الاثنين، 7 يوليو 2014

همنجواي في الحلة-ح4- كتابة احمد الحلي

قنابل الزينة
ما يزال يتذكر بوضوح ، بأنه بين عامي 1948 و 1949 وتحديداً بين شهري نيسان وأيار من العام 1949 ان المظاهرات الصاخبة كانت تجوب شوارع بغداد ، وفي منطقة الكرادة الشرقية حيث ولد ونشاً ، وكان عمره آنذاك لا يتجاوز العشرة سنوات حين وقعت عيناه للمرة الأولى على أول تظاهرة تخرج من دار تطبيقات المعلمين وهي تهتف ؛ ( فلسطين عربية فلتسقط الصهيونية)  ، وفي تلك الأجواء الملبدة أعلنت الأحكام العرفية ، وتم قمع المظاهرات ، إلّا ان زمام الأمور كان يفلت في بعض الأحيان فحصل الفرهود لبيوت اليهود الموسرين من قبل بعض الناس ، وبالنظر الى ان السلطات اتخذت آنذاك اجراءً يخولها تفتيش كافة البيوت ، فقد ؛ " طلب مني ابي أن انقل قنبلتين كنا نحتفظ بهما على عادة الكثيرين من أهالي بغداد آنذاك لأغراض الزينة ، وأمرنا انا وابن عمتي الذي كان يكبرني بعامين بأن نتخلص منهما والقاءهما في نهر دجلة القريب ، والذي كانت مناسيب المياه فيه تنذر بفيضان وشيك ، حتى ان الماء ارتفع الى أعلى السدة في منطقة السبع قصور، وعندما شاهدنا أفرادٌ من العوائل اليهودية ، ونحن نسير بهذه الوضعية ، اخذوا يتصايحون بان ابو فايق والذي هو ابي ، يريد تفجير السدة ليُغرق اليهود ، وشعر ابن عمتي بالخوف والهلع ، فطرح قنبلته في الشارع المؤدي الى نهر دجلة قريباً من بيت مدير أمن بغداد المرحوم بهجت العطية ، وولى هارباً ، فالتقطت قنبلته وحملتها على كاهلي ، وبذلك أصبحت احمل قنبلتين على كتفيَّ الصغيرين ... "
وبعد ان يصل الى حافة النهر ، يقوم بإلقائهما ، فلم يحدث أي انفجار مثلما كان يتوجس ، وبعد مرور حوالي نصف ساعة على هذه الواقعة يمتلئ الشارع برجال الشرطة والجيش والأمن ؛ " وجلبوا معهم صياداً كي يرمي شبكته في المكان الذي ألقيت فيه قنابلي ، ثم ألقي القبض عليّ واقتادوني إلى مركز الشرطة القريب بصحبة والدي للتحقيق ، وبعد أن أوضح لهم ابي بأنه هو من كلفني بهذا العمل ، تم الإفراج عني وبقي هو موقوفاً لبضع ساعات ليتم الإفراج عنه بعدها بكفالة ، لا سيّما وأنه استطاع إقناعهم بأن القنبلتين كانتا موجودتين في البيت لأغراض الزينة كما كان يفعل بعض الناس آنذاك ، وكان الذي اشرف على التحقيق معه بهجت العطية بنفسه وكان حق الجيرة يحتم عليه أن يفعل ذلك ، وعلى ما يتذكّر ، فان العطية كانت لديه عائلة تعيش ظروفاً اقتصادية متواضعة على الرغم من المنصب الرفيع الذي يشغله  ، فلم يكن يمتلك بيتاً وانما كان يسكن بالإيجار ، مع الأخذ بنظر الاعتبار انه متزوج من امرأتين أحداهما تسكن معه في الكرادة الشرقية والأخرى أو الأولى فكانت تقطن في عرصات الهندية ، " ومن المفجع حقاً ان أتذكر ، ان أبا غسان تم إعدامه بعد سقوط الملكية على يد محكمة المهداوي التهريجية في العام 1959" ، وكان مقتنعاً ان هذا الحكم انطوى على كثير من الظلم والتعسف حيث عرف عن بهجت العطية بين أهالي بغداد بأنه كان نزيهاً ومخلصاً ووطنياً في عمله ، بالإضافة إلى انه لم يتقدم ضده لتعضيد إدانته سوى شاهد واحد كان بيته مجاوراً لبيت العطية ومن بين المآخذ التي سجلها ضدّه شاهد الزور هذا أن العطية  كانت لديه ثلاجة كهربائية في بيته .
وبعد تنفيذ الإعدام بحقه اضطرت عائلته في الكرادة ان تعيش وضعاً صعباً للغاية ، حيث لم تكن تمتلك ثمن الخبز الذي تقتات به ، وكانوا يعتاشون على ما يقدمه الناس إليهم من صدقات ، كما ان والده الذي يمتلك شركة سيارات الحرية ، كان يقدم لهم العون المادي بين الفينة والأخرى ، أما هو نفسه فقد وجد في نفسه الحكمة الكافية لأن يبكّر في الخروج لصيد السمك يومياً في نهر دجلة ليعطي ما يحصل عليه الى هذه العائلة المنكوبة .
 على الرغم من مرور وقت طويل ، إلا أن ذاكرته تحتشد بالكثير من الصور حول حادث الفيضان آنف الذكر ، من بينها اعتقادٌ ترسّخ لديه ولدى غيره من أبناء جيله  أن الحكومة آنذاك  قد أسهمت بهذا القدر أو ذاك في وقوع الكارثة في أماكن محددة ، ذلك أنها عمدت الى استعمال حيلة قاسية لمواجهة سيل التظاهرات العارمة التي كانت تخرج الى الشوارع منددةً بالاتفاقية التي تم التوقيع عليها في العام 1948 بين العراق وبريطانيا ، وعلى خلفية إعلان قيام الدولة اليهودية في ذات العام ، وقد جرت العادة أن هذه التظاهرات كانت تخرج من دار المعلمين المسماة آنذاك بــ (التطبيقات) ، والواقعة في المنطقة المحصورة بين الجسر المعلق ومنطقة السبع قصور ، كانت بناية المعهد نقطة انطلاق للتظاهرات الصاخبة ، ومحفزاً لباقي المدارس الثانوية بل وحتى الابتدائية لكي يخرج طلبتها للتظاهر ، وسرعان ما ينضم إليهم أيضاً بعض الشبان المتحمسين ، ويبدو واضحاً أن القوى الوطنية المعارضة للسلطة هي من كان يقف وراء تأجيج الموقف بين الشارع والحكومة ، وهو يرى أن الحكومة انتهزت ارتفاع مناسيب المياه في نهر دجلة منذرة بحدوث الفيضان ، لتُحدث (كسرة) أي فتحة في النهر في جانب الكرادة تحت ذريعة التخفيف من ضغط الفيضان ، وقد أدى ذلك الى غرق أغلب مناطق الكرادة ، وأتى على مبنى دار المعلمين الذي إنهار بالكامل ، فاتخذت الحكومة ذلك ذريعة لنقل (الدار) الى منطقة أبو غريب البعيدة عن مركز العاصمة .
وهناك عددٌ من الصور المتفرعة عن هذه الحوادث الجسام ، ومن ضمنها أن أهالي الكرادة الذين نكبوا بالفيضان ، حيث أن أغلبية بيوتهم التي دخلتها المياه قد تهدمت بالكامل ، كانوا يعمدون الى استعمال الزوارق الصغيرة في تنقلاتهم ، وأن أصحاب الدكاكين من عطارين وبقالين وسواهم  قد ملأوا الزوارق ببضاعتهم وأخذوا يتجولون بها بين المنازل ، فأصبحت الكرادة بين ليلة وضحاها أشبه بــ (فينيسيا) ، ولكن بالمقلوب !




فارس حميد أمانة - تداعيات ذوبان الحدود .. من سايكس بيكو وحتى داعش

الأحد، 6 يوليو 2014

همنجواي في الحلة-أحمد الحلي- 3

كتاب في حلقات

همنجواي في الحلة
                              3                                                 
أحمد الحلي
لا للتدخين
* وسط ظروف غير مواتية من الناحية الاجتماعية والاقتصادية ، وبعد أن رأى مضار تفشي ظاهرة التدخين بين أوساط الناس ،  قاد في العام 2000 والأعوام التي تلته حملة شعواء  ضد التدخين وأسس منظمة باسم (لا للتدخين) وكان شعارها ؛ (السكائر من صنع الشيطان ، اسحقها .. اسحقها أيها الإنسان) ، وشرع بطبع بوسترات ملونة بهذا الاتجاه ، وقام بنفسه  بإلصاقها فوق عدد من الواجهات المهمة بمدينة الحلة ، وكان نتيجة هذه الحملة ان اقلع عشرات المدخنين عن التدخين .
ومن أجل ذلك فقد شاعت في أوساط الناس عنه صورة المناوئ والخصم اللدود لظاهرة التدخين ، وهناك عددٌ من الحكايات التي تم تداولها ، نختار من بينها ؛
1
* في أحد الأيام قبيل الاجتياح الأمريكي للعراق في العام 2003 ، وبعد حوالي ثلاثة أيام من القرار المتعجل الذي اتخذه النظام والقاضي إطلاق سراح جميع المعتقلين والمدانين بجرائم مختلفة ، وفيما هو يجلس في مقعده داخل سيارة مزدحمة بالركاب تسير وسط العاصمة بغداد ، إذ وجد نفسه يجلس قبالة شخص يدخن بشراهة ، اغتاظ في بادئ الأمر ، وحاول أن يكتم غضبه ، ثم التمس من المدخن أن يطفئ سيجارته مدّعياً أنه مريض بالربو ، إلا أن المدخن لم يأبه للأمر ، وواصل التدخين بلذة ونشوة أكثر من السابق ، فلم يجد من سبيل أمامه إلا أن يُعلن عن سورة غضبه ، مادّاً يده الى حقيبته فاتحاً إياها بعنف قائلاً بصوته الأجش المزمجر ؛ ها أنتم تجبروننا على العودة الى السجن ثانية بعد أن تم إخراجنا منه ! ساور الركاب إحساسٌ بأنهم بإزاء مجرم خطير،  وظنوه يحاول أن يستخرج سكيناً أو خنجراً ، فأصيبوا بالخوف والهلع، وأخذوا يتوسلون إليه أن لا يفعل شيئاً ، أما بالنسبة الى الشخص المدخن ، فقد إنهار تماماً ، وأخرج علبة سجائره من جيبه وسحقها بقدمه عند أقدام ( أبي رياض) في محاولة لاسترضائه وإطفاء سورة غضبه .
2
*إعتاد الناس أن يروه إبان مرحلة السبعينيات والثمانينيات وهو يقود باص الركاب التابع لمصلحة نقل الركاب في مدينة الحلة ، ناقلاً إياهم من مركز المحافظة الى النواحي والأقضية والقصبات التابعة للمدينة وبالعكس ، وكان هو لا يتورع عن تطبيق قانونه الصارم بشأن التدخين في حافلته التي كان يعتني بها اعتناءً شديداً ، وفي أحد الصباحات صادف أن شغل المقعدين اللذين يقعان خلفه مباشرة أحدُ شيوخ العشائر وشخصٌ آخر كان بصحبته ، وما إن تحركت السيارة مسافة قليلة حتى استخرج الشيخ علبة سجائره المطرزة بخيوط حريرية ملونة ، مقدماً سيجارة لرفيقه ، وأخذ الاثنان يدخنان بنهم ولذة ، نظر الى سحب الدخان التي أخذت تتشكل فوق رأسه فتراءت له على هيئة غيلان ووحوش تحاول الانقضاض عليه ، ألقى نظرة في المرآة الى الشيخ الذي سمع به كثيراً ، فوجده أشبه بطائر   (الفسيفس) حين ينفش ريشه استعداداً للتزاوج  ، وساوره إحساس ٌ بأن هذا الشيخ ربما يظن أنه جالس ٌ في هذه اللحظة في صدر مضيفه ، خفف من سرعة السيارة وخاطب الشيخ بصوت مسموع ؛ هل تسمح لي أيها الشيخ الموقر أن أطلب منك شيئاً ؟ انتبه هذا إليه ؛ نعم تفضل ، وظن في بادئ الأمر أنه يطلب منه سيجارة ، فأستخرج علبة السجائر وناوله واحدة منها ، قال أبو رياض ؛ عذراً أيها الشيخ ، فأنا لا أدخن ، وأن الذي أرجوه منك هو أن تكف عن التدخين أنت وصاحبك ! اغتاظ الشيخ للهجة الصارمة الآمرة التي يخاطبه بها هذا السائق الحكومي الذي ربما لم يعرف سطوته جيداً  ، قال له هازئاً ؛ ومن أين لك السلطة في منعي من التدخين ؟
ـ هذه حافلتي وإن تكن سيارة حكومية ، وأنا اعتدت أن أطبق هنا قوانيني !
-       وأنا أقول لك بكل بساطة ؛ يؤسفني أنني لا أحترم قوانينك ، فما الذي بوسعك أن تفعله ؟
لم يفعل شيئاً ، وإنما قلل من سرعة الباص الذي كان يقل موظفين يرومون الوصول الى دوائرهم في الوقت المحدد ، فتصايح هؤلاء ؛ ما الأمر ؟
قال أبو رياض مخاطباً الشيخ ؛
ـ ألا ترى ؟ إن هؤلاء سلاحي !
أصر الشيخ على موقفه وتملكته سورة الغضب ، عند هذه النقطة ، أوقف صاحبنا السيارة تماماً وركنها الى جانب الطريق ، ظن باقي الركاب أن ثمة عطلاً أصاب السيارة فظهر منهم التذمر والاستياء ، قال أبو رياض مخاطباً الجميع ؛ اطمئنوا فليس في السيارة سوى عطل واحد هو هذا الشخص الجالس خلفي ، والذي يُصر على الاستمرار في تدخين سجائره المقيتة ، وفي هذه الحالة ، وكما تعرفون ، فلن أدع السيارة تتحرك شبراً واحدا ً ما لم يكف هو تماماً عن التدخين ،
وبأسرع من لمح البصر تحول غضب الركاب الى الشيخ الذي وجد نفسه في موقف لا يُحسَد عليه ، هذا يصيح به ، وذاك ينهره ، وكاد أحدهم أن ينهال عليه بالضرب ، فتدخل في اللحظة المناسبة ، قائلاً للشيخ بحزم ؛ والآن من فضلك أعطني علبة السجائر، فأعطاها إياه وهو لم يَكدْ يُفيق بعدُ من ذهوله وارتباكه ، فأخرج السجائر منها وطرحها أرضاً وأخذ يسحقها بحذائه ، ثم أعاد إليه العلبة الثمينة فارغة ،  وإزاء هذا الموقف ، لم يجد الشيخ المغلوب على أمره  من سبيل أمامه للخروج من هذا المأزق سوى أن قدم اعتذاره  له ولباقي الركاب مصرحاً أمام الجميع ، أنه ومنذ هذه اللحظة قرر التوقف عن التدخين ، رامياً العلبة الفارغة الثمينة من نافذة الباص دونما أسف .
3
يذكر المقربون منه ، أنه عمد إلى استعمال طرائق متعددة في مكافحة ظاهرة التدخين ، ولا سيما في حافلته  هذه ، ومن ضمنها أنه أشاع لدى ركابه الذين إعتاد أن يراهم كل يوم في رحلة ذهابهم وإيابهم الى دوائرهم الحكومية ، أن سيارته تم تزويدها مؤخراً بجهاز الكتروني ياباني لدى خلاياه حساسية قوية من الدخان المتصاعد من السجائر ، الأمر الذي يؤدي أن يبطئ الباص من سرعته تلقائياً ، وكان الركاب يتساءلون فيما بينهم بين مصدّق ومكذب ؛ هل حقاً يوجد هكذا جهاز ؟
              
                           
                 


الجمعة، 4 يوليو 2014

جسدُكِ قيثارتي-أحمد الحلي

جسدُكِ قيثارتي
أحمد الحلي
1
تمرّين، والوقتُ خريفْ
بمحاذةِ أدغالٍ بريةٍ
فيلتبسُ الأمرُ على غصونِها
تُحِسّ بدفءِ الربيعِ
يسري في عروقِها
ثم يلتبسُ الأمرُ عليها
كرّةً أخرى
فيتبرعمُ فيها
جوريٌّ و ليلكْ !
2
هل لي أن أُشبّهَ جسدَكِ
الماثلَ ، بكل أبّهتِهِ أمامي الآنَ
بمائدةٍ ملكيّة ؟
أتسللُ إليها خِلسةً
فأُشبِعُ نهمي
بكل ما لذَّ وطابْ
ثمَّ أتوارى قبلَ
أن يلتئمَ شمْلُ المدعوّين
كما لو كنتُ ظِلّا  !


هل لي أن أشبّههُ بسفينة
اختطفها قرصانٌ
يعلمُ أن بداخِلِها
لؤلؤةً
لم يُبصرْ مثلَها أحدٌ
من قبلُ قطُّ
فاعتزل البحرَ
واختار أن يتوارى بها
في إحدى جزرِ الله
المنسيّة ؟

هل لي أن أشبّهُهُ
ببابٍ  موشّى
بطلاسمَ وتعاويذَ
تنفتحُ
على أسرار الملكوتْ ؟

هل لي أنْ أشبهه
بشجرةِ نارنجٍ
تنفتح على مشارف
غابة ؟

هل لي أن أشبّهه بوطنٍ
لا يقطنه سواي؟

أو بجواز سفرٍ
يُعطيني تأشيرةَ الدخولِ
إلى عوالمَ سحريةٍ وأسطورية

هل لي أن أشبّهه
بمركبةٍ فضائية
تطيرُ بي
لأقصى المجرّات
نخترق  معاً حاجزَ الزمنِ
تتيحُ لي أن أكون شاهداً
على اندثارِ أكوانٍ
وولادةِ أخرى
ثم تحققُ لي أمنيتي
بأن أستحيلَ قمراً
أدورَ جذِلاً لبعض الوقتِ
حول كويكبٍ أختارُه !

هل لي أن أشبّهه
بخمرةٍ معتّقة
أرشفها  ببطءٍ
ويبقى لساني عالقاً
لأمدٍ طويلٍ
بموطنِ الشهوةِ منها
فيدخلُ  كلانا
في طور التلاشي
أصيرُ أنا محضَ خيالٍ
وأنتِ مجرّدَ فِكرة !

هل لي أن أُشبّهه
بنافورة ملذّاتٍ غرائبية
أصلُ إليها ظمآناً
بعد مسافاتٍ ضوئية
فأشربُ منها وأشربُ
أراني وقد ازددتُ عطشاً
وأرى ذاتي ،
وقد تفجّرَ فيها
جنونُ الشبقِ !


همنجواي في الحلة-2-كتابة احمد الحلي

همنجواي في الحلة
2
Oh my god  أو الله حي
تختزن ذاكرته الكثير من المرارات وخيبات الأمل التي غلّفت حياة العراقيين عبر مديات تأريخهم المختلفة ، والتي تمتد مثل حقول أشواكٍ  لا تنبت  المسرّات خلالها   إلا عرضاً وفي حالات نادرة ، يتوقف هنا عند المرحلة التي تلت تأميم النفط العراقي في أوائل سبعينيات القرن الماضي ، حين أصدرت الحكومة ما أسمته (سندات الصمود) آنذاك لتعطيها للموظفين وتستقطع منهم مبلغا قدره 3 دنانير من الراتب ،  وكان هذا المبلغ يؤثر تأثيرا كبيرا على مدخول العائلة ، فنظم أغنية المعنونة ؛(الله حي) وهي موجهة إلى الخالق لكي يساعده على الخروج من هذا المأزق المادي ، وقام بتأليف الأغنية باللغة العربية والانجليزية التي يجيدها ، وبعد السقوط وبالتحديد في العام 2007 أجرى تجديدا على هذه الأغنية في مضمونها ولحنها ، إلا ان الأغنية لم تجد لحد الآن من يخرجها إلى النور سواء على صعيد النشر أو الإذاعة وهي تتعلق بحوار الأديان وضرورة تآخي الجنس البشري وفيما يلي نص الأغنية بالإنكليزية : 
oH My God
My god help me
Do some thing for me
I am Angle From Babylon
Please My God don't Leave Me Alon
Make The World Happy






أما النصُّ العربي فقد صاغه كالآتي ؛
بجاه كليمِ الله موسى النبي
بجاه روحِ الله المسيح النبي
بجاهِ حبيبِ اللهِ محمد النبي
اللهمَّ اجعلِ السلامَ والوئامَ يسودانِ الأرضَ
الله حي !

oH My God

حامد كعيد الجبوري - ( حزب الحمير ) قصيدة شعبية

الخميس، 3 يوليو 2014

همنجواي في الحلة-الجزء الاول- كتابة احمد الحلي

مقتربات أولى
1
تعرف مدينة الحلة ، وعلى الأقل الوسط الثقافي ومرتادو بعض المقاهي الشعبية أبا رياض جيداً ، بوصفه سمياً وشبيها لأرنست همنجواي ، ذلك الروائي الشهير ، صاحب المغامرات التي لا يجرؤ أديبٌ على الخوض فيها ، كما انه صاحب الروايات التي شكلت منعطفاً في الأدب الانكليزي والعالمي ولاسيما لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية .
(أبو رياض) واسمه الكامل كما هو مدون في بطاقة أحواله المدنية ؛ صباح شكر محمود ، وتشير البطاقة أيضاً إلى انه مولود في مدينة بغداد عام 1941 بمنطقة الكرادة الشرقية ، أحس منذ نعومة أظفاره بان لديه ميلا فطرياً نحو الفنون والموسيقى التي جرفته باتجاه عوالمها الخلابة ،
وبدأت تباشير الرحلة الثقافية لديه مع كتاب (ألف ليلة وليلة) بطبعته المصرية المذهبة المتكونة من مجلدين كبيرين ، ثم وبفضل أساتذته في المدرسة المتوسطة يتعرف على الروايات العالمية المترجمة ليقرأ بشغف كل ما كان يقع في يده منها ،
شكلت الموسيقى ، كما قلنا هاجساً للفتى الصغير الحالم ، فحاولت أصابع خياله ، أن تتلمس سحرها، وتقف عند منابعها ، فشرع هو وابن عمته سعيد بادخار (اليومية) التي يحصلان عليها من أبويهما، وبالتالي اشتريا آلة العود الخاصة بالملحن محمد نوشي الذي كان يعمل خياطاً بالقرب من منزلهما ، غير أن نشوة الفتى بامتلاك العود العائد إلى محمد نوشي سرعان ما تبددت وتلاشت أمام هجمة الأب الشرسة محطماً الباب الذي كانا يتواريان خلفه هو وابن عمته ليتدربا على العزف، وليحطم بالتالي العود على رأسيهما ، وقد بكيا بحرقة وألم ، كما يذكر ، ليس لآلام الضرب المبرحة التي عانياها وإنما لأنهما وجدا عودهما الأثير محطماً وأوتاره مقطعة بغير رحمة ..
إلا انهما ، الفتى وابن عمته ، قررا مواصلة السير على هذا الطريق الوعر الذي سلكته قبلهما أجيال وأجيال من المبدعين الذين لم تنثني همتهم أمام عواصف الجهل والتخلف التي تحكم مجتمعنا، ما زال بوسعه أن يتذكر ، كيف أن جذوة الأمل قد تم إحياؤها في نفسه من جديد على يد الفنان القدير منير بشير وأخيه الموسيقار جميل بشير ، لاسيما بعد ان تعرفا على المخاض المؤلم الذي مر به ، فرحبا به في معهد الفنون الجميلة الأهلي الذي كانا يديرانه أبان فترة الخمسينيات ، غير ان الفتى ما لبث ان ترك الدراسة في المعهد لسوء الأوضاع الاقتصادية التي كانت تمر بها عائلته واستيقظ في نفسه إحساس آخر بالانتماء إلى الأدب والشعر بصفة خاصة ، وقد تفتحت هذه الجذوة لديه منذ بداية سبعينيات القرن الماضي ، مع انه ظل محتفظاً ومتوائما مع خطه السياسي  حيث قدم من كلماته وألحانه وأدائه وباللغة الدارجة أغنية ؛ (يا مصر يا أهرام بابل بتقولك حرام) وكانت موجهة آنذاك ضد زيارة الرئيس المصري أنور السادات لإسرائيل، وتمت إذاعة هذه الأغنية عبر إذاعة (صوت مصر) التي كانت تبث برامجها من بغداد .


شبيه همنجواي
بشأن كيفية اكتشاف الشبه الخلقي بينه وبين الروائي العالمي ارنست همنجواي  يشير إلى أن الناس والمحيطين به هم الذين انتبهوا أولا إلى هذا الأمر لاسيما بعد ان ترك ذقنه تنمو كأحد مظاهر إعلان الحزن التي اعتاد الناس عليها ، ويتذكر حادثة غريبة وقعت له في أعوام الستينيات (لا يتذكر بالضبط متى) ، حين وجد نفسه يشهر مسدسه نحو رأسه محاولا الانتحار ، بسبب تعرضه لوضع اجتماعي قاهر ، حيث تمت الوشاية بأبيه معيل العائلة الوحيد آنذاك وكانت التهمة الجاهزة الموجهة إليه انه ساعد في تهريب احد كبار تجار اليهود الأثرياء إلى خارج العراق ، إلا ان لم ينفذ ما اعتزم عليه ، إذ وجد ابنه ذا العامين فقط وهو يحبو إليه في ظلمة الليل ، فوضع المسدس جانبا وقرر مواصلة الحياة ، على العكس من قرينه همنجواي الذي مضى بالمهمة قدماً في  2 يوليو عام ١٩٦١.
ويوما بعد يوم أحس انه يتواشج مع شخصية هذا الروائي الأمريكي ، لاسيما في مزاياه الإنسانية وعلى صعيد المغامرات أيضا وان لم يصل إلى سوى الحدود الدنيا من تخومها ، كما يعترف ، فقد احترف مهنة صيد الأسماك على نهر دجلة ومن ثم على نهر الحلة ، وفيما إذا كان يعتقد انه تجسيدٌ ما لشخصية الشيخ في رواية هيمنجواي الشهيرة (الشيخ والبحر) قال  بتواضع جم ؛ كلا ، فانا أجد نفسي الصياد في النهر ، إذ ان البحر بعيد عنا ، ولم نتعرف في حياتنا سوى على النهر
وقد عرف عن الروائي ، بأنه كان لديه ولع خاص بالصيد والمغامرات وركوب المخاطر ، وقد بات معروفاً لدى الجميع ان حبكة روايته (الشيخ والبحر) استقاها بناءً على تجربة شخصية له في صيد الأسماك على الرغم من الرمزية التي غلّفت هذا العمل المهم الذي أهله للفوز بجائزة نوبل للآداب أبان فترة الخمسينيات .
وهو إذا استطاع توظيف حيثيات تجاربه الشخصية ومغامراته في كتاباته الروائية والقصصية ، فان بطل حكايتنا هذه لم يتح له ان يفعل ذلك ، على الرغم من ان عملية استنطاقه الآن لم تكن بالمهمة الشاقة أو العسيرة ، فحديثه أشبه ما يكون بالمائدة العامرة التي تتوفر على شتى صنوف الأطعمة والاشربة والمقبلات ، وان احتوى بعضها على توابل كثيرة إلا ان محدثه يستطيع ان يختار وينتقي منها ما يشاء ..
* وبالنسبة للقوة البدنية التي عرف بها الروائي الأمريكي ، والتي أهلته لان يقوم برحلاته الشهيرة في مجاهل الغابات في أمريكا وأفريقيا  بغية اصطياد الحيوانات المتوحشة ، بالإضافة إلى كونه ملاكما محترفا ، فان أبا رياض أصبح سباحا ماهرا في وقت مبكر من حياته ، وعرفه نهر دجلة بمحاذاة منطقة الكرادة حيث ولد وعاش سني حياته الأولى ،  وكذلك شط الحلة ونهر الفرات في منطقة سدة الهندية ، وحصل على بعض بطولات السباحة واحترف الملاكمة أيضا متدربا على يد الملاكم محمد سلبي بطل العراق بالملاكمة في أعوام الخمسينيات كما برز في عدد من الألعاب الرياضية التي تتطلب القوة والجهد ، وقد حدثنا احد أصدقائه من الأدباء انهم كانوا قد خرجوا للتو منتشين من سهرة في مقر اتحاد أدباء الحلة ، فانتبهوا إلى جذع ميت لإحدى الأشجار يقف منتصبا بتحدٍ على مقربة منهم أثناء خروجهم فما كان من صاحبنا المنتشي إلا ان أحاطه بساعديه القويين وسط صياح الأصدقاء وتشجيعهم له بعبارة ؛ همنجواي .. همنجواي  ! وبعد قليل من الجهد استطاع ان يقتلعه من جذوره !