الجمعة، 23 سبتمبر 2011
أمثال عراقية وأصولها أخترت لكم عدد من الأمثال العراقية وأصولها عسى أن تنال إستحسانكم.
أمثال عراقية وأصولها أخترت لكم عدد من الأمثال العراقية وأصولها عسى أن تنال إستحسانكم.
أحسن ماتگلها كش ... إكسر رجلها
يضرب للشخص الذي يأخذ الأمور بالحزم ويتجنب الحيرة والتردد في جميع أفعاله وأعماله .
أصله:
أن ضيفا نزل على رجل في بيته ، فقدّم الرجل له طعاما ، وفاكهة ، وحلوى وجلس معه يأكلان ويتسامران ، وكان للرجل دجاجة كبيرة تصول في البيت وتجول . وكان الرجل قد احتفظ ببعض الطعام في ناحية ، خشية أن يكون الطعام الذي يأكل منه الضيف لايكفيهما ، فكانت الدجاجة تأتي إلى ذلك الطعام فتنقر فيه فيطردها الرجل بأن يصيح بها : ( كش .. كش!) . على عادة بعض الناس في طرد الطيور أو غيرها . ولا تكاد الدجاجة تبتعد قليلا حتى تعود فتقترب من الطعام ثانية فتلتقط منه ، فيعود الرجل فيطردها بقوله : كش ( فزهك )الضيف وقال للرجل : ( تالي وياك ؟ ) .. تظل الدجاجة تروح وتجي وانت بمكانك تصيح : كش ( أحسن ماتگلها كش .. إكسر رجلها ) فتعجّب الرجل من حزم صاحبه الضيف وحسن معالجته للأمور وذهب ذلك القول مثل
بين حانة ومانة ... ضاعت لحانه
يضرب هذا المثل للشخص الذي يقع بين داهيتين تصيبانه فلا يستطيع منهما خلاصا ، حتى يصيبه من الأذى ما لايقدر على دفعه أو النجاة من شرّه
أصله :
أن رجلا كانت له زوجة اسمها حانة فلما أسنّت تاقت نفسه للزواج من إمرأة أصغر منها . فبنى بفتاة صغيرة مليحة ، حسناء اسمها مانة فكان يعدل بينهما كما أمر الله تعالى فيقضي ليلة مع حانة وليلة مع مانة فلا يغبط إحداهما حقها وكانت كل واحدة تريد ان تستأثر به وحدها ، فكان إذا اختلى بزوجته الأولى حانة تأخذ بعض الشعرات السوداء من لحيته فتنتفها ، حتى تصبح لحيته بيضاء ، فيشعر بأنه كهل وأنه من سنها وينبغي أن يكون لها وحدها دون سواها . وإذا اختلى بزوجته الصغيرة مانة فأنها تنتف بعض الشعرات البيضاء من لحيته حتى تصبح لحيته سوداء فيشعر بأنه لا يزال شابا وأنه ينبغي أن يكون لها وحدها دون غيرها ومازال دأب زوجتيه معه حتى اختفى شعر لحيته مع الأيام ولم يبق منها ولا شعرة واحدة .
وفي ذات يوم كان الرجل جالسا مع بعض أصحابه في المقهى ، فسأله أحدهم : (( هاي شنو أبو فلان ؟ وين لحيتك ؟ .. مزيّنها ؟)) فقال الرجل : (( لا والله مازيّنتها ولكن (( بين حانة ومانة ... ضاعت لحانه ) فسأله أصحابه عن مغزى قوله ، فأخبرهم الخبر ، فضحكوا من ذلك طويلا وتعجّبوا من صبر الرجل المسكين على مافعلته زوجتاه به ، وذهب ذلك القول مثلا
تنبل أبو رطبة
يضرب للشخص الكسول الذي تعوّد على البطالة وعاش عالة على غيره من الناس
أصله:
أن رجلا كان له ولد كسول ، وكان كلما يحاول إصلاحه وإرشاده ، يزداد كسلا وبلادة ، حتى تعب الرجل وملّ ويأس من إصلاحه وسلم أمره إلى الله تعالى . وفي ذات يوم قرر الرجل أن يرسل إبنه إلى مجمع التنابلة ليعيش بينهم ويصبح واحدا منهم ، فيريح ويستريح . وكان التنابلة آنذاك يعيشون في بستان كبير في إحدى ضواحي بغداد ، ينامون فيه طيلة يومهم . فإذا جاعوا أكلوا مما يتساقط عليهم من رطب ، من النخيل الموجودة في البستان ، وإذا أحسّوا بالظمأ شربوا من ماء الساقية . ذهب الرجل إلى شيخ التنابلة وشرح له الأمر وسلّم له ولده الكسول . فرحب شيخ التنابلة بالتنبل الجديد وقال له : (( شوف بابا روح نام هناك يم الساكية .. ولما توكع يمك رطبة من النخلة أكلها وإذا عطشت إشرب من ماي الساكية .. وإنت ما مطلوب منك أي عمل هنا )) . فانبطح الولد على الأرض ، قرب الساقية ، في إنتظار سقوط الرطب بالقرب منه ، وبعد مدة وجيزة سقطت رطبة بالقرب من رأسه ، فلم يكلّف نفسه عناء إلتقاطها ووضعها في فمه ، فقال بكلامه البطيء المتثائب : (( رحم الله والديه اللي يخلّي الرطبة بحلكي )) . فسمع شيخ التنابلة ماقاله التنبل الجديد فضحك منه واستدعاه إليه ، وقال له : (( كوم ولك كوم روح لأبوك كول له : آني تنبل ونص .. و ماأحتاج أعيش ويه التنابلة حتى أتعلّم منهم )) . ثم علم الناس بحكاية ذلك الصبي ، وعجبوا من كسله وضحكوا من فعله ، فقالوا فيه (( تنبل أبو رطبة )) وذهب ذلك القول مثلا
جبت الأكرع يونّسني .. كشف راسه وخرّعني
يضرب للشخص الذي يطلب العون من الناس ، فيلقى منهم مايزيد في عنائه وشقائه
أصله :
أن إمرأة خرجت ذات يوم إلى السوق لقضاء بعض الأشغال . فلما فرغت من ذلك أرادت الرجوع إلى البيت ، وكان معها صبي صغير لها تحمله على كتفها وكان يبكي طول الطريق من غير سبب معلوم ، وكلما أرادت المرأة أن تسكّته وتهّأه ذهبت جهودها أدراج الرياح . وبينما هي تسير في أحد الأزقّة وابنها مازال يبكي وقد بلغت روحها التراقي ، صادفت رجلا يقف في جانب الطريق وبيده يشماغ له يلفّه على رأسه ، فتقدّمت منه وقالت له : (( الله يرحم والديك .. ماتخّف هذا الولد .. حتى يسكت ! )) . فقال الرجل : (( سهلة .. وينه هذا ؟ )) . فأشارت إلى ولدها ، فتقدّم الرجل منه وأمسكه من كلا كتفيه ، ثم رفع الجرّاوية عن رأسه فبدت له صلعة منكرة ! .. ثم خفض رأسه وجعله أمام وجه الصبي وهزّ رأسه ذات اليمين وذات الشمال هزّا عنيفا وصاح بصوت منكر أجشّ : (( ترررررررررر )) فإخترعت المرأة ووقعت أرضا ، ثم نهضت وأخذت ولدها وهربت به وهي تقول : ((جبت الأكرع يونّسني .. كشف راسه وخرّعني )) . ثم ذاع ذلك الأمر بين الناس فعجبوا من غباء الرجل وجهله ، وبلادة المرأة وسوء تصرّفها . وذهب ذلك القول مثلا
أكو من جلمة ... وأكو من سطرة
يضرب للشخص الذي يعامل الناس حسب قدرهم ، وعلى قدر عقولهم .
أصله:
أن أحد الحلاقين كان يحلق يوما لأحد زبائنه بموس ماضية فزلّت يده فأصاب وجه الزبون بجرح غائر ، بدأ الدم يسيل منه غزيرا فما كان من الحلاق إلاّ أن مال على أذن الزبون وقال له : (( تره أكو بعكالك وسخ )) وتلك كناية عن تعرّض سمعته لكلام الناس ! فثارت ثائرة الرجل وأحمّر وجهه غضبا وقفز من مكانه وصاح : (( اتخسه ! .. انا أخو خيته .. )) . فتوقف نزيف الدم في الحال . فاعتذر الحلاق إليه ، وأخبره بأنه قد قال ما قال حتى يثير غضبه ، ويهز أعصابه ، فينقطع نزيف الدم . فسامحه الرجل وقبل عذره .
وكان للحلاق صبي ذكي مجدّ وكان قد سمع ورأى ما دار بين أستاده الحلاق والزبون . وبينما كان يحلق لأحد الزبائن ذات يوم أصاب الزبون بجرح في وجهه سال منه الدم غزيرا . فمال الصبي على الزبون وهتف في أذنه : (( تره أكو بعكالك وسخ )) فلم يتحرك الزبون ، ولم ينقطع نزف الدم ، فقال الصبي : (( تره سمعة بنتك موزينة بالمحلة )) فلم تؤثر كلمته في الزبون شيئا. فقال : (( الناس دا يحجون على بنتك )) فلم يتحرك الزبون كذلك . وكان الحلاق يسمع ويرى مايجري بن الصبي والزبون ، فأسرع إلى الزبون ورفع كفه وضربه سطرة شديدة على رقبته . فارتاع الزبون لذلك وانتابه الغضب وقام من مقعده ثائرا ، وسأل الحلاق : (( هاي شنو ؟ .. ليش تضربني ؟ )) . وقبل أن يجيبه الحلاق انقطع نزف الدم وتوقف .. فاعتذر الحلاق إلى الزبون ، وأطلعه على حقيقة الأمر ، وأن السطرة ماكانت إلاّ لتوقف النزيف . ثم التفت الحلاق إلى صانعه وقال له : (( شوف ابني .. الناس مو كلهم سوه .. أكو من جلمة ... وأكو من سطرة )) . فتعجّب الصبي من كلام الحلاق ، وسعة اطلاعه ، وشدة ذكائه .. وذهب ذلك القول مثلا
َحميّينا الماي ... وطار الديج
يضرب هذا المثل للشخص الذي يعمل عملا عظيم الأثر ، ثم يعتذر عنه بعذر واه لا يصدّقه عقل ولا يقبله وجدان
أصله:
أن رجلا كانت له إمرأة جميلة مليحة ، وكان لها خليل تعشقه وتهيم به ولا تطيق فراقه ، وكانت تؤثره بكل شيء لديها من ملبس ومأكل وغير ذلك . وكانت كلما أعدّت طعاما لزوجها تأخذ منه شيئا لخليلها . وفي ذات يوم جاء زوجها بديك سمين ، فذبحه وطلب منها أن تعدّ منه مرقا لذيذا للغداء . فقامت المرأة إلى الديك فطبخته ووضعته في طبق ، ثم أرسلت به إلى خليلها ليأكله هنيئا مريئا . ثم إن الزوج عاد إلى البيت في وقت الغداء ، فأتته الزوجة ببعض المرق وبعض رغفان الخبز ، فسألها عن الديك ، فقالت له : (( ديج ؟ .. هذا يادبج ؟ .. هذا جان جنّي ! ))
فتعجّب الرجل من قولها ولم يصدّق كلامها وسألها : (( شنو هالحجي ؟ )) فقالت : (( لما ذبحت الديج .. نظّفناه آني والخادمة وخلينا الماي بالجدر .. والديج بالماي .. والجدر على النار .. ولما حمى الماي رفرف الديج بجناحه وطار من الجدر )) . فصعب على الرجل تصديق هذا الكلام ، فسأل الخادمة عن صحته ، فقالت : (( صدك عمّي .. حمّينا الماي ... وطار الديج . فصدّق الرجل كلام زوجته ، وتناول ما أمامه من الطعام. ثم ذاع الخبر بين الناس ، فضحكوا من غفلة الرجل وغبائه ، وعجبوا من كيد المرأة وتدبيرها . وذهب ذلك القول مثلا
ردتك شاهد .. طلعت لي قصّه خون
يضرب للشخص يؤتمن على أمر ، فلا يكون أهلا لتحمّل تلك الأمانة ، أو المحافظة عليها ، خيانة منه ولؤما .
أصله:
أن رجلا من أهل بغداد كان قد سافر إلى إحدى المدن العثمانية إبّان العهد العثماني بصحبة رفيق له . وبينما هما يتنزّهان في بعض شوارع المدينة _ في عصر ذات يوم _ رأى الرجل بقرة كبيرة واقفة في شرفة أحد البيوت والشرفة : هي ماكان يسمى في بغداد القديمة (( الطارمة )) ويسمى اليوم البلكون . وكانت الشرفة صغيرة وضيقة وبابها صغير وضيق ، فتعجّب الرجل من ذلك غاية العجب ، ولفت نظر رفيقه إلى ذلك ، وراح يتسائل وإياه عن كيفية صعود البقرة الكبيرة إلى تلك الشرفة الصغيرة الضيقة وعن كيفية نزولها منها والشرفة عالية عن الأرض ، وبابها صغير ضيق ! . ثم قال الرجل لرفيقه : (( إن هذا الأمر لايكاد يصدّقه العقل .. فلو أن امرءا حدّث به بعض معارفه ، هل كان يصدّق في قوله ؟ . فبالله عليك ياصاحبي إنتبه لما ترى جيدا واحفظ ذلك في ذاكرتك .. لعلّني أحتاج إلى شهادتك في هذا الأمر ، إذا ما عدنا إلى بغداد .. لأني أخشى الاّ يصدّقني أحد إذا ما قصصت عليه قصتها )) . فوعده رفيقه خيرا .
ثم أن الرفيقين عادا إلى بغداد ، وقد نسي الرجل أمر البقرة . وفي ذات يوم دخل الرجل إلى المسجد ليصلي الظهر ، فرأى صاحبه واقفا في ناحية من المسجد ، وقد التفّ حوله لفيف من الناس ، وهو يقصّ عليهم نبأ البقرة ، وكان القوم يستمعون إليه ويهزّون رؤوسهم غير مصدّقين لما يقول ! . وما كاد ذلك الرفيق يرى الرجل داخلا ، حتى صاح به قائلا : (( لقد جئت في الوقت المناسب ياصاحبي .. أن هؤلاء القوم يكذّبونني فيما أقصّ عليهم من نبأ البقرة . فهلاّ شهدت لي على صحة ما أقول ؟ )) . فقال الرجل : (( أنا لا أتذكّر من هذا الأمر شيئا .. وما أظن كلامك إلاّ إفتراءا وبهتانا ! . )) . فقال صاحبه : (( ماذا تقول ياصحبي ؟ .. هل نسيت ذلك بهذه السرعة ؟ .. )) فقال الرجل : (( لا .. لم أنس ذلك .. ولكنك أنت الذي نسيت ما طلبته منك .. لأني (( ردتك شاهد .. طلعت لي قصه خون . )) . ثم ذاع ذلك الأمر بين الناس ، وعجبوا من قلة عقل ذلك الصديق ، وعدم إلتزامه بما وعد به رفيقه
السبع لمّا يشيب .. تقشمره الواوية
وهو من الأمثال التي تضرب على ألسنة الحيوانات
يضرب للشخص تزول عنه قوته وشدّته ، ويفارقه بأسه ويذهب عنه سلطانه وجاهه ، فيتجرأ عليه السفهاء ، وستخف به الرعاع والأوباش ، ويتطاول عليه السفلة والتافهون .
أصله:
كان الأسد يعيش في إحدى الغابات عيشة سعيدة ، راضية ، هانئة . وكان يلازمه إبن آوى يخدمه ويقضي حوائجه ، ويتقوّت على ما يفضل من طعام الأسد مما يصيده من حيوانات الغابة . حتى مضى على ذلك وقت طويل ، أسنّ خلاله الأسد وأصابه الهرم والضعف ، فلم يعد قادرا على الصيد ، كما كان يفعل في أيام قوته وفتوّته . وفي ذات يوم أصبح الأسد جائعا لعدم تمكنه من الصيد ، فجاع ابن آوى لجوعه ، فلما أضحى النهار لم ير ابن آوى بدّا من أن يخرج فيبحث عن الطعام بنفسه وإلاّ مات جوعا . فرأى غزالا كبيرا سمينا ، يرد الماء في ناحية من الغابة . فعاد إلى الأسد مسرعا ، وقال له : (( أيها الملك .. لقد وجدت غزالا كبيرا سمينا يرد الماء في طرف الغابة .. وسأذهب لآتيك به .. فاحرص على ألاّ يفلت منك . )) . فاستعدّ الأسد للقاء الغزال ، وذهب ابن آوى إلى الغزال ، فقال له : (( أسعدت صباحا أيها الغزال الجميل . أراك ترد الماء هنا , وقد تركت وراءك تلك المزرعة الكبيرة التي تحتوي على ما لذ وطاب من أنواع الخضر الطرية ، وأصناف الفاكهة الشهية ، ولابد أنك جائع كما أنت ظمآن فلماذا لا تتفضل فتأتي معي إلى تلك المزرعة ، فتصيب مما فيها من الخضر والفاكهة ، تأكل منها ما تشاء ، وتأخذ منها معك لعشائك . )) فسأله الغزال : (( وأين هي تلك المزرعة أيها الأخ الشفيق الناصح ؟ )) فقال ابن آوى : (( إتبعني لأدلك عليها . )) فتبعه الغزال ، فقاده ابن آوى إلى حيث يكمن الأسد . فلما اقترب الغزال من مكمن الأسد ، وثب عليه الأسد وثبة سريعة ، وضربه ضربة شديدة قضى بها عليه . ثم قال لإبن آوى : (( لابد من غسل اليدين قبل الطعام ، فاجلس هنا لتحرس الغزال ، حتى أذهب فاغسل يديّ . وإياك أن تقترب منه أثناء غيابي. )) ولما ذهب الأسد عمد ابن آوى إلى الغزال ، فأكل لسانه ، وأذنيه ، وقلبه ، ودماغه . ثم جلس في مكانه .
ثم أن الأسد عاد بعد ذلك ، فسأل ابن آوى : (( أين لسان الغزال ؟ )) فقال ابن آوى : (( مولانا الملك .. لعله كان أخرس . )) فسأله : وأين أذناه ؟ )) فقال : (( لعله كان أصمّ )) . فقال : (( وأين قلبه ؟ )) فقال : (( لعله كان أعمى القلب . )) فسأله : (( وأين دماغه ؟ )) ، فقال ابن آوى : (( مولانا الملك .. لو كان لهذا الغزال دماغ .. أكان يصدّق ما قلته له عن وجود مزرعة كبيرة تحوي أصناف الخضر وأنواع الفاكهة ، وهو يعلم أننا نعيش في ناحية من الغابة الجرداء ، لا ماء فيها ولا شجر . )) فقال الأسد : (( ولك أبو الويو .. دتشوف اشلون دتقشمرني ؟ )) . (( لو جنت بأيام شبابي وقوتي .. جان تجسّرت وقشمرتني ؟ )) ثم هجم عليه ، وقبض على عنقه ، ولم يتركه حتى أصبح جثة هامدة . ثم ذاع ذلك الحديث بين الناس ، فقالوا فيه (( السبع لمّا يشيب .. تقشمره الواوية )).
وذهب ذلك القول مثلا
شمّع الخيط
يضرب للكيّس الفطن ، والذكي الماهر ، يستطيع بفطنته ومهارته أن يفلت من شر يحيق به أو ضر يوشك أن يصيبه .
أصله:
أن أحد اللصوص سطا على بيت نياّر ( وهو الشخص الذي يعمل بالنير والنير هو تهيئة خيوط النسيج وإعدادها ولفها على النبوبة ) . فشعر به صاحب البيت فانتضى قامة ماضية ثم هجم عليه ، فلما رآه اللص علم أنه مأخوذ ، فقال له : (( رويدك يارجل .. فأنا لم آت ِ لأسرقك كما تظن وإنما جئت إليك مرشدا وناصحا )) . فقال له صاحب البيت : (( وكيف تريد أن ترشدني وتنصحني ؟ )) فقال اللص : (( أنت تغزل الخيوط من القطن فتكون ضعيفة وركيكة لذلك يكون النسيج ضعيفا ركيكا كذلك .. فلماذا لا تتعلم كيف تشمّع الخخيوط فتصبح متينة قوية ؟ )) . فخدع الرجل بكلام اللص وسأله : (( وكيف أشمّع الخيوط ؟ )) فقال اللص : (( سأعلمك ذلك في التو واللحظة )) . ثم أخرج من جيبه قطعة من الشمع وأخذ خيطا طويلا وأعطى طرفه للرجل وقال له : (( إمسك طرف الخيط جيدا ولا تتحرك من مكانك .. وانظر كيف سأشمّع الخيط )) . ثم بدأ اللص يمرر الشمع على الخيط ويبتعد عن مكان الرجل شيئا فشيئا حتى أصبح خارج المنزل ، فربط الطرف الثاني من الخيط في باب البيت المجاور ، وفر هاربا . وانتظر الرجل عودة اللص حتى نفد صبره ، ولما طال عليه الإنتظار خرج يبحث عنه ، فلم يعثر له على أثر . فعاد إلى بيته خائبا ، فسألته زوجته : (( مالك ؟ .. وأين كنت ؟ )) فقال : (( كنت انتظر هذا الرجل .. فقد ذهب ليشمع الخيط ، ولم يعد حتى الآن ! )) . فضحكت المرأة من قوله وقالت له : (( ياخايب .. هذا ( شمّع الخيط ) .. ووصل بيتهم )) . ثم ذاع ذلك الحديث بين الناس فضحكوا من قول الرجل وسخروا من غفلته وغبائه ، وعجبوا من فطنة اللص وحسن تخلّصه . وذهب ذلك القول مثلا
الشبعان ما يدري بدرد الجوعان
يضرب للشخص الذي يرى مايصيب الناس من مصائب وشدائد ، فلا يحس بها ولا يشعر بوقوعها مادام هو بمنجاة منها وبعيد عنها
أصله:
أن سائلا وقف على باب أحد القصور الكبيرة ليستجدي . فأطلّت عليه ربة القصر وسألته حاجته ، فقال السائل : (( سيدتي أنا جائع .. وفي أشد حالات الجوع )) . فسألته المرأة : (( ولماذا لم تأكل حتى الآن ؟ .. ألم يطبخ لكم طباخكم هذا اليوم ؟ )) فقال السائل : (( سيدتي .. أي بيت تعنين وأي طباخ تقصدين ؟ .. أنا رجل فقير معدم وقد مضى علي يومان لم أطعم خلالهما شيئا )) . فقالت المرأة : (( إذا كان طباخكم لم يعد لكم شيئا من الطعام .. فتلهّ بشيء تأكله : خذ من خبازكم رغيفا من الخبز الحار ثم انزل إلى السرداب ، فخذ غرفة من السمن وغرفة من العسل ولطخ بهما ذلك الرغيف ثم كله وتصبّر ، حتى ينضج الطعام ويتم إعداد المائدة )) . فقال الرجل : (( واي واي ! .. إحنا وين .. والهانم وين ؟ .. واحد جوعان .. والثاني شبعان .. شلون نتفاهم ؟ )) .
ثم تركها ومضى . وذاع ذلك الحديث بين الناس ، فقالوا فيه : (( الشبعان ما يدري بدرد الجوعان )) . وضحكوا من قول المرأة وعجبوا من غبائها وقلة عقلها . وذهب ذلك القول مثلا
فلوسه صارت بجيبه ... ليش مايضحك ؟
يضرب للشخص الذي يبخس الناس حقهم ويجعل من باطله حقا فرضه عليهم ، لؤما منه وبهتانا .
أصله:
أن رجلا كان قد أقرض جحا بعض المال لأجل معين . فلما حان موعد سداد الدّين لم يكن مع جحا من المال ما يسدّد به دينه . فاعتذر للرجل ، وعيّن له موعدا آخر للسداد . فلما عاد الرجل في الموعد المعيّن لم يستطع جحا أن يفي له بما وعده به ، لضيق ذات يده ، فراح يماطل الرجل ويعده مواعيد أخرى . واستمر الحال هكذا زمنا طويلا حتى كلّ الرجل وملّ .
