نجل السيد الوكيل
كاظم فنجان الحمامي
أحياناً يضطر بعض أصحاب السيارات الخصوصية، من ذوي الدخل المحدود، لتشغيل سياراتهم، وتوظيفها في محاور نقل الركاب أسوة بسيارات الأجرة، وغالباً ما يختار الناس (وأنا واحد منهم) الركوب بتلك السيارات المريحة في جولاتهم اليومية.
قبل بضعة أيام استأجرت سيارة من هذه السيارات الجميلة. كان سائقها شاباً يافعا، يميل إلى المرح والمشاكسة. كان كلما مر بنقطة من نقاط التفتيش يتوجه بسيارته مباشرة إلى المسار المخصص لسيارات كبار المسؤولين، في الوقت الذي تكون فيه سيارات عامة الناس مكدسة في المسارات الأخرى بانتظار دورها في التفتيش.
كان يتخلص من الازدحام المروري بمهارة واضحة، ويتجاوز السيارات المكتظة بفطنته وذكائه وجرأته، فينفذ بسيارته بسرعة مذهلة حيثما يشاء ومن دون تعطيل. لم تكن سيارته تحمل أرقاماً حكومية، ولا علامة من علامات أصحاب المناصب العليا.
مر بنقاط التفتيش كلها من دون أن يعترضه أحد. كانوا كلما يستوقفونه ويسألونه عن درجته الوظيفية، التي أهلته لاقتحام المسار المخصص لكبار المسؤولين. يجيبهم بثقة عالية ومن دون تردد: أنا ابن السيد الوكيل، فيحيونه ويحيوا والده السيد الوكيل، ثم يرفعوا أمامه حواجز الطريق، ويزيلوا المعرقلات البلاستيكية ليسمحوا له بالمرور.
كنت أراقب نجل السيد الوكيل وهو يتنقل بخفته ومرونته بين نقاط التفتيش، لم تدهشني خفته ولا مرونته، فأبناء الوكلاء والوزراء يتمتعون بمزايا وتسهيلات لا حدود لها في ظل الفوضى الديمقراطية، التي اجتاحت البلاد من شمالها إلى جنوبها، لكن الذي حيرني وأوقعني في دوامات الدهشة، هو كيف يعمل نجل السيد الوكيل سائقاً لسيارات الأجرة ؟. قلت له:
- كيف سمح لك السيد الوالد (الوكيل) بالعمل كسائق تاكسي ؟.
- فأجابني بلباقة: هو الذي شجعني على العمل في هذه المهنة الحرة.
- قلت له: ألا يخشى عليك من مخاطر الطريق ؟.
- أجابني: كلا أبداً، فهو يعلم مدى مهارتي في قيادة السيارات.
- قلت له: أن والدك يمتلك علاقات واسعة مع أركان الدولة، وبإمكانه أن يجد لك أكثر من وظيفة باعتباره وكيلاً لإحدى الوزارات، فكيف بخل عليك بالوظيفة، وزج بك في هذا الزحام المروري المربك، وكيف حرمك من استثمار ساعات الفراغ في المذاكرة ومراجعة دروسك الجامعية ؟.
- رد عليَّ بحزم، وقد تغيرت نبرة صوته: كلا يا سيدي، فوالدي يعمل وكيلاً للحصة الغذائية، وتنحصر واجباته بتوزيع مفردات البطاقة التموينية، وهذه إجازته. أنظر إليها حتى تتأكد بنفسك من صحة كلامي.
- قلت له: فلماذا تزعم انك ابن السيد الوكيل ؟.
- قال لي: وما الفرق بيني وبين ابن وكيل الوزارة ؟. ما الذي يميزه عني ؟، فأنا ابن السيد الوكيل أيضاً، ويحق لي أن أتمتع بالمزايا التي يتمتع بها ابن السيد رئيس الجمهورية، أو ابن رئيس الوزراء، أو ابن رئيس البرلمان. أنا لم أكذب على نقاط التفتيش، ولي الفخر أن يكون أبي وكيلاً للحصة التموينية.
كان الفتى يتحدث بعفوية تحمل أكثر من محور من محاور حقوقنا المدنية في إشاعة تطبيقات العدل والمساواة بين الناس كافة على اختلاف ألوانهم وأعمارهم ودرجاتهم ومناصبهم ومراتبهم. أليس هذا هو العدل بعينه ؟؟.
كاظم فنجان الحمامي
أحياناً يضطر بعض أصحاب السيارات الخصوصية، من ذوي الدخل المحدود، لتشغيل سياراتهم، وتوظيفها في محاور نقل الركاب أسوة بسيارات الأجرة، وغالباً ما يختار الناس (وأنا واحد منهم) الركوب بتلك السيارات المريحة في جولاتهم اليومية.
قبل بضعة أيام استأجرت سيارة من هذه السيارات الجميلة. كان سائقها شاباً يافعا، يميل إلى المرح والمشاكسة. كان كلما مر بنقطة من نقاط التفتيش يتوجه بسيارته مباشرة إلى المسار المخصص لسيارات كبار المسؤولين، في الوقت الذي تكون فيه سيارات عامة الناس مكدسة في المسارات الأخرى بانتظار دورها في التفتيش.
كان يتخلص من الازدحام المروري بمهارة واضحة، ويتجاوز السيارات المكتظة بفطنته وذكائه وجرأته، فينفذ بسيارته بسرعة مذهلة حيثما يشاء ومن دون تعطيل. لم تكن سيارته تحمل أرقاماً حكومية، ولا علامة من علامات أصحاب المناصب العليا.
مر بنقاط التفتيش كلها من دون أن يعترضه أحد. كانوا كلما يستوقفونه ويسألونه عن درجته الوظيفية، التي أهلته لاقتحام المسار المخصص لكبار المسؤولين. يجيبهم بثقة عالية ومن دون تردد: أنا ابن السيد الوكيل، فيحيونه ويحيوا والده السيد الوكيل، ثم يرفعوا أمامه حواجز الطريق، ويزيلوا المعرقلات البلاستيكية ليسمحوا له بالمرور.
كنت أراقب نجل السيد الوكيل وهو يتنقل بخفته ومرونته بين نقاط التفتيش، لم تدهشني خفته ولا مرونته، فأبناء الوكلاء والوزراء يتمتعون بمزايا وتسهيلات لا حدود لها في ظل الفوضى الديمقراطية، التي اجتاحت البلاد من شمالها إلى جنوبها، لكن الذي حيرني وأوقعني في دوامات الدهشة، هو كيف يعمل نجل السيد الوكيل سائقاً لسيارات الأجرة ؟. قلت له:
- كيف سمح لك السيد الوالد (الوكيل) بالعمل كسائق تاكسي ؟.
- فأجابني بلباقة: هو الذي شجعني على العمل في هذه المهنة الحرة.
- قلت له: ألا يخشى عليك من مخاطر الطريق ؟.
- أجابني: كلا أبداً، فهو يعلم مدى مهارتي في قيادة السيارات.
- قلت له: أن والدك يمتلك علاقات واسعة مع أركان الدولة، وبإمكانه أن يجد لك أكثر من وظيفة باعتباره وكيلاً لإحدى الوزارات، فكيف بخل عليك بالوظيفة، وزج بك في هذا الزحام المروري المربك، وكيف حرمك من استثمار ساعات الفراغ في المذاكرة ومراجعة دروسك الجامعية ؟.
- رد عليَّ بحزم، وقد تغيرت نبرة صوته: كلا يا سيدي، فوالدي يعمل وكيلاً للحصة الغذائية، وتنحصر واجباته بتوزيع مفردات البطاقة التموينية، وهذه إجازته. أنظر إليها حتى تتأكد بنفسك من صحة كلامي.
- قلت له: فلماذا تزعم انك ابن السيد الوكيل ؟.
- قال لي: وما الفرق بيني وبين ابن وكيل الوزارة ؟. ما الذي يميزه عني ؟، فأنا ابن السيد الوكيل أيضاً، ويحق لي أن أتمتع بالمزايا التي يتمتع بها ابن السيد رئيس الجمهورية، أو ابن رئيس الوزراء، أو ابن رئيس البرلمان. أنا لم أكذب على نقاط التفتيش، ولي الفخر أن يكون أبي وكيلاً للحصة التموينية.
كان الفتى يتحدث بعفوية تحمل أكثر من محور من محاور حقوقنا المدنية في إشاعة تطبيقات العدل والمساواة بين الناس كافة على اختلاف ألوانهم وأعمارهم ودرجاتهم ومناصبهم ومراتبهم. أليس هذا هو العدل بعينه ؟؟.