الأحد، 1 يناير 2012

فقيد العراق والطب-المرحوم الاستاذ الدكتور مهدي مرتضى

فقيد العراق والطب
المرحوم الاستاذ الدكتور مهدي مرتضى
يعز علينا ويملأ قلوبنا الحزن بانتقال علم آخر من أعلام الطب العراقي الاستاذ الدكتور مهدي مرتضى الى دار الخلود وهو بعيد عن وطنه الذي أحبه وتمنى أن لايتركه، ولكن "إذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولايستقدمون" صدق الله العظيم.
لقد سمعت بالاستاذ المرحوم مهدي مرتضى وأنا في الصف الرابع من كلية الطب، جامعة بغداد، ولكن للأسف لم أوفق بأن أتتلمذ على يديه مباشرة في الردهات الطبية في المستشفى الجمهوري ولا المحاضرات النظرية. ولكن وجوده كان ظاهرا في آفاق الطب تعليما وبحثا. التقيت بالمرحوم في مناسبات علمية عديدة؛ كطالب وطبيب مقيم وعضو في الهيئة التدريسية في كلية الطب وكنت من المبهورين بكفاءته الطبية وبهدوءه وخلقه العالي.
لقد عرف عن المرحوم بانه شعلة نشاط وحيوية شغوفا بحب عمله وخدمة الجميع بأفضل صورة، لاتفارقه الابتسامة الهادئة التي تبعث الثقة بالنفس لدى الطلبة والمقيمين والمرضى.
عرفت الاستاذ مهدي رحمه الله كباحث بالاضافة الى تميزه في الطب السريري من خلال بحث كان قد نشره في مجلة الكلية الطبية العراقية في الستينات من القرن الماضي. كان البحث حول الجلطة الدموية الوريدية في الساقين عند المرضى الراقدين في العناية القلبية المركزة.
وخلال تدريبي في المملكة المتحدة وفي العام 1975 لفت نظري الى أن نسبة الجلطة الدموية الوريدية في الساقين تفوق بكثير عند المرضى الراقدين في قسم الجراحة العصبية في المستشفى الجامعي في ليدز في انكلترا عما استنتجه الاستاذ مهدي عند المرضى العراقيين بالرغم من تشابه الظرفين. حفزني ذلك على أن أقوم ببحث مقارن مفصل حول تلك الاصابة وبمشاركة اختصاصي أمراض الدم الشهير الاستاذ الدكتور بيتر كيرنوف (قبل انتقاله الى الكلية الجامعة في لندن) وفريقه في قسم ومختبر امراض الدم. فكان بحث الاستاذ مهدي من الرصانة بمكان بحيث اعتمد كمرجع مقارنة موثوق به.
وفي العام 1979 شملته النكبة التي حلت بكلية الطب حينما أحيل على التقاعد مع المجموعة الخيرة من أساتذة الكلية في قمة عطائهم والذين لم يتسنًّ لهم تسليم الراية الطبية للجيل الذي تلاهم مما سبب انتكاسة في مسيرة الطب في العراق.
وخلال التحضير للمؤتمر الذي عقد في الاكاديميات العلمية الوطنية الاميركية لجمع الجالية العراقية العلمية في الولايات المتحدة في العام 2009، تشرفت بالحديث معه على الهاتف وقدمت له الدعوة بأن يساهم كأحد الكواكب الساطعة في المؤتمر ولكنه اعتذر بسبب سوء صحته.
وأقول انه لايسعني أن أضيف على ما سطره الفاضل سلام كبة في تأبينه الموسوم " رحيل الدكتور المتمرد مهدي مرتضى "، إلا ان أذكر بان المجتمع الطبي في العراق والوطن العربي قد خسر بفقدان الاستاذ مهدي مرتضى قمة من قمم الطب لايمكن تعويضها، وبرحيله طويت صفحة ناصعة أخرى من تاريخ الطب العراقي وخسرنا مثلا أعلى في الخلق الطبي والتفاني في خدمة القيم الانسانية والطبية والتربوية.
أعزي عائلة الفقيد؛ وعديله أخي الاستاذ الدكتور سعد الوتري وقرينته، وكذا كل من زامل المرحوم وعمل معه في مسيرة الطب، ومن تتلمذ على يديه، ومن رافقه في طريق الحياة الشاق الذي سلكه في الفترات العصيبة التي مر بها خلال سني حياته الحافلة.
وأدعو الله جل وعلا ان يلهم الجميع الصبر والسلوان.
وإنا لله وإنا اليه راجعون
عبد الهادي الخليلي
واشنطن في 30 كانون أول 2011

السبت، 31 ديسمبر 2011

صاحبة السمو الملكي الأميرة سارة بن طلال بن عبد العزيز آل سعود-سارة بنت طلال: أنا أميرة الشعوب




صاحبة السمو الملكي الأميرة سارة بن طلال بن عبد العزيز آل سعود

الاميرة السعودية تنشط في مجال الاعمال الخيرية والدفاع عن حقوق مواطناتها وتكره ان يقال عنها 'متمردة

سارة بنت طلال: أنا أميرة الشعوب
من جمعية "دسكا" الخيرية، إلى مؤسسة "لي سميث" لمحاربة السرطان، مرورا بمؤسسة "عمار" الخيرية العالمية

حياها جون سميث، رئيس مجلس إدارة "مؤسسة لي سميث" ووقف لها احتراما اللورد سيباستيان كو وجمع من الأطباء والعلماء البارزين، في حفل افتتاح مختبر البيولوجيا الجزيئية لعلاج السرطان في سبتمبر/ايلول الماضي في المملكة المتحدة. إنها الأميرة السعودية سارة بنت طلال بن عبد العزيز آل سعود، التي عاينت منذ الطفولة المآسي الإنسانية على أرض الواقع، فتركت القصور الملكية ورهنت حياتها من أجل الأعمال الخيرية.

وفي حديث مطول مع موقع "سعودي ويف"، تذكر الأميرة سارة من بين إن
جازات هذه المؤسسة الخيرية، بالإضافة إلى العديد من الخدمات الصحية في شتى أنحاء العراق، بناء مستشفيين في لبنان حيث تنشط المؤسسة منذ عدة سنوات. وتعتزم "عمار" كذلك إنجاز ستة مستشفيات أخرى في كل من لبنان و العراق.





مؤسسة لإنقاذ الأرواح

المؤسسة التي تحمل اسم زوجة جون سميث التي توفيت بسرطان الدم تسعى إلى إجراء الأبحاث الرائدة للمساعدة في إنقاذ العديد من المصابين بالسرطان، بمشاركة نخبة من الأطباء وعدد من أكبر المستشفيات العالمية. وتهدف المؤسسة كذلك إلى تخفيف معاناة المرضى بالقضاء على الحاجة للجراحة والعلاج الكيميائي المؤلم، بالاعتماد على ضوء الليزر والعلاج الجيني.
"وتعتمد المؤسسة على الدعم السخي للصناديق والشركات والأفراد"، كما شدد جون سميث في كلمة الافتتاح.
والأميرة الحسناء سارة، المقيمة في لندن منذ 2007، هي من الداعمين بسخاء لهذا المشروع الإنساني. وبوصفها "السفيرة العالمية للأعمال الخيرية"، ستقوم الأميرة بحضور المؤتمرات وتنظيم لقاءات لعلماء وباحثين وزيارة المستشفيات وعقد فعاليات لجمع التبرعات لمحاربة السرطان. والأميرة لها "عداوة مستفحلة" للسرطان الذي ألم بوالدتها الأميرة الراحلة موضي بنت عبد المحسن العنقري التميمي.

مؤسسة للخدمات الصحية

الأميرة سارة تساهم كذلك في الأعمال الخيرية التي تشرف عليها مؤسسة "عمار" الصحية الخيرية العالمية، التي تأسست في 1991 بعد حرب الخليج الأولى بمبادرة من البارونة البريطانية إيما نيكلسون.
ويذكر أن هذه المؤسسة تبنت علاج طفل عراقي اسمه "عمار" أصيب بحروق شديدة نتيجة تعرض عائلته للقصف بقنابل النابالم.
تذكر الأميرة سارة من بين إنجازات هذه المؤسسة الخيرية، بالإضافة إلى العديد من الخدمات الصحية في شتى أنحاء العراق، بناء مستشفيين في لبنان حيث تنشط المؤسسة منذ عدة سنوات. وتعتزم "عمار" كذلك إنجاز ستة مستشفيات أخرى في ك
ل من لبنان والعراق.

أميرة تلهث وراء خدمة المجتمع المدني

تروي الأميرة سارة لموقع "سعودي ويف" كيف كانت منذ طفولتها تصاحب والدها إلى المناطق المسحوقة في إفريقيا وآسيا، أثناء زياراته في إطار مهامه كمبعوث خاص لـ"يونيسيف" وأنشطتها المتعددة على رأس عدد كبير من المؤسسات الإنمائية محليا وعربيا ودولياً.
وقد قادتها إحدى الزيارات إلى لبنان، حيث زارت مزارع شبعا التي تقع على الحدود بين لبنان وهضبة الجولان التي كانت الحدود اللبنانية السورية قبل يونيو1967 واليوم هي الحدود بين لبنان والجزء من الجولان الخاضع للسيطرة الإسرائيلية.
وبدورها، ترأست الأميرة سارة مجلس إدارة جمعية "دسكا" وهي جمعية خيرية تعنى بالأطفال من ذوي "متلازمة داون" والذين يعانون من اضطراب في الكروموسومات غالبا ما يرتبط مع بعض الانخفاض في القدرة المعرفية والنمو البدني، فتقدم لهم خدمات تخصصية من الناحية التعليمية والتأهيلية والأسرية والطبية. وتعمل الجمعية تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية.


"أنا لست متمردة"

الأميرة سارة "لا تريد أن تكون ظاهرة صوتية" فهي تكره "النعرات القومية والفوضى المذهبية"، وتحبذ "العمل الهادئ، بمسك العصا من الوسط لتحريك الجمود دون لوى الذراع بقوة".
وتقول أنها عملت بهذه "النظرية" عندما شاركت في حملة لإصلاح "الوضع غير الجيد للسجون" في المملكة، والتي زارت بعضها بدعم مباشر من وزارة الداخلية. فكونت "مجموعة من الأطباء والمتخصصين المقربين من الحكومة لتقديم مشروع صحي وتعليمي وتدريبي" ساهم في تحسين الأوضاع بعض الشيء.
وتكره سارة أن تنعت بـ"الأميرة المتمردة"، كما وصفتها إحدى وكالات الأنباء الغربية في تقرير في مارس/آذار 2005، بعد أن نددت الأميرة بالمحافظين المتشددين وحملتهم مسؤولية التمييز ضد المرأة ودعت الحكومة إلى محاربتهم، معتبرة بأن "المرأة شريك كامل في المجتمع" وأن "حقوقها تتجاوز قيادة السيارة لتشمل المساواة، خاصة أمام القضاء". وتقول سارة "أناأميرة الشعوب (...) أبواب القصور فتحت لكي أنطلق وأمضي إلى الأمام، وهذا الأهم بالنسبة لامرأة عربية، والتي صادف أن تكون سعودية بجذور أرمينية، لتظهر للعالم أن باستطاعتها رفع كل التحديات والعمل بحزم لفائدة الآخرين، بدون أي تمييز، لدفعهم إلى التحرك".

الجمعة، 30 ديسمبر 2011

غالب المسعودي - القناع

غالب المسعودي - القناع

بغداد كما احببناها-د.سعدي شرشاب








الغاز يفك شفرة الألغاز-كاظم فنجان الحمامي




الغاز يفك شفرة الألغاز
معلومات جديدة في الكيمياء السياسية
جريدة المستقبل / بغداد / 27/12/2011
كاظم فنجان الحمامي
لم يخطر على بالنا في يوم من الأيام أن نكون من بين الذين سيحدثون الناس عن أسرار الترابط الوثيق بين السياسة الاستباحية والكيمياء الحقلية, وربما نكون أول من يشير للتسمية الجديدة لهذا العلم, الذي سقطت دفاتره من حقائب الأطماع الغربية في دروب الشرق الأوسط, فاستحق أن نطلق عليه اصطلاح (الكيمياء السياسية), أو (Chemipolitics), آخذين بنظر الاعتبار أن لا علاقة له بالتعبير المجازي (كيمياء السياسة) الشائع في الأوساط الصحفية, فالعلم الجديد يجمع بين كيمياء الغازات العضوية الطبيعية, وبين السياسات الاستعلائية والخطط الاستباحية, التي تفننت بها القوى الغاشمة, ولجأت إليها في مساعيها العسكرية والانقلابية والتحريضية لإخضاع الأقطار الغنية بالثروات المعدنية, وبالتالي سرقة مخزونها القومي الاستراتيجي من النفط والغاز. .
يعتمد العلم الجديد في تنفيذ مشاريعه الاستفزازية على الأدوات التاريخية الخبيثة, التي كانت تمثل الفتيل الرئيس في إشعال الصراعات والحروب, التي اجتاحت المنطقة في الماضي البعيد, وقلبت عاليها سافلها, منذ معارك المناذرة والغساسنة وحتى معارك باب العزيزية على مشارف طرابلس الليبية, فالدين, والتاريخ, والنعرات القومية, والتشرذم الطائفي, والنزاعات المذهبية, والأحقاد والفتن هي الأدوات والأجهزة, التي استعانت بها مختبرات الكيمياء السياسية في فرض سيطرتها على مكامن غازات البروبان والبيوتان والبنتان والميثان والإيثان والهكسان, وهي الأدوات التي تسلحت بها الآن لزعزعة الأوضاع في الشرق الأوسط, وبات من المسلم به أن التعرف على المواد المستعملة في تلك المختبرات, سيكشف لنا أسرار المعادلات والتركيبات والأواصر الكيماوية السياسية, ويفتح لنا مغاليق الأبواب الموصدة, ويمهد الطريق لفك شفرات الألغاز, ويفسر الأحاجي الغامضة, بعد أن دوخت العالم العربي, وعصفت باستقراره منذ ثمانينات القرن الماضي, وحتى يومنا هذا. .

وربما نتعرف من خلال هذا العلم الجديد على وقود المنظمات الإرهابية, وبلدوزرات (الربيع العربي), ونكتشف سر انقلاب قطر ضد سوريا, والتنافر السوري التركي, وقد يقودنا العلم الجديد لاقتفاء أثر التآمر القطري على السعودية, وسنستدل أيضا
على مؤشرات التفكك والتمزق في خارطة الشرق الأوسط. .
فإذا كان اكتشاف النفط في الشرق, وعلى وجه التحديد في منطقة (مسجدي سليمان) شرق بوشهر, قد فعل فعلته, وفرض علينا حواجزه الحدودية القائمة على التناحر القومي والطائفي والفكري, فان حاجة الغرب الملحة لغاز العرب ستفرض علينا ما لا نستطيع التكهن به من الحروب والحدود والخنادق, وتجلب لنا ما لا نستطيع التكهن به من الدسائس والمؤامرات, وستشهد المنطقة سلسلة من التغيرات على غرار سلاسل التفاعلات العضوية في كيمياء الغازات الطبيعية. .

لقد سعت واشنطن منذ عقود للاستيلاء على مكامن الغاز الطبيعي في الخليج ومصر والشام وإيران, وأدركت بحاستها الفطرية الامبريالية الاستباحية; ان التحكم بحقول الغاز سيوفر لها مقومات التفوق على الأقطار الصناعية الصاعدة, ويضمن لها الهيمنة على مراكز القوة في كوكب الأرض, وأدركت واشنطن أن غنائم حقول تركمانستان وأذربيجان والشيشان بعيدة المنال عليها, ولا تستطيع الوصول إليها, لوقوعها تحت أقدام المارد الروسي, فنشرت مخالبها في ربوع العرب المتأمركة, وبحثت لها عن متطوع يسهل عليها إجراءات التوغل في الخليج والشرق الأوسط, ويمهد لها الطريق الآمن, فوجدت ضالتها في أمير قطر, الذي كان متأمركا أكثر من الأمريكان أنفسهم, ووجدت في تقسيم المنطقة الطريق الأسهل والأسلم, فسعت لبعثرة كياناتها الهشة, واستعانت بالتنافر الإسلامي الطائفي (السني ا
لشيعي), و(الإسلامي المسيحي) في تأجيج الصراعات المذهبية بالقدر الذي يجعل إسرائيل في منأى عن المشاكل, ويجنبها دوخة الرأس, فكان لابد من تفريق صفوف المقاومة الفلسطينية, وتشتيتها وبعثرتها, والقضاء على المقاومة اللبنانية, وتفتيت قوتها, من دون أن تلجأ واشنطن بنفسها إلى التحدث ولو بحرف واحد عن هذه المواضيع, فالخير والبركة في الفضائيات العربية, التي جندت نفسها لشن الحملات القاسية ضد كل من يتجرأ بالوقوف بوجه تل أبيب, ولو بالهمس من بعيد. .
ووقفت (الجزيرة) القطرية في الصفوف الأولى للقيام بهذه المهمة على الوجه الأكمل. .

ربما كان أمير قطر أول من اشتغل في مختبرات (الكيمياء السياسية), فقد شهد عقد التسعينات في القرن الماضي خطواته الأولى, التي ارتكب فيها أولى حماقاته عندما تآمر على أبيه, وطرده من البلاد شر طردة, ثم انتقل بعدها إلى الخطوة التالية, وباشر على الفور بالتفاوض مع إيران لترسيم الحدود البحرية الفاصلة بينهما, وقفز إلى الخطوات اللاحقة, وسارع إلى استخراج غاز البروبان والبيوتان من قاع الخليج, وتعاقد بعدها مع السوق الأوربية لتصديره بعد تسييله (تحويله إلى غاز مسال), وشحنه إلى أوربا على ظهور الناقلات العملاقة, بأسعار تنافسية في محاولة للقضاء على الآمال الروسية. .
من المفيد أن نذكر هنا أن معظم الأنظمة, التي تورطت في عمليات الكيمياء السياسية, أو المرشحة للتورط فيها, تتساوق مع بعضها البعض, وتتناغم بقواسم تمويهية مشتركة, يراد منها ذر الرماد في عيون الشعوب العربية والإسلامية الحالمة بتطبيق القيم والمبادئ السامية, حتى صار الزيف والتظاهر بالتدين, والتجلبب بجلباب الورع والتقوى هما الشعارات الرسمية, التي تجمع الأقطار المنتجة للغاز الطبيعي في التركيبة الأمريكية الموحدة, وبالصيغة الإسرائيلية الشاملة. .
ففي الوقت الذي تتعمد فيه تلك البلدان إظهار نفسها وكأنها هي الوصي الشرعي على الأمة الإسلامية, وتتظاهر دائما
وكأنها على خلاف عميق مع الكيان الصهيوني, نراها هي نفسها من يحتضن الفيالق الأمريكية, وهي التي تقيم على أرضها القواعد الحربية الجبارة, وهي التي تمنح التسهيلات السخية لفلول الجيوش الغازية, التي انتهكت حرمة الديار العربية والإسلامية, فضلا عن كونها هي التي ترتبط بعلاقات متينة مع تل أبيب في السر والعلن. أنها حالة فريدة من التناقضات التي لا يقبلها العقل ولا يصدقها المنطق, لكنها موجودة على أرض الواقع, واستطاعت أن تحقق أهدافها, وتسيطر على عقول الناس. .
وهكذا وقف وعاظ السلاطين والعملاء والجواسيس والمتآمرين على خط واحد مع الجيوش الامريكية والأجهزة المخابراتية الإسرائيلية. .

فتمددت قاعدة (العديد) في قطر بالطول والعرض في زمن جيفارا الجزيرة, المتمرد على الأمير الطيب, وتوسعت قاعدة (انجرليك) في تركيا في زمن السلطان الطيب أردوغان, المتمرد على معلمه (أربكان), فكان غاز البيوتان في قطر, وغاز البروبان في تركيا هو الوقود الذي أشعل نيران التمرد, وحرك توربينات العصيان في أنقرة والدوحة, وهو الشريان الذي غذى ضمائر الاندماج تحت مظلة البيت الأبيض. .
يعد خط (نابوكو) هو القنطرة الأسطورية, التي ستعبر فوقها الولايات المتحدة الامريكية لتصل إلى سقف العالم, ومن المفيد أن نذكر: أن هذا الخط يجمع غاز المنطقة من مصادره الغنية, ويسمح له بالمرور عبر الأراضي التركية في طريقه إلى أوربا, مع تجنب المرور بالأراضي الروسية واليونانية, لأسباب سنتحدث عنها بالتفصيل في مقال آخر. لكننا نريد أن نلفت انتباه القارئ الكريم إلى بعض البديهيات الثابتة في علم الكيمياء السياسية, والتي يمكن الاستعانة بها في حل الغاز الشرق الأوسط, وفك الاحجيات المستعصية على الفهم, فالغاز هو الوقود الذي يحرك مراجل الأزمات كلها, ويفجر الأوضاع في البلدان العربية على وجه الخصوص, فالبلد الذي ليس فيه غاز ليست فيه مشاكل, والعكس هو الصحيح, وتنطبق هذه البديهيات على جميع البلدان الغنية بالغاز من دون استثناء, حتى صار الغاز هو المركب الكيماوي, الذي يرسم الخطوط العريضة للتدخلات الامريكية المنظورة وغير المنظورة, وهو الذي يعطي المبررات لسماع التصريحات القطرية أو التركية, ويفسح المجال لتواجدهما في الأماكن الغنية بالغاز, وهو الذي يحفز ترددات قناة الجزيرة لتصنع أفلامها الخنفشارية, وتبث برامجها المفبركة, وتذيع أخبارها الملفقة, حتى صار الغاز هو المغناطيس الذي يجذب أمريكا وزبانيتها وفيالقها الحربية والإعلامية.
فالغاز هو الذي يفك شفرة الألغاز, والحقول الغازية هي التي جلبت الجيوش الغازية, وحذار من تسرب غاز قطر, فالخطر يأتي من قطر. . .

-إضاءة ( جلال الطالباني ) رئيس لمن !!! حامد كعيد الجبوري

إضاءة
( جلال الطالباني ) رئيس لمن !!!
حامد كعيد الجبوري
لعن الله المحاصصة السياسية والطائفية التي أتت لنا بأناس كانوا يتمنون الوقوف على أبواب رؤساء الدوائر الإدارية ، ولعن الله الديمقراطية المزيفة التي نصبت ( شعيط ومعيط ) - كما يقول الشاعر الكبير ( موفق محمد ) - على رؤوسنا ، ولعن الله صناديق الاقتراع التي قبلت بتزوير نتائجها المحسوبة بمحسوبية أمريكية وبدوافع حزبية سنية وشيعية واضحة لا يشوبها الريب ، قبلنا أن نحكم لساسة لا تعرف السياسة بل تعرف وسائل ملأ الجيوب بمال حرام ، وقبلنا بمزورين لشهادات جامعية وحتى لشهادة الابتدائية ، قبلنا أن توزع أموال فقراء العراق لثلة قتلة تستوطن الخضراء وتزرع الدمار والخراب والقتل والاستحواذ تحت مسميات المصالحة الوطنية ، هرب بل هُرب أيهم السامرائي ، ووحيد كريم ، وأسعد الهاشمي ، وعدنان الدليمي ، وحارث ومثنى الضاري ، ومحمد الدايني ، وحازم الشعلان ، وعبد الناصر الجنابي ، ومشعان الجبوري ، وأفواج أخرى من اللصوص والقتلة ، الكل يعلم بصدور مذكرة اعتقال بحق المتهم الهارب نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي ، و لست أتهمه بالقتل طالما لم يمثل بعد أمام القضاء العراقي ، بل أقول أن طائرته التي كانت متجهة الى كردستان بقيت في المطار لأكثر من ثلاث ساعات فلم لم يلق القبض عليه وهو في المطار ؟ ، بل تركوا طائرته تصل الى كردستان وأعلنوا الجريمة المتهم بها ، وافقنا كعراقيين رغما عن أنوفنا برئيس كردي يدير دفة البلاد ، ومعلوم كم أن هذا المنصب سبب للعراقيين من كوارث بسب إسناده لكردي تعلم لعبة السياسة من صغر سنه ، فلو عدنا الى الوراء قليلا وبحثنا على ما يسمونه ( الكوكل على الأنترنيت ) لصور الرئيس الكردي ( جلال الطالباني ) مع طاغية العراق المقبور ( صدام حسين ) لعرفنا الطريقة التي تعامل بها هذا الرئيس – جلال - سياسيا داخل العراق سابقا ولا حقا ، وكيف أستثمر وأستأثر بدماء شهداء العراق من الكورد والعرب والتركمان ، لقد سبب لنا هذا الرئيس الكردي أكثر من تسائل واستفسار من دول عربية عن ما هية العراق الجديد ، ولست مدافعا عن القومية العربية وأصبح ( قومجيا ) أكثر من القوميين ، فأنا لا أميل لقومية أو عرق ما ، و ( رضينا بالموت والموت مارضه بينه ) وهذا مثل شعبي ، بمعنى أنا قبلنا كعراقيين متطلعون للتغيير بهذا الرئيس الكردي ولكنه رفضنا جملة وتفصيلا ، ودليلي لهذا قلة تواجده في ديوانه كرئيس لجمهورية العراق في بغداد ، ويستعيض عن ذلك بإدارة شؤون هذه الجمهورية الملتهبة قتلا وتشريدا وكواتم صوتية لا ترحم من مخبأه في ( السليمانية ) ، وربما وجوده متنقلا من عاصمة لأخرى أكثر من تواجده في بغداد ، وعدم موافقته على أحكام إعدام قضائية صحيحة متسترا خلف توقيعه لمذكرة عالمية تدين الإعدام ، والأغرب من ذلك أطلاق أحد مراجع الدين موصفا هذا الكردي الرئيس ( صمام أمان العراق ) ، فأي صمام هذا يتخلل ما صمه من قتل وذبح وتشريد ، والأغرب أيضا أن هذا ال ( جلال ) أقسم بشرف جمهورية العراق المستباح وبدماء الأنصار من الشيوعيين أن لا يغادر كرسيه الرئاسي إلا وهو محمول على عربة مدفع – الموت - ، لله درك يا عراق ما عانيت وما ستعاني من هكذا سياسة وساسة ، للإضاءة ... فقط .

الخميس، 29 ديسمبر 2011

عيد ميلاد سعيد

لوجيا- فهد عامر الأحمدي – صحيفة الرياض




فهد عامر الأحمدي – صحيفة الرياض

(لوجيا) لاحقة لغوية تعني “علماً” أو “دراسة” أو “نظرية” باللغة اليونانية القديمة. وبدءا من القرن الثامن عشر أصبحت تلحق في أوروبا باسم الشيء المراد تفسيره أو دراسته أو تقديمه كعلم مستقل.. وبمرور الوقت ارتبطت بعلوم جديدة ومدارس حديثة فأصبح هناك مثلا سيكيولوجيا (علم النفس) وبيولوجيا (علم الأحياء) وجيولوجيا (علم الأرض) وتكنولوجيا (علم التقنية) وبارماكلوجيا (علم العقاقير) …الخ

وطالما أن المسألة (لوجيا في لوجيا) يمكننا نحن أيضا ابتكار مصطلحات محلية تفسر علوماً ونظريات ودراسات لم يسبقنا إليها أحد من العالمين.. فنحن مثلا لدينا:

= الاكتتابلوجيا : وتعني بيع ثلث أسهم شركتك الخاسرة على المواطنين ثم تصريف ماتبقى بعشرة أضعاف قيمة الاكتتاب الأصلي حتى تتخلص من الشركة تماما!

= والبطالوجيا : التي تتعلق بحالة يأس اقتصادي تصيب شابا في مقتبل العمر يتم تقاذفه بين كافة الوزارات والشركات … حتى يقذف نفسه تحت شاحنة تريح منه المجتمع!

= أما السينملوجيا: فمحاولة فهم شعب يشاهد عشرات القنوات المشفرة في الغرف المغلقة ثم يتحدث عن خطورة أفلام مراقبة تعرض في صالات مفتوحة!!

= أما الهذرلوجيا: فإسهال لغوي كان يمارسه كُتاب الصحف إلى وقت قريب قبل أن ينافسهم مفتون وأنصاف مشايخ يملأون الفضائيات.. ويستلمون بالدولار!

= أما الشرعنلوجيا: فإضفاء صبغة شرعية على معاملات بنكية تتجاوز فائدتها كافة النسب الربوية التي حرّمها الله على عباده!

= أما الواسطلوجيا: فعلم ذو وجهين كونه يعمل لصالحك أحيانا في حال كنت تعرف واسطة تدوس على اللوائح والأنظمة وتدوسك أنت في أحيان أخرى… رغم تقيدك بذات اللوائح والأنظمة!!

= أما الاختلاطلوجيا : فهي فرضية حدوث لقاء غير شرعي بين رجل وامرأة لا يعرفان مصلحتهما وفشل الأهل في تربيتهما.. وبالتالي يحتاجان لوصاية من يسيء الظن بالجميع!!

= أما الدراساتلوجيا : فهي فن تصبير المواطنين وإقناعهم بأن تخلف بنيتنا التحتية مصدره (دراسات جادة) تستغرق مابين أربعة إلى خمسة عقود فقط!!

= أما الازدواجلوجيا : فعلمٌ عريق يحاول تفسير مهارة العيش بين متناقضين اجتماعيين.. الأول المحافظة والتزمت في الظاهر، والثاني الانطلاق والتحرر في الباطن!

= أما الزواجلوجيا: فعلمٌ يبحث في إيجاد صيغ شرعية للمغامرات الرجالية تحت مسميات انسانية لطيفة/ كزواج المسيار وزواج المسفار وزواج النية وزواج التوكيل وزواج المبتعثين…!!

= أما الكرسيلوجيا: فابتكار عربي يعني عدم تنازل المسؤول العربي عن “الكرسي” إلا في حالة وفاته أو توريثه لابنه البكر!

= أما الباطنلوجيا: فعلمُ تسريب المشاريع بالباطن على شركات هندية وصينية تنفذ 90% من العمل ب10% من الميزانية !

= أما التطرفلوجيا: فحالة تتبنى أقصى حدود التشدد والتزمت، وتستقطع من آراء الفقهاء وقصص التراث ما يقنع صاحبها بأنه صاحب رسالة مقدسة!

= أما العلمانلوجيا: فتهمة مطاطة لا يُعرف معناها بالضبط ولكنها على أي حال تهمة جاهزة يُقذف بها كل من يعارض التطرفلوجيا!

= أما المرألوجيا: ففوبيا رجالية تفترض بأن المرأة قابلة للفساد والانحراف بمجرد غياب ولي الأمر أو منحها شيئا من الحرية وفرص العمل!

= أما الخلعلوجيا : فإحدى نتائج المرألوجيا حيث مماطلة الزوجة المظلومة إلى أن يرميها زوجها بعد سن الستين أو تدفع هي ثمن خلعها بعد درزينة أطفال!!

= وأخيرا أيها السادة هناك مصطلح صعب النطق يدعى (سدالذرائعلوجيا) الذي يهتم بإغلاق كافة أبواب التيسير وضم حتى المباح والمسكوت عنه تحت مظلة سوء الظن واحتمال الانحراف!

… وفي الحقيقة يمكنني أن أكتب عدة مقالات بهذا الشأن، لولا خوفي عليكم من الإصابة ب(الاكتئابلوجيا) أو التصديق بأننا نملك فعلًا ما ننافس به (التكنولوجيا) أو (البارماكلوجيا) حيث المعيار الحقيقي لتقدم الأمم.

الثلاثاء، 27 ديسمبر 2011

soshan मास-لهذاالليل أسافين ضحكات أشق بها عبوسه ليتسع عن صفات الضياء




لهذا
الليل أسافين ضحكات أشق بها عبوسه ليتسع عن صفات الضياء
ويذبل
منكسراً لي على عبوسه الأصم .
لأشكل
بسمتي على هوى عيني و على طوع جبيني الوردي
لي من
الفرح سهماً و إنشودة شقية سأحسبها قنطار جنون
لن أهمس
في حضن الموت ولكن سأصرخ للحياة
سأناديني
يا ابنة الينابيع أن أزهري بإسمك و رسم وجنتيك
سآمر
وقتي أن يبعد السنين عن شقاوة ملامحي الربيعية
ليرن
صوتي مترقرقاً آآآآآآه ما أجملني بوجودي المتسع لعالم
soshan mas

الاثنين، 26 ديسمبر 2011

قناطر وخناجر تمزق الشرق-كاظم فنجان الحمامي

قناطر وخناجر تمزق الشرق


ملف خاص نشرته جريدة المستقبل / بغداد / في 26/12/2011

ما سر قناطر (نابوكو) الأنبوبية الجبارة ؟

وما تأثير خناجرها على آسيا الوسطى والشرق الأوسط ؟

وما علاقتها بالعراق على وجه التحديد ؟


كاظم فنجان الحمامي


من حكايات الليالي الألفية


يحكى أن رجلا من ازباكستان كان يسير خارج أسوار طشقند, وإذا به يعثر على المصباح السحري, الذي خبئه السندباد في كهوف سمرقند, فتناوله الرجل وكاد يطير من الفرح, وما أن نفض الغبار عنه, ومسحه بيده, حتى ظهر له المارد بصوته المجلجل, وجسمه المترهل, فقال للرجل: شبيك لبيك عبدك بين أديك. أنا في خدمتك يا سيدي, سأنفذ ما تطلبه مني في الحال. فكر الرجل ملياً, ثم قال: أريد أن تبني لي جسرا أسطوريا عملاقا يمتد من أسواق خوارزم إلى قصور فيينا, ويمر بمعظم المدن الإفرنجية, لتعبر فوقه قوافل الحرير والعاج في طريقها إلى النمسا, فسكت المارد وبدت عليه علامات الحيرة, وقال بعد تأمل: أن طلبك هذا لا يقبله العقل ولا المنطق, ويحتاج إلى ملايين الأطنان من الحديد والاسمنت, وآلاف العمال والمهندسين, أن أمنيتك بعيدة المرام عزيزة المنال, كن حكيما يا سيدي, واختر أمنية قابلة للتحقيق.

سكت الرجل برهة, ثم قال: هل بإمكانك أن تساعدني في إنقاذ الأمة الإسلامية من التشرذم والتبعثر, فنوحد كلمتها على رأي واحدة, وهدف واحد, ومنهج واحد, وقلب واحد, فقاطعه المارد بعصبية, وقال له: كيف تريد الجسر, بمسارين, أم بأربعة مسارات ؟؟. .

تلك حكاية طريفة نرددها دائما في معرض حديثنا عن ظروف التمزق والتفكك والتباعد والتنافر, التي تمر بها الأقطار العربية والإسلامية في المرحلة الراهنة. . قد يتحقق المستحيل وتحدث المعجزة, ولا يتحقق الانسجام والتلاحم والتفاهم بين الشعوب والأقطار الإسلامية المتناحرة. .

وصدقت شهرزاد


مما يؤسف له أن هذه الحكاية الساخرة, والمزحة الثقيلة, تحولت تفاصيلها إلى حقيقة مؤلمة, تجسدت ملامحها على أرض الواقع بالتمام والكمال, وها نحن اليوم نشهد تآمر العرب والمسلمين على بعضهم البعض, وتهافت صغارهم على تقديم فروض الطاعة والولاء للقوات الأجنبية الغازية, في الوقت الذي شرعت فيه كبريات الشركات العالمية منذ بضعة أعوام بتنفيذ مشروع (نابوكو Nabucco), ومد قناطر أنبوبية عملاقة, صممت لتنبعث من حقول الغاز في جمهورية أوزباكستان, وتهبط في النمسا, قاطعة الجبال والسهول والبحار والأنهار والأراضي الوعرة في تركمانستان وأفغانستان وقلقيزستان وأذربيجان وجورجيا وأرمينيا وتركيا وبلغاريا وصربيا وكرواتيا وهنغاريا ورومانيا. وستلتحق بها القناطر العربية المنضوية تحت راية (نابوكو), في تشكيلة عجيبة تتفوق بالطول والحجم على سور الصين, وتفجر براكين الربيع العربي في عواصم الشرق, وترسم صورة مفزعة للصراع الروسي الصيني في مواجهة القوة الامريكية المهيمنة على أغنى مكامن النفط والغاز, وبالاتجاه الذي يضمن عزل القوى الدولية الصاعدة (روسيا الصين الهند واليابان) عن حوض البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي, ويمهد الطريق أمام النظام العالمي الجديد ليبسط سلطته على قارات كوكب الأرض, وينشر مخالبه على منابع الغاز والماء في الشرق. وستكون تركيا هي الحاضنة المعوّل عليها في احتواء حزمة القناطر الأنبوبية القادمة من الأقطار العربية النابوكوية, ومن أقطار آسيا الوسطى المتمردة على روسيا الأم. .

سر التسمية الغريبة


أرتبط اسم (نابوكو Nabucco) بالأفكار الصهيونية السرية, فالاسم مشتق من أوبرا (نابوكو), التي تتمحور حكايتها حول الصراع الأزلي على مدينة أورشليم (القدس). وتدعو للتمسك بالديانة اليهودية, والتضحية من اجلها, والقصة برمتها مستوحاة من العهد القديم (كتاب النبي دانيال), الذي يعكس صورة التاريخ اليهودي إبان حكم الملك (نابوكود الثاني), ملك بابل العظيمة (العراق) من عام 605 إلى عام 562 قبل الميلاد.

و(نابوكو) صيغة تصغير و(تحقير) باللغة العبرية لملك السبي البابلي, تحاكي اسمه الصحيح (نابوخذ نصر Nebuchad nezzar), ويبدو أن الأطراف التي خططت لهذا المشروع, تعمدت استعمال اسم الملك البابلي بعد تصغيره, ثم قامت بإلصاقه على مشروع القناطر الكونية, التي ستنسف اقتصاد البلدان العربية والإسلامية, وتتلاعب بمصيرها, ويبدو أن التسمية جاءت بهذا الشكل لإنعاش الأحقاد اليهودية القديمة, والانتقام من نبوخذ نصر, فضلا عن الاستخفاف بالحضارة البابلية التي سحقت اليهود في أورشليم واستعبدتهم في الأزمنة الغابرة. .

من هنا يتضح لنا أن اللافتة التعريفية للقناطر النابوكوية تحمل أكثر من دلالة رمزية, وتستبطن الشر كله, فالكتاب يُعرف من عنوانه. .


خط عرض 33 شمالاً


تؤكد الوقائع السياسية أن خط العرض (33), شمال خط الاستواء, صار بديلا لطريق الحرير, وان هذا الخط نفسه هو الذي سيحقق الأهداف الامريكية, ويساعدها على فرض هيمنتها على ما يسمى (المنطقة الأمريكية الوسطى), المتمثلة بأقطار الشرق الأوسط وآسيا الوسطى, فخط العرض (33) لا يمثل بالضرورة درباً لقوافل الحرير, لكنه يماثله من حيث القوة والأهمية, في كونه شريان الطاقة الرئيس في العالم, وهو أيضا شريان النفوذ والسلطة. .

لقد جاءت قناطر خط (نابوكو) لتضع حدا للصراع القديم بين المعسكر الروسي وأنصاره والمعسكر الغربي وحاشيته, وتحقق الحلم بنقل الغاز (أهم مصادر الطاقة) من آسيا الوسطى والمنطقة العربية إلى قلب الاتحاد الأوربي مرورا بتركيا, بدعم مطلق من البيت الأبيض وإسرائيل. .

ان الصراع على مكامن الغاز في بحر قزوين, والمحاولات الروسية الجارية لمنع تركمانستان من تصدير غازها إلى أوربا, ووقوف إيران في صف موسكو, والصراع الجورجي الروسي, والمناوشات الروسية الأرمينية على حقول الغاز, وضع القوى الغربية أمام حالة مصيرية لا تحتمل التأجيل, حالة تستدعي السيطرة على خط عرض (33) بشكل كامل. فإذا كانت الحروب التي شنتها أمريكا وحلفائها في الشرق كانت بدافع السيطرة على حقول النفط, فان الخط (33) المار بأغنى منابع النفط والغاز صار هو الخندق الأمامي للمواجهات الجديدة, وهو البديل الأمثل للصراع القديم على طريق الحرير, لكنه أكثر بطشاً وشراسة منه, وستكون خسائره ببليارات الدولارات, سيما أن اللاعبين في مسارح النظام العالمي هم اليوم أكثر عدوانية ووقاحة, وأكثر عددا وعدة. .

وعلى الرغم من هذا التفوق اختار أنصار النظام العالمي الجديد الحرب الناعمة كغطاء لاحتفالاتهم التنكرية في ملاهي الربيع العربي, فاستهدفوا العواصم العربية الواقعة عند مقتربات الخط (33), وهم في طريقهم الآن لتخريبه تماما تمهيدا لتعبيده بحجارة حائط المبكى, وإزاحة الأنظمة غير المنسجمة مع تركيبته الإستراتيجية, فالعواصم العربية هي الضحية, بيد أن أقطار الشرق الأقصى تبقى هي المتضرر الأكبر بالمقارنة مع أضرار الفوضى العارمة في الشرق الأوسط. .

عواصم اصطفت على الخط الأحمر


تعد سوريا والعراق وإيران ولبنان من الأقطار الواقعة على حافات الخط (33), وهو الخط الذي شاءت الأقدار أن يمر ببكين وكابل وطهران وبغداد ودمشق وبيروت, ويغذي الأطماع الامريكية منذ اليوم الذي فكرت فيه واشنطن باحتلال أفغانستان والعراق, وفرضت فيه الحصار على إيران, وخلقت الأزمات في باكستان, وحركت الفتن والقلاقل في سوريا, فكل من يقع على هذا الخط الأحمر أو بجواره, ولم يلتحق بالركب الأمريكي, يعد من البلدان المارقة, والأقطار المتمردة, فجاء الدور اليوم على سوريا الواقعة في بوابة البلدان المحاذية لقناطر (نابوكو), وهذا يفسر إصرار الإدارة الامريكية على إزاحة النظام السوري بالطرق المتاحة وغير المتاحة. .

