قصص قصيرة جدا ً
عادل كامل
قال ألشبلي:
[ " الهي احبك الخلق لنعمائك
وأنا احبك لبلائك!"
وقال الحلاج:
" ألقاه في اليّم مكتوفا ً وقال له
: إياك! إياك! أن تبتلّ بالماء!"
وقال الحلاج أيضا ً: " لو القي مما في قلبي على جبال الأرض لذابت! واني لو كنت يوم القيامة في النار لأحرقت النار! ولو دخلت الجنة لا نهدم بنيانها!"
وقال ألنفري: " إذا جئت فهات الكل معك"
[1] البلاد السعيدة
جرى تطبيق التوجيهات من غير اعتراض، فكان على رجال مدينتنا ارتداء الملابس ذاتها التي يرتديها فخامة الزعيم، كما جرى الأمر على النساء بارتداء الملابس ذاتها التي ترتديها قرينته. لم تكن ملونة، ولا مزخرفة، ولكنها اختزلت اعقد الأشكال إلى خطوط غير رمزية وخالية من احتمالات التأويل: رمادية تنتهي بحافات سوداء. ولم يمض وقت طويل إلا وصدرت قرارات تقضي بتوحيد قص شعر النسوة أسوة بالموديل الذي اختارته سيدة البلاد، مثلما جرى الأمر ذاته للرجال: إبقاء دائرة من الشعر في أعلى الرأس، شبيهة بمذنب. كما جرت تطبيقات أخرى خاصة بالطعام، والرياضة، والتسليات.
إلا ان إشاعة سرت لم تحض بالتأييد التام، ففي آخر استبيان ظهر ان هناك واحدا ً بالألف يعارض القرار الخاص بوزن الرجال، وطول القامة، وعرضها، وعدم تجاوزها، بأي شكل من الأشكال، صفات فخامة الزعيم ومواصفاته، والأمر سرى على النساء. لكن ثمة قرارات أخرى لم تنشر، ولم تعلن، بدأت تأخذ تطبيقاتها، كحجم الأنف، والفم، وعدد الأسنان، وفتحات العيون، وطول العضو الذكري للرجال، والعضو الأنثوي للنساء، ودائرية الآذان، وعدد الأصابع، ونحافتها، وحجم الأقدام، والحرص على أناقتها، من غير تذمر، أو اعتراض، بل على العكس، نشرت الصحافة، والمواقع الالكترونية، وشبكات التواصل الاجتماعي، تأييدها لمحو الفوارق، إن كانت أثنية، أو طائفية، أو مناطقية، أو جنسانية، أو ثقافية، والعمل على بناء عصر الشفافية، بعيدا ً عن العنف، والأحادية. كما تم تطبيق اقتراحات أدلى بها فخامته حول مفهومه للأحلام، على ألا تختلف عن أحلامه، خاطفة، عذبة، وعلى ألا تكون قابلة للتأويلات، أو مشفرة، بل تزول قبل الاستيقاظ من النوم، والأمر جرى بشفافية حول ساعات العمل، والسفر، والتخلي عن أي شكل من أشكال التملك، والملكية، وكل ما يفضي إلى التراكم، والكراهية، فعلى الجميع التحرر، حتى من الحرية، عندما تتطلب استعادة شعرات عفى عليها الزمن، كالدم بالدم، أو نموت ويعيش القائد، كي يتم تطبيقها بسلاسة، وشفافية، وحكمة.
على ان وثيقة سرية تم العثور عليها، مؤخرا ً، أشارت إلى تعرض بلادنا إلى وباء مجهول، لم يترك معلما ً من معالمها، إلا محض نقاط رمادية اكتشفها جهاز يستدرج المخفيات ويظهرها مثلما كانت هي عليه، جهاز لديه قدرات ما فوق تقنية تسمح له بتتبع القوى السالبة، واللا مرئيات، وتتبع الممحوات، وأظهرها مجددا ً، لتؤكد معلوماته، ان التماثيل التي شيدت، للزعيم وقرينته، التي كانت قد تحولت إلى نماذج لكافة المواطنين، مازالت تواصل إصدار أوامرها، وان بلادا ً بعيدة، خارج مجال الكوكب الأزرق، قد استعانت بها، وأعادت تشييدها، قدوة لتحقيق أعلى درجات السعادة، والعيش بسلام، ومسرة، ووئام.
[2] ابتداء
ـ أراك تعبت ولم تود، بل ولم تعد تفكر حتى بالعمل؟
ـ بالعكس، ان قوتي بلغت ذروتها!
ـ الصفر؟
ـ قل العدد اكتمل..!
ـ إذا ً عليك ان تبدأ الحساب من جديد..!
ـ هنا، يكون العدد قد بلغ ذروته، كما قلت لك، فانا لا امتلك إلا الصفر! وهذا ما يسمح لك ان تذهب ابعد مني.
[3] من جديد
حدق في فضاء الغرفة، لا احد، عدا الصوت الذي مكث يلاحقه، في الحلم:
ـ ماذا تريد مني؟
ـ أردت ان تكون صادقا ً مع نفسك.
ـ الم ْ اطلب منك ان تختبرني؟
ـ ها أنت تخطوا خطوة أخرى في المتاهة.
ـ ماذا افعل إذا ً؟
ـ قلت لي انك أصبحت وحيدا ً في هذا الكون، ولكنك تعرف، انه لا يوجد احد من غير احد، ولا يوجد موجود من غير موجود آخر....، وهذا يعني انك لم تكن وحيدا ً أبدا ..؟
ـ انك تطلب مني المستحيل.
ـ بل طلبت منك الصدق.
ـ عدنا إلى ...، المحنة، فهل الجزء بجوار الجزء هو الكل الذي اجهل اهو انفصل عني أم أنا هو الذي انفصل عنه...، اهو الذي طلبني أم أنا هو الذي لا يريد شيئا ً منه...، أهو الذي أضاعني كي ابحث عنه أم هو أضاعني كي يبحث عني...، وأخيرا ً قل لي هل هناك جزء بلا جزء، كي تتركني وأنا أراك أما تتقدمني فاضطر للمشي خلفك، وأما ان ابتعد عنك كي تتبع خطاي..؟
ـ حقا إنها محنة بلغت ذروتها، وما عليك إلا ان تبدأ من جديد!
[4] عواء
ـ قلت لك لا تفتح فمك.
ـ وأنا قلت لك أنا ولدت بفم مغلق.
ـ قلت لك لا تنظر.
ـ ألا ترى أني أعمى.
ـ قلت لك لا ترقص.
ـ ألا ترى أنني ازحف منذ ولدت.
ـ الم اقل لك لا تتضرع..؟
ـ أنا اعووووووي، سيدي، وها أنا سأدفن نفسي في اقرب حفرة كي تستريح!
ـ لم اطلب منك ان تتركني.
ـ هل تركتني، سيدي، كي أتخلص من نفسي؟
[5] مكرمة
ـ يا لها من محنة، من تبحث عنه لا تجده، ومن تركته تجده يتكوّم عليك، فماذا تفعل..؟
أجابني احدهم:
ـ اتبعني!
فقلت:
ـ أتمزح، الديك إجابة..؟
ـ لا...، لكن الزعيم طلبك!
خفت قليلا ً، ثم نطقت:
ـ ليس لدي ّ طلب عنده، كي يلبيه لي.
أجاب:
ـ سيكرمك برأس جديد!
لا مجال للهرب، أو الفرار، أو الاختباء، فسألته:
ـ ولكن ما أسباب هذه المكرمة، ولم يمض على وجود رأسي إلا بضعة أعوام..؟
عندما رجعت إلى البيت، دفنت الرأس الجديد، ووضعته إلى جانب الرؤوس السابقة، ورحت ابحث عن كلاب تفترس ما تبقى من جسدي..!