الجمعة، 20 مارس 2015

حبر الإيرانيات أحمر .. سجينات طهران يكتبن أوجاعهن في أعمال أدبية-عبير زيتون



حبر الإيرانيات أحمر .. سجينات طهران يكتبن أوجاعهن في أعمال أدبية



عبير زيتون


واقع مستتر يحمل في أعماقه قصصا موجعة ومفجعة، متشابهة في تفاصيلها ونهاياتها المأساوية، يتجرع ضحاياها الإهانات ويخشون الكشف عما في صدورهم من عذاب وقهر خوفا من بطش أنظمة جائرة أو خوفا من عار الفضيحة، تخرج إلينا في العلن بشكل متواتر مع تطور وسائل الاتصال والطفرة التكنولوجية التي باتت وسيلة ناجعة في كشف المستور والمسكوت عنه.. هذا الواقع المعلن والمضمر، تنتشر تفاصيله من إيران، عبر ما تيسر من وسائط إعلامية، فتنقل صورة عن منظومة قروسطية، تتغول فيها السلطة التي يمتلكها أصحاب الاجتهادات في النص، فتنتهك الكرامة الإنسانية، وتقوض أسس العدالة.

لم تهدأ بعد، صرخة حبر الكلمات التي حملتها رسالة الشابة الإيرانية الراحلة بقوة حكم حبل المشنقة ريحانة جباري، ذات الستة وعشرين ربيعا.. تلك الرسالة التي بعثت بها إلى والدتها قبل تنفيذ حكم الإعدام بحقها، وهي تعري بدم الروح المفجوعة العدالة المفقودة ما يجري داخل السجون الإيرانية من انتهاكات وتعذيب واضطهاد واغتصاب بحق النساء المسجونات، تحت اتهامات شتى باسم العدالة..

ريحانة وأتينا

بعد تلك الرسالة/ الوثيقة خرجت إلى العلن بالصوت والصورة الشابة الإيرانية الشجاعة (أتينا فرقداني) المفرج عنها من سجن (أفين) سيئ الصيت بطهران على خلفية إقامتها معرضا حول انتهاك حقوق الأطفال في بلادها، بالإضافة إلى لقاءاتها التي تخالف مزاج السلطة مع أسر المعتقلين السياسيين وقتلى الانتفاضة الخضراء عام 2009، لتكشف عن تجربتها الشخصية المريرة طوال شهرين في المعتقل مع التعذيب والضرب وهتك الأعراض، حيث فضحت وجود كاميرات سرية في حمامات سجن النساء الذي تشرف عليه استخبارات الحرس الثوري.

وتحدثت الرسامة والناشطة الحقوقية (اتينا) في شريط فيديو نشر على مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعية قبل أسابيع، ونشرته قناة «العربية» عن تعرضها لشتى أنواع الضغوط النفسية خلال فترة اعتقالها، وعن إجبارها على خلع ملابسها وتعرضها للضرب مع كيل الشتائم والألفاظ البذيئة، وقالت إنها أضربت عن الطعام بعد مرور شهر ونصف وأفرج عنها بكفالة مالية بعد تدهور حالتها الصحية بانتظار مثولها أمام محكمة الثورة بطهران.

وأوضحت فرقداني أن الغرض من نشر هذا الفيديو على مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي فضح الإساءات المتكررة التي تحدث بحق النساء السجينات المعتقلات الإيرانيات كي تتوقف هذه الحوادث المؤذية.

وكانت الشابة الإيرانية الراحلة ريحانة جباري المتهمة بقتل ضابط استخبارات سابق حاول التعدي عليها واغتصابها، قد نفذ حكم الإعدام بحقها يوم 25 أكتوبر عام 2014 رغم تدخل المنظمات الدولية واستنكارها، وتركت ريحانة قبل رحيلها رسالة تصف فيها ما تعرضت له في السجون من ضرب واعتداء وتحرش، وفيها تقول: «كم كان متفائلا من أنتظر العدالة؟ لم يساعدني أحد وأنا تحت ضربات المحقق أسمع أحط ألفاظ السباب، وحين تخلصت من آخر علامات الجمال الباقية في جسدي بحلاقة شعري أعطوني مكافأة أحد عشر يوما في الحبس الانفرادي، أمام محكمة الله سأوجه الاتهام إلى المفتشين، سأوجه الاتهام إلى المفتش شاملو، سأوجه الاتهام إلى القاضي وإلى قضاة المحكمة العليا الذين ضربوني وأنا مستيقظة ولم يتورعوا عن التحرش بي.

لوليتا في طهران

هاتان الواقعتان تضيئان على حال المرأة الإيرانية، في مواجهة نظام تحكمي، يزجرها ويقصيها بالدرجة الأولى ككائن إنساني، وقد أثمر هذا الصراع عن محاولات جريئة قامت بها نساء باسلات للكشف عن مجاهل العنف والقسوة بكتب ذكريات ومذكرات، باتت اليوم من وثائق الإدانة ضد النظام الجائر. وقد لاحظت جريدة «نيويورك تايمز» الأميركية أنّ 370 امرأة إيرانية كتبن في السنوات الأخيرة كتباً مختلفة تخالف التوجّه الدّينيّ والسّياسيّ الملاّلي في إيران، الذي يقوم في أساسه على العنصرية الجنسية ويعمل جاهدا على التدمير التام لشخصية المرأة عبر سياسة الاضطهاد والإذلال والقمع.

ومن بعض الأعمال الروائية المشهورة في هذا المجال والجريئة في إفصاحها عما تعرض له النساء في السجون والمعتقلات الإيرانية وترجمت عربيا، العمل الأدبي الذي خطته الكاتبة والبرفسورة آذر نفيسي، على شكل سيرة ذاتية يحمل عنوان «من يقرأ لوليتا في طهران ـ ذكريات» الصادرة علم 2003 والأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة، وترجم إلى عدة لغات، نجحت من خلاله في تقديم قراءة لواقع سياسي وصراع سلطوي في طهران من خلال تجربتها الشخصية ومعاناتها الحياتية.

فآذر نفيسي رفضت ارتداء «التشادور»، مما سبّب لها ـ كأستاذة للأدب الإنجليزيّ ـ الطرد من جامعة طهران، فأصبحت تُدرِّس الأدب الإنجليزي لطلاّبها في بيتها، حيث تكوّنت أحداث روايتها «من يقرأ لوليتا في طهران»، والتي تُظهر فيها، كيف أنّ النساء الإيرانيات يخفن، أن تفلت خصلة من شعرهن خارج الحجاب مما سيؤدي بهن إلى الجلد والسجن، وربما الاغتصاب والموت.

حكايات خلف الأسوار

أما رواية «سجينة طهران» الصادرة عام 2013 للكاتبة ماريا نعمت، (ترجمة سهى الشامي) فتتذوق مع حروف مذكراتها ألم العذاب ومرارة طعم الاضطهاد والظلم في تجربتها الحية مع الاعتقال والتعذيب وهي ابنة السادسة عشرة، وقد صدر بحقها حكم الإعدام بتهمة ارتكاب جرائم تهدد الأمن القومي.

وفي رواية «بنات طهران» الواقعية للكاتبة ناهيد رشلان (ترجمة عمر الأيوبي) الصادرة عام 2008 تروي الكاتبة معاناة حياتها وعائلتها في أحد الأحياء الفقيرة بطهران مع الفقر وسياسة التمييز الجنسي، والجهل والغيبيات المسيطرة على عقول الناس.

وتكشف قصة «رجم ثريا» الصادرة عام 2011 للكاتب الإيراني فيدون صاحب جم (ترجمة كوثر محمد وإيناس حامد المغربي) عن الوجه القبيح لعدالة المتطرفين في إيران أثناء حكم الخميني عام 1986 عبر وقائع حادثة إعدام بالرجم حتى الموت بحق شابة في الخامسة والثلاثين من عمرها، والتي يقول المؤلف فيها إنها ليست سوى واحدة من بين آلاف الإعدامات المماثلة التي شهدتها إيران بعد خلع شاه إيران ووصول النظام الأصولي بقيادة آية الله الخميني إلى السلطة في شباط عام 1979.

أما رواية «طهران الضوء القاتم» للكاتب مير حسن جهلين الصادرة عام 2014 (ترجمة غسان سليم حمدان) فقد صودرت أكثر من مرة وكاد كاتبها أن يسجن بسببها لولا هروبه إلى ألمانيا بعد تعرضه لعدة محاولات اغتيال على يد السلطات، التي لم ترق لها رواية تصور الفساد الاجتماعي والنفاق الأخلاقي في عهد الثورة الخمينية.

ومؤخرا صدرت رواية «يوميات امرأة في سجون إيران» للصحفية كاميليا انتخابي فرد (ترجمة أسامة منزلجي)، وقد سجنت المؤلفة بتهمة تهديد الأمن القومي وتحدي نظام الحكم. وتصور الرواية حالة التجريف الثقافي التي ارتكبتها سلطة الملالي للتراث الإيراني في محاولة منها لطمس معالم الثقافة والهوية الإيرانية واستبدالها بثقافة تخدم السلطة الدينية الحاكمة.

الجلاّد/ الزوج

وفي كتاب «الإنسان الإسلامي الجديد: السجن السياسي في إيران» الصادم حد الرعب من حجم الوقائع الواردة فيه بالأرقام والإحصائيات للكاتبة وعالمة الاجتماع الإيرانية شهلا شفيق، والذي وصفه الكاتب جورج طرابيشي في قراءة عن أبعاده النفسية، أنه رحلة في عمق جحيم القرون الوسطى، لا التاريخ هو التاريخ، ولا الجغرافيا هي الجغرافيا، فالجحيم القروسطي ليس جحيم أوروبا اللاتينية، ولا محاكم التفتيش هي محاكم الكنيسة الكاثوليكية، بل نحن في إيران في العقد التاسع من القرن العشرين، والمحاكم هي محاكم الثورة الإسلامية، أما الحقبة الزمنية فهي الحقبة الخمينية الممتدة من مطلع نيسان (أبريل) 1979 يوم أعلن الإمام الخميني: (اليوم تقوم حكومة الله في إيران)، إلى يوم وفاة زعيم الثورة الإسلامية في 3 حزيران (يونيو) 1989، وهي الحقبة التي دشنها الإمام الخميني بالقول في تصريح أدلى به لصحيفة «لاكروا» الفرنسية في 1 تشرين الثاني (نوفمبر) 1978: «لن يكون هناك وجود في الدولة المستقبلية، لسجناء سياسيين»!

تقول شهلا شفيق في كتابها: «إن مصير النساء في سجون الثورة الإسلامية الإيرانية يبدو أسوأ من مصير الرجال، وما ذلك فقط لأن النساء أضعف مقاومة، وأقل احتمالاً للتعذيب، بل كذلك لأن المرأة تُعتبر، من المنظور اللاهوتي للنظام الإيراني، عنصراً مغوياً، وجسدها بما هو كذلك محل للشر والدنس، وتعذيب جسد المرأة قد يأخذ شكل اغتصاب، وعلى رغم ضرورة الكتمان، التي تفرض نفسها في مثل هذه الأحوال، وُجدت بين السجينات السياسيات الإيرانيات من يمتلكن الجرأة، لكن الكثيرات منهن لم تتح لهن الفرصة لا للكلام ولا للصمت. فالمغتصبات غالباً ما يتم إعدامهن، وغالباً أيضاً ما يكون اغتصابهن هو الفعل الأخير السابق لإعدامهن، ذلك أن القاعدة في السجن السياسي الإيراني أن المرأة، المقرر إعدامها، لا تعدم إذا كانت غير متزوجة، وبما أن هناك معتقداً لاهوتياً مؤداه أن المرأة إذا ماتت غير متزوجة ذهبت إلى الجنة، لذا وضماناً لذهابها إلى النار، فإن المناضلة السياسية تُزوّج قبل أن تُعدم، تُزوج للجلاد الذي سيتولى إعدامها، وهذا الزواج يتم بموجب عقد شرعي رسمي يتضمن، في ما يتضمن، تحديداً لمقدار (المهر)، وهذا المهر يدفع لاحقاً لعائلة الضحية ويكون بمثابة إشعار رسمي بأنها... أُعدمت.

* الاتحاد


التاريخ : 2015/03/19 10:31:59

الثلاثاء، 17 مارس 2015

لعبة الحبال- عادل كامل-

قصة قصيرة



لعبة الحبال

عادل كامل
ـ أترى ما يحدث هناك، أم اختلطت عليك الرؤية، مثلي...؟
   سألت السلحفاة الضفدع البدين، وهما يراقبان ما يجري في ساحة الحديقة الكبرى. فقال الأخير:
ـ لو كنت أرى جيدا ً لمكثت في القاع...، فالبركة مدفني وأنا مدفنها...، ولكن الضوضاء  هي التي أثارت انتباهي، وفضولي...، وهي التي أثارت فضولك ِ أيضا ً. 
    رفعت السلحفاة رأسها المدبب، مصغية إلى الأصوات المبهمة المختلطة تأتيها مشوشة، متقطعة، مثلما كانت الصور تأتيها مبهمة فكانت تشاهد كرات تتطاير متلاصقة وأخرى متباعدة، وثمة حبال بدت لها شبيهة بحلقات الدخان وأخرى حلزونية ترتفع عاليا ً في الفضاء.
   فقالت الضفدعة بتوجس:
ـ كأنها حفلة راقصة، كأنهم يبتهجون بيوم الفأر الأكبر، أو لمناسبة عيد الخفاش..!
     ابتعدت السلحفاة قليلا ً عن الوحل بغية الغطس، لكنها سألت الضفدعة:
ـ للأسف لم يوجهوا دعوة لنا للاشتراك معهم في هذا الاحتفال..، أليس كذلك..؟
   أومأت برأسها بنعم، لأنها حذرت ان ترفع صوتها خشية الرصد، والمراقبة، فقالت:
ـ ما شأننا بهم، وما شأنهم بنا، فهم في عالم ونحن في عالم آخر. 
وأضافت:
ـ ثم متى كانوا يفكرون بما يجري في مستنقعنا ..، ومتى كنا نفكر بما يجري في أقفاصهم وحظائرهم وإسطبلاتهم، وأجنحتهم الأخرى...
ردت عليها بسخرية:
ـ وماذا يجري في بركتنا!
     لم تجب، فقد خالجها إحساس بالحذر من زميلتها السلحفاة. فلم تسرف في الكلام.
   فقالت السلحفاة وهي تراقب المشهد عن بعد:
ـ ها هم  يلعبون بالحبال...، فانا أرى وثباتهم، إلى الأعلى، والى اليسار تارة، والى اليمين تارة أخرى....، فانا أرى هالات وغمامات تتداخل من ثم تأخذ بالاتساع...، وأخرى تتناثر فوق التراب.
ـ دعيني أشاهد...، فانا نظري كليل.
   فقالت الضفدعة:
ـ بل أراهم يحّومون، يصعدون، يدورون، وارى الحبال هي التي تمسك بهم، مرة، واراهم يمسكون بالحبال مرة ثانية.
ـ وما هو الاختلاف...، إن أمسكت الحبال بهم، أو هم امسكوا بها، فاللعبة تتطلب مثل هذه المهارة...، ومثل هذا الذكاء!
    اقترب جرذ بحجم قطة، منهما، بنية شرب الماء، من البركة، فسألته السلحفاة:
ـ في اعتقادك، أيها العزيز، ماذا يجري في الساحة الكبرى؟
    رفع رأسه ونظر إلى اليسار، والى اليمين، ونطق بتردد:
ـ مع إنهم لا يسمحون لنا بالاقتراب، بل ولا يسمحون لنا بمغادرة حدود أجنحتنا، أي جحورنا، فانا اعتقد إنهم يتدربون!
    اقتربت الضفدعة منه وسألته بصوت خفيض:
ـ يتدربون...، ماذا تقصد...؟
ـ  وأنا أغادر جحري طلبا ً للارتواء بهذا الماء الأزرق، سمعت ثورا ً يتحدث مع ابن أوى ويقول له: إنهم يستعدون لخوض غمار الحرب!
اقتربت السلحفاة كثيرا ً منه وسألته بصوت مرتبك:
ـ ماذا قلت يا جرذ النفايات...؟
ـ اقسم لك...، أنا سمعت...، فانا أصغيت إلى الثور يتحدث عن الاستعدادات...، وهذا يعني إنهم رفعوا الشعار الخالد: التدريب، ثم التدريب، ثم التدريب! 
ولم يكمل: ثم الهزيمة. ضحكت السلحفاة وهي تخاطب الضفدعة:
ـ دعينا نرجع إلى وطننا ونبحث عن حشرة، أو عن قشة.
  فسألها الجرذ:
ـ أتأكلون القش، أم هذه إشاعة...؟
   خافت السلحفاة:
ـ سيدي، أنت تعرف إننا لا نسرف في الطعام، فالإسراف مضر...، كما إننا كائنات عشبية في الأصل، وأخيرا ً لماذا تعتقد إننا نبث الإشاعات...؟
ابتسمت الضفدعة وهي تواصل كلامها:
ـ مع ان الأزمات ما انفكت تتفاقم علينا، لكنها أزمات خلاقة، ثم إنها ناعمة، وكما يقال: حريرية، وشفافة! 
ـ آسف...، فانا لم اقصد الاستفزاز...، أو جس النبض، فانا لا أتصيد زلات اللسان، فقد ولى والى الأبد زمن الجواسيس، والتجسس،  وزمن الوشاية، والوشاة، بفضل الرصد الالكتروني ذاتي الذكاء، ألا يكفي هذا ....للاطمئنان؟
  بصوت ناعم اعتذرت وقال:
ـ في الواقع كنا سألناك عما يجري، هناك، في الساحة...، ولم يخطر ببالنا إضاعة الوقت في سفاسف عفى عليها الزمن، وأصبحت من الماضي.
فقال:
ـ أنا لم اقل كلاما ً زائدا ً، بل قلت لكما: إنهم يتدربون....، والتدريب ضرورة استعدادا ً للمواجهة...، فانا لم أتحدث حتى عن الأزمات الخلاقة.
    صرخت الضفدعة في وجهه، بعد ان استنشقت رائحة كلب يقترب:
ـ أغرب عنا يا لص المزابل، وابحث عن حشفة لم تلتقطها العصافير!
   قبل ان يولي الأدبار تمتم:
ـ هذا أفضل من العيش في مثل هذا المستنقع، والحشفة أفضل من القش، مع إنها نعمة لا تقدر بثمن وإن كانت محض فضلات!
     اقترب كلب نحيل ولعق بلسانه قطرات من الماء، فسألته السلحفاة:
ـ يا صديقنا، يا شبيه النمور، ماذا يجري في الساحة الكبرى....؟
تأوه، وتنفس قليلا ً من الهواء، وهز ذيله:
ـ أين...؟
ـ قلت لك في الساحة الكبرى...؟
   فقالت الضفدعة تخاطب السلحفاة:
ـ المسكين هرم، شاخ، ونوعه يوشك على الانقراض...، فهو لم يعد يكترث بالأصوات  ...، ولا بالاحتفالات، ولا حتى بالمناسبات البهيجة!
فقال لها:
ـ تأدبي! فانا لم اعزل من العمل، ولم أصبح فائضا ً...، ولكن لماذا لم توجه لكما الدعوة للمشاركة في الاحتفال...، اقصد لماذا لم يتم استدعاءكما؟
ـ يستدعوننا....، ماذا فعلنا..؟
ـ اقصد للمشاركة في عرس مديرنا العظيم...!
ـ آ ...
وتأوهت السلحفاة بنشوة زائفة، لتسأله في الحال:
ـ لقد عرفنا الطرف الأول...، ولكن من هي صاحبة السعادة سيدة الحديقة الأولى...؟
  فقال بصوت جهوري:
ـ وهل هناك غير أستاذتنا الببغاء تليق بمقام استأذنا كبير العظماء؟
ـ يا له من عرس كبير، زعيمنا الثعلب منحها حظوة السيدة الأولى، وجعل منها مستشارة فوق العادة!
    اعترض الكلب، وقد بدأ يتراجع خطوات إلى الخلف:
ـ لا تفسدوا علينا حرية التعبير، ولا تدعوهم يتراجعون ويقننون الكلام علينا!
   صاحت الضفدعة تنق نقيقا ً:
ـ من يفسد هذه الحرية، نحن أم أنت أيها الكلب السائب غير الملتزم بالولاء لزعيمنا الخالد...؟
   ولى من غير اثر. فتقدم نحو البركة دب ضخم، وراح يرتوي من مائها. فسألته السلحفاة:
ـ بارد! ومنعش، هذا الماء الأزرق المشبع بالاخضرار...، أليس كذلك؟
رد الدب بنشوة:
ـ  بل أكثر من ذلك...، حتى لو كان باردا ً في هذا الشتاء الشديد البرودة، وحتى لو كان اخضر مشبعا ً بالاحمرار والسواد البرّاق!
ـ آ ...، دب مؤمن! ولكنك لم تخبرنا بما يجري في ساحة العظماء...؟
ـ ماذا يجري...؟
   تساءل شارد الذهن، ثم أضاف:
ـ آ ....، يتدربون على أعمال بهلوانية استعدادا ً لاستقبال زائر كبير...!
ـ كل هذا الهرج، وهذا الصخب، من اجل الاستقبال..؟
ـ من يعلم..؟ قد يكون ابتهاجا ً لمناسبة ما، فالمناسبات لا تعد ولا تحصى، حتى ان باقي الحدائق تحسدنا على هذا الترف الباذخ في المسرات، السعادات، والنعيم!
   اقتربت الضفدعة منه وهمست في آذنه تسأله:
ـ لماذا تكذب، أثمة ضرورة لهذا الكذب...؟
ـ أنا...؟
  رد باستغراب، وأجاب بذهول:
ـ اكذب على من...؟
ـ تكذب على نفسك!
    كاد يسقط من شدة الضحك، فقالت السلحفاة له وهي تحدق في فمه الكبير:
ـ ما هذه الأسنان الخرافية..؟
ـ ما بها...؟
ـ كأنك سرقتها من تمساح ميت، أو من ديناصور منقرض...؟
    أجاب وهو ينهض بصعوبة من شدة الضحك، مبتعدا ً لتلافي نتائج الجدل:
ـ بعد لحظات ستتهمونني بسرقتها من وحيد القرن، أو من ذئب أعمى!
   قالت الضفدعة للسلحفاة:
ـ دعينا من هذا المشرد...، لنقترب ونرى ما يحدث، على ارض الواقع.
ـ أنا لا أجازف...، فقد نتعرض للاختطاف، أو القتل...، فالضواري طليقة، والجوارح تحّوم ...
ـ آ ...، منذ زمن بعيد لم نر مثل هذه الفعاليات والأعمال البهلوانية..، رغم البرد الشديد في هذا الشتاء القارص.
ـ بالفعل ...، فانا أرى النمر يثب إلى الأعلى، أعلى من الحبال، وارى القرود تمشي فوقها  بلا حذر...، بل ها هو الدولفين ذاته يقفز أعلى منها ويدور في الفضاء، يا له من مهرجان يبعث في النفس البهجة، والمسرة!
فقالت السلحفاة:
ـ بل أنا أرى الحبال ترتفع إلى الأعلى، وتدور، والنمر يرقص بينها، تتبعه القرود تؤدي قفزات إلى اليسار والى اليمين بخفة ورشاقة...، والحبال تساعد الدولفين على الوقوف بثقة تامة، حتى إنني لا اعرف من يساعد الآخر على هذا اللعب؟
وأضافت:
ـ ها هو النمر يبتعد عن الحبال.
ـ أنا أراه ذئبا ً، أو كلبا ً أجنبيا ً...، بل ربما تكون فقمة، أو كائنا ً مستحدثا ً!
  فردت بانشراح:
ـ ما الفارق...،فالكل يلعب، يتدرب، يلهو، ويمرح...، من الأسد إلى الغزال....، ومن أفراس النهر إلى المستحدثات الذكية، لأن من لا يلعب يطرد من اللعبة، بل ربما يعاقب!
ـ كما طردونا!
ـ دعك ِ من المزاح...، فهم لم يطردوننا...، بل نحن لم نلب الدعوة!
ـ وهل وصلتنا دعوة...؟
ـ أجل...، دعوات، ومنها المشاركة في فعاليات السيرك الكوني!
ـ آ ....، تذكرت، نحن اخترنا الرقص تحت الماء الأزرق الشفاف، وقلنا: لهم تسليانهم ولنا تسالينا! بل قلنا إننا نتفوق عليهم بان حبالنا أكثر مرونة وليونة وانسيابية!
   ساد الصمت لبرهة، تبدد باقتراب أتان تترنح:
ـ يا لهذا الجمال، والرشاقة...، اقتربي، فالماء وفير....، فضلا ً عن توفر العشب والدغل.
   اقتربت ببطء شديد. فصاحت الضفدعة تسألها:
ـ أأنت مريضة، أم ثملة، أم متولهة بحبيب...؟
ردت الأتان بصوت حزين:
ـ ولدت بغلا ً للتو!
ـ جميل...، سلامتك، فما أعظم هذا الانجاز، فولدك لن يصبح حمارا ً، وتحمل عليه الأثقال، مثل أسلافه، ومثلك ِ...  ثم انه لن ينهق، ولن يصبح صوته من أقبح الأصوات! فلماذا أنت حزينة؟
ـ أنا لست حزينة، بغلي هو الحزين، ولدي العاق!
   قالت السلحفاة بأسف:
ـ حتى الأمهات رحن يشهرن بأولادهن، ويقللن من شأنهم...، فيا لها من محنة تجعل الأم تشهر بوليدها، بدل ان تفرح به؟
      قربت الأتان فمها من الماء وراحت ترتوي، وهمت بالانسحاب. فسألتها الضفدعة:
ـ لم تخبرينا عما يجري في المنصة الكبرى..؟
ـ مصيبة!
ـ يا ساتر ....
وتساءلت السلحفاة بخوف:
ـ  هل هم حقا ً يتربون استعدادا ً للدفاع عن حديقتنا ...؟ 
صاحت الأتان:
ـ  عن أي استعدادات تتحدثين ...؟
ـ إذا ً فهم يلعبون، يمرحون...، استعدادا ً لاستقبال زائر كبير...؟
ـ أي لعب، أي استقبال...؟
ـ لكن ما هذا اللعب بالحبال، أيتها الأتان الحزينة، ما هذا الصخب، الزعيق، التهريج، الزئير، العواء، والنباح، ما هذه الوصوصة، والخشخشة والهمهمات...، أليس من اجل الدفاع عن كرامتنا، وحقوقنا، ومجدنا العظيم ...؟
ـ أي مجد...، وأية عظمة...؟
    قالت السلحفاة بصوت مرتبك:
ـ إذا ً...، هذا التدريب على الحبال يجري لإقامة الاحتفال بالعرس، عرس زعيمنا بالاقتران على سيدتنا الأولى...؟
ـ أي عرس...؟
ـ عرس مديرنا على السيدة مستشارته...؟
ـ ما هذا الكلام، من صرّح به...؟
ـ إذا ً هم يتدربون على الألعاب البهلوانية...، فانا رأيت النمر يقفز قفزات عالية في الهواء، تارة يدور الحبل من حوله، وتارة هو يدور من حول الحبل...، ورأيت ابن أوى، مثل الذئب، يجتاز الحبال برشاقة، بخفة، كأنه ساحر، مثل غزال ...، ورأيت الدب ...، بل انظري ـ أيتها الأتان العزيزة ـ كأنه يطير...، حتى وحيد القرن أصبح خفيفا ً مثل ريشة في مهب الريح!
ـ ما هذا الكلام ....، الغريب، غير المسؤول...؟ 
    وابتعدت عنهما، تترنح، توشك على السقوط، صامتة ولم تجب. فصاحت الضفدعة مرة ثانية بصوت حاد النهايات:
ـ إذا ً فأنت تتجاهلين القرار القاضي بمعاقبة كل من لا يبتهج في هذا اليوم البهيج، ويعاقب كل من لا يفرح في هذا النهار السعيد، ويسجن كل من يتخلف عن حضور هذا الاحتفال المجيد....؟
   نهضت الأتان بصعوبة، واقتربت منهما، وفتحت فمها ببطء:
ـ أفضل ان ترجعا إلى قاع المستنقع...، فقد تنجوان من ...، الكارثة!
  فسألتها السلحفاة وهي ترتجف:
ـ أهناك كارثة في الأفق...، بعد ما جرى علينا...؟
    ارتج جسد الأتان، وتمايل، وهي توشك ان تفقد توازنها، بعد ان استعادته قبل قليل، غير قادرة على النطق. فسألتها الضفدعة:
ـ  ماذا حصل، ماذا يحصل...، اخبرينا، قبل ان نتوارى في مستنقعنا الخالد.
قالت بصوت مرتجف:
ـ إنها حفلة موت!
ـ حفلة موت.....؟
ـ نعم...،  فانا رأيت الحبال تدور حول الرقاب، الواحدة بعد الأخرى ...، رقبة الذئب، النمر، الأسد، الفهد، الدب، التمساح....، ثم...، رأيتهم يجرجرون ولدي المسكين...، بغلي الذي ولدته فجر هذا اليوم، فلذة كبدي...، ورأيت أقدامه الصغيرة تتعثر بالأرض، وكاد يقع، ويسقط....، فقلت له: لا تخذلني. فقال لي: تبا ً لك، ماذا فعلت كي أموت، فصحت به: مت مغوارا ً بطلا ً كأنك في ساحات الوغى، والمنازلات الكبرى، ولا تمت ذليلا ً، مثل كلب أجرب يقتل في الظلمات!  
   قالت السلحفاة للضفدعة البدينة:
ـ دعينا نعترف بأننا لم نر صورة، ولم نسمع صوتا ً، ولم نرى شيئا ً غريبا ً، وان ما حصل ليس إلا آثار حمى برد، ووهن ابدأن خاملة...، دعينا نمحو هذا الذي كاد يبدو حقيقة، في هذا الفجر...، ولا نصّدع رؤوسنا بالحبال إن دارت حول رقابهم، أم ان رقابهم هي التي كانت تدور حول الحبال....، فقد ظننا إنها لعبة حبال بريئة، مسلية، ولم يخطر ببالنا إنها لعبة موت!
  اقتربت الأتان منهما، وهمست:
ـ ألا تخشيان خشونة الحبل وقسوته عندما يدور حول الرقبة الناعمة....، الطرية؟ 
صرخت السلحفاة:
ـ نحن نخشى الرقاب الخشنة القاسية عندما تدور حول الحبال الرقيقة، الناعمة! 
14/3/2015



21 آذار ...يوم الشعر العالمي- د. وريا عمر أمين

.

21 آذار ...يوم الشعر العالمي

                             د. وريا عمر أمين

أُبَارِكُ  في  النَّاسِ  أَهْلَ  الطُّمُوحِ         وَمَنْ  يَسْتَلِـذُّ رُكُوبَ  الخَطَـر
وأَلْعَنُ  مَنْ  لا  يُمَاشِي  الزَّمَـانَ        وَيَقْنَعُ  بِالعَيْـشِ  عَيْشِ  الحَجَر
هُوَ الكَوْنُ  حَيٌّ ، يُحِـبُّ  الحَيَاةَ           وَ يَحْتَقِرُ   الْمَيْتَ  المُندَثَر
فَلا  الأُفْقُ  يَحْضُنُ  مَيْتَ  الطُّيُورِ        وَلا النَّحْلُ يَلْثِمُ مَيْتَ الزَّهَــر
                                          ابو القاسم الشابي

         الشعر هو  أسمى أشكال التعبير اللغوي ، يجسد الحرية المطلقة للفكر والإبداع. يتكون من المشاعر الانسانية النبيلة و يحتل الموقع المركزي في حضارة الانسان..وهو وسيلة حية ومؤثرة لسرد الوقائع الحياتية و جعلها اكثر حيوية. ، ويشكل عنصراً اساسيا مكوناً لهوية الشعوب.
         الشعر لغة انسانية موحدة تجمع الاسرة البشرية الواحدة و يعبر عن مكنونات النفس في علاقتها مع الانسان و الوجود و الحياة و الذات  و يعد الحجر الأساس في قدرته على التواصل الأكثر عمقاً للثقافات المتنوعة. له أثر كبير في تعزيز إنسانيتنا المشتركة ، كون أن جميع الأفراد في العالم يتشاطرون ذات التساؤلات والمشاعر والاحلام و الاهداف و يواجهون ذات التحديات و المصير المحتوم.
       الشعر متحف تأريخ المشاعر الانسانية الفياضة والأحاسيس الرقيقة ، واروع ما فيه هو انه لا يستوعب ولا يتقبل الا ماهو جميل . خالد خلود الحب و الجمال وسوف يبقى مادامت قيم الخير تلوح في الأفق نورا وهاجا يبدد الظلام الحالك.
     اهمية الشعر تكمن في تماسه الحقيقي مع الهم الانساني. الشعراء هم قادة المجتمع  المفكرون، لهم القدرة على توعية الضمائر بأوجه الظلم التي يعاني منها العالم . هم وحدهم يستطيعون تغير الحياة. يخلقون عالما جديدا يلهم الناس ويعلمهم السلوك النبيل و حب الحياة.  كتبوا الشعر بدمائهم. كتبوها بالألم و الامل والحلم ،كتبوها بأرواحهم النقية وإرادتهم العظيمة من اجل يوم افضل و مستقبل مشرق للانسان اينما كان.
     تحتفل اليونسكو سنويا باليوم العالمي للشعر. حيث اُعتمد أثناء الدورة الثلاثين لليونسكو عام 1999 بباريس  مقررا بإعلان 21 آذار من كل عام يوما عالميا للشعر لاظهار الدور الحيوي الذي يؤديه الشعر في حياة الانسان بغض النظر عن اللغة او اللون او الدين او العرق او الفكر،  للتذكير بالكلمة الجميلة والمشاعر الفياضة والأحاسيس الرقيقة و دورها في تحقيق التقارب بين الناس و الشعوب.  ويوفر فرصة للحوار والتأمل.
       ووفقا لمقرر اليونسكو، فإن الهدف الرئيسي من ذلك هو دعم التنوع اللغوي من خلال التعبير الشعري، ولإتاحة الفرصة للغات المهددة بالإندثار بأن يُستمع لها في مجتمعاتها المحلية.
      لتحقيق هذه الاهداف تعمل اليونسكو على وضع برامج عمل تستجيب للتحديات التي تواجه البشرية في مجال الفكر و الثقافة لحماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي و تشجيع  نشر التراث الشعري العالمي وحفز الإبداع الشعري و رسم صورة جذابة للشعر في وسائل الإعلام . كما تشجع الدول الأعضاء على القيام بدور نشط في الاحتفال باليوم العالمي للشعر، سواء على المستويين المحلي والقطري، وبالمشكاركة الايجابية للجان الوطنية والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات المعنية الخاصة منها والعامة مثل: المدارس والبلديات والمجمعات الشعرية، والمتاحف والمراكز الثقافية، ودور النشر، والسلطات المحلية...


محاولة لقمع القلم الحر... دعوى قضائية حكومية ضد رسام كاريكاتير عراقي!- محاولة لقمع القلم الحر... دعوى قضائية حكومية ضد رسام كاريكاتير عراقي!






محاولة لقمع القلم الحر...
دعوى قضائية حكومية ضد رسام كاريكاتير عراقي!
عبد الجبار العتابي



 

3

      وصلت محاولات الترهيب إلى الكاريكاتير العراقي، والى احد ابرز رساميه، وقد أقيمت ضده دعوى قضائية لأنه مارس حقه بالنقد !!
 أعلن العديد من المثقفين العراقيين تضامنهم مع رسام الكاريكاتير خضير الحميري الذي رفعت ضده دعوى قضائية بسبب رسوماته التي انتقد فيها عمل الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية، وعدوا ذلك محاولة للاعتداء على الصحافة العراقية بشكل عام والكاريكاتير بشكل خاص، مؤكدين انها محاولة بائسة لطمس الحقيقية وإسكات القلم الحر والريشة الصادقة، الذي هو صوت الفقراء والمعدمين، موضحين ان الدعوى اجراء تعسفي ظالم يراد منه تقييد لحرية التعبير وموضحين انها مخالفة دستورية وقانونية صريحة، فيما اكد البعض ان الدعوى القضائية وسام شرف على صدر الكاريكاتير العراقي يزيده فخرا.
تقييس وسيطرة نوعية
فقد اعلن الفنان خضير الحميري استغرابه من الدعوى مؤكدا انه مارس في الرسومات حقه في توجيه النقد لأي جهة أو شخصية أو ظاهرة أو سلوك يستوجب النقد، وقال: تم تبليغي هذا اليوم 5/3/2015 بالمثول أمام السيد قاضي تحقيق محكمة النشر والإعلام يوم الأحد 15/3/2015 للنظر في الدعوى المرفوعة ضدي من قبل السيد سعد عبد الوهاب عبد القادر رئيس الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية إضافة لوظيفته..لأني (تطاولت) في توجيه النقد للجهاز المذكور في رسومي المنشورة على صفحات مجلة (الشبكة العراقية) في 4آب 2014..
 وأضاف: كنت قد نشرت في هذا التاريخ مقالة و5 رسوم تحت عنوان ( تقييس وسيطرة نوعية) مارست فيها حقي في توجيه النقد لأي جهة أو شخصية أو ظاهرة أو سلوك يستوجب النقد..
 وتابع: ما قلته في المقالة الصاحبة للرسوم:" لا أعرف فيما إذا كان الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية مازال يفرض سيطرته على نوعية البضائع التي نستهلكها، أم انه أوكل المهمة الى ضمير التجار و( حرصهم) على مصلحة المستهلكين، وفي الحالتين تبدو المهمة عسيرة وسط سيل الاستيراد من مناشئ لا تفرق بين التقييس و..التفقيس!،فالعلامة التجارية الواحدة مثبتة على بضائع متباينة المستويات، فهذا أصلي وذاك تجاري، هذا باب أول وذاك شباك ثاني،هذا ياباني والآخر صيني، هذا وارد أوربي وهذا وارد موزمبيقي !،ولا دليل يعين المستهلك نحو البضاعة الجيدة من البضاعة (الكلك)، سوى أن يشتري ويجرب..ثم يعض أصابع الندم !!.
دعوة للتضامن
اما رسام الكاريكاتير الفنان علي المندلاوي، فقد دعا الى دعوة للتضامن مع الفنان الحميري، وقال: يتعرض فن الكاريكاتير، والصحافة في العراق للاعتداء، والتحجيم، وفي احسن الاحوال الى المقاضاة.
واضاف:فناننا الكبير خضير الحميري الذي رفد الصحافة في بلادنا والصحافة العربية، والكردية ايضا منذ بدأ النشر منذ اواخر الستينيات من القرن الماضي، وحتى اليوم، وحتى مدى غير منظور في المستقبل استدعي الى المحكمة لنشره رسوما ينتقد فيها اداء مؤسسة لم نلمس منها فعلا مؤثرا، مؤسسة نأتمنها جميعا على حياتنا،مؤسسة لا تدري بان الكيد سيرتد اليها، لانها وحسبما اشار الحميري في رسومه اللوذعية، وحسبما نلمس جميعا قاصرة إلى حد كبير في اداء مهامها.
وتابع: نحن جميعا مع الحميري، مع الكاريكاتير الحر، مع الصحافة الحرة، مع النقد، مع صيانة صحة الإنسان وأمنه الغذائي.
 لن تسير لوحدك أبداً
من جانبه خاطب رسام الكاريكاتير الفنان برهان المفتي زميله الحميري بقوله: خضير... لن تسير لوحدك أبداً، فقال: يبدو أن الربيع لا يحب الكاريكاتير، فمطاردة الرأي الكاريكاتيري والرؤية الكاريكاتيرية تنشط في آذار.
واضاف: في الذكرى الأولى لرحيل رسام الكاريكاتير أحمد الربيعي كمداً وهروباً، نرى هجوماً هذه المرة على أيقونة من آيقونات الكاريكاتير، الجميع يعرفه بألتقاطاته الذكية من صميم مشاكل المجتمع: خضير الحميري، رسام بروح آهات الناس، قريب منهم حتى تحسه يأكل معك دون عزيمة ! صاحب ضحكة مليئة حزناً ونظرة تحدي مغلفة بإنكسارات الوطن.
وتابع: رغم أن القضية التي أستدعي بها خضير للمحكمة " لتطاوله " كاريكاتيرياً على جهاز التقييس والسيطرة، إلا أن الربيع أصر أن يكون الإستدعاء في آذار، جهاز السيطرة النوعية فقد السيطرة على أعصابه وتصرف بتشنج واضح تجاه خضير،ولأنني مشجع ليفرپولي وأحفظ جيداً أغنية نادي ليڤرپول، فأني أقول لأبي عمار: خضير... لن تسير لوحدك أبداً.
الدعوى ساقطة
 الى ذلك استغرب الكاتب عدنان حسين، رئيس تحرير جريدة المدى، وقال: في البلاد الأخرى يفرشون السجاد الأحمر تحت أقدام رسام مثل خضير الحميري، لكنه في بلادنا وفي هذا الزمن الأغبر بالذات مطلوب رأسه!.
 واضاف: "جريمة" الحميري انه بطريقته (الشقندحية) المحببة رسم كاريكاتيرات عن السلع الخربانة والمزورة المنتشرة في أسواقنا، وأرفقها بمقالة، فهو كاتب متمكن أيضاً.
وتابع: قبل كل شيء، الدعوى ساقطة لأنها لم تُرفع في المدة القانونية. ومع هذا أتمنى عليه أن يذهب غداً الى المحكمة بخطى واثقة ورأس مرفوعة... إنها من القضايا التي تشرّف صاحبها.. ليست قضية فساد داري ومالي تجري لفلفتها بين كبار المسؤولين الفاسدين في دولتنا.
واضاف ايضا: أتمنى عليه أن يذهب الى المحكمة ويقدّم مطالعته بشأن التهمة الموجهة اليه، وأن يطلب من المحكمة تزيين صدره بنيشان المسؤولية الاجتماعية والوطنية التي كانت وراء الرسوم والمقال، فأسواقنا غرقى بنفايات السلع الصينية والإيرانية والتركية والسورية، وعلى إدارة التقييس والسيطرة والنوعية أن توفد كبار مسؤوليها الى الباب الشرقي وشارع الجمهورية وشارع الرشيد والبتاويين وسوق مريدي في العاصمة وفي ما يماثلها في المدن الأخرى، للتأكد بأنفسهم بان معظم السلع التي تُباع هناك والمستوردة من مختلف المناشئ هي زبالة حقيقية.
وختم حديثه بالقول: خضير الحميري.. تقدّم الى المحكمة واطلب شهادتنا.. نحن معك حتى لو تطلّب الأمر ان نذهب معك الى السجن، فهذا ليس بغريب في هذا الزمن الأغبر.


غالب المسعودي - طائري الأثير(قصة سُريالية)

السبت، 14 مارس 2015

عادل كامل تجارب ملونة










مبدعون في الذاكرة-د. إحسان فتحي



مبدعون في الذاكرة


الزملاء المعماريون والمهندسون العراقيون الأعزاء في كل مكان

تحياتي الطيبة

د. إحسان فتحي

هذه بعض السطور عن الصديق العزيز وزميل المسيرة في قسم العمارة في جامعة بغداد، هيثم خورشيد، وهو الطير المهاجر الذي يرنو دوما بحنين عميق إلى الديار العتيقة في الوطن، وها هو قد التجأ إلى الرسم كوسيلة تشغله عن هموم العراق وما يجري فيه من مآسي ودمار. هذه تحية له ولعلنا نرى نماذجا من رسوماته، وتمنياتنا له بالصحة والعافية والمزيد من العطاء.

آمال سالم-الصورة أو مقاومة الغياب










 آمال سالم
الصورة أو مقاومة الغياب


 


    اذا كانت المصوّرة الفوتوغرافية آمال سالم قد احترفت، كزملاء لها، مهنة الصحافة، فإنها لم تختر إلا عينها. فالصحافة لديها كاختيار شبيه بمن ينتظر من لا وجود له، لأنها، ببساطة، حاولت الإمساك بهذا الذي لم يترك إلا ماضيه: محوه: الغياب. فهي أدركت أنها لم تنشغل بمراقبة عمل (سيزيف)، وإنها لن تؤدي دوره حسب، بل عليها ان تخترعه! فهي اختارت العمل ذاته الشبيه بمن اختار هبات الضوء: مقاومة الظلام. لكن عملها في الصحافة لم يقيدها بنقل الخبر (الصورة). لا لأنها أدركت ان مهمة (الجسور) هي الإقامة، رمزيا ً في الأقل، وليس وسيلة للعبور، والنقل، بل لأن العمل ذاته، هو اللغز، وهو ان يحافظ على ديناميته.
    على ان (اللغز) لا يكمن في المكان، ولا في مرور الزمن، بالمعنى المألوف، بل في العثور على علاماته وهي تنحدر إلى الغروب. كان عملها الفني لوعة أم اكتشفت أنها في الجحيم. فالخسائر وحدها ستعوضها بما تحول لدي البعض إلى مظاهر، بمعنى: أقنعة. لهذا ليس لديها إلا ان تصوّر عالمها الذي لا تعرف أكان قدرا ً أم  عليها ألا تستسلم له.
    فانشغالها بالتركيب، والجمع، والتوليف، والصهر ...الخ، كلها اهتمامات فلسفية لا علاقة لها بالأقنعة، سمح لها ان تدمج المسار الشاق ، والجذاب ـ للفنون بفن العصر: التصوير .
    فما هو قيد الزوال، لم يعد سطحا ً، أو بعدا ً أحاديا ً، أو ملمسا ً، أو لونا ً، بل، كما في لا وعيها السحيق، يشتغل في الأقاصي، حيث الأبعاد لا وجود لها من غير من يعيد إليها ـ بروح الضوء والمراقب ـ عناصرها، وهنا رسخت آمال سالم أقدم قانون للحرية: فك القيود/ أو الاشتباك معها، والحفر في الظلمات.

 

     فلم تجد للحرية أدق تعريف يماثل إنها ليست للدعاية. ذلك لأن الفن لم يمت، حتى وان تحول، كما تحولت بعض المقدسات، إلى سلع، وهوس بالمال، والبذخ، فكانت منحت حياتها برمتها للعمل، وربما، كما قال اكزوبري، ذات مرة، كي تنساه.
   ولهذا انغمرت بتصوير المدينة التي سكنتها، من ثم لم تتخل عنها. فبغداد ليست مدينة أشباح، وموتى، ومقابر، وسفك دماء، كما إنها ليست أزقة، وبيوت تحجرت وتحولت إلى أقفاص، ومكعبات، بل مازالت تمتلك الرفيف المشفر وعليها ان تحاوره: تصوّره، حيث لحظة الإبداع، لا تخدعنا بالخلود، أو بالأبدية، بل بما لم يدشن بعد. ففي مرئياتها اجتمعت العلامات كي تحول الوهم إلى مشاهد كائنات تحمل أسرار مدينتها، وأسرارها هي أيضا ً.
   وإذا كانت قد قدمت آلاف الصور للرسامين، كي يستثمروها في أساليبهم الواقعية، فانها لم تخف انها وحدت عمل الارض بالفكر: الرحم بالوعي، والقديم بالمستحدث. فلم تعمل بشعور الآسف، أو الجفاء، في بلد لا يجيد إلا محو علاماته، ورموزه الإبداعية، عامة، وإنما عبرت ـ بفنها ـ حيث صورها تدوّن مشروعها الطويل في قنص ولادات النهار ـ وما توارى في الظلمات.
   عمليا تبلورت رؤيتها بدمجها لموروثات لغز البذرة، كأقدم علامة حملت مشفرات عمل الأم، الولادة، مع ما سيشكل تحولا ً إلى الجنسانية الذكورية، لم يحدث طوعا ً، أو طاعة، أو رضوخا ً لقيود المهنة، والمجتمع، بل وعيا ً في ما يمتلكه الوعي ـ للمستقبل ـ بما يمثله الفن من ارتقاء ـ ورقي ـ وتشذيب، كي يصبح الجمال هو هذا الذي لا يرتد، ولا ينغلق، بل الذي يمارس إقامته، في المرور، وليس في الاستهلاك.



 


   إنها مصوّرة أعادت للأشكال ما كان توارى فيها من خلجات، وحياة، في الأصل، وكونت منها ـ رسالتها، من غير عون، عدا ما يمتلكه هاجسها الجمالي من العبور من الغياب إلى الحضور، ومن السطح إلى الأبعاد، انه، بإيجاز: كل هذا الكامن في لغز الوجود، وقلب مفهوم الغواية، إلى تحرر منها، والى حرية، وهي وحدها تصبح توغلا ً في مخفياتها، والإمساك بهذا الذي يمتلك سر ديناميته، وديمومته، حيث لم تخسر آمال سالم، إلا ما سيتحول إلى علامات ضوء، وعلامات تقاوم غيابها.
 
وكنت كتبت، في مطلع تسعينيات القرن الماضي، الإشارة التالي:
ـ " تقنيات   التصوير الفوتوغرافي  وفن الرسم


  




   في سياق تاريخ طويل للفنون، لا يمكن فصل الفعل (الحدث/ الحركة) عن الأثر الذي يدخل في تركيب الذاكرة،  ذلك لأنهما سيشكلان  أصول فن التصوير الفوتوغرافي، ومبررات تدشيناته البكر. والمصورة آمال سالم، لم تمارس عملها الفني، إلا بعد أن اشتغلت سنوات غير قصيرة في الصحافة، ورصدت ـ عبرها ـ الحياة المعاصرة في العراق.  بيد أنها سرعان ما وجدت موهبتها في حقل أكثر صلة بالتشكيل، بمعناه الجمالي والفني معا ً .. فبهرتها العناصر في تداخلاتها، وحركتها، ومجالها المتجدد.
    في هذا المسار، كما عند عدد قليل من المصورين العراقيين، دمجت الفنانة عمل العدسة بلغة الرسم  وما يتوخاه من رهافة، وجعلت المكان ـ بحركته ـ البصرية علامة متداخلة بوظائف التصوير الفوتوغرافي: إنها ليست لعبة لاختزال الزمن، بل الوقوف بجواره، وإعادة صياغته كي يأخذ امتداده ومغزاه. هكذا ستوثق بغداد، وناسها، والطبيعة، محافظة على دينامية الأشكال، كفن له نظامه الخاص. وهذا الجهد ستتمسك به آمال سالم، كي يغدو مادة للرسامين، ولكنها ستبث خطابها داخل تكوينات تؤكد عنايتها بالإنسان، وتراثه الشعبي، ورموزه، مع الاحتفاظ بما سيشكل أسلوبها في الرؤية. فالأشكال لن تصير أشياء ً، وإنما سترتبط عناصر الرسم، كالضوء، وملمس الخامات، والمساحات، والمنظور، وحساسية الفضاء وشفافيته: إنها أولت نصوصها، عبر سنوات عملها كمصورة في الصحافة أو كفنانة تعمل لحسابها الخاص، ولإشباع رغبتها الجمالية، عناية ارتبطت بعملها اليومي، وبرصدها للمتغيرات والثوابت بتأملات لا تبعث إلا على الدهشة، والأسى العميق أيضا ً.  وفي الوقت نفسه، لن تغادر مكونات الأثر، كبنية تتحرك داخلها الأفعال، والأشكال، حيث يغدو فن التصوير الفوتوغرافي مجاورا لفن الرسم، في علاقة جدلية تبلغ ذروتها في: بلورة نص تتكامل فيه الروافد، كعناصر وكحركة، وكخامات وتحويرات، لتندمج، وتتكامل لأجل النص الجمالي، بانتقاله من الرسم إلى العدسة، ومن الأخيرة إلى شفافية الرسم، ورهافته."




*آمال سالم
ـ  ولدت في بغداد. وعملت في الصحافة منذ عام 1979 في الاتحاد العام لنساء العراق. وفي العام 1980 انتقلت إلى وكالة الأنباء العراقية.  وأسهمت ـ كمصورة  صحفية ـ  في الوكالة بتوثيق معظم الأحداث التي شهدتها البلاد. كما شاركت في جميع معارض الوكالة داخل العراق وخارجه. ودربت عددا ً من الكوادر في التصوير الصحفي.  وشركت في اغلب المعارض التي أقامتها جمعية المصورين العراقيين. وفي العام 1997 انتقلت للعمل في دائرة الفنون كمصورة للأعمال الفنية والمعارض الشخصية، وكان لها دورها في أرشفة الحركة الفنية منذ ذلك الوقت. وقد حصلت على جوائز وشهادات تقديرية. والفنانة تحمل شهادة الدبلوم في التصوير الفوتوغرافي منذ عام1989. تعمل في وزارة الثقافة، ومصورة في مجلة: تشكيل.