صناديق الأسرار
انه يكتم أسرار الآخرين، حد
محوها في نفسه، ولا يبوح بها حتى لو كان الثمن كبيرا ً. ذلك لأنه يعدها جزءا ً من
مقدساته. أما أسراره الخاصة، بل والعامة، فانه لا يبالي عن إعلانها، بمنتهى
الصراحة، والجرأة، ومن غير اكتراث. وها
هو احد زملائه المقربين إليه، يسأله:
ـ إذا كنت تبوح بأسرارك للجميع، فكيف إذا ً تحافظ على أسرارنا، وأسرار الآخرين؟
ـ أرجو ان تعلم، يا زميلي، انني من المستحيل ان أبوح بسر من وضع ثقته بي،
أما أسراري الخاصة فانا لا احرص عليها، حتى انك تستطيع ان تأخذ منها ما تشاء! ولكن
عليك ان تعلم، ان لي أسراري التي محوتها في نفسي، فهناك الأخص على الخاص!
ـ هذه فلسفة، كما أظن..؟
ـ هل بإمكانك، لطفا ً، ان تعرّف لي، ولو على نحو بسيط، ما تقصده
بالفلسفة..؟
ـ نحن لسنا في قاعة الامتحانات.
ـ إذا ً لماذا تظن انني أتفلسف..؟
ـ محض استفسار..، أو لنقل محض شطحة لسان، أو دعها مداعبة!
ـ أنت شخصيا ً كنت وثقت بي، في وقت ما، وكنت كشفت لي بعضا ً من أسرارك، فهل
بحت بها لأحد ..، أو سمعتها على لسان الآخرين..؟
ـ لا أبدا ً. وأنا، للحق، أشكرك من الأعماق.
ـ عفوا ً، ولهذا اكرر ما قلته، لك، وهو انني لم أبح بأسرار الآخرين، ثم ان ما
أبوح به، فلا علاقة له بالأسرار، كما انني طالما تجنبت الإساءة للآخرين.
ـ بكل تأكيد، وأرجوك ان تقبل اعتذاري.
ـ وأنا اعتذر أيضا ً، وربما كان حواري معك فيه بعض القسوة، أو الجفاء.
ـ أنت لم تقل إلا الحقيقة، ولهذا أرجو ان تقبل دعوتي لعشاء هذا اليوم.
ـ العشاء فقط..؟
ـ والأشياء الأخرى أيضا ً، فانا اعرف ماذا تقصد.
ـ إذا ً، تصفيق للأخ ثابت!
يصفق الجميع، ليقول احدهم،
متسائلا ً:
ـ سأروي لكم جميعا ً سرا ً اخبرني به الأستاذ مصطفى، فهل تسمحوا لي ..
ـ لا أبدا ً، بل عليك ان تكتمه! الم ْ تسمع المثل القائل: " وكل سر
جاوز الاثنين مفضوح" بينما أنت تريد ان تبوح به لخمسة من الحاضرين... لا، لا
يجوز يا أخي!
ـ إذا ً، سأغلق فمي، ولن أبوح به. وأنا أشكرك.
ـ كن صندوقا ً مقفلا ً، كن صندوقا ً بلا قفل!
وقال آخر معقبا ً:
ـ تُرى هل سنقضي هذه الليلة ونحن نتحدث في موضوع الأسرار..؟ أليس هناك
موضوعات أخرى ..؟
ـ نعم، وسأحدثكم عن موضوع الحب، والأحباب، والعشق، والعشاق..!
ـ هذا ما نود سماعه.
ـ ولكنني اقترح ان نؤجل موضوع الحب، والمحبة، إلى ما بعد العشاء، أو بعد
الكأس الثالثة!
ـ لماذا ..؟
ـ لأننا آنذاك نكون قد بلغنا نشوتنا الكبرى، وليس لدينا ما نكتمه!
ـ فعلا ً.
ـ إذا ً، في صحتكم جميعا ً، يا صناديق الأسرار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق