الأربعاء، 19 نوفمبر 2014

غالب المسعودي - ظاهرة ألأحتباس الثقافي...كلٌ يغني على ليلاه.....!

في معرض وسام زكو* أسئلة الإنسان وملغزاته- عادل كامل






في معرض وسام زكو*
أسئلة الإنسان وملغزاته





  عادل كامل
   في أحلك الفترات التي عاشها وسام زكو، وهو يتأمل، حد الاكتواء، العوامل التي راحت تحد من مكانة الإبداع في حياتنا، في هذه الفترات ـ وهو الذي عاش حياة المنفي، المخلوع، المهجر، بدءا ً من أرمينيا، مرورا ً بالعراق، نحو الولايات المتحدة الأمريكية ـ لم يفقد استبصاره بان الإبداع الفني تأسس على اعقد علاقة بين (الأعلى) وبين (الأسفل)، ليس وساطة، أو فجوة، بين الله والتراب، ولا بين المعقول واللامعقول، ولا بين المعنى واللا معنى حسب، بل انشغالا ً بمقاومة الرداءة، والاندثار.






   فهذا الإنسان (المتوحد)، المحصن بالذاكرة، ومخفياتها، تعلم كيف يقاوم القبول بالأمر الواقع، واعيا ً بالحتميات وبقانونها اللاذع، القديم قدم رسومات الكهوف، ودمى إنسان المغارات،  والذي يكمن في عملية (التدجين)، أو القهر، أو ما يصطلح عليه اليوم بالاندماج، أو الاحتواء، فلم يرضخ، في أحلك الفترات التي عاشها، داخل وحل البلد الذي ولد فيه، لا الاستسلام للجحيم، ولا الأمل بالحصول على حديقة في السماء. كان وسام زكو قد تعلم ان الحرية لا تدمر إلا بالعشوائية، فليس ثمة عشوائيات خلاقة، وان الإنسان لا يدمر إلا بمحاولة ترويض حماقاته، كي يصدم بالواقع العنيد: ماذا يفعل الإنسان فوق هذه الأرض، وقد تعلم ان (التفكير) لم يكن هبة خالصة، ولا تامة، بل خبرة تشكلت عبر هذا (الأعلى) و(الأسفل)، عبر اللغة، الأداة التي سمحت للأعضاء ـ من الأصابع إلى الرأس ـ ان تحفر في اللغز، لا ان تحوله إلى درب آمن. فالحياة برمتها لم تقل كلمتها ...، وإلا فإنها ستؤكد كم كانت فائضة، وربما قبض ريح، وان ما راود مخيال القدماء، أسلافنا، لم يسع أو يقد الحياة إلا إلى خاتمتها: الربح ـ القائم على التراكم، والهدر، والزوال، بل إلى قهر المسلمات، الشعارات، والصيغ المبنية على القرارات الراسخة، الأبدية...، نحو ذلك الضوء المخبأ في الظلمات، والكامن، رغم القوانين المحكمة، عديمة الرحمة، في مكان ما في الرحلة: في ومضات القلب، وفي ترابط أعالي (المخيال) بالصفر: التراب.






    رسومات وسام زكو تعلن عن وعيها، بدل ان تتحول إلى علامات سلع، في عصر حرية السوق، وفوضاه العنيدة، فهي رسومات لا يمكن عزلها عن أقدم تصوّر لقصة الخلق، في حضارة العراق القديم، ليس تصوّرا ً يرتد من الحاضر إلى ماضيه، ولا يمتد من ماضيه نحونا، بل يضعنا في أتون المحنة وعمقها: التراب، وتحولاته.  فالإنسان لم يخلق خارج المعادلات، وأنظمتها البالغة الإحكام، والجبرية، وقد دوّن كاتب ملحمة "جلجامش" أدق تفاصيلها، فالثلث الأعلى/ الإلهي، يوازيه الثلثين: الإنسان وتاريخه.  لكن هذا التصوّر سيفضي بالإنسان إلى العدم، المتمثل بمقتل (ديموزي/تموز) ونزوله إلى تحت، إلى العالم السفلي، الذي لم نر أحدا ً دخل فيه وخرج منه، لكن الحياة ـ بتصورات وسام زكو ـ لم تقهر الظلمات،  ولم تعّول على السماء، بل أبقت الديمومة قادرة على قهر نهاياتها، بالامتداد.


      لقد أولى وسام زكو (الطين) الأسس ذاتها ـ في فلسفة السومري ومن جاء بعده، برمجة صاغتها العوامل الموضوعية، لكن (الوعي) ليس موضوعيا ً حد عدم تلمس تساؤلات الإنسان في حضوره الملغز، وكأنها عابرة، أو زائدة. فهذا (الإبداع) ـ  المنحدر من اللا عضوي نحو الوافد من عفن السواحل، هو ذاته سمح بقراءات متجددة لمفهوم موت ديموزي ـ وانبعاثه. والسيد المسيح ذاته أكد ان من يريد الحياة إنما عليه ان يموت. فهو امتداد للقانون ذاته: البذرة التي لا تدفن لن تنبت. ووسام زكو لم يصدم بالموضوعية/الجبر، بالقانون الإلهي، كي يقبل بالهزيمة، وبالانخلاع، وبما سنه البشر من تشريعات للقبول بالقهر ـ القهر القائم على المعتقدات، أو الانتماءات الاثنية، أو الثقافية، أو الأيديولوجية ...الخ ـ  بل راح يتشبث بالبحث عن اللغز المخبأ في قلب الإنسان، لكن ليس الإنسان عديم الشفقة، الصانع للأدوات، بل هو هذا الذي رآه يمشي: فوق الماء. تلك النزعة الكامنة في كل ذات وهي تنسج معادلها بين المحدود ـ والأبدية.




    انه يقدم رسومات غزلت بغزل من صنع عذاباته، كذات محكومة بنظام المنافي، لكن ليس طلبا ً بالحصول على خلاص لروحه، وترك الآخرين يذهبون إلى الجحيم، وبالنسق ذاته، لم يهن أو تخمد فيه جذوة البحث كي لا يدع حواسه تخمد وهي تغزل خامات الإبداع ـ المكونة لأجسادنا وعقولنا وعواطفنا ـ علامات لمعنى ما ثمرة هذا الوله، وهذا الانشغال، والقبول بحتمية ان (الحرية) ليست كابوسا ً، أو ورطة، بل مدرجا ً لا يخلو من المصالحة، لكن ليس مع الظلمات ـ التي أبصر داخلها بصيص الأمل ـ بل ما توارى فيها من ومضات انتظرت ان تشكل عنصرا ً ديناميا لها في: التمثيل، الكلمات، الرسومات، وقبلها، في الصائغ نفسه وهو يشق طريقه وحيدا ً في أكثر الدروب وحشة، وعزلة، واغترابا ً.




     فالفترات العصية التي عاشها وسام زكو، وأدرك فيها ان القوى الخلاقة للإنسان تكاد تصاب بالوهن، والانحلال، حولها ـ كما تبلورت أنظمة الإبداع التي ولدت من رحمها، من الأرض، إن كانت في أرمينيا، أو في وادي الرافدين، أو في أي ارض لا تنتهك فيها حقوق المنفيين ـ إلى علامات اندمجت فيها (الأعالي) بالتاريخ، والمطلق بالمقيد، والمجرد بالفنان الذي راح يبني نصوصه الفنية كمن حول منفاه إلى إقامة، لكن ليس بدافع الخلاص، إنما، في الوقت نفسه، لم يتخل عن تلمس رؤية تلك الومضات الكامنة في اشد الظلمات حلكة: الإنسان!
     فالفنان عجن رؤاه اليومية، الآنية، المضطربة بالأصول، كي لا يقيم في مدافنها، وأطلالها، بل كي يشترك معها بالانعتاق، والمغادرة: نصوص فنية تزخر بالمسامير ـ وهي مستمدة من تماثيل الأسس،  وتحاكيها، بوصفها احد مكونات الحروف والأبجدية المسمارية ـ لا تدع الأعلى يستقل بعلوه، بعيدا ًعن الحواس، والحركة، والاشتباك، كما لا تدع المسامير تفقد قدرتها على إثارة الأسئلة، والامتداد، والتشبث بدينامية إن (الدفن) ليس إلا حلقة، لا تجعل من المرئيات إلا مساحة للشهادة، والتجدد، والأمل.

