الاثنين، 3 يونيو 2013

قصة قصيرة -ليس هذا بالضبط-عادل كامل



قصة قصيرة
ليس هذا بالضبط
عادل كامل
أنه يبدو متعباً بعض الشيء، كذلك دار بخلد السيدة فريال. أن زوجها – وهو يحلق ذقنه – أكثر شحوباً مما كان عليه في الصباح وعلى كل أقتربت منه وسألته:
-         ستذهب إلى المتنزه ..
-         بالتأكيد.
     بيد أنها لم تكن ترغب في مغادرة البيت. على الرغم من المتعة التي تشعر بها وهي تشاهد الحيوانات داخل أقفاصها..خاصة ذلك الأسد المثير للضحك. قالت له أنها لا تعرف لماذا يتم حجز تلك المخلوقات البرية داخل الحديد، كررت داخل الحديد. أنه لأمر مثير للأسى.
     لكنه قال:
-         وهل لدينا الوقت الكافي للحديث عن تلك الأمور.
-         هذا أكيد..لكن مشهد الأسد يبعث في الخوف.
-         ذات مرة رأيتك تبكين.
-         عندما لم أفهم لماذا يحجز الطاووس..ألم تر كيف كان قد فقد ريشه الجميل.
      رفعت رأسها وتأملت قسمات محياه. أنه مازال في سن الأربعين..وعندما ألتقت نظراتهما شعرت برجفة خفيفة جعلتها تكتم صرخة كادت تنطلق منها. أنها تقدر كم ضحى من أجلها، حتى كادت تقول أنها سببت له المزيد من الأعياء. قالت له حالاً:
-         وهل لديك رغبة..يا زوجي العزيز..بالذهب إلى المتنزه أم إلى حديقة الحيوان.
      لم تجد لديها ما تتفوه به. أنها كانت حائرة بين المعارضة والأستسلام لعمل يقوم به من أجلها، وهو الذي يبدو متعباً وشاحباً. نظرت إلى محياه..لم يثرها فيه إلا تلك التجاعيد..التي بدت لها مفزعة تماماً..أن مشكلتها، دار بخاطرها، ليست عدم الأنجاب، أو قتل الزمن الثقيل طوال ساعات العصر والليل. بل ما الذي يمكن أن تقدمه له، هو الذي قدم لها ما لايمكن وصفه.
-         أذن ينبغي أن نغادر؟
      أجابها
-         يقولون أن اللبوة أنجبت..
      قالها فجأة ثم عالج الموقف، في حديثه عن الرياح الباردة..إلا أنها رفعت صوتها بسعادة غامضة:
-         أكيد..
       ترى لماذا جرحت مشاعرها؟ كذلك تساءل مع نفسه: أكان عليّ أن أكون قاسياً؟ لكم ود لو صمت. وتابع حلاقة ذقنه، مثل كل يوم، وبهدوء تام؟ لكن لماذا يحدث هذا كله؟ أجابها بحذر:
-         أنها أشاعات على أية حال.
-         لكني، أيضاً، أكاد لا أصدق، أتتذكر..
-    منذ متى؟ أووه..قبل عقد تماماً. في العام الأول من زواجنا قالوا لنا، هل نسيت، أن ولادة قيصرية أجريت للنمرة البيضاء لكن وا أسفاه رحلت الأم. هل تتذكر ماذا قال لنا ذلك العجوز؟
-         أجل ..
     وحاول التحدث في أمر آخر..قال أنه تعاقد مع شركة جديدة..وأنه سيسافر..
-         ستسافر .. متى؟
-         أنها مجرد فكرة.
      ثم قالت بصوت عال، كأنها لدغت:
-    لكن النمرة ولدت..أليس كذلك؟ رباه..ما هذا الذي يحدث؟ بصمت تساءل، وهو يحدق في عينيها المرتجفتين. كلا. قال بصوت مسموع، أن الأمر لم يكن سوى مصادفة. سكت قليلاً ثم أضاف:
-         هذه ولادات نادرة.. ثم لم هذا الحديث؟
-    أنا أفكر في ذلك العجوز الذي قال لنا، وهو يبتسم، كم يدهشني العشاق الصغار..أنت قلت بلا مبالاة: من المؤسف أن ينطفئ هذا الجمال.
       أنهى حلاقته وحسب أنها تجاهلت الحديث عن ولادة اللبوة إلا أنها تساءلت:
-         هل كانت ولادة طبيعية؟
-         سنذهب إلى الحديقة..
      كانت للحق لا تريد أن تصدمه إذا ما أعلنت أنها تعاني من الصداع أنه يعرف كم عانت منه، لكنها لا تريد، لا تريد أبداً أن تكذب. لم تفعل ذلك قط منذ أعترفت بأنه، هو هو الأبن الذي ملأ حياتها. الوليد العذب الذي لا يمكن أن تمسه الشيخوخة بسوء. لكنها أعترفت بأنها، آنذاك، بعد عشرين سنة، لن تأسف على شيء. ماذا لو مات فجأة ؟ لا تعرف لم دار بخلدها هذا السؤال. ولم راحت تحدق فيه، تراقب  حركاته. هاهو يرتدي ملابسه، ويستعد لمغادرة البيت. كادت تنفجر باكية. أنها لا تريد أن ترى أي شيء في الخارج. ولا تريد أن تستمتع بالذهاب إلى المتنزه. أنها تريد أن تتحدث إليه..تتحدث معه..مثلما يحدث ذلك، غالباً، في الأيام التي لا يذهب فيها إلى العمل، واليوم تريد أن تتحدث..تهمس، تتكلم.   
-         غريب ..
     قالها وهو يتأمل قامتها الطويلة، وشعر رأسها الاسود..كان يتأملها كأنه يراها لأول مرة، ثم اضاف..
-         هل ستخرجين بهذه الملابس.
    لقد أنكشفت نواياها دفعة واحدة..لدرجة أنها كادت تود لو فقدت الوعي، أو غابت عن الوجود..أنها كانت تراقبه طول الوقت. شاردة الذهن . ولم نفكر لحظة واحدة بإرتداء ملابسها يالسخرية، قالت لنفسها أنها لا تعرف ماذا تفعل الآن..أتبوح له بأنها تخاف عليه من البرد؟ أم تكلمة عن حوادث أصطدام السيارات؟ بأي الأسباب يمكن العدول عن النزهة؟ قالت ذلك دون أن تحرك جسدها، الذي تصلب، وقد أحست بالبرودة تسري فيه..
     تمتم بصوت خفيض:
-         أهو الصداع مرة ثانية؟
-         ابداً. أن صحتي جيدة. كنت أتمنى لو كان الصداع.
-         ماذا أذن؟
-         صدقني.
      وشعرت أنها تبتعد عن الصدق فهزت رسها لتقول:
-         أنا لا أفكر بالنمرة..بتلك الأم التي ماتت..
      كان سحدق فيها بشرود تام فهي لم تتحدث عن ذلك الحادث قط كما ركزت عليه الآن، تابعت:
-         ولا بالوليد الجديد.
-         مالذي يشغلك أذن؟
-    لا أعرف بالضبط، أحياناً لا أعلم بأي شيء أفكر. أعرف أني منشغلة بشيء وأني أفكر. لكني لا أعرف كيف مضى الزمن. ساعات طوال تمضي كالبرق ثم أكتشفت أني قادرة على التفكير. أنها إضاعة للوقت إليس كذلك؟.
      لم يجب في الحال، وعندما نظر إليها، أقترب منها. قال:
-         أنت مريض. حسناً لنذهب إلى الطبيب.
-         أبداً..أن صحتي جيدة للغاية. ألا تعلم أني لم أمرض منذ عرفتك عدا الصداع..
-         أعرف. لكنك شاحبة.
-         أنت المريض. ألم تر الشحوب في محياك؟ ثم لمَ هذه التجاعيد كلها؟
-         لم أعد أفهم..
     لكنها صرخت..
-    أنا أخاف عليك، أخاف، لا تقاطعني أرجوك، أخاف عليك البرد ومن حديقة الحيوانات ولا أعرف لماذا تخيلتك قد ضعت في المدينة..ثم ما معنى أن تتنزه؟ كلا ليس هذا الذي دار في رأسي..بل فكرت أنك بحاجة للراحة..أبداً وليس هذا أيضاً..لقد فكرت لو أننا خرجنا فأن أحداً منا سيصاب بمكروه..أنت أو أنا. ليس هذا هو المهم. لقد شعرت أننا سنضع في المدينة..وأن أياً منا لن يرى الآخر..كنت أخاف عليك من الهواء البارد ومن الليل ومن الحيوانات الشرسة ياطفلي..أرجوك..
     قال بهدوء..
-         حسناً .. لن نخرج إذا ً.
-         صحيح؟
      وكان قد أستحال، هكذا تخيلت، إلى طفل. كانت تستمع إلى قهقهاته. طفل في الرابعة..في السادسة من العمر..طفل..وعلى مدى ساعات الليل، لم يبح بكلمة فقد كانت سعادته مثل الموت.
  1988


ليست هناك تعليقات: