ملف عن الابداع السردي لعادل كامل
مؤشرات نقدية :
ـ رزاق إبراهيم حسن
ـ د.سهام جبار
ـ يوسف نمر ذياب
ـ زهير الجبوري
ـ علوان السلمان
ـ سلمان التكريتي
[أخر الفصول] بين المعلن والإيحاء
رزاق إبراهيم حسن
في القصص التي قدمها عادل كامل في مجموعته (( أخر الفصول )) يمارس المعنى المخفي وغير المكشوف الدور الأساس في بناء وتحريك العلاقات بين الأحداث والشخصيات ، فالمعلن في هذه القصص لا يدل الى حد التطابق على مقاصد الكاتب من كتابتها وإنما توجد في كل قصة فكرة معينة ، وهذه الفكرة لا تطرح نفسها من خلال عنصر معين في القصة وإنما هي تشع نفسها في مجمل عناصر البناء القصص وبكل ما تطرحه القصة من تعبيرات خارجية .
ويقود التعامل الخارجي مع قصص عادل كامل في هذه المجموعة الى احتمال عدها قصصاً مغرقة في الكوابيس والتخيلات الوهمية غير المعقولة ، ولكن معرفة المخفي وغير المعلن فيها يساعد على إعطاء هذه الكوابيس والتخيلات دلالاتها الفكرية والواقعية ، والإمساك بمقاصد الكاتب وما يريد تحقيقه في كل قصة .
وفي أغلب هذه القصص لا يبوح الحوار ، أو الوصف ، أو حديث الشخصيات مع ذواتها بقصد الكاتب وما يحاول التعبير عنه من أفكار وإنما تقدم المقاصد والأفكار نفسها من خلال الإيحاء الذي تتضافر كل عناصر البناء القصصي في تقديمه وتعميق تأثيره والتفكير به عند المتلقي .
ذلك ان عادل كامل في هذه القصص يعمد الى إعطاء التناقضات الداخلية تعبيراتها الحسية بحيث تنبثق من داخل الشخصية شخصية مختلفة عنها ومناقضة لها في بعض الأحيان كما أنه في بعض القصص يستخدم شخصيات من الأطفال والحيوانات ضمن أجواء من اللا معقول والمتخيلة ليعبر من خلالها عن هواجس وأفكار الشخصيات الأساسية بحيث تكون العلاقات بين الشخصيات وما تمارسه من علاقات وتصرفات وما تواجهه من أحداث موحية بالأفكار والمقاصد ودالة عليها في إطار مجمل السياق القصصي .
ففي (( قصة ليلة عيد ميلاد )) تواجه الشخصية في عيد ميلادها رجلاً غريباً في البيت الذي تسكن فيه وهو يروم قتلها ومع الاختلاف بين الشخصيتين ألا إنهما يعبران عن شخصية واحدة فالقصة تطرح العلاقة بين الموت والحياة وحضور الموت في لحظة الميلاد وهذه الأفكار لا تقدم نفسها بشكل مباشر ولا يمكن الوصول أليها دون قراءة القصة كاملة وإعادة ترتيب التفاصيل على أساس ما انتهت أليه وليس من خلال اقتطاع جمل ومقاطع معينة .
وفي قصة (( أصابع وأصابع )) تقرأ الشخصية خبر وفاتها في أكبر الصحف ، ويترتب على ذلك طردها من الدائرة والبيت لأنها لم تعد على قيد الحياة ، وعندما أرادت تصديق الخبر والانتحار عرقا في النهر تحس بالأصابع تمسك بها من الجهات كلها ، والقصة تطرح من خلال ذلك العلاقة بين الإنسان والمجتمع وهذه العلاقة والاختيارات الفردية ودور المجتمع في تحديد هذه الاختيارات .
وتتناول قصة (( حضانة أطفال )) قيام مجموعة من الفصائل العسكرية المساحة بمحاصرة حضانة أطفال لإعلانها الإضراب وعندما تنم مهاجمة الحضانة واحتلالها لهم يكن هناك أي طفل يمكن إلقاء القبض عليه فالأطفال في هذه القصة يرمزون إلى مخاوف الآباء والأمهات من انفصال أبنائهم عنهم ويرمزون أيضاً الى مخاوفهم مما يخالجهم من أفكار جديدة كما ان القصص تتناول أيضاً انقطاع الحوار بين الأجيال واللجوء الى القوة بدلا من الحوار .
وكما هو الحال في هذه القصة فأن أغلب قصص (( أخر الفصول )) تتناول قضية الموت في علاقة الفرد بذاته أو علاقته بالمجتمع وبما يعاني اغتراباً ذاتياً أو اجتماعياً وبما يواجه من إشكالات للتعبير عن نفسه وعن علاقته بغيره .
وإذا كانت القصص في المستوى الخارجي تعبر عن الشخصيات والأحداث في علاقتها بالحياة فأن قضية الموت هي الفكرة التي توحي بها أغلب هذه القصص وهي الفكرة الخفية وغير المعلنة فيها كما أنها تواجه الشخصيات في أكثر في أكثر اللحظات تواصلا مع الحياة كما هو الحال في قصص (( قاب )) و (( بنك الأعضاء)) و (( ألآثاري )) .
ولعل عنوان المجموعة (( أخر الفصول )) يرمز إلى الموت أيضاً كونه خاتمة الأشياء وأنفصل الأخير في حياة الإنسان .
5/7/1996 جريدة الثورة
[آخر الفصول]
د.سهام جبار
تندرج مجموعة (آخر الفصول) للقاص عادل كامل ضمن إطار القصة الوجودية التي أجدها انشغالا ً من انشغالات الستينيين في الأدب العراقي. هذا الانشغال الذي ظهر طابعه بهذه القوة لدى عادل كامل بفعل استغراقه بالوجودية فكرا ً وهما ً، وان كان الآن منصرفا ً إلى فضاء صوفي تأملي أكثر اتساعا ً وحرية. الا ان الحرية اصلا ً كانت هي الدافع في البحث الوجودي الأولى في حياة الفنان المعاصر.. الفنان الذي كانت له حصة تاثير في فعل القاص، إذ ْ انه كان مشتركا ً معه في انشغالاته وهمومه. هذا ما لابد لنا من التنبه اليه عند التعامل من نتاج عادل كامل. ومما يدعم كلامي من أدلة في القصص الخمسة عشر في المجموعة ما اراه من انبثاقات الحدث في كل قصة، متاتية من معاناة فردية وجودية مصطدمة مع واقع انساني مؤلم، او من بحث خائف عن خلاص غير متوقع، او من ارتباط بسعادة غير ممكنة.
هذا الطابع الخاص الذي أشرت اليه خلق وحدة موضوعية معينة أدت إلى اشتراك أكثر من قصة بثيمة واحدة او بما يقترب من المحرك الأساسي لكتابة القصة وقد يختلف في النهاية المترتبة عليها. اجد ذلك واضحا ً مثلا ً في أكثر من قصتين تتاليان واحدة اثر الأخرى، لنقل مثلا ً: قصة (إضراب رمزي وعام) ـ ولا ادري لماذا حددنا القاص في توجيهنا وجهة معينة بتأثير الإهداء ومكان النشر وما إلى ذلك في هذه القصة ـ وقصة (حضانة الأطفال) التي أتت بعدها مباشرة وربما افسر اهتمام القاص بجمع القصتين على هذا النحو بعدم اكتفائه من أداء الثيمة التي شغلته فآثر ان يملأ الفراغ الذي تخلف بسبب هذا بكاتبة قصة ثانية تتجه الى الاتجاه نفسه. وذلك ينطبق أيضا ً على قصة (بنك الأعضاء) وقصة (قلب) اللتين تشتركان مع القصتين السالفتين بالامر نفسه كما المؤرختين بتاريخ متقارب وهذا يؤكد فكرة عدم الاكتفاء هذه وكان من الممكن استبعاد احدى القصتين او الغائها. ولكن هذا لا يعني الغاء جانب القدرة الفائقة التي استحث بها القاص الوجود المقاوم في كلا القصتين والإيحاء إلى دلالات مؤثرة، وجمالية اداء القصتين الا ان التشابه والتكرار غير مطلوب الا لدعم اثر لم يثق القاص في قدرته على تحقيقه في قصة واحدة بحيث لا يحتاج الى سواها.
ومن مظاهر الوحدة الموضوعية التي صبغت المجموعة بصبغتها الملامح الواحدة تقريبا ً للبطل في القصص، انه بطل مأزوم ضائق بحياته، المنشدة بخبر وفاته كما في (اصابع وأصابع)، الذي يجد شخصا ً يود قتله في ليلة عيد ميلاده كما في (ليلة عيد الميلاد)، المكتشف لغة اخرى لا يتكلم بها احد كما في (حدائق النار)، المصدوم باضراب كما في(اضراب رمزي عام) وفي (حضانة الاطفال). الفاقد أعضاءه بعد موته كما في (بنك الاعضاء) و (قلب)، المشغول بفكرة الموت كما في (أغصان)، الفاقد عمره في عمل مكرر كما في (رماد)، المواجه بعشق كما في (عاشقان)، الخائفة على زوجها من الموت في (ليس هذا بالضبط)، والاثاري المفقود في (الاثاري)، والصحفي الخائف في (فيل في بيتي)، والصحفي ايضا ً الخائف في (الحصان والصحفي)، .. وكما نرى نجد ان ملامح الخوف او الفقدان او الضياع هي التي ترسم لنا وجوه الأبطال في القصص، انها وجوه تتجه الى نهايات محددة لابد من بلوغها بوقائع شعورية من النوع الذي تكابده هذه الوجوه، انها مدفوعة من الداخل الى هذه النهايات، حيث لا فائدة من سلوك طرق اخرى. فالطريق محددة سلفا ً باصطباغ هذه الشخصيات بكل هذه القتامة والعذاب القدري الذي لامناص منه هكذا تترسم الحرية املا ً لا وصول اليه في هذه المكابدة المستميتة وهكذا تتجه الشخوص بحواراتها الى لا احد تقريبا ً، فكل شخصية تظهر ما لديها لا للاخر، اذ ْ لا جدوى من ذلك، إنما هكذا للاشيء، للعدم، للنهاية المقدرة.. نجد ذلك واضحا ً جدا ً في القصة الاولى (اخر الفصول) التي جعل القاص فيها شخصين يتكلمان لكن كل على حدة تقريبا ً، يخبر كل منهما عن الاخر الا ان ذلك لا يتم مباشرة، بل خلف ستار من انصراف كل واحد الى مصيره. هكذا يتخذ الشخوص تاريخهم جزءا ً من صورهم الخاصة، من ملامحهم المترسبة بعد كل ما مضى. وهذا يكتشف بالتالي عن وحده مريعة، وحدة فردية طاغية رغم مظهر الصلات التي تجمع الشخوص الى بعضها الا انها صلات منقطعة في النهاية..
وددت ان اشير الى الطابع الرومانسي ايضا ً. ونستشفه ايضا ً من عناوين القصص اضافة الى انشغالاتها..
وهكذا تأتي مجموعة عادل كامل (اخر الفصول) لتبدي اخر اهتماماته القصصية خلال الثمانينيات التي كتب خلالها قصص المجموعة، بينما اظن ان انشغالاته القصصية الحديثة مختلفة عنها نوعا ً ما، الاختلاف الذي ربما يمنع هذا الطابع المرتسم هنا كما اشرت اليه.
[جريدة العراق ـ بغداد 26 اذار 1996]
أخر الفصول
يوسف نمر ذياب
عرفت عادل كامل زميلاً صحفياً ناجحاً في مجلة ( ألف باء ) مطلع السبعينات ، عرفته مهتماً بلعبة ( الشطرنج ) التي كان يحررها في زاويته في المجلة الزميل الكريم زهير أحمد القيسي وكانت تحتل في وسط المجلة عموداً يجاوره العمود الذي كنت أعده تحت عنوان ( هذا الكتاب ) ، لكن عادل كامل متعدد الطاقات ، فالسنوات التي جاوزت ربع قرن من الزمن الصعب أكدت لي أنه ناقد تشكيلي ندر ان تجد فنانا تشكيليا في الرسم أو السيراميك ليس لعادل كامل فضل عليه بالكتابة عن فنه ، وحسبك أن تعلم أنه قد أصدر حتى الآن ستة كتب في النقد الفني التشكيلي ولعادل كامل أسلوب خاص في أجراء الحوارات الأدبية بأسئلته الاستفزازية ، ومن مزايا عادل كامل كونه رئيس قسم ثقافي في مجلة ( ألف باء ) فهو ، وان بدأ مستعجلاً في أعداد الصفحة ، ألا أنه ذكي يعرف ما ينشر وما لا ينشر .
وأتساءل مع نفسي بما ذكرت أريد ان أدفع عم نفسي تهمة التقصير نحو الصديق عادل كامل ؟ .. أليس تقصيراً مني ان يصدر صديق عزيز ستة كتب قصصية منها روايتان ولم أتم قراءة قصة قصيرة واحدة له ؟
ومهما يكن من أمر ، فأني بعد قراءة مجموعته القصصية هذه ( أخر الفصول ) قد تأكدت أنني قد ظلمت القاص عادل كامل وان كنت لا أستطيع لجهلي مسيرته القصصية ان أحيط بما كان عليه ، فهو في هذه المجموعة قاصاً متميزاً بفنتازيته العبثية التي أحسب أنه يقصدها قصداً .
تبدأ مجموعة عادل كامل القصصية بقصة تحمل عنوان المجموعة ( أخر الفصول ) وهي كأغلب قصص المجموعة أحلام يقظة متصلة لزوجة وزوجة ، الزوج يراقب ما حلوه في الحديقة الفراشات ضوء الشمس الهواء الذي يداعب أغصان الأشجار أما زوجته فهي تراقب زوجها تتساءل مع من يتكلم فأنا بماذا تخرج ، بعد قراءة هذه القصة بلا شيء أم بالتباس الأشياء تداخل الفصول .. تداخل المشاعر أننا لسنا بالتعساء ولا السعداء .
أما قصة ( أصابع وأصابع ) فهي طريقة في عقدتها رجل يقرأ خبر وفاته في أكبر الصحف ويصدق الجميع الخبر ، لأن الصحف لا تكذب زملاؤه في العمل زوجته حتى هو صدق الخبر ، لكنه يعتقد أنه مات قبل ربع قرن ولم يجد ألا ان يقرر رمي جسده في الماء وكاد يفعل ألا ان التي قذفته في الماء أصابع أخرى أصابع هذا العالم القاسي .
ولا تختلف بقية القصص المجموعة عما ذكرت أنها أحلام يقظة القاص المحيط الذي يجد في هذه الأحلام متنفس البحث عن النقاء لكني أريد ان أنوه بقصتي ، (إضراب رمزي وعام ) و ( حضانة الأطفال ) والقصة الأولى أهداها القاص الى أطفال الحجارة ، وبعد لعادل كامل تحية إعجاب قاصاً وناقداً تشكيلياً ، وصحفياً ناجحاً وإنساناً .
الأحد 7/تموز/ 1996
جريدة العراق
في النقد القصصي / المراحل الزمنية في ( آخر الفصول )
زهير الجبوري
عند قراتنا المجموعة القصصية ( آخر الفصول ) للقاص والناقد المبدع عادل كامل ، نلاحظ ثمة علامات بارزة يمكن قرائتها بيسر وهي تدور عن الحركة الانفعالية التي يقف بطلهاالإنسان الموجوع وكيف يكون التصاعد ( التراجيدي ) نحو هذا المفهوم ، وكيف تزداد المأساة التي يكشفها في قصصه وبأسلوب متفاوت ومنفصل بعض الشيء .
إذا كان المؤلف هنا في هذه المجموعة قد وضع تقسيم الحياة وما تؤطره من لمحات فنية لأبطاله وفقاً للتصورات الفكرية التي وصل أليها والمرحلة التاريخية التي دونها في نهاية كل قصة من قصصه ، فأنه قد أبدى إيضاحاً كاملاً وسردياً متناسقاً في ترابطه القصصي وكيف كانت الواقعية التي تجردت من العواطف والنزوات الرومانسية .. ليدرس المبدع . عادل كامل ) هنا المراحل أل / مأساوية التي وقعت ضمن الحيز الذي عاشه فأبطاله كانوا يتراوحون بين أطفاله الذين أعلنوا الإضراب عن الطعام إيثاراً بأطفال أهل الأرض المحتلة . فلسطين وبين شخوصه الذين يحملون الأبعاد ( الانطباعية ) في ذلك .. فهذا يعني أنه قد نجح في تحريك شخوصه فوق مسرح أعماله في مجموعته هذه .
في قصة ( إضراب رمزي وعام ) تلك القصة التي تمضي بهمومها الشخصية وتوفيقها العام ، والنفوس ملطخة بالألم تجري في أعماق خفية ذو تأثير نفسي مباشر ومؤثر .. إذ ان الحدث ينفجر في الأولاد الثلاثة الذين أعلنوا الإضراب عن الطعام رغم ان . المؤلف الذي نصب نفسه . الأب ) هنا كان يعطي دخله المادي الى عياله .. وبعد البحث عن السبب وجد ان أطفاله متأثرين بأطفال أهل الأرض المحتلة . فلسطين ) ..
لذلك كان الإطار العام للشخوص يستقر بنهايات تحمل أبعاد غير منتهية ، إذ كان من الطبيعي جداً ان تكون فكرة ( القاص ( تحمل هكذا أبعاد ، ومن الطبيعي جداً ان تجيء تجربته القصصية وهي تحمل هذا السياق الفكري المعكوس عن واقع حال حقيق .. وأحياناً نلمسه حتى في أنفسناً – إذ أنه استطاع ان يحول من مشكلة الصراع الاجتماعي الى ( عمل قصصي ) مستخدماً العبارات الاسمية والرمزية للتعبير عن إثبات فكرته القصصية .
ولعلنا نشهد بأن طريقة سرد ( الحدث القصصي ) يزداد حدة أكثر فأكثر بين الأحداث الملتهبة وبين المواجهة الذاتية التي استخدمها القاص في مواجهته الظروف الضنكة إذ قدر له ان يكون ضحية الموت ، أو المحكوم عليه بالموت المتجدد وباستمرار كما في قصة ( أصابع وأصابع ) .. إذ يقول : أمس قرأت خبر وفاتي في أكبر الصحف ) وبعد سلسلة من التعقيبات يقول : ( التقيت بالسيد مسؤول تلك الصفحة ، أكد صواب الخبر ) ..
نلاحظ التصاعد . التراجيدي للسقوط الذاتي الخاضع الى الموت ، رغم ان حكم الموت بمفهومه العام لم يتحقق ، ولكن .. ؟ النتيجة الحاصلة هنا هو ( غير الموت الجسدي .. المادي ) المقصود أليه . القاص الذي يعيش الحالة المؤطرة في الوحشة والقسوة والأغراب – ولا يمتلك كثافته الأحساسية المنقولة عن الموقف الذي احتواه ( رفع رأسه .. حدق في أعلى رأسي .. كان يعرف ما كنت أقوله .. سراً) ص26.
ان محاولة . التحدق ) هنا والتي سردها ( القاص ) موظفاً الجملة الاسمية للحدث ، أعطت الجوانب التي يكشف فيها التحليل الواقعي والنفسي معاً ، والآن العبارة ( كان يعرف ما كنت أقول .. سراً ) تحمل أبعاد ذات جذور غير ملموسة ، ألا أننا يمكننا ان نسميها هنا ( مخاطبة الأنا المفقودة ) ..
لأن كشف السر لا يعرفه ألا صاحبه ، فكيف لمخلوق بشري أخر يعرف أسرار كامنة في مخلوق بشري من صنفه . كيف ؟
ان نظرتنا الى ( أخر الفصول ) يمكن ان نلخصها بمراحل زمنية عدة :
• المرحلة الأولى : يمر بها القاص ) وهو متخذ قرارات تثير كوامنه العميقة التي تحمل صراعات . المواقف ) المذكورة وكيف خلق من لحظاته ونزواته ( عملاً قصصياً ) ..
• أما ( المرحلة الثانية ) .. فهي الانتقالة المباشرة اتجاه الإشارات المباحة وبشكل مباشر الى ما نسميه ( الإلقاء الانفعالي ) اتجاه موضوعاته التي ترابطت مع الفكرة المكانية والزمانية ومنها مثلاً قضية إخواننا في الأرض المحتلة فلسطين – ليكون مثلاً من هذا القبيل وبشكل بارع ، أما ( المرحلة الثالثة ) .. فأنها تبين الإشارات والاستدراكات والتوضيحات ( القصصية ) ، وكيف أثار المخيلة التي تلاعبت فيه لتضعه في زاوية الإحراج الفكري وكيف ترجم إنسانه الموجوع عملاً قصصياً على كافة الأساليب السردية .. الخاصة .
من هنا فأننا لا حظنا الأبعاد التي أشتغل عليها ( عادل كامل ) في هذه المجموعة ، كيف استطاع ان ينقل الصورة الحقيقية والواقعية للجمهور القارئ والمتابع .. وكيف ربط بين العقود التي مضت وهي تحمل أوجاعاً وهموماً فرضت عليه ، وبين نتائجها التي كانت بمثابة – شاهد عيان – على ذلك .
جريدة القادسية
16/2/2002
التصّور والتنبؤ في آخر الفصول
علوان السلمان
السرد القصصي فن متميز بقدرته على تصوير الواقع واستلهام تناقضاته من خلال دائرة هندسية أكثر اتساعا ً تفرش روحها على الزمكانية الحديثة.. كونه يتمتع بشمولية لخارطة الحياة وقدرته على رصد العلاقات في دائرة الظرفية الوجودية المعاشة من خلال قدرة القاص في التقاط صورة الواقع الاجتماعي والكشف عن دواخل الشخصية في تفاعلها مع الخارج.. بلغة حوارية تستخدم الحوار الداخلي الذي هو حوار طرف واحد أو هو (حوار بين النفس وذاتها..) كما تقول الدكتورة سهير القلماوي..
فالقص فن يتطلب حضور الذهنية مستلهمة واقعها، وقاص يمتلك القدرة على استبطان الواقع والخروج به من دائرته، والحدث من الضيق والمحدودية صوب الشمولية.
والقاص عادل كامل في مجموعته القصصية (آخر الفصول) الصادرة عن دار الشؤون الثقافية/1995 والتي احتصنت بين دفتيها خمس عشرة قصة تحكي واقعا ً ببراعة في التقاط حدثه الاجتماعي بشكل خاص عبر لغة حوارية متميزة باستخدامها المنولوج الداخلي للكشف عن دواخل الشخصية المتفاعلة مع الخارج، مع قدرة على تجاوز محتواها، اذ انها تحاول ان تتصور، تتنبأ، تمزج الحقيقة بالحلم.
حدقت في ّ كأنها خارجة من عالم سحيق مجهول بنظرات حادة ارتسمت فيها مخاوفي الخفية دفعة واحدة ، وتمتمت بصعوبة ملحوظة:
ـ أطفالك أضربوا عن الطعام..
ابتسمت، ولم تكن هي ابتسامة السخرية التي طالما ارتسمت لدي ّ، وإنما ابتسامة الذهول الممزوج بقدر من الغموضالقدري ..) ص41ـ ص42. فالقصة في حركة واقعها نبؤة عن ثورة مستقبلية تقودها الطفولة الحالمة، إذ ْ تفتح كوة آمل من خلال الطفولة التي تنوي تواصل المسيرة النضالية بالاستعاضة عن قتامة الواقع الذي تعيشه الشخصية، وهي تبدأ في مستوى الوعي ومن ثم الغوص في عوالم اللاوعي لتكشف عن الوهم الذي يتحرك مع الواقع المتفجر.. لذا فقصص المجموعة هذه تعبير عن الواقع المتداخل بالخيال للوصول الى هدف مخطط ومبرمج له بدقة في ذهن القاص، وبذلك تصبح وظيفة السرد ايحائية، قصدية، إضافة الى تحقيقه وظيفة جمالية منشطة للخلايا الفكرية من خلال بنيته السردية القابلة لتعدد الدلات..
(كنا في حرب سرية مشحونة بالالغاز والارار، أنا نفسي أعترف ان ما من امرأة أحببت وكان في قلبها الحب الذي اريد، المرأة أو الحياة، فقلت لنفسي: لا أريد ان يتذكرني العالم، فما أسعى إليه الآن، وانا في سن الشروع بالبلادة لا يتعدى حب الف صنف من النباتات والاشجار وبضعة انواع من الطيور ..) ص 8. فالقصة عنده مركبة من لقطات تسجيلية يجمعها خيط الواقع الذي يكشف عن رؤية الكاتب لواقعه، إذ ْ يتحول الى مجموعة من التداعيات التي تتوظف بقصدية لتعطي بعض التفسيرات المتسلطة على ذهن الكاتب بتركيزها حول همها وهاجسها الانساني المنبثق من واقع متجسد في الحياة اليومية، مع محاولة القاص متابعة الحدث من خلال استخدامه اسلوب الاسترجاع وتيار الوعي، إذ ْ يلعبان دورهما في تفجير الرؤيا واضاءة السرد (قبل نصف قرن، وفي قرية جبلية تقع على تخوم الصحراء، ولأسباب مازالت مبهمة، اكتشفت اني من بين سكان قريتي الوحيد الذي يمتلك فيلا ً...)ص105. انه دمية صغيرة ترمز لفوضى الواقع، وهنا الرمز يلعب فعله في السرد، إذ ْ جعل القصة تنحى منحى اجتماعيا ً في قالب ساخر يعتمد حس المفارقة ليفرغ الكاتب انتقاداته ويبلور رؤيته باعتماده التقطيع الاسلوبي داخل النص لخلق جو غرائبي يتقابل والواقع، وضمن هذه البنية السردية يستحضر القاص الهم الشعبي بلغة محكية تتوظف في وصف طبيعة العلاقات وطبيعة الصراع القائم داخل المجتمع فيبرز الكاتب قدرته وبراعته في التقاط الواقع الاجتماعي بلغة بسيطة للكشف عن دواخل الشخصية والوعي الذي تمتلكه، فكان وصف الواقع والشخوص مجموعة من التداخلات والتناقضات استطاع السارد ان يأخذ مادة سرده منها ويشكلها ويركبها بطريقته الخاصة محافظا ً بقدرته على نقد الواقع ومحاولة تجاوزه، فكانت قصصه تعبيرا ً عن رؤيا وتجربة واقعية مع ترجمة البعد النفسي والاجتماعي الذي يكمن سره داخل نفسية القاص الذي تمكن من تأسيس عالم دلالي باستعارته عناصر الطبيعة (كان يجلس في الحديقة، فوق العشب، تحت ظلال شجرة السدر وحيدا ًيتأمل الوان الفراشات وحركاتها المتراقصة بين الازهار، فيما كانت زوجته تجلس في الصالة، فوق اريكة كان قد اشتراها قبل نصف قرن. تهز رأسها بحركة آلية وتحدق في لاشيء. انتصف النهار وهما يجلسان هكذا، لا يعرف من ذا الذي همس في اذته همسا ً غامضا ً تسلل الى خفاياه الداخلية، فاجاب خفيض:
ـ لا انتظر شيئا ً محددا ً.. هناك فراشات بيض ورماديات، صفر وحمر..
ـ وماذا تفعل بالضبط؟
ـ أراقب ضوء الشمس، وأشعة الهواء المغبر، ربما الهواء الصافي، الملوث قليلا ً، لا اعرف بالضبط هل كنت اتكلم مع نفسي، منذ متى لم أتكلم..) ص 5. فالقاص يجيد تصوير الحالات النفسية، كونها وسيلته التي من خلالها يتصرف بحرية في خلق رؤى تثير التأمل والتساؤل عبر وظيفتها ضمن الحدث العام، مع اعتماد اسلوب الضربة المفاجأة والاختزال المكثف للمشهد، لكي يخلق المتعة والدهشة والاثارة التي يمكن اعتبارها وسيلة من الوسائل التكنيكية في البناء السردي، وذلك لمحاكاة التوتر النفسي من خلال الاستفادة من قدرة الانفعال على تجسيد عنصر الحركة ومعايشة الحدث.. (لكني عندما استيقظت صباحا ً، اكتشفت أني كنت قد أجريت الحوار، وبخط واضح دون ان اشطب كلمة فيه، وثمة صورة مرسومة بإتقان عجيب للحصان الأبيض.. بيد ان الحصان كان لا يكف عن الحركة منها ابدا ً..) ص117. فهو يركز على التفصيل الحركي الحكائي الذي يتجلى عن طريق تتابع الافعال وتحديد المكان وابراز معالمه مما يعي النص دفقا ً نحو واقعية الحدث، دون شعور بزمانها كونه لا يستخدمه بصورة مباشرة وادواته في كتابة نصوصه، إذ ْ ان اغلب قصصه تميزت بدفقها الدرامي من خلال بروز عنصر الحوار الذي يشكل وسيلة من وسائل التوصيل داخل النص، كونه يعبر عن ابعاد فكرية وشعورية، أو أعتماده حوار الموجودات لخلق معادل اجتماعي وإخراج الاشياء من صمتها وسكونها..( الف صنف من النبات الذي يشحن دمي بالنسيان، وبذكرى مليارات السنين الاولى، وبطيور تمتعنا باصوات لا اعتراض عليها، طيور مثل الفراشات لا عمر لها، قلت ذلك وانا اكتم لوعة طفولة استحالت الى رماد..) ص8 ـ ص9. فالقاص يستخدم اللغة الشاعرة (للتعبير عن الموحى المؤثر) كما يقول الدكتور عز الدين اسماعيل، اضافة الى لجوئه الى اسلوب المنولوج الداخلي وظهور الشخصية المتجاوزة لواقعها باحلام بقظتها، كما في قصة (اصابع واصابع) التي اعتمدته من بدايتها حتى النهاية..(أمس قرأت خبر وفاتي في اكبر الصحف، وعن مرض عضال، وتم تشيعي الى مثواي الاخير، فصعقت في باديء الامر، لكني هدأت نفسي وحسبت نشر الخبر مجرد مزحة او خطأ من الاخطاء التي تحصل ..)ص 94. فهنا يشترك الحسي والنتخيل في البناء السردي مع عناية بالجوانب الشعورية، فيكشف القاص عن انفعالاته الداخلية ويخلق بينه والمتلقي علاقة تبادل الاحاسيسوالمشاركة في بناء نص محرك للفكر كونه قريب من الوعي الموضوعي الذي يصّوره.
[جريدة المشرق/ بغداد الاربعاء 7/4/2010 العدد 1768 ـ السنة السابعة]
عادل كامل..فنان يتسلق سفوح الأدب
سلمان التكريتي
أديب فنان وفنان أديب.. يشارف عمره الآن على الستين ... وما يزال ضحوك الوجه والقلب ، حيثما يتذكر ويذكر قصصه التي يتحدث للسامع عنها ، وكأنما هو يقرأها لمن يصغي أليه . ولما قرأت القصة التي يعتز برمزيتها الفائقة وجدت أن هذا الرجل الأديب ،
أو الأديب الرجل ، هو أديب حقا ، لكنه يحمل هموم الرجل الإنسان الموهوب ، بهوايته المزدوجة في الأدب والفن . أنا ما كنت أعرفه قبل أن التقيته ، وما قرأت له أيام العهد الأسود ، فقد انشغلت باغترابي المتقطع ، وهو ، أي الاغتراب تسع سنوات خارج وطننا . وما كانت ألا مصادفة عارضة وعابرة ، أن عرفته ، وتمنيت وأن كنت أسنّ منه بخمسة عشر عاماً أن أتعرف به وعليه قبل هذا الآن ، وحينما هويت الأدب وكتابته ، كان ما يزال بعمر الورود ، وهو يلعب مع أترابه الصبيان . وتمنيت وإياه ، أن ثنائي ليرمنتوف ودستيوفسكي بفارق العمر نفسه . أن هذا الأديب الرجل ، فنان بالكتابة وكتابّ في الفن بالرغم من انتمائه في رمزية الفن الحديث التي تخلب الباب المتلقي . فإذا بالمتلقي يقرأ الصورة ولا يقرأها ، ويفهم الصورة ولا يفهمها . وهذا هو جوهر الفن ، أن يقرأ تماماً ، وليس لا يقرأ تماماً . مثل الزهرة التي يفرح عطرها تدري أو لا تدري من سيشم عطرها . وأن هذا الأديب الرجل نسيج وحده مثل (وحدِه) التي لا تجئ مكسورة (مجرورة) ألا مع النسيج (وحدَه) دائماً مفتوحة (منصوبة) . فأن قصصه إلهامية لا أنا أدري ولا هو يدري من أين تأتي له هذه الانسيابية التي لم يذللها كتاب ، أو كاتب ، ألا هو على قدر ما قرأت طوال ستين عاماً ، وأنا أستلهم ما قرأ لكي أكتب ولا أكتب . ولو أوتي مثل هذا الفنان الأديب ، أو الأديب الفنان ، الوقت الكافي والقوت الكافي والحرية الكافية ، لكتب أكثر مما كتب ، وأعمق مما كتب . لكنه أيضاً كتب بدون الوقت الكافي وبدون الوقت الكافي وبدون الحرية الكافية . لكنه مع ذلك كتب الألمعيات والذهبيات . وبقي لديه ما يريد أن يكتب ، أكثر مما كتب ، مع كل هذا الحرمان ، وكل الاختناق باللاحرية وكل أملاق الوقت . وأنا بالرغم من إعجابي بالعديد من الأدباء العراقيين أو القصاصين العراقيين ومعهم العرب أيضاً ، فما قرأت مما كتب أعمق مما قرأت فهو ما قلد وما حاكى ، أنما يمكن أن يكون قد أستوحى موقفاً أو عبارة أو جملة أو حتى مفردة واحدة ، فإذا بها تقوده بسرحانه الفني بما في الفلسفة ، وما فوق الفلسفة ، ربما في الطبيعة وما وراء الطبيعة . وأول ما قرأت له ، وكان في لقائي له ، كان غائم الوجه ، ضاحك القلب حينما قابلته ، فناولني كتابه لأقرأه ، فكان كتاباً لم يكن أكبر من وريقات فرانسوازساكان (ساغان) هو (مرحباً أيها الحزن) . فقد قرأت له ذلك الكتب (آخر الفصول) المطبوع عام 1995 ونحن في أصعب موقف سياسي وعسكري ، و(آخر الفصول) هو مجموعة قصص قبل آخر مجاميعه ، ولست أدري كيف كتب هذه المجموعة مع المجموعة الأخيرة الصادرة عام 2003 عهد الإرهاب ، على خلاف (رفائيل ساباتيني) المعادي لعهد ثورة 14 تموز الفرنسية 1789 . لكن هذا الأديب المجبول على التمرد الصامت ، كتب أيضاً ما يعادي عهد الانقلاب الأسود عام 1963 وعام 1968. وكيف تمكن من دسها بين مطبوعات وزارة الثقافة تخرجها متكلمة ضد ذلك العهد ، تلك المطابع الحديد الخُرس ، بل وتفلت أيضاً من تحت عيون الرقباء المتعددين من شراذم النقاد أو شراذم الرقباء الذين يفهمون ولا يفهمون ما كان قد كتب ، وما تعثرت في حنجرة أو مرئ هذه المطابع الخرس بين ما كانت تقرئ ما يكتب الشراذم من النقاد أو شراذم الرقباء . أن القصص التي قرأتها بين دفتي (آخر الفصول) الذي تنبأ بهذا الفصل من الزمان الذي سماه آخر الفصول أنما قصد زواله قبل زواله طبعاً ، ابتداء من قصة العنوان وانتهاء بـ(الحصان والصحفي) عبر خمس عشرة قصة ، عناوينها تنبيء ما تجود به من أحداث مثل أصابع وأصابع وإضراب رمزي وعاشقان ورما ولآثاري ، فإذا لا تختلف عن حديقة ملآى بالزهور الملونة ، الفاغمة بالعطور . بل ربما لا تختلف عن كتاب ملون بالرسوم ، التي لا يمكن أن تميز ، أو لا يمكن أن يفاضل القارئ بين هذا الرسم ، أو ذاك ، مما بين الرومانسية أو الكلاسية أو الواقعية المتلفعة بالرموزية أو التجريدية ، ثم بعد هذه القصص هناك رسومه التي أقام لها المعارض العديدة سواء في الوطن العراقي أم خارج الوطن ، حيث كان آخر مطاف معروضاته في (برلين) . ولست أدري أن كان قد سافر مع تلك المعروضات إلى برلين ، ورأى زاوية من زوايا العالم التي لم يرها . فأن كان قد سافر إلى برلين ، فأنه قد رأى ما لم يره كلكامش أو صديقه أنكيدو أو حتى أوديسيوس ؟! أنه عادل كامل ، الأديب الفنان أو الفنان الأديب ، أو الرجل الذي عاش متاهات الزمان ومتاهات اللا حرية ومتاهات الأخلاق! ومن هذا الذي سماه (العادل الكامل) ؟! فهو أسم على مسمىً . فقد أعدل وكمل وأكمل ، حتى هنئ بالنوم في ظلال الأمل القادم ، المفعم بالعطاء الذي أوتي له مما بين اليمين والشمال دون أن يتعب أو يكل وأن ينف على الستين من عمره الخصب المعطاء . ما كان عادل كامل الأديب الفنان قد نحا نحو أديب أو فنان ، وما كان يستلهم من أديب أو فنان ولم يخض مثل خوض من يركبون موجه صرعة من صرعات الأدب أو الفن العصري ، أو كما فعل بعض أدبائنا العرب الرواد ، إذ كانوا يتشبثون بما تفرزه إبداعات الغربيين بتلقائيتهم ، بينما هذا البعض يريد أثبات شخصيته الأدبية فكداً وأسلوباً بتقليده قدرات الآخرين ، على العطاء مثلهم ، لكنه لا يدري أنه صار مثل الغراب الذي فقد مشيته بعد أن قلد الحمامة مرة والعصفور أخرى . وما كان إبداع ذلك البعض الرائد ، ألا تزييفاً لمعاناته ومعاناة مجتمعه ، بينما أدباؤنا المصروعون بهذه الصرعات قد خابوا ، أما عادل كامل ، فما هو إلا صرعة لا يطولها الذوبان أو الزوال ، لأنه يتجدد بفطرته وأصالته العراقية فأنا لا أغبطه وحده ، أنما أغبط نفسي على أن قرأت له وأعجبت بما قدم ويقدم من هذا النتاج الخصب الذي تلفعه الدهشة وانسيابية الانغلاق الذي حرمنا منه سنوات بانتظار الآتي الجميل الذي سيطول إتيانه بعدما تبرعمت الطحالب والأشتات السامة في أحواض النفوس المتدرنة المجبولة على الأنانية والأحقاد الدفينة تعويضاً فانفجرت لتنذر بالهلاك . لكن عادل كامل لا يختلف عن رائد الواقعية العظيم أميل زولا في كل ما كتب وما لم يكتب . وعادل كامل ، خليفته بدون توريث أو وراث ، فأن المستقبل له ولنا.
الزمان