صدور كتاب عدنان المبارك ( ضد اليوميات 2014 )
عن مؤسسة ( أدب فن ) صدر كتاب عدنان المبارك بعنوان ( ضد اليوميات 2014 ) ، ويجمع 13 نصا نشر في العام الماضي. والكتاب جمع بين اليوميات والتأملات التي لا يؤطرها الزمن. فمعظم النصوص يفترق عن التصور التقليدي عن كتابة اليوميات. وفيها يتناول المبارك مختلف الأشكاليات الأدبية والفلسفية والفنية وغيرها. في النص الأول يتوقف المبارك عند أدب أمبرتو أيكو كروائي وباحث. و نقرأ أن أدب أيكو منذ ( اسم الوردة ) يأتي تأكيدا قويا على حضور ما بعد الحداثة في المعاصرة. نقاد يجدون ( اسم الوردة ) رواية نموذجية لمابعد الحداثة مستندين هنا أيضا على ما قاله ايكو بنفسه : كل شيء قد قيل ولذا لم يبق هناك من شيء سوى الدخول في لعبة مع القاريء. ومن هنا محاكاة مختلف المشاهد الأدبية و(الموتيفات ) وسبل توجيه الأبطال. وكل هذا يتشابك في الرواية المذكورة بمختلف الاستشهادات من أعمال أخرى. الميزة الأولى في أدب أيكو هي السخرية والباروديا. تنشأ هنا لعبة فكرية يجدها الكثيرون مسلية جدا.
ويتوقف المبارك عند رحيل الشاعرة البولندية الكبيرة تشيسوافا
شيمبورسكا ، كما يترج معددا من قصائدها. وفي نص آخر مكرس لأميل سيوران ويعترف بأنه يميل الى الكتابة عن هذا المفكر الروماني الكبير الذي ( لايمكن نكران اصالته وحتى من جانب أشد المتفائلين و" محبي الانسان " ).
وفي هذه اليوميات كلام عن حسن بلاسم صديق المبارك وزميله في الاشراف على موقع القصة العراقية. وكان حسن قد رفض دعوة لحضور معرض الكتب لعام 2014 في أبوظبي والذي كما قال يتهافت عليه ، ( اللكّامة ) العرب وغيرهم. جاء في رسالة الرفض : أنتم في هذا المعرض لاتقدرون على بيع كل شيء الى بلدان الخليج خاصة حيث لا تتوافر حقوق الانسان الأساسية. فكل الحقوق مسجونة. في الأمارات القبلة ممنوعة. في قطر يحكم بالسجن 15 سنة على قصيدة. في العربية السعودية تسجن اذا كان شعرك طويلا أو أنك ملحد . في الكويت يصوّرون الناس في المطار كي يعرفوا المثليين...).
ونقرا أيضا عن علاقة المبارك الروحية بفرناندو بيسوا وكيف أنه ظل يتابع كتابات أنتونيو تابوكي عن الشاعر البرتغالي الذي أكد طوال حياته القصيرة على أن ( الكاتب لاينطق بصوت واحد بل حتى الوجه يتحول الى وجوه ، وعموما لابد من مزج الفعلي باللافعلي ، فهذه سنّة استعرناها من السماء أيضا ! ).
ويتطرق المبارك الى كتاب ( التحولات ) الصيني الذي يعلم قارءه بأن العالم الذي يظهر أمام أبصارنا هو مظهر خادع أو مجرد سطح للواقع الحقيقي. بالطبع يكون منطقيا السؤال عن العلاقة بين نصّ كتب قبل بضعة آلاف السنين و بين قضايانا الحياتية المعاصرة ، وكيف بوسع مقطع من هذا الكتاب إختير لا على التعيين ، أن يقدّم الجواب الشافي والمقنع على أسئلة إنسان القرن الحادي والعشرين ؟ أكيد أن الجواب على مثل هذه الأسئلة يعتمد على هوية السائل ! فهل هو من الفئة التي تفكرعقلانيا أم لا ، أو بالأحرى هل ينتمي الى حضارة تأخذ بالرؤية من الطراز المعرفي ( الأبستمولوغي ) أم لا. ومعلوم أن أبعاد مثل هذه الرؤية تتغير زمكانيا.
وفي ( ضد اليوميات ) هذه نقرأ عن تأملات المبارك حول الفن المعاصر. ويستعرض أفكار نخبة من الفنانين والمفكرين عن الفن المعاصر. وهناك وقفة عند اليوت حيث يسرد المبارك ذكرياته مع لقاءاته الأولى مع هذا الشاعر. ويجد القاريء نصا آخر كرسه المبارك للرسائل المتبادلة بينه وصديقه عادل كامل. وفي المقدمة نقرأ : عادل يفكرعميقا والى درجة مرهبة ، بمعضلاتنا ، و يعاني مثل رب مهجور ، من نكباتنا وكانسان كتب عليه أن يولد ويحيا في بلد للكوارث منذ أن تركنا أجدادنا السومريون والأكديون وتركناهم أيضا. عادل فنان وكاتب مشحون بمتفجرات أنتجها مثل هذا الوعي الذي يريد الوصول الى حافات الكون رغم أنه ، وكما يقول ، لا يؤذي نملة . لكن ما العمل ، فمثل هذه الرحلة الوجودية تدق نواقيسها في كل ثانية. يخال اليّ أن شيطانا، أو ربّا ، ضاق ذرعا بكل شيء وألقى بالصديق في ثقب أسود. نعم ما يجمعني بعادل هذا كله مضاف اليه ذلك الوعي بأن كل ألعاب الواقع العراقي بل البشري قد صارت ذات أصول أخرى. فالعبث الأصم والوجه القبيح للأنسان هما صنوان. عزيزي عادل . لدينا مانفكر به ونقوله أكثر من هذه الرسائل ولأننا نعرف ونؤمن عميقا بأن الصمت هو قدرنا الأكثر حكمة ، ولندع من له طاقة للثرثرة اليومية أن يلتحق بتلك الآلهة من نسل ذباب السأم وفقاعات الوجود بصيغتيه ( الواقعية ) والافتراضية ...
ويعود المبارك في (ضد اليوميات ) الى ذكرياته حين قرأ سارتر في المرة الأولى ، ويكتب : لا أزال أجد أن هذا الفرنسي هو مرشحي الوحيد كي يحتل المرتبة الأولى كرمز لعصرنا...
ويكتب المبارك عن مؤلف ( الموت ) لموريس ميترلنك والذي وجده يطرح أسئلة كثيرة عن شتى الافتراضات المتعلقة بمصيرنا. وكلها تنضح بالقنوط ولأن لا أنقاذ هناك في الحواس والعقل الذي هو عاجز عن تخطي الحدود التي رسمت له. ويستشهد ميترلنك بكلمة لوليم بليك : الفكر يعجز عن فهم شيء هو أكبر منه.
ويتناول المبارك ظاهرة التكاثر البشري ، ويقول : اليومي يحجب عني الكثير من الحقائق وبينها ما يسمى بضدية الولادة Anti- natalisme . ولهذه الضدية تأريخ بالغ القدم أخذ بالقيمة السلبية لتكاثرالبشر. وقد انبعث في زمننا بهذا الاسم بعد صدور كتاب تيوفيل دي جيرو Théophil de Giraud ( L'art de guillotiner les procréateurs: Manifeste anti-nataliste فن مقصلة الانجاب : مانفست ضد الانجاب ). أما الأسم بالانكليزية anti-natalism فقد شاع بعد صدور كتاب دافيد بيناتارDavid Benatar ( الأفضل أن لا تكون : الضرر في القدوم الى الوجود Better Never to Have Been: The Harm of Coming into Existence ). قائمة القدامى الواقفين ضد الانجاب طويلة ، وبينهم المعري وشوبنهاور وشاتوبريان وكييركيغور وهمبولدت وجاك كيرواك وأميل سيوران وتوماس برنارد وفرناندو فاليخو ، كما هناك الكثير من الطوائف الدينية التي تعارض الانجاب...
ويتكلم المبارك عن قراءته لقصص فنتازية لدوستويفسكي حيث يكتب : يستغرب بعضهم بل كثيرون من انتقال فيودور دوستويفسكي من تلك الواقعية الحادة والغائرة عميقا في عالم الانسان و... جسده ، الى الكتابة الفنتازية. أهي فنتازية حقا ؟ لا أظن. أكيد أن فيها عناصرا معينة من هذه الفنتازيا لكن كاتبها لم يتخل أبدا عن تسليط تلك الأضواء الحادة على الانسان ، والتذكير بأن البشر ليسوا الا كيانات من لحم ودم تواجه الواقع بشتى ( الأسلحة ).
و في النص الأ خير من الكتاب نقرأ عن الميثولوجيا اليونانية . يرى المبارك
شأن الكثيرين أن الأسطورة لم تلعب دورا بمثل هذه الأهمية الكبيرة وكما في الثقافة اليونانية. فالأسطورة كانت ذلك الجزء الأساسي والفائق في المعتقد اليوناني. وفي الأساس كانت غريبة على الهيلينيين فكرة الدين المرسل بكتبه المقدسة. المفهوم الديني الأول كان قد طوّره الشعراء والكتّاب الذين منحوه شكلا فنيا ومعنى أخلاقيا وغالبما أهمية سياسية أيضا. الأساطير رافقت تطور الأدب اليوناني مانحة إياه عبر بضعة عشر من القرون أهم العقد المضمونية. وانتهلت منها بشكل خاص ، الملحمة والتراجيديا والشعر بأصنافه الأخرى. وهذا الكلام يخص التشكيل أيضا.