الخميس، 6 يونيو 2013

دفاع عن الحقيقة وليس عن غونتر غراس-د . علي عبد الأمير صالح

علي عبد الامير صالح
دفاع عن الحقيقة وليس عن غونتر غراس

د . علي عبد الأمير صالح
draliabdulamir@yahoo.com

تناولت الأوساط الإعلامية والثقافية محلياً وعربياً وعالمياً وبصخب وتناقض وبصورة مثيرة للجدل قضية انتماء غونتر غراس إلى القوات النازية الخاصة. ففي صحيفة (المدى) العدد 752 الصادر في يوم السبت الموافق السادس والعشرون من آب (أغسطس) وصف الزميل فاضل السلطاني موقف غونتر غراس بالشجاع قائلاً : " لقد تطوع الرجل ، وهو في خريف عمره ، ان يصفي حسابه مع ماضيه ، ومع نفسه ، حتى لو كانا ينتميان إلى مرحلة الحماقات . " وفي صحيفة (التآخي) العدد 4843 الصادر في يوم الخميس الموافق الحادي والثلاثون من آب (أغسطس) 2006 العدد 151 من (أبعاد ثقافية) كتب الأستاذ الشاعر الفريد سمعان موضوعاً تحت عنوانٍ (أدباء تحت مقصلة التاريخ ) ذكر فيه أن " غراس كشف عن نفسه في مقابلة في ألمانيا بأنه كان عضواً في القوات الخاصة النازية وفي الشرطة السرية ( الأس أس ) وهو السر الذي احتفظ به طوال هذه الفترة ".. يضع الأستاذ الفريد سمعان الكاتب الألماني ضمن قائمة الكتاب و الأدباء الذين تورطوا في تجنيد أقلامهم وأفكارهم للنظام الدكتاتوري ، وقائده الضرورة سواء كان صدام حسين أو هتلر أو موسوليني أو فرانكو .. وغيرهم .
ولأنني أحد المهتمين بأدب غونتر غراس ومتابعي مسيرته الأدبية والفنية وسبق لي أن ترجمت روايتين له هما " طبل من صفيح " ، و " قط وفأر" -من ثلاثية دانزك- المنشورتين في بغداد ـ دار الشؤون الثقافية العامة عامي 2000 و2001 ، أعتقد أن عامة القراء وجمهور المثقفين والأدباء ينتظرون مني أن أقول شيئاً ما في هذا الشأن المثير للجدل .
قبل كل شيء لنتعرف على غونتر غراس من خلال ما صدر له بالعربية ، وعذراً للتفاصيل المملة التي سأذكرها أدناه كوني أحتفظ بأرشيف جيد عن هذا الكاتب بالعربية والإنجليزية ، وبادىء ذي بدء أقول لم يترجم أي كتاب ( رواية أو مسرحية أو مجموعة شعرية أو مقالات ....الخ ) لغونتر غراس إلا بعد فوزه بجائزة نوبل للآداب في الثلاثين من أيلول (سبتمبر ) 1999.. إنما كانت هناك دراسات ومقالات كثيرة عنه وله فضلاً عن مختارات من أشعاره ، ذلك أن غونتر غراس بدأ مسيرته الأدبية شاعراً وانضم إلى جماعة ( 47 ) وهي حركة أدبية اضطلع بها مجموعة من الكتاب والمثقفين وكان لها دور حاسم في إحياء الثقافة في ألمانيا ، ومنها :
1. مقالة محمود قاسم الموسومة "غونتر غراس نجم الأدب الألماني المعاصر " العدد 281 نيسان (ابريل ) 1982 من مجلة " العربي " الكويتية ص 88 - 93 وهي دراسة جميلة ووافية .
2. حوار مترجم بين غونتر غراس وسلمان رشدي–عدد كانون الأول ( ديسمبر ) 1985من مجلة (آفاق عربية )_ فقدت هذا العدد لسوء الحظ .

3. مقالة اردموته هللر الموسومة " الكتابة بمختلف الصيغ- الرسام الشاعر غونتر غراس "– العدد 38 من مجلة ( فكر وفن ) الصادر في سنة 1983 ص 41– 48 .
4. مقالة غونتر غراس " البالرينا : أفكار حول الخلق الفني والإلهام والشكل "- العدد43 من مجلة (فكر وفن ) الصادر في سنة 1986 – ص 40 -44 .
5. مختارات شعرية ورسوم مع تقديم بترجمة د . عيسى علاونه – العدد 4 من مجلة الموقف الثقافي الصادر في تموز – آب 1996 ص 95 – 98 .
وعقب فوزه بجائزة نوبل للآداب لعام 1999 استمرت الصحف والمجلات في الكتابة عنه وترجمة بعض دراساته وأشعاره مستعرضة مسيرته الأدبية والفنية ومن المجلات العراقية التي خصصت محوراً له :
1. مجلة الموقف الثقافي – العدد 25 كانون الثاني – شباط 2000 وفيه دراسة مترجمة ومسرحية مترجمة حملت عنوان ( سفينة البحيرة المالحة ) –قام بترجمتهما الأستاذ القدير كاظم سعد الدين .
2. مجلة الثقافة الأجنبية – العدد 3 لسنة 1999 – أعد الملف الزميل حسب الله يحيى ويضم مقالة مترجمة لعدنان المبارك وقصة قصيرة مترجمة لغانم محمود (الواقع هي جزء من فصل من " قط وفأر" ) وحوار أجراه وترجمه الدكتور مصطفى ماهر . وكذلك العدد الأول لسنة 2000 من المجلة ذاتها وتضمن فصلين من روايته ( طبل من صفيح ) ودراسة مترجمة حملت عنوان ( غونتر غراس : طبل الحياد) – قام بترجمتها كاتب هذه السطور، كما ترجم الأستاذ كاظم سعد الدين مسرحية له بعنوان ( الطوفان ) وترجم الأستاذ المرحوم سعيد الحكيم دراسة في أدبه كتبها مارتن ايسلن إضافة إلى الدراسة التي قامت بترجمتها الأستاذة إشراق عبد العادل .
أما المجلات العربية التي تناولت الكاتب وحاورته فهي :
1. مجلة (نزوى) الصادرة في دولة عمان – العدد 23 يوليو – ( تموز ) 2000 – ففي هذا العدد حوار مع غونتر غراس قام بترجمته خالد المعالي ومنى النجار – ص 85 -88 .
2. مجلة ( البحرين الثقافية ) – العدد 33 تشرين الأول ( أكتوبر ) 2002– ففي هذا العدد دراسة مترجمة عن طبل الصفيح ص 64 -68 . قام بترجمتها كاتب هذه السطور وسبق أن نشرت في مجلة (الثقافة الأجنبية ) .
ومؤكد أن عشرات المجلات تناولت الكاتب وخصصت محاور عديدة له إلا ان سنوات الحصار المقيتة لم تتح لنا فرصة الاطلاع عليها .
أما كتبه المترجمة إلى العربية فهي :
1. طبل الصفيح ( رواية ) – نشرت بالألمانية في سنة 1959 – بثلاث ترجمات لحسين الموزاني( عن الألمانية – الجمل – ألمانيا ) ولكاتب هذه السطور( عن الانجليزية – دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد ) ولموفق المشنوق (عن الفرنسية – دار الجديد – لبنان ) .
2. قط وفأر ( رواية قصيرة ) - بثلاث ترجمات أيضاً لحسين الموزاني ( عن الألمانية – دار الجمل – المانيا ) ولكاتب هذه السطور ( عن الإنجليزية – دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد ) ولأبي العيد دودو ( روايات الهلال ) .
3. سنوات الكلاب ( رواية ) – دار الجمل – ألمانيا – 2003 بترجمة أحمد فاروق .
الكتب الثلاثة أعلاه تشكل ثلاثية دانزك .
4. سمكة موسى ( رواية ) – ترجمها الأستاذ الدكتور علي يحيى منصور وهو أكاديمي عراقي مقيم في اليمن – صدرت الرواية في صنعاء في 2005 ، في الأرجح .
5. حديث عن الخسارة – مقالة طويلة صدرت بهيئة كتاب بترجمة شيرين عبد السلام - المجلس الأعلى للثقافة – 2003 يتناول فيه غونتر غراس النتائج السلبية للوحدة الألمانية من وجهة نظره مع رؤية سياسية ثقافية اجتماعية للمجتمع الألماني بعد الوحدة الألمانية . يقع الكتاب في ثماني وأربعين صفحة من القطع المتوسط .
إن مبرر هذه المقدمة المستفيضة عن غونتر غراس هو الوصول إلى رأي موضوعي ومدروس ومتأن حول قضية انتماء الكاتب إلى القوات النازية الخاصة - لأننا لا نريد أن نبني أحكاماً متسرعة ً وارتجالية ً .. وإذا ما استخدمنا كلمتي الأستاذ المفكر محمد أركون فإننا لا نريد أن نتخذ موقفاً نقدياً استناداً إلى ( جهل مؤسس ) بل ينبغي للعملية النقدية أن تكون مستندة ً إلى عمق معرفي وفلسفي وحضاري عام كما يقول الناقد المغربي سعيد يقطين .
وعليه نقول :
ولد غونتر غراس في العام 1927 بمدينة دانزك ( أو جدانسك – إذا شئت ) عن أبوين نصف بولنديين ونصف ألمانيين . كان أبوه بقالا ألمانيا ، أما أمه فمن الكاشوبيين وهم قوم سلافيون غربيون مؤلمنون يسكنون الجزء الشمالي الغربي من مقاطعة بروسيا .. الخ } انظر إلى صفحة 638 من رواية ( طبل من صفيح ) – ترجمة كاتب هذه السطور – دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد { وقد تربى غراس في جو غريب يشهد مولد الرايخ الثالث .. وظهور كتاب ( كفاحي ) لهتلر وإعادة تنظيم حزب نازي . انضم وهو في العاشرة من عمره أي في العام 1937 إلى منظمة " أشبال هتلر " ثم إلى منظمة أخرى تسمى " شباب هتلر " . في العام 1941 أي بعد اندلاع الحرب الكونية الثانية بعامين . وفي العام 1944 سيق إلى الجندية وفي العام التالي وقع في أسر الأمريكيين بعد أن جرح .
في السطور الأخيرة بيت القصيد .. أي أن غراس سيق إلى الجندية شأنه شأن الملايين من الألمان في ظل نظام دكتاتوري . عمره سبعة عشر عاماً ، شاب غر، طري العود ، لم يكن له أي موقف فكري واضح . وجد نفسه مرغماً على ارتداء البزة العسكرية مثل زميليه هاينريش بول وبورشرت .. اللذين أصبحا كاتبين مرموقين فيما بعد – نال الأول جائزة نوبل للآداب عام 1972. لم يكن غراس يومذاك رجلاً بالغاً وناضجاً مثل توماس مان وهيسه وبرتولت بريخت وتوخولسكي كي يهرب إلى خارج ألمانيا ويواصل مسيرته الأدبية والفنية .
هناك فرق بين أن تؤدي الخدمة العسكرية الإلزامية وبين أن توظف قلمك لخدمة دكتاتور مستبد وظالم ومتعطش للبطش والدم ويسعى إلى إبادة شعبه وانتهاك حرمات الشعوب الأخرى .. في ظننا أن هذا هو الإشكال الذي وقع فيه الأستاذ الشاعر الفريد سمعان في مقاله المنشور في صحيفة " التآخي " فلو تهيأ له أن يقرأ " طبل الصفيح " والدراسات المكتوبة عنها لما وصل إلى هذه القناعة .. أرجو من الزميل الفاضل سمعان ومن القراء كافة أن يقرؤوا فصل ( قافلة النمل ) من رواية ( طبل من صفيح ) ليعرفوا موقف غونتر غراس من ألمانيا النازية .
كيف يمكننا أن نتوقع أن ينال كاتب مدح النازية ومجد أفعالها السود جائزة نوبل للآداب وكل هذه الشهرة والانتشار .. كما ترجمت أعماله إلى ما يزيد على ثلاثين لغة عالمية .. مع انه كاتب عسر الهضم كما يقول القاص والروائي العراقي نجم والي – على فكرة تربط غونتر غراس علاقات صداقة مع نجم والي والأستاذة الشاعرة أمل الجبوري . بطبيعة الحال لا يمكننا أن نتاجر بأقلامنا من أجل المكاسب المادية .. ولنعيد إلى الأذهان حكاية الشاعر الفرنسي آرثر رامبو الذي تخلى عن الكتابة عندما أصبح تاجراً للعبيد .. نعم الكتابة حرفة مقدسة .. امرأة جميلة لا يجوز خيانتها .

ليست هناك تعليقات: