7 مواقف
عادل كامل
[1] نزهة
ـ انه لا يخشى أن يؤذيه البرد، ويمرض، ويموت، فتراه يتنزه وحيدا ً بمحاذاة النهر، في هذا الشتاء القارص..
ـ ربما يكون فقد عقله!
سمع همساتهم، فاقترب منهم وقال بهدوء:
ـ أنا لم افقد عقلي، لأنني ـ في الأصل ـ فقدته منذ زمن بعيد...، أما أن تخافوا علي ّ من البرد، فكان الحري بكم أن تخافوا على البرد مني!
[2] لغز
قبل أن يتوارى في الغابة، سمع الغراب يقول للبوم:
ـ انه صار يعمل مع الضباع...، هذا الجحش!
رفع رأسه، وقال للغراب:
ـ قل للبوم، إن الضباع هي التي صارت تعمل معي!
[3] عقم
بعد سنوات طويلة من الصيام، مكتفيا ً بالعشب، الماء، الهواء، واستنشاق رائحة جذور الأشجار...، شاهدوه يبحث عن شيء ما في الغابة...، فسمعهم يتهامسون:
ـ لم يصبر... لم يصمد ... ولم يتحمل ..
اقترب منهم وخاطبهم هامسا ً:
ـ مع إنني كنت أشارك الجميع الجوع، خلال صيامي، إلا أن أحدا ً من المتخمين لم يلتفت لي...، فسألت نفسي: فهل سيلفت صيامي ـ حد الموت ـ ضمائرهم...؟
آنذاك رجع إلى مغارته، متمتما ً بصوت خفيض:
ـ مع إنها كانت قضية شخصية، بيني وبين نفسي، إلا إنني سأكون اسعد بهائم هذه الأرض، لو مكثت لا الفت إلا انتباه هذا الذي ... صار مثل الأعمى، لا يرى أحدا ً، لكن الجميع يتهامسون: يتصور إننا لا نراه!
[4] حمل
سأله الذئب قبل أن يتم الإجهاز عليه:
ـ أخبرناك أن لا تفكر...، وان لا تتكلم مع نفسك...، وان لا ترفع صوتك، فلماذا فعلت، ولفت نظرنا...؟
رد الحمل بمرح:
ـ كي أشغلكم أن لا تفترسوا أشقائي وأهلي وباقي الأبرياء!
وقال مع نفسه، قبل أن يتوارى في جوف احدهم:
ـ وهل كنت سأنجو لو لم أفكر، وارفه صوتي، ولو لم استغث؟
[5] تحقيق
سأله المحقق:
ـ هل حقا ً ولدت ولا عمل لديك إلا المكر...؟
أجاب الثعلب بهدوء تام:
ـ أتذكر إنني ولدت طيرا ً فاصطادوني، ثم ولدت فأرا ً فمزقتني مخالب القطط وأنيابها، ثم ولدت حملا ً فأكلتني الذئاب، ومرة أخرى ولدت نملة فلم انج من أقدام الدواب، ثم ذات مرة ولدت سمكة، فمزقت الدببة جسدي...، حتى أخيرا ً، بعد أن شبعت من الموت وارتويت منه، ولدت ثعلبا ً، فلم اقدر أن أتخلى عن المكر، فقلت:لعل ذكائي ينجيني...، وها أنا ـ سيدي القاضي ـ بين يديك...، بانتظار أن تقول كلمة العدل!
[6] كلمة
ـ قل كلمة نافعة وسنعفو عنك...
ـ سأصمت، سأصمت إلى الأبد!
ـ أيها الماكر...، نجوت من عقوبتنا، لكنك ستبقى تكلم نفسك حتى تدرك انك اخترت أشقاها: أن تبقى تسمع صوتك حتى تدرك انك لن تقدر حتى على اختيار الصمت!
[7] خلود
سألت الصخرة سيزيف:
ـ الم تهن، الم ْ تضجر...؟
ابتسم سيزيف وسألها:
ـ وأنت ِ..؟
أجابت الصخرة:
ـ كنت أقول إن لم تسليني أنت، فانا ساجد آخر يرفعني إلى الأعلى، ثم ـ بعد أن أتدحرج إلى الأسفل ـ يرفعني مرة أخرى...
أجاب بصوت خفيض:
ـ وأنت ِ ستجدين ألف ألف ألف سيزيف...، لكن ما ذنب هؤلاء الذين ولدوا في ارض الرمال...، ينثرونها ثم يعيدون جمعها، فلا هم كفوا وكلوا ووهنوا عن العمل، ولا الرمال كلت، أو أصابها الإعياء!
ضحكت الصخرة:
ـ أما أنا فكنت أفكر في هؤلاء الذين سيولدون وليس لديهم حجارة، أو رمال...، فماذا سيفعلون؟
ضحك سيزيف، ورد:
ـ كم تبدو عقوبتنا سلسة، بل شفافة، إن لم تكن مسلية...، لأننا كنا لا نعرف كيف نمضي الوقت، لو ولدنا في مكان لا صخور فيه ولا رمال...، وماذا كنا فعلنا لو ولدنا في حياة خالية من الزمن...؟
ـ آ ..
تأوهت الصخرة وقالت:
ـ آنذاك تكون البراءة قد حكمت علينا بالخلود!
20/11/2015
Az4445363@gmail.com
عادل كامل
[1] نزهة
ـ انه لا يخشى أن يؤذيه البرد، ويمرض، ويموت، فتراه يتنزه وحيدا ً بمحاذاة النهر، في هذا الشتاء القارص..
ـ ربما يكون فقد عقله!
سمع همساتهم، فاقترب منهم وقال بهدوء:
ـ أنا لم افقد عقلي، لأنني ـ في الأصل ـ فقدته منذ زمن بعيد...، أما أن تخافوا علي ّ من البرد، فكان الحري بكم أن تخافوا على البرد مني!
[2] لغز
قبل أن يتوارى في الغابة، سمع الغراب يقول للبوم:
ـ انه صار يعمل مع الضباع...، هذا الجحش!
رفع رأسه، وقال للغراب:
ـ قل للبوم، إن الضباع هي التي صارت تعمل معي!
[3] عقم
بعد سنوات طويلة من الصيام، مكتفيا ً بالعشب، الماء، الهواء، واستنشاق رائحة جذور الأشجار...، شاهدوه يبحث عن شيء ما في الغابة...، فسمعهم يتهامسون:
ـ لم يصبر... لم يصمد ... ولم يتحمل ..
اقترب منهم وخاطبهم هامسا ً:
ـ مع إنني كنت أشارك الجميع الجوع، خلال صيامي، إلا أن أحدا ً من المتخمين لم يلتفت لي...، فسألت نفسي: فهل سيلفت صيامي ـ حد الموت ـ ضمائرهم...؟
آنذاك رجع إلى مغارته، متمتما ً بصوت خفيض:
ـ مع إنها كانت قضية شخصية، بيني وبين نفسي، إلا إنني سأكون اسعد بهائم هذه الأرض، لو مكثت لا الفت إلا انتباه هذا الذي ... صار مثل الأعمى، لا يرى أحدا ً، لكن الجميع يتهامسون: يتصور إننا لا نراه!
[4] حمل
سأله الذئب قبل أن يتم الإجهاز عليه:
ـ أخبرناك أن لا تفكر...، وان لا تتكلم مع نفسك...، وان لا ترفع صوتك، فلماذا فعلت، ولفت نظرنا...؟
رد الحمل بمرح:
ـ كي أشغلكم أن لا تفترسوا أشقائي وأهلي وباقي الأبرياء!
وقال مع نفسه، قبل أن يتوارى في جوف احدهم:
ـ وهل كنت سأنجو لو لم أفكر، وارفه صوتي، ولو لم استغث؟
[5] تحقيق
سأله المحقق:
ـ هل حقا ً ولدت ولا عمل لديك إلا المكر...؟
أجاب الثعلب بهدوء تام:
ـ أتذكر إنني ولدت طيرا ً فاصطادوني، ثم ولدت فأرا ً فمزقتني مخالب القطط وأنيابها، ثم ولدت حملا ً فأكلتني الذئاب، ومرة أخرى ولدت نملة فلم انج من أقدام الدواب، ثم ذات مرة ولدت سمكة، فمزقت الدببة جسدي...، حتى أخيرا ً، بعد أن شبعت من الموت وارتويت منه، ولدت ثعلبا ً، فلم اقدر أن أتخلى عن المكر، فقلت:لعل ذكائي ينجيني...، وها أنا ـ سيدي القاضي ـ بين يديك...، بانتظار أن تقول كلمة العدل!
[6] كلمة
ـ قل كلمة نافعة وسنعفو عنك...
ـ سأصمت، سأصمت إلى الأبد!
ـ أيها الماكر...، نجوت من عقوبتنا، لكنك ستبقى تكلم نفسك حتى تدرك انك اخترت أشقاها: أن تبقى تسمع صوتك حتى تدرك انك لن تقدر حتى على اختيار الصمت!
[7] خلود
سألت الصخرة سيزيف:
ـ الم تهن، الم ْ تضجر...؟
ابتسم سيزيف وسألها:
ـ وأنت ِ..؟
أجابت الصخرة:
ـ كنت أقول إن لم تسليني أنت، فانا ساجد آخر يرفعني إلى الأعلى، ثم ـ بعد أن أتدحرج إلى الأسفل ـ يرفعني مرة أخرى...
أجاب بصوت خفيض:
ـ وأنت ِ ستجدين ألف ألف ألف سيزيف...، لكن ما ذنب هؤلاء الذين ولدوا في ارض الرمال...، ينثرونها ثم يعيدون جمعها، فلا هم كفوا وكلوا ووهنوا عن العمل، ولا الرمال كلت، أو أصابها الإعياء!
ضحكت الصخرة:
ـ أما أنا فكنت أفكر في هؤلاء الذين سيولدون وليس لديهم حجارة، أو رمال...، فماذا سيفعلون؟
ضحك سيزيف، ورد:
ـ كم تبدو عقوبتنا سلسة، بل شفافة، إن لم تكن مسلية...، لأننا كنا لا نعرف كيف نمضي الوقت، لو ولدنا في مكان لا صخور فيه ولا رمال...، وماذا كنا فعلنا لو ولدنا في حياة خالية من الزمن...؟
ـ آ ..
تأوهت الصخرة وقالت:
ـ آنذاك تكون البراءة قد حكمت علينا بالخلود!
20/11/2015
Az4445363@gmail.com