الجمعة، 7 مارس 2014

هل تديننا حقيقي أم صناعي؟-د. جاسم المطوع


هل تديننا حقيقي أم صناعي؟


د. جاسم المطوع
هل تديننا حقيقي أم صناعي؟
(بطاقة للفقير وبيوت للقطط وفريق خاص للمعاقين وحاويات جميلة بالطرقات والعاب ترفيهية للأطفال عند كل بناية)، هذا ما لفت نظري في زيارتي الأخيرة لتركيا، فقد زرنا مدينة (باشاك شهير) وهذه المدينة كانت مشهورة بكثرة أماكن اللهو وبيع المخدرات وكثرة الجريمة، وقد وضعت لها البلدية خطة تطويرية منذ خمس سنوات، فتحولت المدينة إلى أجمل مكان سياحي بتنظيم بنائها ونظافة طرقها وجمال حدائقها وبساتينها، وفيها وادٍ كان يسيل فيه مياه المجاري، والآن تراه جميلا بالألعاب الرياضية والحدائق المعلقة والمطاعم التركية الشهيرة، وبعد هذه الجولة الجميلة في المدينة، زرنا رئيس بلديتها لنتعرف علي تجربتهم في كيفية تحويل المدينة، من مدينة كانت رمزا للجريمة والمجرمين، إلى أشهر مدينة سياحية تمتاز في التكافل الاجتماعي بين الجيران والاهتمام بالفقير والمعاقين،
هذه المشاريع الاجتماعية من أشخاص حريصين على خدمة الناس
وبعد شرح الخطة التطويرية ذكر لنا ابتكارا عملته البلدية للتعامل مع الفقراء، يحفظ لهم كرامتهم ولا يشعرهم بذل السؤال، وذلك من خلال صرف بطاقة لكل فقير يشتري بها ما يحتاجه شهريا من الأسواق، وقد تفاعل معها الفقراء وشعروا باحترام وتقدير لذاتهم، ثم تحدث معنا عن تشكيل فرقة تطوعية تتكون من 50 شابا وفتاة، يجلسون علي الكراسي المتحركة لذوي الاحتياجات الخاصة، ويجوبون كل أسبوع في شوارع المدينة وسككها، فيكتشفون الطرق التي لا تصلح لسير كرسي المعاق فيرفعون فيها تقريرا ليتم تسويتها واصلاحها، ثم سألناه عن سبب كثرة ألعاب الأطفال التي رأيناها ونحن نمشي بالمدينة، فقال: إن قانون البلدية في تركيا لا يسمح لأي تاجر يبني بناية تجارية ليس فيها حديقة ومكان مخصص لألعاب الأطفال، وإلا لا يسمح له بالبناء ولا يرخص له، وحسب ما أفاد أن بالمدينة أكثر من ألف بناية تجارية للسكن.
كرر لنا رئيس البلدية أكثر من مرة أن شعارهم هو (خدمة الناس ودعم العمل الاجتماعي وتطويره)، ولهذا فإن البلدية تتبنى مثل هذه المبادرات الاجتماعية، بل ومن جميل ما رأيت على الأرصفة وأنا أمشي بالطرقات بيوت صغيرة علي شكل مثلث، فسألت صاحبي: ما هذه الأكشاك الصغيرة ؟ فقال: هذه بيوت جديدة  للقطط الضالة بالشوارع، تحتمي فيها ليلا أو وقت البرد، وقد تم توزيع هذه البيوت في كل شوارع استانبول.
مثل هذه المشاريع الاجتماعية من أشخاص حريصين على خدمة الناس وكسب قلوبهم؛ ليحققوا لهم العيش الاجتماعي الآمن ذكرني بما كان يفعله عمر الفاروق - رضي الله عنه - لتحقيق الأمن الاجتماعي، وذلك بفرض مبلغ لكل رضيع وتحديد مدة سفر المجاهد حتي لا يطيل علي أهله، وقد زرت أكثر من مؤسسة اجتماعية في تركيا، ولمست حبهم للدين وخدمته من خلال المشاريع الاجتماعية، وتلمست التدين الحقيقي عندهم، على الرغم من أننا نتعامل مع أشخاص أحيانا لا يوحي شكلهم أنهم متدينون، ولكنهم ذوو أخلاق عالية وملتزمون بصلاتهم ويسعون لخدمة الناس ومجتمعهم، فتذكرت كلمة جميلة للأديب والمؤرخ المصري أحمد أمين (متوفى 1954)، عندما قال (هل تعرف الفرق بين الحرير الطبيعي والحرير الصناعي، وبين الأسد وصورة الأسد، وبين النائحة الثكلي والنائحة المستأجرة ... فإذا عرفت ذلك عرفت الفرق بين التدين الحقيقي والتدين الصناعي) تذكرت هذه الكلمات وأنا أرى تدين الأتراك، فالمشاريع التي يقيمونها مستمرة لا تتوقف وهم منطلقون في خدمة الإسلام والمسلمين، بل إنني زرت أكاديمة الفاتح واجتمعت مع مديرها وهو (د.آدم) فعلمت أن من أهدافه تعليم اللغة العربية لخمسة مليون تركي، وقد حقق حتي الآن ثلث هدفه، فسألته عن سبب ذلك فقال: إن اللغة العربية هي لغة القرآن وهي هويتنا، كما أنها جزء من عقيدتنا، وهي وسيلة الخطاب والتفاهم بين كل المسلمين.
إن هناك فرقا واضحا بين من يحمل الدين برأسه ومن يحمله بقلبه، وهناك فرق بين من يكثر الكلام في الدين ومن يكثر العمل به، وهناك فرق بين المتدين الفاضي الذي يجوب الأسواق ويقلب صفحات النت، ويدمن على شبكات التواصل الاجتماعي، والمتدين صاحب المشروع الذي يعمل من أجله، كما أن هناك فرقا بين المتدين الحقيقي والصناعي، إن النموذج الديني التركي العملي نموذج يستحق الدراسة والتأمل.







مهزلة البطانيات الانتخابية-كاظم فنجان الحمامي

مهزلة البطانيات الانتخابية


كاظم فنجان الحمامي

أي عقل هذا الذي يحمله المرشح الطارئ, الذي يظن كل الظن أن البطانيات الرديئة هي الطريق الديمقراطي الأمثل للفوز في الانتخابات المحلية ؟, وأي ديمقراطي هذا الذي يرى في البطانيات ضالته المنشودة لإحراز المراتب التنافسية العليا في صناديق الاقتراع, وأي وطني هذا الذي رسم صورتنا المستقبلية ببطانيته الرديئة ؟.
حتى الشعوب المنكوبة بالكوارث الكونية, والمدن المدمرة بالفيضانات والحرائق تأنف من استلام بطانياتكم الانتخابية, وحتى القبائل المذبوحة بخناجر الجوع والتخلف ترفض الذين يتعاملون معها ببطانيات الذل, ولا تحترمهم أبداً.
أحياناً أتساءل. هل يحسبون أنهم بتوزيعهم البطانيات يستطيعون أن يغطوا بها سوءاتهم ؟, ألا تباً لهم ولأفكارهم الضيقة. لا ريب أن الذين يفكرون بهذه الطرق الدنيئة, ويتبنون هذه الأساليب الرخيصة, إنما يعبرون عن خستهم ونذالتهم وضحالتهم, وإلا بماذا تفسرون استغلالهم لضعف الناس وفقرهم؟, وبماذا تفسرون مخططاتهم المخزية التي يتحايلون بها على أبناء جلدتهم ؟.
عندنا في العراق مضايف عشائرية عريقة, وأخرى شعبية, وظيفتها توفير الملاذ الآمن, والغذاء الساخن للضيف والهارب واللاجئ والتائه, وعندنا في العراق مساجد كبيرة مجهزة بمخازن عامرة بآلاف البطانيات والوسائد وأجهزة التكييف المحمولة ومعدات الطبخ, ومئات الأطنان من قناني المياه العذبة, وفيها أكداس هائلة من المواد الغذائية الجافة والطازجة, متاحة على مدار الساعة لزوار العتبات المقدسة, فأي لوثة دماغية أصيبت بها رؤوس الذين وضعوا البطانيات جسراً هشاً للتقرب من الناس ونيل رضاهم.
ربما لا يعلم هؤلاء أن فكرة البطانيات الانتخابية صارت من أشهر مواضيع السخرية والتندر بين رواد المجالس والمقاهي العامة, وصارت من المهازل الموسمية, التي تسببت في إحراج أصحابها, وبالتالي خسارتهم المريعة في الانتخابات.
من المفارقات المضحكة أن البيوت العراقية تقتني رزم كبيرة من أجمل وأثخن البطانيات المستوردة من أرقى المعامل الأوربية واليابانية والروسية والصينية والكورية, وأن وحداتنا العسكرية مجهزة بأفضل الأنواع, ولسنا مغالين إذا قلنا أن السجون العراقية تمتلك نوعيات راقية من البطانيات والوسائد والأسرة, بينما نرى هؤلاء, الحالمون بالفوز السريع, يحملون أرخص البطانيات, ويطوفون بها في القرى والأرياف, ليوزعونها على الفلاحين, ظنا منهم أنهم بهذه الخطوة يقدرون على شراء أصواتهم, فيستلمها منهم الفلاح من باب الشفقة عليهم, حتى لا يكسر بخاطرهم, لكنه يستعملها في تدفئة أبقاره وأغنامه, أو يغطي بها حصانه النحيف, أو يضعها فوق ظهور ثيرانه المنتشرة في العراء وسط الحقول الفسيحة.
قد تنحسر ظاهرة البطانيات الرديئة في الجولة الانتخابية القادمة, لكن حقيبة الدهاء لم تفرغ بعد, ففي جعبة الأيام القادمة الكثير من المفاجئات.
والله يستر من الجايات

الثلاثاء، 4 مارس 2014

مصر : الماضي يحكم المستقبل ولو إلى حين- بقلم : د. لبيب قمحاوي


مصر : الماضي يحكم المستقبل ولو إلى حين
                                                                          بقلم : د. لبيب قمحاوي
lkamhawi@cessco.com.jo

          مصر كبيرة وهَامَّة ومِحْوَرَّية إلى الحد الذي لا يسمح لأحد بالتعامل معها ومع مشاكلها باستخفاف , كما لا يسمح لأحد بالقفز إلى استنتاجات وتوقعات تطال مستقبلها بخفة ورعونة وسذاجة . إن حركة الدول الكبيرة هي في العادة بطيئة , ولكنها ما إن تبدأ بالحراك فإن حركتها تصبح أكيدة ومستمرة دون تَسَرُّعْ أو تَهَوُّرْ .
       مصر الآن على مفترق طرق , والخيارات أمامها ما زالت في معظمها قيد التشكيل. هنالك دروس قاسية ومؤلمة تعلمتها مصر خلال العامين الماضيين , وهي بصدد إعادة تقييم أولوياتها وتحالفاتها حتى تستخلص العبر وتعيد تشكيل نفسها على ضوء تلك التجارب . ومن أهم تلك الدروس ثلاثة , وهي وإن كانت لا تشكّل مجمل ما تعلمته مصر من تلك التجارب , إلا أنها تبقى من الأهم والأكثر أثراً على مستقبل مصر المنظور .
      الدرس الأول الذي تَعَلَمهُ المصريون أن الديموقراطية ليست مقتصرة فقط على صندوق الاقتراع وأنه ليس بالديموقراطية وحدها يحيا الإنسان . هذا الدرس كاد أن يودي بالدولة المصرية ويدمر أسسها ومؤسساتها الوطنية . فخلال فترة حكم الإخوان المسلمين لمصر, أدت محدودية خيارات إنقاذ الدولة المصرية من تبعات برنامجهم العقائدي , إلى وضع المصريين أمام الخيار الحاسم بين الواقعية والرومانسية . فالديموقراطية التي أدت إلى استلام الإخوان المسلمين للحكم في مصر من خلال رئاسة محمد مرسي كان مقدراً لها الزوال على أيدي الإخوان أنفسهم فيما لو استمروا في الحكم كونهم لا يؤمنون بتداول السلطة مع أية قوى أخرى , قومية كانت أو يسارية أو ليبرالية وإنما - ربما -  مع قوى إسلامية أخرى  . وبعد وضوح طبيعة وأبعاد البرنامج السياسي والعقائدي للإخوان المسلمين والسعي الحثيث لتطبيقه , جاء رد فعل الدولة المدنية في مصر حاسماً في اللجوء إلى الجيش لوضع نهاية لحكم الأخوان , رغم وجود جدل حول ما إذا كان ذلك هو الخيار الوحيد الممكن . المصريون لم يبنوا خيارهم هذا على مبدأ القبول بعودة حكم العسكر , بقدر ما بنوه على رفضهم لحكم الإخوان . والفرق بين القبول الناتج عن اللاخيار والقبول الناتج عن الاختيار واضح في هذه الحالة . وهكذا , فإن الرغبة في انقاذ الدولة والمجتمع قد وضع المصريين أمام خيار من اثنين : إما السماح بعودة العسكر إلى الحكم حتى ولو تم ذلك بطلب جماهيري واسع , أو زوال الديموقراطية وتحويلها إلى ما يسمى "شورى إسلامية" وتدمير الدولة المدنية المصرية معاً . خيار مؤلم حقيقة خصوصاً وأن ثورة 20 يناير قد طالبت بالتخلص من حكم العسكر وتبعاته والذي دام لأكثر من ستة عقود امتدت خلال رئاسات عبد الناصر والسادات ومبارك .
       وبالمقياس نفسه فإن الشعبية الجارفة التي يتمتع بها عبد الفتاح السيسي , وزير الدفاع المصري وقائد الجيش , لا تعكس رغبة مصرية حقيقية في العودة إلى حكم العسكر , بقدر ما تعكس شعوراً شعبياً حقيقياً بأن السيسي يشكل ضماناً لاستمرار المجتمع المدني وقوة الدولة الوطنية وحماية الاستقرار والأمن , أكثر منه أي شيء آخر .
       الدرس الثاني يتعلق بالعلاقة الخاصة مع أمريكا والتي أثبتت التطورات الأخيرة                                    أنها ليست الحل السحري لمشاكل مصر , كما أنها ليست الوسيلة المثلى لبناء الدولة المصرية الحديثة . فهذه العلاقة التي وضع أسسها أنور السادات آملاً أن تشكل بديلاً للعلاقة الخاصة بين أمريكا وإسرائيل , أو في أسوأ الأحوال أن تكون موازية لها في الأهمية , قد فشلت , كما اتضح عندما تم تحريك المياه الراكدة عقب سقوط نظام حسني مبارك .
        فقد اتضح أن المصالح الأمريكية وخياراتها تتعارض وبشكل فاضح مع المصالح الوطنية المصرية . وقد تجلى ذلك أكثر ما يكون في ثلاث قضايا هي الإسلاميون وسد النهضة في اثيوبيا وإسرائيل . فأمريكا , وتحت ستار احترام الديموقراطية , كانت وما زالت تؤيد بقاء حكم الإخوان المسلمين لمصر, مما يعني موافقتها الضمنية على برنامج الإسلاميين في إضعاف الدولة المصرية وربما إلحاقها مستقلاً بدولة الخلافة الإسلامية . لقد وَلّدَ هذا للموقف الأمريكي شعوراً بالصدمة لدى أوساط عديدة من المصريين الذين كانوا ينظرون إلى العلاقة الأمريكية - المصرية باعتبارها إنجازاً استراتيجياً منسجماً مع المصالح المصرية إلى أن ثبت لهم عكس ذلك بعد التطورات الأخيرة التي تبين فيها مدى دعم أمريكا للإخوان المسلمين . فالبرنامج السياسي والعقائدي للإخوان المسلمين والذي جاء كصدمة للكثيرين لم يشكل أي رادع للأمريكيين لوقف أو حتى تخفيف تأييدهم لهم بل زاد من اصرار أمريكا على وجوب بقاءهم في السلطة خلافاً لمصالح الدولة المصرية التي تربطها بها علاقة خاصة . هذا الموقف دفع الكثيرين في مصر الى إعادة النظر بجدوى خصوصية العلاقة مع امريكا .
         وقد ساهم دعم أمريكا وإسرائيل ومباركتهما لمشروع بناء سد النهضة في اثيوبيا , والذي سيلحق أضراراً بالغة بمصالح مصر المائية في نهر النيل في ازدياد هذا الشعور. وفي الواقع , فإن قرار اثيوبيا المضي في هذا المشروع جاء منسجماً مع رغبة إسرائيل في إضعاف مصر بأي طريقة ممكنة وبمباركة أمريكية ومساهمة عربية في التمويل !
         أما بالنسبة لإسرائيل , فإن مصالحها تبقى في أعلى سلم الأولويات في السياسة الأمريكية في المنطقة . والعلاقة الخاصة بين مصر وأمريكا , على أهميتها , تأتي في أعقاب تلك العلاقة وليس قبلها أو حتى بشكل موازٍ لها . ودور اسرائيل الإقليمي في المنظور الأمريكي يحظى بالأولوية على دور مصر التاريخي في الأقليم . ومن الواضح أن أمريكا تعمل على إضعاف مصر ودورها حتى تبقى إسرائيل الدولة القائدة في الإقليم دون منازع ودون أي اعتبار لمصالح مصر الأقليمية .
         وبالرغم من كل ذلك وعند دراسة معادلات القوة داخل المؤسسة العسكرية والمؤسسة الإقتصادية في مصر , يتضح أن أي حديث عن تخلي مصر عن علاقتها الخاصة مع أمريكا , أو استبدالها بعلاقة خاصة جديدة مع روسيا هو كلام ساذج سياسياً وغير واقعي ولن يحصل . وأقصى ما يمكن أن يحصل هو قيام مصر بإعادة بعض التوازن لعلاقاتها الدولية من خلال تقوية التعاون مع روسيا بهدف إرسال إشارات لأمريكا لتشجيعها على إعادة بعض التوازن لعلاقتها الخاصة مع مصر واحترام المصالح المصرية . أمريكا تعلم ذلك وروسيا تعلم ذلك ولا داعي لبناء الأحلام على أوهام .
       الدرس الثالث هو أن ما يجري من تطورات في مصر قد تسبب في إعادة                                       النبض إلى شرايينها العربية بعد طول جفاف . فقد تولد شعور عام لدى معظم المصريين بعد أزمة حكم الإخوان المسلمين بأن العروبة ليست عبئاً أو حمولة زائدة على مصر, بل يمكن أن تكون قيمة مضافة قد تعطي لمصر أكثر مما تأخذ منها , وأن هنالك نهجاً ثالثاً بين نهج عبد الناصر المندفع نحو العروبة ونهج السادات ومبارك المبتعد عن العروبة .
        تتلمس مصر الآن طريقها العربي ودورها العربي ببطء , ولكن بثبات , خصوصاً وأن الموقف العربي الداعم لمصر مالياً وسياسياً ضد العدوان الإخواني والغضبة الأمريكية التي تلته دفاعاً عن الإخوان كان واضحاً وقوياً وملموساً في الشارع المصري . وبغض النظر عن الأسباب والدوافع خلف هذا الدعم العربي والتي يفسرها البعض بأنها جاءت رداً سعودياً وإماراتياً على التقارب الأمريكي – الإيراني , إلا أن الأمور تقاس بنتائجها والمصالح المشتركة والمتبادلة قد تكون البديل الأقوى للعلاقة الرومانسية والعقائدية التي سادت في الحقبة الناصرية.
        التعبير المصري , الرسمي والشعبي , عن هذا التحول نحو العروبة ما زال في بداياته . ومن الخطأ توقع المعجزات والقفز إلى النتائج في زمن قياسي , خصوصاً وأن مدى هذا التحول وكيفية التعبير عنه قد يأخذ أشكالاً مختلفة بين طبقات وقطاعات الشعب المصري .
       فالطبقات الشعبية والأقل حظاً اقتصادياً هي الأكثر استجابة وبشكل عفوي لهذا التحول .  وغالباً ما يترجم هذا الشعور من خلال الحنين إلى عهد الناصرية واستذكار أمجاد مصر في عهد عبد الناصر وقيادته للعالم العربي وافريقيا ورعايته لطبقات العمال والفلاحين ورفعه لشعار العدالة الإجتماعية , متناسين قضايا الديموقراطية والحريات باعتبار أن وضعهم فيما يتعلق بالديموقراطية والحريات لم يتحسن خلال عهدي السادات ومبارك , في حين أنهم خسروا الكثير من الامتيازات التي حصلوا عليها في عهد عبد الناصر . إن رد الاعتبار لعهد عبد الناصر يشمل كذلك الرؤيا الناصرية للعروبة والارتباط القومي والعداء للإخوان المسلمين.  
         أما الشرائح العليا من الطبقة المتوسطة وطبقة رجال الأعمال فهي تميل إلى ترجمة علاقة مصر بالعالم العربي من منظور مصلحي بحت يسعى إلى إبعاد مصر عن أي مسؤولية تجاه بؤر التوتر العربي , بما في ذلك القضية الفلسطينية . وهم أقرب الى قبول فكر السادات وسياساته ومواقفه تجاه درجة العروبة التي يجب أن تتمتع بها مصر وما قد يترتب على ذلك من مسوؤليات .
        لذا فإن الحالمين من العرب الذين يتوقعون أن تعود مصر للعب نفس الدور القومي الذي لعبته خلال حكم عبد الناصر واهمون . فعقارب الزمن لا تعود إلى الوراء أبداً , والتاريخ لا يعيد نفسه . نعم , مصر سوف تلعب دوراً عربياً أكثر نشاطاً في المرحلة المقبلة ولكن من منظور مصري مصلحي وليس من منظور فكري أو عقائدي أو رومانسي .
        وأخيراً , قد نكون الآن أمام مصر مختلفه بعد أن خرجت من مخاض عسير كاد أن يودي بها . مصر ترغب بتغيير نفسها نحو الأفضل , لكن مشاكلها أكبر من قدرة أي حكومة على حلها, ومن حقها على الجميع أن تأخذ فترة لألتقاط الأنفاس وهي تستحقها . على العرب أن  يساعدوا مصر على أن تكون أكثر إقداماً نحو عروبتها وذلك بعدم الطلب منها ما هو فوق طاقتها, وعدم الطلب منها بالهرولة نحو المجهول عوضاً عن اتخاذ الخطوات الصحيحة المتأنية, وعدم الطلب منها أن تفعل ما هي غير قادرة عليه أو راغبة فيه وهو أن تضع مصالح الآخرين قبل مصالحها , وعدم السماح للكيانات الهامشية الصغيرة جداً من الأعراب بطعن الأخ الكبير من الخلف .      

الاثنين، 3 مارس 2014

الموصل تراث و حضارة (( تل السبت ))-عن مجموعة حمورابي


الموصل تراث و حضارة (( تل السبت ))

الكثير من الحكايات الشعبية المتوارثة، استطاعت أن تحجز لها مكانا في عقول الناس فيما مضى من الزمان على الرغم من أن معظمها يفتقر إلى أبسط مقومات المنطق، و لاتخضع لأية علمية



لكن الناس صدقتها.. ونقلتها جيلا بعد جيل حتى غدت تلك (الخرافات) جزءاً من ثقافات الشعوب في مرحلة ما، وكان لانتشار الأمية والجهل دور مهم في تغلغل تلك الخرافات إلى عقول الناس في كل مكان لحين دخول الثورة العلمية التي غيرت الكثير من المفاهيم بفضل انتشار الجامعات والمدارس ومن بين تلك الخزعبلات التي ما زالت تلوكها المسنات الموصليات حيث ما زلن يعتقدن أن الصعود فوق تل السبت الكائن في منطقة حمام العليل القريبة من الموصل يمكن أن يجلب الحظ للفتيات غير المتزوجات، ويجعلهن يتزوجن بأسرع مما يتوقعن .. وعلى هذا الأساس كانت العائلة الموصلية في ستينيات القرن الماضي وقبلها تحزم أمتعتها وتقصد حمام العليل ايام الخميس والجمعة والسبت من كل أسبوع، وبعد أن يتناولوا طعامهم ويستحموا في عيون المياه المعدنية تبدأ رحلتهم بالصعود إلى تل السبت الذي يتم الصعود فوقه نهار السبت طبعا اذا ما كانت العائلة تنشد تزويج بنت لها فاتها قطار الزواج.

فقد كانت مثل هذه القضية مما تحرص عليه العائلة الموصلية فيما سبق .. حيث كانت الخرافة لها من يصدقها ويعمل بها تبعا للثقافة التي كانت سائدة آنذاك .. أما التفسير العلمي للمسألة فيكمن في أن العائلة الموصلية عرف عنها ككل العوائل العراقية تحفظها، وفرض إقامة على النساء داخل البيت خوفاً عليهن من أي كلام أو شيء يمكن أن يخدش شيئا من وقارهن .. ففي هذه الزيارة لتل السبت تتوفر فرصة للفتيات لكي يخرجن لللخارج .. وتكون فرصة أخرى للشباب لكي يروا شابات قد يناسبنهم للزواج .. وفعلا كانت الكثير من الزيجات تتم بعد هذه الزيارة لتل السبت و لادخل للتل في تزويج البنات، ومع هذا تبقى مثل هذه الحكاية حية في ثقافة المجتمع
و من الاغاني التراثية التي كان

المصطافون في حمام العليل المسافرون بلقطار :

صاح القطار قومي انزلي .... كن وصلنا حمام علي
دطلع على تل السبت .... معاي هرجي وكم بنت
نغني ونفغح كل وقت ... وارجع واقول ادللي
والله اش دعمل عمل ... وازهابي مايشيلو جمل
وكل شي عندي كن كمل ... والدهن يملي امزملي
دعزم انا كل الخلق ... متونسي من ضيق الخلق
كل من يغشعني ينشلق .... وانا مسعودي امفنجلي
لما اغوح على الحمام ... ايهلهلولي القيام
اسبح واشويه انام ... اقعد الدولمه تنغلي
اشلح واقعد على معين ... اضوي كل القيعدين
كنيني من حور العين ... وجسمي فضه مكعكلي
دشلح عباتي واشتهر ... واسفر على ضو البدر
كل من يغشعني ينبهر ... والليل بيي ينجلي
وانزل على حيفت الشط ... والسفغه يمي تنحط
واحمغ خدي وانخط .... بلذهب غجلي مجلي
وانزل على اغض العوين ... وانصب الجاي عل ميزين
كل من تمر بل ايدتين ... اقلا عيني اتفضلي
الله عطاني غجال ... يلبس زبون واعكال
لا ياشيطان اش حيال ... كل يوم بمودة يبتلي




السبت، 1 مارس 2014

قصص قصيرة جدا ً- عادل كامل





قصص قصيرة جدا ً



عادل كامل
    [ رد البسطامي على قول رجل قال " أعجب من عرف الله كيف يعصاه" بكلمات " بل عجبت ممن عرف الله كيف يعبده!"  وذات مرة اختصر موقفه من الحج كما يلي:
حججت أول مرة فرأيت البيت
وحججت الثانية فرأيت صاحب البيت ولم أر البيت
وحججت الثالثة فلم أر البيت ولا صاحب البيت." والشبلي أجاب على سؤال وجه إليه:
ـ ألا تعلم انه رحمن؟
ـ بلى! ولكن منذ عرفت رحمته ما سألته ان يرحمني."
وقال الجنيد البغدادي " لا يبلغ احد درجة الحقيقة حتى يشهد فيه ألف صدّيق بأنه زنديق"]

[1] حلم
   شاهد، عبر التلسكوب العملاق، مجرة تصطدم بأخرى، تتداخل، تنصهر، تتوهج، ثم لا اثر لهما. ابتعد قليلا ً وشاهد، في المختبر الذي يعمل فيه، أوراق النباتات تعزف لحنا ً عبر ذبذبات اعتاد سماعها ليشاركها الرغبة بالتطلع إلى الفضاء.
  لم يكن اكتشافا ً جديدا ً، لا اكتشاف اختفاء المجرتين، ولا الإصغاء إلى موسيقا النباتات، بل لأنه وجد انه فقد الرغبة للنطق بكلمة، مثلما وجد الصمت مستحيلا ً.
  فعاد يتأمل في البعيد: فراغات مشغولة بومضات حمراء وأخرى زرقاء، ومديات تمتد تتخللها ذبذبات مجرات لم يرها من قبل.
 تراجع مرة ثانية، فوجد جسده النحيل محاصرا ً بالأوراق، والأغصان، وثمة وخزات ناعمة راحت تلامسه، شاهدها تومض، وتشع، بلورية، وقد كف عن المقاومة تماما ً، لأنه كان قد ترك الموسيقا تتوغل بعيدا ً في مكان ما طالما لم يجتز عتبته.
[2] طيف
ـ انهض، انهض.
   بصعوبة رفع الرجل المسن رأسه من الوسادة، وتمتم:
ـ الم أخبركم ان الله وحده يحق له ان يوقظني!
    أعاد رأسه ودثره بالغطاء: الله وحده يحق له ان يفعل ذلك، فمادام هو الذي تركني أؤدي دور الميت، فلماذا لا يدعني ارقد بسلام!  فجأة دار سؤال بخلده: ماذا لو كانت هذه إشارة رقيقة بعثها سبحانه وتعالى كي لا يدعني أسرف في تجاهل ما يحدث في هذا العالم.
    بهدوء مد أصابعه وبحث عن مصدر الصوت. لم يجد إلا أصابعه تلامس قمة رأسه:
ـ هو أنت...، أيها الأحمق؟
ـ لا...، أنا هو من طلبك للموت!
ـ لكنني لست في زنزانة، ثم أنني لم اعد طائشا ً كي أضحي بحياتي، كما ان القانون لا يلاحق من تخلى عن أحلامه!   
ـ أنا ملك الموت؟
ـ لا تمزح، منذ متى رق قلبك بالرحمة؟ منذ متى أصبحت شفافا ً؟
[3] مسافة
   بلا مبالاة سأل نفسه: إذا كنت كلما ابتعدت عنه أجد نفسي اقترب منه، فلماذا لا اقلب المعادلة واذهب إليه مباشرة، فلعله يسمح لي بالابتعاد؟
ـ سيدي، ها أنا عندك.
ـ لم أطلبك.
ـ لكنني كنت، كلما ابتعدت عنك، أراك تقترب مني.
ـ لكن ما الذي حدث كي أراك أمامي؟
ـ قلت لنفسي: اقترب، اقترب، أقترب لعلك تكف عن الابتعاد!
ـ أيها الأحمق، إن اقتربت أو ابتعدت فانا لا اختلف كثيرا ً عنك، فانا كنت أظن انك هو من يلاحقني، فقلت: قف. وها أنا أراك تواجهني، فماذا تريد مني؟
ـ هل حقا ً أصبحت لا أميز بين الوهم والواقع، ولم اعد أميز بين من ابحث عنه وبين من يبحث عني؟
ـ لا تكترث...، فأنت كلما ابتعدت لا تمتلك إلا ان تدرك انك بين يدي ّ، لأن المسافة مهما اتسعت أو ضاقت فلا مناص انك لا تمتلك ان تغادرها!
[4] حفلة
ـ الم تكن هو أنت من قطع رأسي..؟
ـ غريب!
ـ كنت اعتقد انك هو من فعلها بي..
ـ والآن؟
ـ خذ رأسك، فانا منذ سنوات ابحث عنك، والآن أرجوك اعد لي رأسي!
ـ يا لها من خاتمة.
ـ تقصد: الحفلة بدأت؟
[5] أهداف
ـ حدد الهدف، صوب، ارم.
ـ سيدي، لا أرى هدفا ً.
ـ ألا ترى الأرض مترامية الأطراف أيها الأعمى!
ـ ضد من أصوب؟
ـ أي هدف متحرك.
ـ كلها متحركة.
ـ صوب، وعندما لا تجد هدفا ً، ارم!
ـ فعلت ذلك، سيدي.
ـ حسنا ً فعلت، لقد أصبت الهدف!
   فلم ير إلا جسده يترنح، يتلوى، ثم يكف عن الحركة.
[6] معلومات
    للمرة الأولى اعترف لنفسه، انه، بعد عقود طويلة، لا يمتلك أدلة أو إجابات أو أفكار تثبت انه يعرف شيئا ً عن نفسه. كان عليه ان يدوّن المعلومات الواردة في الاستمارة الخاصة بالجرد السكاني:
1 ـ صنف الدم لأفراد العائلة حتى الجد الرابع.
2 ـ عناوين السكن منذ الولادة، والمدارس التي درس فيها.
3 ـ الدول التي سافر إليها وأسباب السفر.
4 ـ عدد ساعات النوم، والطعام المفضل لديه.
5 ـ الأمراض التي أصيب بها، وهل يعاني من أمراض وهمية.
6 ـ هل يمارس الرياضة، وما أنواعها، وعدد الساعات.
7 ـ أرقام الحامض النووي لأفراد العائلة الأحياء منهم والأموات.
8 ـ بصمات العيون، والأصابع، لأفراد العائلة.
9 ـ الدين، الطائفة، والاهتمامات الثقافية.
10 ـ موقفه الصريح من العولمة وما بعد الحداثة ومن الموروثات.
11 ـ الأحزاب، الجمعيات، والمنظمات العلنية والسرية التي انتمى ـ ينتمي لها.
12 ـ الفرق الرياضية (كرة قدم/ ريشة/ سلة/ طائرة/ العاب أخرى) التي يشجعها؛ دوليا ً، إقليميا ً، محليا ً.
13 ـ موقفه من نظريات: التطور، الدورات، الارتدادات، وغيرها.
14 ـ هل يؤيد تشريع قانون للحد من زيادة السكان؟
15 ـ عدد الزيجات، وهل يؤيد إقامة علاقات حرة، وعلاقات مع كائنات غير بشرية، وما هو صنفها.
16 ـ هل يرغب ان يموت بعد الأوان، أو قبل الأوان، أو في اللحظة المدوّنة في ألواح القضاء والقدر.
17 ـ هل يشعر بالسعادة انه ولد، وعاش، ومات، أم انه لم يختر شيئا ً من ذلك.
18 ـ هل يؤمن ان الحرية هي التي تصنع الأحرار/ أم ان الأحرار هم الذين يصنعون الحرية، تعريف موجز للحرية رجاء ً.
19 ـ المواقع والفضائيات والصحف والإذاعات التي يفضلها ويتابعها.
20 ـ متى يتوقع ان تنهي الحياة فوق الكوكب الأزرق، وهل يفكر بالهجرة إلى كوكب آخر.
     رفع يده وبحث عن رأسه، فلم يجده، ولكنه شاهد أصابعه تمسك بالقلم وهي تدوّن فقرة جديدة:
ـ الموما إليه لم يولد بعد!
[7] وردة الخلود
ـ سيدي، سيدي، عثرت على الوردة التي سرقتها الأفعى من جلجامش.
ـ وردة الخلود؟
ـ نعم، سيدي، لأن الأفعى لم تستخدمها، وتركتها عند نبع الماء، ومنذ ذلك الزمن حتى يومنا هذا مكثت الوردة تعيش هناك.
ـ وماذا افعل بالخلود؟
ـ سيدي، سيدي، كي تبقى بطلا ً ظافرا ً مقداما ً خالدا ً إلى ابد الآبدين.
ـ تقصد....، ان أبقى أعاقب برؤية الضحايا، والراحلين، وأنا افقد اعز من أحب، الواحد بعد الآخر؟ وأضاف:
ـ انظر إلى وردة الخلود، وحدها خالدة! لأنها وحدها لم تمت، فهي في نهاية المطاف عاشت موتها الخالد!
[8] أسرار
   عندما اكتشف الجرذ سر تمتع احد الجرذان بالسطوة والهيمنة على الجحور والممرات من غير ان يقع في شراك العدو، وجد انه أينما ذهب وولى وفر فانه سيلقى حتفه، ووجد ان تستره ومكوثه في جحره لزمن طويل افقده امتيازه فغدا بلا مبالاة ينتظر نهايته. جاره أيضا ً اكتشف السر، ولكنه قرر إفشاءه. فقال الجرذ له: انك تستطيع ان تتحول إلى هر، ولكنك عندما تصبح هرا ً فانك ستواجه مخالب الكلاب، وعندما ستكون كلبا ً فان الذئاب لن تدعك طليقا ً، وعندما تصبح ذئبا ً فان هؤلاء الأوغاد البشر الذين يفكرون بمغادرة الكوكب لديهم خطة بإبادة الجميع، فما جدوى ان ترتكب حماقة تودي بحياتك؟ أجاب الآخر بحزن عميق: وما جدوى ان أعيش أحمق حتى نهاية العمر؟ قال وهو ينظر إلى تراب الأرض: لو كنت عرفت لماذا خُلقت هذه الحشرات، وهذه الديدان، وهذا النمل...، لذهبت واشتغلت مساعدنا لقائدنا الجرذ الذي افلح بسرقة أسرار عدونا!
[9] موقف
    فكر، في الحرب، أما ان يقتِل ْ وأما ان يقُتل، وفي السلم، لا احد يفعل ذلك، لأن الجميع يرحلون بهدوء، إنما بانتظار من سيوقد حرائق الحرب!
ـ تقصد إنها دورة؟
ـ لو كنت عرفت السر، فهل كنت استطيع النطق به؟
[10] انتخابات
   قال المرشح لزميله قبيل الانتخابات:
ـ يا صديقي، علينا ان نعيد قراءة رواية غوغول ..!
ـ  تقصد ان نقوم بشراء النفوس الميتة، كي نحصل على المزيد من الأصوات في الانتخابات القادمة؟
ـ اجل.
ـ أيها الأحمق، لقد تم الاستحواذ على نفوس القارات، وتم توزيعها، بحسب القوائم، فهل سندخل بنفوسنا الميتة المنافسة؟
ـ اجل، لأننا سنحصل على أعلى الأصوات.
ـ آنذاك لن يدعونا لحظة إلا وقد فقدنا حتى هذه الأصوات الميتة!
[11] نشوة
   لا يعرف متى حدث الأمر، بل لم يفكر كيف وجد كيانه برمته داخل بصلة لها جذور غائرة في الأرض، وسيقان تشاهد ما يحدث أمامها على امتداد الأفق. لم يكترث لمرور السابلة، حتى عندما كانت أقدامهم تدك رأسه، ولا لتنفس الغبار، أو ما يتركه الليل من رنين. بل كان منتشيا ً بالقليل من أشعة الشمس تأتيه من وراء الغيوم، ومن مسافات بعيدة...، إنما، بعد ان وجد انه يرقد تحت تل من الأنقاض، وجد كيانه يتسلل عبر الجذور بحثا ً عن شقوق تسمح له برؤية ومضات النجوم ممتزجة برذاذ المطر، وكان ذلك وحده يساعده بالامتداد عميقا ً في الأرض، كي لا يقنط، أو يهن، أو يكف عن استعادة ذكرى رؤية ذبذبات الفجر التي طالما سمحت له بالرقص، بعيدا ً عن أقدام المارة، وبعيدا ً عن ضوضاء المدن.
[12] وصية
ـ لا تدع أحدا ً ينتظرك، ولا تتعلم ان تنتظر احد، تدّرب ان تذهب ابعد من الحاجة، فلا تأخذ ما ليس هو لك، ولا تعطي ما هو ليس لهم، آنذاك لا تعرف أهو الطريق أخذك معه أم أنت أخذت الطريق معك وذهبت.
   قال الابن بعد ان سمع كلمات والده:
ـ إذا كانت هذه هي وصيتك لي فلماذا لم تعمل بها؟
ـ لأن الذنب يا بني إن لم يرتكب يغدو كالوجه إن لم يبصر ويرى حقيقته في المرآة، فإنها آنذاك هي التي ستبصر فيه!
[13] حكاية
    كانت جدته تحكي له، قبل الذهاب إلى النوم، فتقول: الصخور، هي الأخرى، تمتلك أجنحة، وتطير، من مدينة إلى أخرى. فهي مخلوقات وديعة، ورقيقة!
   لكنه لم يعد يرى شيئا ً مما كانت تتحدث به جدته، بعد ان نجا من الموت، وبعد ان تحول منزله، وبعد ان تحولت منازل الآخرين، إلى أعمدة من الدخان، والغبار.
  أين أنت ِ الآن يا جدتي؟  يقينا ً إنها لم تكن تقصد هذه الحجارة، ولا هذه الصخور، التي اشتعلت فيها النيران، وتحولت إلى أكوام من الأنقاض.
     إنما شعر بقوة ما ساعدته على الفرار، بعيدا ً عن منزله، ومنازل الآخرين، وعن المدينة التي رآها تحولت إلى أكوام من الحجارة، والمخلفات.
ـ أنا أفقت من النوم، فهل علي ّ ان أغادر أحلامي، يا جدتي العزيزة...؟
    عاد يرى أعمدة الدخان ترتفع عاليا ً، وقد حجبت عنه زرقة السماء، فلم تعد أصابعه النحيلة قادرة على رؤية ما كان يحدث أمامه، بعد ان فقد بصره. فراح يستنشق حكايات جدته، قبل قرون، وربما قبل آلاف السنين، وهو يتوحد بتراب الأرض.
[14] رماد
     لمح أجزاء متفرقة من جسده تغادره...، بحث عن فمه فلم يجده، ولا عن عينيه، ولا عن آذنيه، ولا عن الأجزاء التي كانت تحافظ على بقائه حيا ً. لم يمتلك قدرة ان يدوّن ما حدث له. فلم تبق إلا خلايا تعمل منفردة، معزولة، محاصرة بفراغات رآها تتسع، وتتسع....، لم يكن انفجارا ً، أو عبوة، أو حزاما ً، لم يستطع ان يحدد طبيعته، لأنه لم يعد يمتلك إلا أثرا ً لحفنة رماد تجاور حفنة أخرى لا لون لها، لان خلاياه المتناثرة كانت تدوّن بانتظار من يعيد قراءتها: رماد ليس له مذاق، وأصابع، هي الأخرى، تحولت إلى ذرات كانت تحفر في الريح أبجدية وحدها لا احد يعرف أكانت تدوّن أم كانت تستكمل المحو.
[15] دورات
ـ ما الذي حدث لك، يا صديقي، وأنت تكاد تموت من الضحك؟
ـ هل تتذكر جارنا، معلم اللغة العربية، الذي كان ـ قبل نصف قرن ـ منفيا ً في مدينتنا؟
ـ أتذكره.
ـ كان، كلما حولوا ملاحقته، ومضايقته، يهرب إلى مركز الشرطة، هاربا ً من هؤلاء، ومن المخبرين...؟
ـ وما المضحك في الأمر؟
ـ تخيّل الأمر مثلي: فانا الذي كنت أخاف..، من ...، هؤلاء...، واهرب منهم، وأتوارى عن أنظارهم، طوال سنوات، أصبحوا يخافون مني!
ـ ولكن هذا لا يثير الضحك حد الموت!
ـ ليس لأنني على صواب، وليس لأنهم كانوا حمقى، بل لأنني أودع الحياة، وأنا غير آسف على شيء ما يستحق الأسف عليه!
ـ وهل هذا هو سر انشراحك حد الموت؟
ـ لا، ليس لأن الذي كنت أخاف منه، أصبح يهرب مني، ويلوذ بالفرار من وجهي، وليس لأن الذي كان يريد قتلي صار يستنجد بي، ويحتمي بقوتي وأنا لا امتلك شيئا ً منها، بل لأن الموت ذاته لم يعد يخاف منا، ولا نحن نخاف منه!

20/2/ 2014  

OddFuttos, When The Photos Speak: Stunning Natural Objects Paintings by Omar Ortiz

الجمعة، 28 فبراير 2014

ليلة القبض على (حسين علي حسين)- كاظم فنجان الحمامي

ليلة القبض على (حسين علي حسين)

كاظم فنجان الحمامي
لو بحثنا في العراق عن الأسماء المتشابهة في قيود وسجلات دوائر الأحوال المدنية لظهرت لنا قوائم طويلة جداً تحمل القواسم الثلاثية المشتركة, وربما يصل التشابه إلى الجد الخامس والسادس, ولسنا مبالغين إذا قلنا أن اسم (علي حسين علي), أو (علي حسين علون) هو الأكثر شيوعاً من شمال العراق إلى جنوبه, تليه قوائم أخرى تضم أسماء (جودة كاظم جواد), و(فاضل عباس خضير), و(شهاب أحمد مصطفى), و(جاسم محمد قاسم), و(صادق جعفر محمد), و(علي هادي حسن), فما بالك إذا ظهر في قائمة المطلوبين للعدالة رجل يحمل اسم: (علي حسين علي), أغلب الظن أن الجهات المعنية ستلقي القبض في ليلة واحدة على أعداد كبيرة من الذين يحملون الاسم نفسه, فالبطاقات الالكترونية وقواعد البيانات غير متوفرة لدى معظم دوائرنا الأمنية, أو غير موجودة بحوزة عناصر نقاط التفتيش في الطرق الخارجية, وربما تأخذ عمليات الفرز والتدقيق وقتاً طويلاً قبل البت بموضوع المقبوض عليهم.
أذكر أن زميلي الكابتن (علي حسين علون) تعرض للمنع من السفر مرات عدة بسبب تشابه اسمه مع أسماء الفارين الذين يحملون الاسم نفسه. وكان الدكتور (علي حسين علي) آخر المقبوض عليهم في البصرة للأسباب التي أشرنا إليها هنا.
وما أكثر المواقف الحرجة التي واجهها المتشابهة أسمائهم في المطارات والمنافذ الحدودية, وربما أمضى بعضهم فترات طويلة جدا خلف القضبان أو في مراكز توقيف الشرطة بانتظار الفرج, وكل القصة وما فيها أننا لا نحمل هويات الكترونية رقمية, ولا بطاقات بلاستكية ممغنطة على غرار بطاقات الائتمان والبطاقات المصرفية الحديثة المتداولة هذه الأيام في شرق الأرض وغربها, والتي لا مجال فيها للخطأ والاشتباه.  
من المفارقات العجيبة في العراق. أن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات انتهت قبل بضعة أسابيع من توزيع بطاقات الناخبين الالكترونية من أجل تعزيز الشفافية وتوطيد الثقة وضمان الدقة, في الوقت الذي ظلت فيه مديرية الجنسية العامة متمسكة بإصداراتها الورقية التقليدية, وذلك في ضوء أحكام قانون الأحوال المدنية رقم (65) لسنة 1972 المعدل. بينما قفزت أقطار الخليج كلها نحو المساحات المفتوحة للتجديد والتحديث, فاستعانت بالتقنيات المعاصرة, وكانت دولة الإمارات أول من رفع راية التغيير بالقانون رقم (2) لسنة 2004, عندما تبنت مشروع تحديث السجلات السكانية, وإصدار الهوايات الرقمية. ثم أصدرت الهويات الرقمية للوافدين, فحصلت على شهادة المقياس الدولي في هذا المضمار.
واشتركت معظم البلدان العربية في تنفيذ مشروع (نجمة التميّز), الذي يمثل أحدث الأساليب الجديدة المبتكرة لتقييم أداء مراكز التسجيل الرقمي, وقطعت شوطا كبيراً في هذا الاتجاه نحو تطبيق أنشطة التصويت الالكتروني, والتصديق الالكتروني, والإحصاء الذكي, وإدارة الموارد المؤسسية.
أما نحن فمازلنا نبحث ونفتش عن نظراء (علي حسين علي), حتى غرقنا في بحار التشابه الثلاثي والرباعي والخماسي, من دون أن نفكر بإتباع الخطوات الرائدة التي تبنتها ونجحت فيها المفوضية العليا للانتخابات.