الثلاثاء، 18 أكتوبر 2016

السينما في إيران بعد 30 عاما على الثورة: بين التعبوية والرومانسية والواقعية- أمين فارزانيفار ترجمة: رائد الباش




السينما في إيران بعد 30 عاما على الثورة:
بين التعبوية والرومانسية والواقعية


أمين فارزانيفار
ترجمة: رائد الباش


السينما الإيرانية التي كانت في السابق مشهورة جدًا وخلاَّقة والتي حصدت قبل بضعة أعوام أهم الجوائز السينمائية الدولية، صارت تحيطها الآن حالة من الهدوء في الغرب وفي جمهورية إيران الإسلامية. أمين فارزانيفار في عرض للسينما الإيرانية ونظرة على الماضي السينمائي الإيراني.


Bild vergrössernالأفلام الإيرانية مرت بأطوار مختلفة حسب المرحلة السياسية



ازدادت فجأة وبشكل مستمر في أواسط الثمانينيات الأفلام الإيرانية التي كانت تُعرض في المهرجانات السينمائية الأوروبية - وقد اقتحمت دور السينما في الغرب بلغتها التي تستخدم صورًا خالية من التنميق والزخرفة وبممثِّلين هواة وبرسالة أخلاقية واضحة. وبرز قبل كلِّ شيء في هذه الأعوام شخصان متناقضان؛ أحدهما محسن مخملباف Makhmalbaf، الذي كان عضوًا في "تنظيم مسلَّح معارض للشاه"، ثم اكتشف السينما في البدء كوسيلة دعائية. وبعد فترة قصيرة بدأ الوعي السينمائي الإجباري الأقرب إلى حامل رسالة الخلاص في أعماله الأولى يفتر لصالح سينما واقعية تعالج قضايا اجتماعية. وكونه كان ينتقد النظام ويتمتَّع بثقة الجماهير فقد تحوَّل إلى ما يشبه البطل الشعبي - وتحوّل في آخر الأمر حتى إلى معارض سياسي تخضع أعماله لمقص الرقابة.


لحظات انتقالية

وكان عباس كياروستامي
Kiarostami غير مشهور كثيرًا في إيران ولكنه كان محبوبًا أكثر في المهرجانات الأوروبية. وعباس كياروستامي أستاذ في العاطفة العميقة أثرى صوره الرمزية المنعكسة في طبيعته المثالية بعدد لا يفنى من المعاني الدقيقة.

Bild vergrössernاكتشف المخرج محسن مخملباف السينما في البدء كوسيلة دعائية قبل أن يهتدي في آخر الأمر من خلال أفلامه التي أخرجها في فترة متأخرة إلى سينما واقعية تعالج قضايا اجتماعية وأفلامه البسيطة والظريفة على الرغم من كلِّ ما فيها من غموض - فازت بإعجاب السينمائيين والمقلِّدين الموهوبين، ولكنَّها استمالت كذلك النسَّاخ المبتذلين الذين يستخدمون صيغة واحدة؛ يظهر فيها أطفال يجرون عبر منطقة طبيعية مزهرة ويبحثون عن شيء - عن شكارة أرز أو جوز أحذية أو إبريق أو بيت.

وعباس كياروستامي بالذات عالج الإغراء بالانتحال في فيلم "
Close Up" الذي ربَّما يعتبر أفضل أفلام تلك الحقبة؛ وهنا ينتحل رجل شخصية مخملباف المشهور وتستضيفه عائلة جميع أفرادها معجبون به، إلى أن تنكشف هذه الخدعة ويأتي مخملباف الحقيقي. وهذا الأمر تعليق معقَّد يعتمد على حادث واقعي وهو كذلك إيراني وعالمي في مضمونه الذي يتحدَّث عن الأمور الظاهرية والواقعية وعن اللهفة إلى حياة الآخرين.

جميلات ورقيقات: نساء يخرجن أفلامًا

وكذلك شكَّلت فترة التسعينيات التي كلِّلت بالنجاح حقبة الأفلام النسوية الإيرانية؛ وأهم مخرجات هذه الحقبة هما تامينه ميلاني
Tamineh Milani وراخشان بني إعتماد Rakhshan Bani-Etemad. واتَّبعت الأعمال المتنوِّعة الخاصة بتامينه ميلاني والتي تعتمد في موضوعاتها على سينما هوليوود - من ميلودراما أو فكاهة أو كوميديا - نمطًا واحدًا، كثيرًا ما تظهر فيه امرأة مثقَّفة يسيطر عليها رجل عادي تعطيه الأسرة والبنى الاجتماعية ذات الفكر الذكوري الحقّ في فعل ذلك.

Bild vergrössernعباس كياروستامي "أستاذ في العاطفة العميقة" حصل على العديد من الجوائز السينمائية مثل النخلة الذهبية في مهرجان كان السينمائي عن فيلمه "طعم الكرز". ولكن مقابل هذه النمطية الأنثوية التي انتشرت حتى ذلك راهنت راخشان بني اعتماد على عرض صور شخصية دقيقة وواقعية لنساء يتحتَّم عليهنَّ النجاح في حياة يومية متعبة (على سبيل المثال نساء وحيدات يتولين تربية أطفالهنَّ أو فنَّانات).

وهؤلاء المخرجات اللواتي كان يسخر بهنَّ في البدء زملاؤهم المخرجون أصبحن بعد فترة قصيرة يحدِّدن شكل السينما الإيرانية، حيث كان يثبت ذلك من خلال حجم مبيعات تذاكر أفلامهنَّ في دور السينما؛ إذ حقَّق الفيلم الكوميدي الذي أخرجته تامينه ميلاني بعنوان "
Cease Fire" أعلى نسبة عرض في دور السينما على الإطلاق.

وصار يوجد في هذه الأثناء عدد متزايد من المخرجات الإيرانيات، مثل سميرة مخملباف ومرزة مشكيني ومانيجة حكمت ومانيا أكباري. وقد أصبح بعض الممثِّلات الإيرانيات قدوة ونموذجًا بالنسبة لجيل الشابَّات الإيرانيات؛ إذ تجسِّد نيكي كريمي وهدية تهراني وغولشفتة فرحاني الشابات الجميلات بنات المدن اللواتي كثيرًا ما يكنَّ رقيقات وعاطفيات ودائمًا واثقات بأنفسهنَّ. وفي عهد "الرئيس الإصلاحي" خاتمي أصبح الأطفال الصغار شبابًا ناشئين كانوا يرغبون في المشاركة بشكل فعَّال في العولمة وفي ثقافة موسيقى البوب المصبوغة بصبغة إيرانية.

"لا تؤمن بالمبالغة"




Bild vergrössern: تعدّ راخشان بني إعتماد من بين المخرجات الإيرانيات المشهورات على مستوى عالمي. وهي تمنح قبل كلِّ شيء النساء مكان الصدارة في أفلام مثل فيلم "غيلانة". وتقريبًا في نهاية هذا العرض الشامل والسريع يحين الوقت من أجل الاعتراض على السينما الإيرانية - هذا الاعتراض الذي من الممكن أن يؤدِّي إلى بعض التخمينات حول السينما الإيرانية. إذ إنَّ السينما الإيرانية لم تزدهر من ناحية في المقاومة، بل باعتبارها نتيجة مباشرة للثورة الإسلامية. فبعد أن خرَّب وحرق الغوغائيون الإسلاميون العديد من دور السينما باعتبارها رموزًا للتأثير الغربي الإمبريالي الدخيل، نهض الإمام الخميني شخصيًا بسينما جديدة من الحضيض، أي بما أطلق عليه اسم "البقرة" والتي كان يُشهَّر فيها بالإقطاع وكان من المقرَّر لها أن تكون معيارًا جديدًا للثقافة الوطنية في المستقبل.

ونتيجة لذلك تم إنشاء مؤسسات لدعم الثقافة لم يكن لها مثيل في جميع أرجاء المنطقة، وكان المخرجون الناشئون يحصلون قبل إخراجهم أفلامهم على معونات مالية وهكذا نشأت بالتدريج لعبة تبادل كفكائية كانت تتراوح في الوقت نفسه بين الدعم المالي المقدَّم للأفلام والرقابة المفروضة عليها وكثيرًا ما كان يتم إجراء ذلك من قبل نفس الدائرة المختصة.

