معمل سجاد الحلة اليدوي ...
أنتاج نوعي مميز !!!
حامد كعيد الجبوري
كثيرون يفخرون بتاريخهم وأرثهم التراثي والحضاري ، وبابل
الفيحاء تفخر بتاريخها وتراثها و بصناعاتها النسيجية اليدوية أيضا ، وتشتهر مدينة
( الحمزه ) بصناعة ( البسط ) التي تفرش في البيوت والدواوين العشائرية ، وتشتهر
الحلة أيضا بمجموعة كبيرة من النساجين ، ويسمونهم العامة ( الحياج أو الحياك )
ومفردها حائك أو ( حايج ) ، ولدينا أسر
حلية يلقبون ب( آل الحايج ) ، وسابقا الحياكة عبارة عن حفرة ( جومة ) وملحقاتها من
( نبوب ) وغيرها ، وعند وضع الخيوط على أخشاب معينة فالخيوط العمودية المقابلة
لصدر الحائك يسمونها ( السده ) ، وأما
الخيوط التي تنزل بشكل أفقي مع صدر الحائك تسمى ( لحمة ) ، والنساجون يختصون بمهن
كثيرة للنسيج ، فمنهم من ينسج ( العباءة ) الرجالية ، ومنهم من يصنع ( البسط ) ،
ومنهم من يصنع ( الشف ) وهو عبارة عن خيوط غليظة مصنوعة من الصوف تستخدم كغطاء
للنائم شتاءا ، ويختلف النساجون بمهاراتهم وكل حسب سرعته وإتقانه عمله وأنواع الأصواف أو الوبر – شعر
الإبل - الذي يستخدمه ، ومن يتابع عمل هؤلاء النساجين يجد أن الحجم الذي ينتج قليل
جدا مساحة وعددا ، وأعني بالمساحة هي قياسات ذلك المنسوج اليدوي لأن ( الجومة ) لا
يتجاوز عرضها عن 90 سم ، ولكننا حين نلاحظ صناعة السجاد اليدوي الإيراني نجد
مقاساته كبيرة وهذا متأتي من تحويل تلك الحفرة ( الجومة ) الأرضية الى ( جومة )
عمودية أو ما أصطلح على تسميته علميا ( النول ) ، والسؤال كيف ذلك ؟ ، وجوابه بسيط
وسهل حيث أنهم يضعون أعمدة خشبية أو حديدية وفق المقاسات المطلوبة ، والنساج يجلس
على أريكة ويعمل أكثر من شخص على هذه الآلة الجديدة ، ولكن الحفرة ( الجومة ) لا
تستوعب إلا عاملا أو نساجا واحدا فقط ، وربما يتناوب أكثر من نساج على تلك (
الجومة ) ، وهذا ما وجدته في معمل السجاد
اليدوي الحلي ، بمعنى أن ( الجومة ) الأرضية الصغيرة حولت الى نول ممكن التحكم
بعرضه حيث ما يشاء النساج 1 م ، أو 3 م ، أو أكثر حسب المقياس المراد صنعه ، والمعمل
بثلاثة قاعات ضخمة وفي كل قاعة مجموعة من النول العمودي ( الجومة ) وتعمل على كل نول أكثر من نساجة كل
تجلس على اريكتها ( مسطبة ) المتشعبة من ذلك النول ، وفي كل قاعة بحدود 40 عاملة نساجة ، ولكل قاعة
مراقبة خاصة لتشرف على العمل أولا وعلى نوعية الإنجاز ثانيا ، ورافقتني بزيارتي
لمعمل السجاد اليدوي المشرفة النوعية لمعمل السجاد الست ( رباح حمزه محمد ) وكانت
عارفة بكل خبايا عملها الممتع والمتعب ، في القاعة رقم 1 وجدت الكثير من القطع
التراثية النسيجية التي تعمل عليها النساجات ، وسمعت من أحدى النساجات ( نورية
محمد عكروك ) ولها خدمة بحدود 11 سنة أكثر من شكوى ، وشكواها تخص عملها لأن
الكهرباء متواصلة في القطع ولو استعاضوا بالمولد الداخلي فسيخسرون التبريد صيفا ،
والتدفئة شتاءا لأن عملهم بقاعات كونكريتية كبيرة وسقوفها من الأسمنت ، وتشتكي
أيضا من قلة الرواتب حيث أن رواتب النساجات تتراوح من 350 _ 450 الف دينار وهو
مبلغ لا يغطي حاجة العائلة العراقية حاليا ، وأكدت المشرفة على القاعة الست ( سعاد
محمد جاسم ) ما قالته زميلتها النساجة
وأضافت أن أغلب بنات المعمل يصبن بأمراض
في المشيمة بسبب جلوسهن القرفصاء لنسج ما يطلب منهن ، وتضيف أيضا أن المتزوجات من
النساجات يتأخرن كثيرا بالحمل بسبب هذا المرض ، وفي القاعة الثانية التي تشرف عليها الست (
نعيمة عيسى ) وجدت عملا نسيجيا غاية بالروعة وهو مرقد الإمام علي بن أبي طالب ( ع
) ، والذي ينسج على قطعة مساحتها 1م x78 سم وهو من عمل النساجة ( حنان ناجي ) ، والقطعة التي تعمل عليها
تستعمل لها الحرير الطبيعي ، وقطعة أخرى
بنفس الحجم لقبة الإمامين الكاظمين عليهما السلام ، وسجادة أخرى بنفس القياس تقريبا للقيثارة
الشهيرة ، وفي القاعة رقم 3 ومشرفتها الست ( سحر محمد ) وجدت ان هناك نساجات يعملن
لإنتاج البسط الصوفية التي تفرش في دواوين ( مضيف ) شيوخ العشائر ، واصطحبتني السيدة المشرفة ( رباح حمزه محمد )
لزيارة المخزن المخصص لحفظ هذه المنسوجات ، ومسئولة المخزن الست ( أزهار عبد
الحسين ) ، وفي خزانتها أطلعتني على أعمال غاية في الروعة من عمل نساجات المعمل ،
إضافة الى السجاد اليدوي الذي ينتج وبقياسات وأحجام مختلفة ، وتشكل لدي جملة أسئلة
لا أجد أجابتها إلا عند مدير المعمل وفعلا وجدت الرجل متابعا وشغوفا لعمله
واستخلصت منه الكثير ، المهندس ( كاظم محمد العوادي ) واكب المعمل منذ تأسيسه
تقريبا و سبقه اثنان من المدراء ، ويقول السيد العوادي أن المعمل أسس عام 1993 م ،
وتولى إدارته عام 1994 م ، وكان المعمل فترة النظام المجتث يسلّم كافة المنتج من
سجاد وغيره الى وزارة الصناعة وهي التي تتولى عملية بيعه لمن يرغب في الشراء ، وبعد
سقوط الصنم تغيّر الحال في تصريف منسوجات المعمل وبقيت مركونة في مخزنها ، وحصلت
موافقة وزارة الصناعة على البيع المباشر للمنتج اليدوي ، وبرز هنا عمل السيد مدير
المعمل وتحرك بصورة خاصة مع العتبات المقدسة وفعلا تم التعاقد معه لعمل قطع نسيجية
تمثل مقام أمير المؤمنين علي ( ع ) ، أو المراقد المقدسة الأخرى كالإمامين العسكريين
( ع ) ، والإمامين الكاظمين ( ع ) ، ومرقد
الإمام العباس ( ع ) ، والمراقد الأخرى ، وهنا بدأ النشاط يدب في أركان المعمل
وخاصة أن علمنا أن القطعة الواحدة تحتاج لأكثر من ثلاثة أشهر لإنجازها ، وأن حصل
هناك ما يسمى بالحوافز فيمكن اختصار هذه المدة لشهرين ، ناهيك أن طلبات كثيرة بدأت
تصل من المواطنين لاقتناء مثل هذه القطع النسيجية اليدوية ، ولأن الفترة الزمنية
لإنتاج هذه القطع ليست بالقليلة لذا أرتفع سعر مترها المربع ، والقطع التي تنسج من
القطن والصوف الملون يباع المتر المربع من 200 --450 الف دينار ، والقطع التي تنسج
من خيوط القطن مطعمة بالحرير الطبيعي فالمتر المربع يباع ب 750 الف دينار ، ويقول
المهندس السيد كاظم الآن بدأ بعضا من أعضاء مجلس محافظة بابل والمحافظات الاخرى ، ومن الإدارة المحلية لحكومة بابل زيارة المعمل
والتعاقد على منسوجات تراثية عراقية تقدم كهدايا للوفود الرسمية التي تزور
المحافظة ، أو لأخذها كهدية الى الدول التي تزار من قبل المسئولون في محافظة بابل
، ويقول السيد مدير المعمل أن السيد رئيس هيئة استثمار بابل المهندس ( علاء حربه )
خرج وفدا لإحدى الدول الأوربية مع مجموعة
كبيرة من المسئولين العراقيين ، وقدم هؤلاء الأشخاص هدايا الى الدولة الاتي ضيفتهم
وكانت المفاجئة أن قدم المهندس ( علاء حربه ) قطعة نسيجية تمثل باب عشتار التي
أدهشت الشخص الذي أستلمها واعتبرت أجمل هدية تقدم له ، ويضيف السيد العوادي مدير
المعمل أن غرفة تجارة بابل دأبت على شراء منسوجات المعمل التراثية لتقديمها كهدايا
الى زوار غرفة تجارة بابل من الدول العربية ومن دول العالم أيضا ، ويتمنى السيد
مدير المعمل على تجار مدينة بابل ومواطنيها اقتناء مثل هذه القطع التي تعتبر غاية
في الجمال ، وجودة المنسوج اليدوي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق