الثلاثاء، 5 يوليو 2016

نهرٌ لهُ مزاجُ البنفسج-سعد جاسم

شعر
نهرٌ لهُ مزاجُ البنفسج



   
  
كنهرٍ .....
بمزاجِ البنفسجِ
وبفتوّةِ الماءِ
كنهرٍ أنا
أتدفّقُ محتفلاً بوجودي
وأُوشكُ على الفيضان
* * *
الضفافُ منازلي
والامواجُ قمصاني
الهديرُ أغنيتي
وأنا ناصعٌ ومكتظٌ
بالحنين والشجن
* * *
كلَّما تُحاصرُني السدودُ
أَغْويها بخضرةِ السهولِ
وأُهادنُ الصحراءَ بالندى
والخريفَ بقرنفلِ الينابيع
* * *
عندما يَقفلُ الألمُ
شراييني وعيوني
وعندما تخنقُ الوحشةُ
قلبيَ الأخضر
أنبجسُ دافقاً
من حجرِ الحكمةِ
ومن عيونِ الأسرارِ
وأتـــوهُ مسحوراً
في كرنفالِ الطبيعة
* * *
في مواسمِ رحيلي
تخطفُني غوايةُ الغزلانِ
وتُثملُني سلافةُ الحقولِ
فأجري عابقاً
كما عاشقٍ يضوعُ
برائحةِ الطلعِ والسَفَرْجَلِ
فتحضنُني سواقيَ النعناعِ والريحانِ
وتَضمُّني بساتينُ العسلِ
والمواعيدِ والشهواتِ الريفية
* * *
دائماً ....
أخرجُ عن الضفافِ
كمَنْ يخرجُ عن النصِّ
أو كمَنْ يخرجُ عن الرحمِ
وأفيضُ ... وأرقصُ
وأفيضُ ... وأُغني :
فراتٌ مياهي
وطيني عَسَلْ
الغيومُ شياهي
والصبايا غَزَلْ
الأرضُ متاهي
ونوارسي قُبَلْ
* * *
لي كينونةُ المعنى
ولي أبجديةُ الماءِ
وليَ الإنبثاقُ ... الخصبُ
النفيرُ ... ودائـعُ الغرقى
وماتبقّى من مرايا العاشقاتِ
ولي مزاميرُ الرعاةِ
والشموعُ والنذورُ
ورسائلُ الحنينِ والغيابِ
ولي شهوةُ الحلمِ والتحليقِ
والخروجِ عن الضفافِ
ولي
مزاجُ البنفسج .






اوليفيا وايلد: مسلسل الدكتور هاوس أوصلني إلى هوليود-الياس توما

اوليفيا وايلد: مسلسل الدكتور هاوس أوصلني إلى هوليود
الياس توما

اوليفيا وايلد

    تستطيع الممثلة الأمريكية البارزة اوليفيا وايلد التي تعتبر الآن من أجمل وأكثر ممثلات هوليود موهبة اختيار ليس فقط نوعية الأفلام التي تشارك فيها وإنما أيضا الرجال الذين تصاحبهم ولذلك فإنها تحضر نفسها الآن للاقتران بالممثل الكوميدي جيسون سوديكيس بعد إخفاق زواجها من أمير إيطالي كما أدرجت في قائمة أفلامها خمسة أفلام كوميدية جديدة.
تقولا اوليفيا البالغة من العمر 28 عاما أنها تزوجت من الأمير والسينمائي الإيطالي تا روسبولي عندما كان عمرها اقل من 19 عاما وأنها عاشت معه 8 أعوام جرى خلالها تصوير عدة أفلام له وكان يعمل بشكل نشيط جدا غير انه لم يكن مسليا وهي تحب الضحك.
وتنبه اوليفيا التي تعيش الآن مع الممثل الكوميدي جيسون سوديكيس إلى أن العيش مع كوميدي لا يعني أن الوقت كله يتم تمضيته بمرح ودعابة.
وتضيف أننا نعرف بعضنا اقل من عام وفي صيف العام الماضي أمضينا إجازتنا الأولى بشكل مشترك في جامايكا وكدنا أن نغرق خلالها موضحة أنهما لم يريدا الاستلقاء عند الشاطئ ولذلك اخذ كلا منهما مركبا صغير باعتبار أن كليهما يعتبر نفسه من النوع الرياضي ولم يحرصا على الاستماع إلى التحذيرات التي كانت تطلق حول أن البحر هائج كما أنهما لم يأخذا حتى سترات إنقاذ.
وأشارت إلى أن الخليج الذي أرادا عبوره كان عرضه 1,5 ميلا فقط ورغم ذلك استخفا به وأثناء تجديفهما هبت ريح شديدة قلبت مركبيهما الامر الذي جعل صيادين محليين يسرعان إلى انقاذهما مؤكدة أن الأمر لم يكن مضحكا حتى لصديقها الكوميدي.
ورأت أن هذا الأمر قد عززت العلاقة بينهما لانهما أيقنا بأنه يمكن لهما أن يصمدا بوجه مختلف التحديات الحياتية.
 خمسة أفلام كوميدية
يعرف الكثير من المشاهدين في العالم اوليفيا بدور الدكتورة ريمي هادلي في مسلسل الدكتور " هاوس " غير أنها مثلت هذا العام لوحده 5 أفلام أكثرها متعه حسب رأيها هو الدراما الرومانسية " الكلمات " الذي يتحدث عن حكايا 3 أدباء تتداخل حياتهم فيما بينهم.
وأكدت أنها لم تستطع التغيب عن المشاركة في هذا الفيلم لأنه قضية قلبية بالنسبة لها على حد قولها لان الكلمات تعتبر مصدر رزق لعائلها منذ سنوات طويلة مشيرة إلى أن والدها هو الصحفي الايرلندي اندروا كوكبورن وأمها الكاتبة الأمريكية والصحفية والمنتجة لبرامج 60 دقيقة ليسلي كوكبورن كما أن عميها الكسندر وباتريك هما أيضا يمارسان الصحافة فيما كان جدها صحفيا أما خالتها سارا فكانت أديبة
وعن سبب عدم استمرارها في خط عائلتها الصحفي أجابت لقد أردت أن أكون ممثلة منذ الصغر غير أنها كسبت من عائلتها المقدرة الصحية على الانتقاد والمقدرة التحليلية مؤكدة أن والديها كانا من كبار الصحفيين في واشنطن وانه كان يحضر حفلات العشاء لديهم في المنزل شخصيات سياسية وثقافية بارزة
اسمها الفني اختارته تقديرا لأديب ايرلندي
 تمتلك اوليفيا وبفضل والدها جنسيتان هما الايرلندية والأمريكية وقد درست التمثيل في غيتي سكول في دبلن ولذلك فان اسمها الفني وايلد مأخوذ من هناك فقد اختارته تيمنا بأشهر الأدباء الايرلنديين وهو اوسكار وايلد كي تقدر وتثمن الكتاب والصحفيين في عائلتها.
وقد بدأت التمثيل عندما كان عمرها 19 عاما في المسلسلات التلفزيونية ثم بدأت تظهر بادوار صغيرة في الأفلام أما نقطة التحول في عملها كممثلة فكان دورها في مسلسل الدكتور هاوس في عام 2007.
وتقول عن هذا الدور بأنه كان تجربة هائلة بالنسبة لها لاسيما وأنها وقفت إلى جانب محترفين مثل هوغ لاوري التي لن تنساها أبدا لأنها أظهرت لها أهمية ممارسة مهنة الطب ولذلك لو اتيح لها أن تقرر من جديد ما الذي يمكن لها أن تقوم به في حياتها لاختارت عمل طبيبة العصبية لأنه من أكثر فروع الطب متعة.
وتعترف أن مسلسل الدكتور هاوس قد فتح أمامها أبواب هوليود ولذلك تقوم الآن بالتمثيل إلى جانب اشهر ممثلي هوليود.
وعدا الشهرة التمثلية لها تظهر اوليفيا في الكثير من الأحيان في قوائم أجمل النساء حيث اختيرت مثلا هذا العام بأنها المرأة النباتية الأكثر جاذبية.
وتقول عن هذا الأمر بأنها تأكل السمك أما غير ذلك فلا تأكل أي لحم من عالم الحيوانات وأنها اختارت هذا الأمر كأسلوب حياتي لها ولذلك تشعر بأنها إنسان أفضل كما أنها تبدو أيضا بشكل أفضل.
وأكدت أنها لا تلتزم بأي حمية غير هذه الحمية كما أنها تتدرب كثيرا وأنها تمارس من الفنون القتالية الكاراتيه واليوغا وتمارس الركض.
وتؤكد أن الأدوار المغرية التي قامت بها كانت كثيرة ولذلك تريد أن تبلور نفسها كممثلة قادرة على أداء مختلف الأدوار ولهذا اختارت أدوارا كوميدية.
واعترفت أن تمثيل الأدوار الكوميدية من أصعب الأدوار معربة عن الأمل بان يساعدها صديقها جيسون في ذلك لانهما يعتزمان المشاركة في فيلم جديد سوية. 



هكذا.. تملّخني الذاكرة حتى وأنا أحتضر-جلال وردة زنكَابادي

تجارب

هكذا.. تملّخني الذاكرة حتى وأنا أحتضر



   
مرحى لك
أيّتها الذاكرة
أيّ بساط ريحٍ نشوان
أمّا أنت أيّها النسيان
فتبّاً لك ألف تبّ
أيّ حوتٍ
وأيّة جرّافة هوجاء؛
وإلاّ كيف بطشت بأسراب ذكرياتي المليحة،
وصيّرتها عناكب تناكدني، حتى
تطحلبت سماء أحلامي
فكيف بألحني البحّاء؟!
وإذا بذاكرتي تبوح :
- حسناً يا شاعري
ها أنّك تسوخ عالقاً في أوحالي
فعساك تكشف عورة مستقبلك في بحبوحة حاضرك الكسيح
وأنا ليس لي إلاّ أن أهيب بأحد الموتى ( قد تكون أنت):
- هلمّ إدلِ بشهادتك:
- إلهي قني من الذكريات الزائفة ، حيث تتناسل المرايا / البغايا
....... ورغم ان المدافع، الدبّابات، المدرّعات، قاذفات القنابل والجحافل العفلقية قد فطست، راحت الحماسة الزائفة تعمّ حتى مستقبلي المنكود؛ لينقبر سلفاً؛ مادام الأثمّة (حرباوات عبقريّة) والمنافقون العتاة (زناة أمهاتهم) يغتالونني ببسماتهم السّامة وقبلهم اليهوذائيّة، ويغطس تنابلة المراعي الخضراء في مستنقعات اللحوم والدماء، حتى تحنظل التمر من حيف هذا الزمن، الذي تسأله هذه القصيدة:
- يا ترى أليست : الحرية، الديمقراطية، العدالة، المساواة والشفّافية....إلخخخخخخخخ حراشف الأفعى الرقطاء النزّاءة (وهي ليست إلاّ السياسة) أوراق كلينكس فروج بغايا الغرب القوّاد تجرفها المحاكاة شرقاً؟!


اصدارات= صاحب جائزة نوبل الشاعر أوجينيو مونتالي في ترجمة عربية

اصدارات
صاحب جائزة نوبل الشاعر أوجينيو مونتالي في ترجمة عربية


   
تعاون التونسيان الكاتب عز الدين عناية والشاعر محمد الخالدي على نقل ديوان "عظام الحبّار" إلى العربية، وهو عمل متميّز من إنجاز الشاعر أوجينيو مونتالي أحد الشعراء الإيطاليين الثلاثة الكبار إلى جانب كلّ من جوزيبي أونغاريتي (1888-1970م) وسلفاتوري كوازيمودو (1901-1968م)، الذين برزوا في الربع الأول من القرن العشرين. وقد استمرّ تأثيرهم في الشعر الإيطالي حتى يوم الناس هذا. فقد قطع هؤلاء الثلاثة مع السائد والمألوف، فتخلّوا عن البلاغة المترهّلة والغنائية الفجة، لينحتوا لغة جديدة ويُقيموا مناخات مغايرة، تنسجم وروح العصر، الذي اتسم بالصخب والبحث عن كلّ غريب وطريف.
ويعدّ هؤلاء الثلاثة، بلا منازع، من رواد ما يسمّى "بالشعر الهرمسي" أو "الهرميطيقي" في إيطاليا. فقد تأثّر ثلاثتهم بشعراء فرنسيين على رأسهم مؤسّس الشعر الهرمسي الأوّل ستيفان مالارمي (1842-1898م) إلى جانب أرتور رمبو وبول فاليري وسواهما ممّن عرفوا بالغموض والإبهام.
وككلّ الشعراء الكبار توفّر هذا الثلاثي على ثقافة واسعة قلّما توفّرت لغيرهم، كما يدلّ على ذلك اهتماماتهم المتعدّدة التي شملت مجالات معرفية شتى.
ويسعدنا اليوم أن نقدّم إلى القارئ العربي باكورة أعمال أوجينيو مونتالي: "عظام الحبار" الصادرة عام 1925، والتي أسست لمسيرة شعرية متفرّدة توّجت بحصول صاحبها على جائزة نوبل للآداب عام 1975.
ورغم أنّ العادة قد جرت بألاّ نفصل مونتالي عن زميليه، إلاّ أنّ الموضوعية تقتضي منّا بأن نشير إلى أنه الأكثر تأثيرا في الشعراء الإيطاليين. فمونتالي ليس شاعرا فذّا وحسب بل هو أيضا، مترجم وناقد أدبي وفني وصحفي محترف وقاص بارع وموسيقي واسع الاطلاع ورسام ومستشار إعلامي في التلفزيون. وقد عيّنه الرئيس الإيطالي جوسيبي ساراغات عام 1967 عضوا في مجلس الشيوخ مدى الحياة، تقديرا لمواهبه المتعدّدة ولمكانته المتفرّدة في المجال الثقافي.
وبفضل ما امتاز به من كثافة وعمق، فإنّ شعره يشكّل واحدة من أسمى التعبيرات المعاصرة للالتزام الشعري.
وُلد أوجينيو مونتالي في جنوة عام 1896، وتلقّى تعليما كلاسيكيا أثراه بمطالعاته الواسعة. وكان ينوي أن يتخصّص في الغناء الأوبرالي لكن وفاة أستاذه واندلاع الحرب العالمية الأولى حالا دون ذلك. وقد انخرط بين عامي 1917 و1918 كضابط في المشاة. وبعد عودته إلى مسقط رأسه مارس مونتالي النقد.
وفي عام 1925 ظهرت باكورة أعماله "عظام الحبّار"، مع أنه لم يكن ينوي أن "يتخصّص" في الشعر، كما كان يقول. ففي تلك الفترة لم يكن الناس يعبؤون بالشعر بل بالسياسة، حتى أن ناشره استغرب عندما أرسل إليه ذات يوم مقالة سياسية، لأنّ الشعراء في رأي هذا الأخير، غير معنيين بالسياسة، ومع ذلك، فقد أصبحت هذه المجموعة الإنجيل الشعري لجيل بكامله. ولهذا الاحتفاء ما يبرّره: فبقطعه مع البلاغة السائدة التي كانت النازية الصاعدة تشجعها وتباركها، كشف مونتالي، وبنبرة حميمية تكاد تكون منغلقة، عن حقيقة العالم.
ولعلّ ما يميّز مونتالي أكثر عن مجايليه والجيل الذي سبقه هو ثقافته الأنجلوسكسونية والفرنكفونية الواسعة مما جعل منه مواطنا أوروبيا قبل الأوان، وذلك في فترة انطوت فيها إيطاليا على نفسها...
استقرّ مونتالي في نهاية الثلاثينيات في فلورنسا، العاصمة الثقافية آنذاك، حيث نسج صداقات أدبية وفنية كثيرة. لكنّ النازيين فصلوه من عمله، فاضطرّ، لتوفير لقمة العيش، إلى تعاطي الترجمة.
وفي تلك الفترة، ظهرت مجموعته "المناسبات" التي استقبلت، بدورها، بحفاوة بالغة من قبل النقاد. وقد تنبّأ الشاعر بوقوع الكارثة التي كانت تترصّد أوروبا.
وفي خضمّ الحرب (1943) صدر له في لوغانو بسويسرا ديوان آخر هو "فينيستيري"، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، استقرّ، عام 1948 في ميلانو حيث توزّعت أنشطته على أكثر من مجال: الصحافة والنقد الموسيقي والأدبي والسفر.
في الأثناء تتالت أعماله، فنشر ترجمة المختارات من الأدب الأنجلوسكسوني، ومجموعة قصصية، ومراسلاته مع إيتالو سفيفو، ومنتخبات من مقالاته وانطباعاته عن أسفاره (1969)، التي طغت عليها ذكرياته عن فرنسا.
ورغم أنّ البعض قد ذهب إلى أنّ قريحة الشاعر قد نضبت إلاّ أنّ وفاة زوجته عام 1963 قد أعادته، من جديد، إلى أحضان عرائس الشعر. وهنا أيضا بدا مونتالي الإنسان غير منفصل عن مونتالي الشاعر. وهذا الانطباع تأكّد أكثر في ديوانه "المشبعة"، الصادر عام 1971، حيث طغت نبرة جديدة عكست التحوّلات السياسية والاجتماعية، التي يعيشها بلد مصنّع مثل إيطاليا، أصبح فريسة للقلق والإرهاب والأزمات السياسية العنيفة والمتتالية. وهنا بدأ "فصل شعري جديد"، اتخذ شكلا "ينزع نحو النثر ويرفضه في الوقت نفسه". وقد عرّى مونتالي، في ديوانه هذا، الحضارة الغربية المعاصرة في مسحة من التشاؤم تذكّرنا بمجموعته الأولى "عظام الحبّار".
وقد استمرّت هذه النبرة حاضرة في أشعاره وكتاباته اللاحقة التي امتزج فيها التشاؤم بالسخرية المرة أحيانا. أمّا في ما يتعلّق بالشكل، فقد استلهم مونتالي التوزيع الموسيقي إذ تنتظم أغلب مجموعاته حركات تذكّرنا في تركيبتها بالأعمال السمفونية... ويسعدنا اليوم أن نقدّم إلى القارئ العربي ترجمة لمجموعته الشعرية البكر، وهي من العلامات البارزة في حركة الشعر الإيطالي الحديث على أن نتبعها لاحقا بأعمال أخرى.
أعدّ ترجمة ديوان "عظام الحبّار" كلّ من عزالدين عناية الأستاذ بجامعة روما، الذي سبق له أن ترجم العديد من المؤلفات الإيطالية إلى العربية منها: "أنطولوجيا الشعر الإيطالي المعاصر"، 2002؛ وديوان "سباق البشر" للشاعر تيسيانو روسي، 2003، كما نقل إلى الإيطالية ديوان "المرائي والمراقي" للشاعر محمد الخالدي، 2005؛ و"اليمن.. منتخبات شعرية" لعبدالعزيز المقالحي، 2006؛ وأما المترجم الآخر فهو محمد الخالدي، أبرز شعراء تونس المعاصرين، يتولى في الوقت الحالي مهام بيت الشعر في تونس. سبق له أن نشر العديد من الدواوين والروايات والترجمات، منها: "قراءة الأسفار المحترقة" (شعر)، "وطن الشاعر" (شعر)، "مدينة الأنقاض"(شعر)، "سيدة البيت العالي" (رواية)، "قصائد الشبق المعطر" (ترجمة).

عظام الحبّار
أوجينيو مونتالي
ترجمة: عزالدين عناية ومحمد الخالدي

كتاب علم الاجتماع الدّيني- كتاب علمي مترجم من الإيطالية لفهم الظواهر الدينية

ظواهر
كتاب علم الاجتماع الدّيني






   
كتاب علمي مترجم من الإيطالية لفهم الظواهر الدينية  
 

تسود في مجال دراسة الدين، في الثقافة العربية الحديثة والمعاصرة، غفلة هائلة عن الأدوات المعرفية العلمية المتّصلة بتتبّع الظواهر الدينية. وتكاد الأعمال المؤلَّفة أو المترجَمة في علم الاجتماع الديني لا تتجاوز عدد أصابع اليد، ناهيك عما في مجالات أخرى قريبة، مثل الإناسة الدينية أو علم النفس الديني أو تاريخ الأديان، التي يبدو الانشغال بها منعدما معرفيّاً وأكاديميّاً.
يأتي كتاب "علم الاجتماع الديني" المترجم من الإيطالية في وقت تشهد فيه الثقافة العربية حاجة ماسة إلى هذه النوعية من المؤلفات العلمية. حيث يهدف بالأساس إلى تقديم ملخّص إجمالي للمحاور الكبرى لعلم الاجتماع الديني، كما حضرت في طيّات الأعمال الكلاسيكية الكبرى للفكر الاجتماعي.
إذ يتناول بالدراسة والمعالجة مفاهيم أساسية، مثل المقدّس، والدين، والتديّن. سواء برسم الخطوط الكبرى ذات الصلة، بالتعريفات أو الإجراءات، لتحويل المفاهيم المجرّدة إلى مؤشّرات تجريبية، دون إفراط في النقاشات النظرية والمنهجية، التي قد تجعل النصّ مغرَقا في التخصّص ويجافي الأهداف التعليمية التي يرنو بلوغها.
إذ رغم انتشار أقسام علم الاجتماع، في جلّ جامعات البلدان العربية، فإنها ما زالت تشكو بعض النقائص اللافتة. تتلخّص أساسا في عدم قدرة علم الاجتماع المستورَد على الإحاطة بإشكاليات الاجتماع العربي، والدين إحداها، إذ ثمة اغتراب للمعرفة عن واقعها. وهو عجز ناتج عن مناهج تدريس تعوّل على استعراض النظريات والمناهج السوسيولوجية الغربية، تعريفيا وأحيانا بافتتان، يفتقد لتعريبها الوظيفي، ونقصد به جعل تلك الأدوات المعرفية في خدمة الواقع الديني العربي لفهم مضامينه وتحولاته وتحدياته.
ولذلك فغالبا ما أتت نقولات "الكونْتية" و"الدوركهايمية" و"الفيبيرية"، والمدرسة الجدلية، ومدرسة جورج لوبرا ومثيلاتها، عروضا تاريخية باهتة لا أدوات معرفية مرشِدة. خصوصا وقد طالت تلك المدارس مراجعات عميقة وتسربّت الشكوك إلى مدى إلمامها بحقبة عودة المقدّس وما تطفح به من مفارقات عجيبة.
فهذا الكتاب المترجَم، هو بالأساس كتاب تعليمي، ينأى عن السجال الإيديولوجي المتوتّر في إصدار المواقف بشأن الدين، ويتطلّع إلى ترسيخ المعالجة العلمية الهادئة للظواهر المتصلة به. وليس غرضه الاكتفاء باستعراض النظريات الكلاسيكية، أو التعريف بالرواد في مجال علم الاجتماع الديني، بل يسعى أساسا إلى الإمساك بخلاصة المقاربات السوسيولوجية، ووضعها على محك المواجهة مع الظواهر الدينية، واختبار مدى قدراتها على الإحاطة بها من عدمه. فالعمل الحالي المترجم ليس انتصارا أو دحضا للعديد من الإشكاليات المطروحة، كالعلمنة، والدين وممارسات العنف المقدس، والدين وإثارة الصراعات، والدين والتغيير الاجتماعي، وغيرها من المسائل، بل يأخذ بيد الباحث والدارس ليدلّه على مسالك الإحاطة بتلك الوقائع.
وهو ما يحتاجه الباحث الاجتماعي العربي اليوم. إذ ثمة تديّن شعبي واسع في الواقع، مؤثر وفاعل وحاسم، في عديد الخيارات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لكنه خارج المتابعة والفهم والإحصاء.
فما معنى أن تبقى ظاهرة مثل ظاهرة "الإسلام السياسي" خارج تناول علم الاجتماع العربي؟ وما معنى أن تبقى المسيحية العربية إشكالية طائفية داخلية ولا يرصدها علم الاجتماع في الجامعات العربية؟ وما معنى أن تغيب الدراسات العربية عن الوجه الديني الخفي للغرب، والعربي يلهج بذكره وحضوره وتأثيره صباح مساء؟
ثمة تدابر بين مجالين في الوسط الأكاديمي العربي، رغم اشتراك وتداخل الحقول بينهما. فغالبا ما انفصلت الدراسة في "كلّية الشريعة" عن الدراسة في قسم علم الاجتماع، ولا نقول تميزت، فذلك عائد لطبيعة اختلاف منهجي المقاربتين. الأمر الذي أفرز بالنهاية خرّيج دراسات إسلامية نائيا عن المتابعة الخارجية للظاهرة الدينية، ويفتقر إلى أبسط الأدوات العلمية في الشأن. وبالمقابل أفرز باحثين اجتماعيين يفتقرون إلى خبرة التعامل مع المادة الخام، المادة الأولى، في مجال الدين، وربما طغت دراساتهم الخارجية على الداخلية منها، التي تفتقد إلى الحميمية مع التجربة الدينية. لذلك يبدو تطوّر علم الاجتماع الديني في الثقافة العربية رهين هذا التقارب، وربما يستدعي السياق التذكير بأن ابن خلدون قد احتضنته الزيتونة.
الكتاب هو من تأليف باحثيْن اجتماعيين إيطاليين: سابينو أكْوافيفا، الذي يُعدّ من الرّعيل المؤسّس لمدرسة علم الاجتماع في إيطاليا. ألّف ما يزيد عن الأربعين كتابا، أشهر أعماله كتاب: "أفول المقدّس في المجتمعات الصناعية" 1961، الذي تُرجِم إلى عدّة لغات. أما إنزو باتشي، فهو أستاذ علم الاجتماع بجامعة بادوفا ورئيس الجمعية العالمية لعلم الاجتماع الديني. نشر عديد الأعمال منها: "النِّحَل" 1997، و"الإسلام في أوروبا: أنماط الاندماج" 2004.
المترجم عزالدين عناية، هو أستاذ تونسي خرّيج الجامعة الزيتونية في تونس والجامعة الغريغورية في إيطاليا، يدرّس في الوقت الحالي في جامعة لاسابيينسا في روما، سبق أن ترجم كتاب "علم الأديان: مساهمة في التأسيس" لميشال مسلان، ونشر العديد من الأعمال منها: "نحن والمسيحية في العالم العربي وفي العالم" في دار توبقال في المغرب، و"العقل الإسلامي" في دار الطليعة في بيروت.

الجمعة، 1 يوليو 2016

أختام *-عادل كامل






















أختام *


 الختم الثاني

عادل كامل
     

[10] عودة: جذور التأمل



     هل باستطاعتي أن اجري مقارنة بين عدد من المهن ـ بالمفهوم العام ـ كمهنة صانع الأسلحة، أو الأحذية، أو صانع الأواني الخزفية ...الخ بمهنة القاتل أو اللص أو المشتغل بإدارة أعمال لا شرعية ومنها إدارة المواقع الداعرة، أو التنكيلية، أو الخاصة بالشذوذ والغرائب، بمهنة شخص وجد انه مشغول بفك شفرات مقاومته للاندماج، حد المحو، والتلاشي، وتمسكه بفردية لا علاقة لها بالمهن، أو بأي مشروع للتعالي فوق البشر، أو عبادات سحرية سرية، بل، في الغاب، وجد انه غارق في مسار الترقب، وتتبع حلقاته...؟  إن انشغالا ً قديما ً ـ ومتجددا ً ـ يدفع بعدد من الأشخاص للإعلان ـ وللكتمان أيضا ً ـ   عن هذا الضرب من الاضطراب، والتكيف، ان كان مرضيا ً، أو مجاورا ً له، نحو موقع صناعة (أشياء) ليست مهمتها لفت النظر، أو سلعا ً للتداول، أو حتى محاولة للاندماج المشروع، والواقعي.  لكن هؤلاء المحصنين، والمحميين ذاتيا ً، لا يمتلكون الذهاب ابعد من وظيفة (ما) بين التقسيم الاجتماعي للأفراد: تقسيم العمل، كي لا يجد صانع (الفن) نفسه إلا ـ كالكاتب ـ وفي مجتمعات المنظمات المنغلقة ـ معزولا ً ووحيدا ً. مع ذلك فعدوى الرهافة، في الأصل، تمتلك ديمومتها، وعملها بين الأعمال الأخرى. فالتفرد ـ في الختم/ التوقيع ـ ليس علامة جذابة، ضمن بضائع السوق الحرة ـ أو عبر حرية السوق ـ بل للصانع نفسه. فهو ـ كما في عدد من حالات الشرود/ والتوحد ـ يغدو قوة لمغادرة الانعزال، والضمور. فهذا الذي سيحدث (ويحدث)،  في واقع الأمر، شبيه بمن وجد نفسه موجودا ً، كي تتكرر الأسئلة ذاتها المحفورة في النصوص، إن كانت كتابية أو فنية، فالدورة لم تكتمل، وإلا لوجد الفنان مصيره مع الحرفيين، وغدا منسجما ً في أداء عمله، بدلا ً من انتظار الذي ذهب، أو الذي لن يأتي أبدا ً، وإنما الذي له حضور الغائب!
 هنا، وهنا تحديدا ً، لم يعد للنبش في المخفيات، الاهتمام ذاته في التوغل خارج حدود الخامات، الأمر الذي يدحض ـ ولكن يكرر ـ انشغالات الساحر القديم: ليس المهم الحصول على الدهشة، بل كيف تبقى تحافظ على  لغزها: هذا الانجرار، بطيب خاطر، إلى المتاهة بصفتها لذّة، ومضادة لها، في الوقت نفسه!






[11] ماض ٍـ يتقدم ـ وآخر يثب


     فإذا كانت الدهشة قد تجمدت، وكفت أن تكون واقعا ً، وإذا كان الانشغال بعدم الربح شبيه باللامبالاة تجاه المحو ـ أو الخسران ـ فان أمرا ً ما مشتركا ً بين ذاتية الفنان ومحيطه يتحدان لا ضد الرغبة، بل بجعلها أكثر قربا ً من صياد أدرك انه لا مناص الضحية.  على أن هذا الذي لا ابحث عنه ـ في أختامي ـ كالجراح لا مناص أبصر موت مريضه، كلانا منشغلان بحاضر سابق على الانجاز! ثمة أزمنة أجدها تستيقظ عنوة: فانا جزء كلما اتسعت مسافتي عن باقي الأجزاء أجد أنها تعمل في ّ: ما لا يحصى من التصورات حول ما بعد الموت، كالتي تراود مخيال الفيزيائي في احتمالات اتساع ـ أو تقلص ـ أو بقاء الكون على ما هو عليه. إن المشترك بينهما يخص استكمال بقاء الماضي ماضيا ً. فهو يزحف، ولن يتراجع، بل يكمل بعضه بالبعض الآخر في المسافة ذاتها.
     محنة أخرى تثب، ستوازن بين المرارة وبين لذّات النشوة. فكما يجد العاشق أقاصي المسرة في استحالة لقاء من طلبه، فانا أتلمس في الدوافع شيئا ً ما آخر غير الذي أراه مرئيا ً، ليس ما توارى ـ أو ما هو قيد الاندثار ـ بل هذا الذي امسك في ّ وقيدني في العمل.
     الفن شغل، بمعنى: عملا ً مضادا ً للعمل. لكن طبيعة هذا العمل ـ كالحرية ـ لا تعّرف بمفهوم أو بخاتمة. فهو اذا ً وجود ينفي وجوده. وهنا أكون قمت بما يؤديه الدياكتيك (الكلي) باستبعاد أي سبب عن الأسباب الأخرى. فإذا كانت نهاية ما أره يغادر، فان ما هو قيد الغياب سيتشبث بأبدية الثابت، أو ما غدا خالدا ً بحدود معنى الكلمة ـ وحروفها ـ وتصّوراتها.
     فالعالم مكث ـ من بضعة كائنات إلى مليارات سبعة من السكان اليوم ـ راسخا ً باستحداث قدمه ـ ومقدماته المكتفية بذاتها. وهنا أجد رهافتي شذبت درجة أنها غابت في ّ. فالأجزاء غير القابلة للإحصاء ـ جزئيات/ ذرات/ كيانات/ مجموعات، وصولا ً إلى لا حافات الاتساع، أو نحو الصفر ـ قد قيدت ودونت في ّ. فانا، مرة أخرى، أجد نفسي بجوار شبيهي: ميتان يتبادلان الموت، لكنهما يعبران من الماضي ـ إليه ـ بعيدا ً عن الموت. فالدوافع تكاد ـ في انفصالها عني ـ لا تمتلك إلا حدود المفتاح وقد دار في القفل. انه المحدود ـ أو النسبي ـ وقد اتسع خارج إمكانية تلمس أي حافة من حافاته. فهل قصد أسلافي ـ في التحول من الشفهية إلى الحفر والى الكتابة ـ هذا الذي أنا أؤديه استكمالا ً لماض ٍ، بحسب قدراتي في التصور، ومن غير خاتمه له؟  لأنه لا يمتد، ولا ينبثق، ولا يرتد، ولا يتماثل، ولا يكتمل. بمعنى ما انه سيحافظ على ما في العمل من قيود، وأنظمة، وضمنا ً، من ارتواء يستدعي مستحيلاته. فالذي يقع هناك، غير منفصل عن التمهيدات التي استحدثته، لكنه سيبقى يمتلك ما يريد أن يؤديه، إنما بما أريد أن أنجزه، وليس بمعزل عني.


[12]  ديمومة الغائب ـ الموت حاضرا ً


     الأختام مجّفرة ـ مشفّرة ـ بمعنى أنها لا تخفي بصمات حاملها ومخفياته، بل ولا صانعها، لأنها، في ما تخفيه، امتلكت لغز موتها بتمام حضوره. فما دوّن فيها يمكن عزله:  القصد والتداول والهوية، فيما اكتشف، بعد عزل الزمن عن حركته، أنها صنعت لتخفي ما لم ـ ولن ـ تعلن عنه. ففي الختم ديمومة علي ّ ان لا أقع في وهمها، ديمومة بدأت اعزلها عن أسبابها النائية. فجأة بدا الختم لي ـ مثل إنانا ـ علامة توارت فيها ما لا يحصى من العلامات. على ان الختم ليس علامة ـ للتداول ـ  والتجاور ـ والمنفعة،  فالختم قبر.
     أعدت قراءة بعض الأشكال، فلم اخف ولم اصدم أنها شبيهة بما أراه في (ما أنا عليه/ جسدي، أو هذا النفس، أو الروح التي لا اعرف كيف آوتني معها فيه) هذا الجسد. فليس مصادفة أنني اشتغلت بالمدافن: مدفن شبعاد/ ومدفن والدي/ ومدفن الجنيد. فقبل عقدين، وفي ليلة شتاء باردة، قبيل الفجر، طلبني شيخي فذهبت إليه (كان معي عدد من الفنانين اذكر منهم هيثم حسن، سلام عمر) فلم أر إلا جسد الأرض: ختمها. لكنني كنت تعلمت ألا أقع في غواية الوهم. فالقبر ـ كالختم ـ ليس شكلا ً أو هيئة، بل ممرا ً من الأرض إلى لغزها. فاكتشف أنني لم اغدر جسدي بعد، إنما استطيع الاعتراف أنني تحررت منه. كذلك القبر لا علاقة له بمن فيه، إلا في حدود الأشكال.  فهو مدرج سفر ـ وطيران ـ ولم يصنع للإقامة.
     يا للفرحة التي بلغت ذروتها: كم يشبه جسدي القبر، وكم يشبه قبري جسدي! كي أعيد استذكار اللحظات التي عشتها وأنا انزل إلى سراديب قصر شبعاد، في رمال أور، وقد تحولت إلى خرائب. تلك الأختام المبعثرة، مع الحصى، كانت تعلن عن هذا الذي أراه يغادر، كما حصل في الماضي ـ وكما يحصل أمامي ـ أراه تام الغياب.
    كم أشبه نفسي! فها أنا استطيع ـ بما يتضمنه الختم ـ أن أوحد بين المتضادات التي غطست فيها، حتى تحولت إلى رحم، أم باستطاعتي مغادرتها، كما تتكون النصوص الشبيهة بالفن؟
     ها أنا أتكّون في مساحة اللاحافات. فانا لا اسكن من سكنني، ولكنني لا امتلك قدرة الانفصال عنه. فاستعيد قدرتي على صياغة لماذا كان اسم [إنانا] شبيها بختمها، ولماذا تركت أصابعي تنتج ما نسجته آلهة الحرب/ الحب في ذاكرة أسلافي، وفي ما يدفن في أختامي.
    فانا غير معني ـ يا له من اكتشاف ـ بما زال، وبما أراه يتبعثر، أو أراه يأخذ حبيبات الأثير/ والزمن، بما يتجمع. فالختم ليس ما نقش أو ما حفر، بل بما هو قيد الحفر. انه السابق على التجربة ـ وهو الملحق بها. ولأنني مشغول بعدم التمويه أو التضليل أو المناورة، فان التجربة تأخذ أسبابها التي كونتها، ومادامت الأسباب بلا حافات، ولا نهاية لها في وجودها، فإنها لن تعد بحاجة إلى برهان أو نفي. وهنا اكف تماما ًعن الأسباب التي استدعت أسلافي لصياغة رموزهم النائية. لا لأنها محض تصوّرات، بل لأنها مناورة القبر لمن لم يسكنه بعد. أما ما بدا لي خارج ضرورة البرهان فهو شبيه بالمثلث أو المستطيل أو المربع، وككل الأشكال أينما تضعها فإنها لن تذهب ابعد من وجودها كما ظهرت عليه، لأنها، في واقعها، لا تمتلك إلا ما سيشكل مغادرة لحضورها: حضوري وأنا مسبوق بوجود سابق على هذه الأشكال!



تأملات أثناء العمل ـ وقد سبق أن نشرت حلقات من التجربة تحت عنوان: اختما معاصرة.

الخميس، 30 يونيو 2016

هشاشة النقد العربي؟

هشاشة النقد العربي؟: ليس ناقداً من يشاء، وليس باحثاً من يريد ذلك، كما يقول المثل الفرنسي. أن يكون المرء ناقداً، أو باحثاً، يعني هذا ببساطة اتساع الرؤية الثقافية والحضارية وعدم الارتكان إلى المعارف التقليدية المتواضعة والمكتسبة. لا يكفي فقط أن يكون الإنسان مثقفاً محترفاً، ومالكاً لمخزون معرفي كيفما كانت قيمته وكثافته. ولا يكفي أيضاً أن يكون أستاذاً جامعياً لامتلاك صفة

السبت، 25 يونيو 2016

حكاية فيل شارد الذهن-عادل كامل

قصة قصيرة


حكاية فيل شارد الذهن

إلى زكريا تامر

عادل كامل
    وجد الفيل العجوز نظره تائها ً، فلم يعد يتذكر ـ إلا بصعوبة ـ انه ولد في حديقة أخرى، من ثم وجد نفسه يتنزه في الغابات، مع قطيع من الفيلة، عبر سهول شاسعة،      بعدها أعيد بقفص كبير ليتدرب على الرقص، والحركات البهلوانية، بعدها وجد مصيره خارج الخدمة، لينقل، مع عدد من التماسيح، والضباع، والسباع، والقردة، إلى مكان لم يعتد الإقامة فيه ـ لشدة ارتفاع درجات الحرارة وكثافة الهواء المشبع بالغبار والملوثات ـ إلا بمرور الوقت.
      نظر الفيل إلى هيئته في مرآة ماء البركة، عند الفجر، ليجد قربه جسدا ً مكورا ً يربض بمحاذاة الضفة، فاقترب منه، فرفع الأخير رأسه، ومن غير مقدمات، ناوله قنينة خمر، شربها الفيل، من غير تردد، أو اعتراض، كي يشعر بحرقة لذيذة لاذعة سمحت له أن يقترب من الرجل، ويتمدد بجواره، وهو يحدق في عينيه. فسأله الرجل:
ـ ما الذي يشغلك...؟
ـ آ ....، القصة طويلة لدرجة من المستحيل اختزالها...، فانا ـ اليوم ـ وجدت أنني لا استطيع التخلي عن خرطومي هذا...، ولا عن انفي...، ولا عن أي قدم من أقدامي الثقيلة، لا استطيع أن استبدل وجودي بوجود آخر، كأن أصير طيرا ً، أو سمكة، أو غزالا ً...، أو ...، ثم منحوني اسما ً: الدب العنيد! وكما تراني أنا لست دبا ً، ولا حمارا ً، ولا هدهدا ً أيضا ً، ولكني بدأت أصير فيلا ً أليفا ً، رقيقا ً، بل شفافا ً، فرقصت في السيرك عقود طويلة من الزمن...، زرت خلالها أوربا وأفريقيا واسيا وبلدان أخرى اجهل أسمائها...، حزت على جوائز كثيرة...، ثم فجأة نقلوني إلى هذه الحديقة...، لأجد أنني صرت وحيدا ً...، متعبا ً، منهكا ً، فرحت أفكر بأسئلة غامضة بالغة الالتباس: فانا  لم اختر فصيل دمي ولا لوني، لا جلدي ولا عظامي، لا أمراضي ولا مشاعري، لا حجمي ولا ذيلي هذا النحيل القصير...، وأنا لم اختر هذا المكان الذي لا استطيع مغادرته أبدا ً...، وقالوا لي: تمتع!
   ضحك الرجل:
ـ هل سكرت؟!
  رد الفيل بصوت واهن:
ـ لو كنت انتمي إلى نوعكم، يا سيدي، لكنت شربت حد الموت!
ـ آ .....، أنت تعاني من الكآبة، ومن الشرود، بسبب الحزن...، وربما تشعر انك لست أنت كما حلمت أن تكون!
فسأله بتعجب:
ـ ما أدراك؟
ـ أنا أيضا ً قصتي لا يمكن اختزالها برجل ينوي أن يموت..، هنا، بهدوء أمام الماء....، في هذا الفجر الأغبر.
ـ كلانا إذا ً يمتلك أسبابا ً لا تدعه إلا أن يجعل منها أسبابا ً مغايرة...، لكنهم يقولون لنا: تمتعوا!
أجاب الرجل:
ـ أنا عمليا ً لا يعنيني أمر هذه الدنيا، إن كانت تمتلك خطة عميقة شبيهة بنظرية المؤامرة أم لا ...، ولا يعنيني كيف بدأت وكيف ستنتهي ...
  وسكت بغتة. فسأله الفيل بشغف:
ـ ماذا يعنيك إذا ً...، مما جعلك تنوي الانتحار...، هنا، معي، في هذا الفجر؟
  فسأل الرجل الفيل:
ـ  وهل كنت تنوي التخلص من حياتك، هذه التي يقولون إنها: لا تقدر بثمن...؟
ـ لا! بل حياتي هي التي بلغت ذروتها، ولا تريد الإقامة معي!
ـ آ ....، يا صديقي، لا أنت تستطيع أن تساعدني على اجتياز محنتي، ولا أنا استطيع أن أخبرك، انك، مهما عشت، فان جسدك هذا سيصبح خارج الخدمة! لأن حياتك، وحياتي،  لا قيمة لهما إلا بحمل ما لا يحتمل من الأوزار، الآثام، الآلام، والذنوب!
  لم يدعه يكمل:
ـ أنا طردوني من السيرك، تخيل، لم اعد صالحا ً حتى للرقص، مع الكلاب والأرانب!
   بكى الرجل، وشرب حتى لم يبق قطرة خمر واحدة في الزجاجة، وقال للفيل:
ـ أنا ـ مثلك تماما ً ـ لم يتركوا لي إلا أن أدرك إنني خلقت فائضا ً!
ـ غريب...، غريب، لأنني تخيلتكم، أيها البشر، اقل لوعة منا.
   انفجر الرجل ضاحكا ً:
ـ أنا لا اعرف من منا كان فائضا ً عن الآخر!
قرب الفيل رأسه منه، هامسا ً:
ـ لا احد!  فأنت الآن أصبحت الهواء الذي أتنفسه، بل أنت العطر الذي أصبحت استنشقه أيضا ً! أنت عفني!
ـ أنا أيضا ً اشعر أن القدر لم يحرمني من التعرف على كائن أكثر تعاسة مني!
     سمعوا لغطا ً يأتي من وراء الأشجار، فتبين انه موكب سعادة المدير، محاطا ً بالحرس الخاص، تسبقه جوقة موسيقية، وأعلام ترفرف، ودابات تدّب تفسح الدرب الذي سيجتازه المدير، نحو البركة.
   اقترب زعيم الجرذان، وأمر الفيل بأداء التحية، بعد أن كان الرجل قد توارى.
فقال الفيل:
ـ وهل ارتكبت زلة، أو عصيت أمرا ً...، أو  شطحت..؟
رد الجرذ غاضبا ً:
ـ  أراك شارد الذهن...، فهل أنت مريض؟
 قرب الفيل رأسه من كبير الجرذان:
ـ لا!  لست مصابا ً، ولست مريضا ً...، ولكنني خرجت ـ في هذا الفجر ـ انوي أن أتأمل حياتي، فنظرت  إليها، مرسومة فوق سطح ماء هذه البركة، والآن أفقت!
ـ وماذا رأيت...؟
ـ لم ْ أر إلا ظلي...، فعقدت صداقه معه...، في الماء، فراح يسرد لي قصة حياته، وأنا، بدوري، رحت اروي له روايتي، ولكن بحضوركم، سيدي، لم اعد أراه، ولم يعد يراني! فلا اعرف من منا سبق الآخر وغاب!
   لم يطلب الجرذ من الفيل الرقص، أو الهتاف بحياة سعادة المدير، لأنه، رآه يقف أمامه، بجوار سلاسل من التماثيل، وقد ترك خرطومه يتدلى، امتنانا ً أو تذمرا ً لمثل هذه الزيارة، في فجر يوم اشتدت فيه درجات الحرارة بالارتفاع، قبل أن تبلغ ذروتها.
21/6/2016

Az4445363@gmail.com