الأربعاء، 7 مايو 2014

راحو الطيبين-بقلم د.عماد عبد الاخوة


في الماضي كان الاقتراب من هاتف المنزل
محظوراً وممنوعا إلا على الأولاد
وإذا رن الهاتف تتعالى أصواتهم بالآمر من بعيد لا احد يرد
فهذا الجهاز الساحر ارتبط بمفهوم الأخلاق والحياء
وكان اقتراب البنات
منه يمثل خروجهن في الشارع دون غطاء رأس
من حيث الجرم والعقوبة

***
في الماضي كان أقصى ما يمكن أن يشاهده الصغار
في التلفزيون أفتح ياسمسم
والكابتن ماجد و زينه ونحول
وأفضل البرامج في رمضان بابا فرحان
( وفوازير رمضان بعد العصر)
وبرنامج العلم للجميع وسينما في اسبوع
***
في الماضي كان الأب عملاقا كبيرا ؛.
نظرة من عينه تخرسنا
وضحكته تطلق أعيادا في البيت ...
وصوت خطواته القادمة
إلى الغرفة تكفي لأن نستيقظ
من عميق السبات ونصلي الفجر
***
في الماضي كانت المدرسة التي تبعد كيلومترات
قريبة لدرجة أننا نمشى إليها كل صباح
ونعود منها كل ظهيرة، لم نحتاج إلى باصات مكيفة
ولم نخش على أنفسنا
ونحن نتجول في الحواري ***
في الماضي لم تكن هناك جراثيم على عربات التسوق
ولم نعرفها في أرضيات البيوت
ولم نسمع عنها في إعلانات التيلفزيون
ولم نحتج لسائل معقم ندهن فيه يدينا كل ساعتين
لكننا لم نمرض.
***

في الماضي كانت للأم سلطة
وللمعلم سلطة
وللمسطرة الخشبية الطويلة سلطة
نبلع ريقنا أمامها
وهي وإن كانت تؤلمنا
لكنها جعلتنا نحفظ جزء عم
وجدول الضرب
وأصول القراءة وكتابة الخط العربي
ونحن لم نتعد التاسعة من العمر بعد
***
في الماضي كان ابن الجيران يطرقُ الباب ويقول :
( أمي تسلم عليكِم وتقول عندكم بصل .. طماطم .. بيض .. خبز )

أخوان في الجوار والجدار وحتى في اللقمة
في الماضي كانت الشوارع بعد العاشرة مساء*...*
تصبح فارغة
وكان النساء
يمكثن في بيوتهن ولا يخرجن أبداَ في المساء
وكان الرجال لا يعرفون مكانا
يفتح أبوابه ليلا سوى المستشفى
***
في الماضي كان النقاب غريبا
وكان الستر في الوجوه الطيب الباسمة
لا في السواد الذي لا يجلب سوى السواد
وكانت أبواب البيوت مشرعع للجيران
والترحيب يُسمعُ من أقصى مكان
وكنا نتبادل اطباق الطعام والان نتبادل الشكوك وسوء الظن !!
.̴.̴..̴.̴.̴.̴.̴­.̴.̴.
^ ,والان عرفتم من الطيبين الي راحوو ؟؟؟!!!
^ نعم انها الانفس التي تغيرت واعمتها الحضاره كما يقولون
حضاره البستنا ارقى انواع الملابس .. وعرتنا من القيم الانسانيه
.
.
وراحوا الطيبين
ما معنى كلمة او جملة ( راحوا الطيبين )

في الماضي كان الاقتراب من هاتف المنزل
محظوراً وممنوعا إلا على الأولاد
وإذا رن الهاتف تتعالى أصواتهم بالآمر من بعيد لا احد يرد
فهذا الجهاز الساحر ارتبط بمفهوم الأخلاق والحياء
وكان اقتراب البنات
منه يمثل خروجهن في الشارع دون غطاء رأس
من حيث الجرم والعقوبة

***
في الماضي كان أقصى ما يمكن أن يشاهده الصغار
في التلفزيون أفتح ياسمسم
والكابتن ماجد و زينه ونحول
وأفضل البرامج في رمضان بابا فرحان
( وفوازير رمضان بعد العصر)
وبرنامج العلم للجميع وسينما في اسبوع
***
في الماضي كان الأب عملاقا كبيرا ؛.
نظرة من عينه تخرسنا
وضحكته تطلق أعيادا في البيت ...
وصوت خطواته القادمة
إلى الغرفة تكفي لأن نستيقظ
من عميق السبات ونصلي الفجر
***
في الماضي كانت المدرسة التي تبعد كيلومترات
قريبة لدرجة أننا نمشى إليها كل صباح
ونعود منها كل ظهيرة، لم نحتاج إلى باصات مكيفة
ولم نخش على أنفسنا
ونحن نتجول في الحواري ***
في الماضي لم تكن هناك جراثيم على عربات التسوق
ولم نعرفها في أرضيات البيوت
ولم نسمع عنها في إعلانات التيلفزيون
ولم نحتج لسائل معقم ندهن فيه يدينا كل ساعتين
لكننا لم نمرض.
***

في الماضي كانت للأم سلطة
وللمعلم سلطة
وللمسطرة الخشبية الطويلة سلطة
نبلع ريقنا أمامها
وهي وإن كانت تؤلمنا
لكنها جعلتنا نحفظ جزء عم
وجدول الضرب
وأصول القراءة وكتابة الخط العربي
ونحن لم نتعد التاسعة من العمر بعد
***
في الماضي كان ابن الجيران يطرقُ الباب ويقول :
( أمي تسلم عليكِم وتقول عندكم بصل .. طماطم .. بيض .. خبز )

أخوان في الجوار والجدار وحتى في اللقمة
في الماضي كانت الشوارع بعد العاشرة مساء*...*
تصبح فارغة
وكان النساء
يمكثن في بيوتهن ولا يخرجن أبداَ في المساء
وكان الرجال لا يعرفون مكانا
يفتح أبوابه ليلا سوى المستشفى
***
في الماضي كان النقاب غريبا
وكان الستر في الوجوه الطيب الباسمة
لا في السواد الذي لا يجلب سوى السواد
وكانت أبواب البيوت مشرعع للجيران
والترحيب يُسمعُ من أقصى مكان
وكنا نتبادل اطباق الطعام والان نتبادل الشكوك وسوء الظن !!
.̴.̴..̴.̴.̴.̴.̴­.̴.̴.
^ ,والان عرفتم من الطيبين الي راحوو ؟؟؟!!!
^ نعم انها الانفس التي تغيرت واعمتها الحضاره كما يقولون
حضاره البستنا ارقى انواع الملابس .. وعرتنا من القيم الانسانيه
.
.
وراحوا الطيبين


الثلاثاء، 6 مايو 2014

قصص فصيرة جدا-عادل كامل-

قصص فصيرة جدا-عادل كامل
[11] ورود

   لم يصدم، ولم يخف، ولم يستغرب، وهو يشاهد أخيرا ً النبات الذي زرعه، منذ سنوات، تنتهي بورود ذات أشكال لفتت نظره، فاقترب منها، ثم ابتعد، واقترب أكثر فأكثر، وأعاد تأملها بلذّة شاردة:
ـ إنها تشبهني!
   وجلس متجمدا ً يعيد النظر فيها، وكرر:
ـ إنها تشبهني!
   ومكث يعيد التحديق فيها حتى غاب عن الوعي، إنما، بعد ان آفاق، سمع الورود تهمس بعطر لامس محياه برذاذ ندي:
ـ بل نحن هو من يشبهك يا صديقنا!

[12] ديمقراطية
     وقف المخبر بصحبة رجل ألقى القبض عليه، أمام الضابط، قائلا ً:
ـ أمسكت به وهو يتحدث مع نفسه بصوت مرتفع.
ـ ماذا كان يقول...؟
ـ كان يقول: إذا كانت هذه هي الديمقراطية ...، فما هو الاستبداد إذا ً ...؟
رفع الضابط رأسه وسأل الرجل:
ـ ماذا تقول..؟
ـ خمسون عاما ً أمضيتها وراء الجدران لأنني كنت أطالب ان لا افقد صوتي، فوضعوني في السجن، وفي السجن علموني ان لا ارفع صوتي، وان لا أتحدث إلا معها! وها هو يوشي بي باتهام باطل! فانا كنت أتحدث مع الله!
ـ إذا ً أنت  طليق منذ هذا اليوم،  وأنت تتمتع بالحرية أيضا ً، فإن لم تعترف بهذا الانجاز، فإننا سنعيدك لتمضي ما تبقى من عمرك وراء الجدران! ولا تتحدث حتى مع نفسك!
[13] مع من
   بعد ان ترك بصره يمتد إلى بعيد ، مع الأفق، لم ير شيئا ً.
ـ لا أحد!
فسأل نفسه:
ـ هل أنت وحيد حقا ً..؟
ـ لا! إنما أنا لا اعرف مع من..؟
[14] لا!
ـ أتعرف من هو أنا ؟
   رفع العجوز بصره وتطلع في العتمة، فلم ير سوى ما لا يحصى من الومضات، والذرات تشتبك، وتتداخل، وتتصادم، تاركة أصداء، وتمويهات، وأشكال لا مقدمات ولا نهايات لها.
ـ لا ....! فقد تكون هو أنت الذي أمر بتركي على قيد الحياة، أو هو أنت الذي جئت تسلب الحياة مني!
ـ لا...! هل تعتقد أنني كنت العب النرد معك؟
ـ لا ...! وأنا لم أكن أفكر باللعب أيضا ً! ربما كنت أتخبط، وها أنت تراني لا امتلك إلا ان أتجلد....، بانتظار خاتمتي، وكي أقدم شكري للفاعل!
    عندما غاب الصوت، قال العجوز مع نفسه، ربما يكون قد وجد سكنه في ّ، أو ربما أكون أنا من وجد سكنه فيه. هكذا يكون المفتاح يدور وأنت لا تعرف في أي قفل، مثلما تجهل اهو يدعوك للدخول، أم قد تركك لا ترى ممرات المغادرة..؟ إنما حقا ً أنا اجهل اذا ما كنت ابحث عنه، أم تركني لا استدل عليه، وقد وجد سكنه في ّ؟!
[14] العرافات
ـ سيدي، قالت العرافة، أن امرأة ما ستلد، خلال هذا العام، غلاما ً سيطيح بسلطتك!
فكر الزعيم برهة، وقال:
ـ كأنك تطلب مني ان اقضي على نصف سكان الأرض!
ـ لو لم تتخذ قرارا ً ....، فسيتم القضاء علينا، وعليك.
   ابتسم الزعيم، وأجاب هامسا ً:
ـ جئني بالعرافات!
ـ وماذا ستفعل بهّن؟
ـ سأخبرهن ان يتنبأن بنبوءة عليهن نشرها ...، فهذا هو البديل الوحيد بدل مراقبة وانتظار وسفك دم كل من سيولد  ليفكر بانتزاع السلطة منا! نبوءة تقول: ان العجول المخصية وحدها ستنجب بقرات عاقرات!
[15] انقراض
     قال البرفسيور في خاتمة محاضرته:
ـ بإيجاز: كانت مهمة الإنسان الأولى الهرب من الضواري، وكانت مهمته الثانية  ملاحقتها وهي تهرب منه.
توقف برهة وأضاف:
ـ وكانت المهمة الثالثة للإنسان هي الحفاظ على الضواري من الإبادة.
    وصمت، وامتد صمته، فسأله احد المستمعين:
ـ وما كانت مهمته الثالثة، أيها البرفسيور؟
ـ اعتقد إنها الأكثر خطورة....، من يحافظ علينا من الانقراض؟
[16] إلى أفلاطون!
ـ ما جدوى حياتنا داخل هذا الكهف ...؟
   كان هذا هو السؤال الذي شغلنا في مطلع حياتنا، ثم استبدلناه، وأجرينا تعديلا ً عليه، فقلنا:
ـ هل باستطاعتنا مغادرة الكهف ...؟
ثم وجدنا أنفسنا نتساءل:
ـ هل ثمة ضرورة لمغادرته...؟
   وفي نهاية المطاف، وجدنا أنفسنا لا نتذكر إذا ما كان للكهف وجود، بل لا احد منا استطاع ان يثبت إذا ما كان لنا أي وجود!

[17] علامات
ـ سيدي، لقد أسقطنا النظام الجائر، وخلعنا الدكتاتور..
فقال الزعيم يخاطب مساعده:
ـ تعرف ان المهمة لا تكمن في الاستيلاء على السلطة، بل في الحفاظ عليها.
ـ أجل، أجل، هذا ما كنا نردده... وأضاف:
ـ ولكن مهمتنا، سيدي، لا تكمن في الحفاظ على السلطة، بل كيف نمنحها شرعيتها..؟
قال الزعيم غاضبا ً:
ـ وهل هناك سلطة ما تمتلك مثل هذه الشرعية، أيها الثائر!
فقال للزعيم:
ـ كنت اقصد إننا بحاجة إلى إقامة: احتفالات، وأناشيد، وقصائد، وإعلانات، وندوات، ومحاضرات، ومباهج، ومسرات، وفضائيات، ومواقع للتواصل الاجتماعي، ومهرجانات، ووووووو   ...ووو، تضفي الشرعية علينا!
هز الزعيم رأسه:
ـ فكر معي، منذ الآن، من هي القوة التي بدأت، في الخفاء، وفي الظلمات، تخطط للإطاحة بنا! لأن كل ما ذكرته، ليس بحاجة إلا إلى استبدال العلامات!

18/4/2014

الشعب لا يريد التغيير-كاظم فنجان الحمامي

الشعب لا يريد التغيير

كاظم فنجان الحمامي

أثبتت صناديق الاقتراع أننا مأسورون إلى ثقافات ماضوية منغلقة أشد ما يكون الانغلاق, وأننا نرفض التغيير جملة وتفصيلاً, وأن أزمتنا الموروثة كامنة في وعينا الثابت المنغلق, وأن نظامنا العقلي يتقاطع تماماً مع التوجهات الديمقراطية, فظهر لنا وكأننا نتعاطى الجرعات السلطوية ونتآلف معها, وربما نتسامح معها إلى أقصى حدود التعايش, ولا نرضى عنها بديلاً.
فعلى الرغم من نداءات المؤسسات الدينية, وتوجهاتها الصريحة نحو التغيير, وعلى الرغم من اشتراك الكيانات السياسية نفسها في التلويح بشعارات التغيير, إلا أن واقع مجتمعنا المنغلق يؤكد أنه لا يزال عشائري المنزع, طائفي الهوى, طغياني الرؤية, فمن العبث دغدغة مشاعر هذه الجماهير الحائرة, بوصفها أنها تعيش زمن الاستحقاق الديمقراطي, أو بذريعة أنها خاضت سلسلة من الجولات الانتخابية.
هذا هو واقعنا الجماهيري الذي ينبغي الاعتراف به, حتى لا نقع في مطبات الانتكاسات المتكررة, ولا يجوز لنا أن نمنح الوعي الجماهيري شهادات الجدارة, التي لا يستحقها في الممارسات الديمقراطية, لمجرد أننا خضنا سلسلة من الجولات الانتخابية المتعثرة.
كنا نأمل أن ننجح في تحريك أبسط أدوات التغيير والتفعيل, وكنا نقول: أن أول خطوات التغيير تستلزم الاستغناء عن العناصر القديمة, وتستوجب إصلاح مكونات قواعد التنظيمات الحزبية الساعية للتغيير, ومن ثم تحولها نحو استبدال المشاريع والخطط السياسية, بما يضمن تجاوز كبوات التجارب القديمة, التي لم تحرز أي نجاح في المراحل الماضية, ولم يكن لها أي دور يُذكر في تحسين أحوالنا وترميم أوضاعنا, ولم ترتق بمستوانا نحو الأفضل.
وكنا نأمل أن تتفاعل أدوات التغيير في تحقيق الإصلاح الذاتي من الداخل باستبعاد البيادق الضعيفة ؟, واستبدال الوجوه القابعة منذ سنوات في متاحف الجمود والركود. لكننا فقدنا الأمل قبل ظهور النتائج عندما علمنا بأن معظم الأسماء المدرجة على قوائم الترشيح ما هي إلا استنساخ مكرر للأقنعة المُستهلكة, وأن معظمها ستظهر من جديد على مسرح الأحداث وهي ترتدي الجلباب نفسه, وتحمل الفكر نفسه, وتسير على المسار نفسه, فمن أين يأتي التغيير في ظل القوالب المتناظرة, التي ورثناها من المحاولات السياسية المتعثرة ؟, وما قيمة التغيير إذا كنا ندور في حلقة مغلقة ؟.
نحن شعب يقف دائما خلف القائد الضرورة. شعب تحركنا العشوائية. تتحكم بنا العواطف الطائفية والقبلية والمناطقية والمهنية. شعب لا يحترم قواعد الحوار, ولا نحسن قواعد الاختيار, فكيف نحترم قواعد التغيير الديمقراطي نحو الأفضل ؟. كنا نأمل أن ترسم لنا صناديق الاقتراع صورة مشرقة لمستقبلنا المجهول باعتبارها الخطوة الصحيحة للبدء بالتغيير الجذري, وأن لا نكتفي بترديد الشعارات الببغاوية, ثم نقول لأنفسنا: أننا نجحنا في تجربتنا الديمقراطية. لكننا اكتشفنا أن الكيانات التي صنعت الكبوات وارتكبت الهفوات وتخصصت في التراجعات مازالت موجودة بيننا, ومازالت تعزف على الوتر النشاز, وتريد تطبيق تجاربها الفاشلة, وربما تسعى لعرض أفلام الكوابيس القديمة المرعبة على الشاشة العراقية المصبوغة بلون الجزع.
ختاما نقول: ربما نستطيع التكهن بسلوك تجمعاتنا العشائرية, بيد أن ما لا نستطيع فهمه, ولم نكن نتوقعه أن العاطلين والبائسين والمحرومين والساكنين في بيوت التنك, وربات البيوت الطيبات, والباحثين في مكبات القمامة يرفضون التغيير !!!؟؟.

الأحد، 4 مايو 2014

قصص قصيرة جدا عادل كامل..!-

قصص قصيرة جدا
عادل كامل..!

[6] هتافات وأناشيد
   عندما أفقت، بعد قرون من السبات، رأيت القطيع ذاته، يهتف، يرقص، يغني، ينشد، ولكن لراعينا الجديد. لم أجد ممرا ً، أو فجوة، أو فراغا ً يسمح لي بالفرار، والهرب، فالساحة اكتظت بالنعاج، والحملان، والخراف، والماعز، والجاموس، والإبل، والعجول، وكأنها خلية نحل، أو مملكة نمل كالتي كادت بساطيل جند سليمان ان تسحقها، وثمة موجات أخرى من هذه المخلوقات مازالت تتدفق من الفروع، والشعب، والأزقة، للاشتراك بإحياء مباهج هذا الاحتفال الكبير.
    ولم أجد فرصة، أو اختيارا ً، أو حلا ً، إلا ان احشر نفسي مع القطيع، وأؤدي ما كانوا يؤدوه، ، لكن الآخر ـ القابع داخل رأسي ـ سألني:
ـ لماذا ترقص..؟
ـ راعينا وفر لنا العشب..!
ـ ولماذا تغني ..؟
ـ راعينا سمح لنا بتنفس الهواء..!
ـ ولماذا تنشد...؟
ـ راعينا لم يمنع عنا الماء...!
ـ ولماذا تتمايل طربا ً..؟
ـ راعينا وسمنا بالعلامات ..!
ـ ولماذا تبدو وكأن النشوة بلغت ذروتها ..؟
ـ راعينا لم يمنعنا من العودة إلى بيوتنا..!
ـ ولماذا تهتف بصوت عال ٍ ..؟
ـ راعينا لم يغلق أفواهنا...، فماذا نفعل بالفم، وأنت ترانا لا نتذمر من شيء...؟
   وخزني هذا القابع داخل رأسي وقال من غير سخرية:
ـ وكأن الراعي وهبكم الزمن الجميل، والمراعي السعيدة ..؟
فقلت له:
ـ لا تتكلم عن بعد، وأنت في كوكب آخر، تعال بجواري، وقل كلمتك. ثم ان الراعي أمر بتأجيل إرسالنا إلى المسلخ!
[7] في الطريق
    عندما غادرت بيتي، بحثا ً عن أمر ما طالما شغلني، استوقفتني امرأة جميلة، بل بالغة الفتنة، والإغراء، هيفاء، ممتلئة من غير زيادة، سمراء من غير سواد، تركت خصال شعرها تداعبها الريح، وأصابعها بدت كأنامل راقصة باليه، فمها حبة عنب، وانفها زيتونة، وسألتني بصوت رقيق، أبنوسي، معطر برذاذ الفجر:
ـ هل تعلم، يا سيدي، أنني أمضيت سنوات طويلة وأنا ابحث عنك؟
   باستغراب تساءلت، وأنا خائف ان ارفع رأسي وانظر في عينيها الترابيتين:
ـ تبحثين عني، عني أنا ..؟
ـ أجل عنك، أنت، وليس عن آخر سواك، سيدي!
ـ وها أنا بين يديك...، ولكن ما هي حاجتك إلى شبح؟
قالت بصوت مشفر بأكثر الغوايات إغراء ً:
ـ تعال معي!
   فدار بخلدي، من غير تفكير، سؤال أربكني، ربما تكون قد عثرت على ضحية! ولكن ماذا لو استخدمتني لأغراض أخرى..؟
قالت:
ـ اجلس، لا ترتبك، اخبرني بماذا تحلم...؟
فقلت بطلاقة، ولكن بخجل:
ـ منذ زمان بعيد لم اعد احلم، ولست بحاجة لمن يعيد لي أحلامي، أو يسمح لي بأحلام احلم بها!
   اقتربت مني كثيرا ً، حتى لامس محياها وجهي، وقالت:
ـ اطلب منك ان تقتلني!
  مرت ببالي قصة الصبي وماذا قال للطبيب، في إحدى قصص كافكا، اقتلني، لكن هذا لا علاقة له بالقصة، ورحت انتظر، وأنا لم اعد حتى شبحا ً.
   لم تفتح فمها. آنذاك ابتسمت، من غير إرادة، ونهضت:
ـ هل يقدر هذا الشبح ان يرتكب هذا الفعل...؟
قالت بثقة:
ـ اخبروني انك حاذق في القتل، وفي الدفن!
    لم اصدم، فانا لم اعد شيئا ً، ولكنني أخبرتها كيف أنني أعدت روحي لباريها، وجسدي إلى الأرض، وأنفاسي للريح، فانا ما طلبت شيئا ً من هذه الأشياء كي تستلب مني، فأعدتها وقنعت بوجودي هذا وقد غاب الآن تماما ً!
  فهمست بأسى عميق:
ـ أنا اطلب منك ان تمنحني واحدة منها، فانا بلا جسد وبلا روح وبلا أنفاس!
   فقلت متضرعا ً:
ـ حتى الشبح الذي كنت ِتبحثين عنه، توارى، تبخر، والآن، أنا مثلك، سيدتي، سأشترك معك بالبحث عن هذا الذي غاب!

[8] تحقيق

     إبان الفوضى التي ضربت البلاد، وزعزعت أركانها، وكادت تمحوها من الوجود، أصدرت الجهات الجديدة أمرا ً بإلقاء القبض على كل من شارك، وروج، واسهم فيها. وبعد ان القينا القبض على احد ابرز الزعماء، وكي أحقق معه، وجدت انه بلا فم! لقد أخفاه في مكان ما من جسده، وموه بطريقة يصعب تفكيك مغاليقها، حتى بدأنا نصدق انه ولد من غير فم. على انه كان زعيما ً طالما حرض الملايين على الانتفاضات، والتمرد، والعصيان، وقاد حملات الامتناع عن تناول الطعام، والصمت، والإضراب عن العمل.
   عمليا ً ليس لدينا حتى وثيقة واحدة تثبت انه كان قد تفوه بكلمة تستوجب محاكمته، ومعاقبته، لا قبل الأحداث التي كادت تطيح بدولتنا، ولا إبان الحرب الأهلية الأخيرة، بل أكدت غالبية نتائج البحث والتحليل الخاصة بالمعلومات انه لم يكن يستخدم فمه في إصدار الأوامر، كما لم يستخدم أصابعه في ترك أي اثر دال على هويته.
   فكان علي ّـ بصفتي المشرف على فريق الاستجواب ـ فك هذه المشفرات. ولأنني كنت استثمر النظريات الأكثر تقدما ً، في القراءة، وإعادة قراءة القراءات، والنبش في الممحوات، وملغزات ما تخلفه الأصوات من أصداء مشوشة، فلم افقد الأمل في العثور على نتيجة تخرجنا من المأزق.
   فأين خبأ فمه...؟
     لكن الرجل، في نهاية المطاف، استدعاني، كي يخبرني، بأنه في عصر الإمبراطور الأكبر، كان يمتلك فما ً واحدا ً، ككل أبناء الأمة، ولكنه أغلق فمه، أمام حشد من الخبراء، والشهود، والعلماء، والجواسيس، والمخبرين السريين، واستغنى عنه إلى الأبد!
ـ والآن ...؟
   لم ينطق، ولم يترك أثرا ً للمعلومات التي أدلى بها. فقد أكد انه عندما أصبحت الرقابة بالغة التمويه، والدقة، في التقصي، بعملها عبر التقدم ما بعد التقني، وما بعد سذاجة جمع المعلومات، والرصد، والمراقبة القديمة، البالية، وعبر ملايين الإشارات، والمخفيات، بتنوعها، فانه من المستحيل ان تكون ثمة أهمية تذكر لمصادرها!
   ربما أكون الوحيد الذي خرج بخلاصة مفادها انه من الصعب للغاية التوصل إلى مصدر، أو محرك، محدد، للفاعل، مما يسمح لنا ـ واقصد لي ـ  بالتقدم في عملنا بإجراء قرارات رادعة، أو مثمرة، خاصة بنشاطنا.
   آنذاك تم إطلاق سراحه، كي نمارس ـ نحن ـ تحرياتنا، بحرية اكبر، بعد ان لم يعد للفم، ولا للكلمات، الدور الذي يقود إلى إسقاط الدول، والإمبراطوريات!
[9] ذروة
    قال لنا: صفقوا ...، ارقصوا ...، ابتهجوا!
   كان الرجل قد دعا، عددا ً من الغرباء الذين غزو بلادنا، إلى داره، وأقام حفلة باذخة فيه، فقد تناوب الغرباء التمتع بحريم أهل البيت: جدته، أمه، زوجته، بناته، وحفيداته أيضا ً!
ـ لا!
نافيا ً تهمة التمتع ـ مستبدلا ً كلمة الاغتصاب بها ـ وشرح بسلاسة:
ـ فهؤلاء حررونا...، فمن كان باستطاعته ان ينقذنا من الظلمات، والضلالات، والظلم، سواهم!
وأضاف بشفافية:
ـ ولنا شرف ان ندعهم يمرحون...، يتمتعون....، ويفرحون...، ويبتهجون.
  همس زميل لي في آذني:
ـ ها هم يستبدلونهن الحريم بالرجال!
   سمعنا صاحب البيت، فاقترب منا، وخاطبنا بصوت مرتجف:
ـ دعونا من عقدكم، ومن أورامكم، أيها المرضى!
 رفع زميلي رأسه قليلا ً وسأله:
ـ اخبرنا أيها البرفسيور ماذا كنت تعمل في زمن الإمبراطور الجائر...؟  الم ْ تكن مشرفا ً على احتفالاته، ومباهجه، وأعراسه، وكنت تدعونا إليها..؟
ـ الأصدقاء الحلفاء يعرفون...!
ـ الغرباء يعرفون أنهم حررونا!
ـ اجل يعرفون ان هناك من صعد إلى السماء، وهناك من دفن في الأرض، وان هناك من ينتظر ....
   اقترب منا وسألنا همسا ً:
ـ ولكن من دعاكم إلى هذا الاحتفال؟!
ـ مثلما كنت تدعونا إلى الاحتفالات القديمة، وكنت تعرف لماذا لم نكن نعترض....، هل ترانا نستطيع ان نمتنع عن تلبية دعوتكم الكريمة!
ـ وهل انتم ملائكة، أبرياء..؟
قال زميلي بصوت خفيض:
ـ بل كنا نحن سلمك الذي قادك إلى هذه الذروة!

[10]  انفجار
  عقب انفجار السيارة المفخخة، بلحظات، ساد الصمت.
ـ لا تهرب، اسمع، يا أنت...، ها هي أصابعك متناثرة بجواري.
  لم يلتفت له، فقد توارى.
   آنذاك بحث المتكلم عن ساقيه، كي يلوذ بالفرار، لم يجدهما، إنما شاهد كرة تتدحرج وتقترب منه، وقد استقرت بين يديه: رأس يعود لشاب كان قد أوصاه بشراء الخبز. فخاطب نفسه:
ـ اخبروني ....، من انتصر...، أنت بلا أصابع، والآخر بلا رأس، وأنا بلا ساقين..و ..و ...و ...
   قبل ان يكمل جملته، وجد جسده يتناثر في الهواء، إنما كان صدى كلماته يرّن في آذان آخر لم يفقد حياته بعد.