا أتجول مع ولد جريح .


[37]
في فاتحة الفجر أصغي لثرثرات أسلحة
وفي آخر الليل .. تسرقني أناشيد المعادن .
[38]
من النهار إلى الليل .. في نسق لا نهائي
استدرج السماء للنـزول
كيّ أتوّج غيومها بالنسيان .
[39]
بينما أنهكهم البحث عن الخبز والذهب
أكون صافٍ .. منورا بالعتمات البهية .
[40]
أباسم القرنفل والجوري .. أضعنا أصابعنا
أم من اجل أميرات غادّرن عصر الوردة ؟
كلانا يتعجل الولادة .. كلانا يتعجل الموت
هو ذا الإنسان .
[42]
هذا الأمير من الأسلحة يستعير كفنه
ومثلي .. في الأحداق يتوارى .
[43]
ليتني أمتلك سرا أفني نفسي فيه
ليت السر امتلكني وغاب!
[44]
هذه الأصابع .. أيضا .. كفت عن البراءة
إنها ريح تتوارى في المنعطفات .
[45]
وضعت الريح نياشينها فوق الضريح
ثم أخذت عشاقها ورحلت .
[46]
لا أرى بين الرجال أكثر مني / بلا مبالاة / ترك قلبه ينحني لبرية جريحة .
[47]
لا .. لا لن تتساوى القرنفلة بالمعادن
وأنا لن أصبح غيمة عند الحاجة
أنا كلمة في كتاب
أنا ورقة في شجرة .


[48]
الليلة تسألني الأرض : ماذا فعلت ؟
أقول: أكنّ أحلامي بالنذور.
[49]
غيمة هبطت في القلب
ثم تركت أغنية بلا كلمات .
[50]
للأموات، مثلي، احتفالات
فكلانا نتبادل الهزائم .. وكلانا نتبادل الأعراس .
[51]
أبترت رقاب أشجع الشجعان..؟
مثلما كلما توقّد النسيان.. تطلق عليه سهاما إضافية .
[52]
الريح التي تراها تبسط ذراعيها
لا تفعل ذلك من اجلنا
إنما هي تحرس هياكل تناثرت في الأحداق .

[53]
كلاهما، النار والأمطار
يمنحان الأفذاذ منا .. الأوسمة تارة
والرماد أبدا .
[54]
قالت أصابعي : كفى .. هناك ولد خجول لا يريد الاستيقاظ .
[55]
لا هي ذاهبة مع العتمة .. لا هي آتية مع النور
أنا الذي اسبق نفسي .. وأنا الذي أتوارى .
[56]
من شدة صحوي غاب الذي منحني الميلاد .
[57]
الليلة قبري أبهى من كل الأعراس
فيه خمور وملائكة وكلمات
ها أنذا لا اعرف غادرتني الحرب
أم ها أنذا أعود إليها..؟
[58]
لأجل المسرات تكتب الريح اسمك
فيما أنا ظلالي تحتفل بالرمال .

[59]
أية أوثان جعلني استيقظ
أم هذا محض افتراء .
[60]
أي نداء هذا الذي أعاد لي صحوي
فيما الفقراء يعقدون صلحا مع الفقراء .
[61]
لا تجرد العهد .. الريح لا تكتب
الريح لا تعرف القراءة .
[62]
كلانا واحد .. لا نهار ولا ليل
كلانا واحد .. نهار وليل .
[63]
خذ ما وهبتني من المسرات
ودع لي لحظة
انثر فيها روحي إلى الكتمان .

[64]
عيناها ملاكان .. جسدها غابة
ياقوت عند الحاجة وشموس في الليل .
[65]
لهذه الصخرة اسم 00 لهذا الجبل لغة 00 لهذه النار أناشيد
أما أنا فلديّ شظايا ذكرى وفرح قليل .
[66]
لتاج الأمير قدمنا النذور 00 قدمنا الضحايا
إنما كانت أرواحنا تتنـزه في البعيد .
[67]
تطرق بابي .. إنها الشمس تدخل – تنحني – ثم إلى المعادن تأخذني
أهذه وعود .. أهذا عرس
إننا عند الانصهار نقف
إننا عند الانتظار نفترق .
ب68]
عيد هذا أم عطلة رسمية
ليس هذا سؤالي .. إنما ماذا أفعل بهذا الضوء ؟
[69]
طالما أنا نائم .. لا أخشى على أحلامي من البرد
[70]
ما الذي يدفعك إلى الظل .. بينما الشمس تنثر ذهبها فوق البحار .
[71]
أنا قارة تعداد سكانها واحد
أنا الواحد .. قارات اثر قارات
القارة واحد .. والواحد قارات .
[72]
لكي لا تعترض عليك الملائكة
لا تؤذ الصخور .
[73]
هذا الحسام التليد.. في متحف الملائكة ..
هذا الحسام .. في يوم ما ..
لا اعرف كيف انحنت له الرؤوس المثقلة بالأحلام‍.
[74]
حدق في الشجرة .. أنت ورقتها بأجنحة تراب.
[75]
يحاصرك الفرح .. كمدية تعمل – أبدا – في القلب
أين أضعنا الأكفان بين هذه المناديل.
[76]
عند الصخور الجبلية .. يأتي حبيبي ويذهب
بينما أنا .. محض نبع يغادر إلى المستحيل.
[77]
كأن الريح تنادي بعضا مني:
امسك بعاصفة ستأخذنا إلى البعيد.
[78]
توهج .. توهج .. هذا هو المحو .
[79]
ماذا فيّ: أزمنة لم تولد، وأخرى تركتني
ابحث عن أعياد لا وجود لها
هو ذا الكنز: لكن لا تتبعني يا عادل.
[80]
لا تأت.. الموتى يحتفلون بعيد الموت
لا تأت
الموت يوزع هدايا والموتى في عيد.
[81]
هم يجمعون الثمار.. أنا انثرها
هم يتعلمون الكلمات.. أنا امحوها
هم يأتون..أنا ارحل.
[82]
لا تأسف: يا عادل، قل لنفسك: لا وقت للأسف.
[83]
الغرقى يتصالحون
لا تأسف
الحرب مازالت نائمة في البحر.
لا تأسف: الغيوم ستأتي بالنار
والأرض بالحدائق
[84]
لا تأت.. لا تأت.. لا تأت
هو ذا السفر
[85]
لا أجد ولا ابحث
أنا، مثل الذي لم يأت، ومثل الذي لم يغادر
أنا لم اعد أشبه نفسي
واأسفاه: وجدت الذي بحثت عنه
أنا لم اعد اعرف نفسي
واأسفاه: الذي وجدته يطلب مني أن ابحث عنه
[86]
الذي ذهب إلى الحرب
لم يأخذني معه
إنما ترك أسلحة لا اعرف ماذا افعل بها.
[87]
الرصاصة التي لم تستقر في راسي
الرصاصة تلك
ها أنا ابحث عنها في رأس آخر
آه..
قبل دقائق لم أكن وحيدا ً.

[88]
في كوخي ماء وخبز .. وأسلحة هاربة من البرد.
[89]
أيضا .. الشهداء يتنزهون في الشوارع .. أيضا.. مرة بعد مرة .. يعودون إلى الخنادق.


[90]
في ّ رماد مثقل بالطلع .. وفي ّ عشاق .. لا اعرف
من نذرهم للبحر ؟
[91]
ذاك الذي تنشد المزامير له.. انه أنا ..
بقايا وعود تبعثرت مثقلة بالنهارات .. اجلس أراقب ..
عرس الكواكب.
[93]
روحي التي في الغابات .. تكويها النار
إنما قدام الملائكة.
[94]
أيبكي هذا البحر أم يغني ..
فيما الغرقى كفوا عن الاحتفالات.
[95]
تلكم الصخرة لماذا تولول .. أسرقت حنجرتي
أم سكنها ملاك ؟


[96]
ماذا تريد مني
أنا استعير سكري من صحوي
واستعير صحوي من الغابات.
[97]
تذكر .. تذكر .. هكذا يتم محو الذاكرة.
[98]
أغلق جنتك أنا فيها النار .. ولا تغلق جمرتك أنا الليل لا تابع له ولا نهار.
[99]
أجزائي تفرقت في ّ .. آه .. ماذا صنعت يا كلي في أجزائي.
[100]
لا تعترض علىّ .. لا تعترض
أنا ولد خجول ضاع مثواه
بينما كلماته
لا تكترث للميلاد .. لا تكترث للوعود.

بتول الخضيري في روايتها الثانية-غايب-احمد الحلي-بغداد



بتول الخضيري في روايتها الثانية ( غايب ) :

غياب عناصر الشدّ الروائي
أحمد الحلي / بغداد

لم يتمالك الناقد الروسي الشهير بيلنسكي نفسه حال انتهائه من قراءة الرواية الأولى لدستويفسكي (المساكين) حتى هتف : يا للروعة ، يا للروعة ! وتنبأ على الفور بولادة أديب روسي كبير .
وهذا هو بالضبط الشعور الذي خالجنا حال انتهائنا من قراءة رواية بتول الخضيري الأولى (كم بدت السماء قريبة) لما تضمنته من لغة شعرية شفيفة وحبكة عراقية آسرة أخذت بألبابنا وأسرت أخيلتنا لدرجة إنها تستحق أن تبقى عالقة في أذهاننا ووجداننا إلى آماد غير منظورة قادمة .
وحين علمنا ، في فترة تواجدنا بعمان بأن الروائية العراقية منشغلة بكتابة عملها الروائي الثاني . استبشرنا خيراً وبقينا نترقب اكتمال عملها وصدوره، كنا تواقين أن نرى ما يمكن أن تفعله هذه الروائية المدهشة التي دخلت عالم الرواية عنوة ومن دون تمهيدات ، في ذات الوقت الذي كان يتسرب إلينا بعض من القلق المشروع من ان الكاتبة ربما لا تستطيع مواصلة ما بدأته في عملها الاول المذهل ، ثم تواردت الإنباء بعد عامٍ على عودتنا إلى العراق ، إثر سقوط النظام السابق بأن الرواية الثانية لبتول صدرت وان عنوانها هو (غايب) .

بنية رواية (غايب) الأساسية
تعتمد حبكة رواية (غايب) الأساس على عناصر متعددة رغم انها حاولت جاهدة ان تحذو حذو مرتسمات وخطوط روايتها السابقة ، وإن ظلت أحداثها محصورة تقريباً في مكان ضيق هو إحدى العمارات السكنية في بغداد خلال فترة الحصار الاقتصادي والسياسي الذي تمّ فرضه على العراق بعد هزيمة القوات الصدامية في الكويت ، حيث ورد على الغلاف الأخير ، [ (غايب) ، روايتها الثانية هذه ، تتناول أحوال عائلات عراقية تعيش في شقق سكنية بعمارة وسط بغداد ، كوميديا سوداء تزخر بمقارنات بين زمن الخير في عراق السبعينات والزمن المتعب في عراق الحصار والحروب ، اغلب الشخصيات نسائية بسبب اختفاء الرجال في ظروف غير طبيعية لتصبح ام مازن ، قارئة الفنجان ، بمثابة المحلل النفسي لنساء العمارة ] ..

الراوية بطلة الرواية
سرعان ما يعقد قارئ (غايب) مقارنات بين شخصياتها وتلك الواردة في روايتها الأولى، وسيجد أن ثمة توافقات وتواشجات كثيرة ما بين الروايتين ، ويأتي في مقدمة هذه السمات المشتركة اعتماد الرواية على ما تقوم بسرده بطلة الرواية الشابة بشأن تجربتها في الحياة خلال فترة محددة ، غير إننا في رواية (غايب) ومنذ الوهلة الأولى نجد الساردة قد تخطت مرحلة الطفولة والصبا التي ارتكزت عليها بشكل تامّ ثيمة روايتها الأولى ، سنجد إن بطلة (غايب) في مقتبل العمر تفقد أبويها في حادث تحطم سيارة في الصحراء ، حيث يرد ومنذ بداية السطور الأولى للرواية ، (جاء في التقرير الطبي ومذكرة الشرطة إن أبي مهندس النفط ، قد مات قبل أمي ، ربة البيت ، بنصف ساعة ، حدث ذلك أثناء سفرنا بالسيارة من بغداد إلى مقر وظيفته الجديدة في صحراء سيناء ، أدلى شهود عيان ، بأن لفافة صغيرة طارت من نافذة المقعد الأمامي مع فرقعة لغم منسي من بقايا حرب 1967 ، استقرت اللفافة على الرمل ؛ أنا !) .
ويمكن أن يُعدّ هذا المقطع الاستهلالي الأول في الرواية على انه مدخل جميل ومناسب تماماً وفيه من الإيجاز والاحاطة ما يكفي ويغني .
إذن حاولت الكاتبة ترسّم وتتبع مواطن القوة والتصعيد في روايتها السابقة من حيث اعتمادها على العفوية المقتضبة والخالية من الرتوش البلاغية والإطناب واستعراض العضلات اللغوية التي غالباً ما رأينا كتاباً كباراً يقعون فيها مع سبق الإصرار ، وبينما كان استعمال الأمثال الشعبية باللغة الدارجة مناسباً وحيوياً تماماً في (كم بدت السماء) رأيناه في (غايب) يجنح بها نحو الهبوط والإسفاف الواضح .

جوانب من الضعف والإخفاقات
تعج (غايب) بالكثير من الإخفاقات التي وقعت فيها الكتابة يأتي في مقدمتها اختيار موضوع الرواية ، حيث أتضح ومنذ البداية إن الكاتبة وقعت في ذات المطب الذي وقع فيه روائيو الصف الثاني أو الثالث من الكتاب العرب ، ألا وهو اختيار احد الأمكنة السكنية في العاصمة او أية مدينة كبيرة أخرى ، ثم الحديث على لسان شخصيات الرواية عن الوضع العام مع بعض المفارقات الصغيرة التي تحصل لهم ، على ما في ذلك من حتمية الوقوع في التسطيح وعدم إمكان الغوص في أعماق النفس البشرية وتخليق المنلوج الداخلي الذي كان لابد للروائية أن تستثمره باعتباره مصدر قوة واضحاً لديها ويمكنها التعويل عليه .

معلومات خاطئة
لعل من أفدح الأخطاء التي وقعت فيها الكاتبة ، هو أن حصيلتها من المعلومات والتفاصيل عن الأوضاع في داخل العراق إبان فترة الحصار كانت غائمة وشحيحة وغير دقيقة ، ويبدو أن مصدرها الأساس كان يعتمد بشكل كبير على ما تبثه أجهزة السلطة ذاتها ، ومن ثم وسائل الإعلام العربية المحابية لهذه السلطة ، ولم تكلف الكاتبة نفسها عناء سؤال أي فرد من الأعداد الغفيرة من النازحين والمشردين العراقيين المتواجدين بوفرة في عمان ، حيث اختارت الكاتبة أن تقيم ، وحيث كتبت روايتها هذه عن الأحوال في العراق ، فعلى سبيل المثال ، المعلومة الواردة في الصفحة (9) حول ظاهرة انقطاع الكهرباء ولجوء مواطني العراق إلى الاعتماد على المولدات الكهربائية الأهلية ، حيث يرد ، (الكهرباء ستنقطع بعد قليل لمدة ثلاث ساعات ، زوج خالتي يرفض أن يشتري امبيرات من أصحاب المولدات الخاصة ، سعر الأمبير الواحد المعروض في السوق حالياً ألفا دينار ، عشر امبيرات تشغل المراوح فقط ، والأربعون أمبير تشغل الثلاجة والتلفزيون وربما مروحة واحدة ) .
وهذا كما هو معلوم فيه مبالغة كبيرة غير مسوغة ، أو ما تورده حول المصعد الموجود في العمارة ، حيث تحكي لنا بطريقة تنم عن استخفاف واضح بمستوى فهم ووعي القارئ من أن خالتها كلما شغلت مجفف الشعر يتوقف المصعد .

مشاهد مقززة
تستمر الكاتبة بالتخبط ، حتى تصل إلى مرحلة تعرض علينا من خلالها مشاهد مقززة ومنفردة لا مبرر لها ، فبالإضافة إلى داء الصدفية المصاب به زوج خالتها والذي من أعراضه تقشر جلد الإنسان المستمر وتساقطه ، والذي ربما استطاعت تسويغه لنا من خلال عدد من التعليقات الساخرة الموفقة ، لم يتورع خيال الكاتبة عن الإتيان بمشاهد أخرى لا تتوفر على الحدود الدنيا من المنطق الروائي ، حيث تورد لنا على لسان أحد أبطال روايتها ، إن داء الصدفية ربما أمكن علاجه من خلال شرب المصاب لبول الآخرين ، أو حين تكشف لنا الرواية ، إن (الهام) التي تعمل ممرضة في إحدى المستشفيات والتي هي أهم صديقة لبطلة الرواية ، يتم إلقاء القبض عليها من قبل السلطات لأنها تقوم بتهريب أعضاء بشرية مستغنى عنها (مستأصلة) لغرض إعطائها لعشيقها (القصاب) ، الذي لم تشأ الكاتبة إلاّ أن تسمية (اللحّام) ، حيث يقوم بفرمها ضمن لحم الغنم والبقر وبيعها على الناس ، وغاب عن الكاتبة انه وفي ظل أقسى الظروف لم يُؤْثَر عن الباعة العراقيين إنهم وصلوا إلى هذا الحد من التدني والهمجية ، ولعل أسوأ ما رأيناه هو قيام بعضهم وفي حالات نادرة جداً بذبح الحمير وبيع لحومها على اعتبار انها لحوم عجول ، وحتى في هذه أتضح إن الذي كان يقوم بذلك العمل الشائن هم المصريون الوافدون إلى العراق ، وإذا كانت الكاتبة تتذرع بأنها تفعل ذلك ضمن إطار ما صار يُسمى بالواقعية السحرية في الرواية ، فإن لهذا الفنّ اشتراطاته الخاصة جداً ، وهو ليس فناً منفلتاً تماماً .
ومن الأخطاء (المعلوماتية) التي وقعت فيها الكاتبة إن بطلتها حين تصاب بمرض (الشرجي) في مرحلة صباها ، والذي هو عبارة عن التواء يصيب عضلة الفم ، فتورد لنا إن علاج هذا المرض يتم من خلال عملية جراحية ، وتستحضر لنا قول البروفيسور التركي الذي يقول لخالها (أثناء سفرهم إلى تركيا) ، إن أجرينا العملية الآن ، ستستمر حالة اللاتناسق لديها ، لأن العضلات في الجزء السليم من وجهها ستتابع نموها . وكما هو معلوم ومتعارف عليه (طبياً)، فإن علاج هذا المرض العصبي لا يتم على الإطلاق من خلال إجراء أية عملية جراحية.
وأثناء ذلك تُضمّن الكاتبة روايتها الكثير من القفشات والطرائف المبتسرة ، التي هي أقرب إلى أساليب الصحافة منها إلى روح الكتابة الروائية ، فمثلاً حين تتكلم عن السرقات المتنامية في ظل الحصار ، تورد ما يلي : (أهل العمارة يروون إن احد سارقي الإطارات كان منهمكاً في فك إطارات سيارة ما ، في هذه الأثناء اكتشف إن سارقاً آخر يفتح إطار الجهة الثانية ، قال السارق للسارق الثاني الغريب ، اليمين لك واليسار لي ، ما تسوه نتعارك !)

أو حين نقرأ في خاتمة الفصل الثاني :
(سيدة تقول لصاحبتها : ابني هاجر !
- إلى أين ؟
- وصل بالسلامة إلى نيوزلندا .
تشهق السيدة المستمعة ، ماذا ؟ كيف ترسلينه إلى نيوزلندا ، ماذا عن ثقب الأوزون ؟ ألا تخافين عليه ؟
- عيني ، هو اللي يطلع من ثقب صدام حسين ينخاف عليه من ثقب الأوزون ؟

قراءة الفنجان وتربية النحل
يبدو أن الكاتبة فكرت طويلاً قبل أن يرسو تفكيرها على محوري الرواية ، قراءة الفنجان وتربية النحل ، لما يمتلكه هذان الموضوعان من خصوصية معينة لدى كثير من الناس ، الذين غالباً ما يتملكهم الفضول لمعرفة المزيد عن هذين العالمين .
حيث تضطلع (أم مازن) بقراءة الفنجان ، والتي هي احد ابرز شخصيات الرواية ، والمحور الذي تدور حوله معظم إحداثها ، لاسيما وان (أم مازن) هذه تقوم تحت مظلة عملها كقارئة فنجان بعمليات عديدة ، أعمال السحر وتحضير الأعشاب الطبية ، ومعالجة تهتك غشاء البكارة عند النسوة اللواتي فقدن عذريتهن ، فيذيع خبرها في أجزاء من المدينة ، مما يدفع السلطات إلى أن تدسّ لها من يقوم بمراقبة نشاطاتها بدعوى إنها تقوم بعملية تخريب المجتمع من الداخل . أما المحور الآخر ، والذي هو تربية النحل ، فيضطلع به زوج خالتها المصاب بداء الصدفية ، والذي لم يرزق بولد ، حتى تعارف الجميع على تسميته بـ(أبو غايب) حيث يتضح إن هذا الخال يفشل في بواكير شبابه في أن يحقق ما كان يطمح إليه وهو أن يصبح فناناً ، فيصارحه بعض أساتذته في معهد الفنون في ما يشبه النصيحة والمواساة (عينك ترى جمالية الفن الحقيقي ولكن مع الأسف خطوطك ضعيفة !).

سعد وعادل وجهان لعملة واحدة
ما تلبث بطلة الرواية أن تتعرف على (سعد) الذي يفتح له صالون حلاقة نسائياً في العمارة ، بينما هو في السر يقوم بعمله التجسسي على ساكني العمارة ومراقبة نشاطاتهم ، وتعمل لديه كمساعدة ، ثم يبرز أمامنا شخص آخر في الصالون هو (عادل) الذي يعرّفه سعد عليها ، حيث ينجح في عملية إغوائها رغم التواء فمها المصاب بداء الشرجي بحجة إعجابه بعينيها ، واثناء احتساء الثلاثة للخمر وبعد أن يثملوا يمسك سعد بقلم الكحل ويقوم برسم عين ثالثة لعادل واستقرت ما بين حاجبيه فتقول هي لسعد : فسر لي إذن ، فيقول هذا : لا حاجة للتفسير ، كل الذي قمت به هو عملية تغميق بالكحل لشيء موجود أصلاً ، وبعد أن تتم عملية مداهمة شقة خالتها التي تسكن فيها معهم من قبل رجال الأمن تفاجأ دلال بمشاهدة عادل وهو يرتدي (زيّه العسكري !!) مع رجال الأمن ، وتحاول التكلم معه لكنها لا تستطيع ، إذ هو منهمك بأداء واجبه الأمني لتكتشف الحقيقة المرة أمام عينيها بأن عادل هو احد ضباط الأمن الذين وشوا بخالها بتهمة متعلقة بتهريب التراث العراقي ، وفي اليوم التالي تذهب إلى سعد فيجري بينهما حوار مائع : ويدخل سعد يده في جيبه ليخرج رزمة منتفخة من دولارات وضعها إمامي : هذه لك ! ويقول لها إن هذا المبلغ مرسل من قبل السلطات إليها وهو بمثابة تعويض عن الذي حلّ بعائلتها ، ولا ندري من أين جاءت الكاتبة بهذه الفذلكة المضحكة ، لاسيما وان جميع شرائح المجتمع العراقي تعلم إن السلطات ذاتها لم تكن تتورع عن قبض ثمن الإطلاقات من أهل ذوي الضحايا المعدومين بعد تسليمهم جثث موتاهم !
والانكى من ذلك ، ما يسوقه (سعد) من تبريرٍ لما فعله زميله عادل بعائلتها وبأم مازن ، فبعد أن تسأله ، لماذا فرط بي (عادل) ؟ يقول لها : في اعتقادي انه تعلق بك ، لكن الوطن غالي يا دلال ، وعادل يسهر على راحتنا ، وهو يعلم إن عادل هذا قام بافتضاض بكارتها في إحدى السهرات معها في شقته ، مع ما يعنيه ذلك من إثم وشناعة وبخاصة في مجتمعات عربية وإسلامية كمجتمعاتنا ، فكيف يستقيم منطق من يدعي السهر على حماية الآخرين ، فيما هو يقوم في ذات الوقت بانتهاك حرماتهم وهتك أعراضهم ، على أن ذلك هو بالضبط ما كان يقوم عليه منطق السلطة ذاتها في تعاملها مع مواطنيها .
والذي يمكن أن نخلص إليه بشأن رواية (غايب) ، هو إنها أخفقت تماماً ، ولم تستطع مجاراة المستوى الفني الرفيع الذي بلغته روايتها السابقة (كم بدت السماء قريبة) ، ومع ذلك فإن القارئ يستطيع أن يتلمس إن أداء الطاقة الخلاقة لدى لكاتبة لم يزل موجوداً لديها ، رغم إنها لم تستطيع توظيفه بصورة صحيحة .

وللقصائد قصصها ايضا-بقلم حامد كعيد الجبوري


وللقصائد قصصها أيضاً
حامد كعيد الجبوري
ولادة شاعر تعني الكثير لدى قومه وقبيلته وأمته ، فالشاعر إذاعة متنقلة ، أو صحيفة رائجة منتشرة التوزيع ، بل قل فضائية مرموقة يشار إليها ، هكذا كان الشاعر في ما مضى ، وحين ولادة شاعر لدى قبيلته ينحرون القرابين ويؤدون النذور لشاعرهم و للسانهم القادم ، فالشاعر يؤلب قومه ويرفع من حماسهم بغزوهم للقبائل الأخرى ، وهو من يترجم أفراحهم ، ويرثي سادات قبيلته ، ويهجو القبائل الأخرى ، ومن ألطبيعي أن الشعر الشعبي لا يخرج عن هذه المعادلة ، ولو أنه جاء متأخرا شيئا ما قبالة الشعر الفصيح .
الشعراء الشعبيون أبان ثورة العشرين ، وما قبلها وصل لنا من نتاجهم النزر القليل ، ولو كانت هناك كما هي الآن صحفا ميسرة للقارئ لأغنانا بل لأغنى المكتبة الشعبية بشئ لا يستهان به من هذا النتاج الثر، ولقد وثّق السيد علي الخاقاني بموسوعته الشهيرة عن التراث الشعبي الكثير والغزير من النتاج لشعراء شعبيين دثروا لولا توثيقه وأرشفته لما كتبوا ، وقد نشر هذه القصيدة المشتركة – إشلون باجه - لكبار شعراء الحلة الفيحاء ، ولم يذكر ظروف وحيثيات كتابة هذه القصيدة المشتركة ، لأنه غير معني بهذه الظروف والحيثيات ، ولأن خالي المرحوم الشاعر محمد علي بنيان الجبوري قد وثقها ، ولأن واقعة هذه القصيدة بل ولادتها في بستاننا التي تقع بالطرف الشرقي للحلة المحروسة ، والشاعر المرحوم محمد علي بنيان من كبار شعراء الحلة الشعبيون وهو صاحب القصيدة الشهيرة ( منو مثلي أشتره بيده عذابه / ومنو مثلي أدمروا حالته أحبابه ) .
منتصف العقد الرابع من القرن المنصرم ، وعلى وجه التقريب الأعوام 44 او 45 او 46 بعد 1900 م ، كانت هناك أكثر من وشيجة تشد الشعراء الشعبيون لبعضهم ، ولا يمكن أن نقول أن الجميع كانوا على وفاق تام ، كما هي حالهم أيامنا هذه ، ولم يكن خلافهم آنذاك إلا لأسباب ثقافية محضة ، ففلان من الشعراء لصوته الرخيم يدعى لمأدبة عرس أو ختان ولا يدعى غيره ، وآخر لأنه يكتب القصائد الحسينية التي تثير استعجاب الآخرون ، لذا فهو أكثر عرضة للنقد الأدبي من غيره وهكذا ، ولقد أستهل القصيدة المشتركه (أشلون باجه) الشاعر الشعبي السيد محسن السيد أحمد العميدي ، والسيد محسن هو الذي وقف قبالة المرحوم فيصل الثاني مادحا لينال منه قطعة أرض في قلب الحلة الفيحاء ، ومن الذين ساهموا بهذه القصيدة ، وبالمناسبة فإنها مرتجلة من قبل جميع شعرائها ، الشاعر الشهير الشيخ حسن العذاري صاحب قصيدة ( يهواي دمشي أبهونك ) ، والشاعر الشهير عبد الصاحب عبيد الحلي صاحب الروضة العبيدية في الموال ،والشاعر الشهير الشيخ عبد الحسين صبره الحلي صاحب القصيدة المغناة ( بحشاشتي سهمك مضه / وعكبك علي ضاك الفضه) ، وشعراء أخرون ليسوا بأقل شاعرية ممن ذكرنا ، ولكن بحظوظ إعلامية أقل ، وقصة هذه القصيدة كما يلي ، دعى المرحوم الشاعر محمد علي بنيان – خالي - أصدقاءه الشعراء لجلسة سمر وغداء في بستاننا ، وكانت الدعوى لأكلة ( الباجه) لأن عمل الشاعر محمد علي بنيان الجبوري قصابا ، تولت جدتي لأمي مسألة إنضاجها ، ولم يكن حينذاك ما يسمى ب ( قدور الضغط ) ، ولم تكن حينها الطباخات الغازية ، بل كانت عملية الطبخ بواسطة مخلفات الأشجار والنخيل ( الحطب ، وجذوع النخل اليابسة) ، بعد أن أكملوا الجميع ضيافتهم المعتادة لمثل هذه المناسبة ، ذهب الشاعر محمد علي لجدتي وقال لها ( يمه صبيلني الأكل ) ، أجابته بأن الأكل لم ينضج لحد الآن ، فذهب لأصدقائه المدعوين بشئ من الخبز و ( كيشة تمر) ، بعد أن ألتهموا ماقدم لهم طالبو مضيفهم بالغداء ، فذهب الرجل لأمه ولكن ( الباجات) لا تزل غير مهيأة ، وذهب لهم بما يسد حاجتهم من الأكل ، وهنا تحركت شاعرية السيد محسن العميدي فأنشأ قائلاً وهي من بحر الرمل (الموشح)
إشلون باجه وينذكر تاريخها
بين سيد أوكعتلي وشيخها
***
ومن الجدير ذكره أن من يبدأ بمطلع القصيدة عليه أن يضيف لها رباطا- بيت - آخر لتكملة ما يريد قوله ، مع ملاحظة أن الشاعر أختار قافية صعبة وقليلة المفردات ، وهنا من يقول أن مستهل القصيدة قاله مضيفهم نفسه محمد علي بنيان الجبوري ،وأنا أميل لهذا الرأي لأن من يبدأ قصيدة المساجلة عليه إنهاءها ، بمعنى أن القفل الأخير يكون له ، وهذا ما حصل بهذه القصيدة حيث بيت الختام للشاعر محمد علي بنيان الجبوري ، ووجدت من قال أن المستهل – المطلع – لعبد الحسين صبره ، وأثبت المرحوم علي الخاقاني أن مطلع القصيدة والرباط الذي يليه للسيد محسن العميدي ، وهذا كما قلنا يخالف أصول وقواعد المساجلات المشتركه ، وأردف السيد العميدي مطالبا الجميع المشاركة الآنية المرتجلة وأكمل ما بدأه ،
أبين سيدها أوكعتلي والشيوخ
ومن صريج أسنونهم راسي يدوخ
لو تشوف إلحاهم أملوخيها لوخ
وبعد لا تنشد على تلويخها
****
الشاعر الشيخ حسن العذاري
أملوخه ألحاهم وتلصف من بعيد
وبشعرها بعد من باقي الثريد
على الباجه خلصوا كل الجريد *
وخشع * ماعدها وخلص كل ديخها*
****
الجريد / سعف النخل اليابس ، خشع / جذوع النخيل اليابس ، ديخ / عثق النخل اليابس الخالي من التمر
الشاعر حافظ المله هي
خلص كل ديخ النخل من الشعل
وعلى الباجه دعوتي ما ظن تفل
وكعت أسنوني يربعي أمن الأكل
وعذبتني الكرشه من تمليخها
****
الشاعر عبد الصاحب عبيد الحلي
باجه وأعليها السنون أتحمسن
أنفك عليها الحلك وأتراخه الرسن *
فاز بيها عبد الحسين وحسن *
وفلس منها أجريخها وأمريخها *
****
الرسن / واضح قصده تماما ، عبد الحسين صبره وحسن العذاري ، أجريخها ومريخها / مثل شعبي
الشاعر محمد الطعان
آنه يا خويه الذي منها أفلست
جي كبلها أبساعه (كويايه)* كلت
وأنته يا شيخي الذي بيها فزت
إلي الحنظل وأنت ألك بطيخها
****
(كوبايه) / الكرشة تقطع ويلف بها التمن والكشمش وتخاط بأوراق ( خوص) النخيل ،
الشاعر هادي المرزه الحلي
أشلون باجه وفايزه بيها الربع
أكراعها جالرمح والكرشه درع
أعظامها تضوي مثل ضوي الشمع
والله ريحتها أوصلت مريخها
****
الشاعر صاحب الجعفر البناء
من ضكتها نشط من عندي الجسم
وصار بيه كل فراسه وكل عزم
ولأكلها نوّخت هاي الزلم
الساتر الله أبهاي من تنويخها*
****
الساتر الله هاي من تنويخها / واضحة المقصد تماما
الشيخ عبد الحسين صبره الحلي
كالأباعر نوخوا بزر الفكر
وخلصوا كبل الأكل كيشة تمر
هاي باجه والطلايب ها كثر
أشلون بصرك لو هووا بطبيخها
****
الشاعر عبود الفراتي
لو هوت بطبيخها أتبيض الوجه
يالذي عازمهم أصحه وأنتبه
أيشبخون أبهاي واحدهم شره
وبالمراجل ما نفع تشبيخها
****
الشاعر الشيخ عبد الله المؤمن
الشيخ وسفه ماحظه أبهذا الغده
كلي ي( محمد علي ) إشعامل رده
الصيت للنوره * تره أعظم عُدَه
ما دروا مفعولها أبزرنيخها *
****
النوره / مادة تستعمل للبناء ويضاف لها الزرنيخ لإزالة الشعر
الشاعر الشيخ كريم الداوود
الباجه طيبه و(حسن) إلها مفترس
نوّروها * لوله هلسوها هلس
أفلست منها وكمت أوعظ بالنفس
وسهم روحي من التمر تنسيخها*
****
نوّروها / بمعنى أزالوا الصوف غير المرغوب به بواسطة مادة النوره ، تنسيخها /بمعنى الناسخ والمنسوخ أي أنه لم يحصل على أكلة الباجه وأستعيض عنها بمادة الخبز والتمر،
الشاعر محمد علي بنيان الجبوري صاحب الدعوى والذي يفترض كما قلنا ينهي ما بدأه بقصيدة المساجلة ويقول
سامحوني يا أحبابي أمن القصور*
وأنتو تاج الشعر يل كلكم بدور
طور أكثر بالبُصل وأنثني أبطور
أبروحي أوبخ* وأكثر أبتوبيخها
****
القصور / بمعنى التقصير / أوبخ / بمعنى ألوم وأعاتب وأونب
بعد ذلك نضجت أكلتهم ( الباجات) على أفضل ما يكون ، وأكلوها عن آخرها وتركوا لنا هذا الإرث التراثي الجميل ، رحمهم الله جميعا وأسكنهم فسيح جنانه .

الأحد، 5 سبتمبر 2010

ماذا دار في جزر الواق واق-ثفافة ما بعد السقوط-د.غالب المسعودي

ماذا دارفي جزر الواقواق رؤية نقدية للثقافة بعد السقوط- قاعة الوداد........أنموذجا-قاعة عشت روت.....أنموذجا


بين بداية الكون ونهايته ينحدر الحدث على صهوة الأسطورة دافعا المعرفة نحو غائية تبريرية,جاعلة الذات منسجمة مع ظرفها الموضوعي وأحيانا بتغييب الصراع بين الآني المتفجر والغائب المتخندق في درع الماضي.ولان قلق الفنان ناتج عن صراع بين الصورة الذهنية المتوهجة وبين الواقع الذي لا يخرج عن كيانه الملموس,لذا يتجدد الإحباط.ولكون الفن بكل إشكاله هو نص معرفي فهو لا يحتاج إلى ترجمان لكنه بحاجة إلى لمفاتيح لحل الشفرات,ولان مايدور في جزر الواقواق بعد السقوط هو مسرحية كوميدية بورنوكرافية,وفي مسرح البورنو كل شيء جائز إلا الحيوية والوظيفية والفاعلية تأويليا على المستوى الحضاري....نجد إن قاعات العرض الفني والتي يفترض بها إن تكون حاضنة لخطاب حضاري متقدم يتعامل مع الجمال بلغة شفافة وأثيرية....تكون مشروعا تجاريا خالية من إي قيمه أخلاقية كغيرها من المشاريع الاقتصادية في جزر الواقواق مبنية على سرقات اللفائف والسمسرة في الأروقة الخلفية لعصافير الجراد.وهذا بالتالي ينتج خطابا مبتورا سمته الأساسية براكماتيا هجينة تتشدق بالمقدس وتمارس أفعال خوذتينا بيكار......

والسؤال هل بوسع الفنان إن يتجاوز برحلة سديمية يقرأ العلامات كقراءة الطالع,يقول ألنفري(إذا اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة) وإذا ارتفع السؤال عز الجواب.فليس على المرء إن يقع في شراك الخطيئة لكي يتوب....نراهم يوميا من خلال شاشات العولمة يتقاذفون المفرقعات كل حسب مستواه التكنولوجي...وجوه يعفرها التراب وأخرى تعلن موت الإنسان...فلنقرأ بصمت ونكتب بصمت,ولنتعلم لغة الإشارة....ففي الملاحم الكبرى المسكوت عنه أعظم دلالة,فمنذ عصور ماقبل التاريخ ظل الأثر يتناسل جينيا ليفضح علاماته. وستظل عاريات الليل تهمز ببكارتها في أي طريق لان كل شيء في الوجود يتعرى ويخضع تلقائيا للنشوة........إلا آن هذا الجسد الآدمي المستلب سيصحو من رقدته وسينتقي الشعراء كلماتهم المطرزة بالنور والألوان وستتوهج قصائدهم في الظلام عن روحانية عذبة ..وهكذا يختار الإنسان أحلامه ويختزل الزمن بلحظة ذكية ثم يدنو منه في قلقه إلا خير-د غالب المسعودي

السبت، 4 سبتمبر 2010

قراءة في مجموعة مشرق الغانم-طير تستحم بالرماد-كتابة احمد الحلي




قراءة في مجموعة مشرق الغانم " طير تستحم بالرماد "
الشاعر بوصفه كاهناً ومتنبئاً
احمد الحلي

يبدو أن الشاعر الحديث ما زال بمقدوره أن يضطلع بدوره القديم مجدداً بوصفه كاهناً وساحراً ومتنبئاً في آن معاً ، وهذا ما ينطبق بدرجة أساس مع شاعر المجموعة التي نحن بصددها والمعنونة " طير تستحم بالرماد " للشاعر العراقي المغترب مشرق الغانم والتي أصدرتها له في العام 1997 في طبعة آنيقة دار جفرا للدراسات والنشر في دمشق ، وعلى الرغم من صغر حجم المجموعة ، إذ لا يزيد عدد صفحاتها عن 63 صفحة خالية من الفهرست ، فأنها مليئة بالدلالات الموحية .
يقول الشاعر في مفتتح المجموعة :
من فضة تلمع في الأعالي ، حتى
المصب الأسود لنهرين تخثر فيهما
الدم ، حشدت سربا من الإوز العراقي
وبدأت الطيران عالياً صوب ممالك مندثرة
كنت اسمع النشيد القديم مختلطاً بالريح
تصفر في البراري ، والنجوم هائمة على الرمال
حيث نرى دلالة " نهرين تخثر فيهما الدم " وهو ما سيذكرنا على الفور بالمنحى الذي سبق وسارت عليه قصيدة " رماد المسلة " اللافتة التي فاز بها الشاعر صلاح حسن بجائزة دار الشؤون الثقافية العامة في مفتح التسعينات والتي سرعان ما لاكتها الألسن بعد ذلك بالقيل والقال حتى وصل الأمر ببعض أدعياء الثقافة ممن أتاح لهم النظام السابق أن يتبوءوا مراكز مهمة على خارطة المشهد الثقافي العراقي ، إلى رفع مذكرة حزبية إلى الجهات العليا يطالبون فيها بسحب الجائزة عن الشاعر الرجيم ومحاسبة اللجنة التي قررت منحه الجائزة لأنه لم يفعل شيئاً في قصيدته سوى انه كال السباب لما أسموه بالثوابت الوطنية والقومية وأنه وجه فيها انتقاداته المبطنة إلى الإسلام بحد ذاته بوصفه زحفاً حجازياً صحراوياً طال حضارة ومدنية متقدمة كانت قائمة في العراق آنذاك . واللافت بل والممتع حقاً لدى الشاعر مشرق الغانم هو انه ينتقل في القصيدة الواحدة عبر أجواء متعددة، في القصيدة المعنونة بـ " المُفتتح " نراه يقول ;
كان المشهد خلاباً لشعوب
تستغرق في أحضان مدنها ،
كنت أحسدها ، شعوبٌ
كانت تجيد المتعة !
وواضح إن الشعوب التي عناها الشاعر هنا هي شعوب الدول التي آوت المهاجرين العراقيين بل وكل المهاجرين القادمين من دول لا تحترم فيها إنسانية الإنسان ، نقرأ في ذات القصيدة :
لكن يا أبت ما حكمة هذا الموت ؟
بلاد تقبل قبل الأوان إلى حتفها ،
قبل أن تنشد الفاختة في بئر السماء
قبل أن يصحو النخيل من بلل الظلام !
وسنرى إن عمق الفاجعة سيتوضح ويتجلى أكثر فأكثر
كلما توغلنا في عملية القراءة :
لكننا نحرق في كل فجر قبل الآذان ،
في كل فجر نوقظ الأولاد إلى موت نشتهيه ،
حجر من شجر عتيق لنار لم تنطفئ
مُنذ هبَّ على العراق أول سديم !
سنرى إن الشاعر يغوص في موضوعته الأساس : الحرب ، لاسيما تلك التي دارت رحاها في شمال الوطن ضد أبناء شعبنا الكردي حيث يقول في قصيدة " بدء الطواف " :
كفر الطفل بالرب
حيث رأى الجبل غولاً
والسفح مسلخ " أنفال " !
وبلغة مؤسية مفعمة بالشحنة العاطفية التي تصل حد البكاء :
أنصت إلى العراق :
وأهتف في سري
يا كهف صداي ، ياهداة الطفل
تحت الضجيج ، يا نبيذاً ساح عني
غفلة ، وانكسر !
ولعل أبرز شيء يمكن أن تلاحظه العين الفاحصة في هذه المجموعة المعبرة هو لغة الشاعر المتمكن من أدواته وإيقاع جمله المتواتر ، بالإضافة إلى الصور الشعرية الخلابة التي لا يكف عن صوغها وابتكارها والتي سرعان ما ستذكرنا بصور الشاعر الكردي الشهير شيركوبيكس :
جلس الفاطن في ظلمته
أشعل سيجارة على تلة
كي يسدد قناص آخر الليل
إلى رأسه طلقته !
أو مائدتي حديقة وقلبي سرير نهر لا يفيض
فلماذا لا يهب من الشرق سوى عصف الحريق ؟
سيلجأ الشاعر إلى كهفه الطوطمي شاهراً أدواته البدائية بوجه العصر :
عليّ أن لا ألتفت إلى الخلف أو التف ،
وان أضع في جيبي حصاة
تعينني على عطش الطريق !
وسيتدفق موال الحزن وهو يطرق مسامعنا هادراً :
أنصت إلى العراق : بادية تهرس عظام موتى ،
كانت تنبح منذ ألف عام ، من أطلق عليها اسم الجزيرة ؟
تدور الرمال فيها مثل مغزل ،
وكانت تتقن السطو على حرير القوافل ولما أقفرت الطريق
سطا بدوها الأجلاف على فضة ينابيعي !
وسيصور الشاعر لنا هؤلاء الأجلاف القساة المتحدرين من صحاراهم القاحلة وهم يقيمون احتفالهم وكرنفالهم فوق رأس المأتم :
ينتزعون الليلك من جرف فتنته
ويلقون به إلى موقد الوحش ،
وعلى مقربة ، كنت أسمع شواء وربابة تئز
وطفلاً يرمي جلده خارج النار
وثمة قضية أخرى طالما تناولتها أقلام الشعراء والكتاب ، كل بطريقته الخاصة ، إلا وهي قضية تجفيف الأهوار التي ارتكبتها عقيلة النظام البائد فعجلت بنهايته وسقوطه ، كونها ليست موجهة ضد الإنسان والكائنات فحسب ، وإنما ضد الطبيعة الأم المقدسة :
تطلع الكراكي مشتعلة من فوهات القصب
وألف قبرة تصفق صدى المقتولين هباء
على الماء الذبيح ، يسند ظل غيمة
مضت ، فتحار الطير
من سماء مقفلة ‍‍‍‍!
هناك ، كان البدوي جالساً على ناقته
يدخن الغليون ويحصي الجثث ضاحكاً !