الاثنين، 3 يونيو 2013

بيعوا مصفحاتكم وابنوا العراق- كاظم فنجان الحمامي

بيعوا مصفحاتكم وابنوا العراق


جريدة المستقبل العراقي

كاظم فنجان الحمامي

انظروا كيف تصرفت السيدة (جويس باندا Joyce Banda) بسيارات ديوان الرئاسة في جمهورية (مالاوي Malawi), الدولة الإفريقية الأفقر والأصغر, وكيف قررت بيعها كلها لتوفر السيولة لبلادها, التي تمر بضائقة مالية صعبة, وكيف قررت تخفيض 30% من راتبها الشهري, وكيف باعت الطائرة الرئاسية الصغيرة بمبلغ (15) مليون دولار, وهي الطائرة الوحيدة التي تمتلكها بلادها, وكيف ألزمت نفسها بتحمل برامج الترشيد والتقشف في بيتها ومكتبها, وكيف ألغت رحلاتها الخارجية من أجل صيانة المال العام وتقليل النفقات, وكيف قررت خياطة ثيابها بماكينتها المنزلية الصغيرة, وكيف بذلت قصارى جهدها لإصلاح اقتصاد بلادها المشرفة على الانهيار, وكيف حرصت على مؤازرة الطبقات الفقيرة والأسر المتعففة, ووفرت الأرصدة لمشاريعها الوطنية بكل السبل المتاحة. . .
باعت الرئيسة المالاوية (35) سيارة مرسيدس (غير مدرعة), ووفرت (300) دولار كانت تُصرف سنويا على صيانة الطائرة الرئاسية الخاصة ومستلزماتها. .
لا توجد إحصائية رسمية صريحة وواضحة في العراق لأعداد السيارات الشخصية المدرعة, والعربات المنزلية المصفحة, التي يمتلكها الوزراء والسفراء ووكلاء الوزارات والنواب وأعضاء المجالس المحلية ومدراء الشركات والمؤسسات والمراكز والجامعات والهيئات الحكومية ورجال الدين, لكننا نكاد نجزم إن أعدادها بلغت أرقاماً فلكية, ولسنا مغالين إذا قلنا إنها أكثر بكثير من كل السيارات والعربات والعجلات المصفحة في الأقطار العربية كافة, وان مبالغها الإجمالية تكفي لتغطية نفقات شراء أكبر محطات توليد الطاقة الكهربائية, وستكون من أروع الهدايا التي نأمل أن يقدمها أصحاب الدروع والمصفحات للشعب العراقي في هذا الصيف القائظ, الذي يبدو انه سيكون صيفا طويلا, بطول الصيف الذي تمر بها مدن المالاوي الاستوائية, فمتى يقفون معنا في التصدي لهذه البلاوي ؟. .
من نافلة القول نذكر ان قافلة الرئيس العراقي الحالي هي الأطول والأضخم والأفخم من حيث عدد السيارات المدرعة والمصفحة, والعربات المضادة للصواريخ والألغام, والمضادة للعبوات الناسفة والعاصفة, ولا تضاهيها قافلة في عموم أقطار كوكب الأرض, تأتي بعدها في التسلسل قوافل سيارات السادة المسؤولين. .
قد يقول قائل منهم: إن الأوضاع الأمنية المتأرجحة هي التي اضطرتهم للاختباء خلف الحواجز الكونكريتية, والمصدات الخراسانية, والأسلاك الشائكة, وهي التي اضطرتهم لركوب السيارات المصفحة, وأجبرتهم على اقتناء احدث موديلاتها, وأجودها متانة, وأكثرها ضماناً لسلامتهم وسلامة أفراد أسرهم, فنقول لهم: نعم هذا صحيح, ولكن من يحمينا نحن من العبوات الناسفة, والسيارات المفخخة, والمسدسات الكاتمة, والعيارات النارية الطائشة ؟؟. .
السيدة (جويس باندا) من مواليد نيسان (أبريل) 1950, تولت الرئاسة في الشهر نفسه من عام 2012 خلفاً للرئيس الراحل (موثاريكا), هي ليست مسلمة, لكنها آمنت إيماناً قاطعاً بالمبدأ الإسلامي الذي يقول: ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)), وآمنت بمبدأ ((رأس الحكمة مخافة الله)), فهي تخشى الله وتعبده وحده, ولا تخشى العصابات الإرهابية, ولا الميليشيات المسلحة, ولا تفكر بحماية نفسها وأسرتها فقط مثلما يفعل جماعتنا, في الوقت الذي نتعرض فيه نحن لبراكين الجحيم, التي أحاطت بنا من كل حدب وصوب. .
بالأمس القريب قدمنا للقارئ الكريم مثالا رئاسياً رائعاً من الأورغواي, فتحدثنا بإسهاب عن سيارة الرئيس (خوسيه موخيكا), والتي كانت عبارة عن عربة من الطراز القديم, من نوع (فولكس واغن), لا يزيد سعرها في معارض السيارات العراقية المستهلكة عن (800) دولار فقط, وتحدثنا في مقالة منفصلة عن الدراجة الهوائية التي يركبها رئيس الوزراء الهولندي (روتتي) في جولته اليومية من وإلى مقر عمله, وتحدثنا كثيراً عن دراجة رئيس الوزراء البريطاني (ديفيد كاميرون) التي يركبها في عطلة نهاية الأسبوع أثناء قيامه بالتسوق, ونتحدث اليوم عن هذه المرأة التي تعد الرئيسة الأولى في بلادها, والثانية في عموم البلدان الإفريقية, وشاهدنا كيف باعت طائرتها الرئاسية اليتيمة, وكيف تخلصت من سياراتها كلها, فوفرت المال العام, وتجنبت الإسراف والتبذير, واختارت ركوب أوتوبيس الأجرة في تحركاتها اليومية بين بيتها ومقر عملها في القصر الجمهوري, فمتى تبيعون مصفحاتكم ومدرعاتكم وحقولكم وبساتينكم وقصوركم حتى تبنوا العراق, وتقفوا مع الفقراء في محنتهم ؟؟. . .


ليست هناك تعليقات: