الجمعة، 26 فبراير 2016

حوار مع طائري في الغربة-د. غالب المسعودي

د. غالب المسعودي
 حوار مع طائري  في الغربة
مساء الخير
مساء النور
قلت انها اليوم في مزاج رائق
 يعطيك العافية
مزاجي دائما رائق لكن..........!
احاول ان  اتسلى بالقراءة اكثر
المهم المزاج
المزاج عال
الدليل..؟
هذا النص
منذور بالدائرة السابعة
في الساعة المتأخرة بتيه الوقت ، دحرجت بهلولي  بدوران الأفق  وهتاف الرصيف. أصطدم بسيقان الشمس على الطرقات  .. ولم تفلت الأعشاش من غضب الكف الحمراء  فالضوء منذور بالدائرة السابعة .
أخذ الحلمُ  مباهج الأمنيات عند مطلع الفجر … حين يلّتوي الحرف عليّ ،  قلبي يدغدغْ  جنون الهاوية ويقذفني بيني وبيني الى يباس الظل   …الى نبع بطولات الكلام  .. لا أعلم اذا ما استطعت أن أحمي رأسي من هزيمة الفكرة ،بأسطورة ماذا ، كلما..  وأين؟ لتخبئ الشمس ثوبها خلف شجرة السلالات وانفرادي على وجه النار  ..ولكن تلك الكواكب التي قطّرت بخورها بأنامل طفل وغبار زهرة … دونَ أن يلمس الغيم  ساحة التمني وجنون الأمن  …لتطوي جذعها مع كل نبضة نحو أشرعة تجمع الصواري الى ميناء دفئي.
كانت انحناءة  الفرح في غفلة الوسادة  تتطاول بالأغطية على ماء الحلم، على صراط القناديل المحترقة بالأفول … هنا تأتي بالكم والكيف على الشك باليقين والفضول    .. حريقاً يستأنس بتوجس الفلك .
وكان في  كل سين وجيم  …. يخطو  النهار في سباق الحاجة الى الإنسان ، يستسلم الكتف والمرفق  ،تراكم بتهمة الشاهد والمشهود، ..  لتفرز الرغبة زينتها عند كل عين  تملأَ العطور بالأبجديات على ضفاف خصلة الشعر .
 لتحتفي بعرس الأرض , أيتها السماء ، هنا حفرت الدكة للسلام ورتبت القصيدة بزقاق  الحيّ عند أوردة  الحرف وحنجرة الأغنية .
قرات النص.......
 حتى شارف الليل ان يشم الصبح
اكلت من وجعي
جوعي كافر
رنّ هاتفي
صباح الخير...
صباح النور....
كيف حالك...؟
جيد ,الحمد لصبري
ما دمت ترسم ستكون بعافية....!
لو كنت قريبة لقلت علمني الرسم
اكتب وارسم وهذا ديدني
قرات تعليقك على نص كلمات متقاطعة
 رايك الصريح.....؟
 انه يمثل عيشنا الان
صحيح...!
دون تزويق...........؟
عندما يشخص الفنان
 تكون له بعض السلوى وان كان غير قادر على التغيير....!
صحيح
لذلك الكتابة تزيد الوجع وفزع الكلمات
اعتبر الرسم اداة لذوبان الروح الألوان تحركها اليد
الكتابة
فزع الكلمات
الفزع يأتي من عدة اشياء
منها القارئ
 منها سلطة الكتابة
 الوعي المجتمعي
 نحن ضحايا انفسنا
بم تفكر.....؟
بم تقيس الاشياء......؟
نحن نعيش ازمات اجتماعية ونفسية
هي هذه الحقيقة الموجعة...!
ومهما حاولنا الانسلاخ منها نرجع لها بازدواجية التعامل
اذن الرسم  ذلك الوحي الشفاف الذي يخرج النفس من كل الاعتبارات....
الفلسفة والتأثير الابداعي والرسم كانت وسائل للتغيير الاجتماعي والحضاري...........
 اما عندنا اصبحت وسائل تنفيس عن هوس الروح بازدواجية سقيمة......
على الاقل تفتح نافذة للتغيير بسلام....
احيانا اسميه سلام ذاتي لكننا نعيش داخل مجتمع تديره قوى الظلام ,وبالتالي لسنا بمنأى عن الاضرار
مهما كبرت هذه الاضرار تبقى قوى خفية تعالج النفس الى ما يفيد.....
انا على قولة صادق جلال العظم (متشائل)
ربما من يملك  قلمه يتمكن منه يصبح كذلك........
ربما....!
لا نستطيع ان نقول اننا سنربح البحر
فالسفينة تلاطمها الامواج ,الغيوم والضباب..........
ربما سنستريح في البحر ان غرقنا او طفونا............
لن يحتملنا...........
نحن عاصفة لا تعي اتجاهها...........
البحر يحتمل لغة القراصنة والعشاق
نعم..............
كل العواصف لا تعي اتجاهها........
 لكن القلوب الرقيقة تعي اتجاهها ونزيفها........
لذلك نحتفظ به بدواخلنا......
من النعاس تنسل احلامنا تطفو فوق الغيوم تضحك من سذاجتنا....
على  الاقل نرويها قصة بعد الصحو....
نحن لا نتذكر حلما يسخر منا...
احينا نستحي حتى من احلامنا....
اذا قلت لك اننا نتأخر على الحلم
انه ينضج قبل ان نصل اليه
او بعد.........
يرى نصفنا المذعور....
ويستهلك نصفنا الاخر بالحنين....
حتى اننا لا نجد ينابيعه المصلوبة بانتظارنا.........
الغربة حطب أحزاننا ولهيب السواد
الغربة صمغ وكبريت
الغربة
أتون تلتهب بقوس قزح
ألوان تتنفس وتحترق
ربما لو كنت كذلك  لما تعارفنا
الرماد مداده الجمر
جمرة فوق الماء تغني
ارعبها صوت الناي
قد جف رأسها بالدخان
ناي حزين يرعب جوهرة ماء
تعبت من لون الاختباء
شق الصدر شق القلب بحثا عن لؤلؤ ماء.....؟

تدلى بالزبد فأعياه التعب.....
يحصد المحار بأنين القصب
اي تعب يعي واي محار يحصد....؟ ان كان كفنه موج عماء
افترش الضوء افترش الضباب ، قرأت قروح اليد ونجمة تطلق الاشارات.....
اشارات تيامة فوق المهد الاول لم ترشد الهة صغار
 قالت بأبنائي مرقدي الاول والاخر محض نجوم واضواء
 اوقد نارا واتهجى احرفا واسماء
كيف اجترا ادام ان يخلق من ضلعه جرة ماء
ربما زرع القمح وحصد ندبة
مزج الليل بحبر النار
نضج بالشرق ونبوءة النهد
ربما ........ ربما...... زرع في الارض ربما مزج حبر الليل واقتص من ضلعه ورقة
من تحت كتب تاريخ الاسماء
عصر العنب والتمر  ليحتفي بخشخاش الجسد
ابتكر جنون الشي وهواجس الريح
عصير العنب وخشخاش الجسد مذموم به نولج لذتنا وهواجس محنتنا
لذلك يشهق الكلام
يفجر ينابيع الورد وزفير العصر
انها قصيدة بوليفونية تتمرغ على اوتار الروح
تمزج الطلع بالقمر
وناي انين الروح يمسكه عازف سكر لم يعرف
 انها صلاة الفجر او دعاء السحر
هيكله يضيئ في غابات العشق
يزداد سِحرا بجمر  الانتظار
يستعر دون نار
يستفيق من جمره بالرمضاء
ان غاب عشقي لا شمس تضيء يجفل الاطفال من صوت الغناء في عمق غابات المطر
ثمة ما يمنع الشمس من دفئها
 يولج النبض  بالغيب....

آه من الغيب...آه

أختام*-عادل كامل










أختام*


عادل كامل

[17] حرية بلذة المجهول
    في عام 1996، قلت، في مقال منشور: الصمت أعلى مراحل الحرية! ولم أعاقب! فانا كنت اعمل بالحرية التي أخاطب بها المجهول، وما دام الأخير، كالزمن، وربما، كالقدر، فقد كنت لا امتلك إلا أن أكون جزءا ً منه، لأن البطولة، بأي شكل من أشكالها، لا علامة لها. هو ذا الصمت يتكّوم بفعل القانون ذاته الذي أنتج ما لا يحصى من الفلسفات، الأفكار، والأشكال الجمالية، يتّكوم، لأن تمويهات الجسور سيفضي إلى الانزواء، وتجنب لا جدوى الأصوات، لا عن الحياة اليومية، بل عن العالم الآخر، إن كان عدما ً، أو فردوسا ً زاخرا ً بالظلال. فالمجهول، يدثر الصمت، مثلما يصنع أشكاله  الوهمية، العنيدة، وقد أثمر عن حكمة لا مناص سيدحضها القانون ذاته.
    فانا إن تكلمت ـ أو كتبت ـ أخاطب شجرة أو عصفورا ً، أو كائنا ً من جنسي، فانا أدرك لا جدوى عملي، لأنني: لست بحاجة أن اخبر الآخر بما اعرفه أولا ً، ولا جدوى من الحديث مع الآخر الذي  لا يريد أن يعرف، ثانيا ً، فلماذا، عبر الانصياع لسطوة الزمن، وبحكم آليات مجموع العلل، هو الاختيار العنيد الذي لم اختره؟ إن اللا ـ شكل، وحده غير مسؤول عن الكل بعمل أجزاءه. أليست هذه إضاءة لحدود لن تسمح لي إلا أن أحافظ على شروط، مهما استبعدتها، فانا أسيرها، إن فرحت بها أو كتمت أقاصي الكتمان بها. أسير حرية تحررني من قيودها، كي أغلق فمي، بقيودها، نحو اللا ـ شكل الصلد، وغير القابل للتعريف، بل الذي وجوده وحده يقع خارج المسافات: خارج القدر ـ والزمن، ولكن ما معنى أن أمرغ  بالتاريخ: تاريخ القتلة، وتاريخ الضحايا، عندما يكون هذا كله، لا يمتد، أكثر من عدمه ـ وهو محكوم بزواله، قبل الحضور...؟
   والأمثلة لا تحصى؛ ففي الحوار الفلسفي البابلي ـ عن أصله السومري ـ يلخص الحوار النسق ذاته القائم على: هذا الذي تتجمع فيه الاغتصابات البشرية(الملكية)، والكنوز، والثروات، والفضائح، إلى جانب الخبرة، والكد، والإبداعات، إزاء غالبية لا تمتلك إلا أن تحافظ على كيانها من التلف، والزوال. فالنص لا يتستر على التعسف ـ وتلك إشارة لحرية تستخدم كقناع في مواصلة العرض: فالوعي لا يمتلك الكثير: إلا أن القليل ـ المحدود ـ سيعيد صياغة الواقع بإحكام: الهرم هو الشكل الذي كلما تعرض للزحزحة ـ وليس للهدم ـ سيعيد ترتيب بناءه على نحو يجعل الحياة ماضية باستحالة إجراء تعديلات جذرية. لماذا يظلم الكائن الحي؟ يتساءل الفقير أو العبد، أو المتشائم، فيأتي الرد: إنها القوة! ويضرب مثلا ً مستمدا ً من البرية. فالأسد حر طليق في فرض هيمنته، وكذلك، يقول: الإله، لكن الأخير، أعلى من أن يكون عاليا ً، والبشر، ما هم إلا مخلوقات  خلقت من الوحل، ومزجت بالدم، حتى تبدو المسافة ـ الفجوة ـ بلا أطراف. إنما محنة الوجود وحدها دائمة، لأنها، وحدها شبيهة بالسراب، أو بالحلم: إنها وجدت كي لا توجد!
   تلخص تلك المحاورات الفلسفية مفهوم التراتبية، كنظام لم يصنعه الوعي، بل جاء الوعي ليمنحها واقعيتها، رمزيتها، معا ً.
   ها أنا انشغل بكياني النائي، وفي الوقت نفسه، اترك أصابعي تدوّن: تحفر فوق الورقة، أو عبر شاشة الحاسوب، استحالة العثور على البدائل، بعد أن عجزت عن قهر هذا التراخي أمام استكمال (حياتي) كجسد يتعثر في مواجهة قوى تعمل خارج المتضادات/ الثنائيات، وبعيدا ً عن رمزية المثل، والأساطير، والمعتقدات، فاترك أصابعي تجرجرني لرؤية كائنات تمحو بعضها البعض الآخر، لا لتقديم النذور، لكبير الآلهة، كما في أزمنة الأساطير، ولا لتقديم النذور لمن هم في أعلى الهرم، بل أصابعي ترى، قبل أن تشتغل مراكز التفكير، أن السحر (الآلية العنيدة في عمل أدق الأجزاء) لن يكتمل، إلا بمحو هذا الذي قاوم المحو، وهو الذي كان لا يعمل على إلا على محو أثره.
    فأصابعي ترى فراغات، وأصداء أصوات، وذرات أثير، وأجزاء لا مرئية ...الخ، صاغت بإحكام تاريخ المرارات، ونهاياتها المتتالية، الممتدة، بلا حافات. فأصابعي مكبلة بعجزها، في حريات سوداء، كي تجرجر محوها، وليس أثرها، داخل هذه المساحة، وقد أصبحت مقيدة باستحالة تحديد العلل، كي يكون للاعتراض معنى ما، في معناه، أو في لا معناه، عندما تكون الصيرورة، من صنع هذا المجهول، وليس للوعي إلا أن يستكمل إرادة عجزه، إنما هي ليست إرادة باطلة، بل رؤيا تستكمل موقعها إزاء لا حافات هذا المتدفق بلغز عدمه، كوجود كونته ممحوا ته، وليس على تراكمات تصادماته القائمة على هذا المحو  .

[18] آليات الزوال ـ وديمومته
 أسهم عصر الدعاية، بتفكيك (الصيرورة/ التاريخ)، وليس بدحض الثوابت، أو تشذيبها. انه عصر منحت فيه (الرداءة) سلطتها، لا كي يعيش البشر من فير رجاء، أو خارج ما يسمى بالأمل، أو أن يعيشوا بعيدا ً عن حالات (الخواء/ الاغتراب/ الباطل/ والتمويهات) فحسب، أو الذهاب ابعد من المثنويات، والمتضادات (ظلام/ نور ـ موت/ حياة ـ بعيد/ قريب) عبر الثناء، أو الكراهية، المحبة أو القسوة، القانون أو العشوائية ..الخ، بل أن لا يستسلم للنهاية التي طالما أكدتها أكثر العقول واقعية، وموضوعية، كلمات نقشت فوق الطين: ما يأتي مع الريح يذهب معها. وهو احد مكونات عظمة (العبث)، على مر العصور، خاصة القائمة على الاضطراب، وان يعيش كسلعة قيد الاستهلاك، بعد أن أصبحت الروح من الماضي، أو أصبحت بالية، وعتيقة.
  عصر الصيرورات الذي لا ينتج ثابتا ً، ولا يقود إلى الاستقرار، وإن حصل، فإنما للبرهنة: إن ما (الأمل) ليس إلا قناعا ً، وقد حكم عليه الزمن بزواله، وإن هذا التفكيك، لم يحصل للكتل، للنمل، الجماهير، وقد بدا ظهورها كمن عثر على كنز، بل للفرد، ولهويته الداخلية. تفكيك سيسمح لسبعة مليارات إنسان أن يعمل كل منهم وكأنه وحده يحق له البقاء، بعد أن زود بمبررات تدمير الأخر. لكن هذا لن يبرر شرعية البكاء على أزمنة يعتقد إنها (ذهبية)، ليس لأن الماضي، في الأصل، مازال حاضرا ً، أو لم يدفن بعد، بل لأنه احد آليات المنهج ولغزه: التقدم في المجهول!
    وإذا كانت رواية (الشيخ والبحر) قد حظيت بدعاية،  فليس لأنها أصابت هدفا ً، بل لأن الدعاية برهنت إنها لن تدع ثابتا ً إلا ودمرته.  إنها مسيرة طويلة بلغت هذه النهاية: إن الإنسان وحده يكافح للبرهنة على انه لن يدع ذرة ما إلا ويعيد تصنيعها، عبر مهرجانات المصانع العملاقة، ومنها الخاصة بأسلحة الدمار الشامل، وما بعدها، كي تأخذ طريها إلى الاندثار. هو ذا العالم ـ كما يخبرنا وعينا ـ بوجودنا أو بغيابنا، ليدوّن بالكلمات، بل باختراع سلع مبتكرة للموت، ولصناعة المزيد من الجثث، والتباهي بعرضها عبر الشاشات. لكن الأخير، كما يخبرنا وعينا المضطرب، في فاتحة الألفية الثالثة، عنصرا ً لا يمكن عزله عن صياغة أناشيد مبتكرة لصيرورات الأفراد، والجماعات، والحضارة، وكأنها جميعا ً لا تمتلك إلا القانون الأول: الموت أو النصر!
    فها أنا أبصر مشهد أقدم بذور الخلق، تتشكل عبر حضارات تصنع دمارها، بعناية تماثل، وتتفوق على صناعتها لمجدها: كتل لا تمتلك من الصلابة إلا أن تشتبك، وتستنزف، وتدمر بعضها البعض الآخر، كي يبقى القانون، وقد كف غيابه عن الحضور.
    لكن هذا كله يحمل علامات عصر التفكيك، علامات براقة، مبتكرة، متجددة، ولها سحر الحكايات الأولى: الطرد، والنزول إلى العالم السفلي، وديمومة الصخب، عصر تتوارى فيها الذات، أيا ً كانت، وفي أية قارة، عبر برامج: تدمير الوهم، المماثل لعصر بناء أهرامات من الآمال الوهمية، الصوّرية، التي شيدها (الدماغ) بومضات ما صاغت هذا الذي يعيد ديمومة لاوعيه عبر علامات محكومة بزمن زوالها. فلم يعد الذهن يستنجد بالكلمات، أو بالرموز، أو بالمثل، بل لم يعد بحاجة إلا لإدامة ما هو قيد الاندثار، بله انه ليس بحاجة حتى لها، فهو جزء من هذه الصيرورة، وهي تعمل، كما تعمل  باقي الأنظمة. إنها حقيقة بلا أبطال، وبلا ضحايا أيضا ً.
   لقد فند الحكيم السومري، قبل أكثر من خمسة آلاف سنة: وهم (الخلود)، وهو ذاته سيفند وهم (الخواء)، كأنه يحفر معنا مدفنا ً ليس للدفن، بل مدفنا ً للهلاك الدائم، إنما تحت غواية: الانتظار.
     لكن المصانع، في عصر ازدهار حروب الأسواق عابرة القارات، وجدت في الدعاية(الإعلام)، في هذا المنجز السحري، في عصر الخرافات، والشعوذة، أملا ً غير قابل للدفن، لأن الهدف ذاته لم يجدد إلا علاماته، ومن يمتلك قدرة التمرد، أو الاعتراض، فان معسكرات (الحضارة)، قيد شيدت بأبواب غير موصدة. وبمعنى أوضح: لم يعد عصرنا منشغلا ً بالنمل، المليارات، والتحكم بها، بل التوغل في خفايا الذات، وتركها تتناثر، كي ترتفع قمة الهرم، درجة أخرى، كما في مثال جلجامش: ليس الخلود إلا ديمومة زوال، إنما قائمة على مبدأ: العمل؛ فمن لا ينتج زواله، يزول، لأن تراكم القهر، أما أن يجد من يوزعه بعدالة، وأما أن يمتد زمن: من لا يقف معنا فهو لا يستحق أن يكون ضدنا! انه القانون ذاته، ولكن آليات (الدعاية)، منذ صاغ أسلافنا تصوّرات عالم ما قبل الموت ـ وما بعده، سيعمل مشرحة بالتعرف على خيوط النسيج، وتفكيكها، ليمنح الخلود، مرة ثانية، الغواية ذاتها: أن تعرف ما لا يمكن معرفته، مع انه، ملحق به. فما العدم، في نهاية المطاف، غير الذي نقش بالحروف، حيث العدم، ابعد من أن يكون بعيدا ً، وأعلى من كل ذروة ارتفاع. فالا ـ كل، لا علاقة له بهذا الذي نحن أسراه، وسجنائه، وعبيده، وسلعه، وزوالاته في نهاية المطاف. انه وحده ليس بحاجة إلى: براهين، وإثباتات. فهو لا ينتج ذاته، كي ينتظر دعاية. وهو لا يموت كي يمجد بالميلاد، فهو ليس خارج (الكلمات)، أو ممتدا ً كامتداد العدم، وليس داخلها أو داخله. انه ليس: هو. فهو أقدم من أن يكون قديما ً، وهو ليس مستحدثا ً كي يكون حديثا ً، أو كي يكتسب سمة (الحداثة). لكن عصرنا، ككل العصور،  لم يكن إلا ضد نفسه، عبر: الاحتفال بالاحتفالات!

• تأملات أثناء العمل ـ وقد سبق أن نشرت حلقات من التجربة تحت عنوان: أختام معاصرة.




الخميس، 25 فبراير 2016

منذور بالدائرة السابعة- نجاح زهران


منذور بالدائرة السابعة


الساعة المتأخرة بتيه الوقت ، دحرجت بهلولي  بدوران الأفق  وهتاف الرصيف.
 أصطدم آذار بسيقان الشمس على الطرقات  ولم تفلت الأعشاش من غضب الكف الحمراء  فالضوء منذور بالدائرة السابعة .
أخذ الحلمُ  مباهج الأمنيات عند مطلع الفجر … حين تلوّي الحرف عليّ ،   ليدغدغْ قلبي بجنون الهاوية ليقذفني بيني وبيني الى يباس الظل   …الى نبع بطولات الكلام  .. لا أعلم اذا ما استطعت أن أحمي رأسي من هزيمة الفكرة العتية ،بأسطورة ماذا ، وكلما  وأين ؟ لتخبئ الشمس ثوبها خلف شجرة السلالات وانفرادي على وجه النار  ..ولكن التاريخ الذي قطّر بخوره بالسهم والقوس وغبار الإنسان  … دونَ أن يلمس الغيم  ساحة التمني وجنون السلام  والأمن  …ليطوي جذعه مع كل نبضة نحو أشرعة تجمع الصواري الى البيت وبدئي.
كانت انحناءة  الفرح بغفلة الوسادة  تتطاول بالأغطية على ماء الحلم، على صراط القناديل المحترقة بالأفول … هنا تأتي بالكم والكيف على الشك باليقين والفضول    .. حريقاً يستأنس بتوجس الفلك .
وكان في  كل سين وجيم  …. يخطو  النهار في سباق الحاجة الى الإنسان ، يستسلم الكتف والمرفق  ،وكم تراكم بتهمة الشاهد والمشهود، ..  لتفرز الرغبة زينتها عند كل عين  تملأَ العطور بالأبجديات على ضفاف العافية وكُحلة الشِعر . .
 لتحتفي بعرس الأرض  أيتها السماء ، هناك نزل المطر ونبت الثمر ، وهنا رتبت القصيدة أغنيتها لرغيف يُشبع الحيّ .



نجاح زهران

غالب المسعودي - كلمات متقاطعة

الأربعاء، 24 فبراير 2016

خواطر في الفن-نبراس هاشم

خواطر في الفن




نبراس هاشم
    نحتفي بين آن وآخر ببصمات صنعت للتأريخ شيئاً وكذلك صنعها الزمن بشغف الهواية من فن وأدب وعلم وبصمات ملئها تجارب حقيقية يعترف بها المجتمع عرفاناً وإحسانا .. انظر في مجاوراتي لا أرى سوى هياكل تحاول أن ترسم أو تصنع شيئا لكنها لم تحاول الحفر على الحجر مثلما فعل السابقون .. نحن اللاحقون لم نقتدي بعظمة وجمال وقدرة السابقون .. كل شيء متاح وغير متاح وان كان بعيد الأمل فلا ضرورة له ( هذا ما يقوله البعض الكثير ) يستغني هذا الجيل عن الكثير من المهمات للاستمرار في الحياة منها القراءة التي كان يسميها أهلنا السابقون ( بغذاء الروح) يوجد الكثير من البدائل التكنولوجيا الهابطة التي تملي على الجميع وقته في الحاضر وينسى إن العمر والحياة ممتدة فيها كل شيء وبالقراءة والمعرفة الذاتية تغنيهم عن الوقوع في مطبات وتجارب ممكن أن يستغني عنها .. ألاحظ هذا من خلال طلبتي في معهد الفنون الجميلة ، لا يأبهون لوجود للمكتبة العتيقة في المعهد وان حصل على كتاب أو لم يحصل لا يطالب به أصلا فليست له أية أهميه .. اسرح قليلاً وأعيد بكرة الماضي قليلاً أشاهد فرق كبير بين جيل وجيل كنّا نتهافت على استحصال كتاب أو مرجع أو مصدر يخص رسّام أو نحات وتأخذنا الغواية للاستمتاع الجماعي في مطالعة هذا المرجع والحديث والنقاش والدهشة التي ما عادت موجودة عند احد ، اذكر من جانب آخر زيارتي لباريس وحماسي للوصول لمتحف اللوفر أراني وحدي و زملائي في مدينة الفن لا اهتمام بالتطلع لما يخبئه اللوفر في ممراته أو قاعاته وفضاءاته وحتى أسقفه ويرددون ( هم ليس أفضل منا ) قد يتنكرون بأن السابقين هم أصل الدافع في صناعتك كفنان أو قارئ أو تحمل حس ثقافي فني .. أصبح الاعتداد بالنفس والتكبر لغة عصر هذا الزمن والدي نسوا أن يعلماني عليه أو أساتذتي لم يتطرقوا للحديث عنه في السابق من الدروس ، انها صيغه جديدة للتربية نحن الكلاسيكيون لا نستوعبها .. وسأظل اسرح ساعات عند مشاهدة تمثال ( المفكر- لرودان).


الاثنين، 22 فبراير 2016

20 قصة قصيرة جدا ً-عادل كامل

 


20 قصة قصيرة جدا ً

" أفضل أن لا اعتقد بوجود الله من أن أظنه لا مباليا ً"

جورج صاند (1804 ـ 1876)


عادل كامل


[1] مصير
لم يترك الرضيع جسد والدته، رغم اشتداد الظلام، والبرد، وارتفاع الأصوات، بل راح يتشبث به، حتى غفي.
 في الفجر، بعد إزاحة الأنقاض، اكتشفوا أن الرضيع مازال على قيد الحياة، ولكنه ما أن رآهم حتى عاد وتشبث بجسد والدته، محتميا ً بها..
    عندما تم سحبه، وإبعاده عنها، أبدى مقاومة أدرك لا جدواها، فراح يحدق في الوجوه، خشية أن يلقى المصير ذاته.

[2] كمين

   وأخيرا ً لم يجد الغزال إلا أن يتجمد، أمام النمر، بعد مطاردة استغرقت فترة غير قصيرة من الزمن...، ووقف ينتظر نهايته، بصمت تام. فسأل النمر الغزال:
ـ والآن لماذا توقفت..، ولا تفكر بالهرب، أو بالاستغاثة، أو حتى بطلب الرحمة؟
  ابتسم الغزال:
ـ لو كنت اعرف أن هناك جدوى ....، لكنت أنت أول من يضربها عرض الحائط، أولا ً، ولو كنت فعلت، ثانيا ً، فانا اعرف انك لن تتعجل بالقضاء علي ّ..!
وصمت. فسأله النمر:
ـ هل لديك سؤال تود أن تسأله:
ـ اجل...، أود أن أسألك قبل أن تجهز علي ّ..
ـ أسأل..
ـ هل حقا ً دارت هذه الأسئلة برأسك؟
ـ نعم!
ـ إذا ً.....، إن نهايتك قد اقتربت ...! لكن ليس لأنك فكرت...، بل لأن تفكيرك هذا هو الذي قرّب نهايتك!    
ـ لم افهم؟
ـ لأنك لو كنت حسمت الأمر، حالا ً، لكانت لديك فرصة أن تفترسني وتهرب، أما الآن، فأنت تنتظر من يفترسك، لأنك أتحت له هذه الفرصة!
ـ أنت إذا ً لم تفكر ...
ـ لو كنت فكرت، لكنت نجوت، وأنت مثلي، لو كنت فكرت لنجوت أيضا ً!


[3] أسف
ـ ما الفارق بين عصر الكهوف، والغابات، وعصرنا ...؟
   سأل النورس الغراب، وهما يتأملان قرص الشمس في كبد السماء، من وراء قضبان القفص الحديدي الكبير:
ـ في الزمن القديم، أيها النورس، كنت لا تعرف متى يتم القضاء عليك، أما الآن، داخل هذا القفص، فانك تعرف انك تموت، في كل يوم، وفي كل لحظة ...، وأنت ترى رفاقك يساقون إلى الموت!
ـ آ ....، للأسف، الزمن لا يرتد، والأيام السعيدة لا تعود!
ـ ولم َ الأسف...؟
رد النورس بحزن:
ـ أنا أتأسف لأن أحفادنا، أحفادي وأحفادك، قد لا يجدون حتى فرصة السكن داخل هذه الأقفاص، وقد لا يجدون حتى فرصة للموت!


[4] عويل
  ـ يا له من صراخ، عويل، وانين....
  متابعا ً أضاف الحمل يخاطب كبشا ً كان يقف بجواره:
ـ ألا يسمعون...، ألا يشاهدون ما يحدث لنا، ألا يمتلكون آذانا ً، عيونا ً، عقولا ً، ضمائر ...؟
أجابه بهدوء:
ـ صديقي ...، لولا هذا: الأنين، العويل، والصراخ...، لكان مجدهم قبض ريح!  فأنت، على سبيل المثال، ألا تشعر بالسرور وأنت تصغي إلى أنين العشب وصراخه وأنت تقضمه....، وهو يسألك: ماذا فعلت لكم ؟
أجاب الحمل مذعورا ً:
ـ  فانا غير بريء إذا ً فأنا بالفعل لم أكن اكترث لهذا الأمر! فانا حقا ً استحق العقاب!
ـ لا امتلك إجابة على أسئلة لم تعد تخطر ببالي!
   هز الحمل رأسه وقال:
ـ الآن ـ أنا أيضا ً ـ  لم اعد بحاجة إلى أجوبة على أسئلتي!
ـ ماذا عرفت؟
ـ لولا أنيننا، عياطنا، وصراخنا..، فأنهم قد يتساءلون: ما خطب القطيع يذهب إلى الموت  من غير شكوى، ومن غير طلب الغفران، بل حتى طلب الرحمة!

[5] غياب
ـ أسرع...أسرع...، الم ْ تر الطوفان يزحف، ولم يترك لنا فرصة للنجاة...؟
ـ آ ... كي لا نموت في حفرنا، وأقفاصنا، وجحورنا....
ـ لا... بل علينا أن نجري أسرع منه!
فرد الآخر متندرا ً:
ـ  ألا ترى الفضاء يسد علينا المنافذ كلها...؟
فسأله:
ـ  لِم َ ولدنا إذا ً إذا كان علينا أن نهلك؟
ـ وهل ولدنا بإرادتنا؟
ـ لكنك، سيدي، تدعو لارتكاب خطيئة اليأس، والاستسلام، والتخاذل، ومن يفعلها يعاقب بالقانون...؟
ـ عندما تعثر على الفضيلة آنذاك عليك أن لا تتمهل، وألا تسرع، وتهرول،  للبحث عن ملاذ لا يؤجل غيابك!

[6] مهمة
ـ لا تتركوا شجرة، أو بهيمة، لا تتركوا طيرا ً أو دابة، لا تتركوا أنثى ولا تتركوا ذكرا ً، لا تتركوا هرما ً أو يافعا ً...، لا تتركوا حجرا ً فوق حجر، ولا نسمة هواء ....
ـ هذا صحيح تماما ًـ سيدي القائد العظيم ـ لم نترك للأعداء شيئا ً يذكر...، ولكننا، بعد القضاء عليهم، لم يعد لدينا ً عملا ً نعمله؟
ضحك القائد بصوت متقطع:
ـ يا بهيمة، يا دابة، يا ....، آنذاك تكون مهمتنا قد أنجزت!

[7]  لغز
   وهو يهم بالضغط على نابض الحزام الناسف، سأله رفيقه، في المهمة المشتركة:
ـ قل لي...، أرجوك، من اجل ماذا نموت؟
ـ وهل كنا نعرف من اجل ماذا كنا نعيش؟
فقال له بصوت مرتبك:
ـ دعنا ننزع أحزمتنا الناسفة ونهرب...!
ابتسم الأول:
ـ لكن المارة لن يدعونا نعيش بأمان!
ـ آ ....، الآن فهمت....؛ لا هم يدعوننا نعيش بأمان، ولا نحن ندعهم يعيشون بسلام.....، وكأن حرب الجميع ضد الجميع شبيهة بالنار، ما أن توشك على الانطفاء، حتى تجد  من يوقدها، وما أن تشتعل، حتى  لا يفارقها حلم السبات!


[8] توازن

 سألت البعوضة زميلتها:
ـ لماذا خلقنا..، أمن اجل امتصاص دماء هذه البهائم، والزواحف، والدابات...؟
ـ آ ...، لو تعرفين، يا زميلتي، كم مرة عملوا على إبادتنا، وفشلوا...، حتى أصبح امتصاصنا لدمهم ثأرا ً تتوازن فيه كفة الصراع! فلا هم نجحوا بإبادتنا، ولا نحن استرجعنا حقوقنا كاملة أبدا ً!


[9] مقارنة
ـ سيدي الذئب ..، هل حقا ً أنت لم تعد تشبه إلا خرافك التي افترستها، مثل المنتصر، لا يقاس إلا بعدد ضحاياه؟
فرد الذئب على سؤال الغراب:
ـ ربما هذا صحيح، لأنني لم اعد أراك إلا مقبرة تحلق بأجنحة موتاها!

[10] الشر أم الأشرار؟

سأل الابن أمه:
ـ أيهما اسبق في الوجود: الشر أم الأشرار....؟
   فزعت الأم وقالت بصوت مرتبك:
ـ لولا الشر لما كان هناك أشرار...، ولولا الأشرار لكان الشر يرقد في حفرته!
ـ آ ...، إذا ً علي ّ أن ابحث عن حفرته، وأخرجه منها، كي اسحق رأسه!
ـ ولماذا تفعل ذلك...؟
ـ كي أتعلم من الشر كيف أصبح طيبا ً، وخيرا ً، وفاضلا ً...!
ـ ماذا قلت؟
ـ  الم تقولي لي: لولا الشر لكنا فضلاء، وخيرين، وطيبين حد الوداعة!
ـ ولكنك، يا ولدي، لست شريرا ً...؟
ـ لو كان كلامك هذا صحيحا ً...، لكنا طلقاء لا نخاف أن تفترسنا الضواري ...، وتركونا نعيش خارج هذه الأقفاص، وبعيدا ً عن أسوارها؟
ـ آوه ...، عليك الآن أن تتعلم: إن لم تفترسهم افترسوك، وان لم تقتلهم، قتلوك!
ـ آ .....، إذا ً لولا الشر لما كان هناك أشرار، ولولا الأشرار لما كان هناك شرا ً...، فلا أسبقية لأحد على الآخر، مادامت اللعبة محكمة حد استحالة معرفة من هو الأول ومن هو الأخير؟

[11] مصائر

    أوقع الفهد الثور الكبير في كمين وراح يضحك، قبل أن يشرع بافتراسه:
ـ الم أخبرك أن مصيرك هو الحفرة؟
    رفع الثور رأسه قليلا ً، ورد بصوت خفيض:
ـ لا فارق...، فإما أن نُدفن في أحشاء البشر...، وإما أن نُدفن في بطونكم!
ـ ما قصدك بهذه المقارنة؟
ـ القصد شريف، كما يقال في أيامنا، لأننا مهما حاولنا تجنب الكمائن، وجدنا بدائلها قد وضعت لنا قبل أن ترى عيوننا النور!

