الأحد، 6 أبريل 2014

قصة قصيرة-لن أكون الرقم (9)- د.بلقيس الدوسكي




قصة قصيرة



لن أكون الرقم (9)





د.بلقيس الدوسكي
    جميع الرسائل التي وصلتني منه كانت محض ثرثرة دوّنت فوق الورق. ولم يتسرب منها سطر واحد إلى قلبي. كانت عبارات معدة سلفا ً تخلو من الترابط. بل كأنها هذيان إنسان محموم. ولكن السؤال ليس ها، بل ما علاقة هذه المرأة التي كانت تقوم بنقل الرسائل إلي ّ؟ هل هي أخته أم احد أقاربه..؟ على ان اسألها في المرة القادمة، كي انتهي من هذه الشكوك.
***
ـ لا اعرف يا عزيزتي لماذا لا تجيبي على رسائله؟
ـ لم اقرأ بعد.
ـ أكثر من عشر رسائل ولم تقرأي واحدة منها..؟ 
ـ سأقرأ ها عندما تسنح لي الفرصة، ولكن لدي ّ سؤال أود ان اعرف الرد عليه..
ـ تفضلي.
ـ ما هي علاقتك بهذا الرجل؟
ـ أنا إحدى صديقاته!
ـ واحدة منهن؟
ـ يبدو انه كثير الصديقات...؟ فهل أنت المسؤولة عن إيصال الرسائل إليهن..؟
ـ انه لا يثق بغيري!
ـ وما هو عملك تحديدا ً..؟
ـ لا عمل لدي ّ...، فانا تعرفت عليه عندما رقصت في إحدى حفلات أقاربي وكان هو من المدعوين، فأعجب بي، ثم توطدت علاقتي به.
ـ ولماذا لم يتزوجك..؟
ـ لقد جعلني محض صديقة.
ـ صديقة أم عشيقة...؟
ـ اترك الجواب لك ِ.
***
   مسكينة هذه المرأة، رقصتها البريئة أودت بها إلى هذا المصير، واعتقد إنها أصبحت عشيقة له، وجعل منها وسيلة لاصطياد الأخريات، وخاصة المراهقات منهن، ولكن أين راني وكيف عرف عنواني؟ ولماذا كل هذه الرسائل؟  هل يريد ان يضمني إلى عشيقاته؟ فالرجل لا يعرف انه يفكر في المستحيل، مما دفعني كي أقابله واعرف المزيد عنه.
***
ـ كنت أتوقع مجيئك في هذا اليوم.
ـ اعتذر عن سبب انقطاعي، واليك هذه الرسالة.
ـ أين هو...، وماذا يعمل؟
ـ انه صاحب معمل لخياطة الفساتين، ولديه امرأة مثقفة تشرف على تصميم الأزياء الحديثة.
ـ وهل هو متزوج؟
ـ من يملك هذا العدد من العشيقات كيف يتزوج...؟
ـ كلام جريء وصريح. شكرا ً يا عشيقته الحلوة!
ـ هذا هو قدري!
ـ حسنا ً، أريد ان أقابله، فماذا تقولين..؟
ـ تعالي معي، سيفرح كثيرا ً بهذا اللقاء.
ـ إذا ً، دعيني أهيأ نفسي.  
***
ـ أهلا أهلا ً، نورتي المكان، ما أسعدني بهذه الزيارة.
ـ شكرا ً.
ـ المعمل كله في خدمتك وتحت تصرفك.
ـ شكرا ً لهذا الكرم الجميل!
***
   يا لها من امرأة رائعة الجمال، ولكن كيف اقتنصها...؟ ربما سيطردنا جميعا ً ويحتفظ بها كأجمل عشيقة له في الدنيا. إنها تحفة ثمينة، نادرة، ولا نستطيع ان ننافسها من حيث الرشاقة والأناقة والجمال.
***
ـ بصراحة ...، منذ اليوم الذي رأيتك فيه والى الآن أنا لا أفكر إلا بك ِ!
ـ أين رأيتني..؟
ـ في محل احد أصدقائي الصاغة.
ـ وكيف عرفت عنواني...؟
ـ كنت أقود سيارتي خلف سيارتك، وعرفت العنوان.
ـ ولماذا تفكر في ّ..؟
ـ من باب الإعجاب.
ـ لكن رسائلك تنفي هذا تماما ً..
ـ إذا ...، ليكن الإعجاب حبا ً عنيفا ً.
ـ بصفتي صديقة أم بصفتي عشيقة..؟
ـ اترك لك ِالاختيار، رغم أنني أفضل العشق.
ـ لكن لديك عشيقات كثيرات..؟
ـ سأطردهن جميعا ً من أجلك.
ـ أرى إنهن ينظرن إلي ّ بإعجاب واستغراب.
ـ لأنك تحفة نادرة وآية من آيات الجمال، الأمر الذي يجعلهن ينظرن إليك بدافع الغيرة والحسد.
ـ مسكينات، لكل واحدة منهن ظروفها.
ـ كنت أتمنى ان تردي على رسائلي.
ـ بل جئت إليك برسائلك كلها!


***
أما أنا فلن أكون العشيقة رقم (9). فانا امرأة واعية ومتحررة من الطيش، والابتذال.  

الجمعة، 4 أبريل 2014

غالب المسعودي - الحاجة بربع

في الذكرى الكونية لرحيل جدنا الأكبر حمورابي-كاظم فنجان الحمامي

 Today at 9:43 AM
في الذكرى الكونية لرحيل جدنا الأكبر حمورابي



كاظم فنجان الحمامي

كلما راجعنا النصوص القانونية المنسية لمسلة جدنا الأكبر (حمورابي) نصاب بالذهول والدهشة, وبخاصة في هذه المرحلة التاريخية القلقة, التي نحس فيها بالحاجة إلى الاحتكام إلى العقل والمنطق, والتسلح بهما لتجاوز العقبات الكثيرة, التي تمخضت عن خلافاتنا الداخلية المتجددة, والتي ينبغي أن نبحث لها عن الحلول الناجعة في ظل الدساتير والقواعد والسنن والشرائع السماوية السمحاء.
بيد أن أصحاب العقول المتحجرة, والعاهات الدماغية المستديمة, والنفوس المريضة, عادوا في سلوكهم المنحرف إلى الوراء, فنبذ فريق منهم كتاب الله وراء ظهورهم, حتى استقرت بوصلتهم على شرائع الغاب, بما عُرف عنها من جشع ولؤم وشراهة وأنانية ورعونة ووحشية, فالغاية عندهم تبرر الوسيلة, والسمكة الكبيرة تأكل السمكة الصغيرة, والبقاء للأقوى والأشرس والأعنف والأكثر فتكا وقسوة.
لقد أصبح العمل السياسي يجري على قدم وساق بقاعدة (انصر أخاك ظالما أو مظلوما), وربما سنكون بأفضل الأحوال لو عدنا إلى تطبيقات الأعراف والشرائع القديمة, التي ورثناها عن أجدادنا البابليين والسومريين والأكديين والكلدانيين والآشوريين, الذين أناروا الطريق للناس منذ انبثاق فجر السلالات البشرية في ربوع الميزوبوتاميا, فلو أخذنا شريعة جدنا الأكبر (حمورابي), التي ظهرت إلى الوجود في أواخر الألف الثاني قبل الميلاد, لوجدنا أنها تضمنت أحكاما عادلة ومنصفة, واستحقت أن تكون انصع المحطات الإنسانية المعنية بحقوق البشر عبر العصور القديمة وحتى يومنا هذا, وهي التي وضعت الأسس الأولى لمبادئ الحرية والمساواة بين أبناء الشعب من دون استثناء, وأنزلت اشد العقوبات بمن سرق قوت غيره ولم يعترف بسرقته, أو أكل طعام غيره ولم يعترف بذلك, أو استخدم القوة المفرطة, واغتصبت يده ما ليس له, أو نظر نظرة رضا إلى مواطن الشر والظلم, أو بدل الوزن الكبير بالوزن الصغير, وتخطى حدود الأعراف والنظم, ونقض العهود والمواثيق.
تقول إحدى المواد التشريعية في مسلة (حمورابي): ((إذا حكم قاض في قضية, وأصدر حكمه, وكتبه, وتبين فيما بعد أن حكمه كان خاطئاً, وأنه هو المتسبب في ذلك الخطأ, فإنه يدفع ضعف الغرامة, التي فرضها في حكمه بمقدار (12) مرة, ويحرم من ممارسة عمله كقاض)), وربما ستصابون مثلي بالدهشة إذا علمتم أن قوانين (حمورابي) حققت قبل أربعة آلاف سنة تقدما هائلا في تحديد مسئولية الدولة عن الأضرار, التي تصيب مواطنيها, فقد نصت المادة (23) على أن: ((من وقع ضحية السرقة في حالة عدم ضبط الجاني, ولم يستطع استرداد المسروقات, يعوض من قبل أهل المدينة والحاكم, الذي وقعت السرقة على أرضه)),
ولعمري أن هذا النص وحده يعد انجازاً رائعاً ينطوي على قدر كبير من العدالة الاجتماعية, وجاء في نص المادة (250) الحكم التالي: ((إذا نطح ثور رجلاً ما وأماته, فان هذا الحادث لا يستوجب التعويض)), بمعنى أن: (جناية العجماء جِبار), وتقول المادة (195): ((إذا ضرب ولد والده فعليهم أن يقطعوا يد الولد العاق لوالده)). بينما تناولت المواد (197) إلى (200) مواضيع القصاص والمساواة بين الناس, فالعين بالعين (عند حمورابي) والسن بالسن. .
إذا كانت نصوص شريعة (حمورابي) الوثنية البالية العتيقة, الضاربة في عمق التاريخ القديم, أول من أكدت على حقوق الناس, وأول من أرست قواعد العدل والحرية والمساواة, ووفرت الحياة الكريمة لأبناء الرافدين ليدوم عزهم وقوتهم وانتصاراتهم, ووفرت لهم الأمن والأمان والاستقرار, وكانت هي الأطر التشريعية التي صانت صورة المجد والشموخ والرقي في بابل, وسومر, ولكش, ولارسا, وأور, وكيش, وأكد, وكارخينا, والوركاء, وهي التي أضاءت الوجه الحضاري في ربوع الميزوبوتاميا لقرون وقرون على مدى العصور الذهبية التليدة, وإذا كانت هذه هي سنن وشرائع أجدادنا عام 2011 قبل الميلاد, فما الذي يمنعنا من إنزال القصاص العادل بالفاسدين والمخربين والمجرمين والمزورين والمحتالين والغشاشين والمرتشين, من الذين طغوا في البلاد, وأكثروا فيها الفساد, عام 2011 بعد الميلاد ؟. . .