ومن ناحية أخرى قام الإبداع السينمائي الإيراني على أساس الاستمرار وارتبط ببنية سينمائية كانت موجودة في عهد الشاه. وكان العديد من المخرجين الإيرانيين ينتسبون إلى حركة سينمائية من الممكن مقارنتها بحركة "
Nouvelle Vague" الفرنسية - هذه الحركة الإيرانية التي غيَّرت في السبعينيَّات الأسلوب السينمائي الذي كان موجودًا (مثل أفلام الإثارة) وأثرته بأفلام ذات مضمون واقعي اجتماعي وأفلام تجريبية.

عوالم سينمائية غير عادية

وأخرج مؤلِّفو أفلام آخرون مثل شهيد ساليس
Shahid Saless أو تقوائي Taghvaie عوالم رمزية غير عادية تجعل الحياة العادية تبدو عميقة ويصعب سبرها. ومن ناحية أخرى كان هناك مخرجون آخرون يسبرون غور الأعماق الميثولوجية الخاصة بنفسية الشعب، مثل الخبير بالعلوم المسرحية باهرام بايزاي.

Bild vergrössernعوالم سينمائية غير عادية - المخرج سهراب شهيد ساليس وعن هذا ينشأ جانب ثالث يتجلى في صورة معارضة الطعن في الرقابة المفروضة على السينما التي تعدّ منذ فترة طويلة غير فاسدة والتي تعتبر قبل كلِّ شيء إسقاطًا غريبًا - فنطازيا الحنين إلى الغرب ما بعد الحداثة. وفي الحقيقة تلعب "أفلام الماعز"، أي الأفلام التي تتناول الحياة الريفية، دورًا هامشيًا في البرامج السينمائية في طهران. فالجمهور يفضِّل الأفلام الاجتماعية والأفلام التي تتناول موضوعات الطلاق والدراما الأسرية إلى جانب الأفلام الساخرة وأفلام الإثارة مثلما هي الحال مع باقي المشاهدين في العالم.

وتحديدًا لقد أبرز هذا المحيط تلك الكليشيهات المتشابكة النقدية والتي نفَّست عن حالة التذمّر والاستياء العامة داخل المجتمع في موجة من الضحك. وفي هذا النظام الذي يبتعد فيه الشخصي والعمومي وكذلك المثل الثورية والواقع الاقتصادي عن بعضهما بعضًا، كما لم يعد فيه بإمكان الإيراني العادي حماية هوياته المتعدِّدة - ليس صدفة أن تحقِّق ثلاثة أفلام كوميدية في الأعوام الأخيرة النجاحات الثلاثة الكبرى:

فيلم كمال تبريزي الذي يحمل عنوان "السحلية" ويتحدَّث عن لص يتسلَّل من السجن بملابس رجل دين ثم يصبح شيخ قرية. وفي فيلم "ماكس" للمخرج سمعان مقدَّم يقوم واحد من موسيقيي الروك المعزولين من ل. م. تتم دعوته سهوًا إلى حفلة موسيقية كلاسيكية بإثارة اضطرابات صاخبة في المنشأة الثقافية الراقية. وأخيرًا في فيلم "
Cease Fire" تتعثَّر امرأة متزوِّجة تثور ثائرتها من أجل الطلاق لتصل إلى عيادة طبيب نفسي بدلاً من وصولها إلى مكتب محامٍ يتولى لها رفع قضية الطلاق.

نشاط ورجاء!

Bild vergrössern: قطاع الإخراج السينمائي في إيران - لعبة تبادل كفكائية بين الدعم المالي الرسمي والرقابة والآن أصبح الهدوء يحيط بالسينما الإيرانية. وقد وصف المخرج بناهي Panahiالأوضاع في عهد الرئيس أحمدي نجاد على هذا النحو: "في عهد خاتمي كان باستطاعتي على الأقل تصوير أفلامي قبل أن يتم منعها، ولكن الآن أصبح هذا أمرًا صعبًا".

وبالإضافة إلى ذلك أصبح المخرجون معتادين على "التأرجح المتعب ذهابًا وإيَّابًا" في القطاع السينمائي، كما أنَّ المرء يحتفظ بالمعونات في سينماه الخاصة وكذلك يضطر إلى فقدان سمعته. وهكذا ما يزال كبار المخرجين القدماء مثل باهمان فارمانارا ومسعود كيميائي وباهرام بايزاي يمارسون نشاطهم السينمائي.

ولكن صار من النادر أن يتم عرض أفلام للمخرجين الناشئين ذوي القناعات الفنية مثل رفي بيتس وبرويز شاهبازي وأبو الفضل سافاري أو منى زاندي على شاشاتنا. فالمبالغة الفنية في عرض الأحداث انتهت إلى حين؛ وفي الوقت الراهن تترقَّب المهرجانات السينمائية ومجموعة سينمات النجوم الموهوبين في مناطق أخرى من العالم - مثلاً في تركيا.

ومن الممكن أن يشكِّل هذا الأمر حالة الهدوء الذي يسبق عاصفة الصور والأفلام؛ فحاليًا من الممكن ملاحظة نهضة جديدة في مجال الأفلام الوثائقية. فعلى سبيل المثال يعتبر باهمان كياروستامي ومسعود باخشي ومهرداد عسكوئي ومعاني بتگار مجرَّد أقلاَّء من مخرجي الأفلام الوثائقية الذين يتوجَّهون إلى موضوعات مختلفة؛ مثل الطلب المتزايد بكثرة على إجراء عمليات تقويم الأنف وعلى تركيب اللاقطات الهوائية، بالإضافة إلى وضع أقليَّات المخنَّثين المتحوِّلين جنسيًا والمصابين بمرض الإيدز وقدماء المحاربين الذين شاركوا في حرب الخليج، وكذلك وضع اللاجئين الأفغانيين والعراقيين - ولكن أيضًا الموضوعات ذات الأبعاد العرقية والتاريخية والخاصة بالسِيَر وتراجم المشاهير.

وثمة جيل جديد يلتقط مختلف وجوه المجتمع الذي يبقى بشكل يثير الدهشة والملاحظة مُصرًا على التأرجح بين السير والركود وبين الاتِّجاه نحو الخلف والالتحاق بعصر الكمبيوتر.



الرسام التشكيلي السوري الألماني مروان: لوحات تشكيلية بألوان صوفية- أريانا ميرزا ترجمة: عبد اللطيف شعيب




الرسام التشكيلي السوري الألماني مروان:
لوحات تشكيلية بألوان صوفية




أريانا ميرزا
ترجمة: عبد اللطيف شعيب


يقيم متحف الفن الإسلامي في برلين حاليا معرضا لأعمال الفنان مروان بعنوان "الوجوه التسعة والتسعون". هذا الفنان السوري الأصل والمقيم في برلين منذ خمسة عقود يُعد أحد جسور التواصل بين تقاليد الفن الشرقي والحداثة الغربية. أريانا ميرزا تعرفنا بهذا المعرض.


اللوحات الفنية تشكل تفاعلا بين التأمل الداخلي والتلقي الخارجي "الوجه واحد والمرآة تعدده ...." يعتبر هذا البيت للشاعر ابن عربي من أهم مصادر الإلهام لدى الفنان مروان.
لقد اهتم الفنان التشكيلي البالغ من العمر أربعة وسبعين عاما منذ صباه المبكر بملامح الوجه. والأعمال المعروضة الآن توحي بأنها خلاصة طموحاته وأحاسيسه لأعوام طويلة نُسجت في عمل تصويري مجرد. وأصبح رأس الإنسان، الذي يعد الينبوع الرئيسي في فن الرسام مروان، مجازا عالميا. وفي رسومه الفنية للوجوه البشرية يتقابل العالم الداخلي مع العالم الخارجي، ويستكشف الفنان التفاعل بين التأمل الداخلي والتلقي الخارجي.



التأثر بالتصوف الشرقي

تنتمي اللوحات التشكيلية للوجوه المرسومة، التي تعتبر محور المعرض البرليني، إلى أواخر تسعينيات القرن العشرين. وتبدو لأول وهلة أن "مجموعة الوجوه" التي رسمها مروان لا تمت إلى التصور الصوفي لـ"أسماء الله الحسنى الـ99" بِصلة. بَيد أن الفنان يرى أنه كلما تقدمت به السن واسترجع الماضي تأكد لديه أن أعماله قريبة الصّلة بالتصوف الشرقي.

ويرى كلاوس بيتر هاسه
Claus-Peter Haase، 
دمشق الحاضر المستلهم في أعمال المبدع مروان مدير متحف الفن الإسلامي، أن هذه الصّلة كانت من بادئ الأمر واضحة جلية، ويقول عن ذلك: "إن هذا ليعدّ إعادة اكتشاف للعناصر والأفكار التي أثرت على مروان أيام صباه". إن اللوحات المعروضة على حائط المعرض والمكونة من تسعة وتسعين وجها ذات أحجام صغيرة وإطار فارغ ليست فقط تنويها إلى ""أسماء الله الحسنى الـ99". إنها علاوة على ذلك تحول الوجوه الفردية إلى فن النحت العربي عن طريق الاختصارات المتحركة والفن التجريدي للخطوط.

وإلى جانب مبادئ الفن التجريدي المتأصل في الإسلام الموجودة في لوحات مروان يكتشف المرء أيضا في لوحاته المعروضة المرسومة بالزيت وبالألوان المائية نقاط اتصال مع فنون النحت البيزنطية.

الكآبة وبحث عن المعرفة وشهوة

Bild vergrössernوُلد مروان في دمشق عام 1934 ودرس الأدب العربي هناك حتى عام 1957، وفي نفس العام انتقل إلى برلين ليدرس الفنون الجميلة يعتبر بناء جسر تواصل بين تقاليد الفن الإسلامي والحداثة إحدى الاهتمامات الخاصة لدى متحف الفن الإسلامي. ويحاول المتحف من خلال معارضه المنتظمة عن الفن المعاصر أن يتولى "مهمة الاتصال الثقافي". ويؤكد ذلك المدير كلاوس بيتر هاسه بقوله: "إننا نملأ هنا فراغا".
كما يرى المدير أن الفن المعاصر الذي يتسم بصِلته بالثقافة الإسلامية يخضع هنا للاختبار حول أهمية العالمية. ويُقال أيضا في برلين إن معرض "الوجوه التسعة والتسعون" يعتبر في هذا السياق ضربة حظ. ذلك لأن مروان يمتلك شهرة كبيرة في الأجواء العربية والغربية على حد سواء، بحسب القائمين على المعرض.

وسيرة الفنان الذاتية تُظهر هذا الجسر، فمروان وُلد في دمشق عام 1934 ودرس الأدب العربي هناك حتى عام 1957، وفي نفس العام انتقل إلى برلين ليدرس الفنون الجميلة. ويتسم تاريخ حياته الطويل بتفوقه العالمي كرسام وكأستاذ ذي خبرة طويلة في كلية الفنون الجميلة ببرلين. وعلى الرغم من أن مروان يقيم منذ ما يزيد على خمسين عام في ألمانيا إلا أن العناصر الأساسية لأعماله متأصلة في تقاليد الثقافة الشرقية. وإلى جانب الكآبة والبحث عن المعرفة يوجد عنصر ثالث في أعمال مروان، ألا وهو الشهوة التي تظهر في الأدب الشرقي وفن البناء وعلم الألوان والنحت الشرقي. وعن ذلك يقول الناقد الفني والمؤلف يواخيم سارتوريوس
Joachim Sartorius: "دمشق تعتبر رمزا إيحائيا ملموسا في لوحات مروان".




الاثنين، 17 أكتوبر 2016

كي لا يموت الحلم-عادل الصفار

قصة
كي لا يموت الحلم
عادل الصفار
 انساب عبر النافذة تيار ريح قوي جعل الطائر  يتأرجح فزعاً مرفرفاً بجناحيه داخل قفصه المتدلي بقطعة حبل معقود في طرفها في سقف الغرفة، عبثاً يحاول الاستغاثة بمن لا يسمعه ولا يبالي بحاله.
تململ الولد في فراشه مخنوقاً بعبرات البكاء، الحزن الثقيل الجاثم على قلبه يجعله يلتقط انفاسه بصعوبة بالغة.. انسابت الى مسامعه اصوات الباعة المتجولين، ومن خلال ما يصدر عن الأولاد من عبارات مفعمة بالمرح والضحكات البريئة وهم يتجهون الى مدارسهم عرف انه في صباح يوم جديد لكنه لا يستطيع ان يبصره من خلال اجفانه الملتصقة بمادة الرمد الشديد… يجهش بالبكاء كعادته كل صباح، فيساعده انهمار الدموع على فتح عينيه….. يوم جديد ولكن لمن….؟!! للطيور الحرة لكي تمر على اغصان الاشجار، وتنطلق محلقة كما تشاء…. أما الصباح والمساء المتعاقبان لا يعنيان شيئاً لطائر بين القضبان حيث تولد احلامه وتكبر وتشيخ وتموت في وعاء الأمل المتصدع…. ذكريات مريرة تتجسم صورها في ذاكرته وهو يمرر اصابع يده الخشنة المتيبسة على لحيته التي غزاها المشيب… في صباح كثيراً ما كان يتمنى ان يحتضن كتبه ودفاتره وهو يمضي لتحقيق حلمه مرتدياً زي الطلبة…. لكن حدود قفصه لم تتعد تراب الأرض والمسحاة، والزرع والسماد والمنجل، والدشداشة والحزام الجلدي العريض… وفي شبابه شهق الحلم وتفجر دموعاً غزيرة، ومن يحطم قضبان القفص ويطلقه ليسابق الريح إلى صدرية بيضاء يرتديها ويضع حول عنقه سماعة فحص المرضى، ومن حوله ينادونه: يا دكتور
لكنه بالرغم من كل هذا لمس ضوء الأمل في كلمة: بابا..
وصار الأمل يكبر كلما تأمل ولده يحيى وهو ينمو أمامه وبين يديه.. حتى أصبحت دموعه تنهمر كلما شاهده حاملاً حقيبة كتبه، سائراً بين أصدقائه.. وحين يتأمله وهو يراجع دروسه أو يكتب واجباته يشعر كأنه يحلق عالياً في فضاء بلا حدود.. يرفرف مسرعاً عبر أزمنة خالية موحشة محاولاً اللحاق بطيور قطعت مراحلها منذ أمد بعيد.. هناك بصيص أمل يدفعه نحو تحقيق حلم حكم عليه بالسجن المؤبد لرغبة أبيه في أن يكون فلاحاً مثله، لكي لا يفرط بالأرض التي يعتبرها مجد الأجداد المتوارث… منذ الأزل والقفص يتأرجح بتيارات ريح يجهل الطائر مصدرها ومعرفة ماهيتها.. جيل بعد آخر، كلما مات طائر خلف وراءه طيور وطيور.. يا له من قفص يجسم صور الجاهلية بكل معانيها وآلامها، حين كان يولد الأطفال عبيداً وأحراراً.. وقد يتحرر العبد مقابل ثمن، ولكن كيف يتحرر الذين استعبدهم جلهم؟!! وجعلهم يخضعون إليه مقتنعين بسيادته ووجوب طاعته.
*****

عبارة من فم ولده يحي انسابت إلى مسامعه جعلت اليوم بالنسبة إليه مميزاً عن كل أيام حياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة تعبر لأول مرة عن سعادة لم يعيدها من قبل.. عبارة تختلف عن كل العبارات التي تفرحه كثيراً وتثلج قلبه كونها تتناول موضوع الدراسة والكتب ولقاءاته بزملائه وما يدور بينهم من حديث حول المحاضرات ومواعيد الامتحانات.. وقعت في نفسه كسدود ماء فتحت بواباتها على أرض لا عهد لها بالماء أبداً:
 -
قريباً سأرتدي زي الجامعة.. الأمر الذي جعل دموعه تنهمر غزيرة من عينيه وهو يتجه نحو لده يحيى متلعثماً بكلماته مصطدماً بالأشياء لا يكاد يبصر طريقه من خلال غشاوة الدموع:
 -
ولدي يحيى، حقاً ما تقول..؟! وهل سأراك تحمل مع كتبك صدرية بيضاء وأنت تدخل عالم الطب..؟!! دهش يحيى كثيراً لرغبة أبيه ولهجته الغريبة في إصراره على تحقيقها على الرغم من أنه يعرف جيداً السبب وراء ذلك.. اقترب منه مقبلا رأسه، وضمه إلى صدره برهة وهو يقول:
 -
كثيراً ما تردد على مسامعي هذه العبارة يا أبي، أعرف أن حلمك قد حكم عليه بالموت.. ولكن هل من المعقول ان نقتل حلم لنحيي آخر..؟! وقد لا يعيش على الرغم من الظروف المتوفرة له لعدم وجود الرغبة والإرادة.. بقلب مرتعش منكسر قال الأب:
 -
هل تقصد يا ولدي..
 -
أبي الحبيب... عذراً لمقاطعتك..
قالها يحيى بلطف شديد متداركاً الأمر وموضحاً لأبيه:
 -
أنا ابن هذه الأرض، ما أن أبصرت الدنيا حتى وجدت نفسي بين أحضانها، فأفعمت نفسي بعطرها وألوانها حتى أصبحت شريان حياتي الذي يربطني بهذه الدنيا.. لذا يا أبي صار حلمي أن أكون مهندساً زراعياً.. هل ترضى لحلمي أن يموت بين قضبان القفص الذي قتل حلمك..؟!!
لحظات من الصمت المطبق.. شهقات تتصاعد ودموع تنهمر بغزارة حتى تمخضت عن تداعي قضبان القفص وتناثر أجزائه.. فاندفع طائراً محلقاً في فضاء الحقل.. وعلى الأشجار أنشد مع الطيور:
 -
لكي لا يموت الحلم، لا بد أن تتحطم الأقفاص..



سكان المقابر في القاهرة: كتاب بعنوان "فتاة من مدينة الأموات": فولكر كامينسكي ترجمة: رائد الباش



سكان المقابر في القاهرة: كتاب بعنوان "فتاة من مدينة الأموات":
الأحياء الموتى - الموت خير جليس وأنيس

فولكر كامينسكي
ترجمة: رائد الباش


تعتبر المقابر في القاهرة مدينة أموات مأهولة يسكنها أفقر الفقراء الذين هربوا من أحياء الصفيح المكتظة بالسكان في العاصمة المصرية. الكاتب غيرهارد هازه-هيندينبيرغ أعدَّ من مذكِّرات شابة مصرية ومن أبحاثه الخاصة كتابا ممتعًا، يصوِّر فيه حياة الأحياء في مدن الأموات. فولكر كامينسكي يستعرض هذا الكتاب.


يعيش في مدينة الأموات نحو مئتين وخمسين ألف نسمة - من المعزولين عن المجتمع. وتحاول بطلة هذه الرواية تحرير نفسها من هذه البيئة تعتزّ منى بأنَّها تسكن في مقبرة. وقد اعتادت منذ صغرها على منظر جدار المقبرة وشواهد القبور. ويتكوَّن منزل والديها الكائن في مدفن من ثلاث غرف صغيرة، حيث تعيش أسرتها المكوَّنة من عشرة أشخاص في ضيق، بيد أنَّ أيًا من أفراد أسرتها لا يفكرِّ عندما تحضِّر الطعام مع والدتها وعندما تجتمع أسرتها على الطعام بأنَّ ثمة موتى مدفونين في حجرات للدفن تقع أسفل أقدامهم ببضعة أمتار. وكلَّ هذا يشكِّل - بالإضافة إلى أنَّه ما يزال يتم وبانتظام دفن موتى هنا في هذه المقبرة - جزءًا من حياة منى اليومية وهو كذلك جزء من حياتها الطبيعية.

فترة الطفولة والصبى في مدينة الأموات

والصحفي والمؤلِّف، غيرهارد هازه-هيندينبيرغ تعرَّف من خلال الصدفة أثناء أبحاثه التي كان يجريها في القاهرة على الشابة منى البالغة من العمر ثمانية عشر عامًا والتي أصبحت بعدما كانت في البداية مرتابة على استعداد لتروي له قصة حياتها.

ومنى التي تعتبر أكبر أخوتها تقوم بكتابة مذكِّراتها. وترد مقتبسات من مذكِّراتها ضمن نصّ هذا الكتاب مطبوعة بخط مائل. ومن خلال هذا الأسلوب الذي تم اختياره بمهارة يتم إثراء الصيغة الرزينة في سيرة حياة شابة من خلال وجهة نظر منى الشخصية والواقعية.

وهكذا نشأ تقرير شيِّق عن حياة شابة لا يتم فيه فقط طرح موضوع فقر سكَّان مدينة الأموات التي يقدَّر مجمل عدد سكَّنها بنحو ربع مليون نسمة، بل تتحدَّث فيه أيضًا الشابة الذكية منى التي تسعى من أجل الفرار من محيطها الكئيب.

مدينة القاهرة - عالم جديد وغريب

Bild vergrössernما تزال نسبة الأميين مثل ذي قبل مرتفعة جدًا في مصر - خاصة لدى الفتيات والشابات - وذلك على الرغم من النفقات المتزايدة التي تصرفها الدولة في قطاع التعليم
وكان أفق منى حتى إنهائها دراستها في مدرسة تجارية محدودًا في أزقة المقبرة
المتربة والأسواق الصغيرة المحاذية للمدافن وأمام حرفيين ينقشون شواهد القبور أمام منزلها. وتغيَّر ذلك في اليوم الذي سافرت فيه - من دون معرفة والديها المتشدِّدين - إلى مدينة القاهرة. وهذا اليوم الذي صادف يوم ميلادها الثامن عشر كان له أثر مثل الشعلة الأولى.

وسيطر منظر مدينة القاهرة الكبرى على منى؛ حيث تعرَّفت أثناء جولة على متن سفينة في نهر النيل على طلاَّب شباب يختلفون اختلافًا تامًا عن الناس القاطنين في مدينة القبور. وتبيَّن لمنى من خلال وعيهم الحديث وخفَّتهم ورعونتهم التي تظهر أيضًا على ملابسهم غير المتكلِّفة وحياتهم الخالية من المتاعب الاقتصادية والتي يتيحها لهم آباؤهم الأثرياء، مدى حجم الاختلافات في المجتمع المصري.

نظرة في المرآة وأسئلة إلى القدر

والسكن في مدينة القبور يعني اتِّباع معايير حياة يومية ترتبط بالتقاليد. ويقوم رجال المدافن أو التُرَبِيّون بتوزيع منازل على القادمين الجدد للسكن في مدينة الأموات والذين يعتبر معظمهم من مناطق ريفية في صعيد مصر. ووالدا منى أناس بسطاء يفكِّرون تفكيرًا محافظًا ولا يستطيعون القراءة ولا الكتابة.

وتعتبر منى بالذات يد أمِّها اليمنى وهي تبقى منشغلة إلى جانب دراستها من الصباح وحتى المساء بواجبات البيت. غير أنَّها عندما لا تستطيع النوم تقف ليلاً أمام المرآة وتنظر إلى نفسها متفكِّرة وتتساءل عما يخفيه القدر لها. وغيرهارد هازه-هيندينبيرغ يرسم بالاستعانة إلى سيرة منى الذاتية صورة لحياة فقراء مصر ويورد في ذلك الكثير من المعلومات حول الدين الإسلامي والشريعة والواقع الاجتماعي. وهو يتابع بطلته في كلِّ ما تفعله، ويحلِّل أفكارها. وأحيانًا يبالغ قليلاً، كما أنَّ لهجته تأخذ قليلاً نبرة تعليمية. ولكن على الرغم من ذلك فهو ينجح في تصوير صورة جذَّابة لعالم يمكن أن يبدو لنا أحيانًا أغرب من قارة نائية ومنعزلة.

تحرّر حذر

Bild vergrössernأدَّى الهروب من الأرياف وارتفاع نسبة المواليد إلى زيادة تنامي عدد السكَّان في القاهرة. لذلك ينتشر الفقر في الكثير من أحياء القاهرة. ويعيش في يومنا هذا نحو أربعين في المائة من المصريين تحت خطّ الفقر


 ويتَّضح ذلك قبل كلِّ شيء في التناقضات الكبيرة ما بين الفقر والغنى؛ هذه التناقضات التي تؤثِّر في التجارب التي تخوضها منى في القاهرة. فعلى أي حال تتوفَّق منى في العثور على عمل في القاهرة وفي التحرّر قليلاً من خلال ذلك من بيت أسرتها.

وألغت منى خطبتيها اللتين تم ترتيبهما لها، كما أنَّها تتعلَّم النظر بانتقاد إلى أمور كثيرة موجودة في محيطها وتصبح أيضًا في لحظة ما قادرة على الكتابة حول أفظع حدث في طفولتها؛ أي حول عادة ختان البنات غير الإنسانية والتي ما تزال تتم ممارستها في بعض أنحاء مصر والتي تحتَّم عليها تحمّلها وتجرّع آلامها.

ويعرض هذا الكتاب قصة حياة مثيرة ونظرة غير عادية على القاهرة، بالإضافة إلى عدد من الصور الملوَّنة واللامعة الجميلة والتي تقدِّم منظرًا حيًا عن الحياة في مدينة الأموات المأهولة.



غيرهارد هازه-هيندينبيرغ
Gerhard Haase-Hindenberg، "فتاة من مدينة الأموات - حياة منى في قبور القاهرة" Das Mädchen aus der Totenstadt. Monas Leben auf den Gräbern Kairos، صدر في 2008 عن دار نشر Heyne.




الأربعاء، 12 أكتوبر 2016

في المكتبة- إصدارات فنية وجمالية ونقدية- عادل كامل

في المكتبة

إصدارات فنية وجمالية ونقدية


 عادل كامل
    لولا آثار متفرقة نقشت فوق العظام، البردي، الطين، الجلود، الحجر، الورق، وصولا ً إلى عصر المعادن، والى عصر تقنيات عالمنا المعاصر، فهل كان ممكننا ً التعرف على ما لا يحصى من الوثائق ـ العلامات، تتحدث عن تاريخ راح يرسخ ريادته باستحداث: تحديات، مضادة لعوامل التلف، الإهمال، والنسيان، للحفاظ على كل ما يؤرخ تاريخ الإنسان، وأسفاره.
   إن الانتقال من عصر (الأصوات) إلى عصر (الكتابة) والحفر، شبيه بالانتقال من الغريزة إلى الوعي بإرادة الوجود، وديمومته، لمنح الحضارة اهتمامات أرقى بالبناء، والتقدم، والتهذيب.
   فكل وثيقة، مهما بدت غير مهمة، حملت آثار غائرة أو كلمات دوّنت بخامات قاومت الزمن، ما هي إلا حلقة في سفر شبيه بالخزين الكامن في قاع (الذاكرة) الجمعية، والفردية/ معا ً، ذاكرة تحكي قصة مشوقة، وشاقة، للمواجهات المبكرة مع قسوة الطبيعة،  وتقلباتها، مرورا ً بكوارث الحروب، وليس انتهاء ً بعصر يحدق في مستقبله المجهول: عصر الإبادات، الانخلاع والتشتت، وصناعة الموت.
    إن هذا الانتقال من (الأصوات) إلى (المدونات)،  كالانتقال من البرية إلى القرى، ومن المدن إلى العواصم، وكالتطور في أدوات الإنتاج، نحو الأدوات المنتجة لها، وكالانتقال من عصر الأم الكبرى، إلى عصر الإمبراطوريات بزعامات الرجال، وكالانتقال من عصور العبودية، إلى عصور تحرير العاملين على تطبيقات: الحرية...
    فالحرف، في الكلمة، والكلمة في العبارة، والجملة في الصفحة، والأخيرة في الكتاب، كلها تشكل موسوعة مركزية للرأسمال البشري الرمزي الذي شيّد بجهود مضنية للحفاظ على أسفار الإنسان، بمذاقها اللاذع، أو الشفاف....
   فثمة مدونات تبلورت عبر (الحرف) و (الصورة)، اجتمعت فيها خبرات: الكاتب، المصمم، الحفار، الطباع، و ....، كي تشكل خطوة في سلم لا يهبط إلى الأسفل، بل يرتفع إلى الذرى، موازيا ً حلم الحفاظ على الإنسان، وحضوره فوق هذا الكوكب.
[1] مصطفى عبد المعطي
نحت ـ برونز
    خصصت قاعة الزمالك للفن ـ بالقاهرة في مصر العربية ـ عرضا ً للأعمال البرونزية للنحات المصري الرائد مصطفى عبد المعطي (1938/الإسكندرية)، مع إصدار كاتلوك ـ دليل أنيق ـ بمثابة كتاب مصوّر لأعماله الفنية.
    إننا إزاء وثيقة تسمح للمتلقي أن يشعر بالأسف لمئات المعارض ـ الجمعية والشخصية ـ التي أقيمت، على مدى القرن الماضي، ولم تترك أثرا ً دالا ً عليها، كهذا الكتاب الذي تضمن عرضا ً لأعماله الفنية، ولكتابات نقدية مرافقة لتجربته الرائدة

   فكتب د. فاروق وهبة: " تقوم التجربة الإبداعية عند الفنان مصطفى عبد المعطي على شمولية الرؤية المترامية الأبعاد بأبجدية تجريبية شديدة الخصوصية هندسية المقاصد، يخرج فيها العمل الفني من مصنف الحدود الحاسمة بين التصوير والنحت. توالت التجارب مرورا ً بالتنقيب في الإشارات والرموز الرياضية والفلكية والسحرية، بحثا ً عن أبجدية ميتافيزيقية، وتوازي مع التصوير سلاسة في فن الرسم كفن مكتمل، له أصول وأحكام. وتدور تجربة الفنان في الذاكرة الفرعونية وطبيعة ملخصة إلى أقصى حدود وتفاعلت تجربته وتفاقمت لتصل إلى إطلاق العنان للبعد الثالث، ليتسيد الموقف، ولا مناص في أن يتحول هذا التجسد، إلى أعمال نحتية، تفاجئنا بملكة فاعلة، كمن يمارس النحت منذ أمد بعيد وهو يثبت بهذا إن ذاكرته البصرية تحمل مساحة عريضة من المخزون الثقافي والفني. إن تجربة النحت عند الفنان مصطفى عبد المعطي هي ارث له أصول ارابسكية وفرعونية وشعبية، وهي مقدرة تعبر عن اقتداره ووصوله إلى أعلى درجات الموهبة التي تعطي للفنان بلا حساب ما تمليه إرادته. إن الفنان مصطفى عبد المعطي، من فناني مصر القلائل، الذين يملكون تفوق القدرة النادرة، التي تتيح له أن يوضع في مصاف الفنانين العالميين."
 * قاعة الزمالك للفن/ القاهرة ـ جمهورية مصر العربية/ 2015


[2]  [تحولات تقنيات
الإظهار في النحت المعاصر]

     يرصد النحات الراحل أياد حامد، في كتابه [تحولات تقنيات الإظهار في النحت المعاصر] العلاقات القائمة بين فن (النحت) والمتغيرات الحاصلة في المجالات الاجتماعية، ومنها العلمية، والتكنولوجية، والنفسية، بوصفها علاقة غير منظورة، في الغالب، عند المراقب العام، أو لدى المتلقي. فالثورات (الفنية) ـ على صعيد الأشكال والمعالجات والخامات ـ وعلى صعيد الرؤى والأساليب وطرق المعالجة ـ  تحدث على نحو لا يمكن عزله عن التطور الحاصل في المجالات المختلفة لبنية الحياة، وأنساقها.
    ولأن الكاتب ـ والكتاب رسالة ماجستير ـ يمتلك ممارسة عملية لفن النحت، فقد راح يحفر في المناطق ذات الصلة بالحركات الفنية، وأثرها في الرؤية الجمالية. فالنحت ليس فنا ً مستقلا ً عن العلم، فثمة نسبة معينة من المعارف العلمية لدى النحات، مثلما نجد أن أصحاب النظريات العلمية والمخترعات المستحدثة يسهمون بإزالة الغموض والالتباسات الخاصة بالمنجزات الفنية، والجمالية.
   فلقد شهد النحت المعاصر استعمال العديد من الأساليب والتقنيات في اظهر المنجز النحتي للوجود، فقد كان هذا الفن يسير بموازاة التحولات الفنية الأخرى التي حدثت في العالم...ن وقد شكل نهاية القرن التاسع عشر، بداية الانطلاق الحقيقي للنحت بتجاربه المعاصرة ممثلة في تجارب النحاتين الرواد لتأسيس المبادئ  التقنية والجمالية للإظهار. وهذا ما أدى إلى نشوء حركة نحتية نشطة ذات أساليب جمالية وتقنية عديدة خضوع كل مرحلة من مراحله إلى ضوابط اجتماعية وثقافية وسياسية كان لها الأثر الكبير في تحديد مسارات التحول التقني والجمالي لعملية الإظهار.
  • صدر الكتاب عن "شبكة الإعلام العراقي" بغداد ـ 2014



[3] [جغرافية الجدل في الفكر والفلسفة والفن ـ العصور القديمة ـ رنين ورموز وبشر]


    يذكر الفنان د. شوقي الموسوي في كتابه [جغرافية الجدل في الفكر والفلسفة والفن ـ العصور القديمة ـ رنين ورموز وبشر] ان كتابه يقدم مجموعة من المبادئ والأسس الجدلية في مجال الفكر لدى الإنسان القديم، ويحاول أيضا ً ان يتتبع تطور الفكر الإنساني القديم بحدود مفهوم الجدل أو الجدلية التي توصل به إلى مراحل متقدمة من التفكير، إلى مراحل إنتاج الأسئلة، وخاصة عندما جوبه الإنسان آنذاك بمشكلات تتعدى الظواهر المجردة، مثل مشكلة (أصل الكون) ومشكلة الغاية (غاية الوجود)، حاول جاهدا ً التوصل إلى بعض الإجابات المرضية عن مثل هكذا أسئلة، أقحمته فيها تأملاته في صراع جدلي مع هذا الكون العجيب الممتلئ بالأسرار والأطياف، التي تفسر ظواهر عالم المرئيات ...، وبهذا التصوّر الفكري يصح لنا عد هذا الاتجاه المتمثل بالتفكير التأملي المستعين بالجدل، احد أوجه محاولات الإنسان الأولى الرامية إلى تنظيم تأملاته المبعثرة وبنائها جدليا ً، بشكل يسهل له إدراك المرئيات (الجزئيات) المتعددة في إطار فكري شامل موحد.. وكلها قد لا تشكل مشروعا ً لتأسيس منهج جدلي موحد حسب، بل يرتقي به إلى دلالات أعمق بواسطة معان العلم الكلي بالمبادئ الأولى.
   فيحلل الكاتب موضوعات، مثل: مفهوم الجدل فلسفيا ً/ جغرافية الجدل في الفكر الإنساني القديم ما قبل الطوفان، وفي الفكر العراقي، والفكر المصري/ وثمة تطبيقات في فنون الإنسان البدائي، وباقي الحضارات/  من ثم يدرس التطبيقات في فنون حضارتي الهند والصين القديمتين/ ليدرس التطبيقات الجدلية في فلسفة وفنون حضارة اليونان القديمة. مستنتجا ً ان آليات الجدل والتصورات الكلية، هي إحدى أهم القوى الفكرية الفاعلة في تشكيل بنية الصورة الزمانية في حضارات الشرق القديمة ـ العراقية على وفق منظور جدلي يستعين به الفنان القديم للوصول إلى بنية متراكبة ومتداخلة بين ما هو معلن وما هو مخفي لخلق انساق تقترب من الهندسة متسمة بالوحدة. وقد لعب عنصر الخيال المشحون بالطاقات الروحانية المستحصلة من آليات الجدل في فنون الحضارات القديمة، دورا ً رئيسيا ً في اقتراح أشكال مشبعة بالقيم الروحية التي تسهم في ترحيل ما هو جزئي إلى كلي. كي يلاحظ ان المحرك الأول للفنون الشرقية القديمة هو القوى اللا مرئية، مما سمح للفنان ان يحاول على وفق منهجه الجدلي المستند إلى رؤية حدسية، تضمنت نتاجاته بمسحة من المثال المتجسد بعالم الحريات.
  • صدر الكتاب عن دار (رند) للطباعة والنشر والتوزيع ـ دمشق ـ 2011




[4]   [السطح التصويري
بين التخيل والمنطق والتأويل]


  كما هي العلاقة بين العلم ـ والتكنولوجيا لا تمر إلا عبر التطبيقات/ التجريب، فان هذه العلاقة لا يمكن ان تحقق تقدما ً، بين التنظير والمتلقي العام، فضلا ً عن دارسي الفنون، إلا عبر الدراسات التي  تعمل على ردم الفجوات، إن لم اقل الانقطاعات، بينهما.
   ولابد من الاعتراف بالصعوبات، بعد الاعتراف بندرة الدراسات المعنية بتقليص المسافات بين المجالات النظرية/النقدية، والمجالات العملية/ التطبيقية..، في مسارات الفن الحديث، وتحولاته، خلال القرن الأخير.
    في كتابه [السطح التصويري ـ بين التخيّل والمنطق والتأويل] لا يهدم الباحث أ. د. علي شناوة وادي، جسورا ً قائمة، بل يعمل على تأسيسها. فثمة موضوعات تعنى بالفن الأوربي، وجماليات (الحداثة)، التأويل، وقضايا كموت الفن ..الخ، التي تناولها الباحث، تبقى محفزا ً لدراستها، في واقعها، وإعادة استثمارها، وإنتاجها، بعد ان بلغت ذروتها، وربما أفولها، في بلدانها التي ازدهرت فيها. فالمنحى العام للدراسات النظرية/ النقدية،  لن يسهم بردم الفجوات والفراغات بين الجمهور العام، والفن المعاصر حسب، بل بين الفلسفات الحديثة وطلاب الفن أنفسهم، بما يحدث من تنوع في مجالات المعرفة المعاصرة، وتعقيداتها.
   فيذكر المؤلف ان دراساته، عبر منهجها الوصفي التحليلي تارة، والتحليلي النقدي بمدياته التأويلية تارة أخرى..، تتقصى المنظومة العلاماتية لمصطلحات فنية لها انشغالاتها الفاعلة في السطح التصويري، وتلمس البنية التأسيسية التي تقوم عليها هذه المصطلحات الجمالية فلسفيا ً ونفسيا ً ونقديا ً، فضلا ً عن دراسة حركة العناصر ووسائل التنظيم فيها، ودراسة المنحى الابستمولوجي عبر  التأسيسات المعرفية والروحية والرؤيوية والفلسفية والنفسية، الذي يعد إثراء ً مفاهيميا ً عبر جدله وإشكالاته وإفرازاته ومخرجاته، بل معطياته مع التعبيري والشكلاني والتقني والأسلوبي. إذ ْ يعد السطح منظومة علاقاتية مركبة تقوم على أساس إبداعي بقدرات كيفية معقدة تتسم بالأصالة، وتستنهض كما من المسميات الاستطيقية بشكلها الانتقائي، لتعبر بذلك عن معطى جمالي يقف وراءه كم من العوامل الذاتية والموضوعية، وعلى مستوى التأويلية  والتفكيك، يأخذ الخطاب الجمالي صورا ً مغايرة كمثل هذه المسميات.

* رقم الإيداع في المكتبة الوطنية (585) لـعام 2007. الحلة ـ مطبعة الصادق.




[5] فن الرسم
في القرن العشرين

     لو لم يكن الفن ضرورة، تماثل ألتوق للتحرر، لكان انتشاره محدودا ً، وليس ظاهرة رافقت المجتمعات، منذ نشأتها، وحتى تحول عالمنا إلى قرية صغيرة.
    وفن الرسم ـ المعني بالبصريات ـ لا يمكن عزله عن الفنون السمعية، والحدسية، من ناحية، ولا عن المجال العملي النفعي الخاص بالتطور في مجالات الحياة اليومية، من ناحية ثانية.
    فالكاتب "جيان كاسو" في كتابه [فن الرسم في القرن العشرين] ترجمة: لؤي مثنى بكتاش، يسلط الضوء على قرن  شهد تحولات شتى وفي مجالات مختلفة ومنها فن الرسم.
    ففي مناقشة مستفيضة واضاءات على مسيرة الحركات الفنية التي ظهرت في القرن العشرين وازدهرت فيه وأثرت في مجمل الاتجاهات الفنية العالمية خاصة: الانطباعية/ التكعيبية/ التعبيرية/ الوحشية/ المستقبلية/ السريالية/ والطليعية...الخ، من الاتجاهات التي أبدع فيها رواد الفن التشكيلي في هذا القرن الذي شاعت فيه مفاهيم الثقافة والأدب والفلسفة، وازدهرت ازدهارا ً تجاوز الحدود الجغرافية لعاصمة الفن، باريس، نحو العالم بأسره.
    على أن المؤلف ـ وإن كان يؤدي دور المؤرخ ـ اتخذ من النقد الإبداعي منهجا ً له يسمح للمتلقي بقراءة شاملة لدراسة الاتجاهات الفنية وتنوعها، ضمن العوامل المؤثرة في إنتاج الفن، وأهميته في إثراء المعرفة الجمالية.
   فإذا كان فن الرسم ـ في القرن العشرين ـ قدم مفهوما ً يخص تحطيم الصورة، بدءا ً بالانطباعية، فانه ذهب ابعد من ذلك في منح الرسامين مغامرة استحداث أساليب ترى الواقع من زوايا تمنح الأفكار شرعية، ومغامرة أيضا ً، في عالم ظهرت فيه النسبية، وتفكيك الذرة، مثلما شهد حروبا ً مروعة أدت إلى تحولات كبرى على صعيد الأنظمة الحضارية، وتطبيقاتها، لتجد موقعها في تحرير (الخيال)  ومده بتحديات تتجاوز المفاهيم التقليدية، نحو عالم بصري زاخر بالمشفرات، والتأويلات، والأسرار.
   فيذكر الكاتب كاسو: " يجب البحث عن جذور هذا التغيير خارج الفن. فقد اظهر النظام الاقتصادي الرأسمالي قدرته حتى الآن على التجدد الذاتي. ولكن تناقضاته العميقة نتج عنها انحلال الصيغ الثقافية. وان الظروف الاقتصادية التي خضع لها الفن هي حتمية في الواقع. وفي التحليل للسوق الحالي وانعكاساته في الفن نجد انه لم يترك فجوات كثيرة للحرية الفنية: فهمل ذو معنى يمكنه أن يكون امتصاصا ً للأعمال الطليعية ذاتها. على الرغم من انه ـ كما اظهر ادوارد سانجنتي ـ ان الطليعية هي ظاهرة برجوازية، لجأ إليها الفنانون الذين أرادوا معارضة وحرية في هذا المنهج. وعلى الرغم من ذلك، ولحد الآن لم يكن تحقيقها ممكنا ً، وان كان ذلك بنسبة قليلة."
    إن قضية تهديم الخيال التقليدي اتبعت طريقين متداخلين بصورة منطقية:  احدهما يسمى بالبنائي، وهو ذو عامل عقلي راجح، والآخر يسمى بالمعبر، وهو إظهار المعنى الباطني.
موضحا ً: " إن عصرنا ـ عصر الصورة ـ كما اسماه بحق ميشيل راغون، يخلو في الواقع من الخيال الحقيقي. ويعبر بالتحديد عن الآتي: عن عدم امتلاك الخيال،  وتفتيت المعروف، والمقبول.  إن ظروف مجتمعنا منعت، بلا شك، خلق خيال جديد: لأن انحلال تلك الصورة التقليدية، وعدم الإمكانية لأخرى غيرها هي مظاهر للمشكلة نفسها. ويبدو  اليوم إن الفن نفسه هو الذي تلاشى، والطليعية طغت على ما فُهم بوصفه فنا ً."
  • الكتاب صدر عن  وزارة الثقافة/  دار المأمون ـ بغداد ـ2013

[6] الانزياح في الخزف المعاصر
    يأتي كتاب د. محمد ألعبيدي [الانزياح في الخزف المعاصر] بجزأين، 2016، لاستذكار مسارات بلغت فيها الحداثة الأوربية ذروتها، ممهدة لمفهوم إعادة إنتاج (الفن) بروح العصر، بما يتمتع به العصر من صخب، تصادمات، اختلافات، وتقنيات تذهب ابعد من خيالها النظري، العلمي، بل ومن العلم بوصفه لم يترك حيزا ً لم يحاول سبر مناطقه القصية.
   فعلى خلاف موقف الناقد الانكليزي "هربرت ريد" الذي منح الخزف مرتبة الفنون اليدوية، التطبيقية، والنفعية، نجد الباحث محمد ألعبيدي، يتمسك بالحفر في لغز (الخزف) بوصفه رافق الإنسان بالانتقال من عصر الأصوات إلى زمن الكتابة، وبقراءة أكثر خصائص العصور اشتباكا ً للمفاهيم، القيم، المثل، والأشكال المستحدثة.
    فإذا كان "جون كوهين" يُعد احد مؤسسي تيار (الانزياح)، والذي طوره "تيري تيدوروف"، فان ألعبيدي سيتوسع بالعثور على اشتباكات لا تحصى في الفلسفة، النظريات، الاتجاهات الأدبية، الأفكار، التقنيات، والابتكارات الأسلوبية التي غذت أنظمة الانزياح، بالاستناد إلى دحض (الثابت) و (الأبدي) و (المقدس)، نحو فهم أعمق  لديالكتيك فن الخزف بالحداثة، وما بعدها. مراقبا ً بدقة جدلية التأثر والتأثير، والحذف والاضافة، بوصف الخزف احد علامات استلهام أكثر الرهافات قدرة على احتواء التركيب، التداخل، الانصهار، التوليف، برصد فن الخزف وهو يتبنى مقولة غوته: روح العصر.
    فبعد تحليل مصطلح (الانزياح) ومنهجيته في النقد الحديث، أعطى عناية فائقة لهذا المقترب الرئيس والفاعل في دراسة النصوص الفنية، وتحليلها، وتسليط الضوء على دور (الانزياح) في ضرورة التوفيق بين المصطلحات الكثيرة، من اجل تعريف حدود النظرة الشمولية للظاهرة الإبداعية بإسنادها إلى : حضور المبدع، مؤلفا ً أو مستهلكا ً، وحضور الشكل أو الصورة، لتشكل الظاهرة الجمالية.
   فالانزياحات ستتنوع بتنوع المغامرات الفنية المعاصرة في شتى المجالات؛ من الفلسفة إلى الأسلوبية، من البنائية إلى التفكيكية، من التعبيرية إلى الرمزية، ومن النقد إلى الشعرية ..الخ، كي تحتم دينامية النفي، ونفي النفي، عن قدرات فن الخزف على صياغة علاماته المستمدة من مكونات عصر قائم على الوفرة، الاختلاف، والتقويض.
   ولعل المكانة التي أولاها الباحث لفن الخزف، ستمنح المتلقي، المعني بالمعرفة، والثقافة، والخزاف على وجه التحديد، لقراءة تستند وتقوم على قراءات ترجعنا إلى الأصول البكر للخامة، وموقعها في التدشين الفني،  بوصفها حاملة للغز الجسد ـ ولروح الإنسان، وليس بوصفها حاملة تطبيقا ً نفعيا ً، فضلا ً عن نزعة الانزياح المتواصلة لدينامية العلامات، الأشكال، الرموز، ومدى انشغالها بروافد العصر العلمية، التقنية، في سياق تبلور ظاهرة  فنية لها خصائصها الذاتية ـ الفردية، في عالم تحكمه انساق الموجة الثالثة، عصر ما بعد الصناعة، وتتحكم به تيارات العولمة، حيث أصبح فن الخزف مدفنا ً، لكن ليس للموتى، بل لكيانات وأجيال تحثنا أن نتلمس فيها خصائصها الفريدة، أسلوبا ًيحقق دينامية المفاهيم التوليدية، لفنون تكاد ـ هي الأخرى ـ تتعرض للانزياح، في عصر البضائع، والسلع، مانحا ً مغامرته الجمالية أصولها بروافدها المعرفية، الفلسفية، وكل ما يخص اللا متوقع الحاصل في زمن التصادمات، ومغامرات الخيال الأبعد، نحو قراءة يتحول فيها المتلقي، إلى جسر أو ممر نحو الإقامة في أكثر المناطق: خلخلة، حركة، وشوقا ً لاكتشاف ما لم يكتشف بعد.

* صدر الكتاب بجزأين عن دار الفراهيدي للنشر والتوزيع ـ بغداد ـ 2016.



كينيث كوك: سحر الأعداد- شعر

شعر
كينيث كوك: سحر الأعداد

Previous image Next image
/


كينيث كوك (1925-2002) شاعر ومؤلف مسرحي وأستاذ جامعي أميركي من مواليد مدينة سنسناتي بولاية أوهايو. تلقى تعليمه في جامعة هارفرد ونال شهادة الدكتوراه من جامعة كولومبيا. بدأ النشر مبكرا وامتد نشاطه الأدبي والأكاديمي منذ عام 1950 حتى وفاته. أصبح عضوا بارزا في جماعة أدبية أطلق عليها اسم ((مدرسة نيويورك)) تضم شعراء من بينهم فرانك أوهارا وجون آشبري.
بدأ كوك نشر كتبه خلال ستينات القرن الماضي الا انه لم ينل حظه من الشهرة الا في السبعينات مع ظهور مجموعته المعنونة ((فن الحب: قصائد)) عام 1975 تلتها مجموعات عديدة نال بعضها جوائز أدبية مهمة مثل جائزة بولنغن عن مجموعته ((قطار)) عام 1994 ثم جائزة فاي بيتا كابا عن مجموعته ((عناوين جديدة)) عام 2000.
عمل كوك في التدريس الجامعي وتدريس الكتابة الإبداعية، كما أطلق عام 1970 كتابا رائدا في تعليم الشعر عنوانه ((رغبات وكذبات وأحلام: تعليم الأطفال كتابة الشعر)) تبعه بكتب أخرى ومختارات شعرية تعنى بتعليم الأطفال والكبار تذوق الشعر فهمه وتأليفه. نشر كوك أيضا مئات المسرحيات الطليعية ورواية واحدة ومجموعة قصصية.
سحر الأعداد
سحر الأعداد— 1
كم كان غريبا سماع الأثاث يُنقل من مكان إلى آخر في الشقة في الطابق العلوي!                                       
كنتُ في السادسة والعشرين وأنتِ في الواحدة والعشرين.
سحر الأعداد— 2
سألتـِني إن كنت أريد الهرب، لكنني قلت لا وواصلت المسير.
كنتُ في التاسعة عشر، وأنتِ في السابعة.
سحر الأعداد— 3
أجل، ولكن هل سين يحبنا حقا؟
كنا كلانا في السابعة والعشرين.
سحر الأعداد— 4
تشبهين جيري لويس (1950)
سحر الأعداد— 5
جدي وجدتي يريدانك أن تذهبي إلى منزلهما لتناول طعام العشاء.
كانا في التاسعة والستين وأنا سنتان ونصف.
سحر الأعداد— 6
في أحد الأيام عندما كنت في التاسعة والعشرين من العمر التقيت بك ولم يحدث شيء.
سحر الأعداد— 7
كلا، بالطبع لم أكن أنا من جاء إلى المكتبة!
عينان بنيتان، وجنتان متوردتان، شعر بني. كنتُ في التاسعة والعشرين، وأنتِ في السادسة عشرة.
سحر الأعداد— 8
بعد أن مارسنا الحب في إحدى الليالي في ((روكبورت)) خرجتُ وقبـّلت الطريق
كنت أشعر ببالغ الإثارة. كنت في الثالثة والعشرين وأنت في التاسعة عشرة.
سحر الأعداد— 9
كنت في التاسعة والعشرين وأنت كذلك. قضينا وقتا مفعما بالعاطفة والشهوة.
كل شيء قرأته كان يتحول إلى قصة عنك وعني، وكل شيء قمت به يتحول إلى قصيدة.
_________________________________



الثلاثاء، 11 أكتوبر 2016

سلافا حجازي ثورة قلب في فنجان مكسور-ابراهيم ابراهيم


مبدعون
سلافا حجازي ثورة قلب في فنجان مكسور
ابراهيم ابراهيم 

     قد تكون سلافا حجازي اسم من الأسماء في لغة من لغات البشر لا يحمل سوى دلالة انثى في معناه الدلالي لكن تفاصيل خارطتها و قراءة فنجانها فيما بعد أو قبل لحظة الشمس تظهر لك عمقاً إنسانياً أكثر من مساحة عشق أو وطن يمكن للمرء أن يحلم به. 
نعم العالم قرية صغيرة و المسمى بالافتراضي " الفيسبوك " قرية أصغر، و تحية الصباح و المساء بين أقصى الجنوب البعيد و أقصى الشمال الابعد تَعبرُ حالاتنا النفسية ببرودة تشبه نسمات الياسمينة التي راقصت طفولتنا وهكذا كانت أمسيتي مع خطوط و ظلال و في بعض الاحيان الوان المنتشرة في الحقول المحيطة بالفيسبوك.

 كائن بشري مغاير و عملية ولادة مسلحة تديرها حركات قلم سلافا حجازي بالابيض و الاسود خطوط ناقمة و مستاءة كما توحي خلفية الباهتة في انحناءاتها على أشياء لا ترغب بها القلوب الصغيرة التي تشبه قلبها، تلك الخطوط التي تمتد إلى ما بعد خطها الاصلي لتُعَبِر سلافا عن لحظة صمت مخيفة تنتمي و ينتمي إليها دمشقها التي هي نفسها بدأت تفوح برائحة الرصاص بدلاً من بردى و ياسمينها، الكائن الممتد هو ليس انثى و هو ليس رجلاً لكن ايحاء لكائن بشري يتمتع بصمت لا يشبه صمت سلافا و أشيائها الجميلة الي تحاصرها في ظل الصخب القاهر. لا تنسى شفافية الفنانة بياض الامل الممدد عبر بقع تحيط بالسكاكين و القنابل و الرصاصات كي تحلم بالعودة قليلاً إلى صباحات القهوة الدمشقية.

هل للمرء حقيقتان تشبها بعضهما البعض مع فارق الممارسات و معالجة المَشاهد الايحائية التي تعبر عن أرشبف تنهداته أو رقصات مشاعره تجاه الامتدادات الروحية اللامتناهية التي تباغت سلافا حجازي في لحظات اللالون و اللا عالم و اللا حدود لخيالاتها .. لا مسافات ممتدة طويلة بين سلافا و زوايا التحديد الحسي في حركات التي تحمل من العناوين ما يكفي لكل واحد تحميلها كيفما يشاء.

 تراقص الاسئلة ريشتها الرصاصية ليحاصر الاسود الابيض القادم و بعنوان مسلسل جديد عن وطن مربوط من قلب سلافا إلى شفاه الصغير الذي بات يخجل من صدر أمه و يتركه ليلعب لعبة الوطن... مَنْ يقتل مَنْ..؟؟ مشاعرها تجاور الازقة التي هاجرت دمشق بالاسود و تركت الاحمر الدامي يلون وجوه القادمين مع طيور الاغتراب لتسكن في رعب مسدس كاتم للحب و العشق و الوطن.. نعم سلافا ثائرة مغايرة تفعل كل شيء من أجل دُمَّر و الزبداني وحلب وحماه و حمص إلا الرصاصات و الفلسفات..!!! 
تبقى التوافذ الخشبية في أحيائها المهاجرة و مواعيد القهوة دمشق.. دمشق...دمشق و الباقي أصابع لم يبق منها سوى واحدة.. لترسم بكائها بالحناء و قليل من الالوان.. حجازي هذه تلغي بعض ما تعودنا عليه من أن الانتقال من التشكيل إلى التصوير إلى الرسم المخطط بالابيض والاسود تتطلب استعداد الذائقة الجمالية لمجسمات اللون و الفكرة حسب توحي الزوايا و النظر.. النقطة لدى سلافا لوحة مليئة بالاشياء قد لا يراه المرء للوهلة الاولى.

..   
و اللحظات التي تلي العيون تكبر تلك الأشياء و تتمدد إلى مساحات عشق تكفي كل عشاق الارض. ما الفرق مثلاً في أن تسمع فيروز و تتألم من سطوة الموسيقى و الصوت و بين أن تتألم بموسيقى مرسومة بالألوان، مفروشة الألم بتفاصيله و أنت تراقب القادم. سلافا لم تعرف نوع الموسيقى التي تعزفها لكنها المؤكد أنها الموسيقى و هذا أجمل ما في تنهداتها و المؤكد أنها تخترق الجراح الإنساني لكنها تباغتك بأن جدائل فتاة سورية صغيرة معلقة بحبل غسيل شائك لا بد أن تنشف و يلبسها القادمون من بعدها هو فستان واحد فقط لكنه أبيض يشبه قلبها.