الثلاثاء، 13 ديسمبر 2011
الثقافة أخلاق !!!,أم الأخلاق ثقافة ؟-حامد كعيد الجبوري
الثقافة أخلاق !!!
أم الأخلاق ثقافة ؟
حامد كعيد الجبوري
ربما نتساءل ما هو فحوى هذه العنونة لهذه الموضوعة ؟ ، وهو سؤال قد يثير الدهشة للكثير وأنا منهم ، يفترض للمثقف أن يحمل الأخلاق قبل حمله للثقافة ، وبخاصة أن أردت أن تتخذ من ذلك المثقف صديقا ، والكثير من حملة الثقافات لا تجد فيهم هذه الميزة لنتخذهم أصدقاء ، وهنا يبرز سؤال لابد منه وهو من المثقف ؟ ، وهل الذي يبحر بزورق ثقافي واحد هو المثقف ؟ ، أم الذي يبحر بسفينة الثقافة هو المثقف ؟ ، وأعني بسفينة الثقافة كل فروعها الثقافية من أدب ،وعلوم ، ومسرح ، والدراسات الاجتماعية ، والسياسية ، والتجارية ، والصناعية ، والزراعية ، وما الى ذلك ، ومثل هذا المثقف الذي يعي أغلب هذه الفجاج يمكن أن نسميه بالمثقف الشمولي ، ومن يتخصص لوجه واحد نطلق عليه المثقف المختص ، ومجموع هذه الثقافات أن لا تؤطر بالخلق الرفيع فيعني أن ذلك المثقف غير مستكمل لشروط الثقافة كما أراه ، ولابد للثقافة من دفة تسيرها ، وأعني بذلك وزارة الثقافة ، وكل هذه المقدمة بسبب أن وزارة الثقافة تتعامل مع الشريحة المثقفة العراقية ، وهي أخطر شريحة مجتمعية بسبب سطوتها وحضورها الفاعل إعلاميا وأعني المثقفون ، قسم من المثقفين يرون أن مكانهم الطبيعي هو ذلك الكرسي الذي يجلس عليه وزير الثقافة أو وكلائه أو مدرائه العامون ، وقد يكن مصيبا بما يطرح إلا أن الواقع السياسي العراقي غير ما يحلم به المثقف بسبب المحاصصة الحزبية والعرقية والدينية والمذهبية ، وفي كثير من الأحيان يجد المثقف نفسه أفضل بكثير من صاحب الموقع الذي شغل ، وأكرر ربما هو مصيب بذلك أيضا ، وقسم آخر من المثقفين يجدون أن وزارة الثقافة هي وزارة هامشية ليس لها إلا الإيفاد والسفرات غير المجدية نفعا لثقافته التي يراها ، متناسيا ان الوزارة لها علاقات ثقافية يجب أن تمتد خيوطها لتلتحم بالثقافة العربية والعالمية من خلال هذا التواصل المعرفي ، وقد يكن المثقف مصيبا نوعا ما بما يراه أيضا ، ويعترف الكثير من كبار موظفي الوزارة بهذا الطرح ، وهنا يبرز تسائل آخر ممن يقرأ هذه الموضوعة ويقول لم تريد أن تكتب عن وزارة الثقافة ؟ ، وهل كتابتك تعتبر تزلفا وتقربا نحو هذه المؤسسة الحكومية الثقافية الكبيرة ؟ ، وهنا علي أن أرد على مثل هذا التساؤل وأحيل لمن يتهمني هكذا أن يقرأ مواضيعي وقصائدي من خلال الصحف العراقية ومنابر الأعلام الألكترونية كالحوار المتمدن وموقع الناس وغيرها ومثلها الكثير ، ولست باغيا من وزارة الثقافة العراقية أي شئ فأنا موظف عسكري متقاعد ، ولي نشاطاتي الكثيرة ولست بحاجة لوزارة الثقافة أن تسوقني إعلاميا أو ماديا ، ويعرف الجميع السمة التي عرفت بها منكرا لكل ممارسات الدكتاتورية المقبورة ، وحتى أن أسمي لم يكن يتداول بين مجاميع الشعراء أو الكتاب الذين طبلوا وزمروا لنظام أعتبر امتداحه سبة وسيئة أتحاشى لنفسي ولقلمي أن أدنسه بمثل هكذا أنظمة متهرئة ، بعد سقوط الدكتاتورية وصنمها لمزبلة التواريخ أيقنت أن علي أن أكرس جهدي وقلمي وصوتي للقادم الجديد سواء أحسن أم أساء ، بمعنى أدق أني مؤمن بالنظام الديمقراطي الجديد الذي يفرز الجيد من خلال صناديق الاقتراع ، مع قناعتي أن هذا الصندوق قد تصل له أياد خفية لتعبث به ، وواجبي وواجب كل ضمير حي أن يحاول بناء المجتمع الجديد ضمن الأطر الديمقراطية التي يجب أن تفرز الصالح عن غيره ، وليس حديثي عن وزارة الثقافة العراقية لكسب ودها لأضيف أسمي أو أسم من ينتمي الى إتحادي ( إتحاد الشعراء الشعبيين ) - وأنا أمين سره - لما يسمونه منحة الإبداع ، فوقت التسجيل انتهى وظهرت الأسماء جلية ومعرفة للجميع ، بمعنى أكثر دقة أن المبالغ محددة والأعداد حددت بموجبها فلا يستطع الوزير أو الوكيل أن يضيف أسما عليها ، وهذا جواب من يريد أن يتهمني بالتزلف والتسويق الإعلامي لوزارة الثقافة ، وأجد نفسي قد كتبت الكثير عن التجاوز والاستحواذ والقرصنة المشرعنة وغير المشرعنة للمال العام من قبل الكثير من الرموز الحكومية الكبيرة والصغيرة ، ووضعت أصبعي متحدثا عن الفساد الإداري والأخلاقي ، ولكني لم أتحدث عن إيجابية واحدة لمصلحة الحكومة الجديدة ، وهذا تقصير أجده غير مبرر مني ، وعلي واجب أخلاقي أن أشير للجيد ونشد أيدينا بيده لنرتقي صوب ما نطمح له جميعا ، لذا سأكتب عن الخلق العالي الذي يحمله الموظف الثقافي لتكتمل عندي وعنده الصورة المشرقة للمثقف الذي يحمل الثقافة ويحمل الأخلاق ، ومن هذا الطرح أتيت بعنوان الموضوعة ( الثقافة أخلاق أم الأخلاق ثقافة ) ، ومن الجميل جدا أن يجتمعا سوية الأخلاق والثقافة ليكونا شخصية تحمل كل الميزات الإنسانية الرفيعة ، وهذا ما وجدته بالسيد ( طاهر حمود الموسوي ) ، ولست راغبا بنعته وكيلا لوزير الثقافة ، بل جردته من سمته الوظيفية لأنها تزول وأسم الثقافة والخلق يخلدان ، استقبلنا برحابته المعهودة وأمتص زخم ثورتنا ضد وزارة الثقافة ، وأثبت بجهوده الشخصية بقاء إتحادنا الفتي ( إتحاد الشعراء الشعبيين ) مرفوع الرأس أمام التكتلات الكثيرة التي تحاول طمس مجهودنا الوطني ، بل أصر على وجود هذا الإتحاد بصفته المعنوية لأنه على علم بتطلعات هذا الإتحاد ، وأسجل شكري لمدير مكتبه السيد ( حيدر الشوكي ) والسيد ( باقر الشوكي ) ولحسن خلقهما وأخلاقهما النبيلة ، ولمن يعملون بمعية مكتبه ، ولا أغفل ما قدمه السيد ( رعد علاوي الدليمي ) مدير الإدارية والمالية بوزارة الثقافة الذي فتح لنا داره ومضيفه العشائري وأبواب دائرته لتقبل طروحاتنا التي تخص تشكيلتنا الثقافية ، والست الفاضلة ( ليلي خزعل ) معاونة المدير العام للإدارية والمالية هذه المثابرة الدءوب والتي يطلقون عليها موظفوها ( عمة ) فتصورتها طاعنة بالسن ولكنهم كنوها ب ( عمة ) حبا وتكريما لها ، وأسجل شكري للأستاذ ( قيصر سهيل ) ذلك الخلق العالي والاستقبال المكرم لمن يطرق باب دائرته فلا يكل من سؤال ولا يتردد عن فعل خير يقدمه ما أستطاع ، ولا أنسى الصديق الأستاذ ( عقيل المندلاوي ) مدير العلاقات الثقافية الذي هيأ لنا وبجهوده المثمرة لننجز لوزارة الثقافة أربعة مهرجانات وطنية بدعم وتمويل من وزارة الثقافة ، ومعاونه السيد ( مظفر ) لما يبديه من تفهم عملي لواقع المشهد الثقافي .
أتمنى أن نجد أشخاصا هكذا بوزاراتنا العراقية الأخرى ، وأعتذر ربما هم موجودون ولكن بحكم علاقتنا مع وزارة الثقافة لا نحتك مع الوزارات الأخرى .
الجمعة، 9 ديسمبر 2011
مقاهي بغداد..سمــر ومــواعيد وثقــافــة -د. سعدي شرشاب
مقاهي بغداد..سمر ومـواعيد وثقــافـة
نتشر في العراق المقاهي الشعبية التي تركت لها اسما وأثرا في الحياة العامة.
وقد يتذكر الكثير من العراقيين بعض هذه المقاهي وأثرها في المجتمع العراقي، كما ان معظم العراقيين ان لم يكن جميعهم قد اتخذوا من المقهى مكانا لقضاء أوقاتهم، أو للسمر فيه، أو اللعب، أو لقاء صديق فالمقهى جزء من الحياة اليومية.أثرت المقاهي، والشاي ايضا في الشعر العراقي بشقيه العامي والفصيح. في بعض ما ذكره الشاعر الفيلسوف عبود الكرخي دليل على هذا التأثر:
كون أنگلب فنجان
بيدْ الگهْوجي
وأوصل لحگك هواي
أنتحب وأبجي
أو قول الرصافي بعد موجة من تحويل بعض المقاهي الى ملاهٍ عام 1909:
أرى بغداد تسبح بالملاهي
وتعبث بالأوامر والنواهي
أو ما نسمعه من أغان فولكلورية تمتد لمئات السنين تتغنى بالشاي وتتغزل بالحبيب الذي يعد الشاي، ولعل أشهر هذه الاغاني:
خدري الچاي خدري
عيوني لمن أخدره
مالچ يا بعد الروح
دومچ مِجْدَره
Dim lights
أما أول مقهى فتح في بغداد كما يذكر الشاعر معروف الرصافي في مذكراته التي نشر بعضها وفقد بعضها الآخر فتم افتتاحه عام 1590م اسمه "خان جغان" في زمن الوالي العثماني "جغالة زادة سنان باشا" ايطالي الأصل وعينه السلطان "مراد الثالث" وحكم بغداد من 1586م وحتى 1590م.وقبل ان نذكر اسماء هذه المقاهي الشهيرة ومواقعها واسماء روادها لا بد ان نذكر الادوار التي لعبتها هذه المقاهي في الحياة الاجتماعية والسياسية في العراق، حتى اخضعتها السلطات المتتالية على حكم العراق للمراقبة الأمنية وارتبطت اسماء هذه المقاهي بأحداث العراق بشكل عام، بل أصبحت جزءاً من حياة العراقي.
1-ان هذه المقاهي كانت بمثابة ملتقى يومي لكبار العلماء والساسة وأصحاب الأعمال والمصالح، وللفنانين والأدباء والشعراء والمفكرين مثلما هي نادٍ للعراقيين من سكان المنطقة القريبة من المقهى، وبالتالي فالمقهى نادٍ ثقافي لعب دوراً أساسياً في الابداع في العراق..
2-لبعض هذه المقاهي صفات التجمع المهني مثل مقاهي التجار حيث يجتمع التجار ليمارسوا البيع والشراء وعقد الصفقات أو الالتقاء ببعضهم، ولعلها كانت تقوم بدور البورصة الحالية.
3-المقهى مكان استقبال بعض الضيوف واكرامهم حينما يتعذر استقبالهم في البيوت لأسباب مختلفة تفرضها الظروف المحيطة بالشخص.
4-وهو ملتقى الغرباء، اذ تجد عند كل محطة سيارات لنقل الركاب الى محافظات اخرى مقهى معظم ر
واده من تلك المحافظة التي تسير إليها الشاحنات والسيارات. مثل مقهى الناصرية في البصرة، وكذلك مقهى العمارة.
5-والمقهى مكان تسلية وقضاء وقت، أو تتحول بعضها الى ملاعب قمار، أما في رمضان من كل عام فتصبح المقاهي ساحات لعب خاصة بالشهر الفضيل اذ تنتشر لعبة "المحيبس" الشهيرة في العراق، ويؤم هذه المقاهي كل ليلة بعد صلاة التراويح العشرات بل المئات يتمتعون بلعبة المحيبس الجماعية، التي تمتد الى الفجر اذ تنتهي بفوز احد الفريقين ويتناول الجميع "البقلاوة" التي يدفع ثمنها الفريق الخاسر لتعاد اللعبة في اليوم التالي بفريقين آخرين جديدين.
6-ولعل المقهى مكان تجمع وطني وقومي سياسي، وكثيرا ما انطلقت التظاهرات والاحتجاجات من المقاهي التي تعتبر بؤرا وطنية، ينمو فيها الوعي السياسي وتتخذ مكانا لتجمع القوى السياسية والوطنية التي أسهمت في تاريخ العراق السياسي عبر اكثر من قرن من الزمن.
أما اشهر المقاهي وأهمها فهي:
مقهى فاضل في الصالحية.
مقهى علي النهر في الفضل.
مقهى الجمالي في باب الشيخ.
مقهى ياسين في شارع أبونواس.
مقهى المواصلة في شارع الرشيد.
مقهى أبوصفو في شارع السموأل.
مقهى سيد بكر قرب وزارة الدفاع.
مقهى وهب في الميدان.
مقهى القراءة خانة في باب المعظم.مقهى العبد في الباب الشرقي.
مقهى التبانة في محلة الفضل.
مقهى السوامرة في الكرخ.
مقهى النقيب في محلة قنبر علي.
مقهى بيت هيش في الكرخ.
مقهى حتروش في المشاهدة.
مقهى ماجستيك في الميدان.
مقهى عارف آغا في الحيدرخانة.
مقهى سبع في الميدان.
مقهى عزاوي في باب المعظم.مقهى البلابل في محلة البارودية.
مقهى ملاحمادي في محلة المربعة.
مقهى البهرزاوي
مقهى الخفافين سوق الساعجية.
مقهى الوقف مقابل وزارة الدفاع.
مقهى العكامة جسر الشهداء الكرخ.
مقاهي عكيل تقع قرب جامع عطا بالكرخ وهي ثلاثة مقاهٍ (مقهى حمادي) (مقهى رشيد النجفي) و(مقهى ياسين).
مقهى الشابندر شارع المتنبي.
مقهى المميز جسر الشهداء الرصافة.
مقهى ابو القاسم في الكرخ.
مقهى حضيري ابوعزيز الكرخ.
مقهى ابراهيم عرب شارع الرشيد.
مقهى البرلمان شارع الرشيد.
مقهى فتاح شارع الرشيد.
مقهى القيانجي شارع الرشيد.
مقهى السويسرية شارع الرشيد.
مقهى حسن عجمي
مقهى عبود بالمستنصرية.
مقهى ابو رزوفي الكرخ.
مقهى ناصر حكيم الكرخ.
مقهى البلدية شارع الرشيد.
مقهى خليل القيسي شارع الرشيد.
مقهى أم كلثوم شارع الرشيد.
مقهى اكسبريس فلسطين شارع الرشيد.
البرازيلية شارع الرشيد.
مقهى الزهاوي
مقهى النعمان في الاعظمية.
هذا عدد من مقاهي بغداد التي عرفت خلال اكثر من قرن من الزمن، وشكلت خريطة مكتملة لمعظم أرجاء بغداد القديمة، التي امتدت اتساعا في الخمسينات والستينات، وبلا شك فإن عددا من هذه المقاهي قد اعدمت بعد ان اتسعت بغداد. ما افقد العراقيين بعض ثراث مهم لأن هذه المقاهي كانت مراكز لشعراء وأدباء وتجار واعلام بغداد، وفيها من الذكريات والاحداث ما يؤرخ له في الحياة العامة
وهي شواهد لأحداث اكثر من قرن مرت على العراق. كما أرجو ان اكون قدمت رصدا من دون ان انسى بعض هذه المقاهي. ولعلي اقول لا بد وقد غاب عن ذهني بعضها خاصة وأنني اشعر ان بعض الثقوب قد ابتليت بها ذاكرة لم تزر الوطن خلال ربع قرن، إلا من خلال حلم ظل يعانقني طيلة الربع قرن التي انسلخت من عمري. ان بعض الاعلام من الشعراء والأدباء والمفكرين والعلماء والتجار والشخصيات الاعتبارية الاخرى ارتبط بواحد من هذه المقاهي، بل ان كرسيا معينا في المقهى يظل شاغرا الى ان يجلس عليه صاحبه من هؤلاء الاعلام.
مقهى قديم.. لاحظوا ملابسهم ..
*مقهى ابن صفو: يقع في شريعة المصبغة بجانب الرصانة، وهذا المقهى من اقدم مقاهي بغداد، ومن اسماء هذا المقهى "مقهى الشط" أو "مقهى التجار" كان صاحبها حسن صفو، وله اخ اسمه احمد صفو من اشهر قراء المقام العراقي وكان يغني في المقهى، في عام 1909 تحول المقهى الى ملهى ليلي غنت فيه "طيرة المصرية"، وطيرة جاءت من مصر قبل الحرب العالمية الاولى،
وغنت اشهر الاغاني العراقية "عبودي جا من النجف شايل مكنزية".
* مقهى عارف آغا: يقع في الحيدر خانة، بجانب المسجد المسمى بالاسم نفسه كان يلتقي في هذا المقهى كبار التجار وكبار الساسة والوجهاء والنواب والاعيان. وقد اتخذه معروف الرصافي مجلسا له يحيط به محبوه ومريدوه، وارتاده من الساسة ياسين الهاشمي، وحكمت سليمان. تحول المقهى بمرور الزمن الى دكاكين عامة.
مقهى سيد بكر: يقع بجوار وزارة الدفاع بين الميدان وباب المعظم، وقد اشتهر هذا المقهى بسباقات "الديكة" وكذلك "نطاح الكباش".
مقهى كلوزير: ذكره الرصافي في مذكراته، ملتقى الطبقة البرجوازية في بغداد، يقع بجانب باب وزارة الدفاع وبالق
رب من معمل احذية الكاهجي، هدم عام 1915 بعد توسعات شارع الرشيد.
مقهى سبع: صاحبه سبع اشهر قهوجي في بغداد، يقع المقهى في الميدان.
وكان يستقدم عددا من المغنيات ومنهن "رحلو الملعية جرادة" و"شفيقة الحلبية" وقد ذكرها الشاعر ملا عبود الكرخي في قصائده الظريفة:
هذي "رحلو" رحلة الصيف وشتاء
ما اظن يوجد مثلها بالنساء
ب "كهوة سبع" انظر الى الحورية
شفيقة بالأصل يمكن "حلبية"
مقهى سبع: صاحبه سبع اشهر قهوجي في بغداد، يقع المقهى في الميدان.
وكان يستقدم عددا من المغنيات ومنهن "رحلو الملعية جرادة" و"شفيقة الحلبية" وقد ذكرها الشاعر ملا عبود الكرخي في قصائده الظريفة:
هذي "رحلو" رحلة الصيف وشتاء
ما اظن يوجد مثلها بالنساء
ب "كهوة سبع" انظر الى الحورية
شفيقة بالأصل يمكن "حلبية"
ومما يذكر عن هذا المقهى ان الشاعر ابراهيم الباججي اطلق النار على فتى سوري "حلبي" جميل، ومات الحلبي في مستشفى الغرباء بالكرخ. وقد رثاه الشاعر عبود الكرخي مثلما رثاه معروف الرصافي عام ،1907 ولأن هذه القصائد تؤرخ مقتله وهي جميلة تعبر عن روح أهل بغداد، فإنني اذكرها هنا مع الاشارة الى ديواني الرصافي والكرخي.
يقول معروف الرصافي:
فأطلق من مسدسه رصاصاً
به في الرمي تنحرف الجسوم
فخر الى الجبين به "نعيم"
كما انفضت من الشهب الرجوم
سأبكيه ولم أعبأ بلاح
فأطلق من مسدسه رصاصاً
به في الرمي تنحرف الجسوم
فخر الى الجبين به "نعيم"
كما انفضت من الشهب الرجوم
سأبكيه ولم أعبأ بلاح
وأندبه وان سخط العموم
ولما ان ثوى ناديت أرخ
ثوى قتلاً بلا مهل "نعيم"
اما الملا عبود الكرخي فيقول في قصيدة رثائه:
يا دگة الما تنحچي
سواها ابن الباچچي
خلو عليه التوبچي
وتضحك عليه الصبيان
اللطم لنعيم وجب
والدمع عالخد انسجب
كظه ويانه بس رجب
وصارت كتلته بشعبان
Dim lights
مقهى عزاوي: وهو من اشهر مقاهي بغداد، وكان يعرض مسرحيات خيال الظل "عيواظ وكركوز"، كما مثل في هذا المقهى اشهر الكوميديان القطري "جعفر آغا لقلق زادة" وكذلك مثلت فيه الفنانة عفيفة اسكندر، وهو يقع في باب المعظم قرب جامع الاحمدي، وقد غنى فيه ايضا اشهر مطربي ذلك العصر امثال نجم الشيخلي، واحمد زيدان، وقد ورد اسم المقهى في اشهر أغنية فولكلورية "فراگهم بچاني" والتي هي ايضا "يا لگهوتك عزاوي بيها المدلل زعلان".
مقهى البلابل: للبلبل اثر في حياة البيوت العراقية، ويندر ان تجد بيتا عراقيا من دون اقفاص البلابل "أنا العبد الفقير لم اترك هذه العادة، واستوردت البلابل من البصرة لتعيش معي في البيت، واستيقظ فجراً كل يوم على غنائها، والبلابل تفهم، وتتحاور لمن يعرف لغتها المهم ان هذا المقهى مخصص لمحبي البلابل في بغداد، يقع في محلة البارودية، ويحتفظ اصحاب البلابل بالأنسال من البلابل.
* مقهى التبانة: يقع في محلة الفضل بجانب الرصافة، كان يمثل فيه الممثل الكوميدي (ابن الحجامة) ويتبارى في النهار "الخرفان" وقد ذكر العديد من الشعراء الشعبيين في قصائدهم وهو من أقدم مقاهي بغداد.
مقهى الشابندر: يقع في شارع المتنبي، كانت مكاتب جريدتي "الكرخ"، و"جنزبوز" تقع في الطابق العلوي منه، وقد
ولما ان ثوى ناديت أرخ
ثوى قتلاً بلا مهل "نعيم"
اما الملا عبود الكرخي فيقول في قصيدة رثائه:
يا دگة الما تنحچي
سواها ابن الباچچي
خلو عليه التوبچي
وتضحك عليه الصبيان
اللطم لنعيم وجب
والدمع عالخد انسجب
كظه ويانه بس رجب
وصارت كتلته بشعبان
Dim lights
مقهى البلابل: للبلبل اثر في حياة البيوت العراقية، ويندر ان تجد بيتا عراقيا من دون اقفاص البلابل "أنا العبد الفقير لم اترك هذه العادة، واستوردت البلابل من البصرة لتعيش معي في البيت، واستيقظ فجراً كل يوم على غنائها، والبلابل تفهم، وتتحاور لمن يعرف لغتها المهم ان هذا المقهى مخصص لمحبي البلابل في بغداد، يقع في محلة البارودية، ويحتفظ اصحاب البلابل بالأنسال من البلابل.
* مقهى التبانة: يقع في محلة الفضل بجانب الرصافة، كان يمثل فيه الممثل الكوميدي (ابن الحجامة) ويتبارى في النهار "الخرفان" وقد ذكر العديد من الشعراء الشعبيين في قصائدهم وهو من أقدم مقاهي بغداد.
مقهى الشابندر: يقع في شارع المتنبي، كانت مكاتب جريدتي "الكرخ"، و"جنزبوز" تقع في الطابق العلوي منه، وقد
غنى في هذا المقهى بشكل مستمر قارئ المقام المعروف "رشيد القندرجي".
مقهى العكامة: والعكامة مصطلح بالعامية العراقية يشير الى الذين يهتمون بقوافل الجمال، وكان من رواده العلامة محمد بهجت الاثري وكذلك الشاعر ملا عبود الكرخي، وقد هدم المقهى وأنشئ مكانه الجسر الحديدي.
مقهى حضيري أبو عزيز: يقع في منطقة الصالحية، صاحبه الفنان الخالد حضيري أبوعزيز أشهر فنان في مجال الاغنية الشعبية العراقية، وهو صاحب الاغنية الخالدة:
عمي يا بياع الورد
گلي الورد بيش
مقهى العكامة: والعكامة مصطلح بالعامية العراقية يشير الى الذين يهتمون بقوافل الجمال، وكان من رواده العلامة محمد بهجت الاثري وكذلك الشاعر ملا عبود الكرخي، وقد هدم المقهى وأنشئ مكانه الجسر الحديدي.
مقهى حضيري أبو عزيز: يقع في منطقة الصالحية، صاحبه الفنان الخالد حضيري أبوعزيز أشهر فنان في مجال الاغنية الشعبية العراقية، وهو صاحب الاغنية الخالدة:
عمي يا بياع الورد
گلي الورد بيش
الخميس، 8 ديسمبر 2011
هل ستندلع حرب طائفية ؟- حسن الخفاجي
هل ستندلع حرب طائفية ؟
بقلم: حسن الخفاجي - 04-12-2011 | (صوت العراق) |
أليس غريبا ان تشكل خارطة الدول التي سقطت أنظمة الحكم فيها بفعل الثورات العربية ؟هلالا يحتضن البحر الأبيض المتوسط , طرفه في تونس وطرفه الآخر في تركيا . الكل يعرف ما للهلال من رمزية؟
من يعود لتاريخ ومسار الثورات العربية , يجد ان أول الداعين لمراقبة هلال الثورات العربية , كان السلطان العثماني اوردغان حين دعا من مقر السلطنة العثمانية , من بابها العالي في اسطنبول إلى تثبيت الرؤية الشرعية لهلال الثورة التونسية .
شجعت أحداث الثورات العربية السلطان اوردغان مدفوعا بمواقف عربية رسمية وشعبية مدعومة بتخاذل عربي , اعتبر مسار السفينة التركية , التي أبحرت لكسر الحصار عن غزة انتصارا عمد بدم الأبرياء الأتراك. شجعت كل تلك الأحداث نزعات الزعامة والوجاهة والحنين للعودة لماضي أجداده السلاطين العثمانيين . لقد تشجع الحفيد لان يمضي في مشواره نحو القمة .كانت إنذاراته للحكام العرب مترددة بين صعود ونزول , كأنها مؤشر بورصة تتحكم بقوة مؤشرها الأحداث على الأرض .لقد نجحت إنذاراته ونصائحه لحاكم مصر , غادر مبارك على عجل . لقد كان موقف اوردغان مرتبكا من ثورة ليبيا في أول الأمر , حسمه الدعم الغربي , وتوسل الثوار الليبيين واستجدائهم لمواقفه , ومظاهرات لبعض الليبيين , الذين نددوا بتصريحاته المتخاذلة من ثورتهم .هكذا فرضت الأحداث ان يكون باب السلطنة القديم في اسطنبول مقر الوافدين والطامحين للوجاهة والأضواء , كأن التاريخ عاد مئات السنين إلى الوراء , عندما كان أذلاء العرب يستجدون ويتوسلون رضا السلاطين العثمانيين عنهم حتى ان تركيا استضافة مؤتمرا للمنظمات الإرهابية والأحزاب والجماعات العراقية , التي تعمل بالضد من تجربة العراق الديمقراطية !.
لقد انهار نظام القذافي واكتمل رسم الهلال , لكن شرخا سوريا عند الحافة الشمالية يقطع الهلال في دائرته الأخيرة , هو ما يؤرق اوردغان . بسقوط النظام السوري سيكتمل رسم الهلال , الذي يحتضن البحر الأبيض ,ويبعد الثورات العربية من التمدد نحو دول الخليج !!.تركيا وقطر تلعب لعبة خطرة ستتضح نتائجها لاحقا
من يريد فك الشفرة الوراثية للتدخلات وانتقائية المواقف التركية وتدخلهم بشؤون المنطقة العربية , ما عليه إلا ان يرقب تحركات وزير خارجية تركيا دوود اوغلو , الذي استعاد دور مبعوث السلاطين العثمانيين , ل(مخاتير واختيارية) المناطق ورؤساء القبائل العربية, حضوره اجتماعا وزاريا لوزراء الخارجية العرب , اثبت دون أدنى شك ان السلطنة العثمانية تريد العودة إلى للحياة من خلال هلال أسلامي متحزب (اخوان مسلمين وسلفيين), حتى ان مسميات الأحزاب العربية الإسلامية الفائزة في الانتخابات التونسية والمصرية تشبه اسم حزب اوردغان. ظهرت بوضوح ملامح الهلال الاخواني , الذي يطمح اوردغان قيادته بعد نتائج الانتخابات في المغرب وتونس ومصر , التي فاز الإسلاميون فيها , تساندهم سيطرة الإسلاميين المتشددين في ليبيا
هل للشعوب العربية الثائرة مصلحة في عودة عقارب الساعة والعودة لزمن السلطنة وحكم الطرابيش !؟.
هبت شعوب البحرين وعمان واليمن والأردن معتمدة على قواها الذاتية طامحة بتغير واقعها السياسي المزري وحكامهم الطغاة . كانت شعوب تلك الدول تعتقد , ان ساسة الغرب واوردغان سيساندونهم مثلما ساندوا الليبيين والمصريين والتونسيين , لقد كانت التصريحات الرسمية الغربية خجولة وبلعت الشعوب المقلب الغربي مثلما بلعه العراقيون من قبل في انتفاضة العام 91 , حينما وعدهم الرئيس بوش الأب بالقيام بثورة ضد نظام صدام وتخلى عنهم .امتدت ثورات الشعوب المظلومة إلى العمق , الذي لا يرغب الغرب ان تثار فيه سحب الأتربة وعواصف التغيير, بعدما امتدت بعيدا عن هلال البحر المتوسط , وتمددت نحو الخليج والبحر الأحمر .حينها نامت عيون السلطان اوردغان والساسة الغربيين , عن القمع الذي تعرض له ثوار البحرين , فاستفرد حمد البحرين بمساعدة وتدخل سعودي عسكري بالشعب البحراني , واستفردت دبابات وطائرات وقناصة على عبد الله صالح بالشعب اليمني وهو يلاقي الدعم والرعاية من ملك السعودية , وخنقت ثورات وانتفاضات الأردنيين والعمانيين بمهدها !.
خط الثورات العربية يراد له ان يبقى يحتضن البحر المتوسط بعيدا عن منابع النفط !.
زعماء الخليج واوردغان يغذون المخدرين بهوس الطائفية ويبشرون بسطوع نجم خلافة إسلامية جديدة , يقودها سلطان عثماني عصري يلبس الملابس الغربية , لذلك يطمح الجهلة والمتخلفين لعودة هلال الخلافة!.عودة الخلافة وان كانت غير معلنة وغير رسمية وان كانت على شكل أحلاف وتكتلات ذات صبغة طائفية ستؤدي لاحقا الى إشعال فتيل حرب طائفية لا مصلحة للمسلمين فيها , الرابح الأكبر من يغذي هذه الصراعات عن بعد وعن سابق إصرار. الفائز من هذا الصراع -ان حدث- من يبقى على التل ينتظر ان يحسم احد الطرفين الصراع لصالحة . بعدها سيخرج هذا الفائز من الصراع منهكا وسيقبل بشروط الطرف القوي , الذي خطط وأوعز لهم بالتنفيذ حينها سيسلم "المنتصر المنهك"كل ما غنمه وما عنده ويكتفي بتنفيذ الأوامر الخارجية
السيناريو القادم يراد له ان يكون: أفول دور الأمراء والسلاطين وملوك النفط , وعودة الأضواء لحكم دولة الخلافة العثمانية ولو بشكل غير رسمي .عندها سيتحقق طموح اوردغان , في ان يكون أميرا للمؤمنين وسلطانا في ان واحد !!.
إذا تحقق هذا السيناريو- لاسمح الله - سيكون الصدام القادم عثمانينا إيرانينا مثلما خطط له بعناية وبمباركة غربية, عندها سيخسر الجميع وسيخر العرب كرامتهم ودولهم واستقلالهم .
وقتها ينطبق عليهم المثل العراقي (اليجي من أيده الله يزيده)
(عندما تخلو الجبال من النمور يكون القرد ملكا)
4-12-2011
Hassan_alkhafaji_54@yahoo.com
بقلم: حسن الخفاجي - 04-12-2011 | (صوت العراق) |
أليس غريبا ان تشكل خارطة الدول التي سقطت أنظمة الحكم فيها بفعل الثورات العربية ؟هلالا يحتضن البحر الأبيض المتوسط , طرفه في تونس وطرفه الآخر في تركيا . الكل يعرف ما للهلال من رمزية؟
من يعود لتاريخ ومسار الثورات العربية , يجد ان أول الداعين لمراقبة هلال الثورات العربية , كان السلطان العثماني اوردغان حين دعا من مقر السلطنة العثمانية , من بابها العالي في اسطنبول إلى تثبيت الرؤية الشرعية لهلال الثورة التونسية .
شجعت أحداث الثورات العربية السلطان اوردغان مدفوعا بمواقف عربية رسمية وشعبية مدعومة بتخاذل عربي , اعتبر مسار السفينة التركية , التي أبحرت لكسر الحصار عن غزة انتصارا عمد بدم الأبرياء الأتراك. شجعت كل تلك الأحداث نزعات الزعامة والوجاهة والحنين للعودة لماضي أجداده السلاطين العثمانيين . لقد تشجع الحفيد لان يمضي في مشواره نحو القمة .كانت إنذاراته للحكام العرب مترددة بين صعود ونزول , كأنها مؤشر بورصة تتحكم بقوة مؤشرها الأحداث على الأرض .لقد نجحت إنذاراته ونصائحه لحاكم مصر , غادر مبارك على عجل . لقد كان موقف اوردغان مرتبكا من ثورة ليبيا في أول الأمر , حسمه الدعم الغربي , وتوسل الثوار الليبيين واستجدائهم لمواقفه , ومظاهرات لبعض الليبيين , الذين نددوا بتصريحاته المتخاذلة من ثورتهم .هكذا فرضت الأحداث ان يكون باب السلطنة القديم في اسطنبول مقر الوافدين والطامحين للوجاهة والأضواء , كأن التاريخ عاد مئات السنين إلى الوراء , عندما كان أذلاء العرب يستجدون ويتوسلون رضا السلاطين العثمانيين عنهم حتى ان تركيا استضافة مؤتمرا للمنظمات الإرهابية والأحزاب والجماعات العراقية , التي تعمل بالضد من تجربة العراق الديمقراطية !.
لقد انهار نظام القذافي واكتمل رسم الهلال , لكن شرخا سوريا عند الحافة الشمالية يقطع الهلال في دائرته الأخيرة , هو ما يؤرق اوردغان . بسقوط النظام السوري سيكتمل رسم الهلال , الذي يحتضن البحر الأبيض ,ويبعد الثورات العربية من التمدد نحو دول الخليج !!.تركيا وقطر تلعب لعبة خطرة ستتضح نتائجها لاحقا
من يريد فك الشفرة الوراثية للتدخلات وانتقائية المواقف التركية وتدخلهم بشؤون المنطقة العربية , ما عليه إلا ان يرقب تحركات وزير خارجية تركيا دوود اوغلو , الذي استعاد دور مبعوث السلاطين العثمانيين , ل(مخاتير واختيارية) المناطق ورؤساء القبائل العربية, حضوره اجتماعا وزاريا لوزراء الخارجية العرب , اثبت دون أدنى شك ان السلطنة العثمانية تريد العودة إلى للحياة من خلال هلال أسلامي متحزب (اخوان مسلمين وسلفيين), حتى ان مسميات الأحزاب العربية الإسلامية الفائزة في الانتخابات التونسية والمصرية تشبه اسم حزب اوردغان. ظهرت بوضوح ملامح الهلال الاخواني , الذي يطمح اوردغان قيادته بعد نتائج الانتخابات في المغرب وتونس ومصر , التي فاز الإسلاميون فيها , تساندهم سيطرة الإسلاميين المتشددين في ليبيا
هل للشعوب العربية الثائرة مصلحة في عودة عقارب الساعة والعودة لزمن السلطنة وحكم الطرابيش !؟.
هبت شعوب البحرين وعمان واليمن والأردن معتمدة على قواها الذاتية طامحة بتغير واقعها السياسي المزري وحكامهم الطغاة . كانت شعوب تلك الدول تعتقد , ان ساسة الغرب واوردغان سيساندونهم مثلما ساندوا الليبيين والمصريين والتونسيين , لقد كانت التصريحات الرسمية الغربية خجولة وبلعت الشعوب المقلب الغربي مثلما بلعه العراقيون من قبل في انتفاضة العام 91 , حينما وعدهم الرئيس بوش الأب بالقيام بثورة ضد نظام صدام وتخلى عنهم .امتدت ثورات الشعوب المظلومة إلى العمق , الذي لا يرغب الغرب ان تثار فيه سحب الأتربة وعواصف التغيير, بعدما امتدت بعيدا عن هلال البحر المتوسط , وتمددت نحو الخليج والبحر الأحمر .حينها نامت عيون السلطان اوردغان والساسة الغربيين , عن القمع الذي تعرض له ثوار البحرين , فاستفرد حمد البحرين بمساعدة وتدخل سعودي عسكري بالشعب البحراني , واستفردت دبابات وطائرات وقناصة على عبد الله صالح بالشعب اليمني وهو يلاقي الدعم والرعاية من ملك السعودية , وخنقت ثورات وانتفاضات الأردنيين والعمانيين بمهدها !.
خط الثورات العربية يراد له ان يبقى يحتضن البحر المتوسط بعيدا عن منابع النفط !.
زعماء الخليج واوردغان يغذون المخدرين بهوس الطائفية ويبشرون بسطوع نجم خلافة إسلامية جديدة , يقودها سلطان عثماني عصري يلبس الملابس الغربية , لذلك يطمح الجهلة والمتخلفين لعودة هلال الخلافة!.عودة الخلافة وان كانت غير معلنة وغير رسمية وان كانت على شكل أحلاف وتكتلات ذات صبغة طائفية ستؤدي لاحقا الى إشعال فتيل حرب طائفية لا مصلحة للمسلمين فيها , الرابح الأكبر من يغذي هذه الصراعات عن بعد وعن سابق إصرار. الفائز من هذا الصراع -ان حدث- من يبقى على التل ينتظر ان يحسم احد الطرفين الصراع لصالحة . بعدها سيخرج هذا الفائز من الصراع منهكا وسيقبل بشروط الطرف القوي , الذي خطط وأوعز لهم بالتنفيذ حينها سيسلم "المنتصر المنهك"كل ما غنمه وما عنده ويكتفي بتنفيذ الأوامر الخارجية
السيناريو القادم يراد له ان يكون: أفول دور الأمراء والسلاطين وملوك النفط , وعودة الأضواء لحكم دولة الخلافة العثمانية ولو بشكل غير رسمي .عندها سيتحقق طموح اوردغان , في ان يكون أميرا للمؤمنين وسلطانا في ان واحد !!.
إذا تحقق هذا السيناريو- لاسمح الله - سيكون الصدام القادم عثمانينا إيرانينا مثلما خطط له بعناية وبمباركة غربية, عندها سيخسر الجميع وسيخر العرب كرامتهم ودولهم واستقلالهم .
وقتها ينطبق عليهم المثل العراقي (اليجي من أيده الله يزيده)
(عندما تخلو الجبال من النمور يكون القرد ملكا)
4-12-2011
Hassan_alkhafaji_54@yahoo.com
المواكب الحسينية الحلية-حامد كعيد الجبوري
المواكب الحسينية الحلية
موكب عزاء ( طرف الوردية )
حامد كعيد الجبوري
من المعروف ان للحلة الفيحاء مواكبها الحسينية العشر ، سبعة في الصوب الكبير ، وثلاثة في الصوب الصغير ، ( الطاك ، الجامعين ، جبران ، المهديه ، الجباويين ، التعيس ، الكراد ) وهذه هي مواكب الصوب الكبير ، و ( الوردية ، الكلج ، وكريطعه ) وهي مواكب الصوب الصغير ، كتبتُ في العام الماضي عن أغلب مواكب الصوب الكبير ووثقتها ونشرت ذلك على صفحات جريدة الفيحاء الحلية ، ووجدت أن محلة ( الكراد ) أكثر توثيقا بالصور والدلائل والوقائع من بقية أطراف ومواكب أهالي الحلة الكرام ، موكب محلة ( الكراد ) تأسس عام ( 1917 م ) ، ولديهم ما يثبت تاريخ تأسيس موكبهم وهي مخطوطة من القماش أكلتها دابة الأرض ( الأرضة ) فكتبوا غيرها مع احتفاظهم بمخطوطتهم القديمة وهذا دليل واضح على صدق إدعائهم .
يقول شيبةُ أهل محلة ( الوردية ) نقلا عن أبنائهم الأحياء ، أن محلتهم ( الوردية ) أقدم من تاريخ تأسيس موكب عزاء ( الكراد ) وغيره من المواكب الحلية ، ونقل لي قول أحد وجهاء محلة الوردية المرحوم الحاج ( علي حسون هجول ) تولد 1895 م قوله ، يقول لمحلة الوردية مسجدان ، الكبير يقع بمنتصف المحلة ، والآخر الصغير يقع في سوق العمار ، يقول ( علي هجول ) وعيت على المسجد الكبير ووجدت أن عالم الدين الذي يؤم المصلين فيه من بغداد وأستوطن محلة ( الوردية ) لهذا السبب ، وعند وفاته بقيت المحلة بلا أمام يؤم المصلين ، لذا أنتقل لمحلة ( الوردية ) قادما من صوبها الكبير ( الجامعين ) سماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ المرحوم ( محمود سماكه ) وأشترى له دارا وأستوطن محلة ( الوردية ، وفي هذه المحلة أنجب أولاده آية الله الشيخ ( محمد سماكه ) رحمه الله ، وآية الله الشيخ ( علي سماكه ) رحمه الله ، وبقية أولاده وبناته ، ويقول المرحوم ( علي هجول ) كنت صبيا حين وفاة المرحوم الشيخ ( محمود سماكه ) ، وعند سماعنا بوفاته أخرجنا ( بيرغ ) المحلة ، وكل عائلة ممن تمتلك ( البيرغ ) أخرجته وأعددنا موكب عزاء لتشييع شيخنا الجليل ، وهذا الحديث يدل على أن محلة الوردية لها موكبها الحسيني الخاص بها ، ولو حسبنا عمر المتحدث الصبي ( علي هجول ) تولد 1895 م لخلصنا الى أن موكب عزاء الوردية الحسيني يرجع تأسيسه لبدايات العام 1900 م أو ما بعده بقليل ، وبذلك يكون أقدم موكب حلي كما يزعم أهالي محلة ( الوردية ) ، والمنطق يقول أن كل محلات الوردية بأطرافها العشر بدأت متواكبة بمواكبها الحسينية .
محلة ( الوردية ) مزيج متجانس من الكسبة والفلاحين وصغار التجار وكبارهم ، قلة من كبار السن يعرفون القراءة والكتابة وتعلموها من خلال الكتاتيب ، كل هؤلاء أدخلوا أبناءهم المدارس الحكومية فخرجت الأطباء والصيادلة والقضاة والمدرسين والمعلمين والموظفين بدوائر الدولة المختلفة ، وهي كباقي محلات الحلة الفيحاء فيها الغني الموسر ، والفقير المعسر ، وبين هذا وهذا الطبقة المتوسطة ، وفيها أزقة ( عكد ) كثيرة تسمى باسم أحد أفراد ذلك الزقاق ، ( عكد الشيخ ، عكد هجول ، عكد حسان ، عكد بشبوش ، عكد العلاك ) وغيرها ، وفي ( الوردية ) مجموعة أزقة صغيرة مجتمعة اصطلحوا على تسميتها ( البيات ) بسبب سكن عوائل من ( البياتيين ) – عشيرة البياتي – فيها ، ومنطقة ( السرحه ) ، وأختلف المحققون بمن مصر محلة ( الوردية ) وسبب تسميتها ، وأغلبهم يرى أن تسميتها جاءت من أنها مجموعة من البساتين التي تنبت الورد ، وكل عائلات الوردية ترجع لأصولها العشائرية ، وفيهم من عشائر خفاجة والجبور والبياتيين والجيلاويين وآل سلطان والسعديين والجصانيين وشمر والعزاويين والطائيين والربيعيين والفلوجي والمعامرة وبربن وآل السرحان وآل غلام وآل البراك وآل عبكه وآل الشوك والحروب والسامرائيين النازحين من سامراء واستوطنوا الحلة الفيحاء ، وبمرور السنين غادر السامرائيون مذهبهم الذي أتوا به واعتنقوا مذهب آل البيت الأطهار ، ومن عشائر السادة العلويين آل العلاك وآل وتوت والعميديين والحسينيين والصالحيين ، وعذرا أن خانتني ذاكرتي للآخرين .
تبدأ مراسيم العزاء الحسيني منذ الليلة الأولى لمحرم الحرام ، وبعد أن يستحصل مختار المحلة على الإجازة من دوائر الأمن المعنية ، ويعطي تعهده الشخصي بعدم المساس والتنديد بالدولة وتصرفها تنطلق مسيرة الموكب الحسيني ، يتجمع أهل المحلة مقابل بيوت آل البراك المعروفة ببنائها الحديث ومسقفاتها الجميلة ( الطوارم ) وهذا ما حدثني به الأستاذ ( قيس علي السماعيل السامرائي )، تتوزع المجاميع ( الجوكات ) فتصل لأكثر من عشرة مجاميع ، كبار السن تكون مجاميعهم مرددة للشعارات الحسينية فقط ، ومجاميع الشباب يتخللها الأطفال مجاميع ( لطم ) ، وبما أن أغلب الرجال من الأميين لذا يحتاجون لشاب أو أكثر ممن يجيد القراءة ليحفظهم ما يرددون ، بعد أن تتكامل المجاميع ينطلق موكب العزاء بالمسير ، كل هذه المراسيم تمارس بعد صلاة العشاء ، وكل محلة من محلات الحلة لها موعد للانطلاق صوب التجمع الأخير الذي يقام به ترتيل القصائد الحسينية ، وهناك لجنة منظمة لانطلاق المواكب الحسينية الحلية كي لا تزدحم بمحطتها الأخيرة .
أنا لم أعي تلك الفترة التي تحدث عنها السيد ( قيس علي إسماعيل ) وقوله عن مكان تجمع وانطلاق ( موكب عزاء الوردية ) بل وعيت على ( موكب عزاء الوردية ) ومكان تجمعه قرب مقهى ( رضا عبكه ) ، والمقهى تقع مدخل سوق العمار مقابل الجسر القديم ، تتجمع المجاميع ( المرددة ) للأشعار الحسينية ومجاميع ( اللطم ) من بداية الجسر على ضفاف شط الحلة ، وبعكس تيار الماء متجهة صوب الشمال وصولا لمقهى ( محمد الحايج ) ، يحمل ( بيرغ ) الطرف ذوو اللون الأبيض والمصنوع من القماش ( الحبر ) وهو قريب الى قماش الحرير ، يحمله الحاج ( عبد الأمير حمادي الطائي ) ومن بعده حمله أخوه ( محمد علي ) ، وأغلب عوائل الوردية لها ( بيرغها ) الخاص بها يحمله أحد أبناء تلك العائلة ، ولأن جارنا بنفس زقاقنا المرحوم ( محمد حسين الشهيب المعموري ) أذكر ( بيرقه - ( بيرغه ) – يحمله ولده الكبير ( كاظم ) ، ولآل ( هجول ) ( بيرغان ) أحمر يحمله ( جاسم ) وأسود يحمله ( جعفر ) ، و( بيرغ ) لآل ( جريدي ) ، وآخر لآل ( الجمل ) ، وآخر للسيد ( عبد الرضا العلاك ) ، و( بيرغ ) أخضر كبير يحمله السيد ( عباس العميدي ) بوقاره وشيبته البيضاء وعمته السوداء باسطا ( غترته الخضراء ) على كتفيه ووجهه يتصبب عرقا ، وأعتذر لأهلي من ( الوردية ) أن خانتني ذاكرتي بهذا الباب ، ويفرح كثيرا صاحب ( البيرغ ) الذي يعلقون فيه الناس من عملتهم الورقية او الحديدية شيئا من المال للتبرك وطلبا للنذر أن أنجزت له مهمة يوكلها الى الله سبحانه وتعالى بشفاعة الحسين ( ع ) وجده محمد ( ص ) وأبيه علي ( ع ) ، أما العملة الحديدية فتطوى بأطراف قماش ( البيرغ ) ، وهذا المال المتحصل بهذه الطريقة يستبدلون به قماش ( البيرغ ) أو يضيفون له من مالهم الخاص أن لا يكفي المبلغ لعمل وليمة أوما نسميه ( عاشور ) ويوزع ببركات الحسين ( ع ) وآل البيت الأطهار ، بالموعد المحدد ينطلق الموكب صوب حسينية ( أبن طاووس ) التي تقع في محلة ( السنية ) ، يعبر الموكب الحسيني نهر الحلي ( الجسر القديم ) الذي لا يزال قائما متحديا السنين ، وهو يقابل سوق الحلة الكبير في الصوب الكبير ، وينار طريق المعزون بواسطة الفوانيس و ( اللوكسات ) والمشاعل النفطية ، بعد عبور الموكب الجسر يتجه يمينا مخترقا الشارع و ( فلكة ) مديرية شرطة الحلة ، ومكانها الحالي هي ساحة ( الصدرين ) مقابل ( أورزدي الحلة ) ، ثم يسلك الموكب شارع المكتبات وصولا لساحة ( سعيد الأمين ) ، ثم ينحرف يمينا الى شارع الأمام علي حاليا ليصل الى ( حسينية بن طاووس ) ، يدخل الموكب الى الحسينية ويعتلي خطيب المحلة ( الرادود ) ليرتل قصيدته الحسينية على الموكب الحسيني ، ولمستمعي العزاء من الرجال والنساء الذين يقفون خارج الحسينية ، إضافة للرجال الذين يأتون من بقية المواكب من المحلات الأخرى للاستماع ( لرادود المحلة ) داخل الحسينية ، ووعيت أن مواكب الحلة كانت تنهي مراسيمها بديوان السادة ( القزاونه ) في محلة الجامعين ، ولأسباب سياسية سنأتي عليها لاحقا حين توثيق موكب محلة ( الجامعين ) أنتقل المعزون الحسينيون بنهاية مراسيم طقوسهم في حسينية ( أبن طاووس ) ، في ليلة ( القاسم ) تخرج كل مواكب الحلة وهي تحمل الشموع والورود والرياحين مرددين شعاراتهم الحسينية ، وكل موكب حسب توقيته المرسوم ، كل مجالس العزاء والمواكب الحسينية الحلية تقام في المساء ، ومواكب ( الزنجيل ) تقام عصرا ، أما صبيحة العاشر من المحرم تنطلق ( مواكب التطبير ) فجرا ، وبدءا من الساعة التاسعة تنطلق مواكب العزاء صوب ( أبن طاووس ) وكل حسب توقيته كما أسلفنا ، وبهذا اليوم يسير موكب عزاء ( الوردية ) مسافة أطول من مسير الموكب ليلا ، فيجتاز الشارع المحاذي لدائرة البريد الحالية ( بدالة الحلة ) وقبل بيت ( المتصرف ) يستدير الشارع نحو شارع المكتبات الحالي استمرارا ( لحسينية أبن طاووس ) ، وفي هذا اليوم يكن موكب عزاء ( الوردية ) أكبر مواكب الحلة تقريبا بسبب دخول أبناء القرى المجاورة الى المدينة للمشاركة بعزاء سيد الشهداء ، يروي لنا ممن هم أكبر سنا أن شجارات تحدث أحيانا بين المواكب في ما بينها لأسباب كثيرة أهمها أن المحلة ( الفلانية ) تتجاوز الوقت المحدد لها في البقاء في الحسينية ، مما يضطر الموكب الآخر البقاء في الشارع طويلا لينتظر انتهاء مراسيم المحلة التي تسبقه ، وربما هناك أسبابا أخرى لا ندخل بتفاصيلها ، وفي هذه الحالة فأن كل موكب يحتاج من الرجال الشجعان ليسير الموكب تحت ظلهم ، وفي محلة الوردية من هؤلاء الرجال المرحوم ( عبد الحسين أبو حميّد الجبوري ) ، يسير هذا الرجل متنقلا بين ( الجوكه ) الأولى والأخيرة وهو يحمل بكمه خنجره أو ( قامته ) ، ومنهم من يخرج معه أمه أو أخته لتحمل له تحت عباءتها سيفا أو ( مسدسا ) ، وسبب خروجهن لأبعاد الشبهة ومتابعة رجال الشرطة له بسبب منع حمل الأسلحة النارية والجارحة دون أجازة ، وبعد وفاة ( عبد الحسين ) نهض بهذه المهمة كثير من أبناء المحلة لسنا بصدد ذكرهم ، أعتلى المنبر الحسيني أكثر من ( رداود ) لترتيل القصائد الحسينية ، منهم المرحوم الحاج ( إسماعيل الجيلاوي ) الذي يقول عنه المرحوم السيد ( حسيني العلاك ) بأن للحاج إسماعيل رحمه الله صوتا شجيا وقويا جدا بحيث أنه كان يعتلي المنبر ويسمع صوته لمن هو خارج الحسينية دون استخدام مكبرات الصوت لعدم وجودها آنذاك ، وأعتلى المنبر أيضا المرحوم ( فاضل الخياط ) ، والسيد ( فتحي العميدي ) ، وأخيرا أستقر رأي وجهاء محلة الوردية على ( الرادود الحاج صبري جابر ) ولحين منع المواكب الحسينية من قبل النظام السابق ، والحاج صبري شاعر حسيني أيضا ولكنه كان يقرأ أكثر مجالسه الحسينية مرددا لقصائد قريبه المرحوم الشاعر الحسيني الكبير ( عبد الحسين صبره الحلي ) ، وأنجبت محلة ( الوردية ) أكثر من شاعر تقرأ له أشعاره أغلب ( أطراف ) الحلة ، ومنهم المرحوم الشاعر ( محمد علي بنيان الجبوري ) ، والمرحوم الشاعر ( صاحب الجمل ) ، والشاعر ( ملا عباس الربيعي ) .
توالى على ( مختارية ) محلة الوردية أكثر من وجيه من أهلها الكرام ، ولم تخرج هذه ( المختارية ) عن ( آل الحساني ) إلا بإرادتهم شخصيا ، بعد وفاة المرحوم ( جبار الحساني ) انتقلت ( المختارية ) لولده المرحوم ( هاتف الجبار الحساني ) الذي أستطاع أن يؤلف بين قلوب أهل الوردية وكأنه أب روحي لها ، وبعد وفاته رحمه الله لم ينهض أحد من ولده أو أبناء أخوته بهذه المهمة بسبب مشاغلهم الوظيفية ، وتناوبها الكثير من وجهاء محلة ( الوردية ) الكرام .
أعتذار
----------
أكرر اعتذاري لكل أهلي من محلة ( الوردية ) الذين لم أستذكرهم ، وهو مشروع بدأت به ولابد لي من أن أنهيه وهو تناول مواكب الحلة الفيحاء العشرة ، وأتمنى على كل من يملك معلومة خلاف ما ذكرته أن يصححها لي مع ذكر مصدرها لتكون وثيقة حية للتاريخ ، وليتعرف
موكب عزاء ( طرف الوردية )
حامد كعيد الجبوري
من المعروف ان للحلة الفيحاء مواكبها الحسينية العشر ، سبعة في الصوب الكبير ، وثلاثة في الصوب الصغير ، ( الطاك ، الجامعين ، جبران ، المهديه ، الجباويين ، التعيس ، الكراد ) وهذه هي مواكب الصوب الكبير ، و ( الوردية ، الكلج ، وكريطعه ) وهي مواكب الصوب الصغير ، كتبتُ في العام الماضي عن أغلب مواكب الصوب الكبير ووثقتها ونشرت ذلك على صفحات جريدة الفيحاء الحلية ، ووجدت أن محلة ( الكراد ) أكثر توثيقا بالصور والدلائل والوقائع من بقية أطراف ومواكب أهالي الحلة الكرام ، موكب محلة ( الكراد ) تأسس عام ( 1917 م ) ، ولديهم ما يثبت تاريخ تأسيس موكبهم وهي مخطوطة من القماش أكلتها دابة الأرض ( الأرضة ) فكتبوا غيرها مع احتفاظهم بمخطوطتهم القديمة وهذا دليل واضح على صدق إدعائهم .
يقول شيبةُ أهل محلة ( الوردية ) نقلا عن أبنائهم الأحياء ، أن محلتهم ( الوردية ) أقدم من تاريخ تأسيس موكب عزاء ( الكراد ) وغيره من المواكب الحلية ، ونقل لي قول أحد وجهاء محلة الوردية المرحوم الحاج ( علي حسون هجول ) تولد 1895 م قوله ، يقول لمحلة الوردية مسجدان ، الكبير يقع بمنتصف المحلة ، والآخر الصغير يقع في سوق العمار ، يقول ( علي هجول ) وعيت على المسجد الكبير ووجدت أن عالم الدين الذي يؤم المصلين فيه من بغداد وأستوطن محلة ( الوردية ) لهذا السبب ، وعند وفاته بقيت المحلة بلا أمام يؤم المصلين ، لذا أنتقل لمحلة ( الوردية ) قادما من صوبها الكبير ( الجامعين ) سماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ المرحوم ( محمود سماكه ) وأشترى له دارا وأستوطن محلة ( الوردية ، وفي هذه المحلة أنجب أولاده آية الله الشيخ ( محمد سماكه ) رحمه الله ، وآية الله الشيخ ( علي سماكه ) رحمه الله ، وبقية أولاده وبناته ، ويقول المرحوم ( علي هجول ) كنت صبيا حين وفاة المرحوم الشيخ ( محمود سماكه ) ، وعند سماعنا بوفاته أخرجنا ( بيرغ ) المحلة ، وكل عائلة ممن تمتلك ( البيرغ ) أخرجته وأعددنا موكب عزاء لتشييع شيخنا الجليل ، وهذا الحديث يدل على أن محلة الوردية لها موكبها الحسيني الخاص بها ، ولو حسبنا عمر المتحدث الصبي ( علي هجول ) تولد 1895 م لخلصنا الى أن موكب عزاء الوردية الحسيني يرجع تأسيسه لبدايات العام 1900 م أو ما بعده بقليل ، وبذلك يكون أقدم موكب حلي كما يزعم أهالي محلة ( الوردية ) ، والمنطق يقول أن كل محلات الوردية بأطرافها العشر بدأت متواكبة بمواكبها الحسينية .
محلة ( الوردية ) مزيج متجانس من الكسبة والفلاحين وصغار التجار وكبارهم ، قلة من كبار السن يعرفون القراءة والكتابة وتعلموها من خلال الكتاتيب ، كل هؤلاء أدخلوا أبناءهم المدارس الحكومية فخرجت الأطباء والصيادلة والقضاة والمدرسين والمعلمين والموظفين بدوائر الدولة المختلفة ، وهي كباقي محلات الحلة الفيحاء فيها الغني الموسر ، والفقير المعسر ، وبين هذا وهذا الطبقة المتوسطة ، وفيها أزقة ( عكد ) كثيرة تسمى باسم أحد أفراد ذلك الزقاق ، ( عكد الشيخ ، عكد هجول ، عكد حسان ، عكد بشبوش ، عكد العلاك ) وغيرها ، وفي ( الوردية ) مجموعة أزقة صغيرة مجتمعة اصطلحوا على تسميتها ( البيات ) بسبب سكن عوائل من ( البياتيين ) – عشيرة البياتي – فيها ، ومنطقة ( السرحه ) ، وأختلف المحققون بمن مصر محلة ( الوردية ) وسبب تسميتها ، وأغلبهم يرى أن تسميتها جاءت من أنها مجموعة من البساتين التي تنبت الورد ، وكل عائلات الوردية ترجع لأصولها العشائرية ، وفيهم من عشائر خفاجة والجبور والبياتيين والجيلاويين وآل سلطان والسعديين والجصانيين وشمر والعزاويين والطائيين والربيعيين والفلوجي والمعامرة وبربن وآل السرحان وآل غلام وآل البراك وآل عبكه وآل الشوك والحروب والسامرائيين النازحين من سامراء واستوطنوا الحلة الفيحاء ، وبمرور السنين غادر السامرائيون مذهبهم الذي أتوا به واعتنقوا مذهب آل البيت الأطهار ، ومن عشائر السادة العلويين آل العلاك وآل وتوت والعميديين والحسينيين والصالحيين ، وعذرا أن خانتني ذاكرتي للآخرين .
تبدأ مراسيم العزاء الحسيني منذ الليلة الأولى لمحرم الحرام ، وبعد أن يستحصل مختار المحلة على الإجازة من دوائر الأمن المعنية ، ويعطي تعهده الشخصي بعدم المساس والتنديد بالدولة وتصرفها تنطلق مسيرة الموكب الحسيني ، يتجمع أهل المحلة مقابل بيوت آل البراك المعروفة ببنائها الحديث ومسقفاتها الجميلة ( الطوارم ) وهذا ما حدثني به الأستاذ ( قيس علي السماعيل السامرائي )، تتوزع المجاميع ( الجوكات ) فتصل لأكثر من عشرة مجاميع ، كبار السن تكون مجاميعهم مرددة للشعارات الحسينية فقط ، ومجاميع الشباب يتخللها الأطفال مجاميع ( لطم ) ، وبما أن أغلب الرجال من الأميين لذا يحتاجون لشاب أو أكثر ممن يجيد القراءة ليحفظهم ما يرددون ، بعد أن تتكامل المجاميع ينطلق موكب العزاء بالمسير ، كل هذه المراسيم تمارس بعد صلاة العشاء ، وكل محلة من محلات الحلة لها موعد للانطلاق صوب التجمع الأخير الذي يقام به ترتيل القصائد الحسينية ، وهناك لجنة منظمة لانطلاق المواكب الحسينية الحلية كي لا تزدحم بمحطتها الأخيرة .
أنا لم أعي تلك الفترة التي تحدث عنها السيد ( قيس علي إسماعيل ) وقوله عن مكان تجمع وانطلاق ( موكب عزاء الوردية ) بل وعيت على ( موكب عزاء الوردية ) ومكان تجمعه قرب مقهى ( رضا عبكه ) ، والمقهى تقع مدخل سوق العمار مقابل الجسر القديم ، تتجمع المجاميع ( المرددة ) للأشعار الحسينية ومجاميع ( اللطم ) من بداية الجسر على ضفاف شط الحلة ، وبعكس تيار الماء متجهة صوب الشمال وصولا لمقهى ( محمد الحايج ) ، يحمل ( بيرغ ) الطرف ذوو اللون الأبيض والمصنوع من القماش ( الحبر ) وهو قريب الى قماش الحرير ، يحمله الحاج ( عبد الأمير حمادي الطائي ) ومن بعده حمله أخوه ( محمد علي ) ، وأغلب عوائل الوردية لها ( بيرغها ) الخاص بها يحمله أحد أبناء تلك العائلة ، ولأن جارنا بنفس زقاقنا المرحوم ( محمد حسين الشهيب المعموري ) أذكر ( بيرقه - ( بيرغه ) – يحمله ولده الكبير ( كاظم ) ، ولآل ( هجول ) ( بيرغان ) أحمر يحمله ( جاسم ) وأسود يحمله ( جعفر ) ، و( بيرغ ) لآل ( جريدي ) ، وآخر لآل ( الجمل ) ، وآخر للسيد ( عبد الرضا العلاك ) ، و( بيرغ ) أخضر كبير يحمله السيد ( عباس العميدي ) بوقاره وشيبته البيضاء وعمته السوداء باسطا ( غترته الخضراء ) على كتفيه ووجهه يتصبب عرقا ، وأعتذر لأهلي من ( الوردية ) أن خانتني ذاكرتي بهذا الباب ، ويفرح كثيرا صاحب ( البيرغ ) الذي يعلقون فيه الناس من عملتهم الورقية او الحديدية شيئا من المال للتبرك وطلبا للنذر أن أنجزت له مهمة يوكلها الى الله سبحانه وتعالى بشفاعة الحسين ( ع ) وجده محمد ( ص ) وأبيه علي ( ع ) ، أما العملة الحديدية فتطوى بأطراف قماش ( البيرغ ) ، وهذا المال المتحصل بهذه الطريقة يستبدلون به قماش ( البيرغ ) أو يضيفون له من مالهم الخاص أن لا يكفي المبلغ لعمل وليمة أوما نسميه ( عاشور ) ويوزع ببركات الحسين ( ع ) وآل البيت الأطهار ، بالموعد المحدد ينطلق الموكب صوب حسينية ( أبن طاووس ) التي تقع في محلة ( السنية ) ، يعبر الموكب الحسيني نهر الحلي ( الجسر القديم ) الذي لا يزال قائما متحديا السنين ، وهو يقابل سوق الحلة الكبير في الصوب الكبير ، وينار طريق المعزون بواسطة الفوانيس و ( اللوكسات ) والمشاعل النفطية ، بعد عبور الموكب الجسر يتجه يمينا مخترقا الشارع و ( فلكة ) مديرية شرطة الحلة ، ومكانها الحالي هي ساحة ( الصدرين ) مقابل ( أورزدي الحلة ) ، ثم يسلك الموكب شارع المكتبات وصولا لساحة ( سعيد الأمين ) ، ثم ينحرف يمينا الى شارع الأمام علي حاليا ليصل الى ( حسينية بن طاووس ) ، يدخل الموكب الى الحسينية ويعتلي خطيب المحلة ( الرادود ) ليرتل قصيدته الحسينية على الموكب الحسيني ، ولمستمعي العزاء من الرجال والنساء الذين يقفون خارج الحسينية ، إضافة للرجال الذين يأتون من بقية المواكب من المحلات الأخرى للاستماع ( لرادود المحلة ) داخل الحسينية ، ووعيت أن مواكب الحلة كانت تنهي مراسيمها بديوان السادة ( القزاونه ) في محلة الجامعين ، ولأسباب سياسية سنأتي عليها لاحقا حين توثيق موكب محلة ( الجامعين ) أنتقل المعزون الحسينيون بنهاية مراسيم طقوسهم في حسينية ( أبن طاووس ) ، في ليلة ( القاسم ) تخرج كل مواكب الحلة وهي تحمل الشموع والورود والرياحين مرددين شعاراتهم الحسينية ، وكل موكب حسب توقيته المرسوم ، كل مجالس العزاء والمواكب الحسينية الحلية تقام في المساء ، ومواكب ( الزنجيل ) تقام عصرا ، أما صبيحة العاشر من المحرم تنطلق ( مواكب التطبير ) فجرا ، وبدءا من الساعة التاسعة تنطلق مواكب العزاء صوب ( أبن طاووس ) وكل حسب توقيته كما أسلفنا ، وبهذا اليوم يسير موكب عزاء ( الوردية ) مسافة أطول من مسير الموكب ليلا ، فيجتاز الشارع المحاذي لدائرة البريد الحالية ( بدالة الحلة ) وقبل بيت ( المتصرف ) يستدير الشارع نحو شارع المكتبات الحالي استمرارا ( لحسينية أبن طاووس ) ، وفي هذا اليوم يكن موكب عزاء ( الوردية ) أكبر مواكب الحلة تقريبا بسبب دخول أبناء القرى المجاورة الى المدينة للمشاركة بعزاء سيد الشهداء ، يروي لنا ممن هم أكبر سنا أن شجارات تحدث أحيانا بين المواكب في ما بينها لأسباب كثيرة أهمها أن المحلة ( الفلانية ) تتجاوز الوقت المحدد لها في البقاء في الحسينية ، مما يضطر الموكب الآخر البقاء في الشارع طويلا لينتظر انتهاء مراسيم المحلة التي تسبقه ، وربما هناك أسبابا أخرى لا ندخل بتفاصيلها ، وفي هذه الحالة فأن كل موكب يحتاج من الرجال الشجعان ليسير الموكب تحت ظلهم ، وفي محلة الوردية من هؤلاء الرجال المرحوم ( عبد الحسين أبو حميّد الجبوري ) ، يسير هذا الرجل متنقلا بين ( الجوكه ) الأولى والأخيرة وهو يحمل بكمه خنجره أو ( قامته ) ، ومنهم من يخرج معه أمه أو أخته لتحمل له تحت عباءتها سيفا أو ( مسدسا ) ، وسبب خروجهن لأبعاد الشبهة ومتابعة رجال الشرطة له بسبب منع حمل الأسلحة النارية والجارحة دون أجازة ، وبعد وفاة ( عبد الحسين ) نهض بهذه المهمة كثير من أبناء المحلة لسنا بصدد ذكرهم ، أعتلى المنبر الحسيني أكثر من ( رداود ) لترتيل القصائد الحسينية ، منهم المرحوم الحاج ( إسماعيل الجيلاوي ) الذي يقول عنه المرحوم السيد ( حسيني العلاك ) بأن للحاج إسماعيل رحمه الله صوتا شجيا وقويا جدا بحيث أنه كان يعتلي المنبر ويسمع صوته لمن هو خارج الحسينية دون استخدام مكبرات الصوت لعدم وجودها آنذاك ، وأعتلى المنبر أيضا المرحوم ( فاضل الخياط ) ، والسيد ( فتحي العميدي ) ، وأخيرا أستقر رأي وجهاء محلة الوردية على ( الرادود الحاج صبري جابر ) ولحين منع المواكب الحسينية من قبل النظام السابق ، والحاج صبري شاعر حسيني أيضا ولكنه كان يقرأ أكثر مجالسه الحسينية مرددا لقصائد قريبه المرحوم الشاعر الحسيني الكبير ( عبد الحسين صبره الحلي ) ، وأنجبت محلة ( الوردية ) أكثر من شاعر تقرأ له أشعاره أغلب ( أطراف ) الحلة ، ومنهم المرحوم الشاعر ( محمد علي بنيان الجبوري ) ، والمرحوم الشاعر ( صاحب الجمل ) ، والشاعر ( ملا عباس الربيعي ) .
توالى على ( مختارية ) محلة الوردية أكثر من وجيه من أهلها الكرام ، ولم تخرج هذه ( المختارية ) عن ( آل الحساني ) إلا بإرادتهم شخصيا ، بعد وفاة المرحوم ( جبار الحساني ) انتقلت ( المختارية ) لولده المرحوم ( هاتف الجبار الحساني ) الذي أستطاع أن يؤلف بين قلوب أهل الوردية وكأنه أب روحي لها ، وبعد وفاته رحمه الله لم ينهض أحد من ولده أو أبناء أخوته بهذه المهمة بسبب مشاغلهم الوظيفية ، وتناوبها الكثير من وجهاء محلة ( الوردية ) الكرام .
أعتذار
----------
أكرر اعتذاري لكل أهلي من محلة ( الوردية ) الذين لم أستذكرهم ، وهو مشروع بدأت به ولابد لي من أن أنهيه وهو تناول مواكب الحلة الفيحاء العشرة ، وأتمنى على كل من يملك معلومة خلاف ما ذكرته أن يصححها لي مع ذكر مصدرها لتكون وثيقة حية للتاريخ ، وليتعرف
السبت، 3 ديسمبر 2011
نزيف الكرامة-حامد كعيد الجبوري
نزيف الكرامة
حامد كعيد الجبوري
التاريخ أعله بابك منذهل حيران
أبيا صفحة إباء أيسطر أحروفه
وكف خاشع جلاله وإنحنالك راس
مدرستك فتحها وغلّك أصفوفه
أبدمائك خضب التاريخ للتاريخ
وبنالك كعبتك كل ثائر ايطوفه
( فداء لمثواك ) رتل مفخرة أجيال
ودموع المجد صفحاته مذروفه
دمعات النصر مو دمعة المهزوم
ولا معذور يختل حجِّته ظروفه
مدرستك رجوله وأنجبت أبطال
ثائر عكب ثائر يقره بطفوفه
رسم دربك (محمد) للزمن قنديل
كل كطرة شرف للدين ملهوفه
نبراسك (علي) جيد الزمن يلويه
وتسجدله الركاب أتهاب مرهوفه
رفّت رايتك من كبّرت لله
وخلدت (كربلاء) وخلّد أضيوفه
نزف دم الكرامة وقدمت قربان
طعمت الدين أهلك وأرتوى الجوفه
أنت (حسين) غيرك ما يصير (حسين)
ولا كبلك وبعدك معتني أحتوفه
نعم نهضت رجال أتلذذت بالموت
وركبوها الصعاب أبنيه مكشوفه
لو موقف أمكرر ما خلد ذكراك
ولا يندب الكون وشمسه مكسوفه
أسست الشهادة التضحية الإيثار
وعلّمت اليثور أيقدس سيوفه
مو قصة عطش ونعاتب النهران
ونلوم الفرات الما أجه زحوفه
شحيح (العلكمي) الما ضاك شفة (حسين)
لو واصل إشفافه خلدت أجروفه
****
من بحر الوفاء أشياخذ التاريخ
ويروّي للزمان أصدقها سالوفه
أبن (زينب) وأخوها ونخوة (الكرار)
وعصّابة (الحره) أبغيره ملفوفه
نزل ساحة مجد و(أم البنين) عيون
تشوف المرجله ويشرِّف الحوفه
مشه بيهم منيه وللمنايا أسرار
تمشي أبلا وجل بعيون مكفوفه
عاليها كلبها واليسار يمين
وجتاف النهر بجدامه منسوفه
أبجود (الجود) من نهر (الكمر) مليان
من صدر الأخوه وتحضنه أجفوفه
عطشان وكلب ( عباس ) يمطر طيب
مملي أبغيرته ومن زود معروفه
وصل لو ما وصل يحجيلك التاريخ
رغما جابه زندَه وطشَّر أصفوفه
ولا يحجي أبحرم و أعيال عطشانيين
ولا أطفال شردت بالفزع خوفه
ولا جثة صحابه أترض صدرها الخيل
بوحشية (الوحشي) وتقرع دفوفه
ولا النيران تحرك بالخيم وكلوب
ولا الحرات آسارى أمقيده مجتوفه
معسكر للرذيله وباللؤم مزروع
وأحقاد وضغينه وسيره موصوفه
سنوا للذبح والأسر والتمثيل
وتسليب وغدر وأخلاق محروفه
خناجر جاهلية والغدر مألوف
بس تذبح طفل ما عدها مألوفه
*****
خشوع الهيبتج تسموا القصايد شوك
بصدرج أنبياء الله محفوفه
أقارن وكفتج ويّه الرسُل وأحتار
رسالية الموقف نقرَه ونشوفه
نهضتي بالحمل مثل أنبياء الله
وموقف كربلاء أقدسها معزوفه
محد شاف دمعج يجذب البجاج
وكلبج ما تصدع عزمج يروفه
من خطبت أسيوفج نكست الرايات
أبديوان (الخلافه) ومسجد (الكوفه)
*******
الجمعة، 2 ديسمبر 2011
قصيدة الحسين للشاعر المصري احمد بخيت
أَسْمَاُؤنَا الّصحراءُ واسْمُكَ أخْضَرُ
أرني جِراحَك كلّ جرحٍ بَيْدرُ
يا حِنطةَ الفقراءِ يا نبع الرضا
يا صوتَنا والصمتُ ذئبٌ أحمرُ
يا ذبحَ هاجر يا انتحابةَ مريمٍ
يا دمعَ فاطمةَ الذي يَتحَدّرُ
إيٍهٍ أبا الشهداءِ وابنَ شهيدِهم
وأخا الشهيدِ كأن يومَك أعْصُرُ
جسدٌ من الذِّكْرِ الحكيمِ أديمُهُ
درعٌ على الدينِ القويمِ ومِغْفَرُ
عارٍ وتكسوه الدماءُ مهابةً
لا غمدَ يحوي السيفَ ساعةَ يُشْهَرُ
الأنبياءُ المرسلونَ إزاءَهُ
"والروحُ والملأُ الملائِكُ " حُضَّرُ
ومحمدٌ يُرخِي عليهِ رداءَهُ
ويقول: يا وَلَدَاه فُزتَ وأُخْسِروا
يا أظمأ الأنهارِ قَبلكَ لمْ تكُنْ
تَروي ظَما الدنيا وتظمأُ أنْهُرُ
لولا قضاءُ الله أن تظما له
لسعى إليك من الجنانِ الكوثرُ
يا عاريَ الأنوارِ مسلوبَ الرِّدا
بالنورِ لا بالثَوبِ طُهْرُكَ يُسْتَرُ
يا داميَ الأوصالِ لا قَبْرٌ لهُ
أفْدِيكَ إِنِّ الشَّمْسَ ليستْ تُقْبَرُ
طُلاّبُ موتك يا اَبْنَ بِنْتِ محمدٍ
خَرَجوا من الصحراءِ ثم تصحّروا
وكأن خيل الله لم تركض بهم
والسامرين بمكة لم يسمروا
وكأن برقًا ما أضاء ظلامهم
فمشَوا تجاه النور ثم استدبروا
وكأنما ارتدوا على أعقابهم
فأبوك أنت وهم جميعا خيبرُ
أوَلم يشمُّوا فيك عطرالمصطفى
كذبوا فعطر المصطفى لا يُنكَرُ
كلُّ القصائدِ فيك أمٌّ ثاكلٌ
في حِجْرِها طفلُ النبوةِ يُنحرُ
عريانةٌ حتى الفؤادِ قصيدتي
والشِّعْرُ بَيْنَ يَدَيّ أَشْعَثُ أَغْبَرُ
قلْ ليْ بمن ذا يَعدِلونك والذي
فطرَ الخلائقَ شسعُ نعلِك أطهرُ
شتانَ ما بين الثريا والثرى
بُعْدًا ويختصرُ المسافةَ خنجرُ
لولا قضاء الله لارتد الردى
عن حُر وجهِك باكيًا يستغفرُ
وَلَرَدَّ ذؤبانَ الفلاةِ ليوثُها
واحتز حمزةُ في الرؤوسِ وجعفرُ
ولذاد عنك أخوك أشجع من مشي
-إلا أبوك وجدُك المدثرُ-
ولكان أول من يرد رؤوسَهُم
للشام يعسوبُ الحقائقِ حيدرُ
والله لو لمحوا اللواءَ بكفِّهِ
لرأوا وطيسَ الحربِ كيف يُسعَّرُ
هو مَنْ علمتَ ويعلمونَ بلاءَهُ
وهو الفتى النبويُّ لا يتغيرُ
تمشي الملاحمُ تحتَ مَضْربِ سيفهِ
ووراء ضربتهِ يلوحُ المحشرُ
لو حارب الدنيا بكلِّ جيوشِها
تتقهقرُ الدنيا ولا يتقهقرُ
يأتي زمانٌ لا نجومَ ليهتدوا
يأتي زمانٌ لا غيومَ ليمطروا
يأتي زمانٌ ليس يعلم تائهٌ
هل فيكَ أم في قاتليكَ سيحشرُ؟
يأتي زمانٌ والمودةُ غربةٌ
والكُرْهُ بلدتُنا التي نستعمرُ
يأتي زمانٌ كلُّ شيء ٍزائفٌ
حتى اللِّحى العمياءُ وهي تُبصِّرُ
يأتي زمانٌ وابنُ آدمَ خُبزُهُ
دينٌ يدينُ به وفيه يُكفَّرُ
يأتي زمانٌ والكرامة سُبَّة
والعار فرعون الذي يتجبر
يأتي زمانٌ والسقوطُ وجاهةٌ
والناسُ مرعًى والرعاة الشُّمَّرُ
يأتي زمانٌ كل شيء ضده
الليلُ يُشْمِسُ والظهيرةُ تُقْمِرُ
يأتي زمانٌ لا زمانَ لأهلهِ
إلا رجال الله وهي تبشِّرُ
يأتي زمانٌ فالسلام على الذي
ذبحوه في الصحراء وهو يكبِّرُ
هذا ولائي يا ابن بنت محمد
أنت الشهادة والشهيد الأكبرُ
يدُ أُخْتِكَ الحَوراءِِ مسَّت جبهتي
فدماي تكبيرٌ وصوتي "المنبرُ"
كفي على جمرِ المودةِ قابضٌ
ودمي بحبِكُمُ الطَّهورِ مطهَّرُ
بايعت عن نجباءِ مصرَ جميعِهم
وأنا ابنُ وادي النيل واسْمي الأزهرُ
( يالشايل محبتك سر -الشاعر سعد الشريفي
( يالشايل محبتك سر )
الى صديقي الشاعر الراحل المناضل علي الشباني
عاش بريئا ، ومات بريئا ، لأن البريء شاعر
الشاعر سعد الشريفي
يا وجه الصبح .. والسهر .. والصفنات
والغبشه التكعد الناس
ودروب ( الديوانيه ) ونهرها والمواوويل
يا حزن السنين
النايم أبكل عين من عيون أهلنا
يا ضحكة طفل غافي أبضوه معرسات
يا لشايل محبتك تفتر أعله الناس
غص بيك الفرح مرات
( علي ) ...
يا دمعة حزن تعبان بيها الليل
ما كعد مشط غافي أبشعر حلوات
ولا جاور وخاوه الذيب
ولا غش أبسلامه ونام عالظيم
هايم طول عمره أيغني عالأسرار
راد أيفك لغزهن
لكه حتى اللغز أسرار
سافر والدموع أسرار
سافر والحنين أسرار
سافر والفرح منه أخذ شتلات للطيبين
ما ميت حنينك يا ( علي )
غافي أبسواد العين
ظل صافي حنينك يا ( علي )
لتراب المحبين
----------------
الأحد، 27 نوفمبر 2011
وماذا بعد الانسحاب 00 الامريكي من العراق-الباحث رياض البياتي
وماذا بعد الانسحاب 00 الامريكي من العراق
غادرت معظم القوات الامريكيه العراق ومن المفترض إن يكتمل انسحاب باقي القوات فئ نهاية هذا العام هذا ما أكده الرئيس أوباما لرئيس الوزراء العراقي في نهاية شهر اكتوبر 0 لقد تم الأمر تنفيذا لاتفاقيه الآطار الاستراتيجي التي عقدت بين العراق والولايات المتحدة وكان من المفترض إن العراق قد امتلك الحد الأدنى من القدرات التي تمكنه من الدفاع عن نفسه ضد اى تهديد خارجي أو داخلي ولكن التصريحات المربكة والمتناقضة التي أطلقها المسئولين العراقيين حول جاهزيه القوات العراقية كانت سياسية أكثر مما هي مهنيه فالقوى السياسية التي كانت تزايد في تصريحاتها يبدوا أنها لم تستمع لرئيس الأركان العراقي وهو يحذر من عدم جاهزيه القوات العراقية وان هناك حاجة لابقاء قوات امريكية وخصوصا قوات جوية وبحرية و جهد استخباراتي ويفترض إن الرجل هو المرجع الذي يعتمد علية للقرار على أبقاء أو رفض تواجد قوات أمريكية بعد العام 2012 لكن من المنطقي إن نسأل لماذا لم تصل القوات العراقية للمستوى الذي يؤهلها للنهوض بواجباتها رغم ألاموال الطائلة التي أنفقت والدعم الأمريكي المفترض 0ان السادة الذين تحدثوا عن الحاجة لأبقأء قوات أمريكية هم الذين تصدوا ومنذ سقوط النظام لأعادة تأهيل القوات المسلحة العراقية ويبدوا انهم فشلوا في تنفيذ هذا الأمر وهذا طبيعي نظرا لانعدام الخبرة والتأهيل 0 ان المعضلة الكبرى التي سوف تواجه العراق هي فقدان الدعم الجوى الامريكي مع فقدان كامل للقدرة الجوية العراقية التي دمرت خلال العقدين الماضيين إن ما سلم من القدرات الجوية من العام1991 تم نهبه من قبل جهات متخصصة تدرك قيمة المعدات التي تم نهبها إن طائرات الهيوز التي كانت تستخدم من قبل شركة بلاك ووتر لاغراض الحماية كانت على ألارجح طائرات عراقية كانت تستخدم لاغراض تدريب طياري طيران الجيش 000000000 وهنا سوف أتحدث بلغة المتخصص في القدرة الجوية العراقية خبرة استمرت لاكثر من ثلاثة عقود أنتجت خيرة طياري وضباط الركن الجويين خصوصا وساهمت بتدريب ضباط الركن البريين والبحريين وعندما أتحدث ارجوا إن لا يفهم الأمر وكأني ادعوا لبقاء القوات الامريكيه بل أني اعتقد إن مغادرة القوات الامريكيه للعراق يخدم العراق والولايات المتحدة0 إن انسحاب الأمريكان سوف يجعل العراق مكشوفا وبشكل كامل فلا سيطرة للعراق على مجاله الجوي فهو لا يمتلك إي من وسائل الدفاع الجوي سواء الفعال منها أو السلبي وحتى إن امتلك رادارات للسيطرة على السابلة الجوية المدنية وهذا ما يفترض وجوده مع وجود طيران مدني والتي يمكن إن ترصد النشاطات الجوية غير المصرح بها فهذا لا يعني شيئا بل هو توريط للحكومة العراقية بأمور لا تستطيع إن تتعامل معها فالدفاع الجوي هو وحدة متكاملة فمرحلة الكشف تعقبها مرحلة المعالجة ولا قيمة لأي مرحلة بدون الاخرى فهما متلازمان وهذا لا يعنى إن من الضروري استخدام القوة مع الاهداف غير المصرح عنها التي تخترق الاجواء العراقية بل يجب التعرف على هذه الاهداف اولا لكي يتم التعامل مع مصادرها إن عرفت لاحقا سواء عبر القنوات الدبلوماسية أو غيرها إن من الواضح إن المجال الجوي العراقي سوف يكون مفتوحا لكل دول الجوار وأسرائيل بالخصوص التي تمتلك الامكانيات الفنية للوصول الي اى نقطة داخل العراق وهنا لا أذيع سرا إن اسرائيل رغم الامكانيات الضخمة التي كان يمتلكها العراق في هذا المجال في الثمانينات استمرت بعمليات استطلاع0 جوي للعراق بشكل منتظم وكانت تصل الي الضفة الغربية لنهر الفرات وقد تكبد العراق عددا من الخسائر نتيجة للاشتباكات التي حصلت حيث سقطت احدا الطائرات العراقية داخل الاراضي السعودية التي لا يعقل أنها لا تعلم بهذه العمليات حيث إن طائرات ألانذار والسيطرة المحمولة جوا (AWACS )كانت تكشف كامل المجال الجوي العراقي 0 نحن لا نعرف ماذا جرى في المجال الجوى العراقي خلال السنوات المنصرمة ولكن حديث قائد القوة الجوية الامريكيه في العراق عند تسليم قاعدة بلد للجانب العراقي والذي ذكر فيه إن هذه القاعدة كانت تنفذ 2600 طلعة يوميا يوضح حجم الجهد الجوي الامريكي المستخدم في العراق وأذا افترضنا إن الأمريكان كانوا يوجهون خمسة بألمئه من هذا الجهد لمكافحة الإرهاب سواء كأسناد ناري مباشر أو استطلاع فان فقدان هذا الجهد سوف يودي إلا خلل كبير في عملية مكافحة الارهاب0اننا سوف نفترض إن ما تمكنت الولايات المتحدة من الحصول علية من معلومات تتعلق بإيران قد جرى تمريرها فعلا الي اسرائيل وليس من المستغرب إن يساهم طيارين من اسرائيل بعمليات استطلاع من هذه القاعدة والتي هي اقرب القواعد العراقية الى أيران و أذا كانت عملية قصف المنشاة الإيرانية الذرية تمثل تحديا كبيرا للمخطط الاسرائيلي فأن الانسحاب الأمريكي سوف يسهل من هذه المهمة بشكل كبير و أذا كان انتشار الاهداف الذرية الإيرانية معضلة كبيرة فعلا الأقل إن الاهداف التي تقع الي شرق العراق وشمال إيران سوف تكون اهداف سهلة نسبيا وبمخاطر محدودة و من الواضح إن القوة الجوية الإيرانية لا تمتلك لا الطائرات ولا شبكات دفاع جوي حديثة قادرة على التصدي لطائرات ف 22 الحديثة التي تمتلكها اسرائيل ناهيك عن السيطرة على المجال الجوي العراقي المفتوح والمتاح للجميع 0ان الحديث عن الانتصار الإيراني الذي اجبر الأمريكان على الخروج من العراق قد يصبح كارثة كبيرة لن تنحصر تداعياتها بالضربة نفسها بل ما يعقب الضربة ولن يكون العراق بمنجى من هذه التداعيات لقد كانت القوات البرية للولايات المتحدة في العراق ضمانة كبيرة لايران حيث إن الرد الإيراني سوف يستهدف هذه القوات بكل الوسائل المتاحة وهو ما كانت تخشاه الولايات المتحدة أن إيران تمتلك خيارات متنوعة على الساحة العراقية يمكن ا ن تكبد الولايات المتحدة خسائر كبيرة قد لا يقبلها الشارع الامريكي إن هذا ما كان يدفع الولايات المتحدة للضغط على إسرائيل للتوقف عن قصف المنشأة الذرية الإيرانية 0ان الانسحاب من العراق لم يترك المجال الجوي مفتوحا فقط بل ترك القوات البرية العراقية بدون الدعم الناري الاضطراري الكثيف الذي قد تحتاجه العمليات البرية رغم إن تكتيكات القاعدة التي تتخذ من المدن العراقية ساحة لعملياتها حاليا قد يجعل هذه الحاجة محدودة ولكن القاعدة أنما لجأت للعمل داخل المدن العراقية تجنبا للقدرات الجوية الامريكيه التي لا تمتلك الأدوات اللازمة لمواجهتها وعند زوال هذا الخطر من المحتمل إن تعود لاستخدامه مرة أخرى مما يوسع من مساحة العمليات العسكرية0 إن عمليات مكافحة التسلل و استطلاع الحدود سوف تتأثر بشكل كبير مما يسمح لمزيد من الانفلات على الحدود المشتركة وخصوصا الحدود السورية التي تنشغل ألان بهم داخلي كبير 0 أما في الجانب البحري من الواضح إن القوة البحرية لا تمتلك القدرات التي تمتلكها دول الجوار والتحدي ألان بدون الدعم الامريكي المباشر هل تستطيع هذه القوة من التعامل مع عمليات القرصنة واستهداف منشأة تحميل النفط العراقي إن تصدير النفط هو شريان الحياة بالنسبة للعراق 0 كان يمكن إن تحل الكثير من هذه ألاشكالات لو أديرت عملية تأهيل القوة الجوية العراقية من قبل عناصر محترفة غير مسيسه وكان يمكن لهذه القوة إن تؤمن الدعم الازم للقوات البرية والبحرية ولا نتفت الحاجة للقوات الجوية الامريكيه في هذا الجانب إن السلاح الجوي0 هو القادر على تامين الدعم السريع والنيران الكثيفة للسلاح البري والبحري 0ان الصورة تبدوا قاتمة جدا والسؤال لماذا انصرمت ثمانية أعوام منذ سقوط النظام السابق ولم تتخذ الخطوات اللازمة لملأ الفراغ الأمني الذي يحصل أليس هذا استخفاف بسلامة العراق وابنائة0
غادرت معظم القوات الامريكيه العراق ومن المفترض إن يكتمل انسحاب باقي القوات فئ نهاية هذا العام هذا ما أكده الرئيس أوباما لرئيس الوزراء العراقي في نهاية شهر اكتوبر 0 لقد تم الأمر تنفيذا لاتفاقيه الآطار الاستراتيجي التي عقدت بين العراق والولايات المتحدة وكان من المفترض إن العراق قد امتلك الحد الأدنى من القدرات التي تمكنه من الدفاع عن نفسه ضد اى تهديد خارجي أو داخلي ولكن التصريحات المربكة والمتناقضة التي أطلقها المسئولين العراقيين حول جاهزيه القوات العراقية كانت سياسية أكثر مما هي مهنيه فالقوى السياسية التي كانت تزايد في تصريحاتها يبدوا أنها لم تستمع لرئيس الأركان العراقي وهو يحذر من عدم جاهزيه القوات العراقية وان هناك حاجة لابقاء قوات امريكية وخصوصا قوات جوية وبحرية و جهد استخباراتي ويفترض إن الرجل هو المرجع الذي يعتمد علية للقرار على أبقاء أو رفض تواجد قوات أمريكية بعد العام 2012 لكن من المنطقي إن نسأل لماذا لم تصل القوات العراقية للمستوى الذي يؤهلها للنهوض بواجباتها رغم ألاموال الطائلة التي أنفقت والدعم الأمريكي المفترض 0ان السادة الذين تحدثوا عن الحاجة لأبقأء قوات أمريكية هم الذين تصدوا ومنذ سقوط النظام لأعادة تأهيل القوات المسلحة العراقية ويبدوا انهم فشلوا في تنفيذ هذا الأمر وهذا طبيعي نظرا لانعدام الخبرة والتأهيل 0 ان المعضلة الكبرى التي سوف تواجه العراق هي فقدان الدعم الجوى الامريكي مع فقدان كامل للقدرة الجوية العراقية التي دمرت خلال العقدين الماضيين إن ما سلم من القدرات الجوية من العام1991 تم نهبه من قبل جهات متخصصة تدرك قيمة المعدات التي تم نهبها إن طائرات الهيوز التي كانت تستخدم من قبل شركة بلاك ووتر لاغراض الحماية كانت على ألارجح طائرات عراقية كانت تستخدم لاغراض تدريب طياري طيران الجيش 000000000 وهنا سوف أتحدث بلغة المتخصص في القدرة الجوية العراقية خبرة استمرت لاكثر من ثلاثة عقود أنتجت خيرة طياري وضباط الركن الجويين خصوصا وساهمت بتدريب ضباط الركن البريين والبحريين وعندما أتحدث ارجوا إن لا يفهم الأمر وكأني ادعوا لبقاء القوات الامريكيه بل أني اعتقد إن مغادرة القوات الامريكيه للعراق يخدم العراق والولايات المتحدة0 إن انسحاب الأمريكان سوف يجعل العراق مكشوفا وبشكل كامل فلا سيطرة للعراق على مجاله الجوي فهو لا يمتلك إي من وسائل الدفاع الجوي سواء الفعال منها أو السلبي وحتى إن امتلك رادارات للسيطرة على السابلة الجوية المدنية وهذا ما يفترض وجوده مع وجود طيران مدني والتي يمكن إن ترصد النشاطات الجوية غير المصرح بها فهذا لا يعني شيئا بل هو توريط للحكومة العراقية بأمور لا تستطيع إن تتعامل معها فالدفاع الجوي هو وحدة متكاملة فمرحلة الكشف تعقبها مرحلة المعالجة ولا قيمة لأي مرحلة بدون الاخرى فهما متلازمان وهذا لا يعنى إن من الضروري استخدام القوة مع الاهداف غير المصرح عنها التي تخترق الاجواء العراقية بل يجب التعرف على هذه الاهداف اولا لكي يتم التعامل مع مصادرها إن عرفت لاحقا سواء عبر القنوات الدبلوماسية أو غيرها إن من الواضح إن المجال الجوي العراقي سوف يكون مفتوحا لكل دول الجوار وأسرائيل بالخصوص التي تمتلك الامكانيات الفنية للوصول الي اى نقطة داخل العراق وهنا لا أذيع سرا إن اسرائيل رغم الامكانيات الضخمة التي كان يمتلكها العراق في هذا المجال في الثمانينات استمرت بعمليات استطلاع0 جوي للعراق بشكل منتظم وكانت تصل الي الضفة الغربية لنهر الفرات وقد تكبد العراق عددا من الخسائر نتيجة للاشتباكات التي حصلت حيث سقطت احدا الطائرات العراقية داخل الاراضي السعودية التي لا يعقل أنها لا تعلم بهذه العمليات حيث إن طائرات ألانذار والسيطرة المحمولة جوا (AWACS )كانت تكشف كامل المجال الجوي العراقي 0 نحن لا نعرف ماذا جرى في المجال الجوى العراقي خلال السنوات المنصرمة ولكن حديث قائد القوة الجوية الامريكيه في العراق عند تسليم قاعدة بلد للجانب العراقي والذي ذكر فيه إن هذه القاعدة كانت تنفذ 2600 طلعة يوميا يوضح حجم الجهد الجوي الامريكي المستخدم في العراق وأذا افترضنا إن الأمريكان كانوا يوجهون خمسة بألمئه من هذا الجهد لمكافحة الإرهاب سواء كأسناد ناري مباشر أو استطلاع فان فقدان هذا الجهد سوف يودي إلا خلل كبير في عملية مكافحة الارهاب0اننا سوف نفترض إن ما تمكنت الولايات المتحدة من الحصول علية من معلومات تتعلق بإيران قد جرى تمريرها فعلا الي اسرائيل وليس من المستغرب إن يساهم طيارين من اسرائيل بعمليات استطلاع من هذه القاعدة والتي هي اقرب القواعد العراقية الى أيران و أذا كانت عملية قصف المنشاة الإيرانية الذرية تمثل تحديا كبيرا للمخطط الاسرائيلي فأن الانسحاب الأمريكي سوف يسهل من هذه المهمة بشكل كبير و أذا كان انتشار الاهداف الذرية الإيرانية معضلة كبيرة فعلا الأقل إن الاهداف التي تقع الي شرق العراق وشمال إيران سوف تكون اهداف سهلة نسبيا وبمخاطر محدودة و من الواضح إن القوة الجوية الإيرانية لا تمتلك لا الطائرات ولا شبكات دفاع جوي حديثة قادرة على التصدي لطائرات ف 22 الحديثة التي تمتلكها اسرائيل ناهيك عن السيطرة على المجال الجوي العراقي المفتوح والمتاح للجميع 0ان الحديث عن الانتصار الإيراني الذي اجبر الأمريكان على الخروج من العراق قد يصبح كارثة كبيرة لن تنحصر تداعياتها بالضربة نفسها بل ما يعقب الضربة ولن يكون العراق بمنجى من هذه التداعيات لقد كانت القوات البرية للولايات المتحدة في العراق ضمانة كبيرة لايران حيث إن الرد الإيراني سوف يستهدف هذه القوات بكل الوسائل المتاحة وهو ما كانت تخشاه الولايات المتحدة أن إيران تمتلك خيارات متنوعة على الساحة العراقية يمكن ا ن تكبد الولايات المتحدة خسائر كبيرة قد لا يقبلها الشارع الامريكي إن هذا ما كان يدفع الولايات المتحدة للضغط على إسرائيل للتوقف عن قصف المنشأة الذرية الإيرانية 0ان الانسحاب من العراق لم يترك المجال الجوي مفتوحا فقط بل ترك القوات البرية العراقية بدون الدعم الناري الاضطراري الكثيف الذي قد تحتاجه العمليات البرية رغم إن تكتيكات القاعدة التي تتخذ من المدن العراقية ساحة لعملياتها حاليا قد يجعل هذه الحاجة محدودة ولكن القاعدة أنما لجأت للعمل داخل المدن العراقية تجنبا للقدرات الجوية الامريكيه التي لا تمتلك الأدوات اللازمة لمواجهتها وعند زوال هذا الخطر من المحتمل إن تعود لاستخدامه مرة أخرى مما يوسع من مساحة العمليات العسكرية0 إن عمليات مكافحة التسلل و استطلاع الحدود سوف تتأثر بشكل كبير مما يسمح لمزيد من الانفلات على الحدود المشتركة وخصوصا الحدود السورية التي تنشغل ألان بهم داخلي كبير 0 أما في الجانب البحري من الواضح إن القوة البحرية لا تمتلك القدرات التي تمتلكها دول الجوار والتحدي ألان بدون الدعم الامريكي المباشر هل تستطيع هذه القوة من التعامل مع عمليات القرصنة واستهداف منشأة تحميل النفط العراقي إن تصدير النفط هو شريان الحياة بالنسبة للعراق 0 كان يمكن إن تحل الكثير من هذه ألاشكالات لو أديرت عملية تأهيل القوة الجوية العراقية من قبل عناصر محترفة غير مسيسه وكان يمكن لهذه القوة إن تؤمن الدعم الازم للقوات البرية والبحرية ولا نتفت الحاجة للقوات الجوية الامريكيه في هذا الجانب إن السلاح الجوي0 هو القادر على تامين الدعم السريع والنيران الكثيفة للسلاح البري والبحري 0ان الصورة تبدوا قاتمة جدا والسؤال لماذا انصرمت ثمانية أعوام منذ سقوط النظام السابق ولم تتخذ الخطوات اللازمة لملأ الفراغ الأمني الذي يحصل أليس هذا استخفاف بسلامة العراق وابنائة0
السبت، 26 نوفمبر 2011
أختام عراقية معاصرة-عادل كامل/ الختم الخامس
أختام عراقية معاصرة
عادل كامل/ الختم الخامس
[1] التتابع: ابعد من الغياب أو الحضور تاما ً
لا أريد لبصري، وربما لأصابعي، أو باقي حواسي، ان تغادر أداة السومري في الحفر فوق الطين، فأنا ابني بالكلمات مأواي، كما يبني الطائر عشه: الم ْ يلمح باشلار إلى ذلك كعلاقة بين قلب الطائر وعشه: المكان كقلب وقد غدا شعرا ً! فانا أكاد اسمع كلماتي تغادر (ما قبل) ماضيها كي تأخذني معها إلى (ما بعد) موتي. أليس هذا ـ ولا اعرف لماذا تذكرت الشاعر سامي مهدي ـ مقاربة لتعريف الشعر: ان ننتقل من المجهول ـ بزوالنا ـ إلى ما بعد الكلمات، لغزا ً يذهب ابعد من حضوره ـ وابعد من غيابه! سر وجود كائنات وجدت مصيرها لا علاقة له بما شغلها: لا بالحواس ولا بالعقل ولا بمخفياتهما أيضا ً، إنما بعلاقة لا غياب فيها وقد أصبح الحضور تاما ً.
وها أنا اترك أصابعي تعمل كي أتتبع عثراتها، وتوقفاتها، وما تريد ان تقول.. لكنني اعرف ان الفن ليس اختيارا ً خالصا ً، أو لعبا ً حرا ً، كأنه من غير علة، أو قد عزل عن مكوناته، مثلما أدركت منذ زمن بعيد ان الحرية، كي تحافظ على ما فيها من سر، فإنها الضرورة وقد غادرت قيودها: حرية لا تذهب ابعد من هذه القيود، ولكنها ستمنح هذه القيود تاريخ الإنسان: مجده وعبثه، رمزيته وعدمه، عناده وتلاشيه.
[2] أدور، بمعنى: أتسمر!
ها أنا أدور، كالسومري الذي تحدث عن الدورات: دورة الفرد، دورة السلطة، ودورة الأرض، ودورة الكون، الأمر الذي سمح له ان يجد دافعا ً إلى: الكتابة/ الفن/ الحكمة. ومع أنني لا اعرف ـ إلا عبر الآثار ـ ذلك الزمن السحيق، لكني أكاد أعيد سكني عند ضفاف الفرات، وأنا أعيد قراءة شريعة أور نمو، بين كائنات استبعدت العنف عن حياتها، فلم تدع الراعي يسفك دم المزارع، كما في قابيل وهابيل في النص التوراتي، بل صاغت مفهوما ً تكامليا ً سنجد أصداءه في ديانات الهند، والصين القديمتين؛ وهي الذروة ذاتها التي بلغتها ملحمة جلجامش: الخالد ليس من لا يموت، بل الذي يمتلك قدرة ان يمتد صانعا مصيره، كأقدم قانون للمصالحة بين السماء والأرض، وعمليا ً، لا نستطيع إغفال العلاقة بين من تراكمت الثروات عنده، وبين من سلبت منه. ففي بنود الشريعة ان الإنسان لا يمتلك إلا ان يحافظ على المسافة النائية بين من في الأعالي وبين من صنع من الطين.
أدور، بمعنى، أتسمر! فانا مثل المسمار (إشارة إلى تماثيل الأسس) أجد أنني لم اعد معزولا ً ـ وأنا أؤدي عمل الحرية كضرورة، وأؤدي دور الضرورة عندما لا تكون الحرية وهما ً، فالمسمار ما هو إلا علاقة إقامة. انه إشارة لمفتاح بين اللاحافات ـ وحافتي: إقامتي. وهنا أجد العالم وقد تحول الى بستان، فاستعيد نسق الاسطورة في صياغة تدريباتي، لا بصفتها تسلية، ولا بصفتها عقارا ً، ولا بصفتها عبثا ُ، او ما شابه ذلك، بل واجبا ً مضادا ً للواجب: قهرا ً للقهر. ففي الفن ـ أجد أني أؤدي دور المسمار، لا دور الريح أو الزمن، فالأول علاقة، والثاني(الريح أو الزمن) امتداد عبر فواصل. ذلك لأن المسمار ذروة عمل: انه كد الإنسان وكلمته.
[3]المسمار ـ ابعد من الدفن
وربما كان للصليب، قبل ثمانية آلاف عام، المنقوش والمحفور والمرسوم فوق فخاريات أعالي الفرات، وجنوبه، إشارة لضرب من الصلح اثر اشتباكات أو تصادمات. فالصليب سيأخذ الشعار الذي اختاره (هتلر) (وكأنه فعل ذلك بوحي من نيتشه)، شبيها ً بالصليب المعقوف المرسوم فوق سطوح فخاريات أعالي الفرات: لأنه رمز إلى مركزية السلطة، وحدودها. فالسلطة هي حصيلة ما لا يحصى من الكد، حد الحرب، وهنا يلتقي قصد هتلر ويفارق: فهو شعار سلطة تحكم الجهات أربع، وعند هتلر، يتكرر القصد، ولكن في عالم يصعب حكمه خارج ديمومة الاشتباك.
إلا أنني أجد المسمار ـ الصليب ـ من جانب الرأي العام إلى الخاص، كي يتشكل عبر الدفن. فالميت مسمار، هو الآخر، وشغف الأحياء بموتاهم لن يفقد دوره أو حضوره. فالذاكرة لم تصبح مستقبلا ً معزولا ً عن مقدماتها/ جذورها. وهنا يأخذ القبر محتوى وشكل المسمار ـ الصليب أيضا ً: انه البذرة التي يتحتم ان تدفن، كي تنبت، كتأويل لأقدم آلية قتل لا واعية للإله ديموزي. فلو لم تقم (إنانا) ـ في لا وعيها ـ بإنزال حبيبها إلى العالم السفلي الذي لا عودة منه، لأصبح وجوده صنو الريح!
وليس لزمن قصير مكث سكان وادي الرافدين يندبون مأساة ديموزي، بقتل البطل ـ أي دفن البذرة ـ فسيتكرر الفعل ـ ضمن دورة وجود الإنسان ـ لتمنح الانتظار، بعد ذلك، جدلية الديمومة ـ والامتداد. الم ْ يدون الحكيم السومري: ما من امرأة ولدت ابنا بريئا ً قط! حتى أصبحت الأخيرة رمزا ً للأفعى، ورمزا ً للشيطان. من ثم دخلت اللاوعي الجمعي، وقد جعل منها الحكيم (ماني) نشاطا ً مقترنا ً بالعتمة ـ العدم. وبمعنى ما: فالحياة مكثت تمتد، مثل عمل المسمار، لا يكتفي بالحفر، والنقش، بل لأنه سيذهب ابعد من الدفن.
[4] ما بعد/ وما قبل ومضات الغياب
فيشرد ذهني، في محاولة التأويل، حول منهجي في التفكير: هل ثمة برمجة صاغتها حتميتها، أم أنها وجدت بتعديلاتها، خارج عمل المشفرات الوراثية، وعمل الجينات..؟ أي ان المضاف، يتكّون بحسب السياق ذاته حتى لو قمت بدحضه! فالمصادفة لم تحدث من تلقاء ذاتها، كي تأخذ هذا النظام المشفر، من اللا مرئيات إلى الوعي، ومن الدماغ إلى المجرة، ومن اللا حافات إلى ما هو خارجها! أتذكر ـ في هذا الجزء من اللحظة ـ أن احد الفلاسفة الأتراك، وبلذّة متصوف، أو عاشق، أو فنان، قال ان الله يقع خارج هذا كله! ولا أرى انه أضاف حرفا ً ليعزز بديهة ان الخالق وحده ليس بحاجة إلى برهان. فهناك: واجب الوجود. لكن حدود عمل الوعي تصطدم، وتشتبك، في المحدود: الانشغال بالموت، والولادة. فالإنسان يأتي إلى الدنيا ـ بحسب المثل الصيني القديم ـ في الحزن ويموت فيه. على ان فرحا ً ما بالحياة وبالموت، له سياقه العنيد: حتميته ـ: العمل. ومرة أخرى لا تبدو اختياراتي خالية من الإثم! فانا بعملي الفت النظر ...، ثمة متراكمات، كنوز صغيرة لفتت نظر اللصوص! ومثلما لا اعرف كم فقدت، من أحلامي ومن ممتلكاتي المجهولة، جرحت، وبالحزن وحده ذهبت إلى روحي: كل هذا يأخذ موقعه في الأثير: غبار المجرات، والنجوم، والأثير الممتد بين لا حافات الفضاءات. فأصغي إلى صوت موتي: أيها الولد ـ أيها العجوز ـ انك لم تذق بعد ما بعد اللذّة! فعد راقب ومضات قلبك وهي تنسج بأصابعك هذا الختم: محو الفراغات. فلا تغضب، ولا تتذمر، وإلا من يطرق بالمطرقة فوق المسمار، وإلا من سيذهب من غير ظل، بعد ان فقد نوره، ويكمل تتمات اللغز، وإلا من يحتفل بالراحل، ومن يحتفل بالحبيب، وأنت ـ وأنت كباقي الغائبين في ومضات حضورهم، وكالبشر وقد أغوتهم فخاخ ما بعد/ وما قبل ـ هذا الحضورـ تمشي في جنازة الريح، وأنت تشيّع زمنك متتبعا ً الأثر وقد سبقك في الغياب !
[5] الطيف: اكتمال دورة المقدمات بنهاياتها
ليس، كما ألمحت، ان ما أراه يتوارى، هو ان أرى حضورا ً للفن ذاته، كعدم يغادر أبديته، ليسكن المسافة ما بين الخامات والبصر/ اليد، ولكنه ليس شيئا ً مغايرا ً. ان أصابعي، مرة ثانية، تمنحني العزاء: لن أتتبع موتي! ها أنا أراه يحدق في ّ، فأموت، كي اتركه يغادرني، لكنني ـ في روحي النائية ـ أدرك استحالة صياغة هذا، أو الإمساك بأثره. فانا سأتوارى، ضمن آليات الدورة! وأعترف أني وضعت علامة التعجب لسؤال خطر ببالي قبل الكتابة: ماذا لو عدت أشاهد الزمن يرتد إلى الوراء، كما افعل بفلم أراه بالمقلوب: من الموت إلى لحظة الولادة، والى ما قبل الخلق! ثم، أواصل تتبع الانسحاب إلى ما قبل التكوين! كي أتساءل: هل تخطيت حدودي...؟ لا! فأنا ـ بداهة ـ مركب من الأبعاد اللا محدودة بدا ً من الزمن إلى ما قبله، فأنا موجود في الوجود حد استحالة وجود نقيض له، عدا تحولات الأشكال، تبعا ً لمحركاتها.
ألا يحق لي ـ كي لا ادع الفكرة تغيب ـ ان امسك بنظام سمح لي ـ خارج إرادتي ـ ان امتلك هذا الحضور...؟ أم، لأن الحضور وقد بلغ غيابه، سمح لي بما ليس غائبا ً، وبما ليس حاضرا ً، لأمر ما شبيه بالطيف، أو بما لا يمكن رسم مروره، أو وصفه بالكلمات...؟ هل تراني أصبحت نائيا ً عن جسدي، عن أصابعي، وعن رأسي، كي أوثق حالة شبيه بالصفر، التي تكتمل فيها الأبعاد، أو بالأحرى، ترجع إلى أصلها! كي يحافظ الأثر على دمج المقدمات بنهاياتها، لكن عبر هذا المرور، وقد اكتسب زمنه، ومنفاه، سواء بسواء...؟
[6] هوية الفعل ـ الأثر
يبلغ الوعي ذروته: انه ـ في كل خطوة ـ يخترع توازنه. فانا لم اعد معزولا ً عن أدواتي: القلم/ الورقة/ الضوء/ وتتبع ما أراه يتوارى ...، بل أصبحت امتدادا ً له طالما كلانا تحولات محكومة بما لم يعد للمعرفة فيه إلا الاختباء فيه. معرفة الفن وهو يخفي معناه، نائيا ً، عن كل خاتمة. فهو شريك الجسد في هذا الامتداد، وليس في القطيعة. وبمعنى ما يعلن الفن عن شراكته لي في تلافي المنفى ـ والنفي. فانا لا أتطهر فحسب، بل اكف عن المقاومة. فأجد أنني لم أتحول إلى آخر، بل أتوحد مع ذاتي كي تكتمل النهايات بمقدماتها.
هل بلغ الوعي ذروته، حقا ً، كي أرى حياتي ـ بفجواتها وبمفارقاتها وإرباكاتها ـ كعناصر انصهرت مكوناتها فيه واستحالت عنصرا ً مغايرا ً، أم ظهر لي، برغم هذه المراقبة، أني أتمسك بآليات لا واعية للتمسك بالأثر ـ دالا ً على صانعه، رغم إدراكي التام للصفر وما يخفيه من امتدادات لا تغادر لغزه!
لا يحتمل الفن، ولا العملية الفنية، هذا التأويل. فالمحكوم بالموت، قبل رحيله، وحده يكون (عبر) ماضيه، كما لا معنى للقبر، بصفته ذرات تراب، المحو وحده سيبقى يحدد هوية الفعل ـ الأثر!
[7] حافات المحو
وبمعنى ما يصعب تتبع المحركات اللا مرئية، وتحولها إلى فعل، والى مشروعات للقفز في مساحات المجهول. والأصعب من ذلك، ان تجد نفسك مشاركة في عمليات الهدم، كي تغيب، بعيدا ً عن الرصد، والتوثيق، ومدى صلتها بالإبداع، ومشاكله!
في هذا الشرود، مازلت المح هذا الكيان الغامض، القائم على أكثر من تصادم. لأن سؤال ماذا نريد لم يقترن بأدواته الحديثة، وبالوضوح المطلوب. فالعشوائية ستؤدي دورها حتى النهاية، وهي التي كادت ان تنفي شرعية (التجريب) وتجعله محض ادعاءات قائمة على الخطأ والصواب.
ماذا نريد ...وما الذي يستحق ان لا نريده، ونستبعده أصلا ً والذي سيشكل علامة لا يمكن عزلها عن كل ما سيشكل مصائر المشتغلين في الفن، وطرقه، وعلاماته..؟
لن أتحدث عن الذين كانوا يشاركوننا هذا الهاجس المعرفي، في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته، لأن من مكث معنا، هو الآخر، كان لا يمتلك إلا الدرب المتغير وقد خيمت عليه غيوم كالحة بفعل تحولات العالم من ناحية، وما يجري في القارات المحتضرة، وقد زوروا الأسماء، بمنحها تسميات مراوغة: كالعالم الثالث، النامي، من ناحية ثانية!
ان كل ما يتصل بالتنمية البشرية، والتحضر، والتراكم المعرفي، تم استبعاده، واستئصاله، وترك الجميع يتخبطون في سراديب خالية من السلالم، كما ذكر منعم فرات، أو كعمل مجرشة الملا عبود الكرخي، سمة لقرن في طريقه إلى الأفول.
ولنستبعد نظريات المؤامرة، ونقول: هذه هي أخطاؤنا! حسنا ً،لكن الذي حصل شبيه بقصص ادمون صبري، ليست مضيعة للوقت، له ولنا حسب، بل لا جدوى من إعادة قراءتها!
فالتنمية ستتراجع حد الصفر، بمعنى: أنها ستغلق سرداب منعم فرات، وتترك من فيه يتخبط في الحفر! هو ذا كهف أفلاطون، يدور المفتاح في قفله، فلا إضاءة ولا ظلال! فما يروى وحده قد بلغ ذروته: لن يتزحزح لا إلى الأمام، ولا إلى الخلف!
أنا لست بصدد إعادة الحفر في موجهة الانخلاع: لماذا حدثت، وكيف استكملت برنامجها: حياتنا وهي لا تتباهى الا بخرابها! انه خرابي في نهاية المطاف. فبعد 1958، مرورا ً بالمتغيرات المشحونة بموجات القسوة، والذعر، خلال المتغيرات السياسية، وحتى يومنا هذا في عام (2011)، ولكن هل ثمة دراسات توقفت عندها، بمنظور يتوخى تفكيك المشهد كاملا ً، وليس ثقب مغلق! فالسيناريو الممسرح بين الفصائل، لم يجد من يرجعه إلى حده الأدنى من المحركات. ولا أنا سأفعل ذلك أيضا ً. لأن المشترك العام فقد مركزه. فليس هناك مقدسات، ولا وجود للحد الأدنى من الثوابت. فالجواهري، على سبيل المثال، أثنى على شخصيات لا تقل إساءة إلى الإنسان، وحقوقه، وتنميته، ومعرفته، لا مبرر لها ..الخ وهو ما ينطبق على شخصيات أخرى، مع ذلك كان غياب ألجواهري، ومئات العلامات الثقافية، في مختلف حقول المعرفة، والإبداع، ضربة توازي التنكيل بأصحاب المشاريع التنموية ، والحريات. فلقد تحولت الأراضي الزراعية إلى أدغال، وتدهورت مشاريع الري، فيما أصبحت المصانع في ذمة التاريخ، من معامل صناعة الورق إلى الزجاج، ومن النسيج إلى الجلود والمعلبات ..الخ إلى جانب دفن المصانع الأهلية، وتركها تحتضر وتلفظ أنفاسها في الأخير.
كانت الهجرة شبيهة بحدث (كارثي)، وكأنه ليس من صنع البشر، بل من عمل كائنات تعمل في كوكب آخر، لأن وضع قائمة بها، خلال نصف القرن الماضي، سيرسم لنا نهايات المشهد. فماذا لو كان الوعي، أو شيئا ً شبيها ً به، قد تصدى لموضوع الانخلاع، والفرار الجمعي، وناقشه بأدوات غير التي أدت إلى ذروته، ماذا كان سيحدث....؟ أم علي ّ ان لا ابعد شبح الأثر الكارثي الذي جعل مصائر البشر قيد التدمير، والزوال..؟
هذه الظلال، والضلال، ستعمل في أقاصي الرأس: في خلايا الدماغ، وفي ومضات الوعي، بعيدا ص عن الثنائية، وبعيدا ً عن مثنويات الفلسفات القديمة، فانا عشت ـ كعدد من زملائي ـ المشهد حد تذوق خفاياه اللاذعة، المهلكة، ثانية بثانية. فالإنسان لم يولد في الخوف، ولن يعيش فيه، كي يدفن في حفرته فحسب، بل الخوف (وربما علي ّ ان أقول: اللا تنمية/ اللا عمل/ اللا احترام، ومعاملة بعضنا للبعض الآخر وكأننا في أتون: حرب الجميع ضد الجميع) سبق حضورنا أصلا ً، لأن المشهد برمته لم يعد بحاجة إلى ديمومة. لكن الاحتضار ـ وهذه إشكالية لم نر من يشخصها لنا بما هي عليه ـ غدا البرنامج الذي علينا ان نحافظ عليه: الشعوب التي عليها ان لا ترى النور، هي ذاتها، عليها ان تبقى عليلة، تدور في المحور ذاته، ولا تنتج إلا ما شخصه الملا عبود الكرخي: مشاجرات مومسات الميدان! في ذلك الزمن (الكلجية) التي تم استبدال معناها من موقع لجماجم ثوار بغداد إلى موقع للدعارة!
لا احد أضاء لنا الدرب تمام الإضاءة، حتى لو كانت خاتمته سابقة مقدماته، إلا في حدود تنمية الإقصاء، ومن مختلف الفصائل، شعارات للتشهير، والمطاردة، والإذلال. فالمعركة، برمجت كي لا يخرج منها احد إلا مثقلا ً بالذنوب! ألا يبدو القرن الماضي (بين 1921 ـ 2011) مشهدا ً لا ينتمي إلى مسرح العبث، واللامعقول فحسب، بل إلى ما لا يسمى، والدخول فيه، كالدخول في حفرة كومت فيها مئات الجثث مجهولة الهوية في صيف بغداد الذي لا يرحم! ـ: عطر التاريخ، يا بودلير، ويا أيها المعري، ويا طرفة، ويا أيها الحكيم السومري الذي لخص المأزق ذاته قبل ستة آلاف عام، العطر المشبع بالنتانة، وشفافيات المحو، والتنكيل، باسم الحداثة، وما بعدها، حيث لم يجمعنا القبر، بل كان على كل منا ان يجد وسيلة للتواري، وتجنب الأصوات، ولفت النظر! فالفصائل ستوكل إليها مهمة تجاوز مشروع ذبح الجميع للجميع، نحو: ترك المستقبل يمحو ماضيه!
[8] ديالكتيك التتابع
لنصف قرن وأنا أفكر: هل ثمة مسافة بين إدراكي للحقائق، أو التي تحولت إلى موضوعات لهذا الإدراك، وبين ما هو حقيقي، من غير تدخل شكوكي في الإدراك، الخاصة بتلك الموضوعات، أو المرئيات، أو الأشياء...؟
انه سؤال الفلسفة السابق على حب الحكمة: هل وجدت الموجودات لغاية تشترك معي في ما هو ابعد من غايتها، وابعد من غايتي، أم وجد (وعي) ـ وعينا ـ كي يحدد وجودي وفق معايير هذا الوعي..؟ ما الحكمة عندما اكتشف ان هذا النمط من المشتغلين في التفكير، هما اقل البشر تمتعا ً بالحقوق، وهم، في نهاية المطاف، دروب لصعود اقل الكائنات إحساسا ً بموضوعات الفكر وبما يتحكم فيه، بخلاصة الحكمة، ولغزها..؟
الختم، هناـ كما في أقدم النصوص الشبيهة بالفن ـ ليس أداة تحكم، أو تعويذات، أو إشارات، وليس تمهيدا ً لتحولها إلى سلع، للتبادل، أو للهيمنة، أو لبناء علاقات حسب، بل تغذية لنزعة الشك بما في مادة الحياة ومظاهرها، وفي انساق الوعي نفسه، قبل جوهره النائي، والكامن بحصانته، وامتناعه، وما هو عليه في الأخير.
إنها لذّة مقلوبة، يبررها علم النفس، بظاهرة حب إيذاء الذات، في مقابل، إيذاء الآخر. لكن هذا لا يكفي لوجود تقاليد امتدت عبر مختلف العصور، وتحولاتها. فالفن غدا مندمجا ً في حكمة الحياة، حد لا يمكن استبعاده منها، لا في فن صناعة الطعام، ولا في فن التعذيب، والقتل، وانتزاع مخفيات العقول، ولا في العمليات الأكثر قسوة في أنظمة الحكم وما تتطلبه من فنون إبادة ـ ومحو، فحسب، بل للحياة بما لا يمكن دحضها!
لأن الإنسان لو لم يكن فنانا ً، منشغلا ً بشحذ وسائله في التقدم، والتغيير، منذ تلك الحقب السحيقة التي منحت الأصابع قدراتها، كالبصر وباقي المجسات، في صناعة ما يشبه آخر إبداعات الحداثة ـ وما بعدها، لكان اقل إثارة للجدل، عند الحكماء، وليس لدي المتحكمين بمصائر الناس، ولكان، وهو يكتفي بحياة النمل/ أو النحل/ أو الأسماك/ أو الطيور..الخ غير مراقب، وغير مسؤول، عما سيراه خطيئة، ورحمة، وتوبة، واقل براعة في البرهنة ان الوجود ـ بهذا الوعي له ـ هذا الانحدار الاستثنائي نحو المحو ـ بأكثر وسائله إبداعا ً، وعدم اكتراث!
أم على الوعي، بشكل ما من الأشكال، ان يجد نفسه ينحدر، خلف من سبقه، نحو الهاوية ذاتها، بالعثور على آليات تضمنت المسافة بين الوعي ـ وما هو مكون له ـ في الوجود، ودمجهما بعمليات التتابع حد ان هذا الوعي ـ المرهف والشفاف ـ لا يعمل على دحض ما هو عليه! بل على تغذية الامتداد، بمنح الفن تقاليده، وخصائصه، ومكانته في هذا الاشتباك..؟
[9] الذات ـ والبرمجة الجمعية
ربما هناك صيغة للإدراك تتضمن سببيتها لكنها تحافظ على جانبها الوظيفي: إنها وجدت كي توجد. وسيشكل إدراكي لها لا لأنها وجدت حسب، بل لأنني أنا هو الموجود، ولأننا ـ ثالثا ً ـ وجدنا ضمن علاقة ثلاثية، فالكائنات لديها قدرة التلقي، والتحليل، ومن ثم الدخول في عمليات الإنتاج. إنها ديمومة مركبة عبر دورات ـ كما فكر أسلافنا عند تدشين الكتابة في سومر. والروح/ أو النفس/ منذ عصور سحيقة، تجد في الجسد مأوى للإقامة ـ وللمغادرة ـ وللعودة مرة ثانية بعد الموت. وثمة، إلى جانب هذا التصور، أن شيئا ً ما ـ كالنفس أو كالروح ـ يحل في كيانات أخرى، غير بشرية، في الحيوان وفي النبات وفي الخامات. إنها تصوّرات تمنح (الوعي) صيغة جمعية متماثلة تتصدع وتنبني عبر علاقات بالغة الدقة مع المكونات الأخرى. فالوعي الجمعي للأنواع ـ إنسان/ حيوان/ نبات ـ لا يمكن فصله، في هذا السياق، عن عمل الكيانات المختلفة. والاختلاف الفردي، ليس شذوذا ً، أو طفرات تحدث إلا لتؤكد هذا الترابط. فلزمن طويل كان الحيوان الأقوى ، وضمنا ً الحيوان البشري ـ وفق قانون الصياد ـ الطريدة، الضحية، الهامش له نسقه التام. ولتعديل هذا القانون، أو دحضه، كجعل ملكية الجماعة خاصة بها، وليس لزعيمها، أو تحت زعامته، تعد وثبة نحو نظام الوعي الجمعي في حماية مكونه، وضمنا ً أفراده.
فهل ثمة وجود ادراكات خاطئة كلية، أو غير صائبة تماما ً،أم ليس هو إلا تعبير عن تدرج (سببي/ منطقي) للعمل المترابط بين الجزء والكل..؟ كالاعتراف بوجود شخص ما يتقاطع مع عادات الخرافة، مثل (غاليلو) ـ على سبيل المثال ـ أو كأبحاث دافنشي في العلوم، فان المثال يلفت النظر إلى وعي جمعي أنتجته عوامله، وان تعديل المعتقدات/ التصوّرات، في الأخير، خاص بالحقائق ذاتها، وليس في الوعي إلا لأنه أعاد اكتشافها.
وثمة أمثلة أخرى توضح، مثلا ً، ان وجود اللذّة في الوظائف، وكأنها مستقلة أو منفصلة، تؤدي الدور الجمعي لحماية النوع. على ان هناك لذّات تبدو شاذة، كوجود أجزاء ذات وظائف غامضة، كالجنس الثالث مثلا ً، المزدوج، وكوجود أعضاء إضافية، أو ناقصة، وظهور سلوكيات مغايرة تماما ً، قد تؤدي إلى ظهور سلسلة جديدة لها وعيها الجمعي، مرة أخرى، بدءا ً بالحالة الشاذة..؟
هذا المثال يؤكد تحولاته عبر أزمنة طويلة. لأن عملية استبدال الوعي، سينتظر تراكمات لا تحصى، تؤدي إلى ضرب من الموازنة بين النوع وعوامله الخارجية. فقد يؤدي ضمور نجم ما، أو أي تغير في الجاذبيات، والمسافات، إلى وجود كيانات مغايرة لأصلها، مع احتفاظها بمبدأ انها تعمل بالقانون نفسه، وفي مقدمته: إنها غير مسؤولة إلا عن حدود عمل وعيها، مع الكيانات الأخرى. فالحيوانات التي تلقى حتفها، بإرادتها، لأسباب تبدو مجهولة،لا تتمتع بالحرية التي يستخدمها نوعها قناعا ً، أو سلوكا ً يتضمن مشفراته، إلا باليات كلية تتضمن مبدأ المصادفة ـ والشاذ.
هل أنتج أسلافي تلك الإشارات الشبيهة بالفن، أقنعة، أو فرمونات، أو منبهات، لهذا السياق الجمعي في التكيف، مع الحفاظ على النوع إلى تدميره..؟ بمعنى، ابعد من ذلك: ان اللاوعي سيتضمن أشكال وعيه المعلنة، دامجا ً القصد، المصادفة، في عمله الكلي، الأمر الذي بلور حتمية التصادم، والتناقض، والتناحر، كسياق لعمليات الانبثاق/ التواري، وكامتداد للقوانين في عملها خارج حدود الإدراك.
هو ذا وعيي لن يسمح لي إلا بخلق حمايات رمزية، تستبعد الرضا بالمسلمات لأنظمة شبيهة بما يحدث في مملكات النمل/ الأسماك/ والنحل. لكن الإنسان، بعد قرون، ليس لديه هذا الوعي، بحكم الضرورات، والوثبات البديلة، التي لن تعدو أكثر من آليات عمل، تجعل الوعي يعمل بحدود ضوابطه، وفي الوقت نفسه، تسمح له بكسرها، ودحضها، ومحوها في نهاية المطاف.
[10] اللا متوقع ـ والشرود
الذهن الشارد، في حالات الاستبصار، كحال المتصوف، أو العاشق، لكن الأخير سرعان ما يدمره الصحوً لأن المتصوف يكون قد عبر حال السكر والولادة وسكن الذي استدل عليه غيابه، فلم يعد منشغلا ً بالمأوى، ولا بالمكاسب، ولا بحجابات اللغة. والعاشق،لن يشبه صانع النص، حيث الأخير كلما تخيل حافة النهاية وجدها تقع وراء الحافات. فإذا كانت العائلة ـ مع انها مازالت تتعرض إلى التفكيك والهدم ـتصهر، عبر آليات النظم المجتمعية، الذكر بالأنثى نحو سعادة تمضي باتجاه نهايتها. فالشارد الذهن ـ مثلي ـ لا يرغب ان يتوهم انه عثر على المفتاح، ونجا، وانه حاز على ما ولد لأجل ان يراه وهما ً أو كالوهم، حقيقة أو كالحقيقة. ان هذه العلاقة لن تجد رضاها لو كانت شبيهة بالعلاقات السابقة. فبكارة النص لا وجود لها في الأصل، والتأويل السيكولوجي هو جزء من مسار شائك للأنظمة الأكثر تعقيدا ً. ففي الفنان ومضات/ محركات تجعل وثباته شبيهة بقفزات الإلكترون، لا نظام لها، ولن تكرر حركاتها أبدا ً! ففي الشرود قوة يصعب تحديد أسبابها كي يصرخ الفنان: وجدتها! انها ابعد من الحقائق العلمية. فالفنان غير مشغول بتحديد نوع الخامة، لأنه، يرغب ان يمسك بما بعد الشغل، وان يبلغ الوحدة. لأنه غير معني بالربح والخسران، ولا بالصياد وطرائده، ولا بالجلاد وضحاياه. فهو خارج التناقض! فهل ثمة (وهم) تمت برمجته، بما لا يدحض..؟ وهم ان تبدو الظواهر كالحقائق، لا تفنى ولا تستحدث!
أتذكر ـ قبل أربعين عاما ً ـ سألني فاضل العزاوي ـ أستاذي وصديقي ـ عن كتاب كنت قراءته. فرحت احكي له انطباعاتي عنه. لكنه قال لي ببساطة: انه لم يقرأ كتابا ً سيئي الترجمة كهذا الكتاب، وأنني كنت اخترع ما لا وجود له في الكتاب!
أتراني كنت احفر في الكلمات، وأحول الأخطاء إلى محفزات لبناء أوهام لا وجود لها، أم كنت أفكر بمعزل عن الكتاب، ألمنبهه، لأنني لم أكن منشغلا ً بالشرح، وإعادة سرد ما في الكتاب!
هذا الشرود لا استطيع عزله عن مراقبتي لتحولات ـ وتصدعات ـ وانبثاقات ما يجري في ّ، وخارجي، ضمن الجسور القائمة بيننا، خلال عمليات المراقبة. فانا غير مشغول بـ: لماذا ..ولكنني مشغول بما وراء الارتواء المستحيل. فلم تعد تغريني ثوابت الآخر، أيا ً كانت، إلا كي أتأكد من هذا الذي يأخذني معه إلى وراء المتاهات: خلف الموت الذي أتبادل معه العبور، من الشرود إلى صحو شارد، ومن سكر مستحيل إلى رغبة كفت عن الاستغاثة، وعن الطلب. فثمة، على خلاف ما يحصل بين ذكر وأنثى، انشغلت بالشمس: لماذا تراها تقذف حممها، وإشعاعاتها، وعناصرها الأخرى، كي تخصب الأرض، لكن بخراب، هو الآخر، كالغابات/ البحار/ الحيوان وضمنا البشر، لا يمتلك إلا زمن اندثاره!
فالابن أو البنت، كالثمرة، أو البذرة، وكالأفكار، والنصوص، ما هي إلا نتائج هذا العرس: الشمس بالأرض! ويا له من خراب لا يشاطرني إلا الاحتفال بزمن لا يمتد أكثر من عبوره نحو الزوال!
[11] الشمس ـ بذور شبيهة بالحجارة
بمنى ما: ليس هذا الذي يصنعه الصانع إلا كعمل المفتاح في القفل، إنما بقفل يتوارى فيه المفتاح! وهل رأينا حقاً القفل، كي نمسك بالمفتاح! إنها ليست غنيمة، جائزة، أو نجاة من الجحيم. فانا لا اعرف كيف قالوا لناـ في معبد مردوخ ـ ان حمورابي أصغى للإله آشور، ليسن شريعته..؟ لا اعرف من كان وهمه شبيها ً بثوابت حكم الموت، والقصاص، اهو مردوخ، أم أشور، أم حمورابي، أم تصوراتنا نحن النمل/ النحل البشري!
يصعب علي ّ، ان أصغي ـ بلا ظن ـ للسكن بجوار مردوخ، مستمتعا ً بالضوء، والثمار، وبالنعيم. فعالم الآلهة لا يبدو أكثر من حلم: بيت شفاف! فيما كان حمورابي معلما ً للحكمة. ففي القانون شرود شبيه بالذي لازمني وأنا أجد ان التنازل عن طعامي كحيوان جائع يتوازن مع روح تلك الشريعة! لكن هذا لا يكفي، لا لأن الشريعة هدمت، ودفنت، مع رموزها، تحت الأرض، بل لأنني، كبذرة خزنت ماضيها، مازالت تبحث عن توكيد يتجاوز برمجة جهاز الاستنساخ. الدفن وانتظار وليد لا أب له، ولا أم، إلا بما وراء سياق: فض البكارة، أو ارتكاب العدوان، وكنز كنوز ...، ذلك لأن في الشرود ـ كالذي دفع أسلافي وهم يراقبون الشمس، الذكر وقد استحال أنثى ـ تقذف بذورها إلى الأرض، العروس/ الرحم، التي تخلت عن وليدها لا من العقم، ولا من الاخصاء، بل من خلط التدفق ـ لان الغوايات ستكمن في النسج، وفي عمليات البناء، حيث اللاحافات تمتد، وتتسع، خارج مفهوم المسافة/ الزمن، والحركة، وقد أعطتنا المفتاح، لكنها حجبت عنا القفل، تارة، أو أعطتنا القفل، وقالت لنا: هذه هي المحنة! فأين هو المفتاح، بعد ان بدا الوهم ـ وحده ـ شبيه بما لا وجود له، وقد تزين،كالمرأة العقيم، وقد أنجبت سلالات من الجلادين، ومن الضحايا، بعدد بذور الشمس التي لم تخصب إلا حجارة، وفنانين، وشعراء!
[12]
في عالم أجد نفسي فيه مرغما ً ان استكمل مقدماته، رغم انفي، وإرادتي، وأنا أرى خاتمته قد فرضت حضورها مع تلك المقدمات، لكنني، ببساطة، لا امتلك إلا ان استبعد النهايات! فسألت نفسي: هل باستطاعتي الامتناع عن الطعام، أو التنفس، او الكلام، او التفكير، أو المشاركة في حياة فقدت غواياتها، ومبررات الاندماج في كياناتها؟ وايل ديورانت يذكر مثالا ً لامير اتخذ قراره بالامتناع عن تناول الطعام بعيدا ً عن العاطفة، وبعقلانية، لكنه اضطر، تحت ضغط شقيقته بسبب زواجها، ان يتناول وجبة طعام، كي لا يحدث موته إرباكا ً لاحتفالات العرس. هل أقول: فقد لذّة الشعور بالحياة، أم على ّ الذهاب ابعد من هذا الاحتمال، وأفكر ان برنامجه الوراثي رسم له حتمية هذا القرار، أم ابحث عن ضعف المناعة تجاه الرغبة بالسكينة، والاتحاد بالأبدية، من غير ذل، وقهر، أم ان قوة الموت تفوقت على دوافع الديمومة، أم ان الرجل ذهب ابعد من الزمن الذي وجد حياته فيه لا تتوازن مع رؤاه، لعالم تمحى فيه الوصايا، وتداس، وقد بلغ الاشتباك، والتصادم، وموت البراءة، حدها الذي لم يعد يحتمله، فقرر، بهدوء، كما فعلت فرجينيا وولف، أو همنغواي، أو فان كوخ، أو ستيفانزفايج وقرينته...الخ قهر الرداءة، بأكثر الدفاعات سلبية، والتخلي عن قانون: الصياد ـ وعن أي نظام يتأسس على تراكمات الفراغ!
ملأني هذا الهاجس بفزع نحو الكتابة، ولكن ليس تجاه الألوان، أو وأنا اصنع أختامي، ثم، في أجزاء لا مرئية من الثانية، أوشكت ان أباشر في التلوين، لكنني ـ وبالمشاعر ذاتها وفي زمنها الوجيز ـ وجدت القلم بين أصابعي يلون هذه الكلمات: كلمات مازالت تلفت نظري إلى: كيف خطر ببال الرسام الأول، ان يرسم ...؟ لم أفكر، بل كتبت: انه سياق استكمال المقدمات نحو نهاياتها! فابتسم! ولكن ماذا لو قلبت المعادلة: الضرورة السابقة على الرغبة بتناول الطعام، في الأصل! بمعنى إنهما وجدا معا ً: إنها الديمومة بزوالها، والزوال بديمومته. لأن الرسام الأول، وجد لذّة ما، ونشوة في محاكاة ما رآه، أو ما نحته، وفي ما أنتجه، فأصبح عمله شبيها بعلاقة الصوت مع أعضاء الكلام، لتتشكل عملية انتقاء المفردات، مع الوظائف، عبر مكونات المجموعة، وبحكم نظامها.
فهل استطيع ان أتخلى عن الكتابة، وعن الفن، وأنا لا امتلك تصورات إضافية لعالم بعد عالمنا هذا القائم على هذه التصورات، بضروراتها، حد استحالة العثور على مبررات غير التي أصبحت تعمل كعمل الشمس: تسمح للحياة بالحضور، والتداول، من ثم تتحد بالظلمات!
فجأة وجدت الهواء يزداد سخونة، مع صداع رطب يصعد إلى أعلى الرأس، والآم في المفاصل، وحرقة مرة في القلب، كلها، مع رغبة في تأمل أشعة الشمس من وراء الشباك الزجاجي، وهي رغبة تمارس إخصاب كل ما سيتحول إلى مضادات لا تشبه ما يجري في أفران الشمس، سمحت لي ان أواصل الكتابة، عن هذا الذي أراه يتكون، لا المعنى، بل الكلمات، وهي تسبق أصابعي في أداء عملها! كي استنتج، في ذروة الشرود، ان الشمس ستبقى، تمد وجودي بلغز هذا الوجود: المرارات، والعفن، والاحتضار!
أعود إلى ذلك الرجل النبيل الذي مات بهدوء، في ايطاليا، والى رجل آخر، في الهند، درب نفسه، بعد 15 عاما ً، ان يمتنع عن تناول الطعام، ويكتفي بالهواء، واسأل نفسي: أي سياق هذا الذي يسمح لي ان أبدو حقيقيا ً، وربما، صادقا ً، حتى وأنا اجهل لماذا وقعت في غواية هذا الاختيار!
عادل كامل/ الختم الخامس
[1] التتابع: ابعد من الغياب أو الحضور تاما ً
لا أريد لبصري، وربما لأصابعي، أو باقي حواسي، ان تغادر أداة السومري في الحفر فوق الطين، فأنا ابني بالكلمات مأواي، كما يبني الطائر عشه: الم ْ يلمح باشلار إلى ذلك كعلاقة بين قلب الطائر وعشه: المكان كقلب وقد غدا شعرا ً! فانا أكاد اسمع كلماتي تغادر (ما قبل) ماضيها كي تأخذني معها إلى (ما بعد) موتي. أليس هذا ـ ولا اعرف لماذا تذكرت الشاعر سامي مهدي ـ مقاربة لتعريف الشعر: ان ننتقل من المجهول ـ بزوالنا ـ إلى ما بعد الكلمات، لغزا ً يذهب ابعد من حضوره ـ وابعد من غيابه! سر وجود كائنات وجدت مصيرها لا علاقة له بما شغلها: لا بالحواس ولا بالعقل ولا بمخفياتهما أيضا ً، إنما بعلاقة لا غياب فيها وقد أصبح الحضور تاما ً.
وها أنا اترك أصابعي تعمل كي أتتبع عثراتها، وتوقفاتها، وما تريد ان تقول.. لكنني اعرف ان الفن ليس اختيارا ً خالصا ً، أو لعبا ً حرا ً، كأنه من غير علة، أو قد عزل عن مكوناته، مثلما أدركت منذ زمن بعيد ان الحرية، كي تحافظ على ما فيها من سر، فإنها الضرورة وقد غادرت قيودها: حرية لا تذهب ابعد من هذه القيود، ولكنها ستمنح هذه القيود تاريخ الإنسان: مجده وعبثه، رمزيته وعدمه، عناده وتلاشيه.
[2] أدور، بمعنى: أتسمر!
ها أنا أدور، كالسومري الذي تحدث عن الدورات: دورة الفرد، دورة السلطة، ودورة الأرض، ودورة الكون، الأمر الذي سمح له ان يجد دافعا ً إلى: الكتابة/ الفن/ الحكمة. ومع أنني لا اعرف ـ إلا عبر الآثار ـ ذلك الزمن السحيق، لكني أكاد أعيد سكني عند ضفاف الفرات، وأنا أعيد قراءة شريعة أور نمو، بين كائنات استبعدت العنف عن حياتها، فلم تدع الراعي يسفك دم المزارع، كما في قابيل وهابيل في النص التوراتي، بل صاغت مفهوما ً تكامليا ً سنجد أصداءه في ديانات الهند، والصين القديمتين؛ وهي الذروة ذاتها التي بلغتها ملحمة جلجامش: الخالد ليس من لا يموت، بل الذي يمتلك قدرة ان يمتد صانعا مصيره، كأقدم قانون للمصالحة بين السماء والأرض، وعمليا ً، لا نستطيع إغفال العلاقة بين من تراكمت الثروات عنده، وبين من سلبت منه. ففي بنود الشريعة ان الإنسان لا يمتلك إلا ان يحافظ على المسافة النائية بين من في الأعالي وبين من صنع من الطين.
أدور، بمعنى، أتسمر! فانا مثل المسمار (إشارة إلى تماثيل الأسس) أجد أنني لم اعد معزولا ً ـ وأنا أؤدي عمل الحرية كضرورة، وأؤدي دور الضرورة عندما لا تكون الحرية وهما ً، فالمسمار ما هو إلا علاقة إقامة. انه إشارة لمفتاح بين اللاحافات ـ وحافتي: إقامتي. وهنا أجد العالم وقد تحول الى بستان، فاستعيد نسق الاسطورة في صياغة تدريباتي، لا بصفتها تسلية، ولا بصفتها عقارا ً، ولا بصفتها عبثا ُ، او ما شابه ذلك، بل واجبا ً مضادا ً للواجب: قهرا ً للقهر. ففي الفن ـ أجد أني أؤدي دور المسمار، لا دور الريح أو الزمن، فالأول علاقة، والثاني(الريح أو الزمن) امتداد عبر فواصل. ذلك لأن المسمار ذروة عمل: انه كد الإنسان وكلمته.
[3]المسمار ـ ابعد من الدفن
وربما كان للصليب، قبل ثمانية آلاف عام، المنقوش والمحفور والمرسوم فوق فخاريات أعالي الفرات، وجنوبه، إشارة لضرب من الصلح اثر اشتباكات أو تصادمات. فالصليب سيأخذ الشعار الذي اختاره (هتلر) (وكأنه فعل ذلك بوحي من نيتشه)، شبيها ً بالصليب المعقوف المرسوم فوق سطوح فخاريات أعالي الفرات: لأنه رمز إلى مركزية السلطة، وحدودها. فالسلطة هي حصيلة ما لا يحصى من الكد، حد الحرب، وهنا يلتقي قصد هتلر ويفارق: فهو شعار سلطة تحكم الجهات أربع، وعند هتلر، يتكرر القصد، ولكن في عالم يصعب حكمه خارج ديمومة الاشتباك.
إلا أنني أجد المسمار ـ الصليب ـ من جانب الرأي العام إلى الخاص، كي يتشكل عبر الدفن. فالميت مسمار، هو الآخر، وشغف الأحياء بموتاهم لن يفقد دوره أو حضوره. فالذاكرة لم تصبح مستقبلا ً معزولا ً عن مقدماتها/ جذورها. وهنا يأخذ القبر محتوى وشكل المسمار ـ الصليب أيضا ً: انه البذرة التي يتحتم ان تدفن، كي تنبت، كتأويل لأقدم آلية قتل لا واعية للإله ديموزي. فلو لم تقم (إنانا) ـ في لا وعيها ـ بإنزال حبيبها إلى العالم السفلي الذي لا عودة منه، لأصبح وجوده صنو الريح!
وليس لزمن قصير مكث سكان وادي الرافدين يندبون مأساة ديموزي، بقتل البطل ـ أي دفن البذرة ـ فسيتكرر الفعل ـ ضمن دورة وجود الإنسان ـ لتمنح الانتظار، بعد ذلك، جدلية الديمومة ـ والامتداد. الم ْ يدون الحكيم السومري: ما من امرأة ولدت ابنا بريئا ً قط! حتى أصبحت الأخيرة رمزا ً للأفعى، ورمزا ً للشيطان. من ثم دخلت اللاوعي الجمعي، وقد جعل منها الحكيم (ماني) نشاطا ً مقترنا ً بالعتمة ـ العدم. وبمعنى ما: فالحياة مكثت تمتد، مثل عمل المسمار، لا يكتفي بالحفر، والنقش، بل لأنه سيذهب ابعد من الدفن.
[4] ما بعد/ وما قبل ومضات الغياب
فيشرد ذهني، في محاولة التأويل، حول منهجي في التفكير: هل ثمة برمجة صاغتها حتميتها، أم أنها وجدت بتعديلاتها، خارج عمل المشفرات الوراثية، وعمل الجينات..؟ أي ان المضاف، يتكّون بحسب السياق ذاته حتى لو قمت بدحضه! فالمصادفة لم تحدث من تلقاء ذاتها، كي تأخذ هذا النظام المشفر، من اللا مرئيات إلى الوعي، ومن الدماغ إلى المجرة، ومن اللا حافات إلى ما هو خارجها! أتذكر ـ في هذا الجزء من اللحظة ـ أن احد الفلاسفة الأتراك، وبلذّة متصوف، أو عاشق، أو فنان، قال ان الله يقع خارج هذا كله! ولا أرى انه أضاف حرفا ً ليعزز بديهة ان الخالق وحده ليس بحاجة إلى برهان. فهناك: واجب الوجود. لكن حدود عمل الوعي تصطدم، وتشتبك، في المحدود: الانشغال بالموت، والولادة. فالإنسان يأتي إلى الدنيا ـ بحسب المثل الصيني القديم ـ في الحزن ويموت فيه. على ان فرحا ً ما بالحياة وبالموت، له سياقه العنيد: حتميته ـ: العمل. ومرة أخرى لا تبدو اختياراتي خالية من الإثم! فانا بعملي الفت النظر ...، ثمة متراكمات، كنوز صغيرة لفتت نظر اللصوص! ومثلما لا اعرف كم فقدت، من أحلامي ومن ممتلكاتي المجهولة، جرحت، وبالحزن وحده ذهبت إلى روحي: كل هذا يأخذ موقعه في الأثير: غبار المجرات، والنجوم، والأثير الممتد بين لا حافات الفضاءات. فأصغي إلى صوت موتي: أيها الولد ـ أيها العجوز ـ انك لم تذق بعد ما بعد اللذّة! فعد راقب ومضات قلبك وهي تنسج بأصابعك هذا الختم: محو الفراغات. فلا تغضب، ولا تتذمر، وإلا من يطرق بالمطرقة فوق المسمار، وإلا من سيذهب من غير ظل، بعد ان فقد نوره، ويكمل تتمات اللغز، وإلا من يحتفل بالراحل، ومن يحتفل بالحبيب، وأنت ـ وأنت كباقي الغائبين في ومضات حضورهم، وكالبشر وقد أغوتهم فخاخ ما بعد/ وما قبل ـ هذا الحضورـ تمشي في جنازة الريح، وأنت تشيّع زمنك متتبعا ً الأثر وقد سبقك في الغياب !
[5] الطيف: اكتمال دورة المقدمات بنهاياتها
ليس، كما ألمحت، ان ما أراه يتوارى، هو ان أرى حضورا ً للفن ذاته، كعدم يغادر أبديته، ليسكن المسافة ما بين الخامات والبصر/ اليد، ولكنه ليس شيئا ً مغايرا ً. ان أصابعي، مرة ثانية، تمنحني العزاء: لن أتتبع موتي! ها أنا أراه يحدق في ّ، فأموت، كي اتركه يغادرني، لكنني ـ في روحي النائية ـ أدرك استحالة صياغة هذا، أو الإمساك بأثره. فانا سأتوارى، ضمن آليات الدورة! وأعترف أني وضعت علامة التعجب لسؤال خطر ببالي قبل الكتابة: ماذا لو عدت أشاهد الزمن يرتد إلى الوراء، كما افعل بفلم أراه بالمقلوب: من الموت إلى لحظة الولادة، والى ما قبل الخلق! ثم، أواصل تتبع الانسحاب إلى ما قبل التكوين! كي أتساءل: هل تخطيت حدودي...؟ لا! فأنا ـ بداهة ـ مركب من الأبعاد اللا محدودة بدا ً من الزمن إلى ما قبله، فأنا موجود في الوجود حد استحالة وجود نقيض له، عدا تحولات الأشكال، تبعا ً لمحركاتها.
ألا يحق لي ـ كي لا ادع الفكرة تغيب ـ ان امسك بنظام سمح لي ـ خارج إرادتي ـ ان امتلك هذا الحضور...؟ أم، لأن الحضور وقد بلغ غيابه، سمح لي بما ليس غائبا ً، وبما ليس حاضرا ً، لأمر ما شبيه بالطيف، أو بما لا يمكن رسم مروره، أو وصفه بالكلمات...؟ هل تراني أصبحت نائيا ً عن جسدي، عن أصابعي، وعن رأسي، كي أوثق حالة شبيه بالصفر، التي تكتمل فيها الأبعاد، أو بالأحرى، ترجع إلى أصلها! كي يحافظ الأثر على دمج المقدمات بنهاياتها، لكن عبر هذا المرور، وقد اكتسب زمنه، ومنفاه، سواء بسواء...؟
[6] هوية الفعل ـ الأثر
يبلغ الوعي ذروته: انه ـ في كل خطوة ـ يخترع توازنه. فانا لم اعد معزولا ً عن أدواتي: القلم/ الورقة/ الضوء/ وتتبع ما أراه يتوارى ...، بل أصبحت امتدادا ً له طالما كلانا تحولات محكومة بما لم يعد للمعرفة فيه إلا الاختباء فيه. معرفة الفن وهو يخفي معناه، نائيا ً، عن كل خاتمة. فهو شريك الجسد في هذا الامتداد، وليس في القطيعة. وبمعنى ما يعلن الفن عن شراكته لي في تلافي المنفى ـ والنفي. فانا لا أتطهر فحسب، بل اكف عن المقاومة. فأجد أنني لم أتحول إلى آخر، بل أتوحد مع ذاتي كي تكتمل النهايات بمقدماتها.
هل بلغ الوعي ذروته، حقا ً، كي أرى حياتي ـ بفجواتها وبمفارقاتها وإرباكاتها ـ كعناصر انصهرت مكوناتها فيه واستحالت عنصرا ً مغايرا ً، أم ظهر لي، برغم هذه المراقبة، أني أتمسك بآليات لا واعية للتمسك بالأثر ـ دالا ً على صانعه، رغم إدراكي التام للصفر وما يخفيه من امتدادات لا تغادر لغزه!
لا يحتمل الفن، ولا العملية الفنية، هذا التأويل. فالمحكوم بالموت، قبل رحيله، وحده يكون (عبر) ماضيه، كما لا معنى للقبر، بصفته ذرات تراب، المحو وحده سيبقى يحدد هوية الفعل ـ الأثر!
[7] حافات المحو
وبمعنى ما يصعب تتبع المحركات اللا مرئية، وتحولها إلى فعل، والى مشروعات للقفز في مساحات المجهول. والأصعب من ذلك، ان تجد نفسك مشاركة في عمليات الهدم، كي تغيب، بعيدا ً عن الرصد، والتوثيق، ومدى صلتها بالإبداع، ومشاكله!
في هذا الشرود، مازلت المح هذا الكيان الغامض، القائم على أكثر من تصادم. لأن سؤال ماذا نريد لم يقترن بأدواته الحديثة، وبالوضوح المطلوب. فالعشوائية ستؤدي دورها حتى النهاية، وهي التي كادت ان تنفي شرعية (التجريب) وتجعله محض ادعاءات قائمة على الخطأ والصواب.
ماذا نريد ...وما الذي يستحق ان لا نريده، ونستبعده أصلا ً والذي سيشكل علامة لا يمكن عزلها عن كل ما سيشكل مصائر المشتغلين في الفن، وطرقه، وعلاماته..؟
لن أتحدث عن الذين كانوا يشاركوننا هذا الهاجس المعرفي، في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته، لأن من مكث معنا، هو الآخر، كان لا يمتلك إلا الدرب المتغير وقد خيمت عليه غيوم كالحة بفعل تحولات العالم من ناحية، وما يجري في القارات المحتضرة، وقد زوروا الأسماء، بمنحها تسميات مراوغة: كالعالم الثالث، النامي، من ناحية ثانية!
ان كل ما يتصل بالتنمية البشرية، والتحضر، والتراكم المعرفي، تم استبعاده، واستئصاله، وترك الجميع يتخبطون في سراديب خالية من السلالم، كما ذكر منعم فرات، أو كعمل مجرشة الملا عبود الكرخي، سمة لقرن في طريقه إلى الأفول.
ولنستبعد نظريات المؤامرة، ونقول: هذه هي أخطاؤنا! حسنا ً،لكن الذي حصل شبيه بقصص ادمون صبري، ليست مضيعة للوقت، له ولنا حسب، بل لا جدوى من إعادة قراءتها!
فالتنمية ستتراجع حد الصفر، بمعنى: أنها ستغلق سرداب منعم فرات، وتترك من فيه يتخبط في الحفر! هو ذا كهف أفلاطون، يدور المفتاح في قفله، فلا إضاءة ولا ظلال! فما يروى وحده قد بلغ ذروته: لن يتزحزح لا إلى الأمام، ولا إلى الخلف!
أنا لست بصدد إعادة الحفر في موجهة الانخلاع: لماذا حدثت، وكيف استكملت برنامجها: حياتنا وهي لا تتباهى الا بخرابها! انه خرابي في نهاية المطاف. فبعد 1958، مرورا ً بالمتغيرات المشحونة بموجات القسوة، والذعر، خلال المتغيرات السياسية، وحتى يومنا هذا في عام (2011)، ولكن هل ثمة دراسات توقفت عندها، بمنظور يتوخى تفكيك المشهد كاملا ً، وليس ثقب مغلق! فالسيناريو الممسرح بين الفصائل، لم يجد من يرجعه إلى حده الأدنى من المحركات. ولا أنا سأفعل ذلك أيضا ً. لأن المشترك العام فقد مركزه. فليس هناك مقدسات، ولا وجود للحد الأدنى من الثوابت. فالجواهري، على سبيل المثال، أثنى على شخصيات لا تقل إساءة إلى الإنسان، وحقوقه، وتنميته، ومعرفته، لا مبرر لها ..الخ وهو ما ينطبق على شخصيات أخرى، مع ذلك كان غياب ألجواهري، ومئات العلامات الثقافية، في مختلف حقول المعرفة، والإبداع، ضربة توازي التنكيل بأصحاب المشاريع التنموية ، والحريات. فلقد تحولت الأراضي الزراعية إلى أدغال، وتدهورت مشاريع الري، فيما أصبحت المصانع في ذمة التاريخ، من معامل صناعة الورق إلى الزجاج، ومن النسيج إلى الجلود والمعلبات ..الخ إلى جانب دفن المصانع الأهلية، وتركها تحتضر وتلفظ أنفاسها في الأخير.
كانت الهجرة شبيهة بحدث (كارثي)، وكأنه ليس من صنع البشر، بل من عمل كائنات تعمل في كوكب آخر، لأن وضع قائمة بها، خلال نصف القرن الماضي، سيرسم لنا نهايات المشهد. فماذا لو كان الوعي، أو شيئا ً شبيها ً به، قد تصدى لموضوع الانخلاع، والفرار الجمعي، وناقشه بأدوات غير التي أدت إلى ذروته، ماذا كان سيحدث....؟ أم علي ّ ان لا ابعد شبح الأثر الكارثي الذي جعل مصائر البشر قيد التدمير، والزوال..؟
هذه الظلال، والضلال، ستعمل في أقاصي الرأس: في خلايا الدماغ، وفي ومضات الوعي، بعيدا ص عن الثنائية، وبعيدا ً عن مثنويات الفلسفات القديمة، فانا عشت ـ كعدد من زملائي ـ المشهد حد تذوق خفاياه اللاذعة، المهلكة، ثانية بثانية. فالإنسان لم يولد في الخوف، ولن يعيش فيه، كي يدفن في حفرته فحسب، بل الخوف (وربما علي ّ ان أقول: اللا تنمية/ اللا عمل/ اللا احترام، ومعاملة بعضنا للبعض الآخر وكأننا في أتون: حرب الجميع ضد الجميع) سبق حضورنا أصلا ً، لأن المشهد برمته لم يعد بحاجة إلى ديمومة. لكن الاحتضار ـ وهذه إشكالية لم نر من يشخصها لنا بما هي عليه ـ غدا البرنامج الذي علينا ان نحافظ عليه: الشعوب التي عليها ان لا ترى النور، هي ذاتها، عليها ان تبقى عليلة، تدور في المحور ذاته، ولا تنتج إلا ما شخصه الملا عبود الكرخي: مشاجرات مومسات الميدان! في ذلك الزمن (الكلجية) التي تم استبدال معناها من موقع لجماجم ثوار بغداد إلى موقع للدعارة!
لا احد أضاء لنا الدرب تمام الإضاءة، حتى لو كانت خاتمته سابقة مقدماته، إلا في حدود تنمية الإقصاء، ومن مختلف الفصائل، شعارات للتشهير، والمطاردة، والإذلال. فالمعركة، برمجت كي لا يخرج منها احد إلا مثقلا ً بالذنوب! ألا يبدو القرن الماضي (بين 1921 ـ 2011) مشهدا ً لا ينتمي إلى مسرح العبث، واللامعقول فحسب، بل إلى ما لا يسمى، والدخول فيه، كالدخول في حفرة كومت فيها مئات الجثث مجهولة الهوية في صيف بغداد الذي لا يرحم! ـ: عطر التاريخ، يا بودلير، ويا أيها المعري، ويا طرفة، ويا أيها الحكيم السومري الذي لخص المأزق ذاته قبل ستة آلاف عام، العطر المشبع بالنتانة، وشفافيات المحو، والتنكيل، باسم الحداثة، وما بعدها، حيث لم يجمعنا القبر، بل كان على كل منا ان يجد وسيلة للتواري، وتجنب الأصوات، ولفت النظر! فالفصائل ستوكل إليها مهمة تجاوز مشروع ذبح الجميع للجميع، نحو: ترك المستقبل يمحو ماضيه!
[8] ديالكتيك التتابع
لنصف قرن وأنا أفكر: هل ثمة مسافة بين إدراكي للحقائق، أو التي تحولت إلى موضوعات لهذا الإدراك، وبين ما هو حقيقي، من غير تدخل شكوكي في الإدراك، الخاصة بتلك الموضوعات، أو المرئيات، أو الأشياء...؟
انه سؤال الفلسفة السابق على حب الحكمة: هل وجدت الموجودات لغاية تشترك معي في ما هو ابعد من غايتها، وابعد من غايتي، أم وجد (وعي) ـ وعينا ـ كي يحدد وجودي وفق معايير هذا الوعي..؟ ما الحكمة عندما اكتشف ان هذا النمط من المشتغلين في التفكير، هما اقل البشر تمتعا ً بالحقوق، وهم، في نهاية المطاف، دروب لصعود اقل الكائنات إحساسا ً بموضوعات الفكر وبما يتحكم فيه، بخلاصة الحكمة، ولغزها..؟
الختم، هناـ كما في أقدم النصوص الشبيهة بالفن ـ ليس أداة تحكم، أو تعويذات، أو إشارات، وليس تمهيدا ً لتحولها إلى سلع، للتبادل، أو للهيمنة، أو لبناء علاقات حسب، بل تغذية لنزعة الشك بما في مادة الحياة ومظاهرها، وفي انساق الوعي نفسه، قبل جوهره النائي، والكامن بحصانته، وامتناعه، وما هو عليه في الأخير.
إنها لذّة مقلوبة، يبررها علم النفس، بظاهرة حب إيذاء الذات، في مقابل، إيذاء الآخر. لكن هذا لا يكفي لوجود تقاليد امتدت عبر مختلف العصور، وتحولاتها. فالفن غدا مندمجا ً في حكمة الحياة، حد لا يمكن استبعاده منها، لا في فن صناعة الطعام، ولا في فن التعذيب، والقتل، وانتزاع مخفيات العقول، ولا في العمليات الأكثر قسوة في أنظمة الحكم وما تتطلبه من فنون إبادة ـ ومحو، فحسب، بل للحياة بما لا يمكن دحضها!
لأن الإنسان لو لم يكن فنانا ً، منشغلا ً بشحذ وسائله في التقدم، والتغيير، منذ تلك الحقب السحيقة التي منحت الأصابع قدراتها، كالبصر وباقي المجسات، في صناعة ما يشبه آخر إبداعات الحداثة ـ وما بعدها، لكان اقل إثارة للجدل، عند الحكماء، وليس لدي المتحكمين بمصائر الناس، ولكان، وهو يكتفي بحياة النمل/ أو النحل/ أو الأسماك/ أو الطيور..الخ غير مراقب، وغير مسؤول، عما سيراه خطيئة، ورحمة، وتوبة، واقل براعة في البرهنة ان الوجود ـ بهذا الوعي له ـ هذا الانحدار الاستثنائي نحو المحو ـ بأكثر وسائله إبداعا ً، وعدم اكتراث!
أم على الوعي، بشكل ما من الأشكال، ان يجد نفسه ينحدر، خلف من سبقه، نحو الهاوية ذاتها، بالعثور على آليات تضمنت المسافة بين الوعي ـ وما هو مكون له ـ في الوجود، ودمجهما بعمليات التتابع حد ان هذا الوعي ـ المرهف والشفاف ـ لا يعمل على دحض ما هو عليه! بل على تغذية الامتداد، بمنح الفن تقاليده، وخصائصه، ومكانته في هذا الاشتباك..؟
[9] الذات ـ والبرمجة الجمعية
ربما هناك صيغة للإدراك تتضمن سببيتها لكنها تحافظ على جانبها الوظيفي: إنها وجدت كي توجد. وسيشكل إدراكي لها لا لأنها وجدت حسب، بل لأنني أنا هو الموجود، ولأننا ـ ثالثا ً ـ وجدنا ضمن علاقة ثلاثية، فالكائنات لديها قدرة التلقي، والتحليل، ومن ثم الدخول في عمليات الإنتاج. إنها ديمومة مركبة عبر دورات ـ كما فكر أسلافنا عند تدشين الكتابة في سومر. والروح/ أو النفس/ منذ عصور سحيقة، تجد في الجسد مأوى للإقامة ـ وللمغادرة ـ وللعودة مرة ثانية بعد الموت. وثمة، إلى جانب هذا التصور، أن شيئا ً ما ـ كالنفس أو كالروح ـ يحل في كيانات أخرى، غير بشرية، في الحيوان وفي النبات وفي الخامات. إنها تصوّرات تمنح (الوعي) صيغة جمعية متماثلة تتصدع وتنبني عبر علاقات بالغة الدقة مع المكونات الأخرى. فالوعي الجمعي للأنواع ـ إنسان/ حيوان/ نبات ـ لا يمكن فصله، في هذا السياق، عن عمل الكيانات المختلفة. والاختلاف الفردي، ليس شذوذا ً، أو طفرات تحدث إلا لتؤكد هذا الترابط. فلزمن طويل كان الحيوان الأقوى ، وضمنا ً الحيوان البشري ـ وفق قانون الصياد ـ الطريدة، الضحية، الهامش له نسقه التام. ولتعديل هذا القانون، أو دحضه، كجعل ملكية الجماعة خاصة بها، وليس لزعيمها، أو تحت زعامته، تعد وثبة نحو نظام الوعي الجمعي في حماية مكونه، وضمنا ً أفراده.
فهل ثمة وجود ادراكات خاطئة كلية، أو غير صائبة تماما ً،أم ليس هو إلا تعبير عن تدرج (سببي/ منطقي) للعمل المترابط بين الجزء والكل..؟ كالاعتراف بوجود شخص ما يتقاطع مع عادات الخرافة، مثل (غاليلو) ـ على سبيل المثال ـ أو كأبحاث دافنشي في العلوم، فان المثال يلفت النظر إلى وعي جمعي أنتجته عوامله، وان تعديل المعتقدات/ التصوّرات، في الأخير، خاص بالحقائق ذاتها، وليس في الوعي إلا لأنه أعاد اكتشافها.
وثمة أمثلة أخرى توضح، مثلا ً، ان وجود اللذّة في الوظائف، وكأنها مستقلة أو منفصلة، تؤدي الدور الجمعي لحماية النوع. على ان هناك لذّات تبدو شاذة، كوجود أجزاء ذات وظائف غامضة، كالجنس الثالث مثلا ً، المزدوج، وكوجود أعضاء إضافية، أو ناقصة، وظهور سلوكيات مغايرة تماما ً، قد تؤدي إلى ظهور سلسلة جديدة لها وعيها الجمعي، مرة أخرى، بدءا ً بالحالة الشاذة..؟
هذا المثال يؤكد تحولاته عبر أزمنة طويلة. لأن عملية استبدال الوعي، سينتظر تراكمات لا تحصى، تؤدي إلى ضرب من الموازنة بين النوع وعوامله الخارجية. فقد يؤدي ضمور نجم ما، أو أي تغير في الجاذبيات، والمسافات، إلى وجود كيانات مغايرة لأصلها، مع احتفاظها بمبدأ انها تعمل بالقانون نفسه، وفي مقدمته: إنها غير مسؤولة إلا عن حدود عمل وعيها، مع الكيانات الأخرى. فالحيوانات التي تلقى حتفها، بإرادتها، لأسباب تبدو مجهولة،لا تتمتع بالحرية التي يستخدمها نوعها قناعا ً، أو سلوكا ً يتضمن مشفراته، إلا باليات كلية تتضمن مبدأ المصادفة ـ والشاذ.
هل أنتج أسلافي تلك الإشارات الشبيهة بالفن، أقنعة، أو فرمونات، أو منبهات، لهذا السياق الجمعي في التكيف، مع الحفاظ على النوع إلى تدميره..؟ بمعنى، ابعد من ذلك: ان اللاوعي سيتضمن أشكال وعيه المعلنة، دامجا ً القصد، المصادفة، في عمله الكلي، الأمر الذي بلور حتمية التصادم، والتناقض، والتناحر، كسياق لعمليات الانبثاق/ التواري، وكامتداد للقوانين في عملها خارج حدود الإدراك.
هو ذا وعيي لن يسمح لي إلا بخلق حمايات رمزية، تستبعد الرضا بالمسلمات لأنظمة شبيهة بما يحدث في مملكات النمل/ الأسماك/ والنحل. لكن الإنسان، بعد قرون، ليس لديه هذا الوعي، بحكم الضرورات، والوثبات البديلة، التي لن تعدو أكثر من آليات عمل، تجعل الوعي يعمل بحدود ضوابطه، وفي الوقت نفسه، تسمح له بكسرها، ودحضها، ومحوها في نهاية المطاف.
[10] اللا متوقع ـ والشرود
الذهن الشارد، في حالات الاستبصار، كحال المتصوف، أو العاشق، لكن الأخير سرعان ما يدمره الصحوً لأن المتصوف يكون قد عبر حال السكر والولادة وسكن الذي استدل عليه غيابه، فلم يعد منشغلا ً بالمأوى، ولا بالمكاسب، ولا بحجابات اللغة. والعاشق،لن يشبه صانع النص، حيث الأخير كلما تخيل حافة النهاية وجدها تقع وراء الحافات. فإذا كانت العائلة ـ مع انها مازالت تتعرض إلى التفكيك والهدم ـتصهر، عبر آليات النظم المجتمعية، الذكر بالأنثى نحو سعادة تمضي باتجاه نهايتها. فالشارد الذهن ـ مثلي ـ لا يرغب ان يتوهم انه عثر على المفتاح، ونجا، وانه حاز على ما ولد لأجل ان يراه وهما ً أو كالوهم، حقيقة أو كالحقيقة. ان هذه العلاقة لن تجد رضاها لو كانت شبيهة بالعلاقات السابقة. فبكارة النص لا وجود لها في الأصل، والتأويل السيكولوجي هو جزء من مسار شائك للأنظمة الأكثر تعقيدا ً. ففي الفنان ومضات/ محركات تجعل وثباته شبيهة بقفزات الإلكترون، لا نظام لها، ولن تكرر حركاتها أبدا ً! ففي الشرود قوة يصعب تحديد أسبابها كي يصرخ الفنان: وجدتها! انها ابعد من الحقائق العلمية. فالفنان غير مشغول بتحديد نوع الخامة، لأنه، يرغب ان يمسك بما بعد الشغل، وان يبلغ الوحدة. لأنه غير معني بالربح والخسران، ولا بالصياد وطرائده، ولا بالجلاد وضحاياه. فهو خارج التناقض! فهل ثمة (وهم) تمت برمجته، بما لا يدحض..؟ وهم ان تبدو الظواهر كالحقائق، لا تفنى ولا تستحدث!
أتذكر ـ قبل أربعين عاما ً ـ سألني فاضل العزاوي ـ أستاذي وصديقي ـ عن كتاب كنت قراءته. فرحت احكي له انطباعاتي عنه. لكنه قال لي ببساطة: انه لم يقرأ كتابا ً سيئي الترجمة كهذا الكتاب، وأنني كنت اخترع ما لا وجود له في الكتاب!
أتراني كنت احفر في الكلمات، وأحول الأخطاء إلى محفزات لبناء أوهام لا وجود لها، أم كنت أفكر بمعزل عن الكتاب، ألمنبهه، لأنني لم أكن منشغلا ً بالشرح، وإعادة سرد ما في الكتاب!
هذا الشرود لا استطيع عزله عن مراقبتي لتحولات ـ وتصدعات ـ وانبثاقات ما يجري في ّ، وخارجي، ضمن الجسور القائمة بيننا، خلال عمليات المراقبة. فانا غير مشغول بـ: لماذا ..ولكنني مشغول بما وراء الارتواء المستحيل. فلم تعد تغريني ثوابت الآخر، أيا ً كانت، إلا كي أتأكد من هذا الذي يأخذني معه إلى وراء المتاهات: خلف الموت الذي أتبادل معه العبور، من الشرود إلى صحو شارد، ومن سكر مستحيل إلى رغبة كفت عن الاستغاثة، وعن الطلب. فثمة، على خلاف ما يحصل بين ذكر وأنثى، انشغلت بالشمس: لماذا تراها تقذف حممها، وإشعاعاتها، وعناصرها الأخرى، كي تخصب الأرض، لكن بخراب، هو الآخر، كالغابات/ البحار/ الحيوان وضمنا البشر، لا يمتلك إلا زمن اندثاره!
فالابن أو البنت، كالثمرة، أو البذرة، وكالأفكار، والنصوص، ما هي إلا نتائج هذا العرس: الشمس بالأرض! ويا له من خراب لا يشاطرني إلا الاحتفال بزمن لا يمتد أكثر من عبوره نحو الزوال!
[11] الشمس ـ بذور شبيهة بالحجارة
بمنى ما: ليس هذا الذي يصنعه الصانع إلا كعمل المفتاح في القفل، إنما بقفل يتوارى فيه المفتاح! وهل رأينا حقاً القفل، كي نمسك بالمفتاح! إنها ليست غنيمة، جائزة، أو نجاة من الجحيم. فانا لا اعرف كيف قالوا لناـ في معبد مردوخ ـ ان حمورابي أصغى للإله آشور، ليسن شريعته..؟ لا اعرف من كان وهمه شبيها ً بثوابت حكم الموت، والقصاص، اهو مردوخ، أم أشور، أم حمورابي، أم تصوراتنا نحن النمل/ النحل البشري!
يصعب علي ّ، ان أصغي ـ بلا ظن ـ للسكن بجوار مردوخ، مستمتعا ً بالضوء، والثمار، وبالنعيم. فعالم الآلهة لا يبدو أكثر من حلم: بيت شفاف! فيما كان حمورابي معلما ً للحكمة. ففي القانون شرود شبيه بالذي لازمني وأنا أجد ان التنازل عن طعامي كحيوان جائع يتوازن مع روح تلك الشريعة! لكن هذا لا يكفي، لا لأن الشريعة هدمت، ودفنت، مع رموزها، تحت الأرض، بل لأنني، كبذرة خزنت ماضيها، مازالت تبحث عن توكيد يتجاوز برمجة جهاز الاستنساخ. الدفن وانتظار وليد لا أب له، ولا أم، إلا بما وراء سياق: فض البكارة، أو ارتكاب العدوان، وكنز كنوز ...، ذلك لأن في الشرود ـ كالذي دفع أسلافي وهم يراقبون الشمس، الذكر وقد استحال أنثى ـ تقذف بذورها إلى الأرض، العروس/ الرحم، التي تخلت عن وليدها لا من العقم، ولا من الاخصاء، بل من خلط التدفق ـ لان الغوايات ستكمن في النسج، وفي عمليات البناء، حيث اللاحافات تمتد، وتتسع، خارج مفهوم المسافة/ الزمن، والحركة، وقد أعطتنا المفتاح، لكنها حجبت عنا القفل، تارة، أو أعطتنا القفل، وقالت لنا: هذه هي المحنة! فأين هو المفتاح، بعد ان بدا الوهم ـ وحده ـ شبيه بما لا وجود له، وقد تزين،كالمرأة العقيم، وقد أنجبت سلالات من الجلادين، ومن الضحايا، بعدد بذور الشمس التي لم تخصب إلا حجارة، وفنانين، وشعراء!
[12]
في عالم أجد نفسي فيه مرغما ً ان استكمل مقدماته، رغم انفي، وإرادتي، وأنا أرى خاتمته قد فرضت حضورها مع تلك المقدمات، لكنني، ببساطة، لا امتلك إلا ان استبعد النهايات! فسألت نفسي: هل باستطاعتي الامتناع عن الطعام، أو التنفس، او الكلام، او التفكير، أو المشاركة في حياة فقدت غواياتها، ومبررات الاندماج في كياناتها؟ وايل ديورانت يذكر مثالا ً لامير اتخذ قراره بالامتناع عن تناول الطعام بعيدا ً عن العاطفة، وبعقلانية، لكنه اضطر، تحت ضغط شقيقته بسبب زواجها، ان يتناول وجبة طعام، كي لا يحدث موته إرباكا ً لاحتفالات العرس. هل أقول: فقد لذّة الشعور بالحياة، أم على ّ الذهاب ابعد من هذا الاحتمال، وأفكر ان برنامجه الوراثي رسم له حتمية هذا القرار، أم ابحث عن ضعف المناعة تجاه الرغبة بالسكينة، والاتحاد بالأبدية، من غير ذل، وقهر، أم ان قوة الموت تفوقت على دوافع الديمومة، أم ان الرجل ذهب ابعد من الزمن الذي وجد حياته فيه لا تتوازن مع رؤاه، لعالم تمحى فيه الوصايا، وتداس، وقد بلغ الاشتباك، والتصادم، وموت البراءة، حدها الذي لم يعد يحتمله، فقرر، بهدوء، كما فعلت فرجينيا وولف، أو همنغواي، أو فان كوخ، أو ستيفانزفايج وقرينته...الخ قهر الرداءة، بأكثر الدفاعات سلبية، والتخلي عن قانون: الصياد ـ وعن أي نظام يتأسس على تراكمات الفراغ!
ملأني هذا الهاجس بفزع نحو الكتابة، ولكن ليس تجاه الألوان، أو وأنا اصنع أختامي، ثم، في أجزاء لا مرئية من الثانية، أوشكت ان أباشر في التلوين، لكنني ـ وبالمشاعر ذاتها وفي زمنها الوجيز ـ وجدت القلم بين أصابعي يلون هذه الكلمات: كلمات مازالت تلفت نظري إلى: كيف خطر ببال الرسام الأول، ان يرسم ...؟ لم أفكر، بل كتبت: انه سياق استكمال المقدمات نحو نهاياتها! فابتسم! ولكن ماذا لو قلبت المعادلة: الضرورة السابقة على الرغبة بتناول الطعام، في الأصل! بمعنى إنهما وجدا معا ً: إنها الديمومة بزوالها، والزوال بديمومته. لأن الرسام الأول، وجد لذّة ما، ونشوة في محاكاة ما رآه، أو ما نحته، وفي ما أنتجه، فأصبح عمله شبيها بعلاقة الصوت مع أعضاء الكلام، لتتشكل عملية انتقاء المفردات، مع الوظائف، عبر مكونات المجموعة، وبحكم نظامها.
فهل استطيع ان أتخلى عن الكتابة، وعن الفن، وأنا لا امتلك تصورات إضافية لعالم بعد عالمنا هذا القائم على هذه التصورات، بضروراتها، حد استحالة العثور على مبررات غير التي أصبحت تعمل كعمل الشمس: تسمح للحياة بالحضور، والتداول، من ثم تتحد بالظلمات!
فجأة وجدت الهواء يزداد سخونة، مع صداع رطب يصعد إلى أعلى الرأس، والآم في المفاصل، وحرقة مرة في القلب، كلها، مع رغبة في تأمل أشعة الشمس من وراء الشباك الزجاجي، وهي رغبة تمارس إخصاب كل ما سيتحول إلى مضادات لا تشبه ما يجري في أفران الشمس، سمحت لي ان أواصل الكتابة، عن هذا الذي أراه يتكون، لا المعنى، بل الكلمات، وهي تسبق أصابعي في أداء عملها! كي استنتج، في ذروة الشرود، ان الشمس ستبقى، تمد وجودي بلغز هذا الوجود: المرارات، والعفن، والاحتضار!
أعود إلى ذلك الرجل النبيل الذي مات بهدوء، في ايطاليا، والى رجل آخر، في الهند، درب نفسه، بعد 15 عاما ً، ان يمتنع عن تناول الطعام، ويكتفي بالهواء، واسأل نفسي: أي سياق هذا الذي يسمح لي ان أبدو حقيقيا ً، وربما، صادقا ً، حتى وأنا اجهل لماذا وقعت في غواية هذا الاختيار!
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)