[12] ممرات
ـ لا أريد ممرا ً واحدا ً للجميع...، هل فهمت؟
ـ نعم، سيدي، سأقسم الدرب إلى: ممر للخرفان وآخر للنعاج، ممر للاتانات وآخر للحمير، ممر للسباع وآخر للبوات، ممر للأبقار وآخر للثيران...، بل وسأضع حاجزا ً يشطرهما إلى قسمين لا يلتقيان،  ويفصلهما فصلا ً محكما ً أيضا ً...
   فكر المدير برهة، ثم قال:
ـ لِم َ لا تعمل بنظام العدد، الزوجي والفردي...، وتعلن أن هناك يوما ً للذكور، وآخر للإناث، ويوما ً للكبار وآخر للصغار، يوما ً للعميان ويوما ً للأشد عماء ً، يوما ً للكفار وآخر للأشد كفرا ً...؟
ـ اجل، سيدي، سأفعل، فكلامك أوامر...؟
   صفن المدير لحظات وقال:
ـ ما رأيك أن نخترع ممرات طائرة فوق الأرض، وأخرى شبيهة بالأنفاق تحت الأرض، فلا ندعهم يروننا، ولا نحن نراهم...؟
ـ هذا هو الصواب...، سيدي، حيث سعادتك ستتمتع بالهدوء، ولا ثمة ضوضاء تزعج نزهاتك وأنت تتجول في طرقات حديقتنا الغناء، الخالدة!


[13] سرقة
  بعد أن رأى، بالتلسكوب العملاق، مجرة تلتهم أخرى، بهدوء، قال يخاطب نفسه:
ـ الغريب إنني أمضيت حياتي اعمل بالحصول على بيت صغير..، ولم افلح، والأغرب...، من ذلك، إنني مازالت أفكر بشراء قبر صغير، بحدود جسدي...، لكني  اجهل لماذا كلما جمعت المال المطلوب سرقوه مني!



[14] تعجب!
ـ لم ْ أرك تتعجب...، في عالمنا ـ هذا ـ وكل ما فيه يدعو إلى العجب...؟
ـ وما العجيب الذي يستحق الدهشة وكل ما فيه أما لم يحدث، ليدوم، وأما إني لم اخلق، كي أبصره! فالقصة تماثل من يبحث عن الباب الذي هو بلا مفتاح، وهو يشبه من امتلك مفتاحا ً ولكن الباب لا وجود له!


[15] نشيد الخراب

   وهو يفر من عشه، ويغادر الغابة، بعد استيلاء الجرذان عليهما، وإحكام سيطرتهم على الممرات، والأشجار، والهواء...، خاطب البلبل نفسه:
ـ  قد لا أجد غابة أخرى ...، أغرد فيها ... ولكن، انتم، أيها الجرذان، من ذا سينشد لكم نشيد الفجر...؟
   سمعه كبير الجرذان، فناداه:
ـ أيها البلبل، لا تهرب...، عد إلى عشك، فانا غفرت لك!
   فقال البلبل الذي كان يشاهد جثث الطيور ملقاة فوق الأرض، مبعثرة، وممزقة، وهو يرى الأعشاش قد خربت، وهدمت:
ـ  سأذهب إلى من أرسلكم واخبره ماذا فعلتم...!
ضحك كبير الجرذان:
ـ  بالفعل....، انه ينتظرك، لأنه هو من أرسلني، وهو من أمرني: أن اكتم أصواتكم، وأنا فعلت!
    اقترب البلبل من زعيم الجرذان، وراح يغرد، مما دفع بالجرذان إلى الإصغاء، وقد بدأت تنوح، وتبكي....، فقال كبير الجرذان يخاطبه:
ـ ما أعذب صوتك، وأشجاه،  لكن من منحك هذه الشجاعة، وهذا الجمال؟
ـ إنهما، يا كبير الجرذان، ينتسبان إلى الشجاعة، والى القوة ذاتها، التي كنتم تعملون بها!
ـ إذا ً ... عد إلى عشك، والى غابتك.
ـ وماذا نفعل، بعد أن هدمتم أعشاشنا، وخربتم غابتنا...، ولكن العالم كله سيعرف إنكم فعلتم ذلك، ونحن سنغرد للدنيا بأسرها لعل أحدا ً يسمعنا!

[16] مسافة
ـ ما الفارق بين النتانة، والعطر؟
ـ لا فارق...، إنما هناك المسافة بينهما!
ـ كيف؟
ـ  كلاهما يخرجان من العفن، فمنه يخرج العطر الذي بدوره، بعد حين، يصير عفنا ً!
ـ إذا ً..، بحسب هذا المنطق، لا فارق بين من يعيش من اجل الحرية، وبين من يموت من اجلها؟
ـ  اجل، لأن الحرية لو تحققت وصرنا أحرارا ً فان العبودية تكون قد انتصرت!
ـ إذا ً...، لا توجد اختلافات بين الليل والنهار؟
ـ لا...، لا توجد اختلافات، ففي النهار نكد، ونشقى، كي نستريح في الليل، وما أن يحل الليل حتى نكون بانتظار النهار.
ـ ولا اختلافات بين الأسفل والأعلى..؟
ـ اجل..، لأن احدهما يمجد الآخر، فلا وجود للأعلى من غير الأسفل، ولا للأسفل من غير وجود الأعلى!
ـ إنك ـ إذا ً ـ تساوي بين الوضيع، والنبيل...؟
ـ بالفعل...، لأنه لو كان هناك إختلاف يذكر..، لكانت الحياة بلا وجودّ يذكر، فأنت تموت لتولد، وتولد لتموت!
ـ لم أفهمك، يا سيدي؟
ـ إذا ً عليك أن تراقب الاختلاف الوحيد...، بين هذه الحدود، لأنه لا يكمن إلا في المسافة، بينها، وليس خارجها، والآن سأضطر إلى سجنك، كي تبقى تحلم بالخروج من الظلمات!
ـ آ ....، كم ستدوم المسافة؟
ـ إن أسرعت امتدت...، وإن مشيت بهدوء، ورزانة، ومن غير صخب، فقد لا تعرف كم كانت شاقة، وكم كانت طويلة!

[17] بالروح... بالدم!
    بعد أن استولى الضبع على أكثر أجنحة المزرعة خصوصية، واستتبت له السيطرة على باقي الأجنحة، وتم الاعتراف بزعامته، حتى شاهد الأنصار، والمؤيدين، والمعجبين، ينحدرون من الجهات الأربع، فضلا ً عن الهابطين من الأعالي، والخارجين من باطن الأرض، ومن المستنقعات، ومن المناطق النائية، أفوجا ً وزرافات...، فلم يلفت نظره، كما لفت نظره تدفق الموتى، وزحفهم نحو ساحة العرش، وهم يدكون الأرض، ويهتفون بأصوات بلغت أصداءها حافات السماء:
ـ بالروح.. بالدم ..نفديك يا زعيم..
فلوح لهم بإشارة من يده اليمنى يرجوهم الركون إلى الصمت، مخاطبا ً إياهم:
ـ الم ْ تكلوا... الم تتعبوا...الم تهنوا... وأنا جئت كي أعيد لكم بناء هذه المزرعة ... وليس الموت من اجلها!
   فارتفعت الأصوات أعلى فأعلى، وراح الموتى ينشدون:
ـ  بالدم.. بالروح... نفديك يا زعيم.
   وما أن أدرك استحالة إسكاتهم، ومنعهم من الصراخ، حتى دار بخلده انه مادام لا يستطيع السيطرة على عليهم، فمن ذا باستطاعته أن يسد أفواه الذين لم يولدوا  بعد!
   فقال بصوت أخرسهم:
ـ كفى!
   ثم ابتسم، بعد ذلك، وأمر مساعديه بتوزيع الهدايا ـ والنياشين، وقد راح ـ هو ذاته ـ يردد:
ـ بالروح... بالدم...
ولم يبح لأحد انه كان يجهل من اجل من يموت!


[18]حيرة
     بعد فترة صمت طويلة، سأله ظله:
ـ  وهبناك دكتاتورية الذئاب، فقلت: ألا ترون أن جورها بلغ الذروة...؟ فأعطيناك ديمقراطية الضفادع حتى صرخت: ألا تشاهدون ما حل بنا...، حيث البرغوث فتك بالماشية، والفئران استولت على بيوت الأنعام،  والتماسيح فرت مذعورة.. فأرسلنا لك الشفافية لعلك ترضى، فقلت: ألا ترون ماذا فعلت الأرانب بالنمور، وكيف فرضت العقارب سلطتها على الدواب، فهربت الأسماك، وهاجر الطير. فماذا تريد؟
   فكر  قليلا ً وأجاب ظله بشرود:
ـ  وهل كنت تجهل ما أريد؟
ـ ...
ـ الم أكن أريد أن لا أريد!
وأضاف بصوت شارد:
ـ  فانا كنت لا أريد إن أكون عبدا ً  عند العبيد، كما لم أكن ارغب أن أرعى قطيعا ً من الماشية، مثلما لم أكن أود أن أصبح مهرجا ً أتبختر فوق الحبال!  
   وراح يتمتم مع نفسه بصوت شارد:
ـ فما كنت ابحث عن نصر انتزعه من احد، وما كنت ابحث عن خسارة نهايتها وضعت قبل أن ترى النور!
  فسمع ظله يخاطبه:
ـ أسرع، أسرع، فانا سأقودك إلى الأنوار التي لا تسمح لك برؤيتي، ولا أنا فيها سأراك! آنذاك لا تجد سؤالا ً ينتظر إجابة، ولا إجابات تنتظر أن تضع لها أسئلة!

[19] المزيد
   لم تعد الملايين تفكر بالساعات التي أمضتها وهي تصغي إلى خطاب سيادته، وما إذا كانت قد تعبت، أو شعرت بالإنهاك، أو الملل...، بل كانت، كلما لوح لها بنهاية الخطاب، تهتف راغبة بالمزيد...
   فاقترب مساعده منه، وسأله ما إذا كان بحاجة إلى قسط من الراحة، أو فترة من الهدوء، فأجابه بصوت صارم:
ـ اذهب واسكت أصوات هؤلاء الذين لا أراهم، وهم يطلبون المزيد!

[20] فأر
   رأى الفأر الصغير الأفعى تبتلع فرس النهر، ثم، تبتلع تمساحا ً، بعد أن شاهد أنيابها تمسك بفيل كان يحاول الفرار...
فقال الفأر يخاطب نفسه:
ـ إذا كنت نجوت من هذه الأفعى العملاقة...، وأنا احتمي بثقب في الأرض، فلا مناص إنني سأموت جوعا ً...، داخل حفرتي...
    سمعته الأفعى، وهي تجلجل بالضحك والقهقهات، وقالت له:
ـ يا فأر ...، تستطيع أن تتغذى على ما طبخته لك، وهضمته، في معدتي، فمن العار علي ّ، بل كل العار، أن اجعل منك ضحية!
ـ آ... ، الآن عرفت لماذا نجوت!
Az4445363@gmail.com
16/2/2016