الثلاثاء، 9 سبتمبر 2014

الأوثان-عادل كام




الأوثان


عادل كام


                                    إلى :
                                 أ . ت . ل

الوثن الأول





[ مفاتيح الليل ]

[1]

ليس للعظام التباس الفصول " ليس لتداخلي من غوايات: العاصفة في خطاها أضاءت : هو ذا النبع قلائد قرنفل : امرأة بعمر الامتداد ، والجذور تلملم للبحر أوسمة ألغرقى . أنا أم الوثن انار للآخر مسالك هذا الابتداء ؟
[2]
          فوق الموجة الأسماء تتلاشى .. أحيانا .. تتكّون.
[3]
          يأتون من البعيد .. يا للكهف ، ثم ، باستدارات الهواء يرجعون : يا من لم تولد ان عويل قبرك أقل فرحاً من رحيلي .
[4]
          قالت الانثناءات : وداعاً لوداع : ليس للحكمة باب .. الكف اصطحبت اصابعها وغادرت .. والظل كف عن الاضاءة . يا أيتها النفس اخرجي فالمدينة خالية من حرس الليل : لا ملائكة لا ياقوت ، في المدى ، جبل يلملم لصوص القلب ، فالعاشق استوى على عرش حصاة .. وأنا عند السماء كفت روحي الشكوى . يا أيتها النفس اخرجي فالاتون ظرفاء : لا أمير خير من أمير ، فالظلام حشرنا جمعنا فرقنا في حبة رمل .
[5]
          في الصخرة نطق : البذرة أم البذار .. هذا النشيد لماذا.. وهذه الصخرة لمن .. ؟
[6]
          صدى صوت أم صوت صدى ؟ أم الميت يرحل ليولد؟ كلمات القلب تكتب الكتاب .. والعاشق يتبعثر . يا للمثقل بالهواء آن لك تدبر الاقامة .. : طرز لا مبالاتك بالغياب ، اعلن ميلادك : ليس بالدهور تعمر المؤانسات . افق : يا أيها العاشق مستودعك التراب . خذ حفنة من الأرض وامح بها اثار خطاك : القلب جمّع قلائده للمنفى هدايا غانيات . ايا أيتها العاصفة اما آن لك الاستسلام ؟ هذا حبيبي اراه كلما ابتعد .. هذا حبيبي لا يراني كلما اقتربت . يا لصوت الجذر وهو يتوزع: الريح تدفع بالسفينة ، والغرقى فوق الغرقى يعلنون الاحتفالات . هذه عروسي لا اعرف اسبقتني إلى المنفى أم تعثرت خطاي .. هذه عروسي تقيم لي ولائمها : رملة فوق رملة اناشيد وداع .
[7]
          في أية حجارةً يتجمع العَّباد : من صُهر ومن فكك هذا الكلام : اني داخل اليد : لا خطيئة ولا نشوة . ففوق الرمل استعاد الجسد تلاشيه .
[8]
          اضع فوق الكف الفضاء وادون اسراري : لون من هذا الذي استفاق ؟ اضع كفي ذريعة نجاة ، ولا أغادر .
[9]
          تجلد : الباطل زهرة : تجلد : الغصن لا يأتي بالغصن . تجلد : البرعم قفل والباب مفتاح .
[10]

          من أعطى من اخذ والسكين لم تعمل في الروح ؟ ماذا لو صدى البرق فتح باب الأرض ؟ بكف الوليد تزاح الممالك ، وبنعمْ النبت يدور قفل الباب : هكذا قال العاشق للعاشق : خذ عرشك فما اشتاق قلبي لفجر هذا رعده قبل حضور البرق ، خذ خاتمك لا مثال انثنى عليه وثنه . جرح فوق جرح تصنع اللامبالاة.


[11]
          وهو ذا يحضر ما أعطى ليأخذ : تكون الحكمة فوق الورق أنطفأت آفاقت تناثرت تجمعت بين يدي البذّار : أيها الكلام اشتك لنفسك ، فيا غابة روحي لمن انذر نذوري : فمن اعطى أخذ .. ومن وهب استرجع .. ومن بعث محى .. ومن شيد ازال . اهكذا الشجرة ، كلما اثمرت دنا ذبولها ، والمعبد يغلق بابه ، اهكذا الرحم تيبس بعد استكمال فصوله وسيف المحارب يعود إلى التراب .. اهكذا يصنع الكلام تراتيل اوثان . نفسي قالت زد أيها البذار زد أيها العاشق ولترجع روحك راضية مرضية .. فما من نجمة ادلتنا لا يطويها النسيان .
[12]
          روحي تكف عن روحي فقلادة حبي انفرطت : صوته ضاع بين الأصوات ونفسي تكاد تكف عن نفسي : فمن ذا يدلني على بذّار اعطيه بذوري .. فانا صرت له الحصاد وجمعت له البحر في موجة ..
          روحي ورقة ونفسي تراب .. فلتأت يد الغابة وتقفل هذا الباب ، المفتاح نجمة وكفي سراب .

[13]
          ايحكم الدهر قبضته فوق الخاتم : هو ذا العهد .. هو ذا ليل الهلاهل : ايا أيتها اليد ارحلي النياشين عند النقاش ضاعت والنقاش مات .
          ايحكم قبضته على الخاتم فيما الروح حمامة : من ذا للارض قال انفطري وللتراب صر نجمة : من ذا صاغ كتاب الكلام ومد الكف ومن ذا للدهر قال يا ليتني كنت نفياً منفياً ؟
[14]
          اليد فوق اليد كتاب نياشين .. هو ذا الفجر يبزغ يطلع امام الليل . هكذا الجدران تمايلت انشقت تهاوت فيما القلب كبذرة اعاد صياغة عرشه .
          اليد فوق اليد نياشين كتاب .. أيها الاسم الممحو اتبحث عن آخر اكثر محواً . تباً للكتاب ولعنة للكتاب ، فالممحو ما زال يحمل عرشه : كواكب انطفأت تلاشت إنما ظلالها فوق القلب يد تكتب آخر الأسماء .
[15]
          ما الذي ، سوى الجمرة ، يولُد الرماد : ملائكة بين الأصابع وكلمات .
[16]
          قلب من ، في امتداد الصوت ، هوى عالياً :
يجمّع ذاكرته وينذر نذوره .
                   ليستدر ليستدر كل من في الاستدارة :
لا غالب لا غالب..
          ضوء أوقد الوثن . إنما الاستدارة استطالت استقامت . هو ذا الامتداد ..
          لا غالب لا غالب ..
          الليل اضاء مساره وغاب
[17]
          قطرة ماء اعادت لي التماثل : هو ذا صوت قبلات . موتى بلون النوارس ، قارات تتبادل المواقع .. أيها الشعر اعرف انك آخر النبض .. أيها الشعر انك أوله .
[18]
          ذرة ذرة اجمع العمر : كواكب فوق الماء .. مدن تغازل مدن .
          يا لقلبي كم علمك صوت اللامبالاة التقدم إنما ما جدوى الصوت .
          عند الجذور ، ذرات هواء ، ووثن يغازل ظلاله .. ليس هو بالرماد .
          يا لقلبي كم صبرت : شموعي مضاءة .. والغابة تأتي بالقلائد : اوسمة للهواء ، اوسمة للحشائش . فانا أغادر .. مملكة بلا اعذار .. إلى هناك .. إلى هناك .. بلا اسم بين الأسماء .
[19]
          اهذا كتاب عشق أم لعنات : في الوادي خطانا فوق الثلج .. وفوق الثلج .. وفوق الماء كتبنا الأسماء . افتح الوردة انظر ماذا خبأ القلب فيها : آثامي شاخت وأنا في المهد . آثامي شاخت وأنا في المهد .
[20]
          صدى من ضاع وأنا صوتي ما زال في النبع : هذا الراحل لم يولد بعد .. مثلما هذا الكتاب كاتبه لا أحد .
[21]
          الكراسي الملكية تنحني للاعترافات : يا لجلالة القلب المنتخب : بلور فوق بلور ، فيما الحشائش تجمع حصادها هتافات.
          يا لصوتي أأنت الواشي أم الكلمات ؟


[22]
          دعها .. الرياح .. دعها : هو ذا خشب الغابة ..
          عرش الاصغاء
[23]

          قسمها : خذ

                   ولا
                   تعطي
          الغابة غابة
          هنا غزاة .. وهناك غزاة
          لحظة بين لحظتين
          قسمها وخذ ما اعطيت .
[24]
          بلور مدفني .. [ باب الأبواب بابي ] ادخل ليس للداخل اعذار ، ليس للخارج مفاتيح : مدفني صغير وجسدي غائب .
          ادخل .. باب الأبواب بابي ..ومدفني [ هناك ] .
[25]
          شرقاً شرقاً اخذتني يدي [ الكرسي الصامت ابداً ] شرقاً حيث الهواء داخل الجذور . هنا أنا البرد . شرقاً شرقاً اترك يدي تستريح فوق الاحجار . من الجمر اخترع المواقد ، ومن الرماد ابتكر قلائد الاعراس .
[26]
          خذ الوردة للراحل : تراتيل . خذ العابد للمعابد : تراتيل . خذ ما تشاء : أنا هنا لست الباب ولا البواب . لست القفل ولست المفتاح . أنا غيمة تكلمت وخطفتها الأشجار .
[27]
          اليد وردة .. والغصن بين بين [ أيها الشتاء دثرني . البرد لؤلؤة : أين هي الشجرة التي كانت تدعوني إلى ولائمها ؟ أين هو البرق ؟] هنا ، اعيد صياغة الرماد : عزلة استأنستها الحدائق : يا برق لا تؤذ البرق .. أنا مثلك ، اضاعني من صنعني.. وأنا لا اصنع إلا اللامبالاة .
[28]
          بمفتاح الريح افتتح الوردة : فوق الأسماء أصابع نشوة : هنا ، في القرنفلة ذبائح : أمراء من مرمر ونسوة الانثلامات يبحثن في الرمل عن رمردة : العاشق يفتتح الميلاد ، وفي الجذر قبلات غرقى .
          بمفتاح الريح اغلق فلكي ، افتتح ممرات الرمال .. واغادر.
[29]
          نياشين من طوقتنا وطوقت اعيادها .. لملمتنا وما كان لن في الديار جدار : جئنا كأن الرحيل مستقرها ، وما اغنت بالوعد وعدا : تباركنا ببحر انشد للرمال نشيدها ، وما انشدنا إلا لمن انشدنا الزوال . تبارك الليل بنهاره ، وتبارك من سكن المنفى سلام .
[30]
          بالصوت أم بالصدى تكتظ اكتظاظاً ، ليفتتحها الرجاء.
          بالبحر ملوك ملكوا الماء الشبكة تقدم ذبائحها للسواحل. بالوردة تمتلئ روحي .
          حشائش فوق الحشائش . نجمة بين الكفين .
          هو ذا معبدي يجرجرني بالتراتيل .


[31]
            روحي مبهمة .. نبع ماء فاض شتاءات
                             وبعض دخان وعود
[32]
          بالحشد اكتم حجر الأصوات : هنا لدى العرش والعيد وانثناءات سيوف
يا غيمة من يلملم اطراف الماء
هذه الطبيعة مثلي
زمردة اثر زمردة
يا له من عقد في جيد
ويا لي من اسماء بلا اسم .
[33]

بكتمان نبض : تعال الىّ اطرق

هو ذا الباب .. هو ذا القفل
عندي لك صخرة وكتاب
ولك عندي : قلائد ومزارات
لمن هذا التاج .. يا ماء غادر

                             أجئت ؟

[34]

شتاء مسرات أم خريف أصابع مشبكة

هنا : حديقة بلور : امرأة وسنانة
رجل مع الحدائق يتوحد
كاتب يكتب
ويد للافعال تتلاشى .. تنشطر
[35]
          موشى قلب الياقوت كفيروز : مدائح كرم الحجارة .. بالزبرجد أو بالعقيق ، فالزمرد بلون الاستثناء : الماس أيها اللؤلؤ : أيها القلب يا نداء الحجر : معرى عنق الموتى كديدان ملكية خرجت إلى الفضاء : سفن غرقى بالهياكل : هو ذا عرسي بلون الغياب : برق فوق برق تتكون المعادن .. واسم بعد آخر تتلاشى الأسماء .
[36]
          اففتح الوثن : هذه صخرتي . الباب لا يدور والقفل باليد. اليد سماء ، والقلب سكين . الروح عند العتبة ، والباب لا يدور فيها القفل . عندي الباب وعندي الصخرة ، إنما اسئلتي ، ما ادراك ما سر الغيمة ، اسئلتي ، مثلي ؛ النوارس عند الضفاف .. والنسوة يصطحبن الظلال . وأنا الميت اخطو : اهذا ما سعيت .. فافتح باب الأوثان ، اعلن إعراسي ، واغادر.
[37]

هناك .. ارتب خجل الغيمة فوق الأرض

          وهنا
ارتب
فوق
          الورق
          خجلي
[38]

          بأي المحن ، بأي المحن اتدثر

          الضوء طوقني
وبضع فراشات تدور .. وتدور
بأي المحن استدل مغزى الانحناءات
          ليس لاحد .. قال الضوء
          ليس لاحد .. قالت الفراشات
          إنما
          وضعت الأسئلة فوق العشب
          ورحت ادور ..
          وأدور
[39]

          هوا ذا كوخي : في الركن بقايا زاد

          عند النافذة ازمنة ترفرف
          فوق الأرض غبار ووعود
          هو ذا أنا بين فضاءات سماء
                             وفضاءات
          كوخ يقيم بلا اعذار
[40]

          لمن في الغابات أو في الدفاتر

          ترفرف هذه الروح
          لمن في السماء أو بين أصابعي
                   هذا الميلاد
          لي : قالت الروح
          لي : قالت الأرض
          آنذاك صرت ورقة في هذه الشجرة
[41]
          ما الذي إذن يتركه النهار للاستدارات : هذا المنعطف البهي : نشيد نجمة .. فيما تدق تويجات الماضي فوق الغيوم .
          اني هنا الآمس بقايا بقايا : هو ذا ابعد فابعد : الأمس: الولد الذي اكتملت بهاءاته يا للشمس ذاتها ، بلا استئذان ، تناولني كهولتي ، وبلا مبالاة تضعني إلى جانب الأوثان .
[42]
          أوسمة ، هي الاخرى ، مثلي تستدل بانكسارات الماء . شجرة ، ليست مثلي ، إنما ، إنما دائماً ، كلانا متشابهان .
[43]

          أيهما اضاء للاخر

ايهما ؛ أنا أنا أم أنا ..
كل هذا الظلام البهي : وعود بلا مدافن , أيضا:
تذاكر اهملتها النداءات
فجر لصق بقايا انامل
وكهولة بلا خرائط ، هنا ، أيضا
ايهما وشى بالاخر
أنا .. أنا أم أنا
إذن احدنا اضاء
[44]
قبل ان ابصره غادرني .. هو ذا الذي خاتمه احيى اليباب .
هو الذي ظله اعاد المسرات .. هو الذي اودع الفصول الرغبات ، ايا نور لاتتجمع ، روحي رقراقة وساقي نبض حمامة يكسرها .
وقبل ان يكون : أبصرته : فتحت الرمل اصطحبت الغابات . شاهدت غرقى الدخان جالست حرس النهارات. بالقطارات تنزهت وبروحي لامست ثمرة من احب . صار للبرية نسل وقبائل ..والسيف مازال يعمل في الجسد . يد فوق يد اشتبكت تفرقت تحابت اصطخب ولدت وتطايرت شظايا الاحتراق .ايها المسمى باللا اسماء روحي اشتاقت .. أيها الضائع من اضاعك .. روحي اشتاقت .. يا من رأيتك قبل ان تكون .. ويا من ودعني وأنا ما زلت مثار شكوك الارحام .


[45]
          الوردة حمتني من وردة .. وفي المنفى الظل حماني من الظل. جدران بيض تعلمني المعنى . الضوء يدثرني .. الظل يغلق لي الباب ، النجمة تأتيني بالزاد .. ايا من اشتاقت له روحي لا وردة لا ظل : كلمات اجمع فيها مملكتي . كلمات فوق كلمات ادخل بها المنفى .
[46]
          هذا الوثن وردة فوق بحر : اسمي عندك وأنا مسافة : تعال لا تغادر
          لي مثلك ارتعاشات
غادر لا تأت أنا مثلك صوت . يا لهذا الامتداد .
كلمة فوق كلمة يتكون الصمت
                   يتلاشى البرق .
[47]

من سيذكر من : اتصالحت اضدادي

من سيذكر من : الملك يتنزه
مطرزاته تكلمت : الغيوم توحدت ، القلوب انثنت
          من سيذكر من
          الحجارة أم الشجرة
          فيما أنا ارقد في قاع النسيان
[48]
يكتمني الصمت .. هو ذا فوق العشب كلامي
فتن بعمر الذاكرة : قنديل ادله إلى النور
يكتمني الكلام .. هو ذا فوق الأرض صخبي
يد تستجيب للهوى . . ويد اتركها للغيوم
[49]
ليته التباس : الميلاد أو الانطفاء . ليتها غية :
نشوة أو نداء
          استدار : اني اجمّع ظلالي
ليته التباس : الكواكب بين يديّ
غيمة أثر غيمة تخترع الصحراء
لمن هذا الكلام ..
يا بصري دل التائه
          ثم
          اتبعه

[50]

مملكتي : غبار

ليل بعمق نجمة : من الذي انطفأ [ ابعد وثني ] :
يا أنت .. لا أحد : الصخرة تدون تاريخ الماء ..
والبلابل تتناسل بين الكلمات :
          المارة يجرجرون المارة
          أميت أنا أم بالانتظار
مملكتي غبار ، مثل اصداء ، تتلملم بعيداً عن الأصابع
[51]
          آن اوان قطاف المحترق بثمار النار : من اعطى استعاد.. والاسم فوق الاسم يمحو كل الأسماء : يا فتيات الحصاد انشدن لنا اغنية .. يا سراب اقطف لنا من الاعالي لحنك .. الذي في القلب يسكن برية ، والبراري تسرق الابصاد .
          أيها الكلام اوقف زحف الكلمات . فانا الشوق ادلني اضاعني كونني ثم محاني .
[52]
          صوتي خرج يبحث عن صخرة .. فالنور فيّ توهج حتى اطفأني .. والظلام صار معابد .. اني أنت يا من وهبتني النور .. الممرات تفرعت .. وزنبقتي في الوديان ضاعت .. أين أنت يا قلادة فرحي .. آثامي شاخت وأنا في الميلاد .. ودليلي مثلي خرج عن صوته . أين أنت يا من بالاسرار صاغ روحي : صوت الجبل في وردة .. وصار التيه آمالي .
[53]
          بأي المسرات اختتم فاتحة الاستضافة : اليد انجذبت إلى براعمها : تراب الاحداق وكتمان العواصف . دربا خاتم الباب. الاحفاد سبقوها إلى المنافي ، الأوثان تتعثر خطاها : الوردة انجذبت ففككت عرشها : هو ذا باب الأبواب ينفتح قدام الانفلاق : زنبقة الجبل ضاعت فيا قلب كف عن الزنابق : خاتمها للريح .. قلادتها للمرات .. روحها خطفت وأنا نفسي استظلت بنفسي وضاعت .
[54]
          بكتاب الكتمان تصاغ القلائد : الختم فوق الختم : لذات انطفاء ورغبات معادن . بكتاب الرمل يستعاد التاج : نوارس ورماد . المنحني والمنحنية كأسم يمحو ظله .. هنا ، يتسع المثوى للاعراس : صفاء فوق الصوت ، نشوة نبحث عن قرار. بكتاب الموت يولد الراحل : ويد فوق الكلام تفتتح خاتمتها .
[55]
          بصدى لذات الأوثان قال للارض انبسطي ، جمعي اثقالك وخذيني . اليد تفتك باليد ، والروح صارت حمامة .
[56]
          بمساحة الكف ، ليس من مدارج : هنا التراب ينهض : موتى لصق اشارات :
-       إلى أين ؟
          للاوسمة وهي تبارك الكف ظلال كفت عن كفها . لا مصلح لا كلمات : اني اودع سلامي :
          قبر مرتجى باتساع النياشين : شمس زمرد . لا ابنة لدىّ إلا ابنة الفيروز في البحر .
                   ويقال لي : تمهل .
          هذا الشتاء احتوى الفصول ، وهذا العمر صار مقبرة . 
[57]
          باسم الهواء اعيد صياغة الكلام : يقولون عادل تناثر ، أيها المبارك امواجي تمتد جفافاً نحو البحر ، وساريتي تجرجر مداها، أيها المبارك باركني اني عندك ضيف .
[58]
          في الفجر ترتل ، يوحدها التراب ، كف فوق الميت واخرى للانتظار . خذ الميت مات .. ورماد الليل جمر . هي اليد اعطت وهي اليد رحلت . فماذا تفعل بالوصايا . امرأة الفجر امرأة الليل امرأة الراحل اخترعت لعبتها . تهدم باقلام المتكلم تهدم فبمحاذاة الفاتحة نسوة يحملن الثمار .. وبمحاذاة الوردة خنجر يعمل في الروح .
[59]
          من القادم الىّ وأنا بلا أبواب : يا لذكريات الاستثناء . ازمنة ما تتلهى واخرى تتعثر . الاتون يلونون الأفق بالاصوات.. فيما نسوة الليل يتبادلن الطرائف .. أهو آتٍ الينا هذا ايضاً . يا حبيبي جسدي انحل من خيط ضوء ، وافراحي تحت التراب ترتل سلواها .. لا اعرف من يعرفني .. ولا الذي يعرفني اعرفه .. ضاع الذي رأيته .. فاتركني لكف اضعها فوق الظل .. انثر وردة فوق المدى ، واتجمع في حبة رمل .
[60]
          للريح مفاتيح مثلما للانهار : من ترك معبده من كوّم الأسماء فوق الأسماء : هنا في القرنفلة ذبائح ، وهناك عشاق . لصق المباني مارة وفي الكف انحناءات . هي المرأة لها الأسرار ، مثلما للذكر انثلامات ..
          جرجرني حبيبي مني .. اضاء لي النهار وغادرني .
[61]
          ما الذي سوى الهواء يتكاثف [ تمر العجلات ] بعض السلوى يفسر بعضها . سوى الرماد ومطرزات الانثى   [ وتمر العجلات ] ما الذي سوى زجاجة بلون الكف : هنا : خلف الرأس قطرات مطر للابتهالات : العجلات تغادر .. وليس سوى نبع تحت البحر يلهو عبثاً بالروايات .

[62]
          امسكت بالصوت الموَّحد : أعلى أعلى هي كاتدرائية النجوم ، ما الذي يحرك إسرار النمل : الغابة الشتوية تخلع معطفها ؛ الحشائش ، الحشائش المتيبسة ، هي إذن ، الحشائش تدّون فوق البرد مسلات الاصداء .
[63]
          قط لم يسبق ظلي ظلي . إنما بعضي لا يتقدم : هذا النبات تسلل إلى الرأس : غابة أعمى . غلمان مطرزون بالاعياد. الساق التوت والاحلام تناثرت .. هذا عيد يطرق الباب .. فارتب ايامي ، ثم أصعد إلى السماء .
[64]
          اعدل الليل : ادخل . ليس لدىّ أوامر . تماثيلي فوق النار. الرب ، هنا ، أو هناك .
                   أعطاني استراحة
          اعدل الليل : ادخل ، يا وثني : امرأة أو متسول : نجمة أو عابر سبيل ( مرقدي بالرماد يعلن احتفاله ) : الليلة عيد : ادخل .
         
          احدنا سيعدل احدنا
          العالم ينشطر .. والكلام يجرجر الريح إلى الريح . يا عجوز ( قالت فضائل الصمت ) ادخل ليلك عدل من اشتعال النار وهذا الوهم . الباب بلا قفل يدور .
          احدنا سيعدل احدنا
          هذا سر الاقامة .. هذا هو مفتاح الكلام


[65]
          ايصنع الأفق هذا الكف : يا قوتتات فوق الجذع ، وصخرة اصوات مكتوبة . امرأة الغابة اختفت ، خلعت قمرها، اذابت فضة الزنبق ، لونت الغرقى باليناشين .
          ايصنع هذا الكف الأفق : ايا أيتها الاتية تحركين الموجة اثر الموجة القادمون غادروا والليل لا يمحو الليل .. ايا أيتها الواقفة بين نهار ونهار لن يمتد عرش الكهف ولن تنُشد الاناشيد . يا حلوة مثل اغنية ميت لا الأسرار لا الاسوار لا النار تمتلك مفتاح القلب : المدن بالجراح تودع احتفالاتها : والاسم الذي يولد بعد الاسم يحمل بشائر الأعياد . ايا امرأة الفضة بأي ماس تلونين علمْ الصحارى : ذئب في الوردة يطلع .. والذين ماتوا موتاً ها هم في الرمل ينهضون .
[66]
          فيك البرية رائحة طلع : ثمار الغابة لا تغوي نطفة انطفأت. لا أنا بالداعي إلى الولائم لا أنا القائل وداعاً يا احجار. قلبي للنية خطا ، دوّن تدويناً ومضى .. فتعالي نعقد صلحاً : تعالي .. الليلة عندي الأرض مؤنستي .. اصعدي ثمار الموتى ذهبت .. وثمرة روحي لم تذق الأسرار فيها بعد . مدي كفك لنمحو كلام الريح فالاتون موتى قبل الموت .
[67]
          هذا أمير يعلن دولة الرمل : متحجرات وصقور . يا للمعركة . الصخرة تمسك كف القمر .
          نادى الامير : من اكون .. استدارت الهياكل . نادى الامير : من اكون .. ؟
          معاً يرتعش الخشب والظهيرة تلك غادرت ..
                   لا فدية
          في مساءات البرد ، عند النخلة ، جلسنا .. بايعنا الرمل. عند الفصول سمعنا الامير ينادي :
                   من اكون ؟
          [ وليس للامير من صوت ] نهضت حاشية النهار اجتمعت .
                             والعيد وزع هداياه
لكل ساكني بريتي ارض الزنابق واعالي المتحجرات في الأفق لا أحد
هذا المعبد يفتح باب الوردة
تعال يا صمت جمع خفاياك الخيمة غادرت
وهذه فاتحة الماء
الامير غادرنا وكواكبه انثلمت .. انثلمت ..
وساريتي عند
                   النبع
                    اناشيد
[68]
بأي رمال يضاء القلب : تعلمني السر وتكتم علىّ الفضاء . الباب الموصد اعلن كلامه .. والميت قام .. يا اخشاب الاشارات افصحي عني : لا أنا بالقديم لا أنا بالمبتكر : أنا غابة انوار وحفنة خطايا : أنا المجرد وأنا الرمل في وردة . تعالي خذي هذا الراغب بالاقامة .. عنده احزان وعنده سلوى : حلمت باتساع الومضة . أيتها المرأة اما من شكوى تعيد المسارات : الحجارة اصطخبت ، والاعشاب اعلنت اعيادها . أيتها الشكوى أنا اجلس في العيد : معبدي كلمة واعراسي رماد .
[69]
بأي الكلام اكتم الكلام : الجرح استفاق ..
والوردة فوق الوردة تكتم كتمانها : عرس .
أين اليد التي اعطت : اهذا هو مثوانا :
ورود لصق ورود ؟
[70]
          فوق الخاتم تدّون اشارات : أيها العابر توقف : هنا الظل يطرز وسطه : المرأة التي جاء بها البرق تطلع ثمرة مشتهاة . أيتها الرغبة عودي إلى مملكتكي راضية بالكتمان : ما من شيء جاء بشيء .. ما من شيء يفقدٌ : كنوزي عتمة .. ويد الغيمة فوق البرية تبسط كلامها : أيتها المرأة ما الذي أتى بك والقلب كسير.. ابعثت بك الحقول أم ان ما تنشده روحي صار استحالة..
          دعي الخاتم ينشد ذكراه : النياشين للفضاء ، والصوت مملكة .
[71]
          بختم الأسرار ارصع اليد الملكية : تدور بنا الريح .. قلادة الياقوت انفرطت ، تناثرت .. وبيد النور أدوّن فوق الأمواج اسماء العشاق : أيها الغريق الجميل يا ضو ثمار الجنة متى استطالت الظلال متى افتتحت الخاتمة : هذه عروسي تحت الماء، تعطر الاسم الممحو بالرمل . وبقلادتها دشنت الجرح . النور اضاء الكلام وأنا اهب المنسيين نياشين : اعياد رماد .. ومسرات غرقى .
[72]
          متى احتفلنا لكي نغيب : متى تجمعنا لكي ينفرط العقد: اليد فوق اليد والخاتم يدور .. صخب أم عرس ؟
          خذ روحي أيها الغائب . النور ملأني حتى أنطفأت . لا أنا بالغائب لا أنا بالحاضر .. جمر العرش يرُصع بالذكرى . هو ذا الفضاء يتجمع مع الأصابع ، ويختطف مني رماد الاحداق .
[73]
          غاب من جاء ، كرماد فوق جمر : من جرح الأرض من نثر بذورها من اشعل الماء : توقد يا ليل اشتقت للضائع . ادلوني أين خبأ ثمار الاحجار ، فنفسي بها نشوة .
          مطهرة ايام الغائب : الذي طرزنا .. لملم حبات الشجرة ، واعطى للاسماء هذه التذكار .
[74]
          بي جرح ابعد من جرحي :قلائد اناشيد .. ونشوة .. وعندي فضاءات . عندي مزارع نجوم غاب عنها الصائغ ..
          حبيبي أدلني واضاعني .. لملمني وفرقني .. سقاني ثم نثرني..
          أي .. يا هواء .. أين لؤلؤة الوعد : الكتاب المكتوب فوق الماء ..
          اني اعيد للبحر آخر غرقاه .. واصطحبه للميلاد .
[75]
          اطفأتني أم انرتني القلب خبأ وردته : النشوة فضحت اسرارها : تماسك يا حجر القلب عدل نظام الاقامة . العيد اكتمل والبدر فوق الأصابع يدور .. أيها الوسام لا تبحث عن محارب .. أيها المحارب هل عثرت على سلامك .. ؟
          لا خصام بين النجمة والوردة : البذرة افاقت وقلبي اسكره الغياب .

[76]
          الملاك الذي استضاف عتمته غادرنا .. فالقلب استضاء بجدار : يا بلابل غردي للعروس : ليلنا الوثني نجومه تناثرت .. واليد تحولت إلى تراب .

[77]
          يجرجرني معبدي إلى البوادي : الفجر رقد فوق الكفين.. والعروس تحاور صمتها .
          خذ أيها الاتي أنا أعطيت .. فآخر إسرار التراب اولها : هنا اجلس في الوردة : العيد نياشين ، والصمت ابتهالات .
[78]
          خاتمها اضاء : كلمة اثر كلمة يمحى الكلام . والأسرار تمحو الأسرار . العيد ارتدى الأرض : غابة ورد . يا لروحي انطفأت بالاستضاءات : خذ مني خذ ..
[79]
          بنجمتها تصاغ القلائد : هذا المرمر فوق المرمر : استحالات نور .
          البحر اعلن استضافته : لا اجمل من غريق يدثر الغرقى . هنا تتجمع الأشجار . ماذا لديك يا قلبي .. غادر .. الليل يحرس اسواره .. ويا كلام تفتح ، العقل موقد .. وفي الروح روح يرفرف : المعبد يكتم كتمانه : صحراء ثانية ينقشها النقاش ، وبي انتشاءات .

[80]
          كتماني صّدع صمت الصخرة : يا للعيد .. بذور من حصدت . أكان للقلب اكثر من ضيف ؟
          أيها النيل ماذا فعلت بالبوادي .. ؟
          أيها الفرات .. تمهل .. عروسنا نجوم .. وفصولنا احتفالات .
[81]
          بأي خطاب اخاطب ملكتي : يدٌ اخذها الرماد .. ويد اضاعها النور .
          ملكتي بتاج الغرقى لؤلؤتك تعيد صياغة القلائد : البذرة بعد البذرة شجرة : لا الرمز بسابق خلاصه ولا الفناء يجرجر حجارة موتاه .. أي يا رب العشاق من صاغ هذه المطرزات .
[82]
          اقفل الروح بالفضاء : هذي نفسي فرحانة : اقفلها بالنور : يا كلام اتركني اني ابحث عنك .


[83]
          الغائب غاب . كم قالت لا يكفي : جهنم الاحجار والناس : مرحون قبل الميلاد . أيتها الشجرة تجمعي : قلبي اشتاق.. والوردة تكتم سرها في الرمل .
          خذ .. ما أحد اعطى : العاشق ارتدى غيابه : أيها الحبيب اتدلني عليك ؟
[84]
          الخوذة فوق الخاتم .. والماء يكتم إسرار الماء : فوق العرش عرش : الفانون فانون قبل الفناء : لكن لقلبي كلمات هذا الماء .
[85]
          خبأ حبيبي نفسه بين الزنابق ثم خبأني اليه . الغيمة غنت: يا عروس الليل أين حبيبي الذي غاب ؟
[86]
          فوق الممحو اكتب : الملكة تنثر ورودها .. يا جسد تفرق من جمّعك .. من صاغك .. الاسم فوق الرمل يتكون .. والاسم يمحوه الرمل .

[87]
          من ابتكر لذة الماء : أيها الوعي من منا غاب ومن منا غاب ؟ الحجارة ترتب احتفالاتها : اني امسك صخرتي يا هذي الشجرة : أودع من ودعني .. واليد فوق اليد ملائكة احتفال . قط روحي لم توشْ بروحي : أيها الباب المفاتيح ثمار البذار . الأرض قامت . واليد ملاك وفوق اليد ملاك : أنا اجمع الماء من العّرافات : من منكن لديها مائي . أنا بالحجارة ازرع مزرعتي.. يا ارض هذا الجرح خالٍ من الجرح .. وكتاب الأرض كف عن الكلام .
[88]
          من استدل بمن : البحر بالغريق .. أم العروس بماس الاثقال . على المدى عويل رؤوس الفضة .. الملك العبد العاشق على المدى ضاع الاسم فوق الأسماء .

[89]
          ليس للاساور اساور : الخاتم الذي فوق الخاتم اضاع الخواتم .
          لقلبي خفاياه : البذرة تمحو يد البذار .. والحقل ينتشي بالحرائق . لا أودع من ودعني ، أنا الاستضافة : يركب الغريق مركبه والبحر يعلن اعياده في السواحل .
[90]
          للذي يأتي نرتل : الغرقى يلملمهم الكف : يا آخرتي كم هدمتك إلا تشتهين استضافتي إليك : أنا كلت روحي والعرش مغادرة .
[91]
          اليد اعطت ثمرتها : غياب المتذكر غياب الذاكرة . المعبد استضاف العابد : لا اسم للمسمى لا لغة للكلام . تلملم الاهداف سواحل الرمل : آتون قبل الاوان : راحلون قبل العرس : القفل يغلق الباب ، والوعود نياشين ذبائح :
          يا فضة الميلاد الحقل أينع ، وخاتمة الافتتاح بجرح الأرض تعلن غيابها .

[92]
          عين ترى وثانية تدوّن : لاكّتمن بيرق الحجارة : السياف وارى سيفه .. واميري اخترع لي المسرات : العين دوّنت محوهها ؛ يا ليتني وهبت السياف أوامر الأرض : اتطرب روحي وحبيبي جمعني سقاني وعلمني صحو الأشجار .. اراني نشوة الاعناب ولذذني اليه : إذا رأيتهم حبيبي لا تدلوه علىّ ، أنا عنده : ايا أيتها النفس صحا قلبي فمن يفرقنا للاحتفال : لا هو يراني لا أنا مبصره. أيا أيتها النفس صحا قلبي وحبيبي عندي فمن يدله علىّ أنا عنده .. ايا أيها اللامسمى من ابرق برقه في بريتنا : اصطفانا في بذرة ، ودوّن خاتمة الافتتاح ؟
[93]
          انفرطي انفرطي يا قلادة الروح: العشق باطل .. ودار الاقامة غربة .. فلِمَ ذهبنا إلى العيد .. قطفنا الثمار .. اما كان للغريق الجميل خداع سواحله . اما كان لي اغواء الاغاني والذهاب إلى الليل : حكمة فوق الكف واخرى رحلت بلا استئذان : يا اسئلتي هدئي المشهد ، ويا نور التراب كفى : الكلام يتناسل ، والمثوى باتساع الأرض .

[94]
          عيّدي يا نفس حبيبي غاب : هو عندي . يا روح من ارجعك اليّ : غابتي زنابقها توزعت : مملكتي تناثرت ، وعودي توارت ، وآمالي فوق الكف معابد . هي عندي فضاء وأنا عند حبيبي غابة : قبر فوق قبر تمحى الأسماء .. وعلى المدى حدائق تقام : ولدان يطلعون ترتل لهم الريح ، اما علمت يا وثن سر عشق الحجارة للحجارة : شارة الروح تنتظر خلاصها .. شارة خلاصها يبحث عن سيف . كلانا ورطة يا ارض ، كلانا عند البذار حقل يتشهى النار .. أما آن للنفس ان ترضى بغيابها ، برهة ، اما آن لها ان تغيب .
[95]
          بأي كتمان تكُتم الأسرار : الفضاء آفاق ، والوردة فوق الخاتم اعلنت احتفالها : الكلام جرجر ظله ، مثل الأسماء غادرت مثواها : يا ريح تجمعي في مقلتيها .. جرح الأرض استفاق .. وبخاتمها دوّن الرمل اسراره . يا أوثاني من علمك النطق ، ويا حجارة من صاغك اوثان ؟
[96]
          من اختطف العهد : من اعاد صياغة الهواء : دار الباب مع البواب ، والشجرة مع المحارب : لم ينتش القلب قط بالفضاء ، ولا تعاويذ الرماد انتشلت الغرقى . القلائد ليل .. والنهارات تبحث عن دليل . تعالي يا عاصفة تجمعي في البذرة : الشجرة اكتملت .. والثمرة توحدت مع البرق . تعال يا ساحر السحرة لدىّ هدايا : اعياد تراب ، وتراتيل اوزعها فوق الموج.. يا من عثر على حبيبي أنا غادرت معه والميلاد على الأبواب .
[97]
          بالبرق نطقت الحجارة : رتل يا تراب .. الامطار سبقتنا للمنافي ، والملكة اصطحبت ظلها ، تكوّم الياقوت ، وختم بالختم كلام آخر الاحفاد : مخلدون فيها ، اليد نطقت ، وحرس الغابات استدرج إلى الليل : رتّل يا ماء ، البحر غادر سواحله ، وسيف السياف توارى : ايا يا ملكتي أنا الملك الوثن : عرشي غادرني وأنا في المهد .. فتعالي نشّيد بالرمل غاية براءة . لا الروح لدىّ تحتمل مرأى نجوم انطفأت ، أو أخرى فجرت ينابيع الانحناءات . ايا يا هذا المعبد دعني أدور : استأنس غربتي بالغربة ، وافتتح في الوردة أيات الاحتفال .
[98]
          لي عند الغائب اعياد : غابة كتمان معلنة .. ولي عنده انوار : يا من امسكت بالعتمة أنا امسكت بالنور .. فمن ذا يعيد بناء البذرة : الغائب أخذ الغائب تاركاً الصولجان : البرية تسكن لؤلؤة ، والحبيب اضاع الحبيب .. ولي عنده كلام .. بالختم تفتتح المساحة ، بالقرطين يتكون الليل ، بالقلادة يصاغ الفجر .. وعندي عنده أعراس ..وعندي عنده معابد .. كتاب.. وعندي عنده حجارة تتشهى النار .
[99]
          عيد يا عيدي أنا الاعمى امسك بالنور : عاد حبيبي ولم يعد .. فخرج البحر يبحث عن غرقاه .. يا زمردة القلب الحجر قام .. طيور البرية عند المثوى .. الذهب يأتي بالذهب والاصداء بالاصداء .. يا كاتم اسراري ، يا ورقة الشجرة ، يا رملة البرية ، يا حرف الكلام ، اما آن لي ان استريح ؟
[100]
          اخذت الغيمة ما اعطت ، فوهبت الغابة تاجها للادغال : ليس بالحجارة يكتم الكتمان : القلب يهب ليغادر .. ويا من عثرتم على الفلك دعوا روحي تتجه .. فالشوق نطق الفضاء اكتفى بالشوق . غريقان إذن تحت سماء الضوء يتوحدان بغريق . أيها الواحد من فككك ؟ لي في عيد الأعياد عيد : حبيبي اضاعني أدلني قسمين وحدني وهبني أخذني .. حبيبي في الوثن عطره زنابق ونشيده مسك . اغاب الغائب ليدلني ، يحرقني ، ثم يعلمني الاستدراك ؟ : هو عندي وأنا داره .. الواحد انقسم ، والاجزاء لؤلؤة . أين اعثر على من فيّ ؟ بلاغة ظلام ! والنفس جمعت اسئلتها .. الرمل فوق الكف : الياقوت الخاتم العقد .. والملكة احتفلت فاهدت وهبت وبالنذور لها الزنابق غنت . أتشتكي لتكف الشكوى عنك ؟ غريقان يتوحدان في غريق ، وبالماء تجرح الوردة : الروح اينعت ، والارض جرح : يا أيتها المرأة الملكة الشجرة البرية النار الغيمة البحر جمعي الحروف في حرف .. وبالمفتاح اقفلي الكتاب .. وبالمفتاح افتتحي الخاتمة ، فانا أمير الأوثان . 

 




الاثنين، 8 سبتمبر 2014

لو كنتُ - أحمد الحلي

لو كنتُ 

                                                                                  أحمد الحلي

 خَشَبةً؛

لَما سَمَحتُ لأحدِهم

أن يطرقَ في جوفي

مسماراً

ما لم يكن مُتيقّناً

أنه سيصنع

بالتالي

أريكةً  تضمُّ

عاشقيْن !

نهراً ؛

لتوقّفتُ عن الجريانِ

تماماً

ما لم يتمّ السَماحُ

بعد بضعةِ أميالٍ أقطعُها

لضفّتيّ  بالتلاقي !




أسَداً ؛

لَجرّبتُ

أن أتبادلَ

مع بعضِ ضحاياي

الدورَ !

ريشةً ؛

لعقدتُ مع الريحِ

صَفقةً

تسمحُ لي فيها

بأن أطيرَ في الأعالي

ولو للحظاتٍ

ثمَّ لا آبهُ بعد ذلكَ

ما يكون عليْهِ

مصيري !

نورساً ؛

لَما استبدلتُ

كلَّ كنوزِ الأرضِ

بما هوَ مدوّنٌ
في  بطاقتي الشخصية :
لا وطنْ !
خفاشاً ؛

لَحمدتُ اللهَ كثيراً

إذْ  جَعلني أطيرُ

في ظلامِ الليلِ

لا في عَتمةِ

بعضِ العقولْ !

سقفاً ؛

لاستعرتُ

من أقرب طائرٍ

جناحينِ

قبلَ أن يلتئِم تحتي

شَمْلُ

خائنيْنْ !

صنبوراً ؛

لَما فَتحتُ قطُّ

ليدٍ أعلمُ جيّداً

أن مخالبَها

ربما بترتْ

أصابع الهواءْ !

مشنقةً

لَما توانيتُ

في مدّ حبلِ انشوطتي

إلى  ماضٍ سحيقٍ

حتى تطالَ رؤوساً

ما فتِئتْ

تراكمُ  الصدأ الفادحَ


فوقنا  !

السبت، 6 سبتمبر 2014

الخناقون .. قتلوا مليون إنسان بخرقة !


الخناقون .. قتلوا مليون إنسان بخرقة !
الخناقون قتلوا مليون إنسان بخرقة thuggees1.jpg

خليط من الناس و الأديان اندمجوا في منظمة إجرامية لم يعرف لها التاريخ مثيلا ، عدهم البعض طائفة قائمة بحد ذاتها ، أفرادها مجرمون بالفطرة يولدون و يعيشون لهدف واحد .. القتل من دون أية رحمة . أساليبهم و طرقهم في اغتيال الناس شيطانية لا تخطر على بال أدهى الناس ، فهم يتلونون بمائة لون و يبدلون أشكالهم و هيئاتهم باستمرار لكي يتمكنوا من الوصول إلى رقاب ضحاياهم ، إنهم قتلة مجرمون فاقوا بعدد ضحاياهم أي منظمة إرهابية و إجرامية أخرى عرفها التاريخ .. تعال معنا عزيزي القارئ للتعرف على الخناقون"Thuggee" وتأكد بأنك لن تنسى هذا الأسم بسرعة.

"Thuggee " هو أسم طائفة من الخناقين الهنود احترفوا قطع الطريق وسلب وقتل المسافرين ، و منهم جاءت كلمة "Thug " في اللغة الانجليزية ، و معناها السفاح . وتضم هذه الطائفة خليطا متنوعا من الأديان والقوميات ، فيهم الهندوسي والسيخي والمسلم، غير أن الهندوس من أتباع الربة كالي (Kali ) يشكلون الغالبية العظمى من أفراد الطائفة ، وهذه الربة هي آلهة الزمن والموت لدى الهندوس ، يصورنها في معابدهم بهيئة امرأة داكنة البشرة ، بارزة الأنياب ، طويلة الشعر ، تطوق رقبتها قلادة كبيرة من الرؤوس البشرية المقطوعة .
الخناقون قتلوا مليون إنسان بخرقة vampirebg3.jpg
الربة الهندوسية كالي
الخناقون يقتلون الناس تقربا إلى معبودتهم كالي ، و يزعمون أنها هي من أمرتهم بفعل ذلك ، فبحسب الأسطورة كان هناك في بداية الزمان وحش عملاق يلتهم الناس بسرعة حتى كاد أن يقضي على البشرية ، وقد خاضت كالي معركة حامية الوطيس مع هذا الوحش العجيب الذي كانت لديه القدرة على إعادة خلق نفسه ، فكل قطرة دم تسقط من جسده كانت تتحول إلى وحش جديد ، وللقضاء عليه خلقت كالي رجلين وأعطتهما خرقة تدعى الرمال ثم أمرتهم أن يقتلا الوحش خنقا كي لا يتمكن من إعادة خلق نفسه ، وقد أنجزا المهمة بنجاح فقتلا الوحش من دون إراقة قطرة دم واحدة ، وكافأتهما كالي على صنيعهما بأن سمحت لهما بالاحتفاظ بالرمال وإمرتهما أن يتوارثاها في ذريتهما ويستعملاها في قتل كل شخص لا ينتمي إلى طائفتهما.

بالتأكيد جرائم الخانقين لا تقوم على الدافع الديني فقط ، فسرقة أموال المسافرين ونهب ممتلكاتهم تعد هدفا رئيسيا لتلك الجرائم ، ولهذا السبب ضمت الطائفة أتباعا من غير الهندوس. 

وقد نشط الخناقون في الهند منذ منتصف القرن السادس عشر، حاول العديد من الحكام المحليين محاربتهم و القضاء عليهم ، لكن جميع تلك المحاولات باءت بالفشل بسبب حيطة و حذر الخناقين الشديدة ، والسرية التامة التي يحيطون بها تحركاتهم ، فأغلب جرائمهم لا تكتشف إلا بعد مرور وقت طويل على اقترافها ، وقد لا تكتشف أبدا ، وذلك لبراعة الخناقين في إخفاء معالم الجريمة ، وحتى في حال اكتشافها والقبض على بعض الخناقين ، فمن النادر جدا أن يقر أحدهم بجرمه ، ومن الصعوبة بمكان حمله على الوشاية برفاقه حتى لو سلطوا عليه أقسى وسائل العذاب . وهكذا فقد ظل الخناقين مصدر خوف وقلق دائم للمسافرين لقرون طويلة ، خصوصا أولئك الماضون في رحلات طويلة بين المدن والأقاليم ، فهؤلاء كانوا صيد الطائفة المفضل.

الخناقون كانوا يخططون لجرائمهم بدقة كبيرة ، خطوتهم الأولى كانت تتمثل ببث العيون و الجواسيس في النزل والأسواق والمعابد والحمامات .. الخ .. لجمع المعلومات عن المسافرين والقوافل ، بغية تحديد الطريدة الأنسب ، كانوا يبحثون دائما عن المسافرين الأغنياء ، ويلجئون لوسائل عدة للوصول إليهم ، فربما اندسوا في الفنادق والأسواق في هيئة متسولين ، أو تكوموا على قارعة الطرق كالمشردين و ذوي العاهات من المرضى ، كانوا يتنكرون في هذه الهيئات والأشكال المختلفة كي يتجسسوا على المسافرين من دون أن ينتبه إليهم أحد، فكانوا يراقبون كل شاردة وواردة، ويصغون باهتمام بالغ لكل كلمة يتبادلها المسافرين و التجار وحراس القوافل فيما بينهم ، وبهذه الطريقة كانوا يتمكنون من تحديد أفضل القوافل وأسهل الغنائم.
الخناقون قتلوا مليون إنسان بخرقة thugges3.jpg
يتجسسون على القوافل والمسافرين لتحديد الطريدة القادمة
و ما أن يتم جمع المعلومات اللازمة، ويجري تحديد الطريدة الأسهل والأكثر دسومة ، حتى تبدأ المرحلة الثانية ، والتي كانت تناط إلى مجموعة أخرى من الخناقين وظيفتهم الاندساس تحت أي ذريعة وبأي وسيلة داخل القافلة والاختلاط بمسافريها من أجل كسب ثقتهم ، ولهذه الغاية كانوا يتلونون بمختلف الهيئات والأشكال واللبوس ، تارة كتجار ، وحينا كحجاج ، وطورا كرجال دولة ، ولا يتورعون حتى عن اصطحاب نساءهم وأطفالهم معهم لضبط الحيلة وإحكام الخدعة ، و ما أن ينجحوا في الاندساس داخل القافلة حتى يشرعوا في التهيئة للخطوة التالية ، والتي تتمثل في التحضير والتمهيد لساعة الصفر ، أي لحظة الانقضاض على القافلة ، كل ذلك يجري بالتنسيق مع مجموعات مستترة ترافق القافلة عن بعد وتحرص اشد الحرص على أن لا ينتبه إليها احد من الحراس أو المسافرين حتى تحين لحظة الهجوم المنشودة.

وكان لدى الخناقين مناطق ونقاط معينة للقتل يدعونها "بيلي" ، كانوا يفضلون مهاجمة المسافرين فيها لأنهم يعرفون جميع مسالكها و خباياها ، ولأن فيها مجموعة من الآبار أو الكهوف أو الخرائب التي تصلح لإخفاء جثث ضحاياهم ، و ما أن يقتربوا من إحدى هذه النقاط حتى تتهيأ المجموعة المندسة داخل القافلة للإجهاز على رفاق السفر بالتنسيق مع المجموعات الخارجية المتربصة .
في العادة كانوا يهاجمون ليلا ، إشارة بدء الهجوم كانت غالبا ما تكون على شكل غيمة صغيرة من الدخان يطلقها المسافرين المندسين داخل القافلة لينبهوا زملائهم المنتظرين خارج القافلة ، ومع انطلاق الإشارة ، كان المسافرين المندسين يشرعون في العزف والتصفيق والغناء مختلقين أي حجة أو ذريعة ليفعلوا ذلك ، وكان دافعهم إلى ذلك هو صرف انتباه مسافري و حراس القافلة عما يحاك ويدبر لهم في الخفاء ، وفي غضون ذلك تبدأ المجموعات الخارجية بالتسلل إلى داخل القافلة بهدوء وحذر شديدين مع بقاء قسم منهم في الخارج لتطويق القافلة وإحكام الفخ لئلا يتمكن إي مسافر من الإفلات والهرب.
الخناقون قتلوا مليون إنسان بخرقة thugges2.jpg
يحتالون على ضحاياهم ثم يباغتونهم بالخرقة القاتلة
طريقة القتل كانت واحدة لا يحيد عنها الخناقين إلا ما ندر ، فكل فرد من الجماعة لديه خرقة صفراء اللون يسمونها "رمال" ، يلفها حول عضده ويخبأها جيدا تحت ملابسه ، فإذا أزف وقت القتل قام بسحبها بخفة الساحر ثم يمسك طرفيها بكلتا يديه ويتسلل بهدوء على أطراف أصابعه من وراء الضحية الغافل عما يدبر له ، حتى أذا أقترب منه بالقدر الكافي مد يده نحوه بسرعة البرق ولف الخرقة حول رقبته بلمح البصر ، ثم يشرع في خنقه بكل ما أوتي من قوة ولا يتركه إلا وهو جثة هامدة ، و في العادة كان اثنان أو ثلاثة من الخناقين يتعاونون على قتل رجل واحد ، احدهم يخنقه ، والثاني يمسك رأسه ويسحبها للأمام ليعجل موته ، في حين يطبق الثالث على أطرافه لكي يمنعه من المقاومة .

كان الخناقون يقتلون المسافرين الغافلين واحدا تلو الآخر مستغلين ضجة الموسيقى والغناء التي أصطنعها رفاقهم داخل القافلة ، و ما أن ينتهوا من قتل الجميع ومن سلب ونهب أموالهم ، حتى تبدأ المرحلة الأخيرة المتمثلة في إخفاء معالم الجريمة بصورة متقنة لتجنب ملاحقة السلطات ولئلا يثيروا مخاوف بقية القوافل فيصبحوا أكثر حيطة و حذر في المستقبل.

الخناقون قتلوا مليون إنسان بخرقة thugges4.jpg
يتعاونون على قتل الضحية
وقد كان للخناقين مجموعة من الأعراف والقوانين ، بعضها يرتبط بعقائدهم الدينية التي كانت تحرم عليهم قتل شرائح معينة من الناس ، كالمغنين و الراقصين و النجارين و العمال و الكناسين و بائعي الزيوت و الحدادين و النساء ، إلا إن الالتزام بهذه القوانين لم يكن ساريا على الدوام ، فأحيانا كانوا يقتلون النساء في القافلة حتى لا يبقوا على أي شهود ، كما إن العديد منهم لم يكونوا في الحقيقة سوى لصوص و قتلة لا تهمهم الأعراف و لا القوانين بقدر اهتمامهم بالمال و الغنيمة. أما بالنسبة لأطفال القافلة المنكوبة ، فأحيانا كان يجري استثنائهم من القتل ليؤخذوا ويعيشوا مع بعض عائلات الخناقين ، حيث يتم تبنيهم وتدريبهم مع أطفال الخناقين ليصبحوا هم أنفسهم من الخناقين مستقبلا ، ويبدأ تعليم وتدريب هؤلاء الأطفال على الجريمة منذ سن العاشرة ، لكن لا يسمح لهم بالقتل ما لم يتموا عامهم الثامن عشر ، أما قبل ذلك فيسمح لهم بمشاهدة عمليات القتل فقط ، وذلك لكي تقسو قلوبهم فلا يترددون لحظة في خنق وقتل ضحاياهم في المستقبل.

ولا يتورع الخناقون عن استخدام نساءهم للإيقاع بضحاياهم ، خاصة مع المسافرين المنفردين ، فكانوا يستخدمون النساء و الفتيات الحسناوات كطعم حيث تتظاهر الفتاة بتعرضها لحادث ، أو تزعم بأنها ضائعة ، و حين يقترب المسافر المسكين منها و يحاول مساعدتها تبدأ بمشاغلته بالكلام ، وربما أغرته بمفاتنها ، حتى أذا لمحت منه غفلة ، باغتته بخرقتها القاتلة فلفتها حول رقبته بلمح البصر ، ثم يهرع إليها زملائها المتوارين حول المكان بسرعة ليساعدونها في الإجهاز على الضحية.
نهاية الخناقين

بين عامي 1830 – 1840 شرعت القوات البريطانية المحتلة للهند في استخدام أساليب جديدة في تتبع الخناقين و إلقاء القبض عليهم و اخذ الاعترافات منهم . فالضباط البريطاني وليم ساليمان ، أستخدم حيلا و كمائن تشبه تلك التي يستخدمها الخانقون أنفسهم . فجهز قافلة كاملة من الشرطة المتنكرين بزي التجار ، وجعل معهم عددا قليلا من الحراس من أجل أغراء الخناقين على الهجوم ، وقد نجحت حيلته في الإيقاع بهم ، وما أن هاجموا القافلة حتى أخرج رجال الشرطة المتنكرين أسلحتهم المخفية بعناية فقتلوا قسما من المهاجمين وألقوا القبض على البقية.
ومع ازدياد إعداد الخانقين الذين تم إلقاء القبض عليهم ، توالت الاعترافات ، وبدأت الشرطة تكتشف بالتدريج حجم وفداحة الجرائم التي اقترفتها الجماعة ، فعلى سبيل المثال ، اعترفت خلية واحدة تتكون من 20 رجلا بقتلها لـ 5200 رجل خلال عقدين من الزمان ! .. و احد الزعماء أقر بقتله لـ 931 رجلا لوحده خلال 40 سنة ! ، وهكذا فأن مجموع الذين قتلهم الخناقين خلال أربعة قرون من الزمان ربما جاوز المليون إنسان.

وبحلول عام 1870 تم القضاء على الخناقين تماما ، و قد تبجح البريطانيون طويلا بتخليص الهند من شرورهم . لكن بعض المؤرخين الهنود يعتقدون بأن القوات البريطانية أفرطت في تضخيم حجم مشكلة الخناقين واتخذتها ذريعة لتعزيز نفوذها في الهند ، فتهمة الانتماء للخناقين أصبحت خير حجة للتنكيل بمعارضي الوجود البريطاني في الهند ، وتحولت هذه التهمة إلى وسيلة لإرعاب وإرهاب المجتمع الهندي ، فألقي القبض على عائلات كاملة ، و اعدم الكثير من الرجال والشباب لمجرد الشبهة ، ومعظمهم كانوا أبرياء .
الخناقون العرب

يبقى أن ننوه أخيرا بأن تاريخنا العربي لم يخلو من جماعات إجرامية شبيهة ، فالخناقين العرب أقدم من نظرائهم الهنود بقرون طويلة ، وقد ذكرهم الجاحظ في كتابه "الحيوان" ، وكانوا منتشرين في البصرة وبغداد على عهده وقال عنهم: "إنهم لا يسكنون في البلاد إلا معاً ولا يسافرون إلا معاً، فلربّما استولوا على الدرب بأسره ولا ينزلون إلا في طريقٍ نافذ ويكون خلف دورهم أما صحارى او بساتين واشباه ذلك تسهيلاً للهرب اذا حوصروا. وكان لهم دربٌ ببغداد يسمى "درب الخناقين" حيث يقتادون الضحية إلى دربهم وقد جعلوا على ابوابهم مُعَلِّماً منهم ومعه صبيان يعلّمهم الهجاء والقراءة والحساب. وفي كلِّ دارٍ لهم كلاب مربوطة تشترك كذلك في العملية. ولدى نسائهم دفوف وطبول وصنوج. فاذا أراد أهل دار منهم خنقَ انسانٍ ضربت النساء بالطبول والدفوف والصنوج وأطلقن الزغاريد وصاح المعلّم بالصبيان أن ارفعوا اصواتكم بالقراءة وهيّجوا الكلاب. فلو كان للمخنوق صوتُ حمارٍ لما شعر بمكانه أحد كما أن الناس إذا سمعوا تلك الجلبة لم يشكّوا ان عرساً يجري في دورهم او فرحاً. (الحيوان / 2/ 264).

وذكرهم ابن الجوزي في المنتظم وبتفاصيل أشمل فقال : ((وفى يوم الخميس ثلاث عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى اخذ خناق ينزل درب الاقفاص من باب الشام خنق جماعة ودفنهم فى عدة دور سكنها وكان يحتال على النساء يكتب لهن كتاب العطف ويدعى عندهن علم النجوم والعزائم فيقصدنه فاذا حصلت المرأة عنده سلبها ووضع وترا له فى عنقها ورفس ظهرها واعانته امرأته وابنه فاذا ماتت حفر لها ودفنها فعلم بذلك فكبست الدار فاخرج منها بضع عشرة امرأة مقتولة ثم ظهر عليه عدة دور كان يسكنها مملوءة بالقتلى من النساء خاصة فطلب فهرب الى الانبار فأنفذ اليها من طلبه فوجده فقبض عليه وحمل الى بغداد فضرب الف سوط وصلب وهو حى ومات)) .... ولاحظ هنا مشاركة المرأة والابن في هذه الجريمة يدل على أن هذه العائلة قد اتخذت حرفة الخناقة لسلب الناس أموالهم !

و في القاهرة , ذكر بدر الدين العيني في كتابه عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان في حوادث سنة 662 هـ عن امرأة خناقة أسمها غازية الخناقة حيث يقول : (( ومنها: أنه وجدت بظاهر القاهرة، خارج باب الشعرية، أمرأة تتحيل على الناس، وتدخلهم بيتا لها هناك، وقد أعدت فيه رجالا يطابقونها على سوء فعلها، فيخنقون من تأتى به فقتلت خلقا كثيراً من رجال ونساء، فأمر بها فسُمرت.

وكان أسم هذه المرأة السيئة غازية الخناقة، وكانت ذات حسن وجمال، وكانت تمشى بالمدينة ومعها عجوز تطمع الناس في نفسها، وكان من طمع فيها وطلبها تقول له العجوز: أنها لا يمكنها التوجه إلى أحد، ولكن تعال أنت إلى بيتها، فيجىء ، فيطلع له رجلان، فيقتلانه ويأخذون ما معه، وكانوا ينتقلون من مكان إلى مكان، فاتفق أن العجوز أتت إلى بعض المواشط، وأمرتها أن تأخذ ما تقدر عليه من الحلى والحلل، وتمضى معها لعروسة عندها، ففعلت الماشطة، واستصحبت معها جارية لها، ولما دخلت الماشطة منزلهم،

رجعت الجارية إلى مكانها، فقتلوا الماشطة، وأخذوا ما معها، فاستبطأتها جاريتها، فجاءت إليهم وطلبتها، فانكروها وادعوا أنها خرجت من يومها، فمضت وأتتهم بصاحب الشرطة، فإحتاط عليهم وعذبهم، فأقروا بما كانوا يفعلون، وأطلعوا في بيتهم على حفرة فيها خلق عظيم مقتولين، وكان بعض الطوابين قد اتفق معهم، وجعلوا يحضرون إليه القتلى مختفياً، فيحرقهم في أقمنة الطوب، فأمسكوا جميعاً وسمروا، وكانوا خمسة أنفس، وأما المرأة فإنها بعد التسمير أطلقت، فأقامت يومين، ثم ماتت، عليها ما تستحق. )).

عباس علي العلي - التاريخ بين الأسطورة والتزييف

لاءات بعدد حبّات الرمل والحصى-احمد الحلي


لاءات بعدد حبّات الرمل والحصى


لا الماءُ
   يُطفئُ ظمأ الصادي
   لا العطرُ
   لا الموسيقى
   لا زرقةُ السماءِ
   لا الخمائلُ
   لا الشروقُ لا الأصائل
   لا النجومُ  لا الجداول
   لا البحارُ لا المحيطاتُ
   لا الطلاسمُ لا مفاتيحُ الكنوزِ
   لا لذةُ الاكتشافاتِ
   لا عجائبُ ابنةِ العنقودِ
   لا الجغرافيا لا الخرائطُ
   لا الحقائبُ لا السفرْ
   لا المواسم لا المكائد
   لا العروش لا الألقاب لا التيجانُ
   لا الدُرَرْ
   لا الصهيلُ لا النسائمُ
   لا البشارات
   لا الانهيارات لا الانبهارات
   لا نكهةُ الدموع لحظةَ
   يستبدلُ الأفقُ شمسَهُ
   لا الثلوجُ لا المطرْ
لا الربيعُ لا الزهرْ
لا الفراشاتُ لا الحقولُ
لا النساءُ لا الشجرْ
تضارعُ مباهجُها
نشوتي ...
بلقائكِ !!






الجمعة، 5 سبتمبر 2014

كتاب في حلقات همنجواي في الحلة 18-أحمد الحلي

كتاب في حلقات
همنجواي في الحلة 18
وقائع غير عادية في سيرة جندي عادي جداً
أحمد الحلي
توطّدت علاقتي بخطّاط الوحدة المجاورة ، وأخذنا نتزاور كلما أتيحت لنا فرصة ، وعلى الرغم من أنني أجده في معظم الأوقات ناقماً ومتذمراً ، إلا أنني رأيت فيه ميلاً متأصّلاً لاصطناع النكتة واسترسالاً بالمواضيع الطريفة الشيقة التي تتعلّق بحياة الجنود ، وعلاقتهم مع بعض ومع نواب الضباط والضبّاط أيضاً .
وبعد عدة لقاءات اكتشفت أن أحد الجنود المكلفين ، واسمه باسم هو الذي يحوز ويهيمن على الشطر الأعظم من أحاديث وحدتهم الشيّقة ، إلا أنني لم أستطع أن أُحظى بفرصة الالتقاء به ، لأنه هرب من الخدمة قبل حوالي شهرين .
1
في أحد الأيام وبعد أن اتخذت وحدتهم العسكرية التي هي كتيبة مدفعية موضعها الجديد ، وتصوّروا أنهم بوسعهم  أن ينالوا قسطاً من الراحة ، حتى جاءت الأوامر ، التي تقضي بضرورة التحرك الفوري للوحدة لمسافة 20 متراً إلى اليمين ، أي أن كل العمل الذي قاموا به قد ذهب هباءً ، وأنه يتوجب على الجميع القيام بنفس خطوات العمل السابق ، كان على باسم المتذمر  أن ينصاع  وينفّذ الأوامر أسوة بالجميع ، كانت مهمته أن يقوم بحفر الأرض بواسطة ( القزمة) ، ثم يستعمل المجرفة لإزاحة التراب ، لاحظ أنه كان إلى جواره أحد الجنود يقوم بالعمل ذاته بهمة ونشاط  وهو مغتبط ومنشرح الصدر وكأنه يعمل في تشييد أركان بيته الخاص ، قال الجندي ؛ " شكد حلوة هاي الكاع " ، فاستشاط  باسم غضباً ، وتوقف عن العمل ليقول لرفيقه مزمجراً ، وهل أنت تقوم بحراثة  أرضك التي ستزرعها يا ابن الـقحبة ؟  وحمل القزمة ورماها باتجاهه ، فذُعر الآخر واضطر إلى الهرب للعمل في مكانٍ آخر ...
2
عُرف عن باسم أنه سائق ناقلة جنود من الطراز الممتاز ، كونه قد دخل دورة دروع وبحكم صنفه فقد كان بوسعه أن يقود دبابة قتالية أيضاً .
في إحدى المرات تناهى إلى سمعنا في مكاننا الجديد  أن هناك دبابة عراقية صالحة الاستعمال متروكة في الأرض الحرام منذ ما يزيد على سنة ، وغالباً ما كان بعض الجنود الإيرانيين يتسللون تحت جنح الظلام إليها ويرصدون تحركات قطعاتنا ومواقعها ، ثم ينسحبون إلى أماكنهم ، الأمر الذي كان يتسبب بإيقاع بعض الخسائر بين صفوف قواتنا في الخطوط الأمامية ، وعبثاً حاول كبار الضباط إغراء جنودنا  من صنف الدروع وإثارة حميتهم من أجل التسلل إلى هذه الدبابة وسحبها من مكانها ، وفي أحد الأيام سمعنا أن باسم الذي كان قد عاد للتو من سبعة أيام قضّاها في معسكر الضبط جرّاء مخالفاته المستمرة وتشاجره مع أحد الضباط ، مستعد للتسلل إلى الأرض الحرام وإنقاذ الدبابة ، ولم نستغرب ذلك ، فقد تعوّدنا منه على القيام بأعمال  يتردد عن القيام بها الكثيرون ممن يعدون شجعاناً وأبطالاً ، وتتطلّب قدراً استثنائياً من الشهامة والجسارة .
بعد أن حل الظلام تسلل باسم بخفة ذئب يسابق الريح إلى حيث ترقد الدبابة ، وتفحّص برجها فوجد أن هناك إطلاقه مهيّأة ، فضغط على زر الرمي وقذف بها باتجاه العدو ثم هرع إلى مكان قيادة الدبابة وقادها باتجاه قطعاتنا ، وسط  زغاريد وهلاهل جنودنا في الخطوط الأمامية ... ومنذ ذلك الحين أخذ الجميع يحسبون لباسم ألف حساب .
3
جاءت الأوامر إلينا  ، ونحن في القَدَمَة الإدارية ، من مقر الفرقة أن نقوم بإخراج كافة العتاد السابق من الملاجئ المخصصة ، من أجل استبداله بعتاد  حديث جديد وصل للتو إلى مخازن الفرقة ، وكانت مهمة شاقة حقاً ، على الرغم من حشد عدد كبير من الجنود لهذا الأمر ، وقد اقتضى ذلك أن يأخذوني للعمل معهم أسوة بالجنود الآخرين الذين كان يُطلق عليهم (جنود شغل) ، وبينما اللغط يتصاعد وأوامر نوّاب الضبّاط والضباط  تنهال علينا بنقل هذا الصف من الصناديق ووضعها هناك وفق خطة مرسومة ، وإذا بنا نرى عدداً كبيراً من الجنود والمراتب وبينهم بعض الضباط بقاماتهم المديدة وهم يركضون قادمين باتجاهنا وعلائم الذعر والهلع بادية على وجوههم ، وحين استفسرنا منهم عن الأمر ، قالوا لنا بنفاد صبر ؛ هيا على الجميع أن يخلوا المكان ويهربوا !
حين ألقينا نظرة على المكان الذي قدموا منه رأينا عموداً من الدخان الأبيض يتصاعد وتتسع رقعته ، وفهمنا بعد ذلك أن أحد صناديق العتاد يوشك أن ينفجر وسط أكداس هائلة من البارود وإطلاقات المدفعية الثقيلة ، وبينما الجميع منهمكون في حمّى الهرب ، رأيت باسم وهو يركض بالاتجاه المعاكس أي نحو الجهة التي يتصاعد منها الدخان ، ثم  ليقوم  وسط دهشة واستغراب الجميع بفتح الصندوق واستخراج الخرطوشة التي يتصاعد منها الدخان محتضناً إياها ليذهب بها بعيداً خلف أحد السواتر ويقوم بدفنها ، ليعود بعد ذلك ، ماشياً الهوينى  نحونا  وقد عقد الذهول ألسنة الجميع ، ملتمساً من رأس عرفاء الوحدة  أن يطمئن الجميع بأن الخطر قد زال !
4
من بين مآثر باسم التي سردها على سمعي صديقي الخطاط ، حكاية تتضمن قدراً من الطرافة والفكاهة ، فبعد أن أمطرت السماء مدراراً لمدة ثلاثة أيام متتالية من أيام الشتاء ، امتلأت الأمكنة بالطين والوحول ومستنقعات الماء ، حتى أن السيارة التي تحمل تنكر الماء المخصص للشرب لم تستطع أن تصل إلى الكثير من حظائر الجنود ، الأمر الذي اضطر هؤلاء إلى استعمال  مياه البرك الصغيرة التي خلّفتها الأمطار .
في ذلك اليوم الذي كانت برودته شديدة  واستثنائية ، بحيث جعلت العظام تطقطق ، أحضروا لنا ورقة الأوامر المتعلّقة بالواجبات ، كان تسلسل باسم الثالث ، أي أنه يتوجب عليه الجلوس في خندقه القتالي الذي يقع على بعد حوالي عشرة أمتار أمام ملجأ الجنود بكامل عدته القتالية من بندقية وقناع وقاية وزمزمية ، وأن يبقى يقظاً مفتوح العينين لمدة ثلاث ساعات متواصلة بعد الساعة الثانية عشرة ليلاً .
أشار الجميع عليه أن يبقى في الملجأ ينعم بالدفء أسوة بهم ، وحاولوا إقناعه باستحالة أن يقوم ضابط الخفر بجولته التفتيشية في مثل هذا الجو  شديد البرد والعاصف ، خاصة وأن مسافاتٍ من الوحول والمطبّات تفصل بينه وبينهم ، إلا أن باسم لم يأبه لهم ، ارتدى ملابسه وتقلّد عدّته القتالية واتجه صوب الخندق الذي كان نصفه يمتلئ بالماء ، وبقي هناك ، كان الخيار خياره ، ولا أحد يستطيع إقناعه بالعدول عنه . مرّت حوالي الساعتان والنصف ، ولم يتبق من واجب باسم سوى ساعة واحدة ، وإذا بنا نسمع لغطاً وصياحاً ، وتبيّن لنا أن الضابط الخفر يقف فوق رأسه بكل كبرياء وصلف ، حيث عثر عليه متلبّساً بجرم النوم ، وقد وجدها الضابط فرصة للنيل من شهامة ونخوة باسم ، قائلاً له بلهجة الشامت ؛ ها ، نايم ؟
فلم يكن من باسم  سوى أن يرد بسخرية وحزم على صفاقة هذا الضابط  الغر ؛
أي نايم ، وين آني نايم ، قابل بالشيراتون !
فلم يجد الضابط  بداً  من أن يبتسم وينسحب ويتوارى خجلاً ..

الخميس، 4 سبتمبر 2014

تجارب كرافيك تعود للعام 1967 لعادل كامل-نازحون-مهجرون- مشردون

هذه تجارب تعود الى عام 1967 موضوعها هو ذاته موضوع اليوم: نازحون ومهجرون ومشردون...، بالكرافيك...

عادل كامل








نصب الحرية لجواد سليم ملحمة شعب وذاكرة حضارة -تأليف: عادل كامل



نصب الحرية لجواد سليم
ملحمة شعب وذاكرة حضارة



تأليف: عادل كامل
     ضمن سلسلة الكتب الفنية، التي أصدرتها دار الأديب، صدر كتاب الفنان والكاتب عادل كامل [نصب الحرية لجواد سليم ... ملحمة شعب وذاكرة حضارة] في عمان، مؤخرا ً. جاء في المقدمة: "    لم تكن أهداف غزو التتار لبغداد (1258)، هي إسقاط السلطة السياسة للخلافة العباسية، حسب، بل محو علاماتها، وما أنتجته في مجال الحضارة. وربما لم ينبهر (هولاكو)، وهو يقترب من بغداد، إلا بمنائرها، وببساتينها، وببقايا قصورها،  وبأسوارها  المتهالكة، غير الصالحة حتى لحمايتها من الضواري، ولكن، بعد تهديم العاصمة، ودك معالمها، وفي مقدمتها العمرانية، والثقافية، كاد يعزلها عن الزمن، وعن العالم.  فقد استطاع الغازي ان يجمد لغز تكوّنها، ولكنه لم يستطع ان يمحوها من الوجود. كانت علامات بغداد الحضارية هي امتداد للنسق ذاته الذي تأسست عليه حضارات وادي الرافدين: سومر، أكد، آشور، بابل، الحضر ..الخ، فلا علامة من غير مركز، بمعنى من غير سلطة. فثمة اقتران جدلي/ بنيوي، بينهما، لا يوجد إلا بوجود الآخر، ولا يغيب إلا بغيابه.
   وعندما كلفت لجنة نصب 14 تموز، الأستاذ جبرا إبراهيم جبرا، عام 1961، التعريف بالنصب، وجد انه يتحدث عن علامة اقترنت بتحول بدأ بالسلطة السياسية ليمتد أثره في مجالات الحياة كافة؛ علامة لم يكن لها ان تتكون خلال غياب بغداد ـ حاضرة الأمس ـ إلا بما سيشكل حدا ً فاصلا ً بين مدينة غابت عنها الحضارة، ومدينة وجدت انها في مواجهة عالم تكونه الحداثات، فالنصب ليس محض (لافتة) تخص الحدث السياسي بالتحول من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري، كما ذكر المهندس المعماري رفعة الجادرجي، مصمم النصب، وإنما لأن العلامة تضمنت محركاتها الكامنة وهي تستحدث وجودها في الحاضر، على صعيد مفهوم البناء، والخطاب الفني الحديث.
     فإذا كانت بغداد قد عاشت أزمنة تراكمت فيها العلامات، وتكدست، حد الاختفاء، والاندثار، حتى كادت تفقد هويتها، أو ان تكون من غير علامة، فان تجددها اقترن بنسق يسمح للحريات الكامنة، والمدفونة، ان تأخذ مداها في الحضور، وان تمتد ـ تلك المخفيات ـ لتأخذ مكانتها بين العلامات المعاصرة.
  كانت إشارة جبرا إبراهيم جبرا، استذكارا ًلمفهوم انبثاق (النص) بنسق اشترط عوامله الموضوعية، والذاتية، كي يمتلك دينامية تتجاوز مفهوم (التعبير) و (الانعكاس) و (الإعلان)، نحو مفهوم الخطاب الفني، وعناصره الفنية، البنائية، الرمزية، والجمالية.
    فالمخيال المجّمد للمدينة، سمح للذاكرة ان تتكون بنظام تأسس مع نشوء المدن في حضارة وادي الرافدين الأولى: المسمار؛ علامة الكتابة، والعدد، وتمثلها بموت البذرة، وخروج ديموزي من العالم السفلي." إلى جانب فصول تناول فيها: النصب ـ العلامة، البدايات، المركز ـ المحيط، ذاكرة النصب، تمرين في الرؤية ـ في الحرية، الرؤية والتحولات، الجذور والتواصل، قراءات ـ مقاربة مع النصب، المرأة ـ دينامية التواصل....، إلى جانب شهادات ووثائق لـ: جبرا إبراهيم جبرا/ عباس الصراف/ شاكر حسن آل سعيد/ إسماعيل الشيخلي/ د. شمس الدين فارس/ د. محمد صادق رحيم/ عدنان المبارك/ أ.د. تيسير عبد الجبار الآلوسي/ د. خالد القصاب/ عادل ناجي/ د. شوقي الموسوي. ضم الكتاب صورا ً نادرة للنصب في مراحله المختلفة، بتصميم وإخراج الفنان كفاح فاضل آل شبيب، وبإشراف الفنان هيثم فتح الله.