*[ لمناسبة معرض وسام زكو "أسس حضارة الطين" المركز الثقافي العراقي في واشنطن تشرين الثاني 2014 ]

يوم الفلسفة العالمي - 20 تشرين الثاني 2014- د. وريا عمر أمين




يوم الفلسفة العالمي -  20 تشرين الثاني 2014


 




و للكاَبة ألوان ، و افجعها .....ان تبصر الفيلسوف الحر مكتئبا
                                                         ألجواهري

د. وريا عمر أمين

      اقرت اليونسكو في دورتها الـ 33  بقرارها المرقم 4533/C ابتداءا من عام 2002 ان يكون ثالث يوم خميس من شهر تشرين الثاني من كل سنة يوما عالميا للفلسفة لتكريم الفكر الفلسفي في أنحاء العالم بتوفير مجالات فكرية حرة يمنح فرصاً للتأمل في بعض تحديات العصر الكبرى لتشجيع الناس في جميع أنحاء العالم على تبادل التراث الفلسفي مع بعضهم البعض وإنارة عقولهم لأفكار جديدة وتشجيع التحليلات والبحوث والدراسات الفلسفية للقضايا المعاصرة المهمة من أجل مواجهة التحديات المطروحة امام البشرية.
 

     يعد احتفال عام 2014 ( يوم الخميس 20 تشرين الثاني)  باليوم العالمي للفلسفة هو الثاني عشر بهذه المناسبة ليتيح للافراد تبادل الآراء والخبرات في جو من الاحترام الكامل للتنوع الثقافي وذلك بتنظيم مختلف النشاطات  (الحوارات الفلسفية، والمناقشات والمؤتمرات وحلقات العمل والفعاليات الثقافية مع مشاركة الفلاسفة والعلماء من جميع فروع العلوم الطبيعية والاجتماعية، والمربين، والمعلمين، والطلاب، والصحفيين و ممثلي وسائل الإعلام، وعامة الجمهور).
 و من المؤمل ان يحتفل هذا العام حوالى ثمانون بلداً بيوم الفلسفة والتي تمنح كل فرد، بغض النظر عن ثقافته و انتمائه الفكري و العرقي و الديني ، فرصة للتفكير الحر في مسائل مختلفة يهم الانسان اينما كان.
لقد أتاح يوم الفلسفة لنا الفرصة لنطرح على أنفسنا الأسئلة التي غالبا ما تكون منسية:
1 – هل استطاعت الفلسفة ان تجيب على اسئلة الانسان الاساسية حول وجوده و مصيره؟
2 -  من نحن كأفراد وكمجتمع عالمي؟
3 -  ما هو الشيء الذي أهملنا التفكير به؟
4 - ما هي الحقائق المشينة التي اعتدنا عليها؟  وهل تتطابق مع مصالحنا في العدالة والمساواة؟
5 - هل يعيش مجتمعنا وفقا للمعايير الأخلاقية والأدبية كما وردت في المواثيق الكبرى؟
6 –  لماذا لم يستفد الانسان من جمهورية افلاطون و وتعاليم ارسطو و سقراط وعدمية نيتشة و تفكيكية دريدا و تحاليل فوكو و سارتر و..و.. ومالذى قدمته الفلسفة و الفلاسفة للانسانية والانسان الذي لا يزال يعاني في كل مكان و زمان من الفقر و الجوع و الحروب والارهاب و الكوارث!!؟؟



منحوتة مزورة لخالد الرحال-د.أحسان فتحي

منحوتة مزورة لخالد الرحال

عمل مزور لخالد الرحال





    أعزائي المعماريين والفنانين العراقيين في كل مكان، تحياتي وسلاماتي، مرة أخرى، تعرض في عمان حاليا لوحة منحوتة خشبية طويلة ( 50 في 400 سم) موقعة تزويرا بأسم الفنان الراحل الكبير خالد الرحال ومؤرخة تزويرا بتاريخ 1957.  ان هذا العمل لا يمت بأي صلة إطلاقا بأسلوب خالد الرحال المعروف بقوته التشكيلية، كما ان خالد لم يحبذ النحت بأسلوب الرليف على الخشب أبدا، وان العمل فيه الكثير من روحية الراحل محمد غني وشيء من جوا د سليم ، ومن المرجح جدا بأنه من عمل النحات منقذ الشريدة الذي رحل قبل شهر فقط وكان قد عمل طويلا مع محمد غني وتأثر به. وكيف تم السكوت على مثل هذه اللوحة الهائلة كل هذه الفترة اذا كانت فعلا من عمل الرحال  ؟ من الواضح ان المزور أو المزورين قد وضعوا اسم خالد الرحال والتاريخ مؤخرا ومباشرة بعد وفاة الفنان منقذ وكأنهم كانوا ينتظرون وفاته على أحر من الجمر، ذلك لان السعر المطلوب في هذا العمل المزور هو مليون دولار على الأقل  !  الرجاء من مالك اللوحة حاليا أما أتلافها فورا أو إزالة التوقيع والتاريخ المزورين فورا والكف عن هذه الأعمال اللا أخلاقية المشينة!

د.أحسان فتحي


جواد سليم في واحد من الإصدارات الفنية اللافتة- خليل جليل*


جواد سليم
في واحد من الإصدارات الفنية اللافتة
عادل كامل يثير أسئلة متجددة ويقدم سردا تاريخيا وفنيا جديدا لنصب الحرية
                                                                                                      خليل جليل*
                                                                                             
اذا كانت هناك إصدارات من الممكن ان تستعرض لها على نحو سريع وتقدم لها تحليلات نقدية سواء كانت فنية او أدبية او ثقافية تبقى هناك إصدارات أخرى ليس من الممكن ان نتوقف عندها سريعا او نقدم لها بشكل عابر نظرا لما تتميز به هذه الإصدارات من قيم مضمونية لافتة الغاية منها ابراز اوجه ما زالت مختفية عن رؤية النقاد والكتاب خصوصا انها اذا كانت مثيرة للتساؤلات المتجددة ومحفزة لقراءات لاحقة وهذا ما وجدناه  في الكتاب الفخم والباذخ للناقد التشكيلي والكاتب اللامع عادل كامل وهو يعزز ويثري مشروعا  يسهم في استعادة بصمات فنية متميزة في تاريخ الحركة الفنية التشكيلية في العراق عبر كتابه الجديد الذي حمل عنونا هو الآخر مثيرا للنقاش ويفتح الباب امام سلسلة من الأسئلة والإجابات "نصب الحرية لجواد سليم..ملحمة شعب وذاكرة حضارة".
ومن المعروف ان هذا المشروع الاستعادي الفني الرصين  ويأتي  هذا الكتاب واحدا من عناوينه  المهمة والحيوية يكاد يكون مشروعا وطنيا مهما آثر صناعه للتصدي له بعد ان غاب عن اهتمامات المؤسسات الثقافية
ومما يزيد من اهمية المنجز الجديد لهذا المشروع الفخم انه يتصل بواحد من رموز الحركة التشكيلية العراقية وأحد روادها وبأهم منجز ابداعي له ...انه الفنان التشكيلي الراحل جواد سليم المولود  1921 والمتحدر من عائلة عرفت الفن التشكيلي وارتبطت به عبر اسماء راسخة  وقدمت اصغر فنان يحصل على جائزة فضية بعمر 11 سنة بمشاركته في اول معرض للفنون يقام في بغداد عام 1931 عن عمل نحتي شارك به في هذا المعرض وكان ذلك دافعا لكي يكمل دراسته  في روما وباريس  قبل ان يعمل مدرسا لمادة النحت  في معهد الفنون الجميلة في بغداد اثر عودته الى العراق ليواصل رحلة فنية ناضجة وبليغة لكنها توقفت عند عام 1961 انتهت بوفاته أثناء  اشتغاله في إقامة  نصب الحرية نتيجة نوبة قلبية داهمته أثناء العمل بسبب جسامته  والارهاق لكبير الذي تعرض له.

ابتدا الناقد عادل كامل الذي ذاع صيته كاتبا للقصة والنصوص الأدبية والنقديات الفنية التشكيلية منجزه الجديد عن نصب الحرية ورمزيته الوطنية والتاريخية باستهلال تاريخي وفني لهذا العمل اللافت بأيحاءاته  المنفردة عبر رؤية فنية تميز بها جواد سليم وانعكاسات وعيه على مساحات ذلك الامتداد الأفقي للنصب ورموزه المنتشرة عليه وعناصره المتقاربة والمتشاركة برمزية الحياة مثلما اشار كامل وكلها تتمحور حول عناصر الحياة  المتوهجة فوضعها على هيئة قرص الشمس الى جانب  والمقاتل  والمرأة والمشعل وغير ذلك من التفاصيل الفنية الاخرى التي تندرج ضمن مفهوم البناء الفني المتواصل بنسقه وتفسيراته وهي تنمو من جزء لآخر حتى تكتمل حدود الحكاية الفنية لعمل عملاق   هذه الحكاية التي تتفتح عليها عيون العراقيين صباح كل يوم .
يقول الناقد التشكيلي كامل في مستهل محور خصص كما في عنوانه" ذاكرة النصب" ان كانت تجارب نيازي مولوي بغدادي وهو أقدم مؤلف ونساج دشن مقدمات للفن الحديث في العراق خارج دائرة الاهتمام والأضواء  إلا إنها كانت وليدة تحولات سمحت للفنان ان يرتقي بالحرفة الى  نحو الفن والفن نحو المجتمع  المعرفي  وبالذاكرة او الموروث نحو العصر ليؤلف في ما بعد بين الحس اللغوي و التشكيلي وبالتالي ان هذه الريادة وجدت لدى الفنان جواد سليم انموذجها
ويضيف كامل لا مناص من ان جواد سليم عاش زمن نشوء دولة مستقلة بمعنى عاش تدشينات وتحولات شملت الحياة العراقية واخذ يوظف رموزها في عمل فخم مثل نصب الحرية تتداخل فيه الرموز العراقية
المستلهمة  من الواقع الحياتي مع العودة إلى الحياة الرافدينية وأشكالها التاريخية
وفي محور آخر من هذا الكتاب الممتع والشائق بأسلوبية الناقد عادل كامل والذي نجح فيه بتأجيج الذاكرة لمراجعة هذا العمل وكأننا نكتشف في هذه القراءة ما هو جديد، يقول كامل في محور" تمرين في الرؤية"  الفنان جواد سليم صاغ طريقة ونموذجا خاصا في الرؤية يتمثل بوجود اشتراطية للحرية والعدالة اللتان  تشترطا بأن  لا تجعل الإنسان معاقبا   ومما يبرز في شكل الرؤية للعمل هو ذلك الوعي الممتد والمتكامل للفنان سليم وهو يعي ويدرك أهمية فنية يحقق فيها علاقة مستديمة بين النصب والأجيال التي تمر عليه وهذا يعكس حقيقة واقعية تتمثل بالموهبة الاستثنائية التي تمتع بها سليم وقدرته بالحصول على حلول يصل حلالها إلى منجز فني إبداعي راقي.
وفي هذه الرؤية مثلما يقدمها الكاتب ، نجد التصاعد الملحمي لتفاصيل النصب عبر الرموز التي انتقاها سليم وجعلها مكملة لبعضها البعض فالمرأة والفلاح والجندي والشمس والنهر  والعامل كلها رمزيات حياتية تكتمل جميعها بدورة واحدة  وكأن النصب يمثل تفكيرا دائما بالحرية لدى الفنان ذاته والحث على مواجهة الاستعباد
"الجذور والتواصل"

لعل أهم محطة أو محور توقف عندها الناقد البارع عادل كامل كانت في الفصل الأول من كتابه  تلك التي جاءت تحت عنوان" الجذور والتواصل" اذ حاول ان يقدم أدلة وتفسيرات فنية وتاريخية استند عليها تؤكد مجددا بان هذا العمل الملحمي يبقى يخبئ الكثير من الأسرار ويثير الكثير من الجدل والمناقشة على الرغم من مرور ما يقارب أكثر من نصف قرن على إقامة  هذا النصب العملاق ...فعلى الرغم من مرور هذه الحقبة الزمنية فان النصب ما زال يثير الكثير من الأسئلة  التي تبحث عن إجابات  تفضي إلى أسئلة متلاحقة جديرة بالمناقشة مثلما يرى ذلك هذا الفصل الممتع من الكتاب وهو يتحدث عن نصب مفتوح امام الرؤية باستمرار  تصافحه عيون العراقيين  يوميا لتتواصل معه وفق جذور فنية وتاريخية  رافدينية  تنبه اليها الفنان وكرسها في عمله الفخم  وهو خلاصة ما يمكن ان يطلق عليه بفن الشعب الذي  يرصد ادق التفاصيل الحياتية  مما دفع بالفنان جواد سليم ليستحضر كل اشكال  الفنون  التي كانت تعكس علاقة الانسان بالنظام الذي يحيط به سواء كان غطاؤه سياسيا او اقتصاديا مستفيدا في تنفيذ ذلك من الحداثات الفنية الاوربية التي كانت حافزا له في خوض تجربة او مغامرة فنية تحمل بسببها الكثير ودفع ثمنا باهضا لذلك بوفاته مبكرا اثر انتكاسات صحية رافقته ، فالحرية التي اراد ان يبحث عنها سليم ويكرسها في منجزه الملحمي ليست الا ارادة عمل وارادة بناء تقترب او تتشابه من التنمية البشرية  بالمعنى السائد اليوم لا سيما  وان هذا النصب استمد ديناميته من هذه التنمية والا لم نجد تلك القراءات المتجددة لهذا العمل التي تذكر بقراءات سابقة تبقي على علاقة مستديمة بين العمل والمتلقي والاخير بالطبع  يحفر يوميا بمكونات واجزاء النصب
ومثلما كان للجندي او المقاتل دور بارز في صياغة مفاهيم الحرية والعهد الجديد للدولة العراقية بعد ثورة 1958 ونحن نرى ذلك الدور في احد أجزاء نصب الحرية فان الفنان جواد سليم لم يغفل حقيقة أخرى لا تقل أهمية وهو يقدم المرأة ومشعلها الذي تحمله يقدمها عنوانا مهما اخر من عناوين ورموز الحرية وهذا الاهتمام يأتي في سياق نزعة الفنان في التركيز والاهتمام بعوالم الطفولة والمرأة تلك العوالم والحكايات التي نجدها في الكثير من أعماله إلا انه أعطاها هنا في هذا النصب تأثيرا بليغا وسمح للتعرف على مفاهيم انسانية متدفقة تضطلع بها المراة العراقية فقدمها جزءا أساسيا في أعماله ونصوصه الإبداعية ورمزيات خصب الحياة ليستند بذلك الكاتب والناقد عادل كامل في تقديم كتابه الجديد على مجمل هذه الاشتراطات مثلما يتوقف عندها ويتصدى لها وهو يتحدث عن معادلات فنية متوازنة تبدا من أول جزء إلى آخر جزء من هذا العمل
    فإذا كان الفنان جواد سليم وضع المقاتل العراقي في قلب عمله الذي يمتد لمسافة أكثر من خمسين مترا فانه لا يريد ان يقول ان هذا الجندي وحده صاغ ملامح الحرية والخلاص من الاضطهاد حسب ما كان يتصور ذلك إلا انه وضع المرأة بجانبه مانحا إياها دورا رئيسيا في تحقيق تلك الملامح  أي انه حاول ان يجرد نصه من اي مضمون سياسي  فنجد المرأة ترفع رأسها مع يديها مبتهجة بمشاركتها في صناعة الحدث اي حدث الحرية  وهناك امرأة تحمل مشعلا يرمز إلى مساهمتها في صناعة هذه الحرية  وامرأة أخرى تنهض  وأخرى متكورة تحتضن وليدها  وهكذا أصبحت المرأة طرفا مهما في مثل هذا المشهد الملحمي وهذا هو فهم الفنان جواد سليم سواء لعلاقة المرأة بالحياة   بل صار هذا الجانب من أهم ركائز تجاربه  التي نجد فيها المرأة تارة رمزا للبؤس وتارة أخرى رمزية للابتهاجية الحياتية  وقدمها واحدة من رواد الثورات الى جانب الفلاح والطالب والمقاتل  والعامل
قراءات مهمة
وإذا كان كتاب الناقد عادل كامل وما قدمه فيه من استعادة لقراءة نصب الحرية من زوايا عديدة  قد شكل أهمية استثنائية متجددة فان القراءات التي خصصها لنخبة من نقاد الفن التشكيلي وفنانين تشكيليين وشهاداتهم التي تضمنها هذا الكتاب فأنها ارتقت إلى الأهمية ذاتها  وهم يتحدثون عن القيم الفنية والبصرية والتاريخية فكانت هناك قراءة للناقد جبرا إبراهيم جبرا  وشاكر حسن والأخير قدم قراءته في كتاب حمل عنوان "جواد سليم الفنان والآخرون" وبالطبع تحدث حسن في كتابه عن تشفيرات نصب الحرية  والجوانب المعمارية والنحتية بينما نجد في قراءة اخرى تلخيصا حيويا وبليغا لنصب الحرية عندما يرى الاخرون ان واقعية النصب لخصت احد قوانينها  التي تشير الى ان الظلمات لن تدوم طالما هناك توق للحرية  والحياة  فهذا التوق يشكل  ارادة الانسان  فالنصب في الأخير  ليس معالجة لعلامات دونت مسارها عميقا في ذاكرة الاجيال  بدءا بجيل ثورة 14 تموز  1958 فحسب بل ذاكرة تدون مصيرها طالما ان إرادة الشعوب تمتلك قدرتها على قهر عوامل القهر وهذه هي فلسفة الفنان وتفسيراته التي ضمها النصب المتكون من 14 مجموعة برونزية وكل واحدة فيها عدة شخوص تنتشر على مساحة تمتد لأكثر من خمسين مترا في افريز يرتفع عن الأرض مسافة ثمانية أمتار"وثائق وشهادات"كرس الناقد عادل كامل الفصل الثاني لكتابه الممتع والرائع  (نصب الحرية لجواد سليم ملحمة شعب وذاكرة حضارة ) لسلسلة من الشهادات والوثائق لعدد من النقاد والفنانين التشكيلين الذين قدموا أفكارا ورؤى فنية حول هذا النصب وما يشكله من علامة مهمة في تاريخ الحركة الفنية التشكيلية في العراق  ومساراتها بكونه واحدا من الأعمال اللافتة لواحد من رواد الفن التشكيلي العراقي لكل جزء فيه  من أجزائه  موضوع  لكنها جميعا تميزت بالمحافظة على مضمون وهدفية مشتركة حتى أصبح هذا النصب رمزا لمدينة مكتظة بصفحات الأزمنة والتاريخ أراد الفنان ان يضعها مرة واحدة في هذا الامتداد الأفقي الذي يقترب من الأسطورية   ومن تلك الشهادات التي تعود لجبرا إبراهيم جبرا  وعباس الصراف وشاكر حسن آل سعيد  وإسماعيل الشيخلي  وشمس الدين فارس  ومحمد صادق رحيم  وعدنان المبارك وتيسير عبد الجبار الآلوسي  وخالد القصاب  وعادل ناجي  وشوقي الموسوي و لابد ان نتوقف هنا عند واحدة من أهم الخطوات الفنية التي اخذ أصحابها  على عاتقهم مهمة التذكير بمسيرة الفن التشكيلي العراقي والمحافظة على مسارات حركاته واستعادة المنجز الإبداعي لرموز الحركة الفنية التشكيلية  العراقية ..تلك الخطوات المتمثلة بسعي دار الأديب للطباعة والنشر التي صدر عنها هذا الكتاب وقبله العشرات من الكتب الفخمة والرائعة تتناول مشوار عدد من الفنانين التشكيليين وما تركوه من بصمات وارث فني جميل  متواصل كل جزء من أجزاء النصب له موضوع مستقل لكنها جميعا تميزت بالمحافظة على مضمون وهدفية مشتركة ليصبح هذا النصب رمزية لمدينة مكتظة بصفحات الازمنة والتاريخ اراد الفنان ان يضعها مرة واحدة في هذا الامتداد الأفقي الذي يقترب من الأسطورية  
*كاتب وإعلامي من العراق
* صدر الكتاب عن دار الأديب للطباعة والنشر ـ عمان ـ الاردن.


بوضوح - للكبار فقط | أب يقتل إبنته بدم بارد بطريقة بشعه فى قضية هزت الرأ...

السبت، 15 نوفمبر 2014

نازحون مهجرون-كرافيك عادل كامل-1967-1968















باليت 24 ..الإصدار في زمن المحنة-



باليت 24 ..الإصدار في زمن المحنة


 


      بعد تعرض البلد إلى هزة عنيفة بسبب زلزال الإرهاب ..أصيبت جوانب الحياة بشلل وصدمة لان ما حدث جد خطير ومقلق على مستقبل الوطن .. وككل الفعاليات الفنية والثقافية العراقية تأثرت مجلة باليت والقائمين عليها بارتدادات الأحداث ومخلفاتها المؤسفة .. فجرى التريث في إصدار العدد في موعده المعتاد ,حتى تستقر الأوضاع والنفوس نوعاً ما لنعاود الرغبة في نشر الأمل والفن والجمال ونمنح أنفسنا والآخرين ذلك الشعور المتأصل فينا بالتحدي والاستمرار ...
الإصدار هذه المرة كان مواكباً لمحنة الوطن وأهله فتم تخصيص الغلاف الأول للوحة الفنان امانج امين, والملف الرئيسي عن الأحداث والحرب ومأساة المهجرين والنازحين وتأثير ذلك على الفن التشكيلي العراقي فكتب مؤيد البصام عرضاً تحليلاً بذلك , وشارك حامد المالكي بمقال في ذات الموضوع ... واخذ الرد على مقال فاروق يوسف حول معرض تراتيل بابلية حيز مناسب ..إضافة إلى تسليط الضوء على الفنانين والمعارض التي أقيمت كمعرض العراق أولا في قاعة أكد و منى مرعي وسيف الخليفة وسلمى العلاق ونبراس هاشم إضافة إلى موضوع رحيل الفنان عبد الرضا فليح ...
القسم الثاني المترجم فكان غلافه يحمل إشراقا عراقياً بهيجاً في لوحة موناليزا الرافدين لمحمود فهمي عبود والمقصود هنا خلق المعادل البصري المضاد للواقع العراقي المحزن ..حفل هذا القسم المعد باللغة الانكليزية مواضيع عن الفنانين إسماعيل خياط وتحسين الزيدي وحليم الكريم ومحمد ألشمري وكريم الوالي لتعريف القاريء الأجنبي بأعلام الفن العراقي ... وهناك مواضيع أخرى منوعة أخرى عن التشكيل العراقي في طباعة راقية وتصميم جذاب عصري..

كنائس بلا نواقيس-كاظم فنجان الحمامي

كنائس بلا نواقيس

كاظم فنجان الحمامي

لم يشترك المسيحيون في الفتنة الطائفية المتفجرة في العراق، ولم يكونوا طرفاً في النزاع السياسي القائم، ولم ينهبوا ثروات العراق، ولم يخربوا العراق، ولم يطمعوا في حكم العراق، ولم يتجسسوا على العراق، ولم يتواطئوا مع القوات التي غزت العراق وسرقت ثرواته، ولا مع القوى الإقليمية العابثة والمحرضة والحاقدة.
ظل المسيحيون منذ قرون وقرون وحتى يومنا هذا من أقوى رموز المحبة والسلام على أرض العراق. وأقوى رموز الوطنية الصادقة، وأقوى رموز التحضر والرقي، وعلامة فارقة من علامات الانتماء الحقيقي لبلاد ما بين النهرين بجذورهم الآشورية والكلدانية والسريانية والأكدية والبابلية، فلم تشفع لهم إنسانيتهم ولا وطنيتهم ولا براءتهم ولا نزاهتهم ولا عفتهم ولا استقامتهم في التمتع بأبسط حقوق العيش بأمان على الأرض التي ينتمون، فكان القتل والتعذيب والطرد والتهجير والتشريد والابتزاز من نصيبهم.
ظهرت داعش فجأة من أوكار المنظمات الظلامية لتنسف التاريخ المسيحي للعراق بذريعة تطبيق الشريعة الإسلامية على الطريقة المغولية، وبذريعة القضاء على المشركين من المسيحيين والأيزيديين على الطريقة النازية. في الوقت الذي تعالت فيها الصيحات التحريضية من أقبية الصوامع المؤمنة بثقافة الموت، فلاذ المثقفون والمفكرون بالصمت المطبق، وتجاهلت الفضائيات المحلية والإقليمية والعالمية ما حل بهم من مجازر ومآسي وكوارث لم تخطر على بال هولاكو ولا على بال جنكيزخان. واكتفى الفاتيكان بالسكوت من دون أن يقرع ناقوساً واحداُ يوقظ به الضمائر المعطوبة.
كانت أمريكا في مقدمة الأقطار التي سلمت رقابهم لسيوف الدواعش، وكانت تركيا وقطر والغجر في مقدمة المؤيدين لحملات الإبادة الجماعية، وكانت الأقطار العربية في طليعة المصفقين لحملات تهديم كنائسهم وحرق أديرتهم.
أين اختفى المتشدقون بالتنوع الديني والقومي في العراق الجديد ؟، وأين اختفت شعارات الدين الحنيف التي جاءت لتحرر الناس من تراكمات الجاهلية الأولى وتهديهم إلى سواء السبيل بالحكمة والموعظة الحسنة ؟، وأين اختفت تطبيقات الآية الكريمة التي تقول: ((لا إكراه في الدين)) ؟.
ألا يحق لنا أن نتساءل: لماذا يسكت العالم على المأساة الإنسانية التي لحقت بالمسيحيين في العراق ؟، ولما يسكت على تهجيرهم وانتهاك كنائسهم وتحويلها إلا مقار وثكنات للقتلة والسفلة ؟، ما الذي يجري في العراق ؟. لماذا وقف زعماء العالم كالصم والبكم متفرجين حول ما يجري من تطهير عرقي بحق المسيحيين في هذا البلد ؟. أيعقل أنهم يتذكرون باستمرار المحارق والمجازر على مر التاريخ ويتناسون ما يحصل اليوم أمام أعينهم ؟. ألا يرون أن الوضع أخطر بكثير مما يبدو ؟.
لقد ترك المسيحيون بيوتهم وتنازلوا صاغرين عن ممتلكاتهم ونزحوا مذعورين من قراهم على غير هدى هربا وخوفا من بطش الضباع الداعشية المتعطشة لدماء الأبرياء. الكنائس كلها أغلقت أبوابها في المناطق الساخنة، وفر القساوسة والرهبان بحثا عن الملاذ الآمن، بينما اكتفت حكومات كوكب الأرض كلها بالوقوف على التل لمراقبة المأساة وكأنها لم تسمع صراخ النساء وعويل الأطفال في الكهوف الجبلية الباردة.
ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين