الأربعاء، 22 يوليو 2015
الثلاثاء، 21 يوليو 2015
الذكرى السادسة و الاربعون لرحيل العالم العراقي العالمي (عبد الجبار عبد الله)- د. وريا عمر أمين
الذكرى السادسة و الاربعون لرحيل العالم العراقي العالمي (عبد الجبار عبد الله)
د. وريا عمر أمين
عبد الجبار عبد الله(1911 – 1969) عالم فيزياء عالمي وفلكي عراقي عالمي ، وثاني رئيس لـجامعة بغداد . ولد في قلعة صالح بمحافظة ميسان (العمارة) لعائلة عراقية من الطائفة المندائية وتوفى خارج العراق وهو في الثامنة و الخمسين من عمره.
أكمل دراسته الابتدائية و المتوسطة في العمارة ثم انتقل الى بغداد ليواصل دراسته في الاعدادية المركزية (1928 – 1930) ، ثم انتقل إلى بيروت والولايات المتحدة الأمريكية لاكمال دراسته الجامعية و حصل على شهادة D.Ss في الفيزياء من معهد MIT وهي شهادة علمية لا تمنح الا للعلماء العظماء. وهو واحد من أربعة طلبة فقط في العالم الذين تتلمذوا على يد ألبرت أينشتاين. عاد الى العراق و شغل منصب رئيس هيئة الطاقة الذرية العراقية عام 1958 ثم اصبح رئيسا لجامعة بغداد عام 1959الى عام 1963 حيث أقيل من منصبه وأعتقل. غادر العراق إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد مضايقات له وإتهامه بالانتماء إلى تيارات يسارية وهو ما كان محظوراً آنذاك.
وبالنظر الى مستوى عبد الجبار عبدالله العلمي المتفوق تعاقدت معه الجامعة الامريكية التي تخرج فيها ليكون احد تدريسيها في قسم الارصاد الجوي للسنوات 1946 حتى 1949 وبمرتبة استاذ مساعد.. اشترك مع العالم الالماني (فون براون) في اكتشاف اسرار القنبلة الذرية في منتصف اربعينات القرن الماضي و تطوير علم و هندسة الصواريخ .. وما يؤكد ذلك اختياره وخمسة من المتميزين خلال مدة الدراسة العليا في الولايات المتحدة للعمل في مكان سري للغاية لمدة سنة ونصف السنة اثناء الحرب العالمية الثانية.. وكان نتيجة ذلك ان الرئيس الامريكي (هاري ترومان) قلده بـ (مفتاح العلم) الذي كان يمنح لكبار العلماء المتميزين في عطاءاتهم العلمية.
احتل العالم الكبير عبدالجبار عبدالله مكانته الطبيعية بين مشاهير العلماء في العالم و دخل اسمه في اكبر المعاجم العلمية العالمية.كرس كل حياته و طاقاته الابداعية و مؤهلاته الاكاديمية و سمعته العلمية العالية النادرة في سبيل رقي شعبه و رفع اسم وطنه ، الذي نبذه و اجبره ان يرحل بعيدا عنه.
كان عبدالجبار عبد الله يجيد إضافة إلى العربية والآرامية اللغات الإنكليزية والفرنسية والألمانية. له العديد من النظريات العلمية وخصوصاً في مجال الأنواء الجوية حيث ينسب له الفضل الكبير في العديد من الأعمال الخاصة بفرع الأعاصير والزوابع من فيزياء الجو. وكانت انجازاته العلمية و الثقافية كبيرة في حقل اختصاصه حيث جمع بين فيزياء الجو و الرياضيات العالية جدا.نشر اكثر من ثلاثين بحثا عالميا في المجلات العلمية الكبرى المرموقة في امريكا و اوروبا باللغة الانكليزية و له العديد من المؤلفات في مجال الفيزياء والعلوم باللغة العربية.
توفي عبد الجبار عبد الله في اليوم التاسع من تموز عام 1969 في الولايات المتحدة الامريكية . نقل جثمانه الى العراق و في 13 تموز جرى له تشيع مهيب الى مثواه الاخير في مقبرة عائلته في ابي غريب بناء على وصيته.
الأحد، 19 يوليو 2015
مجلة الأدب العربي المعاصر : د غالب المسعودي ؛ فلسفة الصفر
مجلة الأدب العربي المعاصر : د غالب المسعودي ؛ فلسفة الصفر: أعترف أني لا شيء لا أحد يريدني وحدي أجلس على اليمين يتسابق الآخرون على ظلي يَقفوني كالشاة تتلاطم أمواجهم ثغورهم ملعوبة إن طويت ...
قصة قصيرة لا احد سوى الجميع-عادل كامل
قصة قصيرة
لا احد سوى الجميع
عادل كامل
عندما غادر قفصه، وجناح الطيور، والحديقة بأسرها، سرا ً، وعلى عجل، لم يخش النتائج، إن وقع في الأسر، أو بقبضة الحرس، فترك جسده للمسافة وقد رآها تمتد، إلى ما لانهاية. لكن ثمة غصة ما لم يقدر أن يعالجها، طوال غيابه، طالما عملت كما يعمل السم لا هو بالشافي، ولا هو بالقاتل. ولكنه عندما لم يعد يحتمل البقاء طويلا ً، متنقلا ً في المنافي، لم يكترث لمخاطر العودة، وما سيترتب عليها من مضاعفات، ومفاجآت.
وقف الطائر يحدق في القفص الكبير...، فتلقى أولى الصدمات: انه لم يعد يرى سوى الهيكل الحديدي، قائما ً، وثمة، داخله، توزعت مجموعة كبيرة من الصناديق الشبيهة بالأقفاص، تذكرها، بحسب أنواع الطيور: النسور في الأعلى، إلى جانب الصقور، والجوارح، وفي الوسط، توزعت أقفاص الحمام والبلابل والعصافير، بمختلف ألوانها، وأحجامها، والباقي رصف فوق الأرض، للدواجن، وللبرمائيات، وللتي فقدت قدرتها على الطيران.
ـ لا احد ...، لا احد تماما ً!
فكر، بعد أن احتوى الصدمة، بذعر مكتوم، منشغلا ً بالانتقال من ركن إلى آخر، ومن زاوية إلى أخرى...، فلم يعثر إلا على بقايا لم تساعده على فهم ما حل في الجناح، المحصن، وما إذا كانت المفترسات قد أجهزت عليها، وشنت غارة مميتة، أو تعرضت الطيور إلى اعتداء الأفاعي، أو بنات أوى، أم قد تكون هاجرت، وفرت جميعا ً...، للأسباب ذاتها التي دعته للقبول بالهزيمة، والنجاة بجلده، كما يقال، أم أن إدارة الحديقة ـ دار بباله ـ قد قامت بعمل ما كالقضاء عليها، أو بيعها، أو نقلها إلى قسم آخر، أو إنها قد تكون تعرضت إلى الإبادة الجماعية، بسبب وباء فتاك، أو بسبب كارثة أو نكبة طالما كانت تهدد مصائر الجميع بالانقراض، والزوال.
وقف يحدق في عش اللقالق، فلم ير سوى بقايا أغصان، وريش، بجواره ثمة أعشاش متناثرة للحمام، والنسور، ولطيور الماء، والبلابل، وغيرها كثير...، لا تفصح عما حدث...
كان القفص الكبير المترامي الأطراف محاطا ً بغابة من الأشجار، فراح يبحث عن طائر ما، عصفور أو حمامة...، بلا جدوى، فأغصان الأشجار تتمايل من غير اثر لطائر ما، ولا حتى ما يدل على وجود حياة لكائنات أخرى، في الأسفل، وفي باقي أجنحة الحديقة.
وكأن الصدمة ـ دار بخلده ـ كانت اشد من أن تحطمه، فسمحت له، وهو يراقب، بالبحث عن اثر....، فكر، لأنه طالما كان منشغلا ً بإعادة الحفر بما كان يروى له، من ذويه، وجيرانه، حكايات عن العصر الذهبي للجناح، يوم كان مزدهرا ً بكوكبة من أجناس شتى، متنوعة، مختلفة، تعيش بسلام، ثم تلاشت، برمشة عين، من غير أسباب واضحة، أو شافية. كان ذلك قبل تعرضهم لهجمات الحيوانات المفترسة، وما كانت تحدثه من دمار ، وتنكيل، وتخريب....، تذكر إن إدارة الحديقة، لم تبذل جهدا ً يذكر في التصدي، ومنع تلك الهجمات، برغم مطالبتهم بالحماية، بل ـ أعلن ذلك من غير تردد ـ كانت تسهم بتوفير أجواء ساعدت الفئران، والجرذان، والكلاب، وبنات أوى، والضباع في اختراق الأسلاك، والمشبكات، والحواجز، لتنقض على أعشاش الطيور في أقفاصها، بل وتطاردها من مكان إلى آخر...، حتى أدرك إن المواجهة غير متكافئة، ففر من كوة عثر عليها في السور، تاركا ً جناحيه للريح، ومصيره للمجهول.
ـ لا احد ....، حتى الإوز، والنوارس، والبجع، وطيور البحر، وعصافير الحب، والحمام الملون، والزاجل، ودجاج الماء، واللقالق....، كلها، توارت، واختفت تماما ً.
وكأنه عثر على رد يفسر اختفاء العاصمة الكبرى التي أقامها أسلافه، في الحديقة، قبل آلاف السنين، ولم تترك حتى أثرا ً لحجارتها، أو أقفاصها، أو ممراتها، أو ما تبقى من معالمها، وعلاماتها...، فراح يستعيد صوت جده يخبره عن مخلوقات لا مرئية شبيهة بما يسكن الزمن ويحركه داهمت المدينة، مع إن المعلومات المتداولة تقول إن بركانا ً ضربها، ممهدا ً الدرب لغزاة استولوا عليها، فخربوها، ومحوها من الوجود. وأيا ً كان السبب ...، فكر مع نفسه، فقد انشغل بالسؤال الذي سمح له بالعثور على إجابات غامضة، ألا وهو كيف اختفت الحديقة وغابت بالمرة...، ولم يجد طريقة تساعده كي لا يصبح ـ هو ـ جزءا ً من المعضلة، وليس حلا ً لها ...، فلقد كان منذ صغره يتتبع بحرص مراقبة العوامل في تداخلاتها، غير مصغ للتلفيات، والمواعظ، والتلقينات، والنواهي، مما أفضى به إلى نهاية كادت تودي بحياته، فاستثمر أول فرصة للنجاة، للهرب والخلاص من الملاحقات.
ـ أين انتم...؟
فتخيل أجداده، وأهله، ومعارفه ...، وتخيل الأزقة، الممرات، الغابات، الجداول، والفضاءات تنبسط قدامه، كأنها مشاهد يستعرضها في فلم ...، ثم لم يعد يرى سوى الأقفاص متآكلة، والجدران استحالت إلى أكوم أنقاض، والغابة تحولت إلى جذوع خاوية تتخللها الريح ...، فابتعد، يثب، بقفزات طائر أنهكه السفر...، باتجاه ساحل المستنقع ...، فلمح مخلفات متناثرة ممتزجة بالرمل...
ـ لا احد ...
فرفع رأسه إلى الأعلى قليلا ً: سماء صافية فقدت زرقتها...، فتذكر انه عندما ترك جسده يحّوم مبتعدا ً انه رأى اللون نفسه: بياض مشوب برائحة عفن....، فلم يسرع بالفرار كي يختزن آخر مشاهد ليحتفظ بها ذكرى للقطيعة التي ظن أنها شبيهة بالموت...، إنما ـ بعد عقود طويلة ـ وجد صعوبة بالاندماج حتى في الحدائق التي أسهم بمنحها جهدا ً كبيرا ً ولا يعوض.
بلذة غامضة اخذ نفسا ً عميقا ً لعل الروائح تعيد له الأشكال التي راح يستذكرها قبل مغادرته للحديقة...، إنما لم يجد سوى الأسوار تتقاطع تاركة الممرات تجرجره فتقدم لعله يعثر على اثر دال على الحديقة التي غادرها...، فتخيل انه سمع من يرجوه التريث، فقال بشرود:
ـ لم أكن انوي المغادرة...، والعودة....، والبحث عن ...
وراح يحدق في تراب الأرض، وعشبها الجاف: دغل ناعم شق صخرة سوداء لمحه يتمايل...
ـ أثر حياة!
حتى كاد ـ رغم تتابع الصدمات ـ يصرخ بفرحة انه عثر على: نبات.
ـ دغل...
وتلمس حافاته كأشكال لها هالات ملونة متداخلة...، فتخيل دخان منارة المحرقة، يختلط بالهواء، محدثا ً إشعاعات فاقعة اللون ذات أصداء لها أشكال انعكاسات الضوء على سطح الأمواج...، فاقترب منها: باب يترنح وآخر تحول إلى ظل.
ضرب الأرض لأجل أن لا يكون قد غطس في كابوس، مطمئنا ً انه في الممر ذاته الذي طالما عبره باتجاه البركة، حيث يمضي لحظات الفجر متأملا ً تحولات الألوان...
ـ لا تسرع...
لم يكن صوتا ً، فقد راح يميز أصوات الطيور، عن أصوات الزواحف، وعن أصوات البرمائيات، والثدييات...، واخذ يستدل، بوجود المحرقة، موقع المنصة الكبرى، وجناح الأسود، لصق جناح النمور، بجوار أقفاص القرود، والحمام.
ـ آ ...
حتى وجد مشاعره تلين، فذرف دمعة فرح سرعات ما تحولت إلى دموع بكاء. فسأل نفسه:
ـ لِم َ عدت....، أمن اجل أن أموت...؟
فوجد نفسه يرد على السؤال:
ـ لكنني كنت مت منذ غادرت....، وها أنا أولد!
عندما حاول أن يحدد إن كان مازال طيرا ً صغيرا ً بحجم عصفور أم مازال ينتسب إلى الصقور، شعر بخيبة انه ربما أصبح من الزواحف: ثقيل وبطيء وشارد الذهن:
ـ إذا فانا عدت كأنني تناولت شرابا ً يكفي لقتل فيل!
ـ هل عدت لتلبة رغبة داخلية...، وأنا كنت سمعت ما يكفي للتخلص من الخرافات...، والوعود...، فانا أصبحت أعيش خارج مدى هذه الأسوار، وهذه الأقفاص، وخارج مدى هذه الجدران.
إنما وجد ردا ً لاذعا ً سمح له باستعادة لحظات نادرة كان يحّوم فيها بين الممرات، وساحل النهر، مع رفقاء يفكرون بمستقبل الحديقة، ومصيرها.
فشعر بقوة ما تفقده الجاذبية:
ـ بالأحرى تعيدها للعمل.
ـ لا فارق يذكر...! إن كان لها وجود أو غاب وجودها...
ـ الجاذبية...؟
نظر إلى الوراء: كأن ثمة من ناداه...لا احد...، دار بخلده، معترضا ً، كأن أمي مازالت تدثرني وتحميني من البرد، أومن الذئاب.
ـ أغلق فمك كي لا تسمعك الأفعى...
وكم ود لو ظهرت أمامه واحدة من تلك الأفاعي...، تبحث عنه، فيسرع في الطيران، ساخرا ً من أسطورة خلودها.
ـ حدث الشيء نفسه، يا عزيزي...، عندما هب الإعصار شديدا ً...، ثم غمرتنا المياه، وبعدها دكت أسوار الحديقة...، ومن ثم تم هدمها بالكامل...
ـ من ...؟
ـ لا ترفع صوتك!
بحث عن الصوت فلم يجد إلا صخورا ً متناثرة، نمت بينها نباتات أبرية، ومدببة، وذات نهايات حلزونية، وأخرى لها أشواك ذات فروع متعددة؛ نباتات شبيهة بالصخور لها نهايات حادة....، فاقترب منها:
ـ ...
ـ كانت السماء مازالت تمتد ابعد من مداها...
فسأل نفسه: الوقت أضاعك أم أنت أضعته؟
ـ آ ..
تأوه بصمت، وحذر، ذلك لأنه استعاد أمتع أيام فتوته...، وأكثرها صخبا ً..، قبل أن يجد انه غدا وحيدا ً، مطاردا ً، يبحث عن ملاذ امن، خشية أن يرسل إلى السرداب، ومن ثم إلى المحرقة، كي يبلغ قناعة انه لن يفك لغز الانحدار إلى النهايات ذاتها التي محت عاصمة أعظم الحدائق من الوجود القديم.
ـ تجلد ...!
ـ وهل نفد صبري...، هل كففت عن البحث...، هل تراخيت... ووهنت...؟
ـ أنت كنت على حق...!
كاد يقفز في الهواء، بانعدام الجاذبية، وغياب الزمن، فقد تأكد له انه سمع صوتا ً ما لا مس خلاياه من الداخل...
ـ ولكنني من ذا باستطاعته أن يخبرني...، ويفسر لي، وينجدني ويوضح لي ما حدث...؟
مصغيا ً إلى آخر رد على السؤال:
ـ وما الفائدة من الحديث عن أسباب غرق السفينة، وحطامها، وما جدوى لو نطق الرماد...؟
ـ دعك من الأسى...
ما الذي يجري..، دار بخلده، ليشرد بصره إلى النباتات الصخرية ذات الحافات الحادة.. معترفا ً لنفسه:
ـ ها أنا وحيد...، مثل هذه الصخور...
ـ اقترب...، اقترب..
تاه، فلم يستطع تحديد مصدر الصوت، مرددا ً بصوت خفيض: قبل أن افلت من المطاردة، ومن الوقوع بقبضاتهم...، شعرت بهذا الإحساس أيضا ً...، لا احد له علاقة بأحد، كأن القطيعة تؤدي دورها في ...
وصرخ من غير إرادة:
ـ وجدتها...ن وجدتها!
وسأل نفسه:
ـ ماذا وجدت...؟
أجاب:
ـ عوامل اندثار عاصمتنا الحبيبة...، واختفائها من الوجود...الآن أكاد اعرف كيف تتلاشى اصلب المعادن، وتتحول أنبل الأفكار إلى غبار...
مصغيا ً إلى أصوات عويل، نباح، ثغاء، نعيب، هديل....، ترتفع ممتزجة بالاستغاثات، والرجاء، وطلب العون، النجدة، والاستغفار، والتضرع...
ـ كفى.
فهم بضرب رأسه بالحافات الحادة للصخور ذات اللون الرمادي المائل للاخضرار المحمر...، فشاهدها تبتعد. وكأنه وجد ما كان يبحث عنه:
ـ لا تخافي...، أنا هو الخائف ...، أم أنت أكثر فزعا ً مني....؟
انتظر الرد، فلم يأت:
ـ أين ذهبتم، أين تواريتم، أين ....، فانا لم اسمع بحصول كارثة، أو حرب شاملة، أو نكبة أخرى ...؟
ـ اسكت، أغلق فمك..
ـ ومتى تكلمت....، فانا أمضيت حياتي أتلقى الأوامر...، وحتى عندما بلغت نهاية الأرض لم افلح بالتخلص من .....هذا الصمت المريب...
ـ لم نختف جميعا ً...، لم ننقرض تماما ً!
ترك رأسه يتلقى ما يشبه الذبذبات:
ـ لم يتم اجتثاثنا دفعة واحدة والى الأبد...
وسمع آخر يقول:
ـ فبعد أن سرت فعاليات الإبادة، والتصفيات، والذبح...، نزت الأرض بعفن شل بطشهم، وأوقفهم عند حدهم...، وفي الوقت نفسه منعنا من الهرب...، ولا نعرف ماذا حدث بعد ذلك.....، فقد صار الكل ضد الكل، الغربان تفترس الضباع، والنمور تدافع بشراسة متصدية لهجمات الجرذان، الذئاب لم تبق حملا ً، ولا الدببة تركت سمكة في المستنقع، الصقور شنت حربا ً ضروسا ً ضد الأرانب والماعز والجاموس، التماسيح استولت على اليابسة فلم تترك ثورا ً ولا غزالا ً ولا زرافة ولا دابة...، الأفاعي ابتلعت كل ما صادفها، العقارب لدغت كل من كان فيه نفس...، فقلنا: هذه هي نهايتنا.
ـ ومر ليل طويل طويل طويل انتهى بفجر اسود...، حيث زحفت مخلوقات لا أشكال لها التهمت كل ما تبقى وكل من نجا وراحت تفترسه ...، فعمت الفوضى وساد عصر دخل الليل في مغارته، وولى النهار مستنجدا ً بالظلمات، حتى أصبحنا كالعميان احدنا يستدل بالآخر...
ـ وهبت ريح حمراء أعقبتها أخرى سوداء حتى انعدمت الرؤية...، فتكوم الموتى فوق الموتى، قبل أن يبدأ سفر النهب والسلب والحرق، حيث نهبت الأقفاص، والأجنحة، وكل ما عثروا عليه في الزرائب والحظائر والجحور، فلم يبق مكان إلا وتم تدنسيه...، ثم اقتلعوا الأشجار، وهدموا الأنصاب والمنصات والتماثيل، ونهبوا كنوزنا ...
ـ من انتم...؟
ـ وهل نستطيع أن نعرف من نحن، وما الذي تبقى منا...؟
ـ أنا أتحدث إلى زعيمكم...؟
ـ ها أنت تتحدث إلى بقايا ريش، وبقايا عظام، وبقايا روح ملتاعة!
ـ لكنك لم تعد تخشاني، بل أراك تحذرني...؟
ـ آ ...، أيها الطيب ... لماذا فعلتها...؟
ـ أكان علي ّ أن لا اهرب...، وأنت لا تعرف من كان يسلخ جلد الآخر، هل الجار أم الغريب أم الصديق أم أهل البيت الواحد، ومن كان يفترس الآخر، حتى أصبحنا نجهل من بذر تلك البذرة وحولتنا إلى حفنة أشرار يتلهى الواحد منا بالآخر...، أم كان هو القدر قدر له أن لا يتراجع ..، وان لا يتريث...، كي تطلب مني أن لا اهرب وادع جسدي يرمى مع الجثث ليتعفن مع الفضلات فوق أكداس القمامة...؟
ـ .....
ـ أم انك قصدك أن لا أنجو أصلا ً ....، بعد زحف الموت عليكم، وعمّ الخراب...؟
ـ ....
ـ أم كان علي ّ أن أتضامن مع فريق من فرق القتل ضد آخر منشغلا ً بالنجاة على حساب دماء بريئة اسفكها بدافع الفوز والاحتفال بالنصر...؟
ـ ....
ـ آ ....، ها أنا لا أرى إلا الضباب يحك جلده بالتراب ممتزجا ً بالفراغات....، لا أرى سوى السراب يتموج مبتعدا ً ومقتربا ً وكأنه يمحو نفسه بنفسه...، فالكل هلك...، المنتصر قبل الخاسر، والخاسر قبل المنتصر....
ـ ...
ـ أم انك ستقول لي: هذه هي اللعبة...، لا حياد ولا عدل ولا صواب فيها....، فالماكر يفطس بأنياب الأكثر مكرا ً، ولا قوي إلا وهناك من هو أقوى منه، لترى في النهاية إن الليل اختلط بالنهار، والأخير رقد في أقاصيه المظلمة.....، فالمغوار يجد من يمحقه، والأشرس يجد من يذله، والأضعف يجد اوهن منه يهرب منه ليوقعه في كمينه...، لأنها لعبة كمائن...، وليست لعبة عقول شفافة! لأنها، يا بقايا الريش، ويا حفنة الرماد، مثل رواية يرويها بغل محاصر بين الخيول والحمير!
ووجد نفسه يقهقه من غير إرادة:
ـ حتى وأنا اقترب من هذا الفراغ...، سمعت احد القتلة يقول لي: ماذا تفعل أيها المخبر....؟ فتذكرت إنني طالما احتميت به، ليخلصني من قنفذ كلف بالرصد، ومن ذئب صار يؤدي دور الكلاب، ومن صقر أوكلت له مهمة رصد أصوات البلبل والعصافير! فقلت له: أأنا الذي كان شعاره اقض عليهم قبل أن يقضوا علينا؟ لكنه لوح بأنيابه، ومخالبه، فلذت بالفرار.....، حتى أصبحت الدنيا بما رحبت مساحة بحدود حبة خردل!
ـ ... آ ...، أيها الطيب، لا تكترث، فالفضاء غدا خليطا ً من أنفاسنا، فهل تقدر أن تميز أصوات الثكالى عن زمجرات القتلة، وتميز بين عويل الأرامل عن أناشيد مزهقي الأرواح....، فالهواء مقبرة أبدية!
كاد يفقد وعيه، ولكنه مكث يبحث عن مصدر الصوت:
ـ أرجوك، أود أن أراك...؟
لكنه راح يستنشق رائحة ندية فكف عن الأسئلة، مصغيا ً للآخر:
ـ وهل لدي ّ قدرة معرفة من أكون...؛ كي أخبرك...؛ فهل أنا غراب أم بلبل، هل أنا نسر أم عصفور، هل أنا حمامة أم بوم...، أم أنا لا اقدر حتى على معرفة إذا ما كنت طيفا ً أم شبحا ً...، أم أنا الظل الذي راح يبحث عن ملاذ كي ينهشه الضوء..؟
ـ ما الذي حل بكم يا أهلي...؟
ـ كأنك تتجاهل ما الذي حل بك...؟
ـ أنا وجدت المسافات تأخذني فقلت: اذهب معها....
ـ وما الذي جنيته غير تخليك عنا...؟
ـ أنا لم أتخل عنكم...، فانا لم استبدل الجحيم بالفردوس، والخوف بالأمان... لأنني مازالت اجهل لماذا هربت...، ولماذا لذت بالفرار....؟
ـ ها أنت تعترف انك لم تختر هزيمتك بالنجاة...، وإلا لماذا عدت ... إلينا؟
ـ إليكم... أين انتم..؟
ـ ها أنت تدرك أن ما حل بنا لا يستحق أن يروى...
ـ أنا اجهل ما حل بكم....!
ـ صحيح...، لأنك تجهل ما حل بك، وما صرت عليه..؟
ـ اخبرني أيها الزعيم المجهول أأنت هو الموت...؟
ـ لا!
ـ أأنت هو من فعل بشعبي هذه الفعلة الشنيعة...؟
ـ لا!
ـ من أنت إذا ً ...؟
ـ إذا كنت نجوت إلى حين...، فانا لذت بالموت!
ـ وهل هناك نجاة منه...؟
ـ هذا ما قاله جدك لنا...
ـ وماذا قال..؟
ـ مت كي لا تموت! بدل أن تبقى تحمل هزيمتك في المنافي...؟
ـ لكن ما الأرض سوى دار خربة، نولد فيها لنظن إننا عثرنا على ما نبحث عنه، أو أضعناه...، ثم نكتشف إننا أضعنا ما ليس لنا!
ـ آ...، لماذا عدت إذا ً...؟
ـ لو كنت اعرف لقلت لك: جئت أموت في الرحم الذي خرجت منه!
ـ لكنك لم تخرج من الرحم، ولا من الأرض، بل خرجت من الذي ستعود إليه...، فالكون اللا محدود هو مأواك..؟
ـ أين هو هذا الكون اللا محدود...؟
ـ لا تبحث عنه..، لأنك ما أن تعثر عليه حتى تفقده!
ـ آ .....، يا سيدي، إن نجوت من العقارب فلن تنجوا من البرغوث، وإن نجوت من الموت فلن تكون الحياة سوى قفصه! وإن نجوت من الذئاب فلن تنجوا من الأفاعي...، وإن نجوت من الشر فان الخلاص سيساومك ويخبرك: أما أن تكون الشرير اللص الماكر المفترس الفاسد الزاني مرتبك الكبائر ومرتكب الأكبر منها، وأما أن تمضي حياتك تبحث عن حفرة فلا تجدها....، وما أن تجدها حتى تجد إنها تحولت إلى قبر...، وما أن تسكنه حتى تطرد منه! فهي حروب موتى...، يا سيدي!
ـ أفقدت عقلك..؟
ـ آ ...، انه رأسي، كلما تحسسته وجدته يتدلى!
ـ أتعرف لماذا...؟
ـ لا اعرف.
ـ ها أنت أجبت!
ـ لأنني ولدت ضحية...؟
ـ بل لأنك اخترت أن تنوح على الضحايا، وليس على نفسك!
ـ أين أولي... والطرق كلها ضاقت..، أين أولي والكل ضحايا ؟
ـ لن تقدر أن تذهب ابعد من مداك...، فما عليك إلا أن تكتم السر!
ـ أي سر...؟
ـ انك قهرت من سعى إلى قهرك!
ـ أنا لم اسع لقهر احد...، فالذي أراد محوي كان أعمى...، وإلا هل هناك من كان يمشي في دروب الظلمات لو كان يمتلك قليلا ً من البصر...، هل سمعت أن هناك من يختار جهنم طواعية تاركا ً النعيم والجنان أم لأنه عليل واهن العقل قليل الحيلة جاهل أو اقل من ذلك...؟
ـ تبدو حكايتنا بلغت ذروتها...، فالحديقة في الأصل خرجت من الظلمات، وما نحن إلا أحفاد أسلافنا الذين انحدروا من عفن السواحل.....، يوم كان اللا محدود لم يظهر شره أو ما هو أقسى من ذلك، وعندما كانت الرحمة خالصة!
ـ ألا يوجد ممر لنجاتنا، وليس لنجاتي، فماذا افعل في حديقة خالية منا.. ؟
ـ هو الممر الذي ستبقى تبحث عنه..، وما أن تعثر عليه إلا كي يستدعيك للذهاب بعيدا ً فيه...
ـ اكرر، سيدي، أريد أن أراك.
ـ لن تقدر أن تراني...، ولكن ما عليك إلا أن تعيد النظر في هذه الصخور...، وتبصر ما بينها.
ـ لا أرى شيئا ً عدا النباتات ذات الحافات الحادة، الإبر، والأشواك، كأنها النبال...؟
ـ آ...، اقترب منها...
ـ ها أنا اقترب ... حتى أكاد افقد الأمل في رؤية ما تريدني أن أراه...
ـ إن كنت تعتقد انك فقدت الأمل بالعثور علينا...، وعلى هذا الذي ينمو ما بين الصخور، وفي اصلب المعادن، وقد مد جذوره في الأعماق...، فعد من حيث أتيت...
استعاد رائحة الأصوات تحاصره عند نهاية الممر...، قدام المستنقع، ولكنه لم يستغث، ولم يصرخ. فاختبأ في عش مهدم، متذكرا ً، إنهم مازالوا خلفه، لا يكلون عن رصد بقايا رفيف جناحيه...، ولكنهم انشغلوا بأخر لم يستطع الفرار...، والنجاة من مخالبهم، وأنيابهم...، سمعه يتأوه، يتألم، يستنجد، ويتضرع: لا تقتلوني. فود لو صرخ فيه: لا تمنحهم نشوة الانتصار! مت ودع صوتك يدوي داخل رؤوسهم الجوفاء. سمعه يتلعثم، ويهذي:
ـ أنا اختبأت داخل لون الأشجار، والورود، حتى لم يعد يراني احد...، صرت بلون البراعم ...، والرذاذ.
ـ ...
ـ ولكنهم لم يتركوا الضحية إلا وهو ملقى يحدق في زرقة السماء. قلت له: إنها تسمعك! فخفت أن يرصدوا صوتي وهو يحك حافاته داخل راسي..، فأغلقت فمي وقلت: السماء ترى!
ـ ....
ـ فلم يبق أمامي إلا أن أكون بحماية المجهول....، فطرت، مع إحساسي بوجود رصاصة ما ترصد جسدي النحيل...آ ....، كأن القتلة ليسوا إلا تلك الجرثومة التي تجعل الأمل فراغا ً، وهما ً، وحفنة فضلات!
سمع همهمة شبيهة بالصوت:
ـ ها أنت ترانا !
ـ لم يغب العش عني، ولا أغصان الأشجار، ولا الممرات...، لم تغب الغابة ولا ضفاف النهر، لم انس رذاذ المطر يلامس أحلامي أثناء العودة من المدرسة إلى البيت....آ ...، سألت نفسي: لماذا يفعلون ذلك...، من أمرهم...، وماذا سيربحون غير ذهابنا جميعا ًمع الريح، والرمال...؟
ـ ....
ـ ولكن أين هم...، القتلة... الآن، وقد غابوا وذهب زمنهم...؟
ـ ها أنت تبصر!
ـ لقد أصبحت أعمى... بعد أن غرقت السفينة، ولم ينج احد من الطوفان...، وأنا الآن اهبط إلى القاع..!
ـ انك معنا...، نراك وترانا، لأنك كنت كلما ابتعدت عنا كنت تحفر جذرك فينا...، معنا، فالأمل ليس أن تحصل على ما كنت تريد...، بل أن لا تفقده وأنت تراه يغيب...!
ـ عدت أتذكر ما حصل لي...، سيدي: فها أنا اسمع من يهمس في ّ: انج بريشك! كاتما صوتي حتى لم يعد لدي ّ وجود يلفت أنظارهم، وحواسهم المتوثبة. لكنني كنت أتابع كيف أوقعوا جاري بالمصيدة، فأمرته بحواسي العليا ألا يفتح فمه. فذبحوه ولم ينطق بكلمة. وجاءوا برأس فأر وحشروه داخل جوفه، وقطعوا رأسه ووضعوها داخل جوف الفأر. لكن جاري طار بجثمان فأر، والفأر حوم بجناحي صقر...، وكلاهما ارتفع إلى أعلى عليين...، فانشقت السماء، كي يغيبان بعيدا ًعن فوهات المطاردين، وبعيدا ً عن نبالهم ذات الدمار الناعم!
ـ ...
ـ هل كان علي ّ أن أجد حديقة أخرى أموت فيها بهدوء...، كما تموت النباتات ما بين الصخور، تحت أشعة الشمس الحارقة...، أم أموت حرقا ً، أو تقطيعا ً، أو أذوّب بالأحواض، أو أمزق، أو ألقى إلى نار المحرقة، أم أرى جثماني يتعفن بجوار الأبرياء مع النفايات في المزابل....، في هذه الحديقة التي لا اعرف هل أنا هو من اختار الولادة فيها أم هي التي اختارتني وقررت لي نهاية لا تليق حتى بالقمل، أو بالبعوض، أو حتى بالصراصير...؟
ولم يعد يسمع أو يستنشق أو يرى أو يشعر بشيء، فدار حول نفسه دورة كاملة:
ـ لا تتركني ...، فانا عشت وحيدا ً...، انتقل من حديقة إلى أخرى...، وها أنا أعود إلى المكان الذي نبذني، طردني...، وسعى لدفني وأنا في مقتبل العمر...، المكان الذي كاد يقضي علي ! ...ولكن ماذا افعل ببلاد أنا غريب عنها، مثلما هي غريبة عني...، حتى لو سمحت لي بالرقص..؟
ـ آ ...
سمع ما يشبه التأوه، والحسرة:
ـ ليس لدي ما أخشى خسرانه، وفقدانه...
ـ سيدي...، أخبرتك بما اعرف ولا ضرورة للإعادة، والتكرار...، فلا جديد باستطاعته أن يغوينا بالانتظار...، فالقديم أقدم من أن يكون قديما ً!
ـ آ ....، لم يعد لديك ما تخسره...، لأنك لو كنت تمتلك الذي لا يمكن فقدانه لعرفت انك...
ـ انطق، أرجوك... فانا أريد أن اعرف أين ذهب جدي، وأين ذهبت عائلتي، وأين هم صحبي، وأين هي حديقتنا....؟
ـ لقد أخبرتك بالحقيقة كاملة!
تاه بصره متنقلا ًبين بقايا الأقفاص، الجدران، الأطلال، وأكوام النفايات، ألقى المبعثرة، والحيطان المتهالكة، بأسى منعه من النطق.
ـ هذه هي الحقيقة...!
ـ ....
ـ فقد تم القضاء علينا، بهدوء، بهدوء...، وبصخب هادي، بهدوء.... بهدوء تام...
ـ ....
ـ بهدوء... بهدوء...عبر سنوات غيابك، حيث كنا نتذوق ما كان يحدث بمعرفة أغلقت علينا أبواب النجاة، لكنها لم تقض علينا...، ولكن الجديد ـ كما قلت ـ ليس إلا ما كان قد تم استهلاكه، حتى غدا بلا اثر، لا في ماضيه ولا في قابل الأيام...، فالحديقة ـ ككل هذا الذي تراه ـ طيفا ً أو شبحا ً ـ أقدم من يكون قديما ً...، فزمن الحديقة أقدم من الزمن!
وجد فمه ينطق من غير إرادة، ومن غير حذر، وبلا تردد:
ـ والآن... أرجوك...، اخبرني ... أرجوك... أم علي ّ أن أتضرع، واستنجد، وانحني، واستعطفك ...؟
ـ لا ... لا تتضرع، ولا تستنجد..، ولا تنحني... فانا سأخبرك...، فبعد أن لذت بالفرار...، ونجوت، جاعلا ً من الهزيمة خلاصا ً، ومن الهرب نصرا ً...، جرت التصفيات بأساليب لا تعد ولا تحصى، ملونة بأكثر الألوان تنوعا ً، وغرابة، فهناك من أرسل إلى المحرقة، وهناك من ترك يتعفن في قفصه، وهناك من ترك في العراء...، هناك من دفن حيا ً في الجحور وهناك من قتل وحشر مع المجهولين في المدافن الجماعية، من غير علامة أو اسم، ثم أقيمت الاحتفالات...، فالكل ضد الكل، حتى أصبحنا شرذمة لا مأوى لها هاربين من مخالب الموت، وأنيابه...
ـ وماذا جرى بعد ذلك...؟
ـ جدك وجد الحل...، فقد عثر على مفتاح اللغز ذاته الذي عثر عليه جدنا الأعظم....، بعد أن نجونا من الطوفان...
ـ آه ...، عدنا إلى السفينة...؟
ـ لا...، لأن السفينة غرقت، وهلك من كان عليها!
ـ وماذا وجد جدنا الأعظم ...؟
ـ لم يجد شيئا ً!
ـ أيها المخلوق المجهول، أيها الظل، يا حفنة الهواء ...، لم يبق لدي ّ إلا أن ... ارحل!
ـ وأين ستذهب...، بعد أن أقاموا الأسوار...، وأغلقوا أبواب الحديقة علينا...؟
ـ سأصعد وحيدا ً إلى السماء!
ـ وحيدا ً... وحيدا ً .. وحيدا ً...؟
ـ لم يبق لدي ّ إلا هذا الذي تركته الحياة لي: اثر ليس له اثر، ظل يتعثر بغياب ظله، ومثل نور تجمعت فيه ظلمات الأكوان وما قبلها وما بعدها، فانا أصبحت وحيدا ً مع وحدتي! بل وأنا أصبحت وحيدا ً من غيرها أيضا ً!
وفجأة بدأ بالضحك:
ـ لكن أنت معي...، لكن من أنت، يا حفنة الأثير، وأنا لا اعرف من تكون...؟
ـ آ ...، أنا ... هو جدك الأعظم...! أنا هو آخر حفيد من أحفادك...، أنا هو هذا النبات الذي يشاركك مصيرك...، أنا هو من يدّب هنا، فوق الرمل، وما بين الحجارة، وأنا هو من يسري في دمك، وقد سكنك!
ـ آ ....، تحولتم إلى دغل، إلى إعشاب صخرية، إلى نباتات لا مرئية، والى حشائش.....؟ ـ آ ...، آه... يا شعبي العنيد القدر نفسه أصبح يتعثر وهو ينسج حكايته!
ـ لا تظن إنها محض هزيمة...! فلو وجدت الهزيمة قبل وجودنا لكنا ـ وأنت معنا ـ لا مفر من اختراعا، ولا مناص من اختيارها!
ـ آ ... من هزم من.. ومن انتصر إذا ً ...، من اندحر ومن نجا...، من كان على صواب ومن كان على باطل...؟
ـ لا أحد ... لا احد انتصر؟ فليس باستطاعة احد أن يهزم هذا الذي وجد ابعد من الهزيمة والنصر، ابعد من العثرات، وأعمق من المحو...، وأكثر استحالة على الفناء أن يفنيه!
لم يقدر إلا أن يستنشق الضوء، فترك فمه يغيب، محوّما ً في الفضاء، وهو يلامس اللا زمن يتموج من حوله، قدامه وخلفه، في الأعلى وفي الأسفل، ذرات لها أشكال عرفها، وما أن تحسسها حتى وجد انه لم يعد يفكر بالبحث عن آخر، أو عن نفسه!
Az4445363@gmail.com
18 تموز 2015
لا احد سوى الجميع
عادل كامل
عندما غادر قفصه، وجناح الطيور، والحديقة بأسرها، سرا ً، وعلى عجل، لم يخش النتائج، إن وقع في الأسر، أو بقبضة الحرس، فترك جسده للمسافة وقد رآها تمتد، إلى ما لانهاية. لكن ثمة غصة ما لم يقدر أن يعالجها، طوال غيابه، طالما عملت كما يعمل السم لا هو بالشافي، ولا هو بالقاتل. ولكنه عندما لم يعد يحتمل البقاء طويلا ً، متنقلا ً في المنافي، لم يكترث لمخاطر العودة، وما سيترتب عليها من مضاعفات، ومفاجآت.
وقف الطائر يحدق في القفص الكبير...، فتلقى أولى الصدمات: انه لم يعد يرى سوى الهيكل الحديدي، قائما ً، وثمة، داخله، توزعت مجموعة كبيرة من الصناديق الشبيهة بالأقفاص، تذكرها، بحسب أنواع الطيور: النسور في الأعلى، إلى جانب الصقور، والجوارح، وفي الوسط، توزعت أقفاص الحمام والبلابل والعصافير، بمختلف ألوانها، وأحجامها، والباقي رصف فوق الأرض، للدواجن، وللبرمائيات، وللتي فقدت قدرتها على الطيران.
ـ لا احد ...، لا احد تماما ً!
فكر، بعد أن احتوى الصدمة، بذعر مكتوم، منشغلا ً بالانتقال من ركن إلى آخر، ومن زاوية إلى أخرى...، فلم يعثر إلا على بقايا لم تساعده على فهم ما حل في الجناح، المحصن، وما إذا كانت المفترسات قد أجهزت عليها، وشنت غارة مميتة، أو تعرضت الطيور إلى اعتداء الأفاعي، أو بنات أوى، أم قد تكون هاجرت، وفرت جميعا ً...، للأسباب ذاتها التي دعته للقبول بالهزيمة، والنجاة بجلده، كما يقال، أم أن إدارة الحديقة ـ دار بباله ـ قد قامت بعمل ما كالقضاء عليها، أو بيعها، أو نقلها إلى قسم آخر، أو إنها قد تكون تعرضت إلى الإبادة الجماعية، بسبب وباء فتاك، أو بسبب كارثة أو نكبة طالما كانت تهدد مصائر الجميع بالانقراض، والزوال.
وقف يحدق في عش اللقالق، فلم ير سوى بقايا أغصان، وريش، بجواره ثمة أعشاش متناثرة للحمام، والنسور، ولطيور الماء، والبلابل، وغيرها كثير...، لا تفصح عما حدث...
كان القفص الكبير المترامي الأطراف محاطا ً بغابة من الأشجار، فراح يبحث عن طائر ما، عصفور أو حمامة...، بلا جدوى، فأغصان الأشجار تتمايل من غير اثر لطائر ما، ولا حتى ما يدل على وجود حياة لكائنات أخرى، في الأسفل، وفي باقي أجنحة الحديقة.
وكأن الصدمة ـ دار بخلده ـ كانت اشد من أن تحطمه، فسمحت له، وهو يراقب، بالبحث عن اثر....، فكر، لأنه طالما كان منشغلا ً بإعادة الحفر بما كان يروى له، من ذويه، وجيرانه، حكايات عن العصر الذهبي للجناح، يوم كان مزدهرا ً بكوكبة من أجناس شتى، متنوعة، مختلفة، تعيش بسلام، ثم تلاشت، برمشة عين، من غير أسباب واضحة، أو شافية. كان ذلك قبل تعرضهم لهجمات الحيوانات المفترسة، وما كانت تحدثه من دمار ، وتنكيل، وتخريب....، تذكر إن إدارة الحديقة، لم تبذل جهدا ً يذكر في التصدي، ومنع تلك الهجمات، برغم مطالبتهم بالحماية، بل ـ أعلن ذلك من غير تردد ـ كانت تسهم بتوفير أجواء ساعدت الفئران، والجرذان، والكلاب، وبنات أوى، والضباع في اختراق الأسلاك، والمشبكات، والحواجز، لتنقض على أعشاش الطيور في أقفاصها، بل وتطاردها من مكان إلى آخر...، حتى أدرك إن المواجهة غير متكافئة، ففر من كوة عثر عليها في السور، تاركا ً جناحيه للريح، ومصيره للمجهول.
ـ لا احد ....، حتى الإوز، والنوارس، والبجع، وطيور البحر، وعصافير الحب، والحمام الملون، والزاجل، ودجاج الماء، واللقالق....، كلها، توارت، واختفت تماما ً.
وكأنه عثر على رد يفسر اختفاء العاصمة الكبرى التي أقامها أسلافه، في الحديقة، قبل آلاف السنين، ولم تترك حتى أثرا ً لحجارتها، أو أقفاصها، أو ممراتها، أو ما تبقى من معالمها، وعلاماتها...، فراح يستعيد صوت جده يخبره عن مخلوقات لا مرئية شبيهة بما يسكن الزمن ويحركه داهمت المدينة، مع إن المعلومات المتداولة تقول إن بركانا ً ضربها، ممهدا ً الدرب لغزاة استولوا عليها، فخربوها، ومحوها من الوجود. وأيا ً كان السبب ...، فكر مع نفسه، فقد انشغل بالسؤال الذي سمح له بالعثور على إجابات غامضة، ألا وهو كيف اختفت الحديقة وغابت بالمرة...، ولم يجد طريقة تساعده كي لا يصبح ـ هو ـ جزءا ً من المعضلة، وليس حلا ً لها ...، فلقد كان منذ صغره يتتبع بحرص مراقبة العوامل في تداخلاتها، غير مصغ للتلفيات، والمواعظ، والتلقينات، والنواهي، مما أفضى به إلى نهاية كادت تودي بحياته، فاستثمر أول فرصة للنجاة، للهرب والخلاص من الملاحقات.
ـ أين انتم...؟
فتخيل أجداده، وأهله، ومعارفه ...، وتخيل الأزقة، الممرات، الغابات، الجداول، والفضاءات تنبسط قدامه، كأنها مشاهد يستعرضها في فلم ...، ثم لم يعد يرى سوى الأقفاص متآكلة، والجدران استحالت إلى أكوم أنقاض، والغابة تحولت إلى جذوع خاوية تتخللها الريح ...، فابتعد، يثب، بقفزات طائر أنهكه السفر...، باتجاه ساحل المستنقع ...، فلمح مخلفات متناثرة ممتزجة بالرمل...
ـ لا احد ...
فرفع رأسه إلى الأعلى قليلا ً: سماء صافية فقدت زرقتها...، فتذكر انه عندما ترك جسده يحّوم مبتعدا ً انه رأى اللون نفسه: بياض مشوب برائحة عفن....، فلم يسرع بالفرار كي يختزن آخر مشاهد ليحتفظ بها ذكرى للقطيعة التي ظن أنها شبيهة بالموت...، إنما ـ بعد عقود طويلة ـ وجد صعوبة بالاندماج حتى في الحدائق التي أسهم بمنحها جهدا ً كبيرا ً ولا يعوض.
بلذة غامضة اخذ نفسا ً عميقا ً لعل الروائح تعيد له الأشكال التي راح يستذكرها قبل مغادرته للحديقة...، إنما لم يجد سوى الأسوار تتقاطع تاركة الممرات تجرجره فتقدم لعله يعثر على اثر دال على الحديقة التي غادرها...، فتخيل انه سمع من يرجوه التريث، فقال بشرود:
ـ لم أكن انوي المغادرة...، والعودة....، والبحث عن ...
وراح يحدق في تراب الأرض، وعشبها الجاف: دغل ناعم شق صخرة سوداء لمحه يتمايل...
ـ أثر حياة!
حتى كاد ـ رغم تتابع الصدمات ـ يصرخ بفرحة انه عثر على: نبات.
ـ دغل...
وتلمس حافاته كأشكال لها هالات ملونة متداخلة...، فتخيل دخان منارة المحرقة، يختلط بالهواء، محدثا ً إشعاعات فاقعة اللون ذات أصداء لها أشكال انعكاسات الضوء على سطح الأمواج...، فاقترب منها: باب يترنح وآخر تحول إلى ظل.
ضرب الأرض لأجل أن لا يكون قد غطس في كابوس، مطمئنا ً انه في الممر ذاته الذي طالما عبره باتجاه البركة، حيث يمضي لحظات الفجر متأملا ً تحولات الألوان...
ـ لا تسرع...
لم يكن صوتا ً، فقد راح يميز أصوات الطيور، عن أصوات الزواحف، وعن أصوات البرمائيات، والثدييات...، واخذ يستدل، بوجود المحرقة، موقع المنصة الكبرى، وجناح الأسود، لصق جناح النمور، بجوار أقفاص القرود، والحمام.
ـ آ ...
حتى وجد مشاعره تلين، فذرف دمعة فرح سرعات ما تحولت إلى دموع بكاء. فسأل نفسه:
ـ لِم َ عدت....، أمن اجل أن أموت...؟
فوجد نفسه يرد على السؤال:
ـ لكنني كنت مت منذ غادرت....، وها أنا أولد!
عندما حاول أن يحدد إن كان مازال طيرا ً صغيرا ً بحجم عصفور أم مازال ينتسب إلى الصقور، شعر بخيبة انه ربما أصبح من الزواحف: ثقيل وبطيء وشارد الذهن:
ـ إذا فانا عدت كأنني تناولت شرابا ً يكفي لقتل فيل!
ـ هل عدت لتلبة رغبة داخلية...، وأنا كنت سمعت ما يكفي للتخلص من الخرافات...، والوعود...، فانا أصبحت أعيش خارج مدى هذه الأسوار، وهذه الأقفاص، وخارج مدى هذه الجدران.
إنما وجد ردا ً لاذعا ً سمح له باستعادة لحظات نادرة كان يحّوم فيها بين الممرات، وساحل النهر، مع رفقاء يفكرون بمستقبل الحديقة، ومصيرها.
فشعر بقوة ما تفقده الجاذبية:
ـ بالأحرى تعيدها للعمل.
ـ لا فارق يذكر...! إن كان لها وجود أو غاب وجودها...
ـ الجاذبية...؟
نظر إلى الوراء: كأن ثمة من ناداه...لا احد...، دار بخلده، معترضا ً، كأن أمي مازالت تدثرني وتحميني من البرد، أومن الذئاب.
ـ أغلق فمك كي لا تسمعك الأفعى...
وكم ود لو ظهرت أمامه واحدة من تلك الأفاعي...، تبحث عنه، فيسرع في الطيران، ساخرا ً من أسطورة خلودها.
ـ حدث الشيء نفسه، يا عزيزي...، عندما هب الإعصار شديدا ً...، ثم غمرتنا المياه، وبعدها دكت أسوار الحديقة...، ومن ثم تم هدمها بالكامل...
ـ من ...؟
ـ لا ترفع صوتك!
بحث عن الصوت فلم يجد إلا صخورا ً متناثرة، نمت بينها نباتات أبرية، ومدببة، وذات نهايات حلزونية، وأخرى لها أشواك ذات فروع متعددة؛ نباتات شبيهة بالصخور لها نهايات حادة....، فاقترب منها:
ـ ...
ـ كانت السماء مازالت تمتد ابعد من مداها...
فسأل نفسه: الوقت أضاعك أم أنت أضعته؟
ـ آ ..
تأوه بصمت، وحذر، ذلك لأنه استعاد أمتع أيام فتوته...، وأكثرها صخبا ً..، قبل أن يجد انه غدا وحيدا ً، مطاردا ً، يبحث عن ملاذ امن، خشية أن يرسل إلى السرداب، ومن ثم إلى المحرقة، كي يبلغ قناعة انه لن يفك لغز الانحدار إلى النهايات ذاتها التي محت عاصمة أعظم الحدائق من الوجود القديم.
ـ تجلد ...!
ـ وهل نفد صبري...، هل كففت عن البحث...، هل تراخيت... ووهنت...؟
ـ أنت كنت على حق...!
كاد يقفز في الهواء، بانعدام الجاذبية، وغياب الزمن، فقد تأكد له انه سمع صوتا ً ما لا مس خلاياه من الداخل...
ـ ولكنني من ذا باستطاعته أن يخبرني...، ويفسر لي، وينجدني ويوضح لي ما حدث...؟
مصغيا ً إلى آخر رد على السؤال:
ـ وما الفائدة من الحديث عن أسباب غرق السفينة، وحطامها، وما جدوى لو نطق الرماد...؟
ـ دعك من الأسى...
ما الذي يجري..، دار بخلده، ليشرد بصره إلى النباتات الصخرية ذات الحافات الحادة.. معترفا ً لنفسه:
ـ ها أنا وحيد...، مثل هذه الصخور...
ـ اقترب...، اقترب..
تاه، فلم يستطع تحديد مصدر الصوت، مرددا ً بصوت خفيض: قبل أن افلت من المطاردة، ومن الوقوع بقبضاتهم...، شعرت بهذا الإحساس أيضا ً...، لا احد له علاقة بأحد، كأن القطيعة تؤدي دورها في ...
وصرخ من غير إرادة:
ـ وجدتها...ن وجدتها!
وسأل نفسه:
ـ ماذا وجدت...؟
أجاب:
ـ عوامل اندثار عاصمتنا الحبيبة...، واختفائها من الوجود...الآن أكاد اعرف كيف تتلاشى اصلب المعادن، وتتحول أنبل الأفكار إلى غبار...
مصغيا ً إلى أصوات عويل، نباح، ثغاء، نعيب، هديل....، ترتفع ممتزجة بالاستغاثات، والرجاء، وطلب العون، النجدة، والاستغفار، والتضرع...
ـ كفى.
فهم بضرب رأسه بالحافات الحادة للصخور ذات اللون الرمادي المائل للاخضرار المحمر...، فشاهدها تبتعد. وكأنه وجد ما كان يبحث عنه:
ـ لا تخافي...، أنا هو الخائف ...، أم أنت أكثر فزعا ً مني....؟
انتظر الرد، فلم يأت:
ـ أين ذهبتم، أين تواريتم، أين ....، فانا لم اسمع بحصول كارثة، أو حرب شاملة، أو نكبة أخرى ...؟
ـ اسكت، أغلق فمك..
ـ ومتى تكلمت....، فانا أمضيت حياتي أتلقى الأوامر...، وحتى عندما بلغت نهاية الأرض لم افلح بالتخلص من .....هذا الصمت المريب...
ـ لم نختف جميعا ً...، لم ننقرض تماما ً!
ترك رأسه يتلقى ما يشبه الذبذبات:
ـ لم يتم اجتثاثنا دفعة واحدة والى الأبد...
وسمع آخر يقول:
ـ فبعد أن سرت فعاليات الإبادة، والتصفيات، والذبح...، نزت الأرض بعفن شل بطشهم، وأوقفهم عند حدهم...، وفي الوقت نفسه منعنا من الهرب...، ولا نعرف ماذا حدث بعد ذلك.....، فقد صار الكل ضد الكل، الغربان تفترس الضباع، والنمور تدافع بشراسة متصدية لهجمات الجرذان، الذئاب لم تبق حملا ً، ولا الدببة تركت سمكة في المستنقع، الصقور شنت حربا ً ضروسا ً ضد الأرانب والماعز والجاموس، التماسيح استولت على اليابسة فلم تترك ثورا ً ولا غزالا ً ولا زرافة ولا دابة...، الأفاعي ابتلعت كل ما صادفها، العقارب لدغت كل من كان فيه نفس...، فقلنا: هذه هي نهايتنا.
ـ ومر ليل طويل طويل طويل انتهى بفجر اسود...، حيث زحفت مخلوقات لا أشكال لها التهمت كل ما تبقى وكل من نجا وراحت تفترسه ...، فعمت الفوضى وساد عصر دخل الليل في مغارته، وولى النهار مستنجدا ً بالظلمات، حتى أصبحنا كالعميان احدنا يستدل بالآخر...
ـ وهبت ريح حمراء أعقبتها أخرى سوداء حتى انعدمت الرؤية...، فتكوم الموتى فوق الموتى، قبل أن يبدأ سفر النهب والسلب والحرق، حيث نهبت الأقفاص، والأجنحة، وكل ما عثروا عليه في الزرائب والحظائر والجحور، فلم يبق مكان إلا وتم تدنسيه...، ثم اقتلعوا الأشجار، وهدموا الأنصاب والمنصات والتماثيل، ونهبوا كنوزنا ...
ـ من انتم...؟
ـ وهل نستطيع أن نعرف من نحن، وما الذي تبقى منا...؟
ـ أنا أتحدث إلى زعيمكم...؟
ـ ها أنت تتحدث إلى بقايا ريش، وبقايا عظام، وبقايا روح ملتاعة!
ـ لكنك لم تعد تخشاني، بل أراك تحذرني...؟
ـ آ ...، أيها الطيب ... لماذا فعلتها...؟
ـ أكان علي ّ أن لا اهرب...، وأنت لا تعرف من كان يسلخ جلد الآخر، هل الجار أم الغريب أم الصديق أم أهل البيت الواحد، ومن كان يفترس الآخر، حتى أصبحنا نجهل من بذر تلك البذرة وحولتنا إلى حفنة أشرار يتلهى الواحد منا بالآخر...، أم كان هو القدر قدر له أن لا يتراجع ..، وان لا يتريث...، كي تطلب مني أن لا اهرب وادع جسدي يرمى مع الجثث ليتعفن مع الفضلات فوق أكداس القمامة...؟
ـ .....
ـ أم انك قصدك أن لا أنجو أصلا ً ....، بعد زحف الموت عليكم، وعمّ الخراب...؟
ـ ....
ـ أم كان علي ّ أن أتضامن مع فريق من فرق القتل ضد آخر منشغلا ً بالنجاة على حساب دماء بريئة اسفكها بدافع الفوز والاحتفال بالنصر...؟
ـ ....
ـ آ ....، ها أنا لا أرى إلا الضباب يحك جلده بالتراب ممتزجا ً بالفراغات....، لا أرى سوى السراب يتموج مبتعدا ً ومقتربا ً وكأنه يمحو نفسه بنفسه...، فالكل هلك...، المنتصر قبل الخاسر، والخاسر قبل المنتصر....
ـ ...
ـ أم انك ستقول لي: هذه هي اللعبة...، لا حياد ولا عدل ولا صواب فيها....، فالماكر يفطس بأنياب الأكثر مكرا ً، ولا قوي إلا وهناك من هو أقوى منه، لترى في النهاية إن الليل اختلط بالنهار، والأخير رقد في أقاصيه المظلمة.....، فالمغوار يجد من يمحقه، والأشرس يجد من يذله، والأضعف يجد اوهن منه يهرب منه ليوقعه في كمينه...، لأنها لعبة كمائن...، وليست لعبة عقول شفافة! لأنها، يا بقايا الريش، ويا حفنة الرماد، مثل رواية يرويها بغل محاصر بين الخيول والحمير!
ووجد نفسه يقهقه من غير إرادة:
ـ حتى وأنا اقترب من هذا الفراغ...، سمعت احد القتلة يقول لي: ماذا تفعل أيها المخبر....؟ فتذكرت إنني طالما احتميت به، ليخلصني من قنفذ كلف بالرصد، ومن ذئب صار يؤدي دور الكلاب، ومن صقر أوكلت له مهمة رصد أصوات البلبل والعصافير! فقلت له: أأنا الذي كان شعاره اقض عليهم قبل أن يقضوا علينا؟ لكنه لوح بأنيابه، ومخالبه، فلذت بالفرار.....، حتى أصبحت الدنيا بما رحبت مساحة بحدود حبة خردل!
ـ ... آ ...، أيها الطيب، لا تكترث، فالفضاء غدا خليطا ً من أنفاسنا، فهل تقدر أن تميز أصوات الثكالى عن زمجرات القتلة، وتميز بين عويل الأرامل عن أناشيد مزهقي الأرواح....، فالهواء مقبرة أبدية!
كاد يفقد وعيه، ولكنه مكث يبحث عن مصدر الصوت:
ـ أرجوك، أود أن أراك...؟
لكنه راح يستنشق رائحة ندية فكف عن الأسئلة، مصغيا ً للآخر:
ـ وهل لدي ّ قدرة معرفة من أكون...؛ كي أخبرك...؛ فهل أنا غراب أم بلبل، هل أنا نسر أم عصفور، هل أنا حمامة أم بوم...، أم أنا لا اقدر حتى على معرفة إذا ما كنت طيفا ً أم شبحا ً...، أم أنا الظل الذي راح يبحث عن ملاذ كي ينهشه الضوء..؟
ـ ما الذي حل بكم يا أهلي...؟
ـ كأنك تتجاهل ما الذي حل بك...؟
ـ أنا وجدت المسافات تأخذني فقلت: اذهب معها....
ـ وما الذي جنيته غير تخليك عنا...؟
ـ أنا لم أتخل عنكم...، فانا لم استبدل الجحيم بالفردوس، والخوف بالأمان... لأنني مازالت اجهل لماذا هربت...، ولماذا لذت بالفرار....؟
ـ ها أنت تعترف انك لم تختر هزيمتك بالنجاة...، وإلا لماذا عدت ... إلينا؟
ـ إليكم... أين انتم..؟
ـ ها أنت تدرك أن ما حل بنا لا يستحق أن يروى...
ـ أنا اجهل ما حل بكم....!
ـ صحيح...، لأنك تجهل ما حل بك، وما صرت عليه..؟
ـ اخبرني أيها الزعيم المجهول أأنت هو الموت...؟
ـ لا!
ـ أأنت هو من فعل بشعبي هذه الفعلة الشنيعة...؟
ـ لا!
ـ من أنت إذا ً ...؟
ـ إذا كنت نجوت إلى حين...، فانا لذت بالموت!
ـ وهل هناك نجاة منه...؟
ـ هذا ما قاله جدك لنا...
ـ وماذا قال..؟
ـ مت كي لا تموت! بدل أن تبقى تحمل هزيمتك في المنافي...؟
ـ لكن ما الأرض سوى دار خربة، نولد فيها لنظن إننا عثرنا على ما نبحث عنه، أو أضعناه...، ثم نكتشف إننا أضعنا ما ليس لنا!
ـ آ...، لماذا عدت إذا ً...؟
ـ لو كنت اعرف لقلت لك: جئت أموت في الرحم الذي خرجت منه!
ـ لكنك لم تخرج من الرحم، ولا من الأرض، بل خرجت من الذي ستعود إليه...، فالكون اللا محدود هو مأواك..؟
ـ أين هو هذا الكون اللا محدود...؟
ـ لا تبحث عنه..، لأنك ما أن تعثر عليه حتى تفقده!
ـ آ .....، يا سيدي، إن نجوت من العقارب فلن تنجوا من البرغوث، وإن نجوت من الموت فلن تكون الحياة سوى قفصه! وإن نجوت من الذئاب فلن تنجوا من الأفاعي...، وإن نجوت من الشر فان الخلاص سيساومك ويخبرك: أما أن تكون الشرير اللص الماكر المفترس الفاسد الزاني مرتبك الكبائر ومرتكب الأكبر منها، وأما أن تمضي حياتك تبحث عن حفرة فلا تجدها....، وما أن تجدها حتى تجد إنها تحولت إلى قبر...، وما أن تسكنه حتى تطرد منه! فهي حروب موتى...، يا سيدي!
ـ أفقدت عقلك..؟
ـ آ ...، انه رأسي، كلما تحسسته وجدته يتدلى!
ـ أتعرف لماذا...؟
ـ لا اعرف.
ـ ها أنت أجبت!
ـ لأنني ولدت ضحية...؟
ـ بل لأنك اخترت أن تنوح على الضحايا، وليس على نفسك!
ـ أين أولي... والطرق كلها ضاقت..، أين أولي والكل ضحايا ؟
ـ لن تقدر أن تذهب ابعد من مداك...، فما عليك إلا أن تكتم السر!
ـ أي سر...؟
ـ انك قهرت من سعى إلى قهرك!
ـ أنا لم اسع لقهر احد...، فالذي أراد محوي كان أعمى...، وإلا هل هناك من كان يمشي في دروب الظلمات لو كان يمتلك قليلا ً من البصر...، هل سمعت أن هناك من يختار جهنم طواعية تاركا ً النعيم والجنان أم لأنه عليل واهن العقل قليل الحيلة جاهل أو اقل من ذلك...؟
ـ تبدو حكايتنا بلغت ذروتها...، فالحديقة في الأصل خرجت من الظلمات، وما نحن إلا أحفاد أسلافنا الذين انحدروا من عفن السواحل.....، يوم كان اللا محدود لم يظهر شره أو ما هو أقسى من ذلك، وعندما كانت الرحمة خالصة!
ـ ألا يوجد ممر لنجاتنا، وليس لنجاتي، فماذا افعل في حديقة خالية منا.. ؟
ـ هو الممر الذي ستبقى تبحث عنه..، وما أن تعثر عليه إلا كي يستدعيك للذهاب بعيدا ً فيه...
ـ اكرر، سيدي، أريد أن أراك.
ـ لن تقدر أن تراني...، ولكن ما عليك إلا أن تعيد النظر في هذه الصخور...، وتبصر ما بينها.
ـ لا أرى شيئا ً عدا النباتات ذات الحافات الحادة، الإبر، والأشواك، كأنها النبال...؟
ـ آ...، اقترب منها...
ـ ها أنا اقترب ... حتى أكاد افقد الأمل في رؤية ما تريدني أن أراه...
ـ إن كنت تعتقد انك فقدت الأمل بالعثور علينا...، وعلى هذا الذي ينمو ما بين الصخور، وفي اصلب المعادن، وقد مد جذوره في الأعماق...، فعد من حيث أتيت...
استعاد رائحة الأصوات تحاصره عند نهاية الممر...، قدام المستنقع، ولكنه لم يستغث، ولم يصرخ. فاختبأ في عش مهدم، متذكرا ً، إنهم مازالوا خلفه، لا يكلون عن رصد بقايا رفيف جناحيه...، ولكنهم انشغلوا بأخر لم يستطع الفرار...، والنجاة من مخالبهم، وأنيابهم...، سمعه يتأوه، يتألم، يستنجد، ويتضرع: لا تقتلوني. فود لو صرخ فيه: لا تمنحهم نشوة الانتصار! مت ودع صوتك يدوي داخل رؤوسهم الجوفاء. سمعه يتلعثم، ويهذي:
ـ أنا اختبأت داخل لون الأشجار، والورود، حتى لم يعد يراني احد...، صرت بلون البراعم ...، والرذاذ.
ـ ...
ـ ولكنهم لم يتركوا الضحية إلا وهو ملقى يحدق في زرقة السماء. قلت له: إنها تسمعك! فخفت أن يرصدوا صوتي وهو يحك حافاته داخل راسي..، فأغلقت فمي وقلت: السماء ترى!
ـ ....
ـ فلم يبق أمامي إلا أن أكون بحماية المجهول....، فطرت، مع إحساسي بوجود رصاصة ما ترصد جسدي النحيل...آ ....، كأن القتلة ليسوا إلا تلك الجرثومة التي تجعل الأمل فراغا ً، وهما ً، وحفنة فضلات!
سمع همهمة شبيهة بالصوت:
ـ ها أنت ترانا !
ـ لم يغب العش عني، ولا أغصان الأشجار، ولا الممرات...، لم تغب الغابة ولا ضفاف النهر، لم انس رذاذ المطر يلامس أحلامي أثناء العودة من المدرسة إلى البيت....آ ...، سألت نفسي: لماذا يفعلون ذلك...، من أمرهم...، وماذا سيربحون غير ذهابنا جميعا ًمع الريح، والرمال...؟
ـ ....
ـ ولكن أين هم...، القتلة... الآن، وقد غابوا وذهب زمنهم...؟
ـ ها أنت تبصر!
ـ لقد أصبحت أعمى... بعد أن غرقت السفينة، ولم ينج احد من الطوفان...، وأنا الآن اهبط إلى القاع..!
ـ انك معنا...، نراك وترانا، لأنك كنت كلما ابتعدت عنا كنت تحفر جذرك فينا...، معنا، فالأمل ليس أن تحصل على ما كنت تريد...، بل أن لا تفقده وأنت تراه يغيب...!
ـ عدت أتذكر ما حصل لي...، سيدي: فها أنا اسمع من يهمس في ّ: انج بريشك! كاتما صوتي حتى لم يعد لدي ّ وجود يلفت أنظارهم، وحواسهم المتوثبة. لكنني كنت أتابع كيف أوقعوا جاري بالمصيدة، فأمرته بحواسي العليا ألا يفتح فمه. فذبحوه ولم ينطق بكلمة. وجاءوا برأس فأر وحشروه داخل جوفه، وقطعوا رأسه ووضعوها داخل جوف الفأر. لكن جاري طار بجثمان فأر، والفأر حوم بجناحي صقر...، وكلاهما ارتفع إلى أعلى عليين...، فانشقت السماء، كي يغيبان بعيدا ًعن فوهات المطاردين، وبعيدا ً عن نبالهم ذات الدمار الناعم!
ـ ...
ـ هل كان علي ّ أن أجد حديقة أخرى أموت فيها بهدوء...، كما تموت النباتات ما بين الصخور، تحت أشعة الشمس الحارقة...، أم أموت حرقا ً، أو تقطيعا ً، أو أذوّب بالأحواض، أو أمزق، أو ألقى إلى نار المحرقة، أم أرى جثماني يتعفن بجوار الأبرياء مع النفايات في المزابل....، في هذه الحديقة التي لا اعرف هل أنا هو من اختار الولادة فيها أم هي التي اختارتني وقررت لي نهاية لا تليق حتى بالقمل، أو بالبعوض، أو حتى بالصراصير...؟
ولم يعد يسمع أو يستنشق أو يرى أو يشعر بشيء، فدار حول نفسه دورة كاملة:
ـ لا تتركني ...، فانا عشت وحيدا ً...، انتقل من حديقة إلى أخرى...، وها أنا أعود إلى المكان الذي نبذني، طردني...، وسعى لدفني وأنا في مقتبل العمر...، المكان الذي كاد يقضي علي ! ...ولكن ماذا افعل ببلاد أنا غريب عنها، مثلما هي غريبة عني...، حتى لو سمحت لي بالرقص..؟
ـ آ ...
سمع ما يشبه التأوه، والحسرة:
ـ ليس لدي ما أخشى خسرانه، وفقدانه...
ـ سيدي...، أخبرتك بما اعرف ولا ضرورة للإعادة، والتكرار...، فلا جديد باستطاعته أن يغوينا بالانتظار...، فالقديم أقدم من أن يكون قديما ً!
ـ آ ....، لم يعد لديك ما تخسره...، لأنك لو كنت تمتلك الذي لا يمكن فقدانه لعرفت انك...
ـ انطق، أرجوك... فانا أريد أن اعرف أين ذهب جدي، وأين ذهبت عائلتي، وأين هم صحبي، وأين هي حديقتنا....؟
ـ لقد أخبرتك بالحقيقة كاملة!
تاه بصره متنقلا ًبين بقايا الأقفاص، الجدران، الأطلال، وأكوام النفايات، ألقى المبعثرة، والحيطان المتهالكة، بأسى منعه من النطق.
ـ هذه هي الحقيقة...!
ـ ....
ـ فقد تم القضاء علينا، بهدوء، بهدوء...، وبصخب هادي، بهدوء.... بهدوء تام...
ـ ....
ـ بهدوء... بهدوء...عبر سنوات غيابك، حيث كنا نتذوق ما كان يحدث بمعرفة أغلقت علينا أبواب النجاة، لكنها لم تقض علينا...، ولكن الجديد ـ كما قلت ـ ليس إلا ما كان قد تم استهلاكه، حتى غدا بلا اثر، لا في ماضيه ولا في قابل الأيام...، فالحديقة ـ ككل هذا الذي تراه ـ طيفا ً أو شبحا ً ـ أقدم من يكون قديما ً...، فزمن الحديقة أقدم من الزمن!
وجد فمه ينطق من غير إرادة، ومن غير حذر، وبلا تردد:
ـ والآن... أرجوك...، اخبرني ... أرجوك... أم علي ّ أن أتضرع، واستنجد، وانحني، واستعطفك ...؟
ـ لا ... لا تتضرع، ولا تستنجد..، ولا تنحني... فانا سأخبرك...، فبعد أن لذت بالفرار...، ونجوت، جاعلا ً من الهزيمة خلاصا ً، ومن الهرب نصرا ً...، جرت التصفيات بأساليب لا تعد ولا تحصى، ملونة بأكثر الألوان تنوعا ً، وغرابة، فهناك من أرسل إلى المحرقة، وهناك من ترك يتعفن في قفصه، وهناك من ترك في العراء...، هناك من دفن حيا ً في الجحور وهناك من قتل وحشر مع المجهولين في المدافن الجماعية، من غير علامة أو اسم، ثم أقيمت الاحتفالات...، فالكل ضد الكل، حتى أصبحنا شرذمة لا مأوى لها هاربين من مخالب الموت، وأنيابه...
ـ وماذا جرى بعد ذلك...؟
ـ جدك وجد الحل...، فقد عثر على مفتاح اللغز ذاته الذي عثر عليه جدنا الأعظم....، بعد أن نجونا من الطوفان...
ـ آه ...، عدنا إلى السفينة...؟
ـ لا...، لأن السفينة غرقت، وهلك من كان عليها!
ـ وماذا وجد جدنا الأعظم ...؟
ـ لم يجد شيئا ً!
ـ أيها المخلوق المجهول، أيها الظل، يا حفنة الهواء ...، لم يبق لدي ّ إلا أن ... ارحل!
ـ وأين ستذهب...، بعد أن أقاموا الأسوار...، وأغلقوا أبواب الحديقة علينا...؟
ـ سأصعد وحيدا ً إلى السماء!
ـ وحيدا ً... وحيدا ً .. وحيدا ً...؟
ـ لم يبق لدي ّ إلا هذا الذي تركته الحياة لي: اثر ليس له اثر، ظل يتعثر بغياب ظله، ومثل نور تجمعت فيه ظلمات الأكوان وما قبلها وما بعدها، فانا أصبحت وحيدا ً مع وحدتي! بل وأنا أصبحت وحيدا ً من غيرها أيضا ً!
وفجأة بدأ بالضحك:
ـ لكن أنت معي...، لكن من أنت، يا حفنة الأثير، وأنا لا اعرف من تكون...؟
ـ آ ...، أنا ... هو جدك الأعظم...! أنا هو آخر حفيد من أحفادك...، أنا هو هذا النبات الذي يشاركك مصيرك...، أنا هو من يدّب هنا، فوق الرمل، وما بين الحجارة، وأنا هو من يسري في دمك، وقد سكنك!
ـ آ ....، تحولتم إلى دغل، إلى إعشاب صخرية، إلى نباتات لا مرئية، والى حشائش.....؟ ـ آ ...، آه... يا شعبي العنيد القدر نفسه أصبح يتعثر وهو ينسج حكايته!
ـ لا تظن إنها محض هزيمة...! فلو وجدت الهزيمة قبل وجودنا لكنا ـ وأنت معنا ـ لا مفر من اختراعا، ولا مناص من اختيارها!
ـ آ ... من هزم من.. ومن انتصر إذا ً ...، من اندحر ومن نجا...، من كان على صواب ومن كان على باطل...؟
ـ لا أحد ... لا احد انتصر؟ فليس باستطاعة احد أن يهزم هذا الذي وجد ابعد من الهزيمة والنصر، ابعد من العثرات، وأعمق من المحو...، وأكثر استحالة على الفناء أن يفنيه!
لم يقدر إلا أن يستنشق الضوء، فترك فمه يغيب، محوّما ً في الفضاء، وهو يلامس اللا زمن يتموج من حوله، قدامه وخلفه، في الأعلى وفي الأسفل، ذرات لها أشكال عرفها، وما أن تحسسها حتى وجد انه لم يعد يفكر بالبحث عن آخر، أو عن نفسه!
Az4445363@gmail.com
18 تموز 2015
هدم الجندي العراقي في الناصرية-د. إحسان فتحي
هدم الجندي العراقي في الناصرية
د. إحسان فتحي
هذه صور هدم تمثال الجندي العراقي في الناصرية في العام الماضي بحجة إعاقته لمشروع طريق مجسر! فلماذا الهدم إذن؟ ولماذا لم ينقل بكل بساطة إلى مكان آخر؟ انه الجندي العراقي وليس الإسرائيلي! أليس هذا هو شبيه جدا، بل مطابقا تماما، بما عملته عصابات داعش المجرمة في الموصل وبنفس الوقت تقريبا؟
أليف شفق -وقواعد العشق الاربعون
أليف شفق (بالتركية Elif Şafak) (ولدت عام 1971 في ستراسبورغ) هي روائية تركية تكتب باللغتين التركية والإنجليزية، وقد ترجمت أعمالها إلى ما يزيد على ثلاثين لغة.
نشأتها وحياتها
ولدت أليف بيلغين في ستراسبورغ لوالدين هما الفيلسوف نوري بيلغين وشفق أتيمان التي أصبحت دبلوماسية فيما بعد. انفصل والدها عندما كان عمرها عامًا واحدًا فربتها أمها. وتقول الكاتبة إن نشأتها في عائلة لا تحكمها القوانين الذكورية التقليدية كان له كبير الأثر على كتابتها. وتستخدم الكاتبة اسمها الأول واسم أمها كاسم أدبي توقع بها أعمالها.
أمضت طفولتها وصباها متنقلة بين مدريد وعمان وكولونيا قبل أن تعود إلى تركيا، وهاجرت إلى الولايات المتحدة لتواصل دراستها أولاً، ثم بعد ذلك لتشغل منصب أستاذة محاضرة في مادة الدراسات والأجناس في جامعة أريزونا.
تحمل شفق شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة الشرق الأوسط التقنية في تركيا كما تحمل شهادة الماجستير في “الجندر والدراسات النسوية” والدكتوراه في العلوم السياسية من الجامعة ذاتها. نالت عن أطروحتها لنيل الماجستير في موضوع الإسلام، والنساء، والتصوف، جائزةً من “معهد علماء الاجتماع”.
تزوجت سنة 2005 من الصحافي التركي أيوب كان وأنجبت منه طفلين. أسمت ابنتها زيلدا على اسم زيلدا فيتزجرالد، وأسمت ابنها على اسم الزاهر، بطل إحدى قصص بورخيس .
صوفية
قالت إليف شفق : "لقد اعتاد محي الدين بن عربي أن يقول سأبحث عن دين الحب أينما كان حتي لو كان عند اليهود أو النصاري أو المسلمين،إن الأصوليين يتبعون دين الخوف فتكون سياستهم التخويف ،إن الصوفي المسلم يتبع دين الحب تماما مثل ما قال إبن عربي لا يوجد دين أرقي من دين الحب ، إن روايتي قواعد العشق الأربعون تعرض نظرة ثاقبة علي الفلسفة القديمة القائمة علي وحدة جميع الأديان والشعوب"
إن عقيدة ابن عربي قائمة على وحدة الوجود؛ فقال عن الله "فالعالم صورته وهو روح العالم المدبر له فهو الإنسان الأكبر " وقال "فشهادته إنسان وغيبه إله مثل أبي يزيد حين قال "إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدوني "وعبرت إليف شفق عن ذلك فقالت " فالله لا يقبع في السماوات العالية بل يقبع في داخل كل منا لذلك فهو لا يتخلي عنا فكيف له أن يتخلي عن نفسه، إن جهنم تقبع هنا والآن وكذلك الجنة " ،و قال جلال الدين الرومي " فما دام الخالق قد قال يد الله فوق أيديهم قد أعلن أن أيدينا هي يديه ".
أعمالها الأدبية
نُشر لها 12 كتاب ثمانية منها روايات باللغتين التركية والإنجليزية. صدرت روايتها الأخيرة The Forty Rules of Love أي (قواعد العشق الأربعون) في الولايات المتحدة الأمريكية في شباط 2010 كما صدرت في المملكة المتحدة عن دار النشر بينغوين في حزيران 2010. وقد بيعت من الكتاب 550,000 فأصبح بذلك الكتاب الأكثر مبيعًا في تركيا. كما أن شفك هي من بين الكتاب الأكثر مبيعًا في إيطاليا وفرنسا وبلغاريا.
حصلت روايتها الأولى Pinhan (أي الصوفي) على جائزة رومي لأفضل عمل أدبي في تركيا عام 1998. أما روايتها الثانية Şehrin Aynaları (أي مرايا المدينة) فتتطرق إلى التصوف عند المسلمين واليهود في خلفية بحر متوسطية في القرن السابع عشر. وحصلت روايتها Mahrem (أي النظرة العميقة) على جائزة اتحاد الكتاب التركيين عام 2000. وحققت روايتها التالية Bit Palas (أي قصر البرغوث) أعلى مبيعات في تركيا، وتبعها كتاب Med-Cezir (أي المد والجزر) وتناقش فيه قضايا حول مكانة المرأة والرجل والجنس والذهن والأدب.
في عام 2006 أصدرت رواية The Bastard of Istanbul (لقيطة اسطنبول) باللغة الإنجليزية وحققت أعلى المبيعات في تركيا. وتعرض شفق في هذه الرواية -بين قضايا أخرى- لقضية الأرمن، وقد أدى هذا إلى ملاحقتها قضائيًا في تركيا بحسب الفقرة 301 من القانون التركي إلا أن التهم أسقطت عنها فيما بعد.
أما روايتها القادمة فتتعلق بتجربة عائلة مهاجرة في لندن في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين.
وعام 2009 أصدرت رواية " The Forty Rules of Love " أي ( قواعد العشق الأربعون ) وترجمها للعربية في عام 2012 خالد الجبيلي عن دار طوى، حيث نجد لوحات متعددة لشخصيات من زمنين مختلفين الأول من خلال شخصية إيلا وعائلتها الذين يعيشون في ولاية ماساشوستس في الزمن الحاضر والعام 2008 تحديداً ، والثاني في القرن الثالث عشر ميلادي حيث يلتقي الدرويش الذاهل والطواف الشمس التبريزي بتوأمه الروحي مولانا جلال الدين الرومي.اعتمدت الرواية على تعدد الأصوات السردية بحيث يتناوب أبطال وشخصيات الرواية في سرد الأحداث في 500 صفحة تقع ضمن 5 أجزاء (التراب، الماء، الهواء، النار،العدم)
أدب قصصي
قالت إليف شفق إن النساء هن أعظم من يروي القصص ،لم انشأ في أسرة تقليدية ذات نظام أبوي ، وذلك جعلني أكثر استقلالية وأتاح لي فرصة القيام بأشياء كثيرة ربما منعت منها مثيلاتي ممن عاشوا تحت سلطة الأب "، ألقت الضوء علي جريمة الشرف في روايتها شرف وتناولت حرية المرأة وشرف العائلة،قالت إليف شفق لا يوجد حب بدون حرية، وفي رواية النظرة تناولت فكرة أن جسد المرأة ملك لها وانها تبحث عن أستقلاليته بعيدا عن نظرة المجتمع وكذلك نظرة الله لها ; حين حدثت الخطيئة ارادت أن تصل الفتاة إلي السماء لتسأل الله لماذا لم يغمض عينيه حتي لا يراها أثناء حدوث الخطيئة ؟، دافعت إليف شفق عن زليخة فهي تري أن من يهاجم الأديبة كمن يطارد شبح زليخة فقالت"إن الأصولين الذين يتبعون دين الخوف يتهمون زورا زليخة أنها زوجة مدللة ارادت أن تخون زوجها مع النبي يوسف وأنها أتهمته أنه حاول اغتصابها فألقي به في السجن ذلك بسبب فهم الاصوليين لظاهر القرآن فقط،لكن الصوفي يفهم باطن القرآن لذلك يري زليخة إنسانة وقعت في الحب لا أكثر من ذلك ولا أقل.
إن الهجوم علي المرأة إذا كتبت عن الجنس قد جعل كثير من الأديبات لا تجرأ علي الكتابة عن الجنس والاثارة الجنسية إلا بعد أن تتقدم في السن ، قالت إليف شفق لن انتظر حتي تصيبني الشيخوخة كي أتجرأ علي الكتابة عن الجنس بل سأكمل من حيث انتهي تراثنا سأكتب عن الشهوة الجنسية وإشتهاء المماثل وسأمزج ذلك بروياتي عن الصوفية"، ولما وجه إلي إليف شفق سؤال عن حركة تحرير المثليين محبي الشذوذ الجنسي لاسيما بعد أن أصبح من حق الإنسان أن يتزوج زواج مثلي ردت إليف شفق فقالت "كان من الممكن أن أحب فتاة أو أحب فتي في بداية حياتي،لكن ما كان يشغل بالي هو ماذا يسمي الناس علاقتي بفتاة أو فتي،لقد كانوا ينظرون إلي ذلك كما لو كان شيئا خاطئا لذا تعلمت ألا أتحدث عن ذلك فأحتفظ به سرا،و أن أدفن أسراري في مكان عميق بداخلي ، بين الأتراك وألاكراد اليساريين شعرت انه يجب علي الإنسان أن يختار بين أن يكون شاذ جنسيا أو يكون له علاقة مع الجنس الآخر،إن ذلك اختيار زائف فاني قادرة علي أن أحب من كلا الجنسين وروايتي القادمة ربما تكون عن أستاذ جامعي وسيم مثلي الجنس يعيش في النرويج ، إن الأصوليون يتهمون المتحولين جنسيا أو المثليين جنسيا بالأنحراف،ألا يعلم هؤلاء المتشددين أن المثليين جنسيا متدينون جدا لاسيما في إسطانبول"
نشأتها وحياتها
ولدت أليف بيلغين في ستراسبورغ لوالدين هما الفيلسوف نوري بيلغين وشفق أتيمان التي أصبحت دبلوماسية فيما بعد. انفصل والدها عندما كان عمرها عامًا واحدًا فربتها أمها. وتقول الكاتبة إن نشأتها في عائلة لا تحكمها القوانين الذكورية التقليدية كان له كبير الأثر على كتابتها. وتستخدم الكاتبة اسمها الأول واسم أمها كاسم أدبي توقع بها أعمالها.
أمضت طفولتها وصباها متنقلة بين مدريد وعمان وكولونيا قبل أن تعود إلى تركيا، وهاجرت إلى الولايات المتحدة لتواصل دراستها أولاً، ثم بعد ذلك لتشغل منصب أستاذة محاضرة في مادة الدراسات والأجناس في جامعة أريزونا.
تحمل شفق شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة الشرق الأوسط التقنية في تركيا كما تحمل شهادة الماجستير في “الجندر والدراسات النسوية” والدكتوراه في العلوم السياسية من الجامعة ذاتها. نالت عن أطروحتها لنيل الماجستير في موضوع الإسلام، والنساء، والتصوف، جائزةً من “معهد علماء الاجتماع”.
تزوجت سنة 2005 من الصحافي التركي أيوب كان وأنجبت منه طفلين. أسمت ابنتها زيلدا على اسم زيلدا فيتزجرالد، وأسمت ابنها على اسم الزاهر، بطل إحدى قصص بورخيس .
صوفية
قالت إليف شفق : "لقد اعتاد محي الدين بن عربي أن يقول سأبحث عن دين الحب أينما كان حتي لو كان عند اليهود أو النصاري أو المسلمين،إن الأصوليين يتبعون دين الخوف فتكون سياستهم التخويف ،إن الصوفي المسلم يتبع دين الحب تماما مثل ما قال إبن عربي لا يوجد دين أرقي من دين الحب ، إن روايتي قواعد العشق الأربعون تعرض نظرة ثاقبة علي الفلسفة القديمة القائمة علي وحدة جميع الأديان والشعوب"
إن عقيدة ابن عربي قائمة على وحدة الوجود؛ فقال عن الله "فالعالم صورته وهو روح العالم المدبر له فهو الإنسان الأكبر " وقال "فشهادته إنسان وغيبه إله مثل أبي يزيد حين قال "إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدوني "وعبرت إليف شفق عن ذلك فقالت " فالله لا يقبع في السماوات العالية بل يقبع في داخل كل منا لذلك فهو لا يتخلي عنا فكيف له أن يتخلي عن نفسه، إن جهنم تقبع هنا والآن وكذلك الجنة " ،و قال جلال الدين الرومي " فما دام الخالق قد قال يد الله فوق أيديهم قد أعلن أن أيدينا هي يديه ".
أعمالها الأدبية
نُشر لها 12 كتاب ثمانية منها روايات باللغتين التركية والإنجليزية. صدرت روايتها الأخيرة The Forty Rules of Love أي (قواعد العشق الأربعون) في الولايات المتحدة الأمريكية في شباط 2010 كما صدرت في المملكة المتحدة عن دار النشر بينغوين في حزيران 2010. وقد بيعت من الكتاب 550,000 فأصبح بذلك الكتاب الأكثر مبيعًا في تركيا. كما أن شفك هي من بين الكتاب الأكثر مبيعًا في إيطاليا وفرنسا وبلغاريا.
حصلت روايتها الأولى Pinhan (أي الصوفي) على جائزة رومي لأفضل عمل أدبي في تركيا عام 1998. أما روايتها الثانية Şehrin Aynaları (أي مرايا المدينة) فتتطرق إلى التصوف عند المسلمين واليهود في خلفية بحر متوسطية في القرن السابع عشر. وحصلت روايتها Mahrem (أي النظرة العميقة) على جائزة اتحاد الكتاب التركيين عام 2000. وحققت روايتها التالية Bit Palas (أي قصر البرغوث) أعلى مبيعات في تركيا، وتبعها كتاب Med-Cezir (أي المد والجزر) وتناقش فيه قضايا حول مكانة المرأة والرجل والجنس والذهن والأدب.
في عام 2006 أصدرت رواية The Bastard of Istanbul (لقيطة اسطنبول) باللغة الإنجليزية وحققت أعلى المبيعات في تركيا. وتعرض شفق في هذه الرواية -بين قضايا أخرى- لقضية الأرمن، وقد أدى هذا إلى ملاحقتها قضائيًا في تركيا بحسب الفقرة 301 من القانون التركي إلا أن التهم أسقطت عنها فيما بعد.
أما روايتها القادمة فتتعلق بتجربة عائلة مهاجرة في لندن في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين.
وعام 2009 أصدرت رواية " The Forty Rules of Love " أي ( قواعد العشق الأربعون ) وترجمها للعربية في عام 2012 خالد الجبيلي عن دار طوى، حيث نجد لوحات متعددة لشخصيات من زمنين مختلفين الأول من خلال شخصية إيلا وعائلتها الذين يعيشون في ولاية ماساشوستس في الزمن الحاضر والعام 2008 تحديداً ، والثاني في القرن الثالث عشر ميلادي حيث يلتقي الدرويش الذاهل والطواف الشمس التبريزي بتوأمه الروحي مولانا جلال الدين الرومي.اعتمدت الرواية على تعدد الأصوات السردية بحيث يتناوب أبطال وشخصيات الرواية في سرد الأحداث في 500 صفحة تقع ضمن 5 أجزاء (التراب، الماء، الهواء، النار،العدم)
أدب قصصي
قالت إليف شفق إن النساء هن أعظم من يروي القصص ،لم انشأ في أسرة تقليدية ذات نظام أبوي ، وذلك جعلني أكثر استقلالية وأتاح لي فرصة القيام بأشياء كثيرة ربما منعت منها مثيلاتي ممن عاشوا تحت سلطة الأب "، ألقت الضوء علي جريمة الشرف في روايتها شرف وتناولت حرية المرأة وشرف العائلة،قالت إليف شفق لا يوجد حب بدون حرية، وفي رواية النظرة تناولت فكرة أن جسد المرأة ملك لها وانها تبحث عن أستقلاليته بعيدا عن نظرة المجتمع وكذلك نظرة الله لها ; حين حدثت الخطيئة ارادت أن تصل الفتاة إلي السماء لتسأل الله لماذا لم يغمض عينيه حتي لا يراها أثناء حدوث الخطيئة ؟، دافعت إليف شفق عن زليخة فهي تري أن من يهاجم الأديبة كمن يطارد شبح زليخة فقالت"إن الأصولين الذين يتبعون دين الخوف يتهمون زورا زليخة أنها زوجة مدللة ارادت أن تخون زوجها مع النبي يوسف وأنها أتهمته أنه حاول اغتصابها فألقي به في السجن ذلك بسبب فهم الاصوليين لظاهر القرآن فقط،لكن الصوفي يفهم باطن القرآن لذلك يري زليخة إنسانة وقعت في الحب لا أكثر من ذلك ولا أقل.
إن الهجوم علي المرأة إذا كتبت عن الجنس قد جعل كثير من الأديبات لا تجرأ علي الكتابة عن الجنس والاثارة الجنسية إلا بعد أن تتقدم في السن ، قالت إليف شفق لن انتظر حتي تصيبني الشيخوخة كي أتجرأ علي الكتابة عن الجنس بل سأكمل من حيث انتهي تراثنا سأكتب عن الشهوة الجنسية وإشتهاء المماثل وسأمزج ذلك بروياتي عن الصوفية"، ولما وجه إلي إليف شفق سؤال عن حركة تحرير المثليين محبي الشذوذ الجنسي لاسيما بعد أن أصبح من حق الإنسان أن يتزوج زواج مثلي ردت إليف شفق فقالت "كان من الممكن أن أحب فتاة أو أحب فتي في بداية حياتي،لكن ما كان يشغل بالي هو ماذا يسمي الناس علاقتي بفتاة أو فتي،لقد كانوا ينظرون إلي ذلك كما لو كان شيئا خاطئا لذا تعلمت ألا أتحدث عن ذلك فأحتفظ به سرا،و أن أدفن أسراري في مكان عميق بداخلي ، بين الأتراك وألاكراد اليساريين شعرت انه يجب علي الإنسان أن يختار بين أن يكون شاذ جنسيا أو يكون له علاقة مع الجنس الآخر،إن ذلك اختيار زائف فاني قادرة علي أن أحب من كلا الجنسين وروايتي القادمة ربما تكون عن أستاذ جامعي وسيم مثلي الجنس يعيش في النرويج ، إن الأصوليون يتهمون المتحولين جنسيا أو المثليين جنسيا بالأنحراف،ألا يعلم هؤلاء المتشددين أن المثليين جنسيا متدينون جدا لاسيما في إسطانبول"
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)