وفي ذات يوم جاء الرجل إلى بيت جحا يطالبه بسداد الدّين ، فخرج إليه ولده ، وقال له : (( والدي يقرؤك السلام ويقول لك : أن بجوار بيتنا أكواما كثيرة من الشوك ، وأن رعاة الغنم كثيرا ما يمرون بأغنامهم من ههنا ، فتحتكّ فراء تلك الأغنام بتلك الأشواك ، فينزع منها بعض الصوف فيعلق بالشوك . وقد أمرني والدي أن أجمع ذلك الصوف العالق بالشوك كل يوم وأحتفظ به حتى يصبح كمية كبيرة فنعزله وننظّفه ونمشّطه ونغزله ونلفّه على الدولاب ، ثم نحيكه عباءة كبيرة ، متقنة الصنع ، ناعمة الملمس ، فنبيعها بثمن عال ، ونفي لك حقك من ذلك الثمن )) . ولم يكد الرجل يسمع ذلك الكلام حتى راح يضحك عاليا وهو يفحص الأرض برجليه ، حتى استلقى على ظهره من شدة الضحك .
لما عاد جحا إلى بيته ، أخبره ولده بقدوم الرجل الدائن ، وماذا قال له ، وكيف شرح له الأمر شرحا كافيا حتى فحص الأرض بقدميه . فقال جحا : معلوم يضحك ... إذا (( فلوسه صارت بجيبه ... ليش مايضحك ؟ )) . ذاع ذلك الخبر بين الناس ، فضحكوا من قول جحا وعجبوا من فعله ، ورثوا لحال ذلك الدائن المسكين. وذهب ذلك القول مثلا
گال له : طلگها ... گال له : ماعندي وكِت
يضرب للشخص الذي يتبطّر في دنياه ، فيسعى وراء مباهج الحياة ولذّاتها ، مالم تشغله الدنيا بشؤونها ، وتلهيه بمتاعبها وآلامها .
أصله:
أن رجلا كان مزواجا مطلاقا . فكان يبني بالمرأة الحرة الكريمة فيمسكها شهورا قليلة ثم يطلّقها ويتزوج غيرها . حتى اشتهر عنه ذلك ، فصارت الأسر الكريمة تتجنب خطبته وتأبى تزويجه . وفي ذات يوم ، أرسل الرجل بعض الخاطبات ، يطفن في البيوت يخطبن له ، فلم ترض امرأة أن تقبل به بعلا لها لعلمها أنه سوف يطلّقها إن عاجلا كان ذلك أو آجلا . حتى جاءت إليه الخاطبات وهن يكدن ييأسن من إيجاد زوج له .
وفي أحد الأيام ، أبدت إحدى النسوة رغبتها في الزواج من الرجل . ففرح الرجل بذلك وأعّ للأمر عدته . ثم دخل عليها ، فعجب لما رأى من حسنها وملاحتها ، وهمّتها وشطارتها ، وذكائها ومهارتها .
وفي صباح ليلة العرس أيقظته الزوجة مبكّرا ، قبيل أذان الفجر ، وقالت له : ((گووم ... گول ... يافتاح ... يارزاق ... روح وذّن أذان الفجر بالجامع ... وتعال )) . فذهب الرجل إلى الجامع ، فرفع فيه أذان الفجر .
فلما رجع إلى البيت وجد زوجته قد أعدّت له جدر الشلغم وقالت له : (( أخذ هذا جدر الشلغم بيعه وتعال )) . فذهب الرجل فقضى صدر اليوم في بيع الشلغم . ولما عاد وقت الظهر وجد زوجته قد أعدّت له طبك حب رگي، وقالت له : (( يالله عيني .. توكّل على الله .. أخذ هذا طبك الحب ودور بيه عالگهاوي .. بيعه وتعال )) . عمل الرجل مثل ماقالت له زوجته وعاد إلى البيت ، وكان النهار قد مضى وحلّ المساء ، فوجد زوجته واقفة له وراء الباب ، فأدخلته وسلّمته بندقية ، وقالت له : (( يالله عيني راويني شطارتك .. أخذ هاذي التفگة وصير چرخه چي .. ودير بالك زين من الحرامية )) . فأخذ الرجل البندقية وذهب فعمل حارسا طيلة ليله . ولم يزل هذا دأب الرجل حتى أنهكه التعب ، وأضعفته كثرة العمل . فصادف في أحد الأيام ، أحد أصدقائه القدماء ، فشكى له ما يلا قيه من زوجته من بلاء وعناء ، ونصب وشقاء ، فقال له صاحبه : (( أحسن شي تسوّي .. طلگها واتخلّص منها )) . فقال الرجل : (( إشوكت أطلگها .. إذا مشغول من الصبح الثاني يوم الصبح .. وