الثلاثاء، 5 فبراير 2013

قصص قصيرة جدا ً- عادل كامل-اللوحات د.صفاء السعدون





قصص قصيرة جدا ً






عادل كامل
[1] ظلال
    وهو يتقدم، شاهد ظله ينسحب، وكلما تراجع كان يراه يرتد. فتراجع، ليشاهد ظله يمتد، ليرى، وهو يتوقف، ظله يتقلص ويتوارى. فكر ان يتقدم ويتراجع في اللحظة ذاتها التي ذهب فيها إلى اليسار والى اليمين، ليرى ظله يرسم أشكالا ً لا علاقة لها بمصدر الضوء، ولا بالحركة، ولا بجسده.  
    فقال مع نفسه، لا أخطاء تحدث خارجي، مثلما ـ أضاف ـ لست متوهما ً. وعندما كف عن الحركة، شاهد ظله يترك بعدا ً رابعا ً، وهو يقوده للنظر إلى الأعلى، والى الأسفل، كي يرى الأشكال ازدادت صلابة، ولها ملامس تداخلت بعضها مع البعض الآخر، مدركا ً، في لمحة، انه أخيرا ً لم يعد يمتلك قدرة ضبط الأسباب بنتائجها. ذلك لأنه لم يقدر إلا ان يفكر بالفرار، إنما، كلما ابتعد، وجد انه يدخل في مساحة بلا حافات، وانه بعد ان راح يتأمل الظلال ويصغي لأصوات شبيهة بالرنين، ويستنشق روائح غريبة، لم يجد شيئا ً ما يغويه للانجذاب، ولا للمراقبة.

[2] تأمل
   " لا أستطيع ان أعرف ماذا يريد الإنسان ..." دار بخلده، وهو يستنشق عطر ورود ذات درجات لونية متعددة، مصغيا ً إلى رفيف ومضات جذورها يلامس محياه
، فأحس بدوار لذيذ منعه من تكرار السؤال ذاته الذي طالما شغله خلال سنوات حياته الأخيرة.
   لكن السؤال انبثق داخل رأسه: تُرى ماذا تريد هذه الورود ان ....؟" لأنه ترك أصابعه تغوص في تراب الأرض التي كانت، قبل عقدين، مدفنا ً، قبل ان يبني بيته فوقها. فقال لنفسه: الآن استطيع ان أموت هاديء البال، والقلب، والضمير لو ...، لو كف بصري عن تتبع هذه الومضات، والأصوات، واستنشاق هذه العطور" ثم راح يردد بصوت مكتوم: ولكن ماذا افعل والموتى ينهضون...؟

[3] ورود
ـ " لا اعرف اهو هذا الذي لا وجود له صنعني، أم أنا هو من صنعه ...؟" وراح يتفحص محياها بعد انتظار سنوات طويلة، وجعلها تصغي إليه:
ـ " اهو  الذي شغلني، أم أنا هو من انشغل به ...؟" فأصغي إلى صوت شارد:
ـ " ماذا قبلت ..؟"
   لم يجد الكلمات المناسبة كي يخبرها، بضرورة ان تغيب، وتتوارى، كذلك لم يعثر على كلمات يخبرها بالبقاء حاضرة أمامه، بعد هذه السنوات من الغياب.
  ذلك لأنه عندما وجد فمه مغلقا ً بفمها لم يستطع ان يجد كلمة تسكنها المسافات، والأزمنة. فعندما آفاق، فجرا ً، راح، ككل يوم، يرى فضة الفجر، ترفرف، كي ينتظر هذا الذي طالما انتظره، ولم يأت، إنما، عاد يتساءل: أيهما كانت له الأسبقية، في الغياب، وفي هذا الحضور المستحيل. ثم رجع إلى غرفته، زاحفا ً نحو سريره بصعوبة، ممسكا ً بقليل من تراب الأرض، وبوردة تركها تستقر إلى جانب ورود لا تحصى تركها تتراكم، بمحاذاة السرير.

[4] متى تموت؟
   وأخيرا ً، اعترف لنفسه، انه يستطيع ان يقرأ بالضبط ذلك التاريخ الفاصل بين الحياة وما بعدها، إنما فقط عليه ان يترك الجهاز يعمل مع من يرغب التعرف على  تاريخ موته.
   رفع رأسه، وشاهد الغيوم، عبر النافذة، ذاهبة في الاتجاه الآخر، وسره ان الألوان ليست باعثة على الملل، وثمة سرب طيور، يتجه من الجنوب إلى الشمال، يمر، يتبعه سرب آخر.
    إنما أنا لم اقتن الجهاز لمعرفة متى أموت! ودار بخلده، ولا لمعرفة متى يموت أي إنسان آخر. أنا كنت قلت مادامت حياتي سلبت مني منذ زمان بعيد، فهل يصح ان يكون لموتي معنى ...؟ وأضاف، وهو يعطل عمل الجهاز، ان أحدا ً ما من الآخرين لم تكن لا ولادته، ولا موته، تعنيه، فهل لولادتي، أو موتي  قيمة تذكر عندهم ، فما أهمية ان أعيد قراءة تواريخ وأرقام لا تعني أحدا ً عدا الله، في نهاية الأمر.    
   لكنه أعاد تشغيل الجهاز، وضغط على النابض الذي يحدد النتيجة، فسمع الجهاز يخاطبه:
ـ هذا الجهاز لم يصنع للذين لم يولدوا بعد!
   هز رأسه، وتساءل: أنا كنت اعرف ذلك، فما الغرابة في الأمر..؟ فخاطبه الجهاز بصوت رزين: ذلك لأنك، يا سيدي، تعيش حياة ما بعد الموت منذ زمان بعيد!

[5] اتبعني


ـ اتبعني.
   في الطابور، وأنا أقف خلفه، سألته:
ـ إلى أين؟  حدق في عيني شزرا ً:
ـ لو كنت أعرف، فهل كنت سأدعك تمشي خلفي!


[6] خلود

    بعد ان حصل على المرآة التي يستطيع ان يرى فيها أحداث ماضيه، في أدق تفاصيلها، ويستطيع ان يرى فيها كل ما سيقع له في المستقبل، سأل نفسه: ولكن ما دور المرآة إزاء ما لا يحصى من العوامل التي شكلت مسارات، ومنعرجات، هذه الحياة..؟
سمع المرآة تخاطبه بصوت خفيض:
ـإذا كنت تريد ان تمضي حياتك وكأنك لم تعشها، فعليك ان تبحث عن مرآة أخرى ترى فيها كل ما لم يحصل لك، وكل ما هو بحكم المستحيل الذي جعلك على قيد الحياة حتى هذه اللحظة، أيها العجوز المسكين!
    بحركة لا إرادية حطم المرآة، لكنه، في الحال، بعد ان جمع شظاياها، سمعها تخاطبه بصوت جاف، وعنيد: أنا أيضا ً مثلك لا امتلك إلا ان أحدق في هذا المصير!

[7] سؤال
   " وأنت تكتب، حاول ان تمسك بهذا الذي يمتد، وينتشر، خارج مدى كلماتك، فلماذا تكتب، وأنت لا تمحو، إلا محوك ...؟"
   ابتسم الكاتب، بعد ان ترك القلم يسوّد الورقة بخطوط تشابكت فيها المنحنيات بالدوائر، والنقاط بالشخابيط، والمستقيمات بالرموز: صفحة رمادية راحت تزداد سودا ً.
ـ " هو ذا كل ما باستطاعتك ان تفعله ..." 
وترك أصابعه تسوّد ما تبقى من الفراغات في الورقة، حتى رآها بيضاء.
ـ " والآن هل تقدر ان تقول أنها ليست إلا ورقة، استبدلت لونها، من البياض إلى السواد، ومن السواد إلى البياض، مثلما انك لم تختر إلا ان ترى كلماتك تغادرك، وتفقد لونها..؟"

[8] تراب

   مد البرفسيور رأسه عبر فتحة في النافذة، ونظر إلى الحديقة: لا أحد. ذلك لأنه لم يغادر البيت، منذ سنوات، بعد ان ألف عزلته، وتركها تسكنه.
   لكنه استعاد، في لمحة، حياته برمتها وهو يتخطى عتبة الباب، فجرا ً، يتأمل رذاذ المطر يتمايل بلوريا ً أمامه، ولم يستطع منع رغبة جامحة لم يشعر بعدها، إلا وهو يردد، مع نفسه: لماذا تركتهم يغادرون.. ولم يتمكن من لفظ آخر الكلمات التي خطرت بباله: لماذا أنا وحيد كهذا ...
  ولم تكن أصابعه تتشبث إلا بالدغل، وهي تغوص عميقا ً في تراب الأرض.

[9] طيف
    وجدها تبادله ابتسامة شبيهة بحلم مكث ينتظر ان يبلغ ذروته، وهي تخاطبه:
ـ قلت لك تعال معي.
   كان الوقت مبكرا ً، قال لها، ثم أضاف:
ـ والآن، بلغ الوقت نهايته.
   وعاد يراها، عبر الرذاذ المطر، مثل طيف، فلم يطلبها، ولم يدعوها للاقتراب، ولكنه لم يقدر ان يمنع نفسه من الذهاب معها، حيث توارت في الفضاء.

[10] مراقبة

    من ثقب في الجدار، انشغلت بمراقبة جاري، وهو رجل في الثلاثين من العمر،  كيف كان يطلق النار، رصاصة رصاصة، باتجاه مجموعة بشرية كدست بعضها فوق البعض، ولم أميز ما اذا كانوا رجالا ً أو أطفالا ً أو من النساء، فقد كان الظلام يمنعني من الرؤية بالوضوح الكافي. كان يطلق رصاصة، رصاصة، وهو يتقدم خطوة إلى الأمام، من الكتلة البشرية، المتراصة، كأنهما بدت لي مثل تل من الحجارة، تارة، ثم يتراجع إلى الخلف ، تارة أخرى، حتى التصق بالجدار، الذي أقف خلفه، فلم اعد أرى شيئا ً، إنما ـ في تلك اللحظة ـ تذكرت جاري، عندما كان، في طفولته، مولعا ً بصيد الطيور، وقتل العصافير.
[11] ظلال
    ....، لا تتوقف عن الكتابة، هل تعبت أنت أيضا ً؟ ولكن الكاتب لم يتوقف عن الكتابة، كي يحفر في الورقة، أثرا ً رآه يمتد، من غير ظل، عدا أصداء كانت تجرجر أصابعه إلى العمل: لقد نضب الحبر، ودار بخلده، إنما راح يتتبع أصداء أصوات راح يراقبها ترسم شقوقا ً في الورقة، حتى وجد ان أصابعه أصبحت حمراء، إنما لم يعد يتذكر متى آفاق لا يمسك بالقلم، ولا بالورقة، عدا أصداء ظلال احتمى بها من البرد.

