فقيد العراق والطب
المرحوم الاستاذ الدكتور مهدي مرتضى
يعز علينا ويملأ قلوبنا الحزن بانتقال علم آخر من أعلام الطب العراقي الاستاذ الدكتور مهدي مرتضى الى دار الخلود وهو بعيد عن وطنه الذي أحبه وتمنى أن لايتركه، ولكن "إذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولايستقدمون" صدق الله العظيم.
لقد سمعت بالاستاذ المرحوم مهدي مرتضى وأنا في الصف الرابع من كلية الطب، جامعة بغداد، ولكن للأسف لم أوفق بأن أتتلمذ على يديه مباشرة في الردهات الطبية في المستشفى الجمهوري ولا المحاضرات النظرية. ولكن وجوده كان ظاهرا في آفاق الطب تعليما وبحثا. التقيت بالمرحوم في مناسبات علمية عديدة؛ كطالب وطبيب مقيم وعضو في الهيئة التدريسية في كلية الطب وكنت من المبهورين بكفاءته الطبية وبهدوءه وخلقه العالي.
لقد عرف عن المرحوم بانه شعلة نشاط وحيوية شغوفا بحب عمله وخدمة الجميع بأفضل صورة، لاتفارقه الابتسامة الهادئة التي تبعث الثقة بالنفس لدى الطلبة والمقيمين والمرضى.
عرفت الاستاذ مهدي رحمه الله كباحث بالاضافة الى تميزه في الطب السريري من خلال بحث كان قد نشره في مجلة الكلية الطبية العراقية في الستينات من القرن الماضي. كان البحث حول الجلطة الدموية الوريدية في الساقين عند المرضى الراقدين في العناية القلبية المركزة.
وخلال تدريبي في المملكة المتحدة وفي العام 1975 لفت نظري الى أن نسبة الجلطة الدموية الوريدية في الساقين تفوق بكثير عند المرضى الراقدين في قسم الجراحة العصبية في المستشفى الجامعي في ليدز في انكلترا عما استنتجه الاستاذ مهدي عند المرضى العراقيين بالرغم من تشابه الظرفين. حفزني ذلك على أن أقوم ببحث مقارن مفصل حول تلك الاصابة وبمشاركة اختصاصي أمراض الدم الشهير الاستاذ الدكتور بيتر كيرنوف (قبل انتقاله الى الكلية الجامعة في لندن) وفريقه في قسم ومختبر امراض الدم. فكان بحث الاستاذ مهدي من الرصانة بمكان بحيث اعتمد كمرجع مقارنة موثوق به.
وفي العام 1979 شملته النكبة التي حلت بكلية الطب حينما أحيل على التقاعد مع المجموعة الخيرة من أساتذة الكلية في قمة عطائهم والذين لم يتسنًّ لهم تسليم الراية الطبية للجيل الذي تلاهم مما سبب انتكاسة في مسيرة الطب في العراق.
وخلال التحضير للمؤتمر الذي عقد في الاكاديميات العلمية الوطنية الاميركية لجمع الجالية العراقية العلمية في الولايات المتحدة في العام 2009، تشرفت بالحديث معه على الهاتف وقدمت له الدعوة بأن يساهم كأحد الكواكب الساطعة في المؤتمر ولكنه اعتذر بسبب سوء صحته.
وأقول انه لايسعني أن أضيف على ما سطره الفاضل سلام كبة في تأبينه الموسوم " رحيل الدكتور المتمرد مهدي مرتضى "، إلا ان أذكر بان المجتمع الطبي في العراق والوطن العربي قد خسر بفقدان الاستاذ مهدي مرتضى قمة من قمم الطب لايمكن تعويضها، وبرحيله طويت صفحة ناصعة أخرى من تاريخ الطب العراقي وخسرنا مثلا أعلى في الخلق الطبي والتفاني في خدمة القيم الانسانية والطبية والتربوية.
أعزي عائلة الفقيد؛ وعديله أخي الاستاذ الدكتور سعد الوتري وقرينته، وكذا كل من زامل المرحوم وعمل معه في مسيرة الطب، ومن تتلمذ على يديه، ومن رافقه في طريق الحياة الشاق الذي سلكه في الفترات العصيبة التي مر بها خلال سني حياته الحافلة.
وأدعو الله جل وعلا ان يلهم الجميع الصبر والسلوان.
وإنا لله وإنا اليه راجعون
عبد الهادي الخليلي
واشنطن في 30 كانون أول 2011
هناك تعليق واحد:
مدونه رائعه شكرا لمجهوداتكم
إرسال تعليق