السبت، 4 مايو 2013

(يا خشوف العله المجريه وأبنكم فزّز الدوريه )-الشاعر الشيخ ( حسن العذاري )-حامد كعيد الجبوري


                          (يا خشوف العله المجريه وأبنكم فزّز الدوريه )
الشاعر الشيخ ( حسن العذاري )
حامد كعيد الجبوري
   لم أستفد كثيرا من التجارب التي سبقتني لأني لم أأرشف كما يفعل غيري مع ما يحيط بهم من تدوين كل شاردة وواردة ، ومرة دعاني الصديق  أ د ( صباح نوري المرزوك ) أن لا أترك شيئا دون أن أسجل له ملاحظاتي الشخصية كما يفعل هو ، أو كما يسجل الشاعر صلاح اللبان والباحث كاظم السيد علي ، وحين أردت الكتابة  عن الشاعر الكبير الشيخ ( حسن العذاري ) اضطررت الرجوع لديوانه الذي أصدره قريب الشاعر الأستاذ ( محمد حمزه العذاري ) ومما سمعته وأحفظه بذاكرتي مما تحدث به الراحل الشاعر  سليم العزاوي  عن المترجم له .
       غنى الراحل الكبير ( ناظم الغزالي ) أغنيته المعروفة ( يا خشوف ) ولم يذكر حينها  مؤلف هذا النص ، ومن أجل الأمانة الثقافية نقول أن هذا النص هو للشاعر المرحوم الشيخ حسن العذاري وكما أثبت ذلك في ديوانه الذي أصدره قريبه الباحث ( محمد حمزه العذاري )  ، وحسن العذاري من ناحية ( محاويل الإمام ) وهي ناحية زراعية يخترقها من الجنوب  نهر يسمونه ( المجرية ) والنهر متفرع من شط الحلة ، لذا كتب قصيدته الشيخ حسن العذاري قائلا ( يا خشوف العله المجرية / أبنكم فزز الدورية / وأبنكم صابني ورماني / وسهام لحظه بالحشه مرميه )  ، غيّر فيها الراحل ناظم الغزالي مفردة ( المجرية ) الى ( الفختية ) وهي طائر الفاختة المعروف ، وللشيخ حسن العذاري قصيدة جميلة لا تزل الذائقة الشعبية ترددها في مناسبات الأفراح وهي ( يهواي دمشي بهونك / خافن تغث الكامه / ليما تصد بعيونك / خليت نعلة نامه / وينه اليدور وينه ويجسب ألي الراحه / ولفي تره نياشينه وجنات إله وضاحه  ) والقصيدة كما أصطلح عليها العروضيون الشعبيون  من وزن ( المثمن الهجيني ) .  
     ولد شاعرنا في مدينة الحلة عام 1889 م ، ،وتلقى الشيخ ( حسن العذاري ) من والده بعض المفاهيم التربوية والدينية ، ثم لازم الشيخ ( علي العذاري ) الصغير وأخذ عنه الكتابة والقراءة وحفظ القرآن الكريم ، ثم تتلمذ على يد مشايخ آل العذاري وأخذ عنهم الحديث وعلوم تفسير  القرآن واللغة في النجف الأشرف ، وقد بلورت النجف الأشرف المواقف الوطنية لشاعرنا الشيخ حسن العذاري فقد تصدى مع أقرانه للحكم العثماني أبان ثورة النجف الكبرى عام 1914 م ، ولأنه من الحلة الفيحاء فقد ألتحق بصفوف الثوار عام 1915 م وقاتل مع أبناء مدينته في ما يسمى ب ( دكة عاكف ) ، وللشاعر الشيخ ( حسن العذاري ) وهو بعنفوان شبابه  مواقف وأشعار لا تنسى أثناء ثورة العشرين ، ( كلنه نموت دون الوطن ودنه / ولو جدم علينه الحتم ودنه / كلمن وصل حدنه وكرب ودنه / (للمظلم خله يودونه ) ) ، والمظلم إشارة للقبر ، وله لثورة العشرين أيضا ( أحنه أوي التفك والدان ولمات / ولا نركن الحكم الجور والدان / عدنه يحتي المظيوم والمات / ( يتشرب من حد ماضينه )) ، ونلاحظ أيضا أن بناء هذا المقطع والذي قبله مبني على وزن الأبوذية ( الهزج ) ، ولكنه يختمه ببحر الخبب وهي ( الهوسة ) ، وكان مثل هذا البناء الشعري مستساغا يوم ذاك ، وسبب انتقال الشيخ العذاري الى النجف الأشرف هو وفاة والده وهو بعمر سبع سنين فأخذته أمه الى أخواله من ( آل المطيري   ) في النجف الأشرف ، وتتحدث أخت الشاعر حسن العذاري وهي الشاعرة  (الملاية صفية ) موصفة حياة أسرتها بتلك المرحلة فتقول ( وين أهل الرحم وين أهل المروه / متدرون الدهر بمرارتي أشسوه / بعدني أرضع حليب أمي وجار وياي / يتيمه أمحيره والهظم فت أحشاي / بالحلة عشت ما بين هاي وهاي / وتدرون اليتيم أشلون يتلوه ) .
تزوج الشيخ ( حسن العذاري ) وهو في سن الأربعين أو بعد الأربعين قليلا من امرأة تسكن قرية الإمام ومن عائلة ( الكوام ) لمرقد الإمام ( أبو محمد الحسن الأسمر ) ويذكر أنه غادر الى بغداد لمدة ثلاثة سنين ولم نعرف سببا لذلك ، ومن الطرف التي تناقلها أقاربه أن زوجته طلبت منه أن يجلب لها من السوق ( بامية وطماطم ) ولم تكن تعرف بذهابه الى بغداد ، وبعد ثلاثة سنين عاد لداره جالبا معه ما طلبته زوجته منه ، وفي العام 1935 م تزوج شاعرنا ثانية بزوجة أرملة من أهالي الحلة ومن عشائر ( الجبور ) وأنجب منها بنتين ، ورغم قلة ما في اليد فقد كان شاعرنا رحمه الله قنوعا صابرا أبيا ولم يتكسب بشعره طارقا أبواب الميسورين والتجار وأهل المناصب الحكومية وهو شاعر الفصحى والشعبي ويقول بهذا الباب ( ينكل بي دهري ولم يدر أنني / صبور وأهوال الزمان تهون ) ، ويقول أيضا ( وأكل كسيرة من خبز أهلي أحب ألي من أكل الرغيف ) ، لقد أطلع الشيخ ( حسن العذاري ) على الحضارات الشرقية وتعلم اللغة الفارسية من أخيه وأخته وضمن قصائده بمفردات أو بيتا كاملا من اللغة الفارسية ( هندونه سي أبيا نجر / وكت شام وكت ظهر / دكعد يبو خدود الحمر / من الغزال عيونه ) ، ولأن شاعرنا كتب الفصحى والعامية فقد أبدع بشعر ( الملمع ) ، ( يا رشئا عذب قلبي فهل / فد يوم قز القرط تنطيني / وسهمك الفتاك في مهجتي / جنك تريد أتحش مصاريني )  ، وشاعرنا طرق كل أغراض الشعر من مدح ورثاء ووجدان وهجاء واجتماعيات وأخوا نيات ومساجلات مع مجايليه من الشعراء ، وفي حفل زواج صديقه الشاعر ( صاحب عبيد الحلي ) يقول بأحد مقاطعها ( عادت ليالي الونسه / ورد الفرح عالعاده / كلبي أنطلق من حبسه / وصدرت بعفو الراده / والجنس عاد الجنسه / كلمن عرف معتاده ) ،   وله هذا الأبوذية التي يقفلها ب( هوسة ) مفتخرا ومعتزا بقوميته وبعروبته ( الدخيل أنجان بينه أنضام وأنساب / صحيحين الحسب بالكتب وأنساب / كلمن عال بينه أنشتم وأنساب / ( مكسور أنرده الديوانه ) )  ، وكتب شاعرنا ( حسن العذاري ) الكثير من مراثي ومدائح آل البيت الأطهار عليهم السلام رددتها حناجر المنشدون لآل البيت ( ع ) ، ومن جميل ( أبوذياته ) وهو يذكر خصال النساء و يقول ( أشو طارش موده مايه منجن / واليعرف مكرجن مايه منجن / أنتن ريع كلبي مايه منجن / لو ساعه تجن ما هيه سويه ) ، وله من بديع ( موالاته ) قائلا ( سهمك رماني ومضه وبحشاش جبدي مرك / وحنت لحالي الكفر لاجن دليلك مرك / كل اللمحني بجه وأشتمر عني ومرك / ياليت كل المركني لاوجه أبيته / وأعمه يظل لايمي بيدي وجبيته / أني لوني أيحصل عندي وجبيته / آنه أعله زيجي ولك لو زاد عندي مرك ) ، وأخيرا توقف قلب هذا الشاعر الكبير الشيخ حسن العذاري عام 1952 م في مدينة الحلة ودفن في النجف الأشرف .       

السبت، 27 أبريل 2013

د . صباح نوري المرزوك ... قلم لا ينفد مداده !!!- حامد كعيد الجبوري


د . صباح نوري المرزوك ...
قلم لا ينفد مداده !!!
حامد كعيد الجبوري
      عام  67_ 1968 أنهيت دراستي الإعدادية وأصبحت أسير حلم وواقع ، الحلم أكمال دراستي الجامعية وتحديدا اللغة العربية لحبي للشعر ونوادره  ، والواقع الحالة الاقتصادية لعائلتي التي أنا أكبر أبنائها ، وبدأت الشيخوخة تسري لأوصال والدي - رحمه الله - لتجعله رهينٌ للبيت ، تغاضيت عن حلمي ودخلت الكلية العسكرية لأتخرج منها ضابطا برتبة ملازم عام 1969 م واستلم مهام والديَّ وأخوتي ، وحبي للثقافة يدفعني لمتابعة النشاطات الثقافية العراقية التي تحمل لواءها مدينتي الفيحاء الحلة بإكبار وأحقية ، وأحببت الثقافة لأسباب كثيرة منها أن أخوالي شعراء للفصحى والعامية ، وأبناء خالتي يملكون مكتبات منزلية متواضعة سمحوا لي بقراءة ما أريد ، فقرأت القصة والرواية والمسرحية ، ولا أنسى الصحف اليومية ، والمجلات الدورية ، بداية السبعينات وأعتذر عن عدم حفظي للسنة تحديدا أسست ( ندوة عشتار ) من نخبة من مثقفي بابل ، الدكتور عدنان العوادي ، الدكتور حازم سليمان الحلي ، الأديب جعفر هجول ، الأديب وحودي سلمان وغيرهم ، وبدأ نشاط هذه الندوة متخذة من مبنى دور الثقافة الجماهيرية مقرا للأمسيات التي أصبحت شبه أسبوعية ، دعاني قريبي الراحل ( جعفر هجول ) رحمه الله لأحد الأمسيات ، وهناك وجدت من هم بسني ، ومن هم أكبر مني عمرا ، اختلطت بهم ومعهم  وتهيأت فرصة التعرف أليهم بسبب أن وحدتي العسكرية كانت في معسكر ( المحاويل ) ، ولذا لم أضيع حلمي وانتظمت بكلية الآداب فرع اللغة العربية بالجامعة المستنصرية القسم المسائي مع زملاء كثر أبرزهم ( د عبد الآله الصائغ  ) الذي كنت أجده أيضا بندوة عشتار الحلية  ، ومن ضمن من تعرفت أليهم شاب أنيق طالب بكالوريوس لغة عربية  دائم الحضور ودائم المشاركة والتعقيب والإيضاح والاستيضاح من المحاضرين ، وهذا الرجل هو ( صباح المرزوك ) ، لم أجرأ بسؤاله عن سبب عاهةٍ برجله اليسرى ، ويعاني صعوبة في السير بسببها ، ومع ذلك لم تكن تلك العاهة معيقة له بالحركة والتنقل حيث ما يشاء ، لاحظت هذا الرجل وهو يحمل قصاصات ورقية تملأ أكمامه ، يكتب ملاحظاته عليها ، ولم أسأله عن سر ذلك أيضا ، وافترقنا كثيرا هو ( لأنقره ) ، وأنا حيث المعسكرات في المدن العراقية والحروب التي زجّ بها البلد وناسه المساكين ، مبكرا أحلت على التقاعد لأسباب يعرفها النظام السابق وكان ذلك عام 1988 م ، عدت أدراجي للحواضر الثقافية التي أبعدت نفسي عنها مجبراً ومخيراً فوجدت ( المرزوك ) يحمل شهادة الدكتوراه  ومن الأسماء المهمة في ساحة الثقافة والتأليف العراقي ، وعدنا كما بدأنا أصدقاء وأخوة ، وبدأت أنشر في الصحف المحلية وكنت أحتاج الصديق ( المرزوك ) بسؤال توثيقي أو ثقافي ما فأتوجه له فيفتش بتلك القصاصات الورقية الصغيرة التي كان ولا يزال يكتب فيها ، وعرفت الجواب لتساؤلي عن ذلك ، وتجرأت وسألته عن عاهته ؟ ،  وقال لي سؤال أستغربه منك ، يفترض أنك تعرف جوابه لأننا أصدقاء منذ سبعينات القرن الماضي ، وعرفت أن سبب هذه العاهة حادث سيارة وليس عاهة ولادة ، عام 1964 م  وبصف الأول متوسط  وهو خارج من مدرسته مع مجموعة من أقرانه داهمتهم سيارة رعناء وارتطمت بهم جميعا وأكثر من أصيب بذلك الحادث التلميذ ( صباح ) لأنه سقط على رصيف الشارع الكونكريتي فكانت إصابته أبلغ من الجميع ، للدكتور المرزوك طريقة خاصة بإلقاء محاضراته سواء في الأمسيات الثقافية أو في قاعات الدراسة الجامعية ، أسلوب تعليمي محبب يعتمد طريقة إيصال المعلومة للمقابل دون عناء وجهد ومتابعة من المتلقي  ، يبحر ببطون الكتب من أجل تلك المعلومة ،  يعرف أغلب العائلات الحلية  وربما  أعده نسابة بذلك ، له من المؤلفات ( 36 ) عنوانا فيهن أكثر من جزء ، وأهم منجز يحبه الدكتور المرزوك ( معجم المؤلفين والكتاب العراقيين ) عام 2002 م بثمانية أجزاء ، وهو جهد يخلّد صاحبه ما حيينا ، ويحب المرزوك أيضا مؤلفه ( البابليات ) أو تكملة البابليات بأجزائه الثلاثة لأنه جاء مكملا لجهد الراحل العلامة ( محمد علي اليعقوبي ) ، المرزوك صديق لا تمل صحبته وأحاديثه ومتابعته ، رافقته بسفرات للمرابد ، والمجالس الثقافية النجفية وغيرها ، محب للخير والعلم والناس ، له علاقات واسعة بمثقفي العراق والدول العربية ، أحب أساتذته وأحب طلابه وبذل من أجلهم الكثير ، يعكف على الأطروحة الجامعية لطلابه ويسدد كتاباتهم بما يمليه عليه ضميره التعليمي  ، وأخيرا ولمن لا يعرف المرزوك قبل إصابته بقدمه محبا للرياضة ورئيس فريق كرة قدم  وله ذكريات بذلك ،ولا أدري ما أقول بهذا ، هل ألعن ذلك السائق المتهور الذي أصاب المرزوك وجعله يعاني من عاهة جسدية ترك بسببها الرياضة ؟ ، و ماذا كان سيجني من الرياضة ؟ ، هل سيكون هدافا ؟ ، أم بطلا للساحة والميدان ؟ ، سرعان ما تنسى البطولات وتركن الكؤوس على الرفوف ،  أم أشكره – السائق - لأن بسببه جلس المرزوك بداره قارئا ومؤلفا ومترجما لحياة الكثير من المبدعين العراقيين والحليين ، يكتب المرزوك بكل ولكل شئ ، ولا ينسى الثقافة الشعبية عموما فهو متابع ونهم لمعرفة كل شئ ، العمر المديد للكبير الأستاذ الدكتور ( صباح نوري المرزوك ) ولتهنأ بابل بأعلامها ومفكريها ومؤلفيها وأبناءها البررة .
صباح ببلوغرافيا
-----------
صباح نوري المرزوك
ت 1951 بابل / الحلة
حصل على البكالوريوس من جامعة بغداد قسم اللغة العربية عام 1972 م
الماجستير عام 1985 م أنقره
دكتوراه 1989 أنقره
حصل على الأستاذية عام  2009 م
م يزال أستاذا لمادة الأدب العربي بجامعة بابل    

غالب المسعودي - ألعمى الثعلبي وعبقرية الرد بالكتابة

الأحد، 21 أبريل 2013

الذبابيون تكاثروا=كاظم فنجان الحمامي




الذبابيون تكاثروا


كاظم فنجان الحمامي      

أغلب الظن إنّ أنفلونزا الذباب هي أقدم وأبشع الأمراض والأوبئة المستوطنة في مجتمعاتنا منذ قرون. فهي أشد فتكا ودمارا من أنفلونزا الخنازير, ووخز الدبابير, ووقاحة الزرازير. ولا يحمل فيروساتها الخبيثة إلا الذين اعتنقوا فلسفة الذباب, ولؤم الذئاب, وآمنوا بمبادئ المنهج الذبابي الانتهازي الميكافيلي. .
فالطفيليون والنفعيون عادة ما يحومون كما الذباب على موائد وقدور أصحاب الوجاهة والنفوذ, الذين سبقوهم في التربع على منصات الزعامة والسلطة. وهذا هو ديدنهم, وهذا هو جوهر فلسفتهم الذبابية المنبعثة من مستودعات التفسخ الأخلاقي . يمتلكون حاسة شم خارقة. ولديهم القدرة على التمييز بين الأكتاف التي سيأكلونها. وبين الأكتاف التي سيتسلقون فوقها, ويعرفون كيف ينشرون أجنحة الاحتيال، وكيف يستخدمون أسلحة الاغتيال. يتقنون التزلف والتملق كحرفة دنيئة لا يجيدها غيرهم.  يتفننون في التودد لمن هم في الأعلى. يتعمدون الإساءة لمن هم أكفأ وأشرف منهم. يحيكون المؤامرات والدسائس. ينصبون الفخاخ. ينسجون الأحابيل. فانغمسوا في ممارسة الرذيلة, وضاعوا في سوء الكيلة. حتى انقلبت عندهم مفاهيم العدالة والاستقامة رأسا على عقب. وصار التعدي على المال العام في نظرهم شطارة. والكذب عندهم مهارة. والدين تجارة, والحيلة فطنة. والصدق بلاهة. .
لقد سبق وأشرت إلى خطورة أصحاب الوجوه الهلامية, وحذرت من ذوي الأخلاق الزئبقية. وسبب عودتي لهذا الموضوع. هو حالة الاستياء والتذمر والقلق, التي تساور الناس هذه الأيام. خصوصا بعد انتشار أنفلونزا الذباب, وتغلغلها في أروقة المؤسسات الإدارية والسياسية والتنظيمية. فقد فاحت روائح الفساد حتى أزكمت الأنوف.. وتكشفت الحقائق للقاصي والداني. ولم تعد تلك المظاهر الخدّاعة تنطلي على الناس, وسقطت الأقنعة المزيفة عن الوجوه المتسترة بجلباب الورع والتقوى. وفشلت أساليب الغش والتحايل. وظهر المفسدون على حقيقتهم المشينة. بعد أن انتحلوا من الخصال ما يتناقض مع غرائزهم الحيوانية. وتقمصوا منطق التضليل والتلفيق والمراوغة. وتلاعبوا بالألفاظ والمواقف. واتخذوا من المزايدات الطائفية والولاءات القبلية مطية لهم. وهكذا سقط الذين يحملون فيروس أنفلونزا الذباب في مستنقعات الخزي والعار. وفقدوا احترام عامة الناس. بعد أن أصبحوا يمثلون صورة من صور الانتهازي الجشع, الذي يعرض قضايا أمته للمزاد في سوق الدعارة السياسية. ويتاجر بآلام الفقراء والبائسين. ويقامر بمصلحة أمته ووطنه في سبيل تحقيق مصلحته هو شخصيا, ويستغل طيبة الناس وسذاجتهم لضمان منفعته الذاتية. فالذبابيون عبيد للذات والمال والجاه. ألا تراهم كيف يتقافزون كالقرود على سلالم السيرك السياسي, وكيف يستثمرون الأزمات المحلية. لِيُحرِّكوا مصالحم الخاصة. أو ليتكسَّبوا من مصائبنا وأوجاعنا. أما إذا تَولَّوْا منصبًا من المناصب. وصارت مُقدَّراتُ الأُمَّة وأموالُها بين مخالبهم. رأيتَهم يَنهبون منها على هواهم. ويَتلاعبون بحقوقِ النَّاس وَفقَ ما يشاؤون. ويتهافتون على جني المزيد من المنافع والمكاسب. وليشرب الناس من البحر. حتى سَئِمَ النَّاسُ الحياةَ معهم، والعيشَ بجوارهم مِن كثرة صَفاقتِهم وحَقارتِهم. وأشد ما يزعج الناس. إنّ هؤلاء المصابون بأنفلونزا الذباب. يمارسون أسوأ أنواع نكران الجميل, في القول والفعل. ويتعاملون بصلف وصفاقة مع من لهم الفضل عليهم. وهكذا فضحوا أنفسهم بأنفسهم. وفقدوا احترام الناس لهم. وخسروا الدنيا والآخرة بسبب ممارساتهم المبنية على الزيف, والدجل, والنفاق, والضحك على ذقون الناس السذج, الذين ربما انخدعوا بعباراتهم المنمقة, وتصرفاتهم الملفقة. لذا لابد من كشف زيف هؤلاء. وتشخيص خداعهم. وفضح خزعبلاتهم. ولابد من إعلاء صوت الحق, ليجلجل مدويا في فضاء الحرية. ومن دون خوف أو تردد. عندئذ نكون قد أسهمنا في التخلص من الفيروسات المسببة لأنفلونزا الذباب, ونجحنا في الوقاية من شرورها. فأما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال.
صدق الله العظيم. .

الأربعاء، 17 أبريل 2013

دقات قلبها في ساعة سورين-كاظم فنجان الحمامي



دقات قلبها في ساعة سورين



جريدة المستقبل العراقي


كاظم فنجان الحمامي

سوران متداخلان يحميان البصرة من عيون الحاسدين والمتسللين, سور رسمته المسطحات المائية بين ضفاف الأخوار والأهوار, وسور شيدته الكثبان الصحراوية بين أم قصر وأم الحوالي, لكن دقات قلبها ارتبطت روحيا وتراثيا وزمنياً بدقات ساعة سورين. .
كانت هذه الساعة الكبيرة تعلو البرج الحجري, الذي يتوج عتبة الجسر الخشبي المؤدي لسوق الصيادلة, أو سوق المغايز, أو سوق الهنود, ثلاث مسميات مختلفة للشريان المتفرع من برج الساعة, نكهة مميزة لا يفارق عطرها خلايا الذاكرة. .
انشغلت ساعة سورين منذ ولادتها عام 1906 بضبط إيقاعات سوق الهنود لستة عقود من المراحل الزمنية المتعاقبة, المزدهرة بالأنشطة التجارية, المرتبطة بالمرافئ العالمية البعيدة, فلم يحافظ عليها محافظ البصرة (محمد الحياني), الذي قرر إزالة البرج من قواعده عام 1965 بذريعة طمس اسمها الأرميني, الذي استمدته من اسم المصور الشمسي (سورين), ذلك الرجل البدين, الذي اتخذ من فتحة الجسر مكانا لكاميرته الخشبية البدائية, وأحبه الناس بابتسامته البريئة, ولهجته الهجينة الساخرة, فانهار البرج العتيد, وتوقفت عقارب الساعة عن الدوران, واختفى الهنود من السوق, واختفت معهم التوابل والمطاعم الجميلة, اما (محمد الحياني) فقد طاردته عفاريت الساعة وعقاربها في أجواء البصرة, وأسقطته من طائرته في ضواحي قرية (النشوة), بعد يومين من الإطاحة بالبرج التراثي وساعته التي حفظت خطوات الزمن على ضفاف نهر العشّار المتفرع من شط العرب. .
تباهت سواحل الإسكندرية بمنارتها الملاحية المطلة على البحر الأبيض المتوسط, وتباهت جنائن البصرة بمنارتها, التي حملت معها ساعة سورين بإطلالتها الخليجية, فكانت بالنسبة لروادها مثل ساعة (بيك بن) عند أهالي لندن. .
كانت الساعة تزين قمة البرج بوجوهها الرباعية المستديرة, ويحمل برجها فوق هامته مؤشراً ملاحياً كبيراً لتحديد اتجاهات الريح, وأربعة أسهم مكتوب على أطرافها الحرف الأول للاتجاهات باللغة الانجليزية, جنوب S)) , غرب W)) , شرق E)) , شمال ((N فتصدرت منذ تأسيسها نشرات أخبار (NEWS) التحضر.
تعمل ساعة سورين بنظام ميكانيكي دقيق, في الوقت الذي تعتمد فيه ماكينتها على ستة تروس مسننة فقط, بينما تعتمد الساعات الأخرى على ثلاثين ترساً مسنناً أو أكثر. .
ربما لا يعلم الناس إن صاحب المبنى كان تاجراً يهودياً من أصل روسي, وكان وكيلا لشركة ألمانية متخصصة بإنتاج المحركات الميكانيكية والأدوات الكهربائية, وكان هذا المبنى يضم مكاتب التاجر محمد الثنيان الغانم, ومحمد أحمد الغانم, واشتمل القاطع الخلفي من المبنى على مكتب عبد الله الصقر, وإخوانه, ومكتب خالد العبد اللطيف الحمد وإخوانه, قبل انتقالهم من البصرة واستقرارهم في الكويت. .
اما الجسر الخشبي الذي كان يربط سوق الهنود بسوق حنا الشيخ فقد بناه يهودي آخر يدعى (يامين), وكان يملك مطحنة كبيرة ومعملا للمياه الغازية, اما سينما روكسي, التي كانت قريبة من الجسر, فهي من دور العرض القديمة, وتعود ملكيتها ليهودي عراقي يدعى (عازار), وهو والد وزير الدفاع الإسرائيلي السابق (بنيامين أليعازر), الذي ولد في البصرة عام 1936 وكان اسمه (فؤاد عازار), وأكمل فيها دراسته الابتدائية بهذا الاسم (فؤاد), ثم غادر البصرة إلى إسرائيل عام 1950 ليغير اسمه هناك إلى (بنيامين). .
لم تتوقف دقات ساعة سورين في قلوب أبناء البصرة, ولا في قلوب الذين غادروها نحو المحطات البعيدة, حتى جاء اليوم الذي خرج فيه أحد أحفادها ليعيد إلى الأذهان حكاية ساعة المدينة المسورة بسورين. .
كان رئيس المهندسين الأستاذ (علي خريبط) صاحب شركة (بصرة ماس) أول من تبنى فكرة النصب التذكاري للراحل (مزهر الشاوي), وهو الذي تحمل تكاليف تنفيذ النصب بالكامل على نفقته الخاصة, وأول من سعى بمشروعه المعماري لإحياء ساعة سورين وبرجها وبنايتها, وربما أراد من مشروعه هذا توثيق مراحل الازدهار والرخاء, لكي لا تختفي من الذاكرة إلى الأبد, فآفة التراث النسيان, وآفة الرأي الهوى, وآفة البصرة الإهمال. .
أسس (علي) شركته الهندسية الجديدة قبيل هذا العام, وكانت تحمل اسم (سورين), تيمنا بهذه الأيقونة البصراوية الجميلة, فاختار لها مكاناً مميزاً بجوار الأرصفة الشمالية العتيقة لميناء المعقل, وعلى وجه التحديد بين شط العرب والمدرج المائي للطائرات القديمة (الشط المالح), على امتداد الطريق المؤدي إلى مطار البصرة القديم. .
ومن المفارقات الرائعة, التي رافقت ولادة هذه الشركة, إنها ضمت باقة صغيرة من المهندسات الواعدات, اللواتي تخرجن تواً في كلية الهندسة التابعة لجامعة البصرة, فتيات صغيرات لا عهد لهن بالتصاميم المعمارية المعقدة, ولا خبرة لهن بالمشاريع الكبرى التي ستغير وجه المدينة نحو الأفضل, لكنهن قطعن حتى الآن شوطا كبيرا في إكمال التصاميم النهائية لساعة سورين وملحقاتها المعمارية, فتفوقن على الذين سبقوهن في هذا الحقل الإبداعي. .
ثلاث مهندسات مبتدئات فقط: كوثر جمال شهاب الطلال, وأمنية إسحاق هاشم, وهبة عبد الجبار هادي, سرن على خطى المرأة الحديدية (زها حديد), ووجدن الرعاية الأبوية, وحصلن على الدعم المطلق, فتفجرت طاقاتهن الهندسية في مواجهة التحديات الصعبة, ونجحن في وضع اللمسات النهائية لمشروع (ساعة سورين). .
توفرت للمهندسة (كوثر) البيئة العائلية النموذجية, فوالدها من أكفأ أساتذة الفيزياء, ووالدتها من أكفأ أساتذة التاريخ, فجمعت (كوثر) بين المواهب العلمية الفذة والمشاهد التاريخية الخالدة, ثم صاغتها في قوالب مهاراتها الفنية بأبهى صورة, ووظفتها في انجاز النموذج المصغر للمشروع. .
باقة يانعة من المهندسات الموهوبات بحثن عن المعالم البصرية المفقودة, وفتشن في دفاترها القديمة, وسعين نحو ترسيخها في ذاكرة المدينة العريقة المهددة بخناجر الحواسم, في الوقت الذي تواصل فيه شركات النفط العملاقة تشويه تربتها وتلويث بيئتها بمشاريع الحفر والتثقيب والتقطيع, فتنفث سمومها في أجواء المدينة المصابة بالربو الحاد لتزيدها تلوثاً وألماً, ثم تطوقها بأنابيب الملوثات النفطية, فتلويها حول عنقها وخاصرتها, فترتفع سحب الدخان الأسود من فوهات الأبراج الملتهبة بنيران الغازات السامة المحترقة في الجو. .
ختاما نقول: عندما ترتبط المعالم القديمة بالمنجزات الهندسية الإبداعية تتعالى أصوات الناس فرحاً وابتهاجاً, وتتوحد مطالبهم نحو استعادة المشاهد المفقودة من ذاكرة مدينتهم الجميلة, فتعود عقارب الساعة إلى عهودها المزدهرة في زمن الرخاء والاستقرار والتعمير والبناء. .
نحن هنا نتحدث عن ساعة قديمة بسيطة, معلقة فوق برج صغير عند نهاية سوق شعبي أضاع باعته وفقد نكهته, في الوقت الذي تتفجر فيه المشاريع الهندسية التراثية الخارقة على رمال مدينة (دبي) وأخواتها, وعلى رمال الدوحة وأبو ظبي والشارقة وعجمان وأم القيوين. .
لقد أولت بلدية دبي اهتماما خاصا بالحفاظ على تراثها المعماري باعتباره يمثل أبعادها التاريخية والثقافية والتراثية والسياحية , ونجحت في ترميم (178) مبنى في غضون عشرين سنة, أشهرها (حي الشندغة), وقلعة (الفهيدي), والمدرسة (الأحمدية), وحي (الرأس), وقرية (حتا), وسعت لتسجيلها في لائحة التراث لدى منظمة اليونسكو, فالمدن الخليجية اليوم في حراك علمي وهندسي لتوثيق تراثها المعماري لما لهذا التراث من دور فاعل في تأصيل وترسيخ الهوية الوطنية, وفي تعميق التواصل مع ما تركه الأجداد من موروث مادي ومعنوي. .
لقد أصبح الموروث المعماري هدفاً أساسياً لعملية شاملة لتطوير المجتمعات المعاصرة لمتطلباتها ومستجداتها الحياتية, وتأكيد قيمها وانتمائها لهويتها الوطنية.
نحن الآن في أمس الحاجة إلى التوعية المجتمعية, والحفاظ على تراثنا المعماري واستعادته, ونشر مفاهيم الانتماء للأرض والمكان. .
فمن يا ترى سيؤازر مهندسات شركة سورين, ويساعدهن في تفعيل مشروعهن التراثي ويخرجه إلى النور ؟؟. . . أم ربما يكون من الأفضل أن نطرح مثل هذا السؤال بعد انتهاء الانتخابات المحلية ؟؟. . .


-- 

السبت، 13 أبريل 2013

منتدى النخبة الثقافي و ...الشعر رسالة وقضية !!!-حامد كعيد الجبوري


منتدى النخبة الثقافي و ...
الشعر رسالة وقضية !!!
حامد كعيد الجبوري
ينشط الشعراء الشعبيون هذه الأيام بطلبات كثيرة من القوائم – جمعا وفرادى -  التي تريد خوض الانتخابات القادمة لمجالس المحافظات العراقية ، ويعتقد المرشحون أن شراء ذمم البعض سهل جدا ، وأجد أن الكثير من الشعراء ورغم عوزهم لا يعطون الوعود لأولئك المرشحين لأنهم لا يبيعون وطنيتهم وقيمهم ومثلهم بحفنة من المال ، دعاني الصديق الشاعر المبدع ( ماجد كزار ) لحضور أمسية أقامها أحد الأحزاب للمنتدى الشعري الذي يترأسه الشاعر  ( حسام هوبي  ) ، مجموعة من الشعراء الشباب تخندقوا تحت مسمى ( منتدى بابل الثقافي  ) ، وقرروا أن يكونوا ضمن تشكيلات ( الإتحاد العام للشعراء الشعبيين فرع بابل ) ، وللحقيقة أن الشاعر ( ماجد كزار ) هو من هيأ الفرصة لهؤلاء الشباب وآثر أن يبقى متابعا وموجها لهذا المنتدى الذي يضم بين شاعر شعبي ، وشاعر لغة عربية ، وفنان ، وموسيقي ، وممثل ، الجميع يعملون خلية نحل من أجل أنجاح مشروعهم دون التطلع لدعم حكومي ، أو حزبي ، ويأملون أن يأخذوا دورهم الطبيعي من أجل بناء وطن أنهكته الحروب ، ومزقته الإرادات الداخلية والخارجية ، حضرت أكثر من أمسية لهؤلاء الشباب فوجدت نضوجا بأشعارهم والجميع همه وهمته أن يوصل صوته لأصحاب القرار متطلعين لوطن تسود فيه روح التسامح ، أملين من الساسة الإيثار لحب شعبهم ، يقول الشاعر  باقر حسين موجها شعره لرئيس الدولة ، أي كان الرئيس ، وفي أي وقت يحل ، ( يا رئيس ... أبعث لشخصك رسالة / من مواطن يرثي حاله / ومن كلب جدا بئيس / أنظر بعين العدالة ولا تقيس / دنيه تخرب بالقياس / وأول القاسو أبليس / جادل الله وجان ما عنده يقين / كال نار ومستحيل أسجد الطين / يا رئيس ... يعني أبن زيونه عندك / مثل أبن حي التعيس ) ، ويعني الشاعر  بأبن ( زيونه ) الحي البغدادي المعروف بغناه مقاسا بابن ( حي التعيس ) وهذه هي تسمية أحد أحياء القصبة القديمة لمدينة الحلة الفيحاء ، ويقول الشاعر عماد السلطاني مخاطبا الجميع ومذكرا لهم تاريخهم العراقي الأصيل ، ( يا ملعب جهلنه أرتاح / يا مهد الطفولة ويا وساد الليل / حلك الطوب بالمكوار شكيناه / وردينا الزلم والخيل / واليوم لا والنبي / جمره العيون تصير / لونذل بيك أيعيل / دونك نصب يا وطن / دمنه أعله بابك سيل / لو نحضه بيك ونظل / ونحامي جيل الجيل / ولو صحنه بأول جرح / ظلتنه عيبِ بعد / أنلم الهدم ونشيل ) ، أما الشاعر ( محمد البكري ) يتحدث للعراقيين جميعا وكعادة الشعب العراقي ( أحجي وياج وأسمعج يا جارتي ) فيقول ( تجاهلنا مآسينا وأجينه ننتخب / بس رحمة للعباس مو مثل المضن ) ، وشاعر آخر يندب حظه ويستصرخ همم شعبه مخاطبا الساسة الذين توالوا على تخريب الذائقة العراقية والألفة المجتمعية فيقول الشاعر ( علي العتابي ) ( عراقي وشاب كلبي من الحروبات / وأبشرك ع الزغر لاحن تجاعيد / بعمر عشرين لسه وآنه ما حاب / شحب وآنه تكرهني المواعيد ) ، الشاعر ( زيد النافعي ) لم يستأذن الساسة ليوجه لهم حديثه بل أطلقها بكل شجاعة وحرية وقال ، ( سياسينه الموقر عندي مشروع / نبدل الشوك كله بريح قداح / أخذ مال اليتامه وأشتري الدور / ولتبدل يتيم بصفقة سلاح ) ، وتوالت قصائد الشعراء مستصرخة وطنهم وهمة شعبهم ، وهذا الشاعر ( محمد السلامي ) يقول ، ( دمعات الوطن نزلت بالأخبار / لأن شافت فرح خط بسمة أطفال / يا وطنه كلشي ما شفنه بعمرنه / يمته نرجع يا وطنه / أنت يا دجلة وفرات / أنت تحكم ما تريد / ما نريد احنه الطغات ) ، والشاعر ( مصطفى الموسوي ) يقول بهذا المقطع الغنائي ، ( لتراب الوطن والعز حمينه / ولدك يا وطن لتظن نسينه / رفرف بالسمه اليوم / علمنه بين النجوم / عالي ويبقه عالي أيرف علينه ) ، ويقول الشاعر ( ( حسين القريشي ) مخاطبا المجتمع العراقي ليتوجهوا لصناديق الاقتراع فيقول ، ( هذا حق الكل مواطن / يريد موطن يبقه آمن / نريد مستقبل ولدنه / نريد يفرح كل بلدنه / نريد باجر نستريح / كوم خل أيدك بديه / حتى نختار الصحيح ) ، وأعتلى المنصة الشاعر ( أمير آل ياسين ) ليقول ، ( راسك يا وطن مثل الجبل مرفوع / وتظل بغداد جنه ودوم معموره / وتظل كركوك وردة وتحجي بيها الناس / والبصرة بشرف وبخير مستورة ) ، لاحظت أن أغلب القصائد التي قرأت تتسم بالغنائية بسبب أن ( منتدى بابل الثقافي ) يضم بين المنتمين له مطربون وموسيقيون يتدربون على العزف على آلة العود ومدربهم لذلك الفنان الشاعر ( ماجد كزار ) مؤسس المنتدى ، قبل نهاية الجلسة فوجئت بعريف الحفل الشاعر ( حسام هوبي ) رئيس المنتدى يدعونني لقراءة قصيدة بهذه الجلسة ، وخاصة وأنه قدمني بعد أن قرأ أبياتا من الغزل يقول فيها ، (اذا مابيك ترجع كلي ماعود / حتى اسكت وشكك ذكرياتي / حرامات التعب ما غزر وياك / وعليك بلا ثمن ضاعت حياتي ) ، لبيت طلبهم وقلت موجها حديثي للجميع علينا أن نحارب الجهل بالعلم ، والقبح بالجمال ، والكره بالحب ،  لذا سأنشد للحب ، ( حبيبي لا مثل كلبك وهم بيك / تمنيت اللذي بيه وهم بيك / مثل يوسف تهم بيه وأهم بيك / حضنته وما نزل برهان بيه ... يبو عيون الوسيعه النهد شايل غيض / دصد عينك عليه ولا تظل سالي / تمنيتك تجيني أغلك عليك العين / وأشمك شمة الغايب تعنالي / أجيلك مستحي والشيب أكل بالراس / أخاف عين كل واشي يتخطالي ) .

الاثنين، 8 أبريل 2013

امرأة تبحث عن حلم-الدكتور رافد علاء الخزاعي


امرأة تبحث عن حلم
قالت لي لم احلم منذ  خمسة عشر سنة .......
شدهت تفكيري وقلت لها هل لديك أسباب....
قالت أخر حلم لي وانأ في حضن أمي ونحن نيام فوق السطح لان الكهرباء وقتها كانت مبرمجة القطع............
قلت لها ولم تنامي بعدها في حضن أمك من جديد........
قالت ....لا لان أمي أصيبت بذبحة قلبية في اليوم الثاني وتوفيت سريعا لعدم وجود الدواء.......
قلت لها هل تتذكرين حلمك الأخير......
قالت لي نعم كأني أبحر في السماء وفجأة أنزلني القبطان على الأرض وخطف أمي بعيدا...........
 قلت لها ولم تحكي الحلم لامك..........
قالت لا..........لأني  لا أجيد تفسير الأحلام .........
قلت لها وماذا تتمنين الان .........
قالت أريد إن أقلدك في أحلامك.............
قلت لها وانأ ابتسم الأحلام لأتقبل التقليد وإنما تتطلب التجديد  مثلا إنا لكي أحلم .. لا أحتاجُ ليلاً للنجوم  كي تضيء  سمائي.. لا أحتاجُ أغنيتي المفضلة ترددها الشفاه .. فقد أرهقها الزحام .. ..... وزعيق الفضائيات........ونهارات الخوف المليئة بالانفجارات والاغتيالات....... وضجيج المولدات......... لكي أحلم .. لا أحتاجُ ألحاناً  أو ترنيمات لكي أُرّقصَ السنديان  أو ظلي الذي لا ينام أبدا.. و لا احتاج سماءٌ ملبدةٌ بغيومِ البنفسج .. وأرضٌ ضاقت بساكِنيها .. وماءُ النَّهرِ أصبحَ أُجاج .. لا شيء أحتاج .. لكي أحلم .. سأجعلُ من أمنيات الأطفال ألحاناً ..  ونظرات المرضى الطالبة للشفاء عنوانا........ وعيون أمي الحزينة وهي ترى ظل إخواني في عيوني بلسما......   وهمسات  أصدقائي  بالبحث عن ضحكة اختف من الشفاه المتعبة....... واهاءات المتقاعدين الذين خدموا الوطن وهم يملئون الشوارع حسرات ............. وطيور وطني التي مللت الانفجارات .........وعصافير حديقتي التي أصيبت بالخرس الغنائي من كثر تطبيل الغواني التافهات ......... وزهور الربيع التي أبت تتفتح في وطن أصيب بالملمات ......ومن كثر كذب خطباء الجمعة ومرشحي الانتخابات ...........فقط احتاج إلى أحضان  ت
عزف من قلبها  سيمفونيات يسمعُ لها الأُقحوان  وترقص لها الفراشات.
قالت لي إذا تعال نام في حضن غابت عنه الأحلام من سنين ماضيات عسى نحلم سويا في فردوس الأرض المفقودة المكلل بقوس قزح وتحرسه الملكات,,,

نمنا  عميقا.......حلمنا في بحر ازرق جميل تتقاذفنا في الموجات وتغرد فيه نجوم البحر وتعكس أضواء النهار لالى المرجان ................ولكن..........صحونا........على صوت الانفجارات..........
قلت لها هكذا قدرنا  لا يحين وقت الحلم بعد  حتى ينتهي صوت المولدات.............. في وطن ضاعت فيه الأحلام بين سراق الأمل وبياعي الكلام.
الدكتور رافد علاء الخزاعي

الثلاثاء، 2 أبريل 2013

الهدامة بعد معاول التهديم-كاظم فنجان الحمامي




الهدامة بعد معاول التهديم

جريدة المستقبل العراقي






كاظم فنجان الحمامي

لا ندري حتى الآن من ذا الذي أطلق على قرية (الهدامة) هذا الاسم المأساوي, ولا ندري منذ متى رزحت تحت معاول التهديم والخراب, بيد أن الثابت لدينا أنها كانت حتى وقت قريب هدفا للغارات الصاروخية, والقذائف الغبية, لقربها من خنادق القتال في معارك شرق دجلة, ولوقوعها عند خطوط التماس الساخنة لأشرس المعارك والمواجهات الحربية التي زلزلت الأرض تحت أقدام القرى الواقعة بين البصرة وميسان, ابتداءً من (الصريفة), وانتهاءً بمدينة سيدنا (العزير) عليه السلام, مروراً بقرى (صخيريجة), و(الخيسات), و(العلوة), و(أبو عران), و(النخيلات), و(حريبة), و(بيت عباد), و(بيت سلمان), و(بيت معيجل), و(بيت عوفي), و(بيت غزيل), و(حُميّان), و(السيب), و(الحارّة), و(الدميغ), و(السفحة), و(الكبيبة), و(همايون), و(الروطة), و(الحالة), و(النجيرة), و(جهنم), و(الهدامة) التي تقع ضمن مجموعة القرى المسحوقة. .

ربما اكتسبت قرية (الهدامة) اسمها من سنة (الهدامة), وهي سنة الكوارث الطبيعية القاسية, التي تهدمت فيها أكواخ وبيوت قرى البصرة في الهارثة والزبير والفاو وأبي الخصيب, وانهارت على ساكنيها بفعل الأمطار الغزيرة, التي اجتاحتها في تلك السنة, حيث انهمرت الأمطار على البصرة وضواحيها بكثافة غير متوقعة, فاندفعت السيول العنيفة في اليوم السابع من شهر كانون الأول (ديسمبر) من عام 1934, في غرة رمضان من العام الهجري 1353, فانهارت سقوف البيوت وتهدمت جدرانها, وغرقت الحقول والبساتين, ووجد الناس أنفسهم بين ليلة وضحاه في العراء بلا مأوى, وبلا ملاذ, وبلا مصدر للعيش. . 

(الهدامة) قرية بائسة من قرى البصرة, تقع شمالي القرنة في منتصف المسافة بين الحدود الإيرانية ونهر (العز), كانت زيارتي الأخيرة لها قبل بضعة أيام بصحبة الشيخ صبري بن صدام بن شبيب البيضاني, والشيخ جمعة بن حصموت, والشيخ صدام بن راضي (من بيت داود), والحاج محمد أمين البيضاني, فوجدتها لم تتخلص بعد من آثار معاول الهدم والتهديم, ولم تتخلص أيضا من أساليبها البدائية في التنوع البيئي الموروث بين الاتكال في العيش على الزراعة وتربية الحيوانات, وبين صيد الطيور والأسماك النهرية, وهكذا سارت في خطوط متوازية ومتقاربة مع الفقر والتخلف, فلم تستنشق شذى الحضارة والتحضر, ولم تتحسن ظروفها حتى يومنا هذا, على الرغم من الوعود المتكررة بانتشالها من أوضاعها المزرية, وعلى الرغم من تطلعاتها المشروعة نحو الارتقاء إلى مصاف القرى العصرية في هذا الفردوس الجميل المحروم من ثرواته النفطية, التي شفطتها أبراج حقول (مجنون). .
كان لقاؤنا الأول في مضيف الشيخ فارس بن سلمان البخيتاوي من (بيت صقر), بحضور الشيخ موسى بن حسين (من بيت غزيل), ثم انتقلنا إلى مسجد الشيخ قطان بن حسن الكباشي (من بيت صقر), وهو من وجهاء القرية وحكمائها, فاستقبلنا وأولاده على الطريقة العربية التقليدية, واظهروا لنا كرم الضيافة التي اشتهرت بها ضواحي البصرة وميسان, وكان معنا اثنان من رجال الدين من فئة الشباب الملتزم بأصول الشريعة, وهم الشيخ ياسين بن كاظم المحمداوي, والشيخ حميد بن قطان المحمداوي. . .
تتوزع قبائل البو محمد في الرقعة الجغرافية المحصورة بين جسر الجوابر في محافظة البصرة, وتتمدد بالطول والعرض باتجاه نهر (العز) حتى حدود (المجر) في محافظة ميسان, في مساحة زراعية شاسعة تقطنها عشائر البوبخيت, وبيت نصر الله, والعمشان, والبيضان, والنوافل, والبو علي. .

ثم انتقلنا كلنا إلى مضيف (بيت غوينم) فتمحورت أحاديثنا عن المشاكل المستعصية التي ظلت تواجهها هذه المنطقة, التي كانت حتى وقت قريب مسرحا للعمليات العسكرية الساخنة, وساحة مفتوحة لمعارك الدبابات الطاحنة, وحقلا عشوائيا من حقول الألغام الخبيثة المضادة للأشخاص. .  
ظلت المنطقة حتى يومنا هذا تعاني من شحة مياه السقي وانعدام مياه الشرب, وتعاني من سوء تسويق المحاصيل الزراعية, وعدم توفر الدعم والرعاية الصحية والزراعية والاجتماعية. .
تعيش (الهدامة) حالة مزرية من التخلف بين أحضان العزلة المفروضة عليها منذ ولادتها في رحم الأهوار, فما أحوجها اليوم لبرامج الحد من الفقر والتهميش والإقصاء الاجتماعي, وذلك من خلال توفير الخدمات الأساسية كالصحة والتربية والكهرباء والماء الصالح للشرب, والقضاء على السكن غير اللائق, ومحاربة الأمية, وتطوير الشبكة الطرقية. .
لقد تبين لنا بالملموس إن المشاريع الترقيعية لم تجد نفعا في ظل البرامج الارتجالية غير المدروسة, وفي ظل المشاريع التي ينفرد بها المقاولون الفاسدون, فتتحطم آمال سكان القرية على أنقاض مستوصف متهرئ من دون معدات أو طاقم طبي, ومن دون كادر رفيع المستوى, أو على أنقاض مدرسة من القصب والبردي, أو أنابيب تالفة, أو طريق مهجور بسبب كثرة المطبات والتشققات, ويتجلى هذا الواقع المر في احتداد التخلف البنيوي, الذي تعيشه قرية (الهدامة). .

ختاما نقول: ان مؤشرات التخلف في هذه القرية المنسية تتلخص بارتفاع نسب الأمية والجهل, والدخل الفردي الهزيل, والفقر المدقع, وأوضاع المرأة التي تفوق درجة التحمل, والنقص المهول في البنيات التحتية والخدمات الأساسية, والعزلة والتهميش, والهجرة القروية المتفاقمة في ظل تفشي ظاهرة (الحواسم) والتجاوزات المتكررة على الأراضي في مركز مدينة البصرة, بانتظار من يتصدى لتعميق المطالب الاجتماعية, التي يناضل من أجلها سكان القرية كالتعليم والصحة والماء والكهرباء والطرق والنقل والاتصال, والمحافظة على الثروات البيئية والمحلية, وتوفير شروط الرفاهية من دور للثقافة والرياضة, وتوفير الحد الأدنى من الخدمات الإدارية على أقل تقدير. .
--