الأحد، 29 مارس 2015

في الذكرى الخامسة لوفاته::القصيمي يتنبأ بالإرهاب العالمي وأنه من إفرازات الحركات الأصولية قبل خمسين عاماًً !!



في الذكرى الخامسة لوفاته:
القصيمي يتنبأ بالإرهاب العالمي وأنه من إفرازات الحركات الأصولية قبل خمسين عاماًً !!
 





واجه الخصوم من كل جانب، فأمطرهم بوابـل من الكتب العميقة!!


   صادف يوم التاسع من كانون الثاني/ يناير لعام2002، الذكرى الخامسة لرحيل المفكر السعودي الثائر عبدالله بن علي القصيمي، الذي يُصنف على أنه حامل لواء الليبراليين العرب، وقائدهم في معركة حامية الوطيس، كان طرفها الأول، وقد جاوزت بسنواتها وهو يخوضها حرب البسوس، فما وهن ولا استكان، بل واصل الطريق بين آكام من الردود، تلقاها بدايةً من علماء الأزهر الذين علموه ودرسوه، فتمرد عليهم، وكشف العوار لديهم، ثم جاءته الصفعة من النجف الأشرف، فتلقاها كالبلسم، وكان قد أوجعهم ضرباً، ثم كانت ثالثة الأثافي عندما تلقاها من السلفيين، وهو الذي ولد من رحمهم، ونشأ في معقل من معاقل التعليم الديني المتشدد لديهم، وهو ابنهم الذي أفرحهم، فتوجوه ورجوه لمستقبل الأيام ذخراً، وفاخروا به الأمم، إلا أنه سرعان ما نكص عليهم، فهجوه ورموه بالسباب والسهام، التي تكسرت على جسده الضئيل النحيل، وما أصابت عقله التأملي الحارق، بل عاش مكابراً لا يقول إلا ما يعتقده، حتى وإن خالف الجميع، عاش شموخ المفكر وكبرياء المتأمل الناقد، فكان نقطة انعطاف وعلامة بارزة في فكرنا العربي الحديث، تناول عطاءه الفكري، إن سلباً أو إيجاباً، مدحاً أو قدحاً، علماء ومفكرون ومثقفون، يُشار إليهم بالبنان، على خارطة الفكر العربي الحديث، فكان القصيمي وكانت حصيلة الرحلة الطويلة، التي لا تزال هناك الكثيرُ من الأسرار تلفها، ولربما حفظها معه فواراها الثرى.

خب الحلوة ___ مسقط الرأس
"إيلاف" تابعت مسار الرحلة بدءً من مسقط الرأس وسقط اللوى، حيثُ "خب الحلوة" الغافي في أحضان الرمال غربي مدينة بريدة في نجد بالسعودية، وانتهاءً بزيارة مشفاه الأخير الكائن في مصر الجديدة بقاهرة المعز، ووقوفاً عند "جامع رابعة العدوية" حيثُ شيعت الجنازة، وحيثُ ووريت في مقابر باب الوزير في مصر، مروراً بالعديد من أصدقائه ومعارفه وبعض من أولئك الذين سنحت لهم الفرصة للجلوس معه والتحدث إليه ومناقشته، عندما كان في القاهرة أو لبنان، كما حاورت" إيلاف" أبنائه وممرضته التي أشرفت على علاجه قبل رحيله، فكان هذا الملف الذي تقدمه" إيلاف" في ذكرى رحيله الخامسة، لتذكر العالم العربي، وقد نقدهم وأوجعهم، نقد المحب الوامق، بذلك المفكر الذي وصمهم ذات مرة بأنهم " ظاهرة صوتية" لكنهم خيبوا ظنه، إذ خفت صوتهم فلم يرثوه ولم يقفوا على مسار رحلته فيتتبعوها!!
"إيلاف" وهي تقدم هذا الملف لقرائها، إنما تعرض تاريخاً لمسار الرحلة، وتقدم القصيمي، المفكر الذي أشغل الساحة، بكل ماله وما عليه، ويبقى الحكمُ أولاً وأخيراً للقارئ، رحم الله القصيمي وغفر لنا وله.   (وهنا الحلقة الاولى)

المولد والنشأة !!
ولد الشيخ عبدالله القصيمي في عام 1907م تقريباً في " خب الحلوة" الواقع إلى الغرب من مدينة بريدة النجدية في المملكة العربية السعودية.
والخبوب:  "جمع خب " وتعني تلك القرى القابعة داخل الرمال والمنتشرة حول مدينة بريدة التي كانت ولا تزال تمثل أهم وأبرز معاقل التعليم الديني المتشدد، إذ لا يزال العديد من أبنائها من طلبة العلم الشرعي من يرفض إلى وقتنا الحاضر كثيراً من النظريات العلمية الفلكية والجغرافية، كما أنه يرفض الأخذ بمظاهر الحضارة والتمدن .
جاء مولد عبدالله القصيمي في " خب الحلوة" ليمثل نقطة انعطاف مهمة في تاريخ تلك القرية الغافية لقرون والتي كانت مجهولة حتى من أبناء المدن المجاورة، شأنها بذلك شأن العشرات من الخبوب والقرى المحيطة بمدينة بريدة والتي لا تزال مجهولة وغير معروفة إلى اليوم هذا، لذلك نقل ميلاد القصيمي تلك القرية لتحتل مكانةً بارزة في كثير من الحوارات الفكرية التي أشعلها القصيمي على امتداد وطننا العربي، كما أنها حظيت بزيارات عدد من المثقفين والمفكرين الذين وقفوا على أطلالها، وكان لـ " إيلاف " أن تقوم بجولة داخل خب الحلوة وتقف على أطلاله المتهدمة التي لا شك أن القصيمي قد خرج من معطفها، كما وقفت إيلاف تحت ظلال تلك النخيل الباسقات التي تكاد تغطي تلك القرية، والتقطت كاميرا " إيلاف " صوراً لتلك القرية .
  والد عبدالله القصيمي هو الشيخ علي الصعيدي، الذي قدم من حائل واستوطن خب الحلوة والذي عرف عنه تشدده الديني الصارم، والذي لم يكفه ما تلقاه من تعاليم دينية في مدينة بريدة لينتقل إلى الشارقة للاستزادة من العلوم الشرعية وللتجارة، أما والدة الشيخ عبدالله القصيمي فهي وفقاً لرواية الدكتور فيصل بن عبدالله القصيمي  السيدة موضي الرميح ، التي أنفصل عنها زوجها بعد ميلاد أبنه عبدالله بأربع سنوات تقريباً، ليدعها وطفلها مهاجراً إلى الشارقة، ولكنها سرعان ما ارتبطت برجل آخر من عائلة " الحصيني " المقيمة في قرية "الشقة " المجاورة لخب الحلوة، ويذكر الدكتور فيصل القصيمي أن لديه ثلاثة أعمام من أسرة الحصيني، قدموا إلى مدينة الرياض، واستوطنوها، ولا يوجد منهم أحد اليوم، ولهم أولاد وأحفاد، ويرتبط الشيخ عبدالله القصيمي بروابط أسرية مع عدد من الأسر النجدية كأسرة المزيني والمسلم والحصيني والجميعة، وقد ذكر المؤرخ السعودي عبدالرحمن الرويشد لـ" إيلاف" أن الشيخ ابن جميعة الذي يعمل لدى الملك عبدالعزيز هو عم الشيخ عبدالله القصيمي، وقد هاتفت "إيلاف" المؤرخ إبراهيم المسلم لسؤاله عن مدى الصلة والقرابة بين الأسرتين الكريمتين فقال: تجمعنا قرابة وصلة وخؤولة! وهذه المعلومات تنشر لأول مرة لأنها معلومات لم يكن القصيمي يفصح بها لكل من التقاه من أدباء وصحافيين وباحثين، كما يقول بذلك أصدقاؤه من أنه لم يكن يتحدث بشؤون الخاصة إطلاقاً،  كما أن الشيخ علي الصعيدي قد تزوج بامرأة من الشارقة ومن عمان وأنجب أولاداً هناك، ويذكر الدكتور فيصل القصيمي أنه على اتصال دائم بأبناء عمه في الشارقة ويزورونه بالرياض باستمرار. 