ومما زاد الطين بلة ان سوريا نفسها أبرمت مع العراق وإيران ولبنان اتفاقاً مبدئيا على مد حزمة جديدة للغاز الطبيعي لمنافسة أنابيب (نابوكو), تبدأ من بحر قزوين وتنتهي عند السواحل اللبنانية, يزيد طولها على خمسة آلاف كيلومتر, لذا فأن المرحلة الراهنة تقضي بوجوب قيام أمريكا باكتساح النظام السوري, بحيث تضمن الاستحواذ على خطوط الغاز القادمة من مصر وفلسطين ولبنان, وتتمكن من ربطها بخطوط (نابوكو) عبر سوريا الواقعة الآن تحت الضغط التركي النابوكي, واستكمالا لهذه الخطوة وافقت حكومة إقليم كردستان العراق على ربط أنابيب تصدير الغاز في شمال العراق بقناطر (نابوكو), من دون الرجوع إلى الحكومة المركزية في بغداد, ما يعني فرض العزل التام على الغاز الإيراني, ووأد المشروع السوري الإيراني العراقي في مهده. .

الالتفاف على الأقطار الصاعدة


ظهر الضعف الأمريكي واضحا في مواجهة القوى الصاعدة, كالصين والهند والبرازيل واليابان, وأصبح واضحا أن الخيارات العسكرية أو النووية باتت غير مجدية في حسم النزاع لصالح الامريكان, خصوصا في التعامل مع الأقطار التي لا تعرف التواطؤ, ولا الإذعان, ولا التخاذل, فوجدت ضالتها في فرض الهيمنة على مصادر الطاقة, باعتبارها الخيار الأفضل في تحقيق التفوق على الكبار, فامتلاك الطاقة هو الخيار الأمثل, والقسمة الدولية لا تحتمل المنافسة في قطاعات النفط والغاز, والبقاء لمن يحتكر مصادرها ومنابعها ومواردها, وهكذا تحركت روسيا في مضمار الغاز, الذي بات يشكل مادة الطاقة الرئيسة في القرن الواحد والعشرين, سواء من حيث البديل الأمثل, أو من حيث الطاقة النظيفة, الأمر الذي اضطرهم لتنفيذ مشاريع (السيل الجنوبي), و(السيل الشمالي),

وكان من المؤمل أن ينال (فلاديمير بوتين) وسام الاستحقاق, الذي سيؤهل روسيا لتسلق سلم السيطرة على الاقتصاد العالمي, بيد أن التدخل الأمريكي العاجل لتفعيل مشروع (نابوكو), والاتكال على تركيا وقطر في زعزعة الأمن والاستقرار في العواصم الواقعة على الخط (33) سيجعل مؤشرات التفوق تميل قليلا إلى الفريق الذي يفرض سيطرته الفعلية المطلقة على حوض الخليج العربي وسوريا والعراق ومصر والأردن والباكستان, في حين ترى روسيا أن الأسبقية ستكون لمن يفرض سيطرته على آسيا الوسطى وسوريا وإيران وتركمانستان, اما فرنسا التي عبَّرت عن رغبتها أكثر من مرة في خوض هذا التنافس, فقد اختارت اللعب في موقع الظهير الأيمن للبنتاغون, ونجحت في بسط نفوذها العسكري على حقول ليبيا في فجر الاوديسا, وقطعت شوطا دبلوماسيا كبيرا في استعادة مجدها القديم في لبنان, والملفت للانتباه ان ألمانيا الموحدة وقفت في صف الروس, واختارت اللعب مع شركة (غاز بروم) الروسية, ونظيرتها الجرمانية في مشاريع (السيل الجنوبي) و(السيل الشمالي), ونالت حصصا غير مسبوقة في أصول الغاز الروسي, والمثير للدهشة أن ألمانيا تبذل قصارى جهدها لإقناع الأقطار الأوربية بضرورة الوقوف مع المشاريع الروسية, وتوفير الدعم والإسناد لمشاريع السيول الشمالية والجنوبية, وترى أن الاتكال على مشروع (نابوكو) والاعتماد عليه في القرن الواحد والعشرين يعد نوعا من أنواع المغامرات السياسية الفاشلة, والمجازفات الاقتصادية المجنونة. .

لقد تسلحت ألمانيا بالحكمة والتعقل, وارتأت عدم التورط بالدخول في دوامات الحروب والقتل والمؤامرات التي امتطتها أمريكا حصانا جامحا تصول فوق ظهره كيفما تشاء في عواصم الشرق الأوسط, لتحمي مصالحها في مشروع (نابوكو). .

ويستمر الصراع على القناطر


من المفيد أن نذكر ان موسكو ليست بالفريسة السهلة, ومن الصعب عزلها وتحييدها بناء على الرغبات الامريكية الجامحة, والدليل على ذلك: أنها سارعت لشراء غاز آسيا الوسطى وبحر قزوين, عبر مناقصات سرية, استهدفت قطع ارتباطها بقناطر (نابوكو), بل أن شركة (غاز بروم) الروسية وجدت لها أكثر من موطأ قدم في النمسا, التي يفترض أن تكون المحطة الدولية الأخيرة لنابوكو, والغريب بالأمر أن محطة (كاترينا) الروسية - النمساوية بدت للعيان وكأنها هي المعوّل عليها في تصريف الغاز الروسي والآسيوي, وشيدت لها أكثر من محطة لتوزيع الغاز في صربيا وبلجيكا, والانكى من ذلك أنها بصدد بناء محطات مستقبلية في بريطانيا وفرنسا, ما يجعل المتتبع لصراع الغاز في حيرة من أمره. فهل ستميل كفة التفوق لصالح الروس والآسيويين والهنود والألمان في مواجهة أمريكا وأنصارها من الذين اتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان, فنبشوا بخناجر الحقد القديم قبر نابوكوذ نازار (نابوخذ نصّر), وهو في مثواه البابلي الأخير, واشتركوا مع يهود الاشكناز والسفارديم والفالاشا في محاولة استعادة الأمجاد اليهودية المتعفنة. .

سنكتفي بهذا القدر, على أمل التوسع في هذا الموضوع في مقال لاحق وبتفاصيل أكثر وأحدث وأوضح. .