[12] السر
    لا تنظر إلى الخلف... وخاطب من كان يمشي أمامه: فانا لا اعرف من أين جاءوا. فقال له:
ـ وأنا الآن أدركت السر!
ـ وما السر..؟
ـ لو بحت به إليك، فستبحث عن آخر تتبع خطاه.
   فقلت في نفسي؛ لا هو، ولا من يمشي خلفي، يعرفان أنني، منذ البدء، لو بحت به لبتروا رأسي.

[13] القصة 13
ـ كم بلغت ثروتك...؟
ـ نصف خزينة البلاد.
ـ وأنت ..؟
ـ النصف الآخر...!
[14] طوفان
   بعد ان غمرت مياه الطوفان الأرض كلها، ولم تعد ثمة يابسة، أو علامات تذكر، وهدأت الأمواج، وامتد سطح الماء مع الأفق، إلى ما لانهاية،  لم يعد رأسي يفكر ما اذا كنت أنا هو السبب..، أو أنني الوحيد الذي قدر له النجاة، إنما، في تلك اللحظات، لم اعد مكترثا ً بمصيري!

[15] انتظار

    وهو لا يعرف ما الذي يريده، فكر ان يتوجه بالسؤال إلى جاره:
ـ ما الذي تفعله ...؟ أجاب الآخر:
ـ أنتظر ...! فخاطبه:
ـ أتسمح لي أن اجلس بجوارك، وأعيد سؤالي: قل لي ما الذي تنتظره ..؟ فأجاب الآخر غاضبا ً:
ـ ومن قال لك أنا اغرف ...!
فقال الآخر، وهو يشاهد مجموعة من الناس تقترب منهما:
ـ هل اسمح لهم بالجلوس معنا ...؟
ـ سأسمح لك ان تدعوهم للجلوس شرط ان لا تخبرهم!
ـ ولكن، لا أنت، ولا أنا نعرف ماذا ننتظر ...!
فقال بصوت هاديء:
ـ ليس المهم، يا جاري، ورفيق حياتي، ان تعرف ...، المهم انك أصبحت تعرف، مثلي، انك لا تعرف شيئا ً!
[16] اعتراف
   برفق خاطب جاره القديم، وهو يرقد في مثواه الأخير:
ـ كنت تستطيع ان تقوم بأعمال لا تليق بك، يا صديقي ..؟ فقال له قبل ان يغلق الباب:
ـ لو لم تخاطبني بالصديق، لقلت لك: أن أعمالي ليست كما تصوّرتها، لا قياسا ً بما ذهب مع الريح، بل بما تراه أمامك ممتدا ً، ومزدهرا ً، كي أقول لك، يا صديقي: أنني لم أقم بما هو أردأ منها، وهذا وحده سمح لي ان أعاقب نفسي، بدل ان أعاقب الآخرين. ولا أقول لك ان الأعمال الرديئة هي التي اختارت رجلا ً رديئا ً، مثلي، بل لم تكن هناك حسنات إلا وقمت بها، ولكن لا احد رآها، عدا أنها، يا صديقي، سمحت لنا ان نجد مثل هذا المأوى، نحتمي به من الذئاب، ومن الظلمات.

[17] صخرة
   من ثقب في الحائط الفاصل بين دارينا، ليلا ً، رايته يمشي، من الباب الخلفي، ويجلس قدام صخرة طالما كنت اجهل أسباب وجودها في حديقة داره، مصغيا ً إلى صوته، وهو يخاطبها:
ـ أنا اعرف، مرة بعد أخرى، لا جدوى ان أقول شيئا ً...، فأنت ِ، وحدك ِ ...، لست بحاجة لمعرفة ما اعرفه، مثلما انك ِ، وحدك ِ، لن تكترثي لجهلي بما اجهله. وأنا لا اعرف ماذا كنت سأفعل، في حياتي، لولاك، أيتها الصخرة!




 [18] اعتراف آخر
   ....، لم اخبر أحدا ً إنني سمعت الصخرة تخاطبني: أنت حاولت ان تستنطق صمتي، وأنا، بدوري، حاولت ان أفهمك، لكن بلا جدوى. فلا أنت أدركت ما أريد ان اعرف، ولا أنا حاولت تجاهل ما تريد ان تقول...! لكنني أود ان أخبرك، قبل ان تذهب، وتتوارى، ان شيئا ً ما كان بيننا، لا أنا تخليت عنه، ولا أنت أهملته، فهل استطيع ان أخبرك، أخيرا ً، أن ما شغلني لم أعلن عنه، وانك لم تنشغل إلا بما لا لم يكن يعنيني أبدا ً ...!
2012

السبت، 2 فبراير 2013

دار ..دور ..السياسة الطائفية !!!-حامد كعيد الجبوري



إضاءة
دار ..دور ..السياسة الطائفية !!!
حامد كعيد الجبوري
سأحاول أن أعرّف الطائفية بعيدا عن المسميات التي أوجدها علماء الاجتماع وعلماء الأديان ، وسأعرّفها وفق منظوري المعرفي وما لمسته من خلال تجارب سمعنا بها ولم نتلمسها واقعيا ، والطائفية كما أجدها هي الانتصار للدين أو المذهب  ، وتغليب ذلك الدين أو المذهب وأتباعه على الاخرين ، وخلق الأحاديث التي تمجد تلك الطائفة ونسبها لنبي أو مرسل أو وصي ، ولا أريد أن أنفي عدم وجود الطائفية بنفوس الكثير من العراقيين سواء بغرض او دونه ، ولا أعتقد أن الطائفية قرينة بالثقافة ، والأغرب أني أعرف أناسا يحملون ثقافة وأفكارا تحررية وعلمانية  وحين تذكر طائفتهم بشئ ما ينتفض كأي داعية لذلك الدين أو المذهب ، وأذكر وأنا طالب في الجامعة المستنصرية القسم المسائي وجهنا سؤالا للدكتور الراحل ( عبد الجبار المطلبي ) أستاذ مادة الأدب رحمه الله ، قلنا له لم لا يتفق علماء المسلمون كافة ليفتوا لنا بيوم العيد ويوم بدأ رمضان ؟ ، بدءاً رفض الإجابة لما يترتب عليها من ضوابط تدريسية ومناهج وضعتها قيود الدولة المخابراتية ، وقال رحمه الله يفترض أن يوجه هذا السؤال لمختص بالدين وأنا كما ترون لا علاقة لي بذلك ، وكانت هذه فطنة منه رحمه الله لأنه أراد أن يدخل لمدخل مقتنع به تماما ، فهو يرى أن الدين لله والوطن للجميع ، والعراق كما نعرفه خليط من مختلف الأجناس والأعراق والأديان والمذاهب ، وقد وعى الشعب العراقي تماما مثقفهم وأميهم أن النعرة الطائفية تطال نارها الجميع ، لذا تعايشوا بسلام بينهم ، ونبذوا الاحتكاك بهذه المسميات حفاظا على الثوابت للجميع ، وأذكر أثناء خدمتنا العسكرية نهاية ستينات القرن الماضي ، كنا في الوحدات العسكرية المتواجدة بكافة المحافظات العراقية نمارس الطقوس التي تمارس من قبل الطائفة ( الشيعية ) من مجالس تعزية ، ومجالس ( لطم )  ، وبحضور كبار ضباط الجيش آنذاك ، وفي العاشر من محرم نصنع الطعام ( والهريسة ) – تصنع من حبوب الحنطة – وتوزع للجميع ، ولا أريد التحدث عن ثورة العشرين وحصد نتائجها حين تشكيل الحكومة العراقية لصالح طائفة معينة ، والفتاوى التي اطلقت من طائفة أخرى حرمت على أبناء طائفتها الوظائف والتعيينات المهمة ، اليوم وبفعل قوة عظمى أسقط نظام فردي دكتاتوري تسلطي  لا علاقة لمعارضة عراقية  تدعي انها اسقطته ، وأفتت طائفة كانت متمتعة بالسلطة بحرمة الدخول لهذه الحكومة التي سيشكلها المحتل ،  اليوم نحن بين فاقد للسلطة يحاول استعادتها ، وبين قادم جديد أستطعم هذه السلطة وذاق حلاوتها ، أضف لذلك الأجندات الخارجية التي يحملها ساسة لا يعرفون من السياسة حتى الدار دور ، بل وينفذون مخططات أمليت عليهم لغاية في نفس ذلك المملي ، أستمع لحديث من طائفة يشبه حديث الطائفة الأخرى ، الكل تجمع على الأخوة ونبذ العنف والطائفية والتهدئة  ووحدة العراق ومصير أبناءه ، وبالمقابل تخرج من أفواه السياسيون تصريحات تختلف تماما عما ثقّف به الشعب العراقي نفسه ، يصرح فلان يقول نحن وأن نفذت الطلبات للمتظاهرين فلنا المطالبة بحقوق مغتصبة يجب أن تعود لنا ، ويصرح الجانب الآخر بشكل استفزازي ليشعل نارا للفتنة لا يريد أبناء الشعب العراقي تأجيجها ، ولأن القادم الجديد سوف يترك العراق بلده الثاني – ابو الفلوس - ،  ويعود لعائلته التي تركها في بلده الأول ، وهذا الحديث ليس استنتاجا بل  ما تحدث به عضو البرلمان العراقي عن القائمة العراقية ( حيدر الملا ) ، الذي صرّح بذلك جهارا لفضائية البغدادية ، وأضاف أن حقيبتي معدة للسفر أيضا ، أقول أن الشعب المبتلى أوعى من ساسته الجهلة ، وبرهان لذلك ما تحدث به شيوخ عشائر ومثقفون كثر من الطرفين ، وحديث السيد ( عبد الملك السعدي ) المفتي السني مخاطبا جمع المتظاهرين مفتيا بحرمة الدم والتقسيم للعراق ، وما تحدث به السيد ( السيستاني ) مخاطبا أتباعه قائلا ( لا تقولوا أخوتنا بل قولوا أنفسنا ) ، للإضاءة ....... فقط

الاثنين، 28 يناير 2013

الذين خدعونا-كاظم فنجان الحمامي

الذين خدعونا جريدة المستقبل العراقي
لا نعرفهم كلهم, لكننا نعرف بعضهم, كانوا فقراء بسطاء مثلنا تماماً, عاشوا معنا منذ ولادتهم وحتى يومنا هذا, نعلم ان أغلبهم من ذوي الدخل المحدود, لا يملكون من مصادر العيش سوى رواتبهم الشهرية ومواردهم اليومية من مزاولتهم المهن الحرة في الأسواق والمكاتب, ومنهم من كان يعتاش من الزراعة وعليها. . غادروا العراق بطريقة أو بأخرى ليعملوا في الدرجات الوظيفية المتوافقة مع تحصيلهم الأكاديمي وكفاءاتهم الذاتية ومهاراتهم الشخصية وخبراتهم المكتسبة, عاش الكثيرون منهم على الكفاف في المرافئ البعيدة معتمدين على الإعانات المالية, التي كانت تمنحها لهم المنظمات الدولية والإقليمية, ثم عادوا إلينا بعد عام 2003 ليعملوا كلهم في الكيانات المبتكرة التي جمعت الدين بالسياسة. . كانوا في بداية الأمر فقراء كما عهدناهم, بسطاء كما عرفناهم, لكنهم كانوا يتحدثون بلغة منمقة, ولهجة متأنقة, وعبارات مزروقة. يتصرفون بطريقة مشفرة, حتى بدوا لنا وكأنهم ملائكة هبطوا علينا من السماء. . قالوا لنا: إن اليد التي تتوضأ لا تسرق, وقالوا: ان تكليفهم الشرعي هو الذي قادهم نحو تحمل أعباء المناصب العليا والمراتب الرفيعة, زعموا إنهم جاءوا ليحملوا لواء التكليف ولا شأن لهم بالتشريف, وقالوا: إنهم لا يمتلكون من حطام الدنيا غير أسمالهم البالية وأغراضهم الشخصية البسيطة, فصدقناهم, وتعاطفنا معهم, وهرعنا لدعمهم ومؤازرتهم, فانتفخوا وتكبروا, وتجبروا وتبطروا, حتى تجاهلونا تماما, وتعالوا علينا, ثم عزلوا أنفسهم عنا, وأحاطوا قصورهم بحواجز خراسانية وأسلاك شائكة, فابتعدوا كثيراً, ولم نعد نراهم إلا في اللقاءات المتلفزة. . أصبحوا الآن من الطبقات الفوقية المترفة المرفهة, قصورهم لها أجنحة كأجنحة النسور وخراطيم كخراطيم الفيلة, وبساتينهم وارفة الظلال سامقة الأشجار تغرد فيها العصافير الاستوائية الملونة, وتتقافز الغزلان فوق مروج جنائنهم الجميلة, صارت عندهم عمارات تناطح بعضها البعض, وعقارات في أرقى الأماكن, وأرصدة مليونية, وشقق شاطئية وأخرى جبلية مبعثرة في ربوع فرنسا وضواحي بيروت وجزر الكناري, رحلات ترفيهية حول العالم, وجوازات سفر مزدوجة. . نحن في العراق نؤمن إيماناً قاطعاً بالحديث الشريف, الذي يقول: (المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين), لكننا لا نطبقه ولا نعمل به, ولم نتسلح بما فيه من حكمة نبوية ثمينة, فلم نستفد منه عندما ذهبنا إلى صناديق الانتخابات, وهكذا تعرضنا أكثر من مرة لمتوالية غير منتهية من اللدغات والعضات والوخزات, التي جاءتنا من الصناديق نفسها, من دون أن نتعلم من هفواتنا التي ارتكبتاها بمحض إرادتنا. . كنا دائماً ننتخب الذين يخدعوننا ويكذبون علينا, ولا مانع لدينا من انتخابهم مرات ومرات, فنحن لا نستشعر تنكرهم لنا, ولا ندرك حجم الأضرار والخسائر التي جلبوها لنا, ولن نحس بلدغاتهم المسمومة, فقد اعتادت ذاكرتنا المعطوبة على حذف الهموم والآلام, ودأبت على العفو والتسامح, ولا قدرة لها على الاحتفاظ بصفعات الماضي القريب, اما المآسي البعيدة فقد وضعناها في خانة النسيان. . المثير للدهشة انهم سيتذكروننا بعد بضعة أسابيع في الوقت الذي نكون فيه نسينا مواقفهم المأساوية معنا, وسيقولون لنا: أن اليد التي تتوضأ لا تسرق, وإنهم تحملونا وتحملوا مشاكلنا تلبية للتكليف وليس لنيل التشريف, وسيتحدثون معنا عن مكارم الأخلاق وعن العفة والنزاهة والمفردات الأخرى, التي لا يتذكرونها إلا قبيل الانتخابات, سوف نلتقي الوجوه نفسها, لكنهم سيأتون هذه المرة بمكياج مختلف, وواجهات براقة, وعناوين مبهرة, وشعارات مغرية, وكيانات جديدة ومبتكرة, بعد أن برعوا بلعبة الانشقاقات, وأتقنوا الغش والتضليل والتمويه والخداع والمراوغة. . اما نحن فسنكون قد نسينا ما فعلوه بنا, وسنعود لانتخابهم مرة أخرى, لأننا لا نقرأ ولا نكتب, ولا نتقن الحساب وطرقه العددية, ولا نعرف بالضبط حجم الملايين التي نهبوها, والأموال التي سرقوها, والعقارات التي استحوذوا عليها, ولا ندري بالضبط كم بلغت أرصدتهم في البنوك العالمية, وربما يأتي معهم الذين فروا خارج العراق قبل بضعة أعوام لعلمهم المسبق بأننا على أتم الاستعداد لانتخابهم مرات ومرات, وعلى أتم الاستعداد لسماع عباراتهم الملفقة, ولهجتهم المنمقة, ومفرداتهم المزروقة, وسنستمتع كثيراً بما سيقولونه لنا من وعود كاذبة, وحكايات لا صحة لها. . . قالت العرب: حبل الكذب قصير, اما عندنا فهو أطول من سور الصين, وأعلى من جبال هملايا, لكننا لا نراه, بل لا نريد أن نراه, ولا نصدق من يتحدث معنا عنه في بلد يوشك أن يحتضر في ردهات العملية السياسية. .

الأحد، 27 يناير 2013

تجارب للفنان غالب المسعودي


( سوله بينه )-حامد كعيد الجبوري


( سوله بينه )
الى قلبي الذي رحل !!!!
حامد كعيد الجبوري
سوله بينه
من نطبّلها المقابر
                                                 
مانكابر                                                      اللوحة د.صفاء السعدون
وتمطر العينين دمعه
دموعنه دموع الصرايف ...
 والحنين
كاولّي ودمعة ربابه
دموع ابويه
دموع امي ..
 العكدت الضيم بصبرها
وغايبه اسنين الفرح
دموع جمره
نرشها فوك اكبورنه 
يطيب الجرح
وبينه سوله
صغار نكبر بالجروح
وبينه سوله
أجروحنه لمن تهيد
تهيد  ويفّزها ملح
وبيه سوله
من أطبلها المقابر
أترس جيوبي ( نساتل ) 1
وبيدي ....
بيدي ( نفاخه )2 و ( قلم )
أوكف أباب القبر
وأهمس حنين ........
وحشه دياركم سكان الكبور
                    عفتوا للدلال وعفتو القصور
                          وأشهك بالنواعي الروح تنور
واسأل للكبر خلصتوا الدروس ؟
قريتو ( موطني ) وسديتوا الصفوف ؟
وزعتوا الشهايد عالتلاميذ ؟
ويا طالب أخذ أكبر علامات ؟
ويا هو الطلع اول بالشهادات ؟
وهم عدكم فرص ما بين الدروس ؟
أصيح وتبجي الكبور
( يمحمد بويه محمد )3 ...
        ( على بالي أبد ماجان فركاك
             وأكضي للعمر ياريت وياك )4
أصيح وتبجي الكبور ...
                    أيخاف الظلام الطفل       وبطن الكبر هندس
                    أنفض تراب الكبر           بيتك حلو يوّنس
                    وسنين مره أنكضت       ابكلبي الحزن يردس
                    أتجبح اعله الكبر          وبذن الكبر أهمس
                    زغير وديعة علي          لا يعرف ولايحس
أمروتك أعذرني ( حماده )
ما جبت ( مصياده )5 بويه
خاف يتعوّر كبر
هاي نستلتك حبيبي
وهاي ( نفاخة ) حبيبي
وصره من دموع أمك
حطها بخدودك ذخر
و ( حمد ) لا تنسه الوصيه
مشتهي يمك كبر ...
أشتهي يمك كبر
-----------------
1 : حلوى
2 : بالون يعبأ بالهواء ليلعب به الأطفال
3 ، 4: أغاني عراقية قديمة
5 : آلة لعب خشبية ذات سيقان بلاستيكية يوضع الحصى بداخلها لاصطياد الطيور البرية ويستخدمها الأطفال حصرا .



الجمعة، 25 يناير 2013

إضاءة-حذارِ من دعوات الشيخ جعفر الإبراهيمي !!!-حامد كعيد الجبوري


إضاءة
حذارِ من دعوات الشيخ جعفر الإبراهيمي !!!
حامد كعيد الجبوري
بدءاً أعترف أني لست من المؤمنين بأن هناك من ينتصر لك دون أن تنتصر  لنفسك ، بمعنى أن ليس هناك قوة خفية نطرق أبوابها لتحل لنا معضلاتنا وما أختلف علينا ، ويقول القرآن الكريم ( لا يغير الله ما بقوم حتى  يغيروا ما بأنفسهم )، وكما يقول أمير الشعراء ( احمد شوقي ( وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا ) ) ، والعراق مرَّ بحقبٍ سود منذ بدأ الخليقة  وأحصى التاريخيون أن العراق خضع الى الاحتلال والاستعمار مئة وأربع وستون مرة ( 164 ) ، وخلال هذه الحقب الطويلة سلبت ذاتية الإنسان العراقي تدريجا  حتى بدء يقول ( أني شعليه ) ، وآخر يقول ( خليها على الله ينتقم من الظالم ) ، ويتحدث رواة الدين والعاملون عليه أن حُلم الله جلت قدرته أربعون سنة ، ويتبادر لي أن الله سبحانه وتعالى يقول لعباده هبوا أنتم لأخذ حقوقكم المسلوبة والمغتصبة لأن حلمي أربعون سنة وهي طويلة على صبركم  ، ويقال أن أحد  المظلومين وظالمه أمامه وكل يوم يرتكب البشاعة والحماقة والظلم ، والمظلوم يعمل بخدمته ، وحدث أن طال الظلم لهذا الذي يعمل بمعيته ولم يستطع أن يأخذ حقه فرفع يده الى السماء وقال ( ربي حلمك على الظالم فتت كبد المظلوم ) ، فصعق الظالم في حينه وفرح المظلوم بفعل السماء كما يزعمون ، ويقول النبي الأعظم محمد ( ص ) ( دعوة المظلوم على الظالم ليس بينها وبين الله حجاب ) ، وهناك فرق إسلامية كثيرة أوجدت لنفسها العذر في عدم المطالبة بالحقوق أسموها ( التقية ) ، وهي عندي تشبه ال( الشعليه ) ، أو ( لست أنا المقصود ) ، أو ( لتأتي من غيري ) ، ودليلي لما أذهب اليه هو الوضع العراقي المتردي الذي لم نشهد له مثيلا على مدى تشكيل الدولة العراقية الحديثة ، صراع لا لأجل البلد ولكن الصراع من أجل مصالح فئوية ضيقة ، ومصالح مادية ، ونهب ثروات البلد أمام الأنظار وبوضح النهار وكما يقول المثل الشعبي ( عينك عينك ) ، اتهامات سياسية مختلفة ، فلان عميل لأمريكا ، وآخر لإيران ، وآخر لقطر ، وآخر لإسرائيل وهكذا ، والبلد يعاني من البطالة ، ومن سوء الخدمات ، وعدم توفر الكهرباء ، ناهيك عن النقص في كل شيء غذاء ودواء ، وازدياد المتخمين ، ومضاعفة الفقر  وازدياد البطالة والتسول الذي أصبح تجارة ، ومن هنا بدأ الدور الأخلاقي للإنسان الذي يريد أن يوجه الناس الى حقائق الأوضاع المزرية ، ولست هنا داعية لأحد ، أو مروجا لفكر أحد ، أو ناقما على أحد لعدم اتخاذه موقفاً  يراد منه ، ولست بصدد الإشارة الى مئات الأحزاب التي تعمل في الساحة ، أو الأحزاب التي أصبحت ذيلا لتلك الأحزاب الفاعلة ، وهناك خطيب يختلف عن بقية خطباء المنابر الإسلامية ، خطيب يعطي جزءا من وقته للفت نظر الحكومة الى خلل موجود ، ولعدم تنفيذ الحكومة لوعودها قال مخاطبا الجمع الغفير الذي يحاضر له ، قال لهم الى متى نبقى على هذه الحال ، لسنا نطلب من الحكومة المستحيل ، أردنا خدمات ، وأردنا أن نشعر بإنسانيتنا في هذا العراق ، والحكومة مشغولة بين ( الطالباني ) و ( البرزاني ) و ( نوري ) ، وليس لنا إلا أن ندعو لله منهم ، أرفعوا أيديكم للدعاء وقال ما نصه ، ( اللهم اهلك الظالمين  ، اللهم انتقم لنا ممن ظلمنا ،اللهم فرق بينهم وبين العافية ،اللهم اهلكهم بأجسادهم وأموالهم ، يا الله   يا الله يا الله )  ، ولأننا المظلومين أرى أن العراق لا يستقر أبدا على هذا الحال ، وأعتقد أن علينا واجبا إنسانيا  وأخلاقيا لنا ولأجيالنا اللاحقة  لنطالب وبصورة حضارية بحقوقنا التي ضاعت بين أفواه الذئاب التي تسلطت على رقاب العباد  والبلاد ،  للإضاءة .......... فقط .

غالب المسعودي - تأملات في الحداثة بين الواجب الديني واضطراب الذاكرة

العراقيون بقلب واحد. . ولكن-كاظم فنجان الحمامي





العراقيون بقلب واحد. . ولكن



جريدة المستقبل العراقي



إذا تألمت لألم أبنا شعبك فأنت نبيل, اما إذا تفانيت في الدفاع عنهم فأنت عظيم
                            


كاظم فنجان الحمامي

لا يوجد في الوطن العربي كله قوم يمرون بمحنة واحدة, يتكلمون بلسان واحد, يأكلون طعام واحدا, يسكنون بيوت موحدة, في مدن مستنسخة متناظرة متماثلة, مثل فقراء الشعب العراقي, الذين يمثلون الأغلبية الغالبة المغيبة. .
نحن هنا نعد طعامنا بالطريقة نفسها من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب, نأكل من صنف واحد, فأطباق الطماطة والباذنجان المقلي والبطاطة المسلوقة هي القاسم الغذائي المشترك بيننا, وتبقى الكبة والكباب واللحم بعجين والدولمة والكفتة ومرقة الباميا والبرياني والمحشي والقوزي والسمك المسقوف هي الأصناف المفضلة في موائدنا, التي يتصدرها خبز التنور المكسِّب في تنانير الطين المبنية في باحات منازلنا أو فوق سطوحها. .



نتحدث بالفطرة بلهجة عربية دارجة, تشوبها بعض المفردات الكردية والسومرية والأشورية والبابلية والكلدانية الجميلة, نرتدي الثياب نفسها بأزياء وألوان وتصاميم موحدة, نمارس في الأفراح والأتراح بعض التقاليد والعادات المشتركة, نؤدي الطقوس نفسها, ننحدر من القبائل العراقية المتجانسة المتآلفة في نسيج اجتماعي متماسك, لا فرق في تراكيبنا القروية والمدنية والبدوية بين أبناء كربلاء وأبناء سامراء, ولا اختلاف عندنا بين أهل الأنبار وأهل الأهوار, كلنا من جنس واحد, ولنا نفس الملامح في الوجوه والتجاعيد والسحن الحنطاوية, ويكاد يكون اللون العسلي الغامق هو اللون السائد في عيوننا. .


مناطقنا السكنية. . . فوارق معدومة
اما مناطقنا السكنية ففيها من التطابق والتناظر ما يذهل العقول, وربما يتعذر على المرء رصد الفوارق بين قرى محافظة ذي قار وقرى محافظة واسط, أو قرى ميسان, فالفوارق تكاد تكون معدومة, وهكذا الحال بالنسبة للأحياء السكنية في ديالى وبابل والبصرة والمثنى والقادسية, كلها متناظرة بطريقة تبعث على الدهشة والطرافة, لأنها تتشابه في كل شيء ابتداء من الطرق والشوارع المغطاة بالرمال والأتربة, إلى طريقة توزيع الأعمدة الناقلة للطاقة الكهربائية, مرورا ببرك المياه الآسنة المنتشرة في الساحات والأزقة, حتى إن مكبات القمامة (أعزكم الله) تكاد تكون نفسها من حيث التراكم والتعفن والانتشار, فما تجده في (البطحة) خارج مركز محافظة المثنى, تجده في (الغراف) خارج مركز ذي قار, وتجده في (المجر) خارج مركز ميسان, وتجده في (الفاو) خارج مركز البصرة. .

مدن الزي الموحد
فالزي الموحد باللون البيجي, أو (الخاكي), أو الترابي, أو الرملي, أو (الطيني) هو الزي الذي ارتدته المدن والقرى العراقية, وهو العلامة الفارقة في كل مواسم العصر الجلكاني, الذي توحدت فيه مجاري الصرف الصحي, فتوقفت عن الجريان في (بدرة وجصان) وتشعبت في (الشعيبة), واختنقت بدخان مدينة (الشعلة) ببغداد, وأصيبت بكولسترون الأطيان في النعمانية بالكوت, والتهبت مجاريها في الرميثة, وانسدت في سدة الهندية, وتعطلت في حي (أور) في الناصرية, حتى يخيل إليك إنها تنتظم في مصفوفة سكانية تتكرر فيها المشاهد واللقطات بطريقة رقمية تبعث على القرف, وخير مثال على ذلك: هذه الصور التي التقطناها من دون أن نشير إلى اسم القرية, تاركين حرية التعرف عليها لمن يرغب في خوض هذه الامتحان الصعب, إذ يتعذر معرفة فيما إذا كانت هذه اللقطات أخذت في مدينة (الزبير) بالبصرة, أم في مدينة (الصالحية) بالناصرية, أم في (أبي غرق) ببابل, أم في (الحي) بواسط, أم في الحي العسكري بالنجف, أم في (صبخة العرب), و(العالية) بالبصرة, أم في حي (الغدير) بكربلاء, أم في حي (الشهداء) في الفلوجة, أو الحي الصناعي هناك, أم في أحياء بغداد مثل: (العبيدي), و(سبع البور), و(الفضيلية), و(النهروان), و(الكمالية), ومنطقة (الشيشان) الواقعة في نهاية حي (الشعب) ؟؟, كلها سواء في اللون (الأملح الترابي) الطاغي على جدران البيوت, أو في أشكالها البائسة, أو في الأصوات المنبعثة من المولدات الكهربائية, أو في تشابكات الأسلاك في كل الاتجاهات, أو في الغبار المتطاير, أو في سحب الدخان الأسود, أو في نوعية المطبات (الطسّات), أو في مشاريع الحفر, التي مزقت جسد كل مدينة بالطول والعرض, فوحّدتها مع بعضها البعض, حتى إن الكراجات, والمدارس, ومراكز الشرطة, والعيادات الطبية, ومقرات المجالس البلدية, وساحات كرة القدم, ومحطات تعبئة الوقود تشابهت إلى حد بعيد, وكأنها صنعت في قوالب متماثلة في معامل الجمود والإهمال. .


مفارقات عجيبة
من المفارقات العجيبة نذكر: ان حي (الجمهورية) في النجف يكاد يكون صورة طبق الأصل من حي (الجمهورية) في البصرة, من حيت التركيبة المتداخلة, والجدران المتشققة, والأسلاك المتقاطعة, والأزقة القذرة, ومن حيث التجاوزات العشوائية التي تكاثرت بعد تفشي ظاهرة (الحواسم). .
تتكرر صورة الأسواق التابعة للأحياء السكنية الموحدة, حيث يلهو الذباب نفسه, وتنبعث الروائح نفسها, فالواجهات تعكس صورة واحدة متكررة, وكذا العربات التي تجرها الحمير, والعربات الآلية (الستوات). .

تتراكم خلف كل دكان أكداس من الصناديق الفارغة, والأكياس البلاستيكية, والمغلفات الورقية الممزقة, والبضاعة التالفة المرمية منذ أسابيع في الزوايا الرطبة, فتتحول في الليل إلى ولائم مباحة للكلاب السائبة (المستنسخة), والقطط الضالة, والجرذان المحصنة جينيا ضد كل أنواع المبيدات الكونية, وهذه هي ظروفنا التي صبرنا عليها بانتظار الفرج الذي طال انتظاره. . .


نقمة المحاصصة الطائفية
لكننا وعلى الرغم من تنوع مذاهبنا وتعدد طوائفنا الدينية, التي تنتمي إلى فسيفساء الملل والنحل منذ القرن الهجري الأول وحتى يومنا هذا, كنا نتعايش في تواد ووئام وتلاحم, ولم نكن تهزنا بعض السلوكيات الطائفية الشاذة التي نسمع بها من هنا وهناك, حتى جاء اليوم الذي هبطت فيه علينا (نقمة) المحاصصة الطائفية, وصار التطرف الطائفي هو المعيار الأساس في تقييم الأداء السياسي, وهو المقياس في ضمان الفوز بالانتخابات, وظهر علينا أبطال التراشق الطائفي, والتناحر المذهبي, وتسللت إلينا النعوت والمسميات العنصرية السخيفة, التي يتشدق بها بعض المحسوبين على الثقافة والإعلام, فصنفونا إلى فئات عرقية غريبة, هذا (شروكي متخلف), وهذا (مصلاوي متعجرف), وهذا (دليمي متحجر), و(بغدادي متكبر), في حملات مبرمجة يقودها السفهاء والمتواطئين مع قوى التقسيم والتشرذم, فنسمعها منهم بصيغة النكتة والدعابة المسمومة. .
نقرأ أحيانا بعض المقالات التي يكتبها بعض الذين يحملون درجة الدكتوراه في ثقافة (الماكو), فنتعجب من تفاهتهم وخستهم وهم يمعنون في تصنيفنا وتشتيتنا إلى أقسام وشعب وعوائل ومجاميع عرقية وطائفية ومذهبية وعنصرية وفئوية, لكننا على يقين تام: ان الذين تطاولوا علينا, وتجاسروا علينا, واشتركوا في حملات التفريق والتمزيق لا ينتمون إلينا البتة, فهؤلاء ليسوا منا, ولم يكونوا عراقيين في يوم من الأيام. . .