أصول أسرة القصيمي :
من المسلم به أن القصيمي ينتمي إلى أسرة "الصعيدي" وهي أسرة ضاربة بعمق في نجد ومنتشرة بين منطقتي حائل والقصيم، ولكن من أين جاءت التسمية بالصعيدي؟
في الوقت الذي يرى فيه الأستاذ عبدالرحمن البطحي "مؤرخ مقيم في عنيزة بالقصيم" أن أحد أجداد الأسرة كان يعمل بالعقيلات بين مصر ونجد قبل قرون، فنسب إلى المنطقة التي كان يذهب إليها متاجراً، وهذه عادة منتشرة في العديد من المدن النجدية، ويؤيده في ذلك الأستاذ الباحث يعقوب الرشيد والمؤرخ إبراهيم المسلم، إلا أن الدكتور فيصل القصيمي يروي لـ "إيلاف" روايتين حول سبب التسمية بالقصيمي، فإضافةً إلى الرواية الأولى يطرح رأياً آخر وهو أنه ربما يكون جد الأسرة بالفعل قد قدم من الصعيد المصري، واستقر في نجد، إلا أنه يذكر أن أسرة الصعيدي في حائل وبريدة يلتقون في جدٍ جامع لهم، إلا أن الأستاذ إبراهيم عبدالرحمن ( محامي مصري وصديق مقرب جدا من القصيمي) ينكر الرواية الأخيرة، ويذكر أن أول من قال بها هو صلاح الدين المنجد في رده على القصيمي، وكان هدف المنجد كما يذكر المحامي عبدالرحمن هو تبرئة الساحة النجدية من القصيمي!! ويذكر المحامي عبدالرحمن أن فكرة المنجد قد لاقت قبولاً ورواجاً داخل السعودية، إلا أنه يستطرد قائلاً : أن الشيخ حمد الجاسر قد بحث المسألة وتوصل إلى نتيجة وهي أن أصول القصيمي من نجد وأن أحد أجداده قد سافر إلى مصر وعاد مرةً ثانية إلى نجد فعرف بلقب الصعيدي!.
ورداً على سؤال " إيلاف" للمحامي عبدالرحمن الذي صحب القصيمي مدة خمسين عاماً من أن القصيمي لا بد وأن يكون قد تحدث معه في هذه المسألة خلال هذه المدة الزمنية الطويلة ، قال : أبداً لم يحدث أن تحدث معي الشيخ عبدالله في هذه المسألة ولا غيرها، لأنه كان يرفض دائماً الحديث عن كل مسائله الشخصية!.
" إيلاف" رغم اعتزازها بصعيد مصر كجزء من أرض العروبة والإسلام، إلا أنها لا ترى أن مجرد النسبة إلى هذا الإقليم أو ذاك سبباً قاطعاً في أن يكون هذا الشخص من تلك المنطقة أو ذاك الإقليم، والدليل أن هناك العديد من الأسر النجدية منسوبةً إلى أقاليم خارج الجزيرة العربية فهناك العماني والتركي والشامي والهندي والرومي والمصري واليماني وغيرها كثير، وفي الوقت الذي لا يرى الدكتور فيصل القصيمي أية إشكالية في أن يكون جد الأسرة قد قدم بالفعل من صعيد مصر، فالأمر سيان لديه، إلا أن إيلاف ترى وجوب حشد الأدلة القاطعة، لأن مجرد الانتساب وحده لا يكفي ليكون دليلاً قاطعاً.
    نشأ القصيمي فيما بين " خب الحلوة" و " الشقة" في ظروف سيئة للغاية، فإضافةً إلى فقده لحنان والديه، فقد كانت الأحوال المعيشية سيئة جداً، الأمر الذي دعاه أن يغادر قريته إلى الأبد!! وهو في سن العاشرة من عمره، وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن قرار المغادرة قد أتخذه الفتى بنفسه هروباً من تلك الأوضاع الصعبة يرى الدكتور فيصل القصيمي أن أخوال الشيخ عبدالله هم الذين دفعوه إلى الهجرة بحثاً عن الرزق، وأصروا على مغادرته أمام إصرار والدته، وكانت حجتهم أن يبحث عن أبيه ليطعمه ويكسوه بعد أن ضاقت بهم السبل في تلك الظروف المعيشية السيئة! ركب الفتى عبدالله القصيمي المخاطر مع أول قافلة اتجهت إلى الرياض بعد اتخاذه للقرار الخطير، الذي قاده إلى رحلة طويلة تنقل فيها بين العديد من الأقطار العربية، فما بين مولده في " خب الحلوة" إلى مدفنه في مقابر باب الوزير بالقاهرة رحلة من البحث الطويل المعيشي بدايةً ثم الفكري، الذي أصبح واحداً من أبرز فاعليه على مستوى الوطن العربي .
 في الرياض حيثُ درس القصيمي على الشيخ سعد بن عتيق، تعرف  إلى وفد من الشارقة جاء لزيارة الرياض، وكانت المصادفة أن رئيس الوفد صديق لوالده ويعرفه تمام المعرفة، فلاحت في أفقه بوادر أمل في لقاء أبيه، وهذا ماتم على ساحل خليج عمان، إلا أن الدهشة أصابت الفتى الذي كان يتطلع ليس إلى مقابلة والده فحسب، بل إلى ذلك الحنان الذي حُرم منه عشر سنوات، كانت المفاجأة أن والده الذي كان يعمل تاجراً في اللؤلؤ ومتشدداً في تفسيره لكثير من تعاليم الدين الإسلامي قد قابله بشيء من الجفوة والقسوة وفرض عليه أسلوباً في التربية غاية في القسوة.
 هذا اللقاء الجاف لا بد وان يكون له تأثيره اللاحق على حياة القصيمي، يقول القصيمي واصفاً ذلك اللقاء في إحدى رسائله التي بعث بها إلى الأستاذ أحمد السباعي( كانت صدمة قاسية لأكثر وأبعد من حساب، لقد وجدت والدي متديناً متعصباً بلا حدود، لقد حوله الدين والتدين إلى فظاظة أو حول هو الدين والتدين إلى فظاظة .. لقد جاء فظاً بالتفاسير والأسباب التي جاء بها الدين وحاول أن يبدو كذلك ولا يراه رجل دين وداعية صادقاً إلا بقدر ما يجد فيه من العبوس والفظاظة .. ) .
 التحق القصيمي في مدرسة الشيخ علي المحمود، ثم توفي والده عام 1922م فتحرر من تلك القيود التي كبل بها وانطلق يواصل تعليمه، فأعجب به التاجر عبدالعزيز الراشد الذي أخذه معه إلى العراق والهند وسوريا، تعلم القصيمي بدايةً في مدرسة الشيخ أمين الشنقيطي في الزبير، ويذكر الأستاذ يعقوب الرشيد أنه التحق بالمدرسة الرحمانية بالزبير،   ثم انتقل إلى الهند ومكث بها عامين تعلم في إحدى المدارس هناك اللغة العربية والأحاديث النبوية وأسس الشريعة الإسلامية، ثم عاد إلى العراق والتحق بالمدرسة الكاظمية ثم انصرف عنها إلى دمشق ثم إلى القاهرة التي شهدت الميلاد الحقيقي للقصيمي.
ماسبب التسمية بالقصيمي ؟!!
يرى الأستاذ عبد الرحمن البطحي أن هناك سبباً وراء التسمية بالقصيمي، وهو أن القصيمي عندما التحق بالأزهر ، كان الأزهر موزعاً إلى أروقة يختص كل رواق بناحية من نواحي العالم الإسلامي، فهناك الرواق العراقي ورواق المغاربة والرواق الشامي والحجازي وغيرها، وحيثُ لا يوجد آنذاك ما يسمى بالرواق النجدي ، فقد سألت اللجنة الموكلة بتوزيع الطلبة على الأروقة عبد الله القصيمي عن منطقته التي جاء منها ، فقال: أنا من نجد!! فقررت اللجنة أن تضمه إلى رواق العراق لقربه جغرافياً من منطقة نجد، فانظم إلى العراقيين في رواقهم، فوجده العراقيون مختلفاً عنهم فسألوه عن منطقته التي جاء منها، فأجابهم بأنه من القصيم بنجد!! فسماه العراقيون بالقصيمي فذهبت علماً عليه داخل الأزهر، فاتخذها الشيخ عبد الله رمزاً أدبياً بعد ذلك ثم أصبحت اسماً له ولأولاده من بعده.
يرى الدكتور فيصل القصيمي أنه من المحتمل أن التسمية بالقصيمي قد جاءت من العراقيين عندما كان والده يدرس في العراق، فاتخذها والده رمزاً أدبياً بعد ذلك ثم اسماً إلى اليوم والغد! .
 إيلاف

