الخميس، 21 يوليو 2016

انتصار وقصص قصيرة أخرى-عادل كامل




انتصار وقصص قصيرة أخرى





" وقد أشار لورينتس إلى أن العدوان عند الذئاب مثلا ً لا يدوم ما يدوم العدوان عند الإنسان. فالذئاب تتقاتل بكل شراسة، ولكن إذا تقاتل ذئبان ورأى احدهما انه مغلوب ولا محالة فانه يقوم في الحال بإجراء حركات استرضائية وينتهي القتال. وليس من العادة أن يستمر القتال حتى الموت، ولا أن يعدو الذئب المظفر على أنثى الذئب المغلوب وجرائه. ولعل السبب في ذلك أن الذئب إنما يقاتل فحسب، ولا يتحدث عن قتاله فيما بعد للذئاب الأخرى ولا لنفسه، وليس لديه لغة مشحونة بالانفعالات يستطيع بواسطتها أن يبقي دوافعه العدوانية ناشطة فعالة حتى بعد أن يكون السبب المباشر للعدوان قد انقضى."
                                                  روبرت هـ. ثاولس




عادل كامل                
[1] انتصار
   نصف الأرانب البيضاء اشتبك في صراع ضد نصف الأرانب السوداء، فانتصر نصف الأرانب السوداء على نصف الأرانب البيضاء، من ثم، اشتبك نصف الأرانب السوداء ضد النصف الآخر للقضاء عليه، حتى انتهى الاشتباك إلى خسارة الجميع المنازلة. آنذاك قال زعيم الأرانب البيضاء يخاطب عدوه:
ـ لِم َ اعتديتم علينا؟
فرد الآخر بغضب:
ـ بل انتم من بدأ العدوان علينا.
    فراح كل منهما يهاجم الآخر بكل ما كان يمتلك من كلمات لاذعة!
ـ فانتم السود أصل البلية..
ـ بل انتم البيض سببها...
    ليدوم النزال فترة غير قصيرة من الوقت، أفضت بكليهما إلى التعب، حد الإعياء، فاقترح الزعيم الأول المصالحة، ليجد الآخر يقول متمتما ً بصوت مسموع:
ـ الآن كسبنا الحرب!

[2] مستقبل
     سألت الحمامة الحمل الذي وضعته أمه توا ً:
ـ ها أنت خرجت من الظلمات إلى النور...، فما الذي تحلم أن تكون عليه في المستقبل..؟
 ابتسم الحمل وأجابك
ـ وهل يحق لي أن اختار مستقبلي، كي احلم به...، وأنا لم أبصر النور إلا كي أرى كم الظلمات هي بلا حدود؟
ـ آه ...، ما هذا الإسراف في التشاؤم...؟
   ضحك الحمل:
ـ  وهل كان علي ّ أن أقول لك: إن كل ظلمات المستقبل لن تقدر على إطفاء هذا القليل من النور؟
ـ ولكني لم اطلب منك الإسراف في التفاؤل.
ـ حرت معك يا أيتها الحمامة....!
فقالت بحزن:
ـ  لأنني شخصيا ً كلما عثرت جواب، وجدت نفيا ً له...، وها أنت تجعلني أغادر هذه الدنيا بجهل تام! فقلت لنفسي: لعل هذا الحمل البريء يرشدني إلى الدرب...، وقد ظهر لي انك لست بحاجة إلى أن تدفن معرفتك معك!

[3]  كابوس
     بعد ساعات قضاها الحمل مذعورا ً، نجح أخيرا ً في النوم لثوان معدودات، آفاق بعدها أكثر ذعرا ً، إنما ليجد انه تحول إلى ذئب. فلم يصدق ما جرى له لولا انه شاهد فرار الجميع من الزريبة...، الخراف والنعاج وحتى الكلب الذي طالما حماه من هجمات الذئاب توارى أيضا ً.
فسأل نفسه:
ـ هل حقا ً يمكن أن يصبح الحمل ذئبا ً، بعد أن شاهدت بعض الذئاب استحالت إلى نعاج، والى أرانب، بل والى ضفادع وديعة لا تنق ولا تستغيث!
    اقتربت منه ضفدعة كان يعرفها، فسألته:
ـ أراك حائرا ً أيها الصديق العزيز؟
ـ سيدتي...، أنا لا اعرف أكنت حملا ً حقا ً وأصبحت ذئبا ً، أم أنني استعدت حقي المغتصب؟
ضحكت الضفدعة حتى كادت تفطس من الضحك:
ـ  سيدي الذئب...، لا تكترث...، فعندما تستيقظ صباحا ً ستدرك  الحقيقة بلا تمويه أو زيف...، هذا إذا لم يرسلوك إلى المسلخ، في هذا الليل ...، وأنت لم تفق من هذا الكابوس بعد!


[4] مصير
   نظر الحمار إلى القطيع وتمتم مع نفسه: عشرة آلاف خروف...، عشرة آلاف ثور...، عشرة آلاف عنزة...، عشرة آلاف كبش...، عشرة آلاف بقرة... ليسأل نفسه: وأنا لم آت إلى هذه الدنيا إلا بنجاتي وحدي من أصل ثلاثة ملايين حيمن...قذفتها الذكور في أرحام الإناث، وكم ـ هو ـ عدد الحيامن التي نفقت، ولم تر النور، ولم تصبح واحدا ً من هذا القطيع؟
    سمع الحمار حمامة تهمس في آذنه:
ـ الحيامن التي فكرت في مصيرها، أيها الحمار، هي الآن في السماء! لأنها لم ترتكب إثما ً، ولم تدنس ضميرها بخطيئة، لم تسرق، لم تزور، ولم تقم بأفعال شنيعة!
ـ آ .....
وراح يبكي بحرقة حمار كانت مهمته حمل الأوزار.
اقتربت الحمامة منه وسألته:
ـ أراك تبكي؟
ـ وكيف لا ابكي، حيث لست أنا من اختار النجاة، من أصل ثلاثة ملايين حيمن نجو وصعدوا إلى الأعالي، بعد أن وجدت نفسي فوق الأرض، كي ادفن فيها، ولا أمل لي بالصعود إلى السماء مع أشقائي الأبرياء، وقد أمضيت حياتي لا احمل إلا هذه الأثقال الجسام؟
 ولكنها قالت له تطمئنه:
ـ لا تكترث..، إنها مسألة وقت، فالكل في الفضاء!

[5] هزيمة
    بعد انتهاء النزال، في المصارعة الحرة، شعرت الضفدعة بالزهو...، بعد انتصارها على كبير الثيران.
فاقتربت منها نعجة وسألتها:
ـ كيف حصلت هذه المعجزة؟
ـ اخرسي! لا معجزة في الأمر...، الثور راح يصارع ظله، في محاولة للبطش به، وانتزاع النصر منه...، بينما أنا كنت جالسة فوق رأسه، بين قرنيه، حتى خارت قواه، واستسلم، فوجدت الحكم يرفع كلتا يدي، والثور لا يصدق انه خسر الرهان! فقلت للثور: في المرة القادمة لن ادعك تفلت مني، وستلقى ما هو أبشع من الهزيمة!
  فقالت النعجة مذعورة:
ـ  ابن كلب من يدخل حربا ً يجهل أن النصر فيها اشد مرارة من خسارتها!


[6] سؤال
   سأل الحمار نفسه:
ـ ماذا لو استيقظت ووجدت نفسي تحولت إلى حصان...؟
   سمعت الأتان كلماته فهمست في آذنه:
ـ سيكون ابننا بغلا ً!


[7] لا غرابة
   راحت الحمامة تنوح، وتستغيث، وتصرخ:
ـ يا معشر الغربان...، يا معشر التماسيح، يا معشر الجرذان، لقد رأيت أني تحولت إلى أفعى!
   اقترب كركدن منها وطمأنها:
ـ  لا تفزعي ...، ولا تخافي، فأنا نفسي حلمت أني أصبحت سمكة! وجاري حلم انه تحول إلى نبات!
ـ عجيب أمر هذه الحديقة...، الصرصار تحول إلى سبع، النمر صار يرقص فوق الحبال، والجرذ يقود الذئاب، الصقر يحرس جحور الأرانب..، والبوم قدوة للنسور...، ما اغرب ما يحدث في هذه الحديقة...
ـ وما الغريب في الأمر...، سيدتي، عندما أصبحت السماء تمطر علينا حلوى بيضاء مراراتها اشد نعومة من الشهد، وقد استحالت الأشجار، والحجارة، والممرات إلى رماد!


[8] حروب
   سألت الحمامة جارتها، وهما يشاهدان أعمدة الدخان ترتفع عاليا ً وتغطي سماء المدينة:
ـ ما الذي يجعل هؤلاء البشر لا يكفون عن الاقتتال، وشن الحروب، وتدمير مدنهم... وكأن كل طرف أوكلت له مهمة سحق الآخر، ومحوه من الوجود....، بينما نحن معشر الحمام لا نكف عن الهديل.
   أجابت الحمامة جارتها:
ـ آ ...، أصبحت لديك ذاكرة...، وصار لك عقل، وتتكلمين أيضا ...؟!
  فلم تجد إلا ردا ً واحدا ً:
ـ هذه هي إذا ً أسباب حروب البشر بعضهم مع البعض الآخر؟
ـ وتستطيعين إضافة سبب آخر ربما هو من أكثرها غرابة: فالكل لا يرغب إلا بمحو الكل، ولكن بذريعة الانتصار، والمجد، والخلود!

[9] هدية
   وقف الحمل بجوار قفص الذئب، وقال له:
ـ الآلهة أرسلتني إليك!
ضحك الذئب وقال له:
ـ  اذهب واخبر الهتك، أيها الحمل، أن تطلق سراحي من هذا القفص أولا ً...، فانا ـ بعد ذلك ـ سأرسلك هدية إليها!


[10] حبال
   خاطب النمر الذي كان يمشي فوق الحبل، في السيرك، زميله النمر:
ـ تخيّل ...، لقد أصبحنا نجيد المشي فوق الحبال، والرقص عليها، أفضل من البشر!
ـ هذا يدل إننا أيضا ً ننحدر عن أسلافنا القرود!
ـ ولكني لم اقصد الإساءة إلى أسلافنا!
ـ ولا أنا فكرت بشتم بني البشر! لأننا، جميعا ً، حتى لو نجد حبالا ً نمشي فوقها، أو نرقص، فان حبال هذه الحديقة لن تدعنا نعيش بسلام!
17/7/2016
 

المثقف المومس-*تحسين الخطيب

المثقف المومس

*تحسين الخطيب



ذات ليلة، في العام 1880، حلّ جون سوينتون ضيفًا على مأدبة أقامها على شرفه نادي الصحافة في نيويورك، بمناسبة تقاعده. فجأة، قام أحد الحاضرين، برفع نخب في “صحّة” الصحافة الحرة. لم يرق ذلك إلى سوينتون، فانفجر غاضبًا، قائلًا لزملائه الحاضرين: “إنهم يعرفون جيدًا، مثلما يعرف هو، بأن لا وجود لصحافة حرة في أميركا، على الأقلّ في تلك اللحظة من التاريخ”.
ثم أكمل الصحفي العريق (والذي عمل في صحيفة النيويورك تايمز، رئيسًا لهيئة محرّريها، وفي صحف عريقة أخرى، منذ ستينات القرن التاسع عشر وحتى مطلع القرن العشرين) خطابه قائلًا: “إنهم لا يجرؤون على كتابة آرائهم الصادقة، لأنهم يعرفون مسبقًا، بأنّ آراءهم تلك لن تنشر”. ثم ذكّرهم بأنهم يتقاضون رواتبهم لإبقاء آرائهم الصادقة بعيدًا عن الصحافة، وإلّا وجدوا أنفسهم في الشارع، باحثين عن وظائف أخرى. إنّ عمل الصحفي، يكمل سوينتون خطابه، هو: “أن يخرّب الحقيقة، وأن يكذب تمامًا، وأن يُحرّف، وأن يفتري، وأن يتزلّف عند قدميْ عجل الذهب (سلطان الجشع)، وأن يبيع بلده وأبناء جلدته لقاء خبزه اليومي”.

ثم يختم خطابه، بمقولة صارخة: “إننا أدوات الرجال الأغنياء الذين خلف الكواليس، وعبيدهم. إننا كراكوزات، فحين يشدّون الخيوط، نرقص. كل مواهبنا، وإمكانيّاتنا، وحيواتنا، هي ملك رجال آخرين. إننا مومسات مثقّفات”.

نعم، إنه زمن "المثقف المومس". زمن الذين يسجدون، ليلا ونهارا، عند قدميْ “عجل الذهب”.

وليس ثمة بالغ اختلاف بين تلك اللحظة التاريخية التي قال فيها سوينتون خطابه الشهير ذاك، وبين اللحظة التاريخية الفارقة، والحاسمة، التي نعيشها الآن في العالم العربيّ. وهي لحظة لم تكن أشدّ وضوحًا، تاريخيًّا ومعرفيًّا، ممّا هي عليه الآن. ولا أقصد بالوضوح، وضوح الرؤية والقدرة على قراءة الأحداث واستنباط مقدّماتها، واستشراف مآلاتها، فحسب، وإنما، أيضًا، على صعيد وضوح “صورة” المثقف العربي على نحو لا تأويلات فيه مختلف عليها كثيرًا. فهو إمّا في صفّ الشعوب وتوقها إلى الحرية، أو في صف الطغاة والمستبدين، منافحًا عنهم، ومبرّرًا جرائمهم بكل ما أوتي من قوّة وعزم.

لقد أسقطت ثورات الربيع العربي جميع الأقنعة، وأماطت اللثام، على نحو واضح وجليّ، ولا لبس فيه (وإن اختلفت مفردات القراءة الواحدة) عن كثير من مثقفين عرب كنا نعتقد، لبرهة مديدة، بأنهم من أشدّ الحالمين بالحرية. فما إن اندلعت الثورات، حتى عاد هؤلاء المتلوّنون المزعومون إلى كهوفهم الإثنيّة الضيقة، وراحوا يقتاتون على كلّ ما تدّخره تلك النزعة الضيّقة من حقد وكراهية تجاه الآخر، كلّ الآخر.

فلا يمكن لأيّ شخص يدافع عن الجرائم الوحشيّة الفظيعة التي يرتكبها طغاة العرب ومستبدّوهم ضد الأطفال والنساء، أن يكون “موضوعيًّا” في دفاعه ذاك، حتى ولو بلغت الحجج والذرائع التي يسوّقها عنان السماء؛ كما لا يمكن أن يكون ذلك الشخص، بالنسبة إليّ على الأقلّ، إلاّ واحدًا من اثنين: إمّا مرتبطًا، أساسًا، ومنذ أن قذفته أقداره الحمقاء في أتون الثقافة، بأجهزة تلك الدول، أو هو قابض مالًا (أو منصبًا) لقاء خدماته المعرفية/التبشيريّة تلك. وما يفضح هؤلاء، شر فضيحة، هو عندما نراهم يتألّمون، إنسانيًّا، ويتلوّون كالأفاعي، على شاشات التلفزة، وعلى صفحات المجلات والجرائد، وفي فضاء الإنترنت والمواقع الإلكترونية، وهم يبكون على دماء ضحايا هذا الطرف، دون سواه. فأيّ إنسانية ملطخة بالدماء هي هذه. وأيّ بشر هم بحق الجحيم هؤلاء!

يذكرنا الشاعر الأميركي تشارلز سيميك، في كتاب يوميّاته، “المسخ يعشق متاهته”، بأن الطاغية الذي يتلذذ بقتل بشر كثيرين، يحتاج إلى المثقفين من أجل “تقسيم القتلة إلى أخيار وأشرار”، ولتفسير أن شرّ هؤلاء الطغاة وبطشهم هو من أجل مصلحة الناس. ثم يذكّرنا، أيضًا، بأننا حين “نعجب كثيرًا بالقتلة الجماعيّين، المتعطّشين للدماء، الذين بين ظهرانينا… فمن الواضح بأنّ الأمّة تشعر، بشدّة، بأنّ البؤس الذي في العالم لم يكن كافيًا، وأنّ المزيد مرغوب فيه، لذا، بالطّبع، فإنّ المزيد هو ما سوف نحصل عليه”.

إنه زمن "المثقف المومس" في أقصى تجليّاته. زمن الكذب والعنف، حيث تصبح فيه “الضرورة الملحّة لجنون المرء، مسألة كرامة لا أتوقّع أن يفهمها أحد”..
____
*العرب


التاريخ : 2016/07/15 05:06:30

الثلاثاء، 19 يوليو 2016

السومريون وارتباطاتهم الفضائية المذهلة-كاظم فنجان الحمامي












السومريون وارتباطاتهم الفضائية المذهلة


كاظم فنجان الحمامي

كبرنا ولم نعرف أن الحضارة السومرية هي أولى الحضارات في كوكب الأرض، وهي أقدمها وأكثرها تطورا، فقد درسنا في مقرراتنا المدرسية تحولات التاريخ الأوربي بكل تفاصيلها المملة، ابتداء من طغيان محاكم التفتيش، إلى عصر الإقطاع، والثورة الفرنسية، وعصر النهضة. نعرف نابليون وعشيقته جوزفين، ونعرف ماري انطوانيت، وهنري الثامن، ومارتن لوثر كنغ، وبسمارك، وروبسبير، وكليمنصو، وراسبوتين، وماجلان، وفاسكو دي غاما.
نعرف عنهم أكثر مما نعرفه عن إنليل، وتموز، وأنكيدو، وأتونابشتم، وسرجون، وآشور بانيبال، وأورنمو، وسنحاريب، وأسرحدون، وجلجامش، ونسروخ، وشبعاد، ولوكال زاكيزي، في حين كرست أوربا جهودها التنقيبية في البحث عن بقايا آثارنا السومرية والبابلية، والآشورية، والكلدانية، والأكدية. ذلك لأنها كانت تدرك تماما عظمة الميزوبوتاميا (بلاد ما بين النهرين)، وربما يعود لها الفضل في فك رموز كتاباتنا المسمارية القديمة، ولسنا مغالين إذا قلنا أنهم انتشلوا بوابة عشتار من الضياع والتلف عندما نقلوها قطعة بعد قطعة إلى برلين، ولو لم يقدموا على هذه الخطوة لكان مصيرها كمصير آلاف المواقع الأثرية، التي صارت الآن عرضة للنهب والعبث، ثم جاءت أمريكا بأسلحتها التخريبية الفتاكة لتجهز على ما تبقى من حضارتنا السومرية، وتفعل فعلتها الخسيسة في كنوز متحفنا الوطني.

أول الحضارات البشرية وأقدمها
مما لا خلاف فيه أن تاريخ الإنسانية مزور ومبني على أكاذيب، هذا ما أكدته الكتابات المسمارية المنقوشة على الألواح الطينية المدفونة في تجاويف المواقع السومرية المبعثرة حول زقورة (أور)، فما أن أطلع عليها كبار علماء الآثار في شتى أنحاء العالم حتى بدءوا يشككون بنظريات العلم الحديث، ويرون أن ما تقدمه الجامعات وكلياتها بخصوص المراحل التاريخية لتطور الإنسان، هو عبارة عن مجموعة من الأكاذيب والأوهام المنافية للحقيقة.
لقد وجد العلماء في غابر تاريخ بلاد ما بين النهرين حضارة متقدمة جدا، اكتسبت تقنيات متشعبة سمحت للسومريين من التحليق في الفضاء، وبناء هياكل شاهقة ومعابد شامخة، بينما يصور لنا تاريخ العلوم المتداول بيننا أن ما وجد في كوكب الأرض قبل خمسة آلاف سنة كان غارقا في العصور الحجرية المتخلفة، ومجتمعاتها البدائية، التي كان فيها الإنسان لا يزيد ارتقائه الثقافي عن الحيوان إلا بدرجات ضئيلة ومتفاوتة، في حين تكشف لنا الآثار والحفريات أن السومريين عرفوا الأنواع الأولى للسيارة لما اخترعوا العجلة، ولبسوا ثيابا جميلة، لها أزرار ونقوش مطرزة بخيوط الحرير، ومطهمة بالذهب واليواقيت، وشقوا الترع والسواقي، وأقاموا عليها الجسور والقناطر، وشيدوا السدود والخزانات المائية الضخمة، التي يعجز عن تفسيرها العلم الحديث، وجربوا الأدوية المختلفة، وعرفوا فوائد التحكم بالسيول وتياراتها، واخترعوا الكهرباء وأناروا الأبراج العالية بالمصابيح الملونة.
لقد أظهرت الأدلة على أن سكان جنوب العراق قد أحرزوا تقدما علمياً مذهلا يفوق في بعض مظاهره التقدم الذي نعيشه اليوم، لعلهم عرفوا استعمال الطائرات والمركبات الفضائية، وربما عرفوا الحواسيب والرادارات وأجهزة الاتصالات اللاسلكية والأسلحة الفتاكة، وعرفوا الهندسة الجينية، والهندسة المعمارية، لكنها طمست كلها تحت تراكمات الأطيان والأوحال والرسوبيات، التي طمرتها تحت الأنقاض، ودفنتها في أعماق الأرض، بينما تكفلت الفيضانات العارمة بتجريف المدن الكبيرة، والتلاعب بملامح الخارطة الجيولوجية على مدى القرون السحيقة، ولم نعد نعرف عنها شيئاً، بيد أن الأيام تفاجئنا بين الفينة والأخرى، بإشارة قوية تكشف عن جهلنا بتاريخ كوكب الأرض، وأننا لا نعرف إلا النزر اليسير عن التقدم الذي أحرزه أجدادنا في الحقبة السومرية.

هكذا تكلم زكريا ستشين
اكتشف المنقبون آلاف الألواح المكتوبة بالخط المسماري، وتخصص علماء اللسانيات بفك شفرتها اللغوية، ومن هؤلاء العلماء (زكريا سيتشن)، وهو عالم أمريكي من أصول روسية، كشف عن لوحات فيها رسوم متقدمة جدا عن نظام شمسي يتألف من (12) كوكباً، وبعد سنوات من الدراسة والتحليل، خلص به المطاف أن عمالقة هبطوا من الفضاء فوق سطح الأرض في زمن قدر بأكثر من (5000) سنة قبل الميلاد، وعلموا سكان جنوب العراق ما لم يكونوا يعلمون، وتقول النصوص السومرية القديمة في وصف العمالقة، أنهم قوم جاءوا من الفضاء الخارجي. من هنا يتعين علينا الكشف عن فحوى ما تم التوصل إليه قبل بضعة أعوام، وكان مصنفا على أنه سري، وغير مسموح بتداوله.

الأنوناكي هم الملائكة ولهم تسميات أخرى
يقول الباحث الكبير (زكريا سيتشن): أن في ماضينا القديم كائنات متقدمة، عرفت باسم (أنوناكي)، وترجمتها غير الدقيقة، تعني: الذين أتوا من السماء إلى الأرض، وفي هذا نقول: أن المؤرخين قد يكونوا ضحايا لأخطاء الترجمة، وربما تقودهم تلك الأخطاء إلى ارتكاب المزيد من الاستنتاجات الخاطئة، فالترجمة الأولى لمفردة (أنوناكي Anunnaki) كانت تعني (آلهة)، ثم قالوا أنها تعني: (الذين هبطوا من الفضاء)، وتعني: (رُسل السماء)، وتعني أيضاً: (الملائكة)، الذين لا يوصفون بالذكورة أو الأنوثة.
جاءت مفردة (أنوناكي) بالجمع، ومفردها (أنكى) بالسومرية، وتعني: (أنقى) و(نقي)، فعالمهم كله طهر ونقاء وصفاء، وهم كرام أتقياء. خلقهم الله على صور جميلة. متفاوتون في الخلق والمقدار، ولهم مقامات متفاوتة ومعلومة.
مما لا جدال فيه أن فكرة وجود جنس من الكائنات أذكى وأقدم منا، هي التي اضطرتنا لإعادة التفكير في العديد من المسائل، بما فيها مسألة أصل البشرية، من أين أتينا ؟، هل يمكن أن نكون نتاجاً لهندسة جينية وقعت في الماضي السحيق ؟، آخذين بنظر الاعتبار أن فرضية (العلوم الحديثة بدأت لتوها) قد تكون غير صحيحة، وربما تضطرنا لتكثيف جهودنا من أجل إعادة اكتشاف ما أضاعه الزمن، فبفضل علم الآثار عرف العلماء الآن، أن أولى الحضارات الكبرى قامت منذ حوالي ستة آلاف سنة قبل الميلاد. أقدم من الإغريق ومن حضارة المايا، وأقدم من حضارة الإنكا. بناة تلك الحضارة عرفوا بالسومريين تيمناً ببلادهم (سومر)، التي بسطت نفوذها على السهل الرسوبي في بلاد ما بين النهرين، ووردت في سفر التكوين باسم (شنيار). أجيال متتالية من المفكرين إما تجاهلوا ورود أسماء الحضارات القديمة، أو صنفوها من ضمن الأساطير البالية، لكن الباحثين وبعد مراجعتهم الألواح القديمة، أصبح الكثير منهم على دراية تامة بأهمية النصوص القديمة الضاربة في أعماق التاريخ، باعتبارها تمثل السجلات الرصينة لحضارات كانت مزدهرة ومتفوقة.

أقدم تقنيات الهندسة الوراثية
لو راجعنا الكتب السماوية المقدسة لوجدناها تختصر نشأة الخليقة بعبارات موجزة ومُختزلة، وتتفق على أن الله جل شأنه خلق آدم وحواء من الطين. قال تعالى في سورة السجدة: ((وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين))، بيد أننا عندما نراجع النصوص السومرية، نجدها أكثر تعقيداً في شرح دور الملائكة (الأنوناكي)، الذين كانوا على علم بمراحل تطور التعديلات الجينية في خلايا الأجيال البشرية المتعاقبة، وربما واكبوها خطوة بخطوة. وتتضح هذه الحقيقة على جدران معبد سومري، زاره (زكريا سيتشن) في مدينة (أوروك Uruk) القديمة، فقبل اكتشافها منذ حوالي (150) سنة، لم تعرف (أوروك) إلا من خلال فقرات في (الانجيل)، وقد شيد المعبد لملكة اسمها (إنانا)، والتي عرفناها فيما بعد باسم (عشتار)، والتي تظهر في النقوش السومرية حاملة إبريقا من ماء الحياة، ومحاطة بزخارف لثعبانين مجدولين، يرمزان للعلوم البيولوجية، التي كانت سائدة وقتذاك، ويجد البعض فيها نذيرا لـ (عنخ) الفرعوني، أو رمزا للحياة والخلق، لكن (زكريا سيتشن) نفسه، اكتشف فيما بعد أن الثعبانين المجدولين يرمزان إلى تراكيب الحمض النووي (DNA) لدى الجنس البشري، ظلت منقوشة على تلك الجدران منذ أكثر من ستة آلاف سنة، وظهرت (عشتار) في نقوش أخرى وهي تحلق في السماء، وتغادر الغلاف الجوي للأرض، لتعبر مدارات المجموعة الشمسية نحو الكواكب البعيدة.
لقد أحاط السومريون علومهم الفلكية بسرية تامة، وكانت علومهم تُدرس خلف الأبواب الموصدة. يتناقلها الكهنة من جيل إلى آخر، وكانت أختامهم الأسطوانية الحجرية هي الخيوط المتسربة من خزاناتهم الحصينة، لو نظرنا لبعض تلك الأختام لرأينا (إنليل) وهو يهب المحراث لسكان جنوب العراق، ويعلن عن افتتاح عصر الإنتاج الزراعي، وبمعاينة أدق يمكن مشاهدة بعض الرسوم المتكاملة عن نظامنا الشمسي، فتظهر الشمس في المركز، بينما تدور حولها الكواكب في مداراتها الصحيحة، وحسب أحجامها وترتيبها المتعارف عليه في علومنا المعاصرة، وربما يلفت انتباهك كوكب إضافي في المدار الخارجي الأبعد، يدور هناك من دون أن تكشفه المراصد الفلكية الحديثة، لكنه يظهر بوضوح تام. فعلى الرغم من تنامي الأدلة الحسية على وجوده، ظل العلماء في حيرة من أمرهم. أيعقل أن يراه السومريون قبل مئات القرون، ولا يراه الفلكيون في وكالة ناسا للفضاء ؟.

البحث عن الكوكب الغامض
لقد اكتشف العالم (كلايد تامبو) كوكب (بلوتو) في الثامن عشر من فبراير (شباط) 1930، ويظهر هذا الكوكب في بعض الأختام السومرية، بينما يظهر الكوكب الإضافي الأبعد، والذي يطلق عليه العلماء في الوقت الراهن: الكوكب (X) الغامض. وهو أبعد كواكب نظامنا الشمسي، لكنهم لم يتعرفوا عليه عن كثب حتى الآن.
لم يتعرف الإنسان على طبيعة الكواكب وتفاصيلها إلا بعد اختراع أجهز الرصد الفلكي، وكانت علومهم مقتصرة حتى القرن السابع عشر على كوكب (المشتري)، لكنهم لا يعرفوا شيئا آنذاك عن الكواكب الأبعد منه، والتي يتعذر عليهم رؤيتها بالعين المجردة.
لقد جمع العلماء منذ أيام (غاليلو) بيانات قيمة، ومتعددة المصادر عن الكواكب البعيدة، لكنها ظلت دون مستوى المعلومات الهائلة، التي وفرها لنا التلسكوب الفضائي (هابل)، والمعلومات المؤكدة التي وفرتها أيضاً المسابر الفضائية في رحلاتها الاستطلاعية خارج الغلاف الجوي، والتي استطاعت سبر أغوار الأطراف النائية لمجموعتنا الشمسية، ففي التاسع عشر من أغسطس (آب) 1977، أنطلق المسبر الفضائي (فويجر - 2) من قاعدة (كيب كنافيرال) في رحلة طويلة الأمد إلى تخوم نظامنا الشمسي، فنسفت الكثير من الاستنتاجات الفلكية الاكاديمية، لكنها أكدت على رصانة العلوم في سجلات السومريين، ونقلت لنا (فويجر - 2) صورا واضحة نشاهدها لأول مرة لكوكب (أورانوس)، وكانت مطابقة تماما لتصورات السومريين، فعلى الرغم من افتقارهم للمراصد والتلسكوبات إلا أنهم عرفوا (أورانوس)، وكانوا يسمونه (آنو)، ويسمونه أيضاً (ماش سيغ)، أي المخضوضر الزاهي، وفسروا الانحناءة الفريدة لأورانوس، بأنها جاءت نتيجة تعرضه لضربة عنيفة، بسبب ارتطامه بجسم فضائي، ويؤكد علماء الناسا هذا التفسير، بقولهم: (أن ذلك الجسم الفضائي كان بحجم الأرض، وكان يسير بسرعة (40) ألف ميل بالساعة، وهو السبب الرئيس لاعوجاج الكوكب، والتشوهات الظاهرة على سطحه، ووصف السومريون جاره كوكب (نبتون) بالكوكب الأزرق الأخضر منذ آلاف السنين، لكن أفضل علماء الفلك لم يؤكدوا هذه الحقيقة إلا في العقود القليلة الماضية.
لقد قام السومريون بتسجيل وتسمية كواكب نظامنا الشمسي، وشملت معارفهم القديمة (أورانوس) و(نبتون)، فوثقوها في جداول ثابتة، ولوحات بارزة، في حين تسعى مراصدنا الفلكية المتطورة الآن لإعادة اكتشاف ما اكتشفه السومريون قبل آلاف السنين، بينما توصل العلماء لاكتشاف أورانوس عام 1781، واكتشاف نبتون عام ، وحتى (بلوتو) لم يكتشفوه إلا في عام 1930.

دهشة علماء الناسا
كان السومريون يسمون الشمس (آبسو)، ويسمون القمر (كنكو)، ويسمون الزهرة (لاهامو)، ويسمون عطارد (مومو)، ويسمون نبتون (نوديمود)، ويسمون زحل (أنشار)، ويسمون المشتري (كيشار) وتعني: (أول اليابسة)، ويسمون حزام الكويكبات (راكيش)، وتعني (السوار المضروب)، ويسمون المريخ (لامو)، وتعني (ملك الحرب)، ويسمون الأرض (تي)، وهي عندهم الكوكب السابع، أما لماذا جاءت في الترتيب السابع، وليس الثالث ؟، فذلك لأنهم لم يبدءوا العد من الشمس، وإنما بدءوه من كوكب يقع خارج تخوم نظامنا الشمسي، يسمونه (نيبيرو)، وسنأتي على ذكره لاحقاً.
لقد شكل إطلاق المركبة (بايونير - 10) عام 1972 بداية لحقبة استطلاع أعماق الفضاء، في رحلات إلى ما وراء الكواكب المعروفة، لكي ترسل لنا ما نحتاجه م معلومات تفيد في البحث عن كوكب عاشر محتمل، فاكتشفوا أن لبلوتو قمراً، وبالتالي يمكن تحديد وزنه، وتبين فيما بعد أن بلوتو أصغر وأخف وزناً مما كنا نتصور، وليس له صلة بحركة كوكب أورانوس، أو بحركة كوكب نبتون، عندئذ استنتجوا وجود كوكب واحد على الأقل على حافة نظامنا الشمسي، فانضم علماء الفيزياء على مدى العقدين الماضيين، واشتركوا مع الفلكيين في البحث عن كوكب (X) الغامض.
ففي عام 1978 وبعد التنبؤ بوجود كوكب إضافي، راهن العلماء على فرضياتهم، وراحوا يبحثون عنه في منطقة (سنتوروس) إلى الجنوب من مجموعة الميزان، وتوقعوا حجمه أكبر من الأرض بأربع أو خمس مرات، وبالتالي فأنه سيتوسط بين الكواكب الغازية (أورانوس ونبتون)، وبين الكواكب الصلبة (المشتري والمريخ وزحل والأرض)، وتوقعوا أن تكون المدة التخمينية لدورته حول مداره في حدود (3600) سنة، عندئذ سيكون حجمه أكبر مما توقعوا.
تجدر الإشارة إلى أن السومريين اعتمدوا في جداولهم الزمنية على قياسات يصعب تصديقها، وذلك حين قاموا بتقسيم الوحدات الزمنية إلى وحدات أصغر، يطلقون عليها (سار sar)، وتساوي (3600) سنة، وهي المدة التي يستغرقها كوكب (نيبيرو) في دورانه حول الأرض.

الكوكب السابع والكوكب الثاني عشر
لو عدنا إلى الأرض (الكوكب السابع) لوجدنا أن الرقم (7) له مكانته الخاصة في حساباتنا، فقد ربطه العراقيون القدماء بالأجرام السماوية، التي لها تأثير مباشر في حياتهم، فحظي بأهمية كبيرة في بناء معابدهم، وفي تصاميم مدرجات (الزقورة)، التي كانت تتألف من سبع طبقات. كل طبقة بلون معين كألوان الطيف الشمسي، وكل طبقة مرتبطة بكوكب خاص، وصمموا تميمتهم السومرية (أم سبع عيون) على هذا الأساس، فالرقم (7) له دلالات كثيرة في أساطيرهم، فقصة هذا الكون مثبتة في ذاكرة الألواح السومرية السبعة، وتبدأ حكايتها منذ أربعة مليارات سنة، حين كان نظامنا الشمسي أصغر سناً، ولم تكن أرضنا موجودة، وتكشف لنا السجلات الناجية للسومريين قصة كوكب دخيل، اسمه (نيبيرو) جاء من أقاصي الفضاء، واقتحم نظامنا الشمسي بفعل قوة جاذبية الكواكب (نبتون وأورانوس والمشتري وزحل)، وسار بمسار مداري موجه نحو الكوكب السابع، الذي كان اسمه (تياما)، فأصبحا في وضع تصادمي. وبهذا فأن نظرية النشأة السومرية تكشف لنا عن أسرار الألغاز الغامضة، التي ظلت حتى وقت قريب تشغل بال المراكز العلمية المتطورة.
تتمحور النظرية السومرية حول اصطدام كوكبين، وحول تشكيلة مجموعتنا التي يقولون أنها تتألف من (12) كوكباً، ويقولون: أن ارتطام أحد أقمار (نيبيرو) بالكوكب (تياما)، أدى إلى انفلاقه، وتبعثر نصف مكوناته في الفضاء، فتناثرت شظاياه لتشكل حزام الكويكبات، التي شكلت نواة القبة الزرقاء (أي السماء)، بينما صار النصف المتبقي من كوكب (تياما) هو كوكب الأرض، الذي أندفع إلى مدار جديد بصحبة قمر (تياما) الرئيس (أي قمرنا الحالي)، في حين اندفع كوكب (نيبيرو) إلى مدار دائم باتجاه عقارب الساعة، وظل يدور حول الشمس، ليعود ثانية إلى جوار كوكب الأرض كل (3600) سنة، وليصبح الكوكب الثاني عشر في مجموعتنا الشمسية. وقد اعترف المشاركون في المؤتمر الفلكي المنعقد في (براغ) عام 2008 بأن نظامنا الشمسي يتألف من (12) كوكبا، وليس من تسعة كواكب، بانتظار أن يعترفوا بما دونه السومريون في ألواحهم الطينية وأختامهم الحجرية.

سر البناء الكوني
تتردد أصداء رواية التكوين في كل الثقافات، لتصبح بمرور الأيام جزءا من المعرفة العلمية المدونة في الكتب السماوية المقدسة، وبخاصة في سفر التكوين، فإن كانت الأرض من بقايا ارتطام كوكبين، فأن العلماء يعتقدون أن المكان المرجح للبحث عن تشوهات الاصطدام، يقع على عمق سبعة أميال داخل أغوار المحيط الأطلسي.
جاء في العهد القديم (التكوين 1:1-31): ((في البدء خلق الله السماوات والأرض، وكانت الأرض خاوية خالية، وعلى وجه الغمر ظلام، وكانت روح الخالق العظيم ترفرف فوق سطح الماء، وقال الله: ليكن نور، فكان النور))، وقد تناول القرآن الكريم خلق الكون ونشأته، فقال سبحانه: ((قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ)) {العنكبوت 20}، وقوله: ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ)) {قّ: 38}، وقوله: ((وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ)) {هود:7}، وقوله )) :أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا)) {الأنبياء: 30}، وقوله: ((وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)) {الذاريات:47}.
فإذا طابقنا بين نصوص الكتب المقدس، وبين النصوص السومرية، سنتوصل إلى التقارب الوصفي، وبخاصة في المشهد الذي وصفه القرآن في سورة القمر: ((ففتحنا أبواب السماء بماءٍ منهمر، وفجّرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر)). ففي الكون مياه عليا ومياه سفلى.

وجعلنا من الماء كل شيء حي
يصف السومريون أورانوس ونبتون بالكوكبين المائيين، ولم يتعرف العلماء على هذه الحقيقة إلا في السنوات القريبة الماضية، ففي الفترة الممتدة من عام 1979 إلى عام 1981 زارت المركبات الفضائية (بايونير) و(فويجر) كواكب المشتري وزحل وأقمارهما العديدة، فاكتشفتا المياه في كل مكان، وظهر الجليد على السطح والمياه تجري تحته.
بينما كان السومريون القدامى على علم مسبق بوجود المياه على قمري المشتري (آيو) و (يوروبا)، وتشير سجلاتهم إلى وجود المياه على قمرين من أقمار كوكب زحل، هما: (انسليدوس)، و(تيتيس)، إضافة إلى وجودها في حلقات زحل نفسه، وجاءت اكتشافات وكالة (ناسا) لتقدم لنا الأدلة القاطعة على مصداقية المعلومات الفلكية السومرية، المتوافقة تماماً مع ما جاء في سورة الأنبياء، بقوله تعالى: ((وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ)).
ففي القرن التاسع عشر، عندما أعلن الفلكي الايطالي (شيباريلي) أنه شاهد قنوات مائية تجري على سطح المريخ، تعرض للسخرية، وعندما أعلن الفلكي الأمريكي (لويل) عام 1916 أنه شاهد تلك القنوات، قابله الناس بالسخرية، لكن مركبات (ناسا) غير المأهولة، التي زارت المريخ في السبعينيات والتسعينيات، اكتشفت أدلة وافية على أن المياه كانت موجودة على سطح المريخ، وعرضت الكثير من الصور لأنهار وبحيرات جافة فوق سطح كوكب (عطارد)، مع وجود آثار لقطبين جليديين في أقطاب هذا الكوكب القريب من الشمس، وأكدت تقارير (ناسا) على وجود المياه فوق سطح المريخ بكميات كانت تكفي لتغمره بالكامل بارتفاع عدة أمتار، فالكواكب التي نراها جافة هذه الأيام، كانت غزيرة المياه في الماضي البعيد، وهكذا ينضم المريخ وزحل والأرض وكذلك القمر لتأكيد المفهوم السومري عن وجود المياه في كواكب المجموعة الشمسية، فمع اكتشاف المياه فوق سطح قمرنا والكواكب البعيدة، أضحت فكرة الاستيطان قابلة للتنفيذ، آخذين في الاعتبار إمكانية استخراج الأوكسجين من الماء، ثم أن المياه من أهم مكونات وقود المركبات الفضائية، وقد زاد هذا الاكتشاف من احتمالات القيام برحلات عبر النجوم.

هل أتاك حديث ضيف إبراهيم ؟
لو عدنا ثانية إلى الرواية السومرية التي تناولت موضوع (أصل الخليقة)، لوجدنا أن (الأنوناكي) كانوا يمثلون الملائكة المرسلين إلى الأرض لمساعدة الناس بأمر من خالق الأكوان ومكورها، وتشير تفاسيرهم إلى قيام الأنوناكي بإرسال كائنات لاستكشاف الأرض قبل حوالي (450) ألف سنة، ثم قام الأنوناكي أنفسهم بزيارة الأرض بعد (150) ألف سنة، ليجروا تجاربهم الجينية على الجنس البشري، ويجروا عمليات التلقيح الصناعي، وعمليات الإخصاب بأنابيب الاختبار، وتظهر الألواح السومرية صوراً لحفظ الحيامن الذكرية والبويضات الأنثوية، ونقلها بأوعية زجاجية، ومن ثم إخضاعها لتقنيات الهندسة الجينية.
يشير المعني الشامل لمفردة (أنوناكي) إلى الملائكة (الخمسون)، الذين هبطوا من السماء، وكانوا وراء التقدم الفريد الذي أحرزته الحضارة السومرية، ولسنا مغالين إذا قلنا: أن مجموع ما اخترعوه وابتكروه لا يصل إليه مجتمعنا المعاصر، فقد وضعوا أول نظام سياسي برلماني، وأول نظام تعليمي، وأشياء أخرى، الأمر الذي دفع العلماء إلى التساؤل: من أين جاء السومريين بكل هذه الأفكار ؟، ولكي نجيب على تساؤلاتهم لابد من الرجوع إلى السومريين أنفسهم، ولابد من الاستماع لما يريدون أن يقولونه لنا، فنعرف منهم أنهم كانوا على ارتباط مباشر بالكواكب الأخرى، وكانت لهم علاقات مثمرة مع المخلوقات الفضائية (الملائكة)، أو الذين يسمونهم (أنوناكي). وربما تتجسد لنا أحدى صور هذه العلاقة بين الملائكة والبشر في سورة (آل عمران)، بقوله سبحانه: ((أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ))، فالكتابات السومرية تؤكد أن سكان الميزوبوتاميا كانوا يرون الملائكة ويسمعونهم، ولم يكن هذا الأمر حكرا على الأنبياء فقط، والدليل على ذلك قوله تعالى: ((كذبت قوم نوح المرسلين)) {الشعراء:105}، وقوله تعالى: ((كذبت عاد المرسلين)) {الشعراء: 123}، وقوله تعالى: ((كذبت قوم لوط المرسلين)) {الشعراء:160}، ولما كنا نعلم أن سيدنا (نوح) هو الرسول الوحيد من البشر إلى قومه، وأن سيدنا (هود) هو الرسول الوحيد من البشر إلى قومه، وأن سيدنا (لوط) هو الرسول الوحيد من البشر إلى قومه، فمن هم الرسل المذكورين في الآيات السابقة ؟؟، والدليل قوله تعالى: ((ولَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ)) {هود:77}، بمعنى أن الله كان يبعث الرسل في مهمات خاصة إلى الأنبياء، وربما تتضح لنا العلاقة الوطيدة بين سيدنا (إبراهيم) المولود في قلب العاصمة السومرية (أور)، في مواقف كثيرة تظهر لنا بشكل صريح في سورة (هود)، بقوله تعالى: ((ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب قالت يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد))، لكن علاقة سيدنا إبراهيم تتضح أكثر في هذه الآيات من سورة الذاريات، بقوله تعالى: ((هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيم))، فكيف علموا أنه سيرزق بغلام ذكر وليس بأنثى ؟، وكيف علموا أن المولود الجديد سيكون من العلماء الأذكياء العباقرة ؟، بل كيف ستلد زوجته (سارة) الطاعنة في السن، والتي لم تلد في شبابها ؟، فكيف ستلد في هذه السن المتأخرة وهي عقيم ؟، ألا يعني هذا أن هؤلاء الملائكة أو (الأنوناكي) على دراية تامة بتفاصيل الهندسة الوراثية التي أشار السومريون إليها في ألواحهم المسمارية ؟.

ما هذا إلا بشرٌ مثلكم
المثير للدهشة أن السومريين ذكروا أن الأنوناكي أو (المرسلين) يملكون علما خارقا وقوة هائلة، ولديهم القدرة على تدمير مدن بكاملها، وهذا ما أشار إليه القرآن بقوله تعالى: ((فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ)) {هود: 82}، فعبارة: (عاليها سافلها) جاءت لتؤكد أن قوم لوط كان عذابهم عن طريق التفجير بأدوات متطورة تسمح بالانشطار النووي لذلك التفجير.
من المسلم به أن الانوناكي جاءوا من الفضاء، وأن الناس كانوا يرونهم ويتعاملون مهم، ويعلمون أنهم الأذكى والأقوى، أنظر قوله تعالى: ((فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ)) {المؤمنون: 24}، بمعنى أنهم سمعوا عن الملائكة كرسل، ولكن أن يكون الرسول بشري فهذا شيء جديد عليهم، لم يسمعوا به من قبل. وأنظر أيضاً كيف اعترض الناس على الأنبياء من الجنس البشري، بقوله تعالى في سورة (يس - الآية 14): ((إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون))، بمعنى أنهم اعترضوا عليهم لأنهم كانوا من البشر، بقولهم: (ما أنتم إلا بشر مثلنا)، وتتكرر هذه الحقيقة في سورة (فصلت - الآية 14)، بقوله تعالى: ((إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة))، لكن الله جل شأنه تعامل مباشرة مع السلالات البشرية المتطورة، فأرسل إليهم رسلا من جنسهم، أي من الجنس البشري، وأخبرنا أنه لو كان الملائكة مكان البشر، ووصلوا إلى هذه المراحل المتطورة لأرسل إليهم رسول من جنسهم، أنظر قوله تعالى في سورة (الإسراء - الآية 95): ((قُل لَّوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَّسُولًا))، لذلك نرى سيدنا نوح يخبر السومريين، أنه ليس من الملائكة، الذين اعتادوا رؤيتهم، واعتادوا الإنصات إليهم كرسل من عند الله، فقد تغيرت الأمور وتبدلت، وأصبح لزاماً عليهم أن يؤمنوا بما يقوله لهم الرسل من الجنس البشري، أنظروا قوله تعالى في سورة (هود - الآية 50): ((قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ)).
كان السومريون يرون الملائكة ويتعاملون معهم من دون حواجز، فظهرت رسوماتهم في الألواح الطينية بأطوال فارعة، وأجساد ضخمة، وأجنحة طويلة، وهذا ما يؤكده القرآن في الآية الأولى من سورة (فاطر)، بقوله تعالى: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ  يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)).
بينت لنا الألواح السومرية أن الانوناكي أو الملائكة كانوا على قدر كبير من الوسامة والجمال، وهذا ما ينطبق أيضاً مع ما جاء به القرآن الكريم في الآية (31) من سورة (يوسف)، بقوله تعالى: (( وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ)). فكيف عرفت النسوة بجمال الملائكة، ذلك لأن الملائكة كانوا يتمثلون للناس بأشكال ساحرة الجمال.
من ناحية أخرى نجد أن الأنوناكي في الألواح السومرية كانوا من جنس واحد، أي أنهم كانوا ذكورا، وهذا ما أكد عليه القرآن الكريم في الآية (27) من سورة النجم، بقوله تعالى: ((إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى)).

حملات تخريبية مقصودة
كتب السومريون تاريخهم على ألواح طينية، كالتي ظلت مدفونة تحت تراكمات الأحجار المبعثرة حول زقورة (أور)، فكانت هدفاً لتنقيبات المعسكرات التخصصية، التي نشرتها أمريكا بعد غزوها للعراق عام 2003، حيث نبشوا الأرض حول الزقورة بالطول والعرض، وقلبوا عاليها سافلها، بحثا عن الألواح الطينية المدفونة في باطن الأرض، وما أن انتهت مهمتهم حتى نهبوها كلها، ونقلوها إلى بلادهم في خزانات حصينة، ونهبوا معهم كنز الملك السومري (النمرود)، ونهبوا المتحف الوطني في اليوم الأول الذي وصلوا فيه إلى بغداد، ثم أمروا كلابهم (الدواعش) بتدمير ما وقع بين أيديهم من الآثار الآشورية والكلدانية والأكدية والبابلية.
ربما كان (زكريا سيتشن) من أكثر الذين أطلقوا نداءات الاستغاثة لحماية آثارنا وإنقاذها من مخالب القوات الأمريكية الغازية، وربما كان من أقوى الذين طالبوا بتخليصها من معاول المنظمات الإرهابية المدمرة، فالكتابات السومرية التي تعود إلى 6000 سنة قبل الميلاد، هي الكتابات الوحيدة التي تحدثت عن أسرار الكون بأسلوب مبسط يذهل العقول، ويتجاوز توقعات العلماء وتنبؤاتهم. ثم أن السرد التفصيلي الذي قدمه لنا سكان العراق القدامى عن الكائنات الفضائية، أحرج المراكز العلمية المعاصرة، ووضعها في موضع لا تُحسد عليها، بينما ظلت مؤسساتنا الوطنية بمنأى عن ذلك، وكأن الأمر لا يعنيها جملة وتفصيلا، ولم تكلف نفسها مشقة تعديل مناهجنا الدراسية، بما يجعل تلاميذنا يتفاخرون بأجدادهم الذين شيدوا أرقى الحضارات الإنسانية في كوكب الأرض.

إصلاحات أورنمو
وأخيرا وليس آخراً، وبمناسبة الظروف القاهرة التي يمر بها أحفاد السومريين في المرحلة الراهنة، لابد لنا من التذكير بإصلاحات الملك السومري (أورنمو) التي نجح في تطبيقها عام 2100 قبل الميلاد، والتي تضمنت الوقوف بوجه فساد الطبقات السياسية المتنفذة، فمنع بموجبها الكهنة وكبار الموظفين من استثمار نفوذهم الديني في توسيع سلطاتهم الخاصة، ومنعهم من تحقيق الثراء الفاحش على حساب الشعب، فهل سيكون بمقدور أحفادنا تفعيل إصلاحات أورنمو عام 2100 بعد الميلاد ؟؟.

الاثنين، 18 يوليو 2016

محمد حيّاوي من خلال روايته (خان الشابندر)-أحمد الحلي



محمد حيّاوي من خلال روايته (خان الشابندر)

ومضة حياة مفعمة بالنشيج

أحمد الحلي

هل ينبغي لنا القول إن شحة عناصر الجمال من حولنا وقلتها هي ما أعطاها كل هذا الزخم من القيمة والفاعلية والقوة الدافعة .
ينطبق هذا المبدأ الحيوي على شتى المناحي ولا سيما ما يدخل منها في إطار الإبداع الأدبي وعلى وجه الخصوص في عالم الرواية تحديداً  .
بين أيدينا رواية من طراز خاص  تنطبق عليها هذه المواصفات بعنوان (خان الشابندر) للروائي العراقي المقيم في هولندا  محمد حياوي الذي يبدو أنه صاغ لنا عملاً  حاذقاً يتواشج ويتواءم مع الحالة العراقية الراهنة ما بعد سقوط الصنم ، وما استتبع هذا الحدث المدوي من انعكاسات وانهيارات وتشظيات في كافة مفاصل الدولة والحياةأيضاً ...
لا يساورنا شك ، بأن محمد حياوي توافرت لديه عناصر الأهلية الكاملة قبل أن يشرع في الإبحار بسفينته عبر هذه الأمواج المتلاطمة من المتعة المدافة بمزيد من ثيمات الألم  والفجيعة والإحساس بالضياع ...
ازدانت الرواية على غلافها الأخير بعدد من الجمل التي هي كشّافات ضرورية  لمجريات ما يحدث داخل الرواية ، نقتبس  منها ؛
*لقطة مكثّفة ومركّزة لحياة بغداد السرية والمعتمة ، البائسة والمحزنة ، التي سببها حكم شمولي ثم احتلال أميركي .
* تتأرجح حيوات هند وضوية ونيفين بين أمواج الانفجارات المرعبة والعالم الفنتازي الذي يقف على رأسه مجر ، الفيلسوف الصوفي الغريب .
وهناك في مدخل الكتاب  جملة شعرية في غاية الأهمية لشاعرة أفغانية شابة اسمها رحيلة موسكا  قتلها رجال طالبان هي ؛
" جسدي طازج مثل أوراق الحنّاء ، أخضر من الخارج ، لكنه لحم نـييء من الداخل "
في بداية الرواية نقرأ عبارة للشخصية المحورية هند تخاطب بها بطل الرواية الذي كان هاجسه استقصاء حكايات هاتيك النساء المغلوبات على أمرهن والمضاعة حياتهن سدىً ؛
" سنحرسك في الليالي الحالكات ، حتى من دون أن ترانا ، ولكن احذر ، لأنك لن تعود إلى طبيعتك السابقة على الإطلاق ، فاستعد واترك تخاذلك وجبنك وتهيّأ لاحتراق روحكَ في كانون محبتنا "
وبالفعل ، ومنذ الوهلة الأولى يقذف بنا محمد حياوي في أتون روايته هذه ، عبر حبكة غاية في الإتقان والشاعرية .
بطل الرواية ، الأستاذ علي ، الصحفي العائد من غربة طويلة قضّاها في الغرب ، يعود إلى بغداد بهاجس إنساني وتعاطف كلي  مع الكائنات والفئات المهمشة والتي عانت وتعاني من انسحاق شديد جرّاء وطأة الأحداث الكارثية التي وجدت نفسها مقذوفة في أتونها المستعر ...
يقوده أحد أصدقائه ممن لديهم خبرة وافية بأزقة بغداد وعالمها التحتاني إلى إحدى الخرائب ، حيث تسكن مجموعة من الفتيات بائعات الهوى في منزل القوادة أم صبيح التي توفر لهن السكن والحماية والرعاية في مقابل فائدة مادية ، ومن الواضح أن هذه المجموعة من البشر تعيش على هامش الحياة ، حيث الأخطار المحدقة بهن من كل جانب .
وكما يتضح لنا منذ البداية فإن الأستاذ علي لم يذهب إلى هناك من أجل الحصول على المتعة  وإنما من أجل هدف آخر تماماً ، فهو يحاول الوقوف عن كثب والتعرف على قصص وحكايات تلك الفتيات والأسباب التي دفعت بهن للوصول إلى هذه الحال ، ولأول وهلة تقع عينه على إحداهن ، شابة سمراء في مقتبل العمر اسمها ضوية ،  في بداية الأمر لم تفهم طبيعة المهمة التي جاء من أجلها ، يبدي استعداده لدفع المبلغ كاملاً من دون أن يمارس الجنس معها مضافاً إليه مستحقات القوادة أم صبيح ، تتقبل الأمر على مضض ، وتبدأ بسرد حكايتها وتحولها بصورة قهرية إلى ضحية وبالتالي وصولها إلى هذا المكان ...
وقبل وصول الرواية إلى هذا المفترق المفصلي نتعرّف إلى شخصية نسائية أخرى هي الصحفية نيفين التي تعمل معه في ذات الصحيفة ، يلتقيها باستمرار ، أو بالأحرى هي تتواجد معه في ذات الشقة ، وهي أيضاً لديها حكايتها الخاصة ، تختلف مع زوجها الذي يقرر الرحيل إلى استراليا مستصحباً معه  ابنتهما الوحيدة ...
الفتاة الثانية التي يلتقيها في ذلك الماخور اسمها هند ، التي تتوثق علاقته بها ولكنها  لم تشأ أن تخبره بحكايتها ، تقول له حين تقع عينها عليه لأول وهلة
- شكلك مختلف حقاً ، ما الذي رماك علينا ؟
- كنتُ مارّاً من هنا صدفةً ، فاقترح عليَّ صديقٌ لي الدخول إلى البيت والإطلاع على عالمكم .
ضحكت ضحكة خافتة وقالت ؛
- عالم الفضيلة تقصد ؟
- لا ، عالم القصص الحزينة والأحلام المحبطة والأمنيات الذابلة .
سرعان ما يكتشف أنها امرأة استثنائية ، فهي بالإضافة إلى جمالها الأخاذ متعلمة تهوى سماع الموسيقى والأغاني الراقية ، كما أنها مولعة بقراءة الكتب ، تخبره أنها كانت تعمل مدرسة قبل أن تتدهور أمورها وتصل إلى هذا المكان ، وأنها عملت مترجمة مع القوات الأمريكية بعد سقوط نظام صدام مباشرة ، الأمر الذي أدى ملاحقة أفراد الميليشيات لها ، حتى تم إلقاء القبض عليها وصدر حكمٌ فوري بإعدامها ، ويوكل تنفيذ المهمة إلى شابين يأخذانها في صبيحة اليوم التالي بسيارتهما إلى حافة أحد الأهوار ، يوقفانها ثم يطلقان النار فوق رأسها ، فتسقط وتظن أنها ماتت ، يخبرانها أنها يتوجب عليها الهرب بعيداً وأن لا يراها أحد في المدينة بعد الآن  ...وظلت تتنقل من مكان إلى آخر مع معاناة فظيعة تتعرض لها ...
نعلم بعد ذلك أن هند تهيم به حباً وعشقاً ،تجد فيه ملاذها وخلاصها وعالمها المثير الذي تفتقد ، تقول له وهي مستلقية في حضنه ؛
- يُخيّل لي أننا لسنا في بغداد ، بل في يوتيبيا غريبة معلّقة في مكانٍ ما بين  الأرض والسماء .
وكما يتضح لنا فإن الرواية بمجملها ، بمثابة نشيد إنساني رفيع ، يتقصّى حياة المستلبين والمهمشين والمقصيين ...
من بين الشخصيات الغريبة والمثيرة  التي حفلت هذه الرواية بها شخصية مجر ، ذلك الكائن الأسطوري ، الذي تقول هند عنه ؛
- إنه عتيق جداً ، عمره أكثر من مائة عام ، منذ وطأت قدماي إلى منزل أم صبيح وهو يجوب الأرجاء ويعرف مفاتيح الأمور ، أسمع عنه الكثير من الحكايات الغريبة ، لكنه طيب القلب ، وفي أغلب الأحيان يبدو لنا مثل ملاك حارس ...
ويوماً بعد يوم ، تتوطد أواصر العلاقة بينه وبين مجر ، وبينما كانا معاً يقفان على أحد السطوح ، يلاحظ أستاذ علي أنه بين أونة وأخرى يشير بيده ملقياً أو  رادّاً التحية على كائنات لم يستطع هو أن يراها ،  يمد مجر ذراعه مشيراً إلى السماء بسبابته المقوسة ؛
- انظر إلى تلك النجوم البعيدة ... إلى ذلك الكون الفسيح ، كم عمرنا باعتقادك قياساً بعمر الزمن ، لقد وجد هذا الكون قبلنا بملايين السنين ، وسيبقى بعدنا بملايين السنين ، لكن هل أفاد البشر من عمرهم القصير ، أم أفنوه باتنظار الموت ؟
ثم يقول ؛ انظر إلى الخراب من حولنا ، البيوت مهدمة على أسرارها ، لكن العشب مازال ينمو فوق السطوح الآيلة للسقوط ، ماذا يعني لك الحب ؟ ها ، أنتم الماديين تعتقدون أنه نوع من الكيمياء فحسب ، ولكن أتعلم ، كتبنا تقول ؛ إنه يخفق في أفئدتنا ، أرواحنا الحبيسة وسط أجسادنا مثل حمامة شغوفة هي الله نفسه الذي يٌفني الكثيرُ من البشر حياتهم بحثاً عنه في أمكنة أخرى ، لكنَّ الأرواح تظل محلّقة في ملكوت الله ....
ولمّا كانت مناطق  بغداد واقعة بين كمّاشتي الميليشيات الدينية المتنوعة وصراعاتها الدموية المستمرة ، فقد بقي القدر يتربّص ببيت أم صبيح الذي أصبح قشة في مهب الريح الجهنمية ، وفي مرحلةٍ ما انفلت زمام الأمور وفقدت جماعة الملة جليل التي كانت توفر نوعاً من الحماية لبيت أم صبيح في مقابل أتاوات يتم دفعها بين الحين والآخر ، وقد يرغب بعض المعممين بممارسة الجنس مع إحداهن ، فلا تملك هذه  إلا أن تنصاع وتذعن ...
والذي حدث ، أن جماعة الملة جليل فقدت السيطرة على المنطقة بعد هجوم كاسح شنته ميليشيا منافسة أشد عتواً وتطرفاً استخدمت فيه المدافع الرشاشة والرمانات اليدوية والهاونات .
يخبر مجر أستاذ علي الذي حضر إلى المكان بعد مرور فترة من  الوقت على الواقعة  برفقة زميلته نيفين عمّا جرى في ذلك اليوم المشؤوم ، اتّكأ على الجدار المهدّم وسحب نفساً من سيجارته ، ثم التفت نحوهما ، وبدت ابتسامته الغريبة واضحة ؛
- في تلك الليلة ، نزل الجميع إلى هذه الغرفة التي نحن نقف على أطلالها الآن ،وتسللوا من الفتحة التي في الجدار عبر الخزانة إلى البيت المجاور ، كان من المفروض وجود فتحة أخرى مقابلة توصلهم إلى الزقاق الخلفي ، لكنَّ قذيفة هاون ما هدّمت الجدار وردمت الفتحة على ما يبدو ، فتكوّم الجميع بعضهم فوق بعض في غرفة صغيرة عندما دخل المسلحون يحملون سكاكين ضخمة وبلطات ، لم يصرخن أو يتوسلن ، حاولن حماية ضوية بتخبئتها خلفهن ، هل تعرف ضوية طفلتهن الشقية التي كنَّ يسرّبن مشاعر أمومتهن من خلالها ؟
- نعم أعرفها .
- حسناً كانت آخر محاولاتهن لإثبات إنسانيتهن ، لكن من دون جدوى ، فقد أخذ المطر بالهطول فجأة ، وراح يغسل بقايا الدم والسخام ويخلّف عشرات السواقي الدقيقة ، لم ينقطع المطر لثلاثة أيام متواصلة ، كانت الرؤوس المزروعة فوق الطوب مبللة بالكالمل وخصلات الشعر المبلول ملتصقة على الوجوه ...
لم يشأ كاتب الرواية الإفصاح عن بعض الأحاجي التي رصّعت مفاصل نصّه الروائي المتقن ، من ضمنها إيجاد تبرير وتفسيرللعلاقة الحميمية  التي تربط بطل الرواية بكافة الفتيات الجميلات الموجودات في ذات المكان ، من دون أن نلمس أية بوادر للغيرة بينهن من أجل نيل الحظوة لديه ، وهذا أمر في منتهى الغرابة حقاً ...
الأمر الآخر هو شخصية مجر الغرائبية التي تنبثق خارج مجريات الأحداث  وإن تضمنت في بعدها الخفي تفاعلاً وانسجاماً وتنويعاً آسراً على نغمة الرواية الأساسية ...
أما الأمر الثالث ، فهو ظهور الأجنحة العملاقة الغامضة وهي تخفق هنا وهناك ، مؤكد أنها لم تكن سوى حلم أو رؤيا تنتاب بطل الرواية وتهيمن على مخيلته ، لتعكس لنا رغبته في الخلاص والإنعتاق له شخصياً ولكائناته ولبطلات روايته اللواتي انغلقت أمامهن منافذ الأمل ....


الأحد، 17 يوليو 2016

قصة قصيرة مياه زرقاء-عادل كامل

قصة قصيرة


مياه زرقاء

عادل كامل
     رفعت الضفدعة البيضاء رأسها قليلا ً عن سطح الماء، وتساءلت: ما هذه الضجة..؟ ذلك لأنها شاهدت ما يشبه العراك يجري عند ضفة المستنقع، فخافت أن تصاب بالأذى، ولهذا كادت أن تغطس لولا ارتفاع الأصوات على نحو أربكها، وأثار قلقلها…، فصرخت:
ـ ما هذا العراك…؟
فقال لها كبير البعوض الواقف بجوارها:
ـ ما شأنك أنت بنا….، فالقضية لا علاقة لها بك!
اقتربت الضفدعة من كبير البعوض:
ـ اعرف انك مخلوق مؤذ…، وأنا استطيع محوك من الوجود…، لكنني تساءلت بأدب جم عن هذا الإزعاج، لا أكثر ولا اقل…، وأنت تعرف إنني ضفدعة مستقلة، واحترم حرية الجميع!
ـ وماذا فعلت، وماذا قلت لك، سيدتي؟
ـ كل هذا العياط، واللغط، والنباح، والتهريج، والصراخ ….، وتقول: ماذا فعلنا؟
فسأل البرغوث الواقف فوق رأس الكركدن:
ـ اخبرها بالأمر، لماذا تتردد…؟
قال كبير البعوض للضفدعة البيضاء:
ـ كنا بصدد رفع دعوى حول الماء غير الصالح للحياة في هذا المستنقع…، وعن الهواء، وعن تردي الخدمات الضرورية!
ـ آ ….، إذا ً …، فانتم تفكرون بالإصلاح، والعمل من اجلنا جميعا ً…، أنا آسفة، بل اكرر اعتذاري، مرة ثانية.
فقال جرذ المجاري الذي كان يصغي للحوار:
ـ الغريب انك قانعة بما آلت إليه مياه المستنقع، وفساد الهواء، وما حل بالعشب، وباقي المرافق….
ـ وماذا تريد مني أن افعل …، بعد أن أغلقت الرقابة، باسم الشفافية، علينا المنافذ…؟ هل ادعوهم لسلخ جلدي، أم إلى تغيير لوني، وارتداء قناع حمار …، أو جلد ماعز؟
    اقترب كلب كان يسعى لتناول الماء، وقال لها:
ـ أنا اعترض…!
فسألته الضفدعة، وقد أحست إنها تختنق:
ـ بالتأكيد …، لأن مهمتك قائمة على المشاكسة، ومعرفة ما يدور في قلوبنا، مع إن أجهزة الحديقة الحديثة تعرف ما يدور في خلايا رؤوسنا قبل شروعنا بأي عمل…، فأنت تعرف إن العالم الحديث لا يترك سكانه عرضة للمشاكل، والأحزان، والقلق!
    صاح كبير البعوض بنشوة:
ـ لا تدعونا نختلف، ونكمل ما يجري هنا وهناك، من زعيق، ومشاكسات، واختلاف…، بسبب مياه المستنقع الآسنة، وتحولها إلى مادة متصلبة، لكثافة النفايات، وتراكم الأوساخ…، أو لأن رائحة المستنقع باتت أكثر من كريهة…
أجاب الكركدن:
ـ هذه مشكلة أزلية…، ليس بسبب الإهمال، ووجود اللصوص، والمزورين، والجواسيس، والأنذال…، بل لأننا جميعا ً خرجنا من هذا العفن! وهذه هي الحصيلة: الكل ضد الكل، حتى إجراء التصفيات، وإنزال الهزيمة بالجميع!
    اقترب دب جبلي الأصل، وأبدى معارضته، فقال انه ينفي الاتهامات الأخيرة، التي صرح بها السيد الكركدن:
ـ فهي باطلة! لأنها منحازة، وليست إنسانية!
   رد البرغوث:
ـ سيدي الدب…، إذا كنت لا تميز بين الماء الصالح للشرب عن سواه…، فماذا نفعل لك…؟
ـ أأنا لا أميز…، أيها البرغوث المقزز للضمائر، والجلود، يا من سلبنا الراحة، والسكينة، وحرمنا من أحلام منتصف الليل!
   اقترب هر من الضفدعة، وقد تغير لون جلدها وبات رماديا ً:
ـ كل هذا يحدث بسبب المستنقع….، لكنكم تجاهلتم ما يحدث هناك، في باقي الأجنحة…، فالأبرياء يشكون من ندرة الطعام، ومن الإهمال، وانعدام الخدمات، بل ومن الملوثات الفضائية، وكأننا لا نعيش في حديقة حديثة شيدت وفق آخر مكتشفات العلم، وما بعد الحداثات.
   صاحت الضفدعة بألم:
ـ بعد قليل ستتحدث عن مصائب جناح الغربان، والأفاعي، والفئران….؟
فقال الهر:
ـ أليست العدالة واحدة وهي أس المشكلة…؟
ضحك الحمار:
ـ أنا أخشى أن يتم ردم المستنقع، وطردنا، أو إرسالنا إلى المحرقة!
فقال الدب:
ـ  صحيح…، آنذاك ماذا سنفعل، وعلى ماذا نعترض، وعلى أي أمر نختلف…؟
أجابت الضفدعة:
ـ دعونا نتوصل إلى صيغة معتدلة، لا نحو اليسار، ولا نحو اليمين، ولا البقاء في الوسط….، ونخبر السلطات بضرورة فتح قناة لخروج الماء الراكد، وأخرى ترفدنا بالمياه العذبة، فالبلاد غنية بها حد التخمة!
قال البرغوث:
ـ إنها مشكلة مياه إذا ً ...؟ لكن لا احد تحدث عن الجفاف، وزحف الرمال، واليباب الذي دب ّ في روحانا...
رد الدب:
ـ إنها ليست مشكلة جفاف، أو عفونة، أو وفرة مياه...؛ إنها مشكلة توزيع، وإهمال، ولا مبالاة....، بل وكراهية متأصلة فينا! فالموت لم يأت بعد الحياة، بل الحياة ذاتها ليست إلا مناورة مفضوحة معه، مناورة للتمويه...، لكن ماذا فعلنا غير تركنا المعضلة تذوب، وتتوارى!
   تساءلت الضفدعة، وهي تتحسس جلدها الرمادي، بغضب:
ـ بالتأكيد، سيدي، الكراهية صنو الموت...، كلاهما خرجا من هذا العفن...، لكن ما علاقتنا بالأمر...، لو كنا نمتلك حسما ً حقيقيا ً يوازي أحلامنا، وآمالنا الضائعة...؟
   صرخ الكركدن:
ـ في أي غور عميق تسكن هذه الضمائر ...، وما علاقتها بأحلامنا المنهوبة...؟
ـ لست أنت المقصود...، سيدي، ثم لماذا هذه الحساسية، فكلما وجهت الاتهام إلى جهة تبرعت بالدفاع عن نفسك!
   هز رأسه:
ـ مع ذلك أفضل أن تعتذري...، سيدتي الضفدعة الزرقاء؟
ـ لن افعل ذلك ....، لأن هناك جهات مازالت تؤمن بالعدالة...
ـ حددي، أي الجهات هي المقصودة...؟
قال كبير البعوض:
ـ القضية واضحة للغاية...، فالماء الطاهر الأتي من النهر يذهب إلى النعاج، والثيران، والحمير!
اعترض الحمار:
ـ أبدا ً....، فها أنا جئت ابحث عن سد رمقي...، من مياه المستنقع، وأنا مازالت أخشى أن يصدر قرارا ً بردم بركتنا هذه...؟
ـ أين يذهب ماء النهر الخالد...؟
   سأل الحمار:
ـ إلى الخيول، والى جناح السيدة المستشارة، والى مكتب سعادة السيد المدير.
صاح البرغوث:
ـ هكذا يتم الاستهانة بعقولنا، وبإرادتنا، وبأحلامنا....، وكأننا من الدرجة الثالثة، وكأننا لم نولد في هذه الحديقة...؟
   قال الهر للجرذ:
ـ ماذا تقول...؟
رد الجرذ:
ـ كما قالت السيدة الضفدعة ذات اللون البلوري، فنحن كائنات عاطلة عن العمل، كائنات منزوعة الإرادة، والعقول، و....، وكما أشارت بحكمة ورهافة فان الإهمال هو نصيبنا، مثل اللامبالاة، مقترنة بالعفونة الأولى. بل أنا اعتقد حد الإيمان بان هذا الاختلاف لا فائدة منه إلا بتعزيز إدارة الحديقة، وديمومة دستورها الأعمى، وجعل لا شرعيتها من أولى الطاعات!
   قفز البرغوث مبتعدا ً عن رأس الكركدن، ووقف فوق رأس الحمار:
ـ يقولون إنكم من أكثر الكائنات ذكاء ً، وحكمة، ومن أكثرها قبولا ً بحمل الأوزار، والرضا بالخسائر...، حتى إننا لم نسمع إن حمارا ً انتحر، أو تذمر، أو أغلق فمه؟
رد الحمار بخجل:
ـ لم نلتفت إلى هذه المعضلات، لأنها باطلة، لأن المعضلة التي لا حل لها لا وجود لها أساسا ً، فلماذا نخدع أنفسنا، ولماذا نخدعكم...؟
فسأله الجرذ:
ـ ما هي مشكلتكم إذا ً...؟
ـ الماء الآسن...، وانقطاع التيار الكهربائي، وانعدام الخدمات، والتعليم، والصحة، وكثرة المحرمات، والتردد في تطبيقات الشفافية!
     ضحك الدب:
ـ بعد قليل ستتطرق إلى عثرات الديمقراطية، أو ربما تراها تمشي عرجاء...؟
ـ لا ..، إلا الديمقراطية، سيدي، فهي وحدها الحقيقة الراسخة التي يحلم بها الجميع ولا يحصل عليها احد!
ـ فيلسوف...، كأنك تذكرني بسقراط؟
ـ ولماذا سقراط؟
ـ لأنه كان يلمح إلى إجابات لأسئلة  لا وجود لها!
تساءلت الضفدعة بقلق:
ـ أم لديك رأي آخر...؟
   تراجع الحمار، لأن الكلب راح ينبح بأعلى ما يمتلك من قوة، وهو يشاهد احد النمور متجها ً نحو المستنقع. قال الكلب ومازال مذعورا ً:
ـ دعونا نغلق أفواهنا...، ونعرف ماذا يريد هذا النمر...؟
     قرأ النمر ما كان يدور في رؤوسهم، فقال للجميع:
ـ لا تخافوا....، فانا أشاطركم  مشاعركم، وحقوقكم، ومطالبكم، ورغباتكم....، ليس بسبب الماء الأسود، بل بسبب الهواء الثقيل، عديم اللون والرائحة والمذاق،  وليس بسبب الغذاء الفاسد، غير الصالح للاستخدام، بل بما يبثه التلفاز من أفلام داعرة، ووحشية، محفزة على القتل، وسفك الدماء، والاعتداء على الحرمات!
ـ آ ...، سيدي، إذا كنت تعرف هذا كله...، فلماذا لم تعترض؟
ـ وهل هناك جدوى من الاعتراض غير أن نعرض مصائرنا للتشهير، والتنكيل، والاتهامات الباطلة...؟
قال كبير البعوض:
ـ  أنا قلت للسيدة الضفدعة، أمنا المبجلة سيدة الأغوار والظلمات، مادمنا جميعا ً في عداد الهالكين، ولا أمل لنا بالنجاة، فلماذا نحرض إدارة الحديقة بالإسراع في اجتثاثنا، ومحونا من الوجود...؟
صرخت الضفدعة:
ـ يا سيد...، أنا لم اقل هذا الكلام الخطير، ولم أصرح به، بالسر أو بالعلانية....، فانا قلت لنطالبهم بالحفاظ على مستنقعنا، رمزا ً لما تبقى من الدهر...، لأن المستنقع في طريقه إلى الاندثار، والزوال.
    هز الدب رأسه:
ـ آ ...، لو عرفت ما الجدوى من وجودنا في هذه الحديقة...؟
    ضحكت قملة بدينة كانت تدب فوق العشب:
ـ كي نتعارف، ونتصالح، ونمضي أزمنة بهيجة، مفعمة بالمسرة والأفراح!
ـ يا حمار...!
صرخ الحمار في وجه القملة:
ـ وما شأني أنا....؟
ـ آسفة ...، أيها البروفسور الكبير، ولكن الدب استفز مشاعري وتمادى في العنجهية...؟
قال الدب:
ـ أنا لم افعل ذلك...، أنا قلت ما الجدوى من هذا كله وهو بحكم السراب....، وبحكم إجراءات لا علاقة لنا بها...، ولا علاقة لها بنا...!
ضحكت الضفدعة، وقد استعادت لونها الأبيض:
ـ ليذهب كل منكم إلى قفصه، وجناحه، وحفرته، وزريبته، وإلا فأنهم سيضطرون إلى ردم هذا المستنقع فوق رؤوسنا...
تساءل الجرذ بذهن شارد:
ـ آ ...، ماذا فعلنا...، ولماذا هذا الخوف....، فما قلناه لا يشكل خطرا ً على احد! لأن الإدارة أدركت منذ زمن بعيد إنها تستمد قوتها، وشرعيتها، وديمومتها من صخبنا، واختلافنا، وعراكنا الدائم!
ـ صحيح...، هذا بحكم اليقين، وإلا لماذا وجد الشر لو لم تكن له منافع خاصة.
وأضافت الضفدعة بصوت أعلى:
ـ وإلا لماذا تركونا نجتمع، ونتجمع، ونلتقي، وكأننا سنعلن التمرد، وندعو إلى العصيان!   سأل البرغوث الكركدن بصوت حاد:
ـ ما الذي جاء بك إلى هذا المستنقع...؟
ـ الذي أرسلك هو الذي أرسلني! فانا قادوني مثل خروف وقالوا لي: تمتع!
ـ وسمحوا لك بمغادرة قفصك...؟
ـ اسكت...، لم يعد هناك قفصا ً، فالجرذان قرضته، والأرانب التهمت الباقي.
   صاحت الضفدعة:
ـ لن نصل إلى نتيجة ...، أيها السادة، فانا أفكر ـ الآن ـ بكتابة شكوى الخص فيها مطالبنا وأرسلها إلى مكتب سعادة المدير...
قال جرذ المجاري:
ـ أنا دونت ملاحظاتي...، هل ترغبون بقرأتها...؟
قال كبير البعوض:
ـ كلنا آذان مصغية!
بدأ يقرأ:
ـ  سيدي المدير....، قبل أن تكون هناك ارض، وسماء، وقبل الطوفان، وبعده...، كان هناك هذا الذي سيمهد لوجود حديقتنا...، فبعد أن غمر الطوفان الأرض كلها، وأباد من عليها، انسحبت المياه...، تاركة البحر ...الذي، بمرور الزمن، غدا بركة ضحلة....، وهي اليوم توشك على الاختفاء، والتواري.
قال الدب:
ـ جيد...، خيالك جيد، لكن ما المطلوب...؟
تابع جرذ المجاري:
ـ ولأن عصر المجاري، الشبيه بعصر المستنقعات، والظلمات، لم يعد يناسب عصر الشفافية، فإننا نأمل، في هذا العصر الذهبي للعلوم، أن ننال عطف سيادتكم...، بالتكرم بأمر الجهات الرسمية بمعاقبة اللصوص الذين تسببوا بتدمير حياتنا في ما تبقى من البحر الكبير....
تساءل النمر:
ـ ما المقصود بهذه الإشارة...؟
ـ سيدي النمر...، مع انك تشارك الخيول رفاهيتها، فانك تجهل هؤلاء الذين لا يحملون ذرة إخلاص إلى حديقتهم...، هؤلاء الذين حولوا حياتنا إلى جحيم...
ـ آ ...، فهمت، أنت قصدت الخنازير والكلاب والقرود والتماسيح...؟
ـ لا....، لم تعد هناك مخلوقات تشبه التماسيح، لأنها لاذت بالفرار، أما الأسود فهي في طريقها إلى الانقراض، أسوة بالديناصورات العملاقة ....!
ـ اسمع، يا جرذ المجاري، عليك أن تشخص، وان تكون دقيقا ً...
ـ آ ...، نعم، نحن لا نطالب بالرفاهية، بل بالحفاظ على هذا المستنقع ....، فهو وحده يمدنا بالقليل من الحياة.
ـ فهمت....، هات الشكوى....، فانا سأنقلها إلى السيد المدير....، الذي كان قد كلفني بدراسة أحوال الرعية.
   صاحت الضفدعة، وقد بدأت تشكو من الصداع:
ـ دعونا نحتفل!
ـ بماذا تحتفلين....، وأنت مع باقي الضفادع ملأتم الحديقة صخبا ً، ولغطا ً، وضجيجا ً، وعراكا ً، ونقيقا ً ....، فقد كان من المقرر أن تسلكوا طرقا ً نزيهة، ناعمة، شفافة، في عرض مطالبكم، بدل إعلان التمرد...، والتمهيد لإعلان العصيان، وربما الثورة...؟
     ساد الذعر. صاح البرغوث:
ـ قسما ً بالشجر والحجر سأستدعي عشيرتي للدفاع عن حقوقنا، حتى لو تطلب الأمر التضحية بحياتنا...
ـ آ ..، أرجوك...، يا برغوث، أيها المخلوق الوديع، كحمامة، لا تفعلوا ذلك بنا...
وقال كبير البعوض:
ـ وسندعم نحن أيضا ً هذه الانتفاضة، ونحرض الجميع على العصيان....!
نهق الحمار:
ـ أيها الأصدقاء ..، أيها الأخوة، أيها الأشقاء، أيها الرفاق...، ما الجدوى من الحرب، وانتم تعرفون نتائجها...؟
رد الدب:
ـ أنا سأنسحب إلى مغارتي...، ولا شأن لي بأفعالكم المشينة.... فالعنف لا يولد سوى العنف...
صرخت الضفدعة في وجه الدب:
ـ قسما ً بالهواء الأسود الشديد التلوث، وقسما ً بالماء غير الصالح للسباحة، وقسما ً بالبكتريا، والأوساخ....، لن ندعك تعرف الراحة!
ـ ماذا فعلت...، وأنا أموت من الجوع، فلا عسل، ولا عشب، ولا ورود، ولا ...
ـ مت...! بدل أن تبقى تنتظر الموت!
قال النمر:
ـ آن لنا أن نرسلكم إلى المحرقة!
رد الحمار:
ـ أفضل!
ـ ماذا قلت...؟
ـ بدل أن تمزقتنا أنياب العاطلين عن العمل...، ونصبح أشلاء ً ممزقة في بطونها النتنة، المحرقة تطهرنا بنارها الأزلية ...، وتخلصنا من عفن هذا المستنقع!
ـ اقترب.
  اقترب الحمار منه، قال النمر:
ـ آن لي أن افترسك....، فانا كنت ابحث عن وليمة!
ضحك الحمار بلامبالاة:
ـ ولكن جسدي مشبع بماء المستنقع الضار، السام، المر المذاق....! فما أن تتذوق لحمي حتى تصاب بجنون الحمير...، فتصبح هزأة للنعاج، والفئران، والأرانب...؟
ـ اغرب عن وجهي.
    اقترب غراب ووقف فوق قفص مهدم ونعب:
ـ اهربوا .... اهربوا...
فسألته الضفدعة بذعر:
ـ ما حصل أيها الغراب ...؟
ـ الضباع أعلنت تمردها، وثورتها، بالاشتراك مع الأفاعي، والعقارب، والنمل....
ـ علينا...؟
ـ لا اعرف...، لكنها لم تترك شيئا ً إلا وخربته، دمرته، ولم تبق حجرا ً فوق حجر، ولا ممرا ً سالما ً من الأذى...، وهي الآن في طريقها إلى المستنقع العظيم!
صاحت الضفدعة وهي ترتجف ذعرا ً:
ـ اغطسوا .... اغطسوا ...
  بدأ الجميع يغطسون ...، عدا النمر. فقال للغراب:
ـ ومن حرضهم على هذا التمرد ...؟
ـ أنا!
ـ أنت ...؟
ـ لست أنا تماما ً.....، ولكنني أخبرتهم بنوايا البرغوث والجراد والحشرات والقوارض والبرمائيات ...، فصرخوا: إلى الموت... إلى الموت! فأنت تعرف لم يعد لديهم ما يتشبثوا به غير الخلاص من هذه الحياة الوضيعة! مع إنهم كانوا يصرخون: إلى النصر.. إلى النصر!
ـ وعلى من ينتصرون...؟
ـ على المستنقع!
ـ اسمع يا غراب، أيها الشاهد  على أقدم فعل من أفعال الإثم، لقد أصبحت محرضا ً...، فأنت شريك في الفعل، وأنا سأخبر سعادة السيد المدير بأمرك؟
ضحك الغراب حتى سقط أرضا ً:
ـ هرب المدير...، يا سيدي!
ـ أين هرب...؟
ـ إلى الفردوس!
ـ وأين يقع هذا الفردوس ...؟
ـ  بعيدا ً عن هذا المستنقع.
ـ آ ...، دعنا نلحق بسعادته!
ـ سر أمامي...، وأنا سأتتبع خطاك...!
ـ أيها الغراب....، أنا اعرف انك سترسلني إلى المحرقة...؟
ـ سيدي، بدل أن تمضي حياتك في هذا المستنقع، فان النار ستمحو أثرك...، وتجعلك نسيا ً منسيا، فلا احد يعرف من كان السبب في زوال حديقتنا، ولا احد سينبش عن أسباب غيابها، وزوالها من هذا الوجود. فلا الجاني كسب شيئا ً يذكر، ولا المجني عليه لديه رغبة باستعادة ما فقده!
5/7/2016

الرسم يجعل رؤيتنا للحياة أكثر وضوحًا-*ماريا بوبوفا / ترجمة : آماليا داود



الرسم يجعل رؤيتنا للحياة أكثر وضوحًا

*ماريا بوبوفا / ترجمة : آماليا داود


خاص ثقافات

" فقط عندما ننظر بعين الحب نرى ما يراه الرسام " كتبت هذا هنري ميلر عام 1967 في جوهرته المنسية "ان ترسم يعني أن تحب مجدداً " .
الرسم بالفعل يحول الممر السري بين العقل و القلب إلى طريق ذي اتجاهين _ بينما نحن مبرمجون على إغفال غالبية ما يدور حولنا ، أن نتعلم الرسم هو إعادة برمجتنا على رؤية العالم بشكل مختلف ، بشكل حميمي أكثر عن طريق التواجد فيه و الاعتزاز بتفاصيله التي كانت خفيّة سابقاً.

و ربما لهذا تُعلم الفنانة ليندا باري فن القص البصري على أنه فن مجزٍ بلا حدود "لجعلنا موجودين و رؤية الموجود".

قبل قرن من ميلر و قرن و نصف من باري ، قام الناقد و المفكر جون روسكين بفحص فلسفة الكيفية التي يساعدنا فيها الرسم على رؤية العالم بشكل غني ، كتبها روسكين عندما كان عمره تسعة عشر عاماً مقالة بعنوان " عن الكرامة النسبية لدراسات الموسيقى و الرسم ، و المنافع المستمدة من ممارستها " ، و موجودة في كتاب " أعمال جون روسكين " الجزء الأول .

إنه تأمل جميل لثلاثة أسباب مناسبة لوقتنا هذا ، هذا العصر الذي استسلمنا فيه إلى " نزعة الاستهلاك الجمالي" للتصوير الفوتوغرافي ، وتغير رؤيتنا إلى هذا العالم حيث أصبحنا ننظر إليه من خلال كاميرات الهواتف النقالة التي نصور بها أنفسنا بدلاً من الطبيعية اللانهائية و نغفل عن الافتتان بها ، و الرسم اليوم هو استعادة الكرامة و الفرح الخاص .

كتبَ روسكين : 
دع شخصان يخرجان في نزهة : الأول رسام جيد ، و الثاني لا علاقة له بالرسم . دعهما يمشيان في ممر أخضر . وسوف يكون هناك اختلاف كبير في المشهد من وجهة نظرهما . فالثاني سوف يرى الممر و الأشجار ،وسوف يميز الأشجار باللون الأخضر ، و مع ذلك لن يفكر بشيء تجاهها ، سوف يرى شروق الشمس ، وأن شروقها له تأثير مبهج ، لكن الأشجار تظلل الممر و تجعله بارداً ، و سوف يرى امرأة عجوز ترتدي عباءة حمراء ، وهذا كل ما يراه !

لكن ماذا يرى الرسام ؟ فعيناه معتادتان على البحث عن سبب الجمال ، واختراق أدق تفاصيل هذا السحر. ينظر لأعلى ، ويلتقط كيف تنقسم أشعة الشمس بالرذاذ على الأوراق اللامعة من فوقه ، وحتى يمتلئ الهواء بضوء زمردي ، والنباتات تتراقص في المنطقة الخضراء ، والخطوط اللامعة التي تسقط على مجموعة من أوراق الشجر والتي تبرز مشرقة وجميلة في الظلام، وظلال خجولة لشجرة بعيدة ، حيث يلمع الضوء الأبيض مرة أخرى من الخلف ، وكأنه تساقط للشهب ، وتظهر بعض الأغصان هنا وهناك بين المجموعة الكبيرة من الأوراق ، بمئات الألوان المتعددة . 
(....) 
ألا يستحق هذا المشاهدة ؟ ومع ذلك إذا لم تكن رساماً سوف تمر على هذه المساحة الخضراء ،وترجع لبيتك مجدداً ،ولن تجد ما تفكر فيه أو تقوله عن هذا المشهد ،عدا أنك مررت به .
لا يمنحنا الرسم وجودا أكثر حميمة مع العالم فقط بل دعوة لا تقاوم لرواية القصص ، فامرأة في عباءة حمراء ستكون بالنسبة لغير الرسام مجرد عابرة غريبة ، أما الرسام سوف ينسج عنها" كمية كبيرة من التكهنات " كما يقول روسكين ،ويسعى الرسام إلى وضعها بشكل صحيح في سياق المشهد ، ويلعب دائماً بالقصص المختلفة الممكنة عن هويتها ، وكيف انتهى بها الأمر هنا، وهذا هو الدافع للتخمين الإبداعي ، ويؤكد روسكين هذا هو صميم ما يجعل الفنان يرى العالم بشكل مختلف : 
من حالة عديمة الأهمية : طير على الدرابزين ، جسر خشبي فوق جدول ، فرع مكسور، طفل يلبس مريلة ، أو حوذي يلبس عباءة ، يستخلص الفنان التسلية والتطوير والتكهنات . في كل شيء هو نفس الشيء ، حيث ترى العين العادية سحابة بيضاء ، الفنان يلاحظ التدرج بين الضوء و الظل ، واختلاط الألوان : الأحمر والأرجواني والرمادي والذهبي والأبيض ،المحيط الرشيق الشكل ،وليونة الظلال على الأطراف الذائبة ، وسطوع دون لمعان ، وشفافية دون اختفاء ، واعتدال جميل للسماء العميقة التي تطل وسط السحابة الثلجية بعينيها الزرقاوين الناعمتين ، في الحقيقة متعة الرسام في التأمل بالطبيعة هي أيضاً غامضة ، وبالنسبة لشخص ما ليس لديه حس الرسم إذا وهبته الذوق والطاقة ، سوف يشعر بالنظر إلى الطبيعة تقريباً مثل الرجل الأعمى الذي أبصر لتوه. 

المصدر brainpickings


التاريخ : 2016/07/12 05:26:37



الخميس، 14 يوليو 2016

أدب خارج شروط اللغة-*د. آمنة بلعلي


أدب خارج شروط اللغة

*د. آمنة بلعلي
مع تسارع أثر الوسائط التفاعلية التي أسفرت عنها وسائل الإعلام والاتّصال الجديدة، خاصّة الإنترنت، ظهر تصوُّر جديد يسمّى التصوُّر الرقمي أو الإلكتروني، الذي يجعل من النصّ مجموعة من الشذرات التي تربط بينها محدّدات رقمية هي ما عرف بـ«الروابط»، وذلك من أجل خلق تفاعل بين النصّ والوسائط وتسهيل التنقُّل بين ثنايا النص، وتوجيه القارئ للتفاعل مع النص بواسطتها، وكان ذلك بتأثير من تحوُّلات الكتابة الرقمية عند الغرب، منذ بداية ستينيات القرن الماضي، والتي تحقَّقت، بصورة واضحة، في تسعينيات القرن الماضي. فاقترحت مفاهيم ومصطلحات جديدة تجاوزت المصطلحات التي روّجت لها الدراسات النصّية مثل النصّ، والتناصّ، والبنية، إلى مصطلحات مركّبة تجمع بين النصّ والوسيط، كالنصّ المتفرّع HYPERTEXTE، وقد تُرجِم بـ«المفرَّع، والمتشعّب والمترابط، والشبكي»، ثم شاعت صيغ أخرى تعبِّر عن علاقة الأدب بالوسيط الإلكتروني كالأدب الإلكتروني والأدب التفاعلي والأدب الرقمي وغيرها. وقد سعى سعيد يقطين إلى شرح مفهوم النصّ المترابط الذي خلق إمكانيات متعدِّدة للقراءة التي يتفاعل القارئ فيها مع النصّ بفضل الروابط، ويعدّه نمطاً جديداً قائماً على الانفتاح(1). ونشهد، اليوم، مع الكَمّ القليل الذي كُتِب حول هذا النمط الجديد ومع التفاعل المحدود من الأدباء معه، مجموعة كبيرة من المصطلحات التي يُرَوَّج لها في الثقافة النقدية العربية، والتي توثِّق العلاقة مع التقنية أكثر من الأدب، من قبيل: الأدب الافتراضي، والأدب الإلكتروني والرقمي، والأدب التوليفي، والأدب التوليدي، والأدب الفرجوي، وغير ذلك.

إن هذا النمط الجديد من الأدب يفرض شروطاً خارج شروط اللغة التي تُعَدّ المكوِّن الأساس للأدب، وعوض التّعامل مع اللغة أصبح التعامل مع الوسيط الإلكتروني، وعوض امتلاك القدرة على التشكيل غير المألوف للغة وعقد علاقات غير طبيعية بين الكلمات لإنشاء صور، وإحداث إيقاع أصبح هناك شرط امتلاك القدرة على الإلمام ببرامج معيّنة ومهارة الإبحار في الشبكة، أو الاستعانة بمن يملك هذه المهارة من مهندسي الإعلام الآلي، وقد عُبِّر عن هذه الحالة بـ«التفاعل» الذي وُصِف به هذا النوع من الأدب، كما أصبح صفة لقارئ هذا الأدب.

والذي يهمّنا هنا هو: هل جاءت العلاقة بالرقمية بنمط جديد في الكتابة، فخلقت بلاغة جديدة نستطيع من خلالها أن نتحدّث عن جنس أدبي جديد؟

لقد طُرِح هذا السؤال في النقد الغربي في البدايات الأولى من هذا التلاقي، وعلى الرغم من أنهم كانوا يبشّرون ببلاغة جديدة،إلا أننا نجدهم لم يتمكّنوا من تبيّن هذه الجِدّة إلا فيما تتميّز به الكتابة من روابط وطريقة بنائها، وتصبح القضية- ببساطة- حديثاً عن تفاعل وعلاقات بين روابط، مقابل تفاعل بين عناصر النصّ الواحد أو النصوص الأخرى، مثلما دعت إليه البنيوية والتناصّية، لكننا نجدهم، فيما بعد، ومع نهاية الثمانينات يضعون القيمة الجمالية والتخييل محلّ اهتماماتهم في معاينة تطوّر العلاقة بين الأدب والوسائط الرقمية.

ولقد تلقّى النقّاد العرب هذا التحوّل الغربي في علاقة الأدب مع التقنية تلقّيهم للفتح العظيم، فربطوا هذا الانخراط بالتحديث وبِرِهانات الثقافة وبالمستقبل؛ حيث ذهب سعيد يقطين، مثلاً، إلى المقارنة بين معرفة التقنية الحديثة، ومعرفة بَرّاية القلم عند العرب القدامى بوصفها وسيلة تقنية من أجل كتابة جيدة، ومن ثمة، فالكاتب المعاصر ليس بمقدوره مساير التطوُّر التكنولوجي وكتابة نصّ جيّد إلا بتعلُّم التقنية لأن «عدم معرفة وظائف الحزمة المكتبية، وكيفية صناعة الروابط من خلالها، أو من خلال غيرها من البرمجيات الخاصة، أو كيفية استخدام برنامج خاصّ بالكتابة الرقمية، لا يمكن أبداً أن يجعلنا قادرين، كتّاباً وقرّاء، على كتابة النص الرقمي وتلقّيه»(2)؛ وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على المتلقّي لكي لا يبقى مجرّد متلقٍّ تقليدي يبحث، فقط، عن المعلومة، وكان سعيد يقطين قد ربط مستقبل الثقافة العربية كلّها بالنصّ الرقمي، في كتابه الأول «النص المترابط والثقافة العربية». 

واضح من هذا الموقف أنه تَمّ ربط المعلوماتية والرقمنة بالتحديث، فبالرقمنة يتجدّد فكرنا، هذا في الوقت الذي يحذّر فيه الغرب، اليوم، من الدور الذي لعبته هذه التقنية في تشيئ الإنسان وجعله غير قادر على الإبداع الحقيقي؛ حيث عطّلت قدراته الذهنية والعضوية.

إن الوعي الإبداعي والوعي النقدي لا يمكن أن يكونا رقمَّيين، لأن التقنية تشكِّل جزءاً بسيطاً من الوعي، فسوء التدبير السياسي، والتزمُّت الديني، والتعصُّب للرأي ليسوا من آثار عدم الوعي بالتقنية، وإلا كيف نفسِّر العطاءات الإبداعية وبلوغ التفكير أرقى درجاته في مراحل معيَّنة من الحضارة الإسلامية!؟ وتبقى المناظرة الإسلامية أرقى ما يمكن أن يصل إليه التفاعل الإيجابي في التفكير الذي كان سمة أساسية من سمات الحضارة الإسلامية. 

لعلّ ما يمكن أن يلاحَظ في تلقّي هذا النوع من الأدب الذي لا يزال مجال إبداعه ضئيلاً، على الرغم من الكَمّ الهائل من الكتب التي أُلِّفت حوله، هو التعامل الرومانسي معه على حساب الأدب الورقي، ويتجلّى ذلك من خلال ربط التطور الفكري بمزيد من الاندماج في الافتراضية التي يفرضها الإبحار الإلكتروني، وجعله سؤالاً مهمّاً من أسئلة الثقافة العربية، وربط الحداثة في الأدب به، إلى حَدّ أن البعض لا يتورّع في وسمه بـ(جنس جديد)، أو حتى (مدرسة جديدة).

صحيح أن الأدب يساير علاقة المبدع والمتلقّي مع متطلّبات التطوّر الحضاري للمجتمع، ويعبّر عن تحوُّل هذه العلاقة، ولكن، هل عبّر الأدب الرقمي ذاته على حالة جديدة، ومنطق جديد في التفكير عند الغرب، أم أنه كان مجرَّد تجلٍّ من تجلّيات التطوّر الفكري للفرد الأوروبي؟ ثم، كيف نفسِّر اعتراض المفكّرين والنقّاد في الغرب أنفسهم، على إمكانية إعطاء هذا الدور للتكنولوجيا على حساب الفرد والإبداع؟ فنراهم يحذّرون من الأخطار التي أحدثتها التكنولوجيات الجديدة في الفرد والمجتمع، وخاصّة أن هذا النوع من الممارسة الإبداعية لم تحقّق ما به يشكّل ظاهرة طاغية، فمازال الغرب ينتج الكتب الورقية، وما زالوا يقروّن بأهمّية الكتاب الورقي، الذي أصبح ضرورة في الوقت الراهن. 

يبدو أن سؤال التقنية في الأدب أصبح سؤالاً مركزياً في الحداثة الشعرية العربية المعاصرة، غير أن هناك من يستبصر رؤية مستقبلية أخرى، تطرح سؤال التقنية على المحكّ، جنباً إلى جنب مع سؤال الإبداع والإضافة والمشاركة في الفعل الثقافي العالمي والحقّ في الاختلاف، مثلما ذهب إليه المفكِّر طه عبد الرحمن، وفي الاتّجاه نفسه نجد محمد أسليم يرى أن مفهوم الإبداع الرقمي بالطريقة التي فُهِم بها سيؤدّي بالأدب إلى الانقراض، ليفسح المجال لشكل من اللعب التفاعلي بين الإنسان والآلة، تزول فيه الحدود بين الإبداع والتلقّي، أو الكتابة والقراءة، بل سيختفي هذان النشاطان مفهوماً واصطلاحاً، وتنشأ منظومة من المفاهيم والمصطلحات التي تعبّر عن تجربة أخرى يفنى فيها مفهوما الكتابة والقراءة(3)، وسواء أعَبَّر هذا الرأي عن نظرة تفاؤلية أم عبَّر عن نظرة تشاؤمية، فإن ما أشار إليه محمد أسليم، ينبّهنا إلى عدم قدرتنا على امتلاك رؤية لما سوف يكون عليه الأدب الرقمي، وأننا لن نشهد سوى انقراضه، ونتلمّس أبعاد هذه النظرة عند الذين نظَّروا وللأدب الرقمي ومارسوه. 

ساد الاعتقاد بأن حداثة هذا الأدب ترتبط بالموضوع الرقمي، وهم يعيدون مفهوم الأدب إلى الثنائية التقليدية التي كانت تنتصر إلى المضمون، وتجعل منه معياراً للتحديث، مثلما جاء في ما اصْطََلح عليه محمد سناجلة بـ«الرواية الرقمية الواقعية»، حيث يسحب مفهوم الواقعية إلى العالم الافتراضي الرقمي، وتصبح الرواية نوعاً جديداً؛ لأن مضمونها حديث على الواقع الافتراضي، كما يصبح معيار الجِدّة في الرواية الرقمية، هو التأكيد على «أن الرقمية والعوالم الافتراضية هي بصدد الحلول- حرفياً- محلّ الواقع بكافّة قطاعاته وأنشطته بما يقتضي التعامل معها بوصفها واقعاً، أي أمراً ملموساً وموجوداً، يمكن أن يجلب الفرح للمرء ويسعده ويكافئه، مثلما يمكن أن يجلب له الشقاء والبؤس»(4). وسواء أقَصَد محمد سناجلة التنظير أم لم يقصده، فإن ما يثيره هذا التعريف هو ربط هذا الشكل الجديد بموضوع العالم الافتراضي، فيما يذهب البعض إلى ربطه بالوسيط الإلكتروني بوصفه حاملاً، ونجده عند الذين تستهويهم فكرة التفاعل ربطه بدور الروابط في إحداث التفاعل بين القارئ والنصّ الرقمي، مثلما تذهب إلى ذلك فاطمة البريكي في كتابها «الأدب التفاعلي»، أو زهور كرام في «الأدب الرقمي». غير أن الأمر بالنسبة للشعر الرقمي مختلف عند الشاعر مشتاق معن، الذي يبدو أنه لم يستسغ اصطلاح الواقعية الرقمية، فقال بـ«المجازية الرقمية»(5)، وكأنه يؤكِّد على أن موضوع الشعر الرقمي ليس هو الواقع الافتراضي، ولذلك نلاحظ أن قصيدته الرقمية لا تكاد تختلف، في نصّها اللغوي، عن الشعر الحداثي الذي يكتبه بعض الشعراء الحداثيين الذين يوظِّفون التناصّ كاستراتيجية تجسّد رؤية مجازية للواقع العربي كما تجلَّت له في 2007.

إن مطالبة القارئ أن ينخرط في التفاعلية مع المبدع، تفرض عليه أن يصرف اهتمامه إلى التقنية على حساب النص، وإن المشاركة التي يتحدّثون عنها هي مشاركة شكلية وافتراضية لا غير، ما دامت مجرّد اختيارات للقارئ في تعديل البرمجة وتغيير مواقع النوافذ؛ أي إنه بإمكان القارئ الدخول إلى ملفّات البرمجة والعرض الموجودة في قاعدة بيانات النصّ، وإحداث ما يشاء من إعادة لتشكيل البرمجة بما يتواءم مع ذوقه، دون المساس بالمتن الرئيس للنصّ.(6)

ذلك هو هاجس سؤال التقنية الذي يثيره الحديث عن الأدب الرقمي في الثقافة العربية المعاصرة، سواء ما تعلَّق بالرواية الرقمية، أو ما ارتبط، خاصةً، بالشعر الرقمي، بالإضافة إلى ما ينبغي أن يكون عليه دور هذه التقنية في تحديث القصيدة العربية، وهل تكتسب القصيدة بهذه التقنية بلاغة جديدة؟ وما علاقتها بالتقاليد البلاغية لتحوّلات الشعر العربي، ودور هذا الشعر في عملية التواصل؟ وكيف تسهم في جعل النصّ الشعري يمتدّ إلى وعي القارئ العربي وإلى لاوعيه وإلى تاريخه الشعري الذي شكّل جزءاً كبيراً من مخيّلته، بخلاف الرواية التي هي جنس طارئ في الثقافة العربية؟ وهل يكشف هذا النوع من الشعر عن تغيُّر في مفهوم الشعر ووظيفته وأدواته، أم أن الأمر متعلِّق بحامل مادّي لا غير.



هوامش:

1 - يراجَع سعيد يقطين، «النص المترابط ومستقبل الثقافة العربية (نحو كتابة عربية رقمية)» المركز العربي الثقافي، الدار البيضاء، ط1، المغرب 2008، ص 59 - 61.

2 - سعيد يقطين، «علينا اتخاذ الوعي الرقمي نقطة تحوُّل في فهمنا للثقافة والسياسة». حاوره: محمد صبح، المرجع السابق.

3 - محمد أسليم، «نظرية الرواية الواقعية الرقمية»، موقع محمد أسليم.

style="text-align: justify;">


style="text-align: justify;">