الخميس، 3 أبريل 2014

نص ولوحة(النص للشاعر الشهيد ملا علي واللوحة لغالب المسعودي)



لا تقولو ..
انه نادم من رهبە الموت
.. ایا رفاقي .. حتی لو ما زلتم قدائیین
... فساکون في طلیعتکم..انا اشعر بالحریه
.. امام الموت الذی یسبق اقدامنا...
و وجهي یبتسم من ضحکە الوقوف
 علی عود المشنقه
... هذا الموت الذی یخاف منی ساناچیه ..
اتحداە
 .
. دعوە یاتی الي و یاخذ شکلي....
الشاعر الشهيد ملا علي

الاثنين، 31 مارس 2014

عباس علي العلي - العراق المستقبل وحدة أم خيار التفكيك ج1

بوخة المدراء وفوحة اللبلبي-كاظم فنجان الحمامي

Mar 30 at 10:20 PM
بوخة المدراء وفوحة اللبلبي


كاظم فنجان الحمامي

بداية لابد من تعريف بعض المفردات العراقية الدارجة حتى لا تختلط معانيها المتداخلة مع اللهجات العربية الشائعة, فالبوخة: وأصلها عربي فصيح. قالوا: باخت النار: سكنت وفترت, وقالوا: باخ الرجل وسقم: أعيا ومرض, وباخ النار: أخمدها وأطفئها. بيد أنها في لهجتنا العراقية تعني البخار الخفيف المتسرب من القدور الموضوعة على مواقد الطهي, وغالبا ما نستعيرها للتعبير عن الكذب الصريح, أو للتعبير عن المبالغة المكشوفة, يقولون: فلان يبوّخ, وتعني يكذب, ويبالغ في كلامه.
من المفارقات العجيبة أن كلمة (بوخة) لها معنى آخر في اللهجة الليبية, فهي عندهم نوع من أنواع الخمور المحلية الرخيصة, وتصنع من نقيع الفواكه, ثم يضاف إليها الميثانول, وجاء في لهجتهم: فلان يبوّخ أو مبوّخ, بمعنى: مخمور ويفتري ويثرثر من شدة السكر, ولا علاقة لهذه الكلمة بالسياسي الليبي المتذبذب (سليمان بوخة), وهذا هو اسمه الحقيقي.
أما (الفوحة) فهي في الفصحى مشتقة من (فوح), وتعني انتشار الرائحة. قولهم: فاح يفوح فهو فائح. فاحت القدور: غلت وتطايرت منها الفقاعات من شدة الغليان, وفاح الجرح: نزف, وفاحت رائحة فلان: انتشرت أخباره السيئة.
والفوح في العراق: يعني عصارة الرز المغلي, أو الحساء الناتج من الرز المسلوق, ويعد من أفضل الأغذية التي يتناولها الأطفال في القرى والأرياف والبوادي.
أما اللبلبي: فهو الحمص المسلوق, ويسمونه في الخليج (نِخِّي), ويعد من الأطباق الشهية في موسم الشتاء. تتصاعد أبخرة اللبلبي الفواحة في الصباح الباكر, فتتعالى أصوات الباعة في أزقة الأحياء الشعبية, وهم يرددون نداءاتهم الموروثة: (لبلبي يا لبلوب, يداوي كل القلوب), (اللبلبي يدبي دبي, حار وكواني اللبلبي). وهو من البقوليات, لكنه يختلف عنها عند بلوغه درجة الغليان, إذ تفوح منه الفقاعات المتبخرة لبضعة دقائق فقط, ثم تختفي وتتلاشي على الرغم من استمرار بقاء القدور فوق النار.
من هنا جاء المثل العراقي (فوحة لبلبي) للتعبير عن المشاريع السطحية الكاذبة, ولتشخيص الفعاليات الاجتماعية الزائفة, أو لتصوير خيبة الأمل المتمخضة عن المواقف السياسية الزئبقية. يقولون: أن تصريحات فلان مثل فوحة اللبلبي, وكلامه فوحة لبلبي, أي أن وعوده مجرد سحابة صيفية عابرة سرعان ما تختفي في كبد السماء.
تصاعدت هذه الأيام بوخات المسؤولين وفوحاتهم باقتراب العد التنازلي لموعد الانتخابات البرلمانية, وتغير سلوك مدراء بعض الدوائر الخدمية بزاوية منفرجة, غادروا فيها مكاتبهم الوثيرة, وخلعوا بدلاتهم الأنيقة, وأزالوا من وجوههم ملامح التجهم والتبختر والتعالي, وتجلببوا بجلباب الورع والتقوى, ثم تصنعوا التواضع, وراحوا يتنقلون بين المراجعين بحثاً عن الطلبات المتأخرة, من دون أن يبخلوا عليهم بإظهار الابتسامات الودودة, وترديد العبارات المنمقة, وإطلاق الكلمات الدافئة, متظاهرين فجأة بخدمة الناس.
ربما يقول قائل منكم: أنها صحوة موت, أو أنها حالة طارئة من حالة عودة الوعي إلى ضمائر بعض المدراء, الذين أرهقونا بتعاملهم السيئ, وتسببوا في تأخيرنا وتعطيل مصالحنا. ترى ما الذي يمنعهم من التعامل معنا بلطف في السنوات الماضية ؟, ولماذا تحسنت طباعهم فجأة هذه الأيام ؟.
هل هي مجرد بوخة طارئة من بوخات مدراء الصدفة سرعان ما تنكشف بعد زوال مفعول عقاقير البحث عن الأصوات الانتخابية ؟, أم أنها عبارة عن فوحة متطايرة من فوحات اللبلبي سرعان ما تنقشع وتزول بعد زوال حمى الانتخابات ؟.
والله يستر من الجايات

الأحد، 30 مارس 2014

حامد كعيد الجبوري - إضاءة / المرشحون وشراء الأصوات والذمم !!!

التقييم الدولي لبؤسنا وتعاستنا- كاظم فنجان الحمامي

التقييم الدولي لبؤسنا وتعاستنا


كاظم فنجان الحمامي

نشرت الأمم المتحدة جدولها السنوي المتضمن تصنيف الأقطار السعيدة وتشخيص الأقطار التعيسة, فجاء الشعب النرويجي في مركز الصدارة, باعتباره الشعب الأكثر سعادة ورفاهية على سطح كوكب الأرض, لتنعمه بالعيش الرغيد في فردوس الأمن والأمان, والمساواة والعدالة الاجتماعية وراحة البال, وحل الشعب السويسري بالمركز الثاني, ثم الكندي, فالسويدي, فالنيوزلندي, فالدانمركي, فالاسترالي, فالفنلندي, فالهولندي, فاللكسمبورغي. بينما جاءت تسعة بلدان عربية في المراكز المتدنية دولياً, فكان ترتيب الشعب العراقي بعد الشعب التونسي, لتبوئه المركز (105), بفارق ثلاث درجات عن سكان القرى البائسة في بنغلادش, وعلى مسافة ست درجات من الشعوب الهندية الفقيرة, وجاء الشعب الفلسطيني في المركز (113), يليه الشعب الصومالي (114), ثم السوداني بالمركز (124), ومن بعده المصري بالمركز (130), ثم الشعب اليمني بالمركز (142), يليه الشعب السوري بالمركز (148), في حين جاء أشقاؤنا في جزر القمر في ذيل الترتيب العربي (149), أما الدولة الأتعس والأكثر بؤساً في العالم, فهي جمهورية (توغو) التي جاءت في المرتبة (156).
http://www.businessinsider.com/the-saddest-countries-in-the-world-2013-9
اختارت الأمم المتحدة المعايير المعيشية في تقييمها لتعاستنا, فاعتمدت على مؤشرات الصحة العقلية والجسدية, ومؤشرات الاستقرار الأمني والوظيفي والعائلي, والعوامل الأساسية الأخرى المرتبطة بسعادة الإنسان.
أظهرت نتائج التقييم أن الثروات الوطنية لا علاقة لها بسعادة الناس, فالعدل والإنصاف, وتمتع الناس بالحريات العامة, وغياب الفساد, واختفاء مظاهر العنف الطائفي والتعصب القومي والنزاع القبلي, تُعد في تشخيص التباين الترفيهي بين الشعوب والأمم أكثر أهمية من عامل الدخل القومي, وأقوى فاعلية من موارد الثروات المعدنية والزراعية والاقتصادية, وربما تركت تلك الثروات والموارد آثارها السلبية على حياة الناس, فقد تحولت ثرواتنا النفطية من نعمة إلى نقمة, وكانت السبب المباشر في تورطنا بحروب طاحنة, جلبت لنا الكوارث, وربما تسببت أيضاً في أقطار أخرى في الترهل الوظيفي, والإسراف والبطر الاجتماعي, والإدمان على لعب القمار, وتفشي أمراض البدانة واضطرابات التغذية والأمراض المرتبطة بالخمور والتبغ والمخدرات وشيوع الرذيلة.    
ما الذي يميز الشعب النرويجي عنا شعوبنا العربية ؟. ما يميزه عنا هو نصيب المواطن الترويجي من الناتج الإجمالي, والذي وصل إلى (57000) دولار سنوياً, وتمتعهم بأعلى مستويات القناعة المعيشية, ناهيك عن سعادتهم الغامرة بالحرية التي ينعمون بها, وحالة الوئام والانسجام الفريدة التي يشعرون بها, والثقة المتبدلة بينهم, بخلاف الشعب العربي الذي مزقته معاول الطائفية, وهشمته بلدوزرات المنظمات الظلامية, المدعومة من الأقطار العربية المدرجة على قوائم السعادة البترولية المزيفة, ثم تفشت في مؤسساتنا فيروسات الفساد الإداري بالطول والعرض, لتطيح بآخر ما تبقى لدينا من آمال, وتنسف مستقبلنا كله في خضم الفوضى السياسية العارمة.   

أين المشكلة ؟. ما علينا إلا أن نأخذ العبرة من قوله تعالي: (لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم), فالعيب فينا, لأننا نحن الذين صفقنا وهتفنا للحرامية والحنقبازية, ومنحنا أصواتنا إلى الذين تسببوا في بؤسنا وتعاستنا, وليس العيب في الحكومات التي استغلت جهلنا وضعفنا, واستثمرت عواطفنا الطائفية لتغذية مخططاتها السلطوية, فجلبت لنا المصائب والويلات والنكبات.

الخميس، 27 مارس 2014

تشكيل -فالنتينوس كارالامبوس ثلاث حضارات لخزف ينبثق من المهارة والجمال-عادل كامل

تشكيل
فالنتينوس كارالامبوس
ثلاث حضارات لخزف ينبثق من المهارة والجمال



عادل كامل







     كلما دار الحديث عن نشأة الخزف الفني الحديث في العراق، يرد اسمي الخزاف الانكليزي (أيان أولد) والخزاف فالنتينوس كارالامبوس، القبرصي المولد، والذي حصل على الجنسية العراقية منذ العام 1980.. فكلاهما وضعا الأسس المبكرة لمشروع فن السيراميك، في أبعاده التقنية الحديثة.  إن هذه الحقيقة لا تتقاطع مع دور الموروث الخزفي العراقي وجذوره التراثية: الموروث الخزفي الذي سبق عصر الكتابة بقرون، بل ليبرهن ـ الموروث ـ على شيء يجدد قانون انبعاثه وتجدده مرة أخرى وفي عصر مختلف. إن الأشكال تستكمل دورة اكبر في وجودها، لا بصفتها محض أجزاء، وإنما لأنها حلقات في سلسلة تحولات مترابطة في اتساعها. على أن هذه المفارقة تنطبق على أسلوب فالنتينوس أصلا ً، فهناك ثلاثة مصادر متداخلة لتبلور هويته الفنية أو توقيعه الفني الخزفي.. [1] الأصل القبرصي بمرجعياته اليونانية وبتراث البحر الأبيض المتوسط  [2] دراسته في انكلترا وتعرفه على تيارات الحداثة الأوروبية والانكليزية المتشددة بتطرفها من ناحية والمتزمتة في تقاليدها من ناحية ثانية.. [3] تعرفه على خزف وادي الرافدين والشرق بشكل عام، والإسلامي منه تحديدا ً.



     إنها فرصة استثنائية يندر تكررها، إلى حد ما، في التشكيل العراقي، إلا عند جواد سليم، حيث توفرت له روافد (جذوره العراقية ودراسته في فرنسا وروما ولندن) غذت ريادته الإبداعية ووسعت من رويته الخلاقة وصقلتها. فالنتينوس، الصامت، حد الكتمان، هو ثمرة طبائع البحر المتوسط، والخلق الانكليزي الرصين، والقلق العراقي المشحون بالأسى، والغضب، والتجدد، وقد وحدها سحر الابتكار ونزعة البناء. انه ثراء معالجة الطين في تركيب كامل الأناقة والدقة والرسوخ. فالخزاف اختار هذه المعالجة للوحدة الخفية بين المهارة وذروتها في الرهافة، بين القاعدة كشرط للتباهي بالمنجز الفني وعمله بما يكتم في سياق التكوين وباثاته. إن فن الخزف، هنا، مثل حوار الروافد، عبر أداة المبدع؛ بالأصابع وما تمتلكه من جذور دفينة، الأمر الذي أبعده عن التطرف والغلو.  لقد أدار مساره لثورة الفن الحديث، وللحداثة، لا استعلاء ً، أو تكبرا ً، بل ـ وهذه حسنة نادرة ـ علم ذاته الأشياء المناسبة لطبيعته وخلقه وما يطمئن إليه، مثل فائق حسن، في


الرسم العراقي، لم يغامر إلا في حدود وعيه لشخصيته. فالنتينوس لم تبهره فنتازيا المتغيرات، وموجات الصخب. كان يعمل في محترفه، منسيا ً تقريبا ً، تلك التي أصبحت أثارا ً تحمل ثلاثة محيطات مختلفة: تاريخه الشخصي، وأسلوبه الذي هو توقيعه في الأخير من خلال ثلاث حضارات( يونانية وأوربية وشرقية). فمنذ تم تكليفه بإدارة فرع السيراميك، بمعهد الفنون الجميلة ببغداد عام 1957 وإدارته لفرع الخزف في أكاديمية الفنون الجميلة، جعل رسالته ـ لطلابه ـ مماثلة لرسالته: إن الخزف  لا يبلغ ذروته إلا بالحرفة، لكن بالحفاظ على جماليات الفن وسحره.  لأن الخزف، في عمله، فن مهارة، وهو ـ لأسباب لا تحصى ـ أرقى أشكال العمل اليدوي ببلوغ  هذه الذروة. إن إرشاداته لطلابه تشبه عمل (البنّاء) البغدادي: فن الحرفة، حيث ترتقي الحرفة بالمهارة درجة تتقدم على الإتقان، نحو جماليات اللعب، وكلاسيكيته الساحرة. إن الكلمات ذاتها ـ عند المبدع ـ تعدل هفواته، بهذه الصرامة، مع مزيد من التأني، علم طلابه، الذين لهم امتياز الريادة في الخزف المعاصر في العراق خلال نصف القرن الأخير. هكذا سيشارك سعد شاكر أفق تحولات الطين، وفي حدود ميتافيزيقته السحرية، المقننة، البصرية، والمرئية كفاية، تاريخ مرحلة التأسيس. فقد كف أن يكون مغامرا ً، مع تقدير عميق لا يشبه إلا ولاء الحرفي لأزمنة كامنة في وجودها المتجدد، في سياق التوحد بالمنجز الخزفي كمشروع يتوازن مع ما اكتنزه من الموروثات، والمستحدثات. وهنا يحق للمتابع اكتشاف عظمة المنجز بصفته منجزا ً لسلسلة من التحولات الذهنية ـ والتاريخية، عبر الطين. فلماذا (الحداثة) إذا لم تكن خاصة ومشغولة ببهاء الامتلاء؟ بهذا المنطق صنع حدود الرؤية الجمالية ولدقته منطلقات الإتقان والمهارة، حيث توحدا لصياغة أسلوبيته في التركيب، لكن بدمج لم يلغ حرارة متوازنة بين مرجعياته وشخصيته التأملية. موجها ـ في هذا السياق ـ طلابه ، دون إبعاد الفن عن الحرفة وعن التشدد فيها، ولا فصل الفن عن موقعه في باثات النص الخزفي.. هذه (الحداثة) كانت متقدمة في مرحلة سيادة الخزف التقليدي، والشعبي، لكن في زمن كان جواد سليم وفائق حسن علامتان لحداثة مبكرة في التشكيل العراقي، دون إهمال العقل النقدي لمحمود صبري، وبعد ذلك، كانت أسماء تبحث عن حل: كاظم حيدر، إسماعيل فتاح، ومحمد مهر الدين مثلا ً، فوسط حداثات أوروبية متنوعة المصادر (فرنسية/ ايطالية/ انكليزية/ واقعية اشتراكية) كان فالنتينوس يتمسك بالنوع الموحد لثمرات الجذور، في سياق جلال النمو الشرعي للمبتكرات، وبحوار عميق ورصين منح الأشكال منطقها البيئي، والداخلي، مع تقدير دقيق وجليل لحركة الزمن أو ما يسمى باختلاف المؤثرات والاتجاهات والأساليب. كان فالنتينوس على وعي مضاف بغريزته وشخصيته في منح الابتكار شرعيته، ومصداقيته، لا كطرف مغاير، وإنما ليوضح ريادته المتمردة، بوضع القواعد، والأسس، وأصول العمل الخزفي، وليس هدمها أو قلب مفاهيم الجمال بحسب آليات الحداثة وتشعباتها الراديكالية. هذا هو امتياز كل كلاسيكية لا تبالي بالضجات والمتغيرات العابرة أو البراقة. فالفنان لم ينشغل بـ [لماذا] ـ كما تبنت الحداثات نزعة الشك ـ وإنما كان قد منح [المنجز/ النوع] أسئلة تبنيه لقضايا الوجود، فنيا ً، بزخرفات يونانية، وأشكال انكليزية لهيئة السيراميك، وحرارة غير معلنة لعناصر الموروث الرافديني، لتأتي خزفياته، وجدارياته، وفخارياته، وحدة متماسكة لروافد غير متجانسة نسبيا ً. فقد اشتغل على بلورة منظور جمالي أخفى بنية المتضادات، والاختلافات، والتقاطعات، لصالح كلاسيكية الحداثة، ووضعها في سياقها المزدهر. وحدة متجانسة وكأنها، في سياق تاريخ تداخل الحضارات، لا تصادماتها المهلك، جعل المسرة والنبل والصفاء قيمة لكل بناء مأخوذ بالدهشة الجمالية ولغزها الفني، مع الاحتفاظ بأسئلة الفن الخزفي، بعيدا ً عن الاستعمال، والعابر، والتعليمي، والاستهلاكي، لصالح: أسرار تحولات الطين، وأشكاله كعلامات لعصور تتوحد في زمن النص الجمالي ورمزيته غير المعلنة.