قصة قصيرة أحلام يوم غائم- عادل كامل

قصة قصيرة

 أحلام يوم غائم


عادل كامل
    لم يفلح الفأر، رغم تحرشاته، ولكزاته، وقذفه بالحصى، ووخزه بمخالبه، في إيقاظ الأسد، حتى بدا له شبيها ً بالتمثال الذي طالما أثار إعجابه، بهيأته، ورشاقته، وتناسق نظراته مع جسده.
   عاد الفأر، مرة ثانية، يتحرش، ويوخز، من غير جدوى. حتى فكر ان يسرق إحدى العربات التي كانت تفخخ، في الحديقة، ويقودها بنفسه، ليفجر القفص؛ والأسد في عرينه.
ـ عرينه...، لا.
متابعا ً بصوت ساخر:
ـ عن أي عرين أتحدث...،  وأنا لا أشاهد إلا أرضا ً مبللة رائحتها تذهب ابعد من أسوار الحديقة، حتى أصبح المسكين ينام فوق برازه!
   واستغرب الفأر إنهم كانوا شيدوا له تمثالا ً، أقاموه، عند المدخل، منذ سنوات بعيدة، وها هو لم يعد يكترث لماضيه، ولا للزائرين، وهم ـ مثله ـ فشلوا في إثارته، وإيقاظه من سباته العميق.
ـ أسد...؟!
   لأنه شاهد الدب يرقص، كما شاهد الذئاب لا تكف عن الحركة، ومراقبه الزوار، ورأى الزرافة تلوح برأسها كأنها مازالت في البرية، والتمساح يداعب أصابع الأطفال بمرح، والكركدن يحدق في السماء، وشاهد سواها، عدا الأسد، ومعه ليوث آخرين أيضا ً، يغطون في سبات عميق.
   كانت ظهيرة باردة، غائمة، والسماء تنذر بسقوط المطر، عندما خرج الفأر خصيصا ً لزيارته، إثر حلم رأى فيه الأسد، منتفضا ً، غاضبا ً، يلقي خطابا ً في الساحة الكبرى، وسط الحديقة، ويدعوا لإنزال الهزيمة بالثعالب، وبنات أوى، والنمور، والدعالج، والأفاعي، والخنازير، وبالمخلوقات المماثلة، في مكرها، ووضاعتها.
   ثم ها هو يجد الأسد جثة هامدة. فلكزه بقوة، ووخزه بشوكة، وما ان لمح الدم يخرج من الجرح، حتى أدرك انه على قيد الحياة، مما أثار فضوله، وحيرته. فابتعد عنه، مرتجف الأوصال:
ـ لا معنى للحديث معك عن الماضي السحيق.
   لكن الفأر سمع لغط الزائرين، المتجمهرين، فشاهدهم ضجرين، يتأففون، وحائرين أيضا ً، فقال يخاطبه:
ـ بل أنا أحدثك عن العصر الذي لم يجرأ أحدا ً إلا ان يقدم لك الولاء والطاعة ...، مع إننا لم ننس ان ما فعله أسلافي، وأجدادي، وآبائي من احترام لكم، فكنا نأتيك بالهدايا، للاعتراف لك بالسيادة، والفخامة، والعظمة.
صمت برهة وقال لنفسه:
ـ لا معنى للاسترسال..، فأنت تعرف ان زمنك ولى...، وأصبحت عتيقا ً، باليا ً، لا تصلح حتى للسيرك! مع انك طالما أثرت إعجابنا بوثباتك، ورقصاتك، ومهارتك في القفزات البهلوانية...، ولكن ما الذي كان يدور في رأسي، بعد ان رأيتك في الحلم؟
    ارتج جسد الفأر، وهو يشاهد الزائرين يتجمهرون خلف القضبان، فسأل نفسه: ما الذي يثير فضولهم، ودهشتهم  ..؟
فسمع احدهم يقول:
ـ ربما هرم، وأصبح عاجزا ً..
وأضاف آخر:
ـ وتعب من الزعامة، ارتوى منها، شبع، فتخلى عنها.
ـ ربما يعاني من الجوع، أو من الخنوع، أو الإذلال!
ـ أو أصيب بأحد أمراض العصر..
ـ أو في الغالب فقد مرحه، وهيبته، ورهبته ...؟
    اقترب الفأر منه كثيرا ً، من غير حذر، وحدق في رأسه الكبير، وراح يتتبع ملتقطا ً الذبذبات الصادرة عن دماغه:
ـ أيها الفأر...، ماذا تريد مني...؟ منذ ساعة وأنت تدور، وتهذي، وكأنك الموت نفسه جاء يبشرني بالخلاص...، فعد ـ أرجوك ـ إلى جحرك، لعل أسد التراب يبتلعك، في الطريق..، أو يجهز عليك كلب من كلابنا السائبة!
فدار بخلد الفأر: حتى في نومه، وفي لاوعيه مازال شرسا ً، وعدوانيا ً!
ـ أيها الغبي...، لو كنت شريرا ً، كما قلت، لمسحت الأرض بك، فما أنت سوى لقمة ضئيلة ...، وإلا فأنني سأنتفض...، مع إنني اعرف انك ستلوذ بالفرار...، كما يفعل أمثالك، الأنذال، وكما فعل أسلافك، وهربوا من الغابات، وغزوا قرى البشر ومدنهم.
ـ لن اهرب...، فلوا افترستني سأقول هذا أفضل من ان أموت بين أنياب قط، أو كلب متوحش...، فهذه حسنة نادرة آمل ان تفعلها، فانا طالما حلمت ان يفترسني أسد بدل الموت في حفرة مظلمة.
ـ لن ادعك تستفزني، فانا عمليا ً لا أريد ان اعرف ما يدور برؤوس الحمقى وهم أكثر سخفا ً وبذاءة منك...، فعليك ان لا تتجاوز حدودك.
ـ وأنت...، هل عرفتها؟
ـ إنها بحدود المساحة التي أشعلها!
ـ مسكين، لم يتركوا لك من الأرض الشاسعة، ومن غاباتها، ومن براريها، إلا مسحة بحدود جسدك!
ـ وماذا افعل بها حتى لو وهبوني أرضا ً بسعة السماء؟
ـ حسنا ًلم يفعلوا ذلك!
ـ نذل..، فأر مطابخ، مجاري، ومزابل...، وبوزك ملوث بالسخام، ومصيرك أما ينتهي داخل المصيدة، أو تمزقك الأنياب..
ـ وأنت، يا سيدي، هل يشفع لك تمثالك...، وهذا الجمهور الغفير من المعجبين الساخرين، المستهزئين، والمتندرين بك...؟
ـ يا أحمق، أنا هو من لم يعد مكترثا ً للدنيا وما فيها، لا ماضيها ولا مستقبلها، بعد ان بانت عن حقيقة أوهامها، أو قل: أوهام حقيقتها !
فقال الفأر ساخرا ً:
ـ حتى أنا آبى ان أبول عليك!
ـ نذل، قلت انك نذل، ككل حيوان مأبون، ابسط أفعاله النذالة!
ـ أنا لست مأفونا، ولا مثليا ً، أنا ـ يا سيدي ـ ضحيتكم!
ـ وهل أنا هو المدير...؟
   سمع احد الزوار يخاطبه:
ـ عضه!
 فأجابه:
ـ أنا لست كلبا ً سائبا ً، ألا ترى الأسد يحلم!
   صفق الجمهور، وارتفعت هتافاتهم، فسمع الفأر احدهم يسأله:
ـ وبماذا يحلم؟
ـ يحلم ان تغادروا الحديقة، كي يستيقظ، وينتظر حلول الليل، لتأمل النجوم، والمجرات، والكوزرات...!
ـ اهو من الحرس الخاص؟
ـ لا ..، هو من أنهى دورهم، وجعل حديقتنا منزوعة السلاح، فهو اتخذ من المنقرضات قدوة له...!
صفقوا للفأر:
ـ عجيب..، ان نجد فأرا ً يفكر في هذه الحديقة؟
ـ أسس..، قد يسمعنا المدير...، وقد يسمعنا الأسد...، فماذا افعل، أم ان موتي سيبهجكم...، لأن دوري، هو الآخر، أصبح فائضا ً...؟
    دار بخلد الأسد، وقد أدار ظهره نحو الجدار، تاركا ً الزوار في حيرة اكبر، ان المصائب لا تأتي إلا بحلول عمياء! مع ان نهاياتها لا تذهب ابعد من مقدماتها إلا بوصفهما بالغة التوازن، متابعا ً مع نفسه: فطالما ذكر جدي: سيأتي الزمن الذي تتندر فيه عليكم أرذل البهائم، واقلها حنكة، ولكن أشدها قدرة على المواجهة، البقاء،  والعبور.
  اقترب الفأر من آذنه، هامسا ً:
ـ لا تكترث ...، سأروي لك الحلم الذي رأيته، للجميع.
    ساد الصمت، لبرهة، ثم سمع امرأة تطلب ان يسرد لها تفاصيل الحلم، من غير تفسير، أو تأويل:
ـ لم يكن حلما ً بمعنى إشباع الرغبة، أو الاستمتاع، أو التحذير، بل كان كابوسا ً.                                  عادت وأكدت إنها ليست بحاجة إلى التفسير، والإفراط في المبالغة:
ـ لا تتفلسف...، طلبنا منك ان تروي ما شاهدت، ومن الأفضل ان تسلينا، مادمنا في عصر التسليات.
ـ آ ....
تأوه، ثم بدأ يروي بصوت متقطع:
ـ كنت أقف قدام سيادته، في الباب. فسألني: ماذا تفعل...؟ فقلت: جئت أؤدي ولاء الطاعة، والشكر، والامتنان. لكن الأسد انتفض، ونزل من المنصة، واخذ يلاطفني ومسح علي ّ بلسانه الكريم...، لم يبصق في فمي!، بل مسح جسدي كله، وباركني. وقال لي: مبارك دربك يا غلام.  آنذاك فقدت الوعي، لزمن وجيز، وما ان أفقت، حتى رحت أشاهد الأسد يثب، ويرتفع عاليا ً، فقد أصبح يحوّم بأجنحة نسر، فوق سماء الحديقة. ثم فجأة اكفهرت الدنيا، فأرعدت السماء، أبرقت، اغبرت، اسودت، وامتلأت بسلاسل دوي حتى حسبت إنها نهاية الدنيا. فهمس الأسد في إذني: إنها الحرب...، إنها الحرب، إنها الحرب. كررها ثلاث مرات. فسألته والفزع كاد يقتلعني قلعا ً: ماذا افعل...؟ غاب الأسد لحظات، توارى، ثم ظهر أمامي عاريا ً، من غير جلد، ومن غير شعر، وقد انتزعت أنيابه منه وقطع ذيله...، حتى بدا لي مثل ديناصور صغير غاطس في بركة..، فسألته: ماذا حدث؟ أجاب بتردد: اسكت، أخشى عليك ان تعاقب بجريرة انك من أتباعي، أو لأنك رأيتني، ورأيت هذا الذي أنا نفسي لم أره منذ زمن بعيد. فضحكت، وأنا اخبره: ماذا أبقيت لي كي يأخذوه مني، فأنت سلخت جلدي وجلود أسلافي سلخا ً لم يسمح لي إلا ان أكون من أتباعك، حتى قيام الساعة.
صاحت السيدة بصوت مرتفع:
ـ ليس هذا هو الحلم الذي رأيته...!
فسألها الفأر باستغراب:
ـ أكنت في رأسي؟
 أجابت بصوت جازم:
ـ لا تموه...، أرجوك، وإلا سأضطر لإخبار السيد المدير؟
ـ ومن أنت ...؟
ـ إن لم ترو ...، الحلم كما رايته، فستعرف من أنا؟
    سمع الأسد يأمره بسرد تفاصيل الحلم كاملة، من غير تلاعب، محذرا ً من التمادي في المبالغة، والتهويل، والخداع:
ـ الأسد هو الأسد..، مثل قولنا: ليس لدينا إلا ما هو موجد!
ـ أوجز، ولا تتحايل، فطبائعكم هي التي أفضت بنا إلى هذا الحضيض!
ـ ولكن سعادته لم يكترث للعواصف، والأمطار، ولا للريح ذات الأنياب اللولبية، الشبيهة بمجسات العناكب، وبعض الدابات الليلة، لأن مخلوقات حديقتنا بدأت بالفرار، والهرب، فقد سرت شائعة تقول ان الطوفان على الأسوار ...، وانه سيكنسنا من خارطة البسيطة، ويجتث ماضينا، آنذاك نكون كأننا سقطنا في قاع العدم.  لكن فخامته لم يحرك ساكنا ً، فعطت عليه من شدة الهول: يا سيدي، هذه هي نهاية العالم! فدعنا نهرب. كاد يكشر عن أنيابه، ويغضب، ولكنه أبى وتكبر. فقلت بسليقة الواجب: سأموت معك إذا !. فأقصى ما يحلم به العبد ابن العبد ابن ابن العبيد هو ان يموت من اجل سيده..! آنذاك مرت سفينة كبيرة، بلا أشرعة، أو بيارق، أو دخان، لأنها لم تكن سفينة نوح، ولا سفينة تجارية، أو تقل السائحين، بل كانت سفينة حربية. فانتشلونا عنوة، رغم امتناع سيدي من ذلك. فسيادته أبدى امتعاضه...، في بادئ الأمر، ثم لان، هادن، واسترخى، ورضخ للأمر الواقع..، وأنا عملت مثله.
عادت السيدة تصرخ:
ـ وكيف انتهى الحلم؟
ـ سيدتي، لماذا الصراخ، ما أسبابه، وأنا أكلمك باحترام العقلاء...، هل هذه هي حقوق المرأة....، هل هذه هي المساواة، وأنت سيدة لطيفة جاءت لزياراتنا في مثل هذا اليوم الغائم، المكفهر، الأسود...؟
ـ آسفة، فالعاطفة كادت تفسد علي ّ عقلي، بعد ان بلغت أقاصي الحلم ومناطقه النائية!
ـ لم ينته ...، فانتم تعرفون استحالة وضع خاتمة للذي مقدماته مسبوقة بأسبابها، مثلما تعرفون ان الأسباب ليست بحاجة إلى الأسباب كي تمتد، فالرأس يكمل الذنب، مثلما الذنب لا يمكن فصله عن الرأس، كما روى أسلافنا في غابر الدهر.
وهن للحظة ثم عاد يتكلم:
ـ  عادوا وأقاموا للأسد التمثال ..، وهو القائم اليوم في الباب العظمى لحديقتنا...، ثم دار الزمن دورته، فأكرموه بهذا القفص، وبالأرض التي هي بحجم جسده المبارك! وقالوا له: لن يمسك الضر، ولا الشر، ولا الفاقة، ولا المرض، ولا البرد، ولا التسفيه، حتى نهاية حياتك مهما امتدت وعبرت حواجزها المحرمة.
    خاطب الأسد الفأر عبر الذبذبات، من غير زئير، أو صوت، أو همس:
ـ لِم َحرّفت وحذفت، موّهت وكذّبت، بالغت وأخفيت...، لكن ماذا افعل عندما لا تزوّر الأسفار إلا من أمثالك...؟
ـ صه...! أنا أتحدث إلى السيدة الأولى..؟
  قال الأسد للفأر، بالأسلوب نفسه:
ـ لقد خدعتك...، إنها عشيقته، لأنه طلب منها ان تتجسس علينا مباشرة، بعيدا ً عن الأنظمة الأخرى.
 فخاطبها الفأر:
ـ آ ..، هل أنت سيدة موقرة أم من المخبرات؟
   لم تسمعه، فقال للأسد:
ـ لم تنتبه لي، ولم تجبني.
قال الأسد له:
ـ أنا مازلت أسدا ً، وعليك ان تعرف مع من تتكلم؟
اقترب الفأر من الأسد، وهمس في آذنه:
ـ أصبح عدد الزائرين لا يحتمل، كأن يوم القيامة حل علينا، في هذا اليوم المكفهر...، فالسماء اسودت، والعاصفة اشتدت.
سمع ذبذبات الأسد:
ـ يا أحمق، الشمس مازالت في الأعالي تؤدي عملها..، وما هذه الغيوم إلا شبيهة بهذا الطوفان، مهمتها حجب الحقيقة.
  ارتج جسد الفأر:
ـ أشم رائحة كريهة..
ـ وهل هناك عفنا ً اشد من رائحتك ...، لأنك كنت تحلم ان تراني ميتا ً..، وها أنا لم أمت...؟
وقال متابعا ً:
ـ والآن اخبرني كم بلغ عدد المشيعين ...؟
ـ سيدي ...، الآن فهمت! فاغفر لي ارتكابي لهذا الذنب...؟
فسأله الأسد:
ـ ماذا فهمت؟
ـ انك أنت من يشيعهم إلى الأبدية!
واسترسل الفأر:
ـ لقد اشتدت العاصفة، وراحت تقتلع الأشجار، وتهدم الأسوار، وتكنس العلامات، فهي تهب من الشمال ومن الجنوب، ومن اليسار ومن اليمين ...، أيها الميت انهض! أرجوك، باسم أسلافك وأحفادك ..، هم يستنجدون، ويستغيثون، ويطلبون العون منك!
ـ أغلق فمك، أرجوك، فانا لا امتلك سفينة...، وأنت تعرف إنها كانت بارجة حربية...، وذهبت، فلا تربك علي ّ خاتمة الحلم!
ـ آ ....، أكان هذا وهما ً...؟ أكان هذا سرابا ً...؟
ـ لا ...، لم يكن وهما ً ولا سرابا ً...، فعندما تستيقظ ستكتشف انك بانتظار قرون كي ترى انك لم تستيقظ أبدا ً، وما ان ترفع رأسك حتى تجده طار في الهواء، أو أكلته الضباع، فلا تجهد نفسك بتأويل ما تراه، فانا أصدرت تعاليمي بمراقبة أحلام هؤلاء النائمين، فانا لا أتوقف عند التأويل، ولا عند التفسير، ولا عند تعدد الاحتمالات...، لأنني ساترك الحلم يذهب ابعد من الحالم، مثلما تعلمت ان ادع الحالم يذهب ابعد من أحلامه.
5/3/2015
   

ملحمة جلجامش,اللوح الثامن : جنازة إنكيدو:ترجمها الى الإنجليزية أندرو آر جورج 1999:ترجمها عن الإنجليزية الى العربية د. أنور غني الموسوي 2015

د. أنور غني الموسوي
ملحمة جلجامش
سين ليقي اونيني
اللوح الثامن : جنازة إنكيدو
ترجمها الى الإنجليزية أندرو آر جورج 1999
ترجمها عن الإنجليزية الى العربية د. أنور غني الموسوي 2015
النسخة النموذجية البابلية لملحمة جلجامش ( هو الذي رأى العمق)


مع أول بصيص للفجر
أخذ جلجامش يندب صديقه
إنكيدو يا من أمّك ظبية
و أبوك حمار وحشيّ
يا من أرضعتك الحمر الوحشية حليبها
يا من علّمتك البهائم الرعي في العشب
إنكيدو ،لتندبك طرق غابة الأرز
ليل نهار بلا توقف
ليندبك شيوخ أوروك
لتندبك الحشود التي اعطتنا بركتها
لتندبك قمم التلال و الجبال
....... النقية
مراعي الكلأ ستنوح عليك كوالدة
لتندبك أشجار البقس و السرو و الأرز
التي في وسطها سرنا بعنفوان
ليندبك الدبّ و الضبع و النمر و الفهد و الأيّل و أبن آوى
و الأسد و الثور البرّي و الظبي و الوعل و جميع البهائم في البريّة
و نهر أولي المقدّس
الذي على طول منحدراته مشينا بعنفوان
ليندبك الفرات النقي
الذي سكبنا مائه في الشراب من القِرِب
ليندبك شباب أوروك
الذين شاهدوا نزالنا حينما قتلنا ثور السماء
ليندبك الفلاح في حرثه
حينما يمجّد إسمك بترانيمه العذبة
ليندبك ... الحشد في أوروك
من أرسل إسمك ... مع أوّل
ليندبك الراعي في مراعيه
الذي صنع لفمك الحليب و الزبدة
ليندبك إبن الراعي
الذي صنع الزبدة لك
ليندبك صانع الخمر
الذي صنع الشراب لفمك
لتبكيك الغانية
التي مسحتك بدهن حلو
لتندبك ... التي في بيت الزفاف
التي .... زوجة
ليندبك ...
ليندبك كإخوة
لتنشر جدائلها كأخوات
لأجل إنكيدو ، أمّك و أبوك ...
من الأن سأندبك كل يوم
إسمعوني أيها الشباب إسمعوني
إسمعوني يا شيوخ أوروك إسمعوني
سأبكي على إنكيدو صديقي
كإمرأة تمتهن النوح ، و سأنتحب بمرارة
كان الفأس التي تثق بها يدي
و الخنجر الذي في قرابي ، و الترس الذي يقي وجهي
كسائي للعيد ، و كان نطاق إبتهاجي
ريح شريرة أخذته و سلبتني
يا صديقي ، حمار وحشي في السباق ، حمار في الرابية ، و نمر في البرية
صديقي إنكيدو حمار وحشي في السباق ، و حمار في الرابية و نمر في البرية .
اجتمعت قوانا حين تسلقنا الجبال
و تظافرت حين قتلنا ثور السماء
و دمرنا خمبابا الذي يقطن غابات الأرز
و الآن أية نومة تلك التي قبضت عليك
أنت أصبحت فاقد الإحساس ، أنت لا تسمعني
رفعه لكنه لم يرفع رأسه
تحّسس قلبه ، لكنه لا ينبض
لقد غطى وجه صديقه كما يغطى وجه العروس
كالنسر أخذ يدور حوله
كلبوة حرمت من أشبالها
مشى هنا و هناك في هذا الطريق و ذاك
شعره المجعّد نتفه الى أكوام
لقد شقّ جيبه و كشيء محظور طرحه عنه
عند أول بصيص لبزوغ الفجر
جلجامش أرسل نداء الى الأرض
أيها الحداد ، النحاس ، الصائغ
زيّنوا صديقي
لقد صنع تمثالا لصديقه
ذراعي صديقي يجب أن تكونا .....
حاجباك يجب أن تكون من اللازورد ، و صدرك من الذهب
جسده يجب أن يكون من .....
يجب علي أن أسجيّك على سرير عظيم
عليّ أن أسجيّك على سرير المجد
عليّ أن أضعك على يساري على كرسيّ مريح
حكّام العالم السفلي سيقبّلون قدميك
سأجعل سكّان أوروك يندبونك و ينوحون عليك
و ساجعل أهل الفرح يحزنون عليك
بعد أن تذهب سيتجعّد شعري من الحزن
و بجلد أسد ساطوف البريّة
عند أوّل بصيص للفجر
جلجامش صعد و دخل خزانته
فكّ اقفالها و نظر الى المجوهرات
عقيق أحمر ، لازورد ، مرمر
عملوا بدّقة ومهارة
زودهم لأجل صديقه ....
..... زودهم لأجل صديقه
..... منّاً من الذهب زوّدهم لأجل صديقه
..... منّاً من الذهب زوّدهم لأجل صديقه
..... منّاً من الذهب زوّدهم لأجل صديقه
..... منّاً من الذهب زوّدهم لأجل صديقه
و بينها جعل ثلاثين منّا من الذهب
......زوّدهم لأجل صديقه
......زوّدهم لأجل صديقه
.....زوّدهم لسُمكه
......زوّدهم لأجل صديقه
............. كبير
......زوّدهم لأجل صديقه
.... لاجل خصره
......زوّدهم لأجل صديقه
......زوّدهم لأجل صديقه
......زوّدهم لأجل صديقه
......زوّدهم لأجل صديقه
......زوّدهم لأجل صديقه
...... لأجل قدمه
.... من العاج
الذي ثبّته ب.... مناً من الذهب
العظيم .... لذراعه .... زوّدهم لأجل صديقه
.... و تثبيته من الذهب ، زوّدهم لأجل صديقه
... ذراعه من العاج
الذي ثبته باربعين مناً من الذهب ، لأجل صديقه
ثلاثة أذرع طوله ....
.... سمكه ، زوّدهم لأجل صديقه
..... من الذهب الخالص
.... العقيق الأحمر
مثبّت ....
لأجل صديقه
لقد ذبح الثيران و الخراف السمينة و جعلها كوما عاليا لأجل صديقه
.... شَمَش ....
حملوا جميع اللحم الى حكّام العالم السفلي
الملكة العظيمة عشتار
عصى الرمي و خشبة الوهج
لأجل الملكة العظيمة عشتار ، عرضها أمام إله الشمس
( عسى أن تقبل عشار العظيمة ذلك
عسى ان ترحّب بصديقي و تكون بجانبه )
........................
لأجل نمرا ست ، عرضه أمام إله الشمس
( عسى أن يقبل نمرا ست ذلك
و يرحب بصديقي و يركون بجانبه )
قارورة من اللازورد
لأجل إرشكيجال ، ملكة العالم السفلي ، عرضها أمام إله الشمس
عسى أن تقبل إرشكيجال ذلك
و ترحّب بصديقي و تكون بجانبه
مزمار من العقيق الأحمر
لأجل ديموزي ، الراعي محبوب عشتار ، عرضه أمام إله الشمس
عسى أن يقبل ديموزي ذلك
و يرحّب بصديقي و يكون بقربه
كرسيّ من اللازورد
عكاز من اللازورد
لأجل نمتار وزير العالم السلفي ، عرضها أمام إله المس
عسى أن يقبل نمتار ذلك
و يرحّب بصديقي و يكون بجانبه
...............
لأجل هوشبيشا ، مضيف العالم السلفي
عسى ان يقبل هوشبيشا ذلك
و يرحّب بصديقي و يكون بجانبه
لقد صنع ...
قبضة من فضّة و سوارا من ....
لأجل كاسو تابات كنّاس إرشكيجال و عرضه أمام إله الشمس
عسى كاسو تابات يقبل ذلك
و يرحّب بصديقي و يكون بجانبه
عسى أنّ صديقي لا ... ، و لا أن يصاب في قلبه
من المرمر المرصّع باللازورد و العقيق الأحمر .
برسم لغابة الأرز
مطعّم بالعقيق الأحمر
لأجل نونشالوهّا ، منظّفة البيت ، عرضه أمام إله الشمس
عسى أنّ نونشالوهّا منظفة البيت تقبل ذلك
و ترحّب بصديقي و تكون بجانبه
عسى نونشالوهّا تكون.... قبل صديقي
عسى أنّ صديقي لا ... ، و لا يصاب في قلبه
خنجر ذو حدّين بمقبض من اللازورد
مزخرف بصورة الفرات النقي
لأجل بيبّو قصّاب العالم السفلي ، عرضه أمام إله الشمس
عسى أن يقبل بيبّو قصّاب العالم السفلي المزدحم ذلك
و يرحّب بصديقي و يكون بجانبه
......مع مسند من المرمر
لأجل ديموزي- أبزو كبش العالم السلفي ، عرضه أمام إله الشمس
عسى أن يقبل ديموزي - أبزو كبش العالم السلفي المزدحم ذلك
و يرحّب بصديقي و يكون بجانبه
...... الذي قمّته من لازورد
مرصّع باللازورد
لأجل ....... عرضه أمام إله الشمس
عسى أنّ ..... يقبل ذلك
عسى أن يرحّب بصديقي و يكون بجانبه
( بعد فجوة يرجع النص يكون المتكلم شخص آخر غير جلجامش )
.... الذي نحن ....
.....أسماؤهم ....
..... حكام الأنونّاكي .........
جلجامش سمع تلك الكلمات
و استوعب فكرة ( سدّ ) النهر
مع أول بصيص للفجر
جلجامش فتح بابه
جاء بمائدة كبيرة مصنوعة من خشب الأمّاكو
ملأها بصحون مصنوعة من العقيق الأحمر
ملأها بصحون مصنوعة من اللازورد
لقد زيّنَ ... و عرضها أمام إله الشمس
لقد عرضها أمام إله الشمس
( باقي تفاصيل جنازة إنكيدو لم ترَ الضوء الى الآن)
&&&&&&&&&&&&&
إنتهى اللوح الثامن


غالب المسعودي - ألعنكبوت(قصة سُريالية)

الجمعة، 27 مارس 2015

قصيدة الومضة في الشعر العراقي المعاصر:د.انور غني الموسوي

الاختزال و التكثيف من مطالب الكلام الفطرية ، حتى انها تعد من جماليته الشعبية ، و ما يتفاخر به اهل اللغة من قديم الازمان ، وهو احد اهم مظاهر البلاغة و الفصاحة العربية ، كما ان قصيدة البيت الواحد معروفة و مشهورة عند العرب ، وهكذا الحال في قصائد الهايكو .
ان التوظيف الجمالي للغة الاقتصادية المختزلة له مفهومه الواضح ادبيا ، كما انه قد يحاكي الحركة التقليلية (minimalism ) التي تعتمد على اقل ما يمكن من عناصر الفن كالألوان في الفن التشكيلي ، او الكلمات ، بعيدا عن الزوائد كما نراه واضحا في كتابات ستيفن كرين احد رواد اللغة التقليلية و قصيدة الومضة في القرن التاسع عشر . و لحقيقة تخلّي اللغة الفنية المعاصرة عن الجماليات الشكلية ، فلقد برزت ملامح فنية لقصيدة الومضة صارت مقومة لتعريفها و جوهرها .
لو تتبعنا المقالات النقدية التي تناولت قصيدة الومضة ( 1) ، نجد ان هناك ملامح واضحة للفنية فيها ، يمكن تلخيصها بالأمور التالية :
1 – الاقتصاد اللغوي بالايجاز ، و الكثافة و التركيز، و تجنب الزوائد و النعوت الفرعية .
2 الوحدة العضوية المتكاملة و الفكرة الواحد و اندماج الشكل و المحتوى بحصر المحتوى بدفقة فكرية واحدة واضحة البداية والنهاية .
3 اللغة الوامضة : بالإيماض داخل النص من جهة، وفي ذات المتلقي من جهة أخرى مع توتر شديد فعلي وانفعالي، يمنحها قدرة أكبر على التعامل مع الحدث، الّذي يومض داخل النص وخارجه معتمدة المفارقة الصادمة وكسر التوقع و الإدهاش العالي .
.فهنا لدينا ثلاثة فصول سنتناول فيها تلك الملامح مع نماذج من قصيدة الومضة العراقية لكتابات متقدمة كلغة وامضة .
الفصل الاول : الوحدة العضوية المتكاملة
الوحدة العضوية في قصيدة الومضة اكثر من واضحة ، بل احيانا لا تجد الاسناد الا لموضوع واحد ، يقول ناصر الحاج :
(الفكرةُ المتدليةَ
من نافذةِ
الليل
تقضمني
بعينيها خلسةً
من بياضها
المتورد
من أقاصي
الحياء )
من الواضح دوران جميع الكلمات و بشكل متراص و مكثف حول الفكرة ، التي هي قطب النص و محوره البين ، ونلاحظ بوضوح ذوبان الزمن و الذات و النعوت في عالم ذلك الموضوع ، فلا تجد شيئا بعيدا عن ذلك القطب المركزي .
و يقول خالد العزاوي :
(سيان عندي
أن أغني للحبِ
أو للحربِ
أغني ,فقط..
لست سوى
حنجرة ٍعمياء
ومغن أحمق. )
نلاحظ هنا دوران فلك القصيدة و كواكبها المشدودة الى مورد المجرة النصية بانجذاب عظيم ، الا وهو الانا الكونية ، انا المتكلم الغارقة في عمق الانسانية ، و تلك الظلال الوصفية و المسندات ، كلها مشدودة بعالم كتلي متراص نحو المحور النصي ذلك الانا العميق .
و يقول سعد عودة
(عندما أفاق
وجد حلمهُ على وشكِ الخروج
من الغرفة
فألتحف بيأسهِ
ونام )
نلاحظ تلك المعاني و الارادات و الرغبات و السكونات كلها منشدة و مجذوب نحو محور النص و مركزه و هو الغائب العميق ، ضمير ( هو ) المتناهي في جذور الانسانية و ضياعها المميت . ورغم سعة المعاني التي تجلت في فضاء النص ، كالحلم و الياس ، الا انها ذابت كليا في تلك الغرفة و ذلك النوم لذلك البطل الاسطوري البائس .
و يقول قاسم وداي :
( على النهر الممتد بين ضفاف البيوت… ناديتها
فكان الصدى حوار الصمت )
نلاحظ النص جميعه يتمحور حول تلك اللحظة المميزة في المكان الحبيب ، مع الصدى الحبيب ، بالصمت الحبيب ، انها شعلة مضيئة من الشعور العميق ، و النشوة العارمة الاخاذة ، المحور و المكرز الذي يذوب فيه الانا و الاخر و الزمان و المكان .
وتقول صبا ا لعنزي :
(خمائل العمر
بدت نائمة
على زهرة الرازقي اأبيض
حين اقبل الصبح
منتشيا
بسكر خفيف
من اشعة الشمس )
اننا نرى كيف ان النوم على الزهر ، حينما اقبل الصباح منتشيا ، كان يلتف خمائل العمر ، مركز النص و محوره ، جميع تلك الفضاءات و الارادت ، تذوب و بقوة في خمائل العمر النائمة .
و يقول وادي الحلفي :
(ايها المحبوك بحب النخيل
وانت تهز جذع البنادق
لينهال الرطب
هكذا انحنت لك السنابل
عند اخضرار عودك
في سماء الوطن )
الاخر المخاطب ، الحامل للمعاني الكبيرة و الحبيبة و العطاء الكبير في ، النخيل ،و الرطب ، و السنابل ، و الاخضرار ، لأجل سماء الوطن الحبيب ، كل هذه المعاني تتجسد شاخصة في محور النص و مركزه الا وهو الاخر المخاطب ، الذي يهز جذع البنادق .
لو لاحظنا النصوص المتقدم و رغم قصرها فانها تخلق تاريخا نصيا هائلا ، وهذا الامر لم يكن متيسرا الا لعمق الموضوع و تركيز النص ، و كثافة اللغة .
الفصل الثاني : اللغة المقتصدة
الاقتصاد في اللغة من الميزات المهمة لقصيدة الومضة ، ليس فقط في قصر المقطوعة بل ايضا في خلوها من الزوائد و الايضاحات ،و التكثيف بمعنى اخر ، انها تعتمد الايحاء و الاخفاء و عدم البيان التفصيلي و تهتم فقط بجوهر الفكرة و قضيتها المركزية .
يقول ناصر الحاج
(أخبرتكَ
للمرةِ الالف
وأنت تُعيد
الامساك بحجرين
من الغيم
ليس هناك
سلالمَ خلفيةٍ
للمطر .. )
من الواضح الاقتصاد الشديد في الكلام ، بحيث لا تجد نعتا الا ما هو ضروري في ( المرة الالف ) و ( السلالم الخلفية ) و التي لا بد منها ، و اما باقي المفردات فكلها مجردة ، انها لغة مركزة في بنائها و ليس فقط في بوحها و دلالتها .
و يقول خالد العزاوي
( أنا وطن كبير
يبحث عن ظلِ
في خوذةِ
جندي )
نلاحظ الاختزال الكبير في المفردات ، و خلوها من الزوائد فلا نعوت الا ما هو ضروري في ( وطن كبير ) و اما الباقي فخط مستقيم تعبيري نحو النهاية .
و في بناء تقليلي فذ فعلا و عالي المستوى يقول قاسم وداي :
( هم يملكون الظلام ..
وأنا سراجي أسنانها )
فليس هنا سوى خط بناء اختزالي مكثف و سريع بعيد عن كل تفرعات او ايضحات نعتية او اعتراضية ، و بكتلة كلامة متراصة ، بعوالم من المعنى واسعة ، ذات ايحاء و عمق كبيرين .
و يقول وداي الحلفي
(ما لهذه الظلال
تركت اشجارها
بارده في فمي
) نلاحظ ان الكلام يتجه بسرعة نحو النهاية دون توقف او اعتراض او تفريع ، يتجه نحو الكمال البوحي ، برمزية عميقة و مجازية واسعة و لغة وامضة .
و كذا الحال في لوحة لصبا العنزي
(العالم…
اكذوبة
في فراغ )
فاننا نجد العبارة تتجه بقوة نحو النهاية ، في بناء متراص بعيد عن الزوائد ، و من خلال ظلال المعنى و عوالم الدلالات تنفجر الجملة على فضاء واسع من البوح و الايحاء .
و يقول سعد عودة
( انا كأيّ أتجاهٍ اخر
مايهمّهُ فقط نقطة ارتكازه
في هذه اللحظة)
التكثيف و الاقتصاد يأخذ مساحة واسعة في النص ، فلا مجال الا لما هو ضروري من الاعتارض ب( كاي اتجاه اخر ) لبيان الوحدة ، فالعبارة ليس فقط تتجه نحو النهاية بقوة بل ايضا نحو نفسها نحو نقطة واضحة ، معبأة بسيل من نقاط التوهج المعنوي الكبير.
الفصل : اللغة الواضمة و المفارقة
تتجه قصيدة الومضة الى التكثيف الكلامي و القولي الشديد و السريع ، معتمدة في الادهاش كثيرا على المفارقة الظاهرية و الخفية ، سواء بالابتعاد المتقصد عن جو النص ، و خلق التضاد و التقاطع اللفظي و التعبيري ، او بنحو مفارقة عميقة بالتناقض بين ظاهر النص و باطنه المكشوف بمفاتيح و رسائل و اضحة ،و بينما الاخير من وسائل و تقنيات الشعر وخصوصا قصيدة النثر ، فان المفارقة اللفظية و كسر خط الافادة و البناء هي الاوضح و الألصق بقصيدة الومضة . و نجد كل ذلك ظاهرا في قصيدة الومضة العراقية .
يقول قاسم وداي
( يكفيني وجهها ……….
.أذا أزدحم الظلام .)
نجد هنا وجه الخلاص و وجه الامل ، الذي يكفي النفس الكبيرة المريدة ، في زمن يزدحم فيه الظلام ، هنا تلك المعاني التي تنطلق بسرعة كبيرة نحو المركز ، نحو بؤرة عميق في النص انه وجهها ، ثم تنبثق منه مرة اخرى لتضيء ، هذه الحركة العظيمة ضمن عالم مشدود متراص ، احد عوالم الادهاش و الوحدة .
و في انحناءة خطية كبيرة محققة المفارقة في خط البناء اللغوي يقول قاسم وداي
( خبئيني بين جفنيك حتى يزورني الدمع لأغسل ذنوبي )
اذ تأتي عبارة ( لأغسل ذنوبي ) بكل الصدمة و الادهاش و الانحاء في خط بناء الافادة .
و في لوحة وامضة رمزية و عالية يقول وادي الحلفي
(ما لهذه الظلال
تركت اشجارها
بارده في فمي )
فبعد اتجاه اللغة نحو درجة الصفر في الافادة يأتي كسر واضح لمنطقيتها بعبارة ( باردة في فمي ) لتحقق مفارقة مدهشة و صادمة .
و في تعبيرية وامضة و خاطفة يتحقق الكسر المنطقي لبناء اللغة في نص لناصر الحاج
(ذلكَ الحجر
الذي مستهُ
الروعةِ
مازال مثقوباً
بالكلمةِ
بما يكفي
ليتسرب منه
الحب )
فبعد ان صاغت المفردات و التراكيب في النص جوا خاص للنص متجها نحو حقل من المعنى معين ، تأتي الانحناءت المفارقية لتحدث استرجاعا قراءاتيا بعبارة ( منه الحب ) .
و في لوحة وامضة تعبيرية يقول سعد عودة
(عندما رأى وجهَ أبيه
الذي توفى قبل ساعة
ابتسم
لم يكن يفرق بين وجهِ أبيه
ووجوه الذين قتلهم )
هنا اكثر من موضع لكسر منطقية الافادة و البناء الخطي للغة ، ففي ( ابتسم ) خرق فاضح لجوّ النص الحزائني و في ( الذين قتلهم ) خرق اخر لجوّ الحميمية ، فتتحق المفارقة بنموذجية عالية هنا .
و في ومضة بارعة لصبا العنزي يتحقق ارتداد تعبيري في نص تقول فيه
(قلبي
ﻻ يحتمل الخطايا
هو يذوب بها فقط )
نلاحظ الانكسار التعبيري و الانحناء في خط الافادة من جو مليء بالاعتراض ، الى حالة من التسليم محققة للمفارقة الصادمة و المدهشة .
ان اهمية قصيدة الومضة لا تكمن فقط في ما تحققه من جمالية و تجسيد لغايات اللغة الفطرية من التكثيف و الاختزال ، و انما ايضا اعتمادها تقنيات لا تسعها الكثير من التناولات المعتمدة على الخطابية ،فالقصيدة الوامضة خرق حر لخطابية اللغة ، و من يجعلها ضمن اشكال الخطاب اللغوي انما يمارس التحكم و الاقحام و مثل تلك الدراسات ستصطدم بالذوق الفطري و المطالب الاولية لأصول التخاطب .
كما انه قد اتضح في ضوء ما تقدم ان قصيدة الومضة ليست جنسا مختلفا في قبال قصيدة النثر ، بل هي قصيدة النثر الا انها بتقنيات خاصة و نمطية معينة ، ربما تكون مبثوثة بشكل غير نمطي و غير منتظم في قصيدة النثر النموذجية التي تتسم بحرية اكبر و انبساطية و بوحية اكثر في عوالم و فضاءات واسعة تبلغ درجة الحلم و السحر .
و قصيدة الومضة بصفاتها المقومة تدخل تحت اللغة التعبيرية ، و تقترب كثيرا من حركة التعبيرية التقليلية في الفن التشكيلي (minimalism ) ، و الذي ربما يستدعي ايضا نقدا تقليليا بعيدا عن الزوائد و التفرعات ، يتكلم عن الجمال بلغة مكثفة و مختزلة و يشير الى عناصر الابداع بلغة مقتصدة ، و ربما سنشهد ولادة المقالة القصيرة جدا في المستقبل القريب .
1- المصادر المشار اليها
– لقمان محمود : ( جماليات قصيدة الومضة في مرايا صغيرة ) : جريدة الاتحاد
– فواز حجّو : الومضة الشعرية : ستارت تايمز
– علوان سلمان : شنوار ابراهيم و القصيدة الكردية الوامضة : صحيفة النور
– أديب حسين محمد : ما هي قصيدة الومضة : جريدة الحوار المتمدن .

الخميس، 26 مارس 2015

اتحاد ادباء وكتاب بابل يستضيف الفنان غالب المسعودي بمحاضرة بعنوان العنف وثقافة الاطفال






أسمت ألامم المتحدة ومن خلال منظمة اليونيسيف أن العام 2014 هو عام تدمير الطفولة, وأوردت إحصائيات مثيرة للدهشة, من يريد أن يتابعها عليه الرجوع للتقرير, وطبعا يحتل العراق أرقام الصدارة في التقرير, ولا زلنا نتساءل لم نحن متخلفون و في قاع الحضارة الانسانية, وكما هي العلوم علينا أن نراجع الاسباب أو ما يصطلح عليه إيتالوجيا ألمعرفة, سنجد أننا ندار من قبل إمرأة أجمل صفاتها أنها مومس وعوراءوالدليل على ذلك ملفات الفساد الاداري والمالي وملفات الفضائيين التي كشفها السيد رئيس الوزراء العراقي بعظمة لسانه تجعلنا نستنتج انك
عندما لاتستحي إفعل ما شئت,وعلى صعيد تجربتي الشخصية وانا اعمل في مستشفى تعليمي الكثير مما يشبه هذا وكتبت عنه كثيرا وعلى ما يبدو لاتوجد آذان صاغية إبتداءً من البصمة الذكيةإلى اتهام علية المجتمع وهم الاطباء الاختصاصيون بانهم غير ملتزمين, وعلى ما يبدو أن تيار العولمة يزيح تاثير المعنى ويسلع كل شيء بما فيها الثقافة والدين ,إذ أصبح الانسان سلعة رخيصة يباع في طاسات العنف بكل اشكاله إبتداء من العنف الجسدي الى العنف الثقافي ,وهنا لاأحمل الحكومات في بلدنا أي مسؤلية لأنها تقوم بواجبها الوظيفي, لكن المشكلة تبدو اكثر عمقا إذا راجعنا موقف المثقفون المقاولون, الذي أصبح يجسر الهوة بين الواقع المتردي وطموح الانسان, كلوا ما شئتم ونلبي ما شئنا
أن تعمل بواقعية وإخلاص أمر محضور بل إعمل بالرمزية والسريالية والتكعيبية لك الخيار, لأنك إبن الحداثة, وفي ألحداثة لا تملك فعل قرارك, وماذا يترتب على قرار لايعفي من ضريبة الخبز, عليك أن توقع على بنود وبنود,والفعالية لا تترتب على قرارك حتى لو كنت من دولة خارج المجموعة الشمسية أي كائن فضائي, عليك ان تكون رمزيا وشفافا,وتحترم قرارات ألسلطة أن يبكي طفلك من جوع أو يتهشم رأسه من تفجير أو يعاقبه الكون بالتهجيرأو يشكو مسن من نقص دواء, عليك ان تعيش طقوس الرمز فالرمز لنا غذاء, فالرمز لا يفتش أحذيتنا في مطارات الشمس ,نحن مشغولون ونعمل بهدوء نتتجسس على المحاكم الدولية وضمن الجدول الزمني, دون رقابة كأننا نمارس ميكانزما فرنسيا يسموه في أمريكا دوكي ستايل ,لكننا نفضل الطريقة الفرنسية لان كل حقوقنا مضمونة, لاتتعجب أدر ظهرك وسترى ,أن من يدير مستقبلك ومستقبل اطفالك, لأن المذنب تسجل مصيره الأمم المتحدة, كما جاء في التقرير, فكل ملفاتنا انهيناها وسلمناها, وعندما يصدر التقرير النهائي نتهم الآخر بالتزوير ,وأحكامه لاتسري علينا وهل هو عضو في محكمة روما ,جل دوره إنه عضو مراقب, يستطيع فقط ان يراقب لا يمتلك سلطة قرار, وفي هذه الحال كل حقوقنا مضمونة, وهذه مذ بدأت السلطة تأخذ ألبيعة بألسيف ,وتستأجر الشعراء للغناء فوق خيبتنا وتتصدى للانصاف ,ولا تدرك أن الشعب حينما يجوع ينقلب دبا روسيا لاتسكته صفعات عصي الاورال, لكن للاسف دبنا دب رمزي أسكتته سكرات الكلمات وخدرته الخطب الرنانة ,يسكر خارج الحانة, ومزته بصلا ويبدو أن البصل ممنوع داخل الحانات,
فكل حقوقنا مضمونة , الأطفال يتحكمون بمصائرنا و تصدت لهم اليونيسيف, لم ترمهم في مزبلة التاريخ بل قالت هذه أفئدتهم فأصحوا يا سكان البسيطة, هذه نتائج إدارة ألاطفال ,لاتتهموا الامبريالية وتتهموا الصهيونية,ما هم إلا سوبر ماركت للاسلحة من يدفع اكثر يشتري أكثر وتعرفون أن الاطفال تحب الشراء ,إن مكنتوهم بأي صفة سنجلب لهم لعب أطفال أكثر.
ملفاتنا انهيانها, والامم المتحدة
تتسري بكم ولانحن عضو في محكمة روما, وكل ما نحمل عضوية مراقب

الجمعة، 20 مارس 2015

حبر الإيرانيات أحمر .. سجينات طهران يكتبن أوجاعهن في أعمال أدبية-عبير زيتون



حبر الإيرانيات أحمر .. سجينات طهران يكتبن أوجاعهن في أعمال أدبية



عبير زيتون


واقع مستتر يحمل في أعماقه قصصا موجعة ومفجعة، متشابهة في تفاصيلها ونهاياتها المأساوية، يتجرع ضحاياها الإهانات ويخشون الكشف عما في صدورهم من عذاب وقهر خوفا من بطش أنظمة جائرة أو خوفا من عار الفضيحة، تخرج إلينا في العلن بشكل متواتر مع تطور وسائل الاتصال والطفرة التكنولوجية التي باتت وسيلة ناجعة في كشف المستور والمسكوت عنه.. هذا الواقع المعلن والمضمر، تنتشر تفاصيله من إيران، عبر ما تيسر من وسائط إعلامية، فتنقل صورة عن منظومة قروسطية، تتغول فيها السلطة التي يمتلكها أصحاب الاجتهادات في النص، فتنتهك الكرامة الإنسانية، وتقوض أسس العدالة.

لم تهدأ بعد، صرخة حبر الكلمات التي حملتها رسالة الشابة الإيرانية الراحلة بقوة حكم حبل المشنقة ريحانة جباري، ذات الستة وعشرين ربيعا.. تلك الرسالة التي بعثت بها إلى والدتها قبل تنفيذ حكم الإعدام بحقها، وهي تعري بدم الروح المفجوعة العدالة المفقودة ما يجري داخل السجون الإيرانية من انتهاكات وتعذيب واضطهاد واغتصاب بحق النساء المسجونات، تحت اتهامات شتى باسم العدالة..

ريحانة وأتينا

بعد تلك الرسالة/ الوثيقة خرجت إلى العلن بالصوت والصورة الشابة الإيرانية الشجاعة (أتينا فرقداني) المفرج عنها من سجن (أفين) سيئ الصيت بطهران على خلفية إقامتها معرضا حول انتهاك حقوق الأطفال في بلادها، بالإضافة إلى لقاءاتها التي تخالف مزاج السلطة مع أسر المعتقلين السياسيين وقتلى الانتفاضة الخضراء عام 2009، لتكشف عن تجربتها الشخصية المريرة طوال شهرين في المعتقل مع التعذيب والضرب وهتك الأعراض، حيث فضحت وجود كاميرات سرية في حمامات سجن النساء الذي تشرف عليه استخبارات الحرس الثوري.

وتحدثت الرسامة والناشطة الحقوقية (اتينا) في شريط فيديو نشر على مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعية قبل أسابيع، ونشرته قناة «العربية» عن تعرضها لشتى أنواع الضغوط النفسية خلال فترة اعتقالها، وعن إجبارها على خلع ملابسها وتعرضها للضرب مع كيل الشتائم والألفاظ البذيئة، وقالت إنها أضربت عن الطعام بعد مرور شهر ونصف وأفرج عنها بكفالة مالية بعد تدهور حالتها الصحية بانتظار مثولها أمام محكمة الثورة بطهران.

وأوضحت فرقداني أن الغرض من نشر هذا الفيديو على مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي فضح الإساءات المتكررة التي تحدث بحق النساء السجينات المعتقلات الإيرانيات كي تتوقف هذه الحوادث المؤذية.

وكانت الشابة الإيرانية الراحلة ريحانة جباري المتهمة بقتل ضابط استخبارات سابق حاول التعدي عليها واغتصابها، قد نفذ حكم الإعدام بحقها يوم 25 أكتوبر عام 2014 رغم تدخل المنظمات الدولية واستنكارها، وتركت ريحانة قبل رحيلها رسالة تصف فيها ما تعرضت له في السجون من ضرب واعتداء وتحرش، وفيها تقول: «كم كان متفائلا من أنتظر العدالة؟ لم يساعدني أحد وأنا تحت ضربات المحقق أسمع أحط ألفاظ السباب، وحين تخلصت من آخر علامات الجمال الباقية في جسدي بحلاقة شعري أعطوني مكافأة أحد عشر يوما في الحبس الانفرادي، أمام محكمة الله سأوجه الاتهام إلى المفتشين، سأوجه الاتهام إلى المفتش شاملو، سأوجه الاتهام إلى القاضي وإلى قضاة المحكمة العليا الذين ضربوني وأنا مستيقظة ولم يتورعوا عن التحرش بي.

لوليتا في طهران

هاتان الواقعتان تضيئان على حال المرأة الإيرانية، في مواجهة نظام تحكمي، يزجرها ويقصيها بالدرجة الأولى ككائن إنساني، وقد أثمر هذا الصراع عن محاولات جريئة قامت بها نساء باسلات للكشف عن مجاهل العنف والقسوة بكتب ذكريات ومذكرات، باتت اليوم من وثائق الإدانة ضد النظام الجائر. وقد لاحظت جريدة «نيويورك تايمز» الأميركية أنّ 370 امرأة إيرانية كتبن في السنوات الأخيرة كتباً مختلفة تخالف التوجّه الدّينيّ والسّياسيّ الملاّلي في إيران، الذي يقوم في أساسه على العنصرية الجنسية ويعمل جاهدا على التدمير التام لشخصية المرأة عبر سياسة الاضطهاد والإذلال والقمع.

ومن بعض الأعمال الروائية المشهورة في هذا المجال والجريئة في إفصاحها عما تعرض له النساء في السجون والمعتقلات الإيرانية وترجمت عربيا، العمل الأدبي الذي خطته الكاتبة والبرفسورة آذر نفيسي، على شكل سيرة ذاتية يحمل عنوان «من يقرأ لوليتا في طهران ـ ذكريات» الصادرة علم 2003 والأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة، وترجم إلى عدة لغات، نجحت من خلاله في تقديم قراءة لواقع سياسي وصراع سلطوي في طهران من خلال تجربتها الشخصية ومعاناتها الحياتية.

فآذر نفيسي رفضت ارتداء «التشادور»، مما سبّب لها ـ كأستاذة للأدب الإنجليزيّ ـ الطرد من جامعة طهران، فأصبحت تُدرِّس الأدب الإنجليزي لطلاّبها في بيتها، حيث تكوّنت أحداث روايتها «من يقرأ لوليتا في طهران»، والتي تُظهر فيها، كيف أنّ النساء الإيرانيات يخفن، أن تفلت خصلة من شعرهن خارج الحجاب مما سيؤدي بهن إلى الجلد والسجن، وربما الاغتصاب والموت.

حكايات خلف الأسوار

أما رواية «سجينة طهران» الصادرة عام 2013 للكاتبة ماريا نعمت، (ترجمة سهى الشامي) فتتذوق مع حروف مذكراتها ألم العذاب ومرارة طعم الاضطهاد والظلم في تجربتها الحية مع الاعتقال والتعذيب وهي ابنة السادسة عشرة، وقد صدر بحقها حكم الإعدام بتهمة ارتكاب جرائم تهدد الأمن القومي.

وفي رواية «بنات طهران» الواقعية للكاتبة ناهيد رشلان (ترجمة عمر الأيوبي) الصادرة عام 2008 تروي الكاتبة معاناة حياتها وعائلتها في أحد الأحياء الفقيرة بطهران مع الفقر وسياسة التمييز الجنسي، والجهل والغيبيات المسيطرة على عقول الناس.

وتكشف قصة «رجم ثريا» الصادرة عام 2011 للكاتب الإيراني فيدون صاحب جم (ترجمة كوثر محمد وإيناس حامد المغربي) عن الوجه القبيح لعدالة المتطرفين في إيران أثناء حكم الخميني عام 1986 عبر وقائع حادثة إعدام بالرجم حتى الموت بحق شابة في الخامسة والثلاثين من عمرها، والتي يقول المؤلف فيها إنها ليست سوى واحدة من بين آلاف الإعدامات المماثلة التي شهدتها إيران بعد خلع شاه إيران ووصول النظام الأصولي بقيادة آية الله الخميني إلى السلطة في شباط عام 1979.

أما رواية «طهران الضوء القاتم» للكاتب مير حسن جهلين الصادرة عام 2014 (ترجمة غسان سليم حمدان) فقد صودرت أكثر من مرة وكاد كاتبها أن يسجن بسببها لولا هروبه إلى ألمانيا بعد تعرضه لعدة محاولات اغتيال على يد السلطات، التي لم ترق لها رواية تصور الفساد الاجتماعي والنفاق الأخلاقي في عهد الثورة الخمينية.

ومؤخرا صدرت رواية «يوميات امرأة في سجون إيران» للصحفية كاميليا انتخابي فرد (ترجمة أسامة منزلجي)، وقد سجنت المؤلفة بتهمة تهديد الأمن القومي وتحدي نظام الحكم. وتصور الرواية حالة التجريف الثقافي التي ارتكبتها سلطة الملالي للتراث الإيراني في محاولة منها لطمس معالم الثقافة والهوية الإيرانية واستبدالها بثقافة تخدم السلطة الدينية الحاكمة.

الجلاّد/ الزوج

وفي كتاب «الإنسان الإسلامي الجديد: السجن السياسي في إيران» الصادم حد الرعب من حجم الوقائع الواردة فيه بالأرقام والإحصائيات للكاتبة وعالمة الاجتماع الإيرانية شهلا شفيق، والذي وصفه الكاتب جورج طرابيشي في قراءة عن أبعاده النفسية، أنه رحلة في عمق جحيم القرون الوسطى، لا التاريخ هو التاريخ، ولا الجغرافيا هي الجغرافيا، فالجحيم القروسطي ليس جحيم أوروبا اللاتينية، ولا محاكم التفتيش هي محاكم الكنيسة الكاثوليكية، بل نحن في إيران في العقد التاسع من القرن العشرين، والمحاكم هي محاكم الثورة الإسلامية، أما الحقبة الزمنية فهي الحقبة الخمينية الممتدة من مطلع نيسان (أبريل) 1979 يوم أعلن الإمام الخميني: (اليوم تقوم حكومة الله في إيران)، إلى يوم وفاة زعيم الثورة الإسلامية في 3 حزيران (يونيو) 1989، وهي الحقبة التي دشنها الإمام الخميني بالقول في تصريح أدلى به لصحيفة «لاكروا» الفرنسية في 1 تشرين الثاني (نوفمبر) 1978: «لن يكون هناك وجود في الدولة المستقبلية، لسجناء سياسيين»!

تقول شهلا شفيق في كتابها: «إن مصير النساء في سجون الثورة الإسلامية الإيرانية يبدو أسوأ من مصير الرجال، وما ذلك فقط لأن النساء أضعف مقاومة، وأقل احتمالاً للتعذيب، بل كذلك لأن المرأة تُعتبر، من المنظور اللاهوتي للنظام الإيراني، عنصراً مغوياً، وجسدها بما هو كذلك محل للشر والدنس، وتعذيب جسد المرأة قد يأخذ شكل اغتصاب، وعلى رغم ضرورة الكتمان، التي تفرض نفسها في مثل هذه الأحوال، وُجدت بين السجينات السياسيات الإيرانيات من يمتلكن الجرأة، لكن الكثيرات منهن لم تتح لهن الفرصة لا للكلام ولا للصمت. فالمغتصبات غالباً ما يتم إعدامهن، وغالباً أيضاً ما يكون اغتصابهن هو الفعل الأخير السابق لإعدامهن، ذلك أن القاعدة في السجن السياسي الإيراني أن المرأة، المقرر إعدامها، لا تعدم إذا كانت غير متزوجة، وبما أن هناك معتقداً لاهوتياً مؤداه أن المرأة إذا ماتت غير متزوجة ذهبت إلى الجنة، لذا وضماناً لذهابها إلى النار، فإن المناضلة السياسية تُزوّج قبل أن تُعدم، تُزوج للجلاد الذي سيتولى إعدامها، وهذا الزواج يتم بموجب عقد شرعي رسمي يتضمن، في ما يتضمن، تحديداً لمقدار (المهر)، وهذا المهر يدفع لاحقاً لعائلة الضحية ويكون بمثابة إشعار رسمي بأنها... أُعدمت.

* الاتحاد


التاريخ : 2015/03/19 10:31:59

الثلاثاء، 17 مارس 2015

لعبة الحبال- عادل كامل-

قصة قصيرة



لعبة الحبال

عادل كامل
ـ أترى ما يحدث هناك، أم اختلطت عليك الرؤية، مثلي...؟
   سألت السلحفاة الضفدع البدين، وهما يراقبان ما يجري في ساحة الحديقة الكبرى. فقال الأخير:
ـ لو كنت أرى جيدا ً لمكثت في القاع...، فالبركة مدفني وأنا مدفنها...، ولكن الضوضاء  هي التي أثارت انتباهي، وفضولي...، وهي التي أثارت فضولك ِ أيضا ً. 
    رفعت السلحفاة رأسها المدبب، مصغية إلى الأصوات المبهمة المختلطة تأتيها مشوشة، متقطعة، مثلما كانت الصور تأتيها مبهمة فكانت تشاهد كرات تتطاير متلاصقة وأخرى متباعدة، وثمة حبال بدت لها شبيهة بحلقات الدخان وأخرى حلزونية ترتفع عاليا ً في الفضاء.
   فقالت الضفدعة بتوجس:
ـ كأنها حفلة راقصة، كأنهم يبتهجون بيوم الفأر الأكبر، أو لمناسبة عيد الخفاش..!
     ابتعدت السلحفاة قليلا ً عن الوحل بغية الغطس، لكنها سألت الضفدعة:
ـ للأسف لم يوجهوا دعوة لنا للاشتراك معهم في هذا الاحتفال..، أليس كذلك..؟
   أومأت برأسها بنعم، لأنها حذرت ان ترفع صوتها خشية الرصد، والمراقبة، فقالت:
ـ ما شأننا بهم، وما شأنهم بنا، فهم في عالم ونحن في عالم آخر. 
وأضافت:
ـ ثم متى كانوا يفكرون بما يجري في مستنقعنا ..، ومتى كنا نفكر بما يجري في أقفاصهم وحظائرهم وإسطبلاتهم، وأجنحتهم الأخرى...
ردت عليها بسخرية:
ـ وماذا يجري في بركتنا!
     لم تجب، فقد خالجها إحساس بالحذر من زميلتها السلحفاة. فلم تسرف في الكلام.
   فقالت السلحفاة وهي تراقب المشهد عن بعد:
ـ ها هم  يلعبون بالحبال...، فانا أرى وثباتهم، إلى الأعلى، والى اليسار تارة، والى اليمين تارة أخرى....، فانا أرى هالات وغمامات تتداخل من ثم تأخذ بالاتساع...، وأخرى تتناثر فوق التراب.
ـ دعيني أشاهد...، فانا نظري كليل.
   فقالت الضفدعة:
ـ بل أراهم يحّومون، يصعدون، يدورون، وارى الحبال هي التي تمسك بهم، مرة، واراهم يمسكون بالحبال مرة ثانية.
ـ وما هو الاختلاف...، إن أمسكت الحبال بهم، أو هم امسكوا بها، فاللعبة تتطلب مثل هذه المهارة...، ومثل هذا الذكاء!
    اقترب جرذ بحجم قطة، منهما، بنية شرب الماء، من البركة، فسألته السلحفاة:
ـ في اعتقادك، أيها العزيز، ماذا يجري في الساحة الكبرى؟
    رفع رأسه ونظر إلى اليسار، والى اليمين، ونطق بتردد:
ـ مع إنهم لا يسمحون لنا بالاقتراب، بل ولا يسمحون لنا بمغادرة حدود أجنحتنا، أي جحورنا، فانا اعتقد إنهم يتدربون!
    اقتربت الضفدعة منه وسألته بصوت خفيض:
ـ يتدربون...، ماذا تقصد...؟
ـ  وأنا أغادر جحري طلبا ً للارتواء بهذا الماء الأزرق، سمعت ثورا ً يتحدث مع ابن أوى ويقول له: إنهم يستعدون لخوض غمار الحرب!
اقتربت السلحفاة كثيرا ً منه وسألته بصوت مرتبك:
ـ ماذا قلت يا جرذ النفايات...؟
ـ اقسم لك...، أنا سمعت...، فانا أصغيت إلى الثور يتحدث عن الاستعدادات...، وهذا يعني إنهم رفعوا الشعار الخالد: التدريب، ثم التدريب، ثم التدريب! 
ولم يكمل: ثم الهزيمة. ضحكت السلحفاة وهي تخاطب الضفدعة:
ـ دعينا نرجع إلى وطننا ونبحث عن حشرة، أو عن قشة.
  فسألها الجرذ:
ـ أتأكلون القش، أم هذه إشاعة...؟
   خافت السلحفاة:
ـ سيدي، أنت تعرف إننا لا نسرف في الطعام، فالإسراف مضر...، كما إننا كائنات عشبية في الأصل، وأخيرا ً لماذا تعتقد إننا نبث الإشاعات...؟
ابتسمت الضفدعة وهي تواصل كلامها:
ـ مع ان الأزمات ما انفكت تتفاقم علينا، لكنها أزمات خلاقة، ثم إنها ناعمة، وكما يقال: حريرية، وشفافة! 
ـ آسف...، فانا لم اقصد الاستفزاز...، أو جس النبض، فانا لا أتصيد زلات اللسان، فقد ولى والى الأبد زمن الجواسيس، والتجسس،  وزمن الوشاية، والوشاة، بفضل الرصد الالكتروني ذاتي الذكاء، ألا يكفي هذا ....للاطمئنان؟
  بصوت ناعم اعتذرت وقال:
ـ في الواقع كنا سألناك عما يجري، هناك، في الساحة...، ولم يخطر ببالنا إضاعة الوقت في سفاسف عفى عليها الزمن، وأصبحت من الماضي.
فقال:
ـ أنا لم اقل كلاما ً زائدا ً، بل قلت لكما: إنهم يتدربون....، والتدريب ضرورة استعدادا ً للمواجهة...، فانا لم أتحدث حتى عن الأزمات الخلاقة.
    صرخت الضفدعة في وجهه، بعد ان استنشقت رائحة كلب يقترب:
ـ أغرب عنا يا لص المزابل، وابحث عن حشفة لم تلتقطها العصافير!
   قبل ان يولي الأدبار تمتم:
ـ هذا أفضل من العيش في مثل هذا المستنقع، والحشفة أفضل من القش، مع إنها نعمة لا تقدر بثمن وإن كانت محض فضلات!
     اقترب كلب نحيل ولعق بلسانه قطرات من الماء، فسألته السلحفاة:
ـ يا صديقنا، يا شبيه النمور، ماذا يجري في الساحة الكبرى....؟
تأوه، وتنفس قليلا ً من الهواء، وهز ذيله:
ـ أين...؟
ـ قلت لك في الساحة الكبرى...؟
   فقالت الضفدعة تخاطب السلحفاة:
ـ المسكين هرم، شاخ، ونوعه يوشك على الانقراض...، فهو لم يعد يكترث بالأصوات  ...، ولا بالاحتفالات، ولا حتى بالمناسبات البهيجة!
فقال لها:
ـ تأدبي! فانا لم اعزل من العمل، ولم أصبح فائضا ً...، ولكن لماذا لم توجه لكما الدعوة للمشاركة في الاحتفال...، اقصد لماذا لم يتم استدعاءكما؟
ـ يستدعوننا....، ماذا فعلنا..؟
ـ اقصد للمشاركة في عرس مديرنا العظيم...!
ـ آ ...
وتأوهت السلحفاة بنشوة زائفة، لتسأله في الحال:
ـ لقد عرفنا الطرف الأول...، ولكن من هي صاحبة السعادة سيدة الحديقة الأولى...؟
  فقال بصوت جهوري:
ـ وهل هناك غير أستاذتنا الببغاء تليق بمقام استأذنا كبير العظماء؟
ـ يا له من عرس كبير، زعيمنا الثعلب منحها حظوة السيدة الأولى، وجعل منها مستشارة فوق العادة!
    اعترض الكلب، وقد بدأ يتراجع خطوات إلى الخلف:
ـ لا تفسدوا علينا حرية التعبير، ولا تدعوهم يتراجعون ويقننون الكلام علينا!
   صاحت الضفدعة تنق نقيقا ً:
ـ من يفسد هذه الحرية، نحن أم أنت أيها الكلب السائب غير الملتزم بالولاء لزعيمنا الخالد...؟
   ولى من غير اثر. فتقدم نحو البركة دب ضخم، وراح يرتوي من مائها. فسألته السلحفاة:
ـ بارد! ومنعش، هذا الماء الأزرق المشبع بالاخضرار...، أليس كذلك؟
رد الدب بنشوة:
ـ  بل أكثر من ذلك...، حتى لو كان باردا ً في هذا الشتاء الشديد البرودة، وحتى لو كان اخضر مشبعا ً بالاحمرار والسواد البرّاق!
ـ آ ...، دب مؤمن! ولكنك لم تخبرنا بما يجري في ساحة العظماء...؟
ـ ماذا يجري...؟
   تساءل شارد الذهن، ثم أضاف:
ـ آ ....، يتدربون على أعمال بهلوانية استعدادا ً لاستقبال زائر كبير...!
ـ كل هذا الهرج، وهذا الصخب، من اجل الاستقبال..؟
ـ من يعلم..؟ قد يكون ابتهاجا ً لمناسبة ما، فالمناسبات لا تعد ولا تحصى، حتى ان باقي الحدائق تحسدنا على هذا الترف الباذخ في المسرات، السعادات، والنعيم!
   اقتربت الضفدعة منه وهمست في آذنه تسأله:
ـ لماذا تكذب، أثمة ضرورة لهذا الكذب...؟
ـ أنا...؟
  رد باستغراب، وأجاب بذهول:
ـ اكذب على من...؟
ـ تكذب على نفسك!
    كاد يسقط من شدة الضحك، فقالت السلحفاة له وهي تحدق في فمه الكبير:
ـ ما هذه الأسنان الخرافية..؟
ـ ما بها...؟
ـ كأنك سرقتها من تمساح ميت، أو من ديناصور منقرض...؟
    أجاب وهو ينهض بصعوبة من شدة الضحك، مبتعدا ً لتلافي نتائج الجدل:
ـ بعد لحظات ستتهمونني بسرقتها من وحيد القرن، أو من ذئب أعمى!
   قالت الضفدعة للسلحفاة:
ـ دعينا من هذا المشرد...، لنقترب ونرى ما يحدث، على ارض الواقع.
ـ أنا لا أجازف...، فقد نتعرض للاختطاف، أو القتل...، فالضواري طليقة، والجوارح تحّوم ...
ـ آ ...، منذ زمن بعيد لم نر مثل هذه الفعاليات والأعمال البهلوانية..، رغم البرد الشديد في هذا الشتاء القارص.
ـ بالفعل ...، فانا أرى النمر يثب إلى الأعلى، أعلى من الحبال، وارى القرود تمشي فوقها  بلا حذر...، بل ها هو الدولفين ذاته يقفز أعلى منها ويدور في الفضاء، يا له من مهرجان يبعث في النفس البهجة، والمسرة!
فقالت السلحفاة:
ـ بل أنا أرى الحبال ترتفع إلى الأعلى، وتدور، والنمر يرقص بينها، تتبعه القرود تؤدي قفزات إلى اليسار والى اليمين بخفة ورشاقة...، والحبال تساعد الدولفين على الوقوف بثقة تامة، حتى إنني لا اعرف من يساعد الآخر على هذا اللعب؟
وأضافت:
ـ ها هو النمر يبتعد عن الحبال.
ـ أنا أراه ذئبا ً، أو كلبا ً أجنبيا ً...، بل ربما تكون فقمة، أو كائنا ً مستحدثا ً!
  فردت بانشراح:
ـ ما الفارق...،فالكل يلعب، يتدرب، يلهو، ويمرح...، من الأسد إلى الغزال....، ومن أفراس النهر إلى المستحدثات الذكية، لأن من لا يلعب يطرد من اللعبة، بل ربما يعاقب!
ـ كما طردونا!
ـ دعك ِ من المزاح...، فهم لم يطردوننا...، بل نحن لم نلب الدعوة!
ـ وهل وصلتنا دعوة...؟
ـ أجل...، دعوات، ومنها المشاركة في فعاليات السيرك الكوني!
ـ آ ....، تذكرت، نحن اخترنا الرقص تحت الماء الأزرق الشفاف، وقلنا: لهم تسليانهم ولنا تسالينا! بل قلنا إننا نتفوق عليهم بان حبالنا أكثر مرونة وليونة وانسيابية!
   ساد الصمت لبرهة، تبدد باقتراب أتان تترنح:
ـ يا لهذا الجمال، والرشاقة...، اقتربي، فالماء وفير....، فضلا ً عن توفر العشب والدغل.
   اقتربت ببطء شديد. فصاحت الضفدعة تسألها:
ـ أأنت مريضة، أم ثملة، أم متولهة بحبيب...؟
ردت الأتان بصوت حزين:
ـ ولدت بغلا ً للتو!
ـ جميل...، سلامتك، فما أعظم هذا الانجاز، فولدك لن يصبح حمارا ً، وتحمل عليه الأثقال، مثل أسلافه، ومثلك ِ...  ثم انه لن ينهق، ولن يصبح صوته من أقبح الأصوات! فلماذا أنت حزينة؟
ـ أنا لست حزينة، بغلي هو الحزين، ولدي العاق!
   قالت السلحفاة بأسف:
ـ حتى الأمهات رحن يشهرن بأولادهن، ويقللن من شأنهم...، فيا لها من محنة تجعل الأم تشهر بوليدها، بدل ان تفرح به؟
      قربت الأتان فمها من الماء وراحت ترتوي، وهمت بالانسحاب. فسألتها الضفدعة:
ـ لم تخبرينا عما يجري في المنصة الكبرى..؟
ـ مصيبة!
ـ يا ساتر ....
وتساءلت السلحفاة بخوف:
ـ  هل هم حقا ً يتربون استعدادا ً للدفاع عن حديقتنا ...؟ 
صاحت الأتان:
ـ  عن أي استعدادات تتحدثين ...؟
ـ إذا ً فهم يلعبون، يمرحون...، استعدادا ً لاستقبال زائر كبير...؟
ـ أي لعب، أي استقبال...؟
ـ لكن ما هذا اللعب بالحبال، أيتها الأتان الحزينة، ما هذا الصخب، الزعيق، التهريج، الزئير، العواء، والنباح، ما هذه الوصوصة، والخشخشة والهمهمات...، أليس من اجل الدفاع عن كرامتنا، وحقوقنا، ومجدنا العظيم ...؟
ـ أي مجد...، وأية عظمة...؟
    قالت السلحفاة بصوت مرتبك:
ـ إذا ً...، هذا التدريب على الحبال يجري لإقامة الاحتفال بالعرس، عرس زعيمنا بالاقتران على سيدتنا الأولى...؟
ـ أي عرس...؟
ـ عرس مديرنا على السيدة مستشارته...؟
ـ ما هذا الكلام، من صرّح به...؟
ـ إذا ً هم يتدربون على الألعاب البهلوانية...، فانا رأيت النمر يقفز قفزات عالية في الهواء، تارة يدور الحبل من حوله، وتارة هو يدور من حول الحبل...، ورأيت ابن أوى، مثل الذئب، يجتاز الحبال برشاقة، بخفة، كأنه ساحر، مثل غزال ...، ورأيت الدب ...، بل انظري ـ أيتها الأتان العزيزة ـ كأنه يطير...، حتى وحيد القرن أصبح خفيفا ً مثل ريشة في مهب الريح!
ـ ما هذا الكلام ....، الغريب، غير المسؤول...؟ 
    وابتعدت عنهما، تترنح، توشك على السقوط، صامتة ولم تجب. فصاحت الضفدعة مرة ثانية بصوت حاد النهايات:
ـ إذا ً فأنت تتجاهلين القرار القاضي بمعاقبة كل من لا يبتهج في هذا اليوم البهيج، ويعاقب كل من لا يفرح في هذا النهار السعيد، ويسجن كل من يتخلف عن حضور هذا الاحتفال المجيد....؟
   نهضت الأتان بصعوبة، واقتربت منهما، وفتحت فمها ببطء:
ـ أفضل ان ترجعا إلى قاع المستنقع...، فقد تنجوان من ...، الكارثة!
  فسألتها السلحفاة وهي ترتجف:
ـ أهناك كارثة في الأفق...، بعد ما جرى علينا...؟
    ارتج جسد الأتان، وتمايل، وهي توشك ان تفقد توازنها، بعد ان استعادته قبل قليل، غير قادرة على النطق. فسألتها الضفدعة:
ـ  ماذا حصل، ماذا يحصل...، اخبرينا، قبل ان نتوارى في مستنقعنا الخالد.
قالت بصوت مرتجف:
ـ إنها حفلة موت!
ـ حفلة موت.....؟
ـ نعم...،  فانا رأيت الحبال تدور حول الرقاب، الواحدة بعد الأخرى ...، رقبة الذئب، النمر، الأسد، الفهد، الدب، التمساح....، ثم...، رأيتهم يجرجرون ولدي المسكين...، بغلي الذي ولدته فجر هذا اليوم، فلذة كبدي...، ورأيت أقدامه الصغيرة تتعثر بالأرض، وكاد يقع، ويسقط....، فقلت له: لا تخذلني. فقال لي: تبا ً لك، ماذا فعلت كي أموت، فصحت به: مت مغوارا ً بطلا ً كأنك في ساحات الوغى، والمنازلات الكبرى، ولا تمت ذليلا ً، مثل كلب أجرب يقتل في الظلمات!  
   قالت السلحفاة للضفدعة البدينة:
ـ دعينا نعترف بأننا لم نر صورة، ولم نسمع صوتا ً، ولم نرى شيئا ً غريبا ً، وان ما حصل ليس إلا آثار حمى برد، ووهن ابدأن خاملة...، دعينا نمحو هذا الذي كاد يبدو حقيقة، في هذا الفجر...، ولا نصّدع رؤوسنا بالحبال إن دارت حول رقابهم، أم ان رقابهم هي التي كانت تدور حول الحبال....، فقد ظننا إنها لعبة حبال بريئة، مسلية، ولم يخطر ببالنا إنها لعبة موت!
  اقتربت الأتان منهما، وهمست:
ـ ألا تخشيان خشونة الحبل وقسوته عندما يدور حول الرقبة الناعمة....، الطرية؟ 
صرخت السلحفاة:
ـ نحن نخشى الرقاب الخشنة القاسية عندما تدور حول الحبال الرقيقة، الناعمة! 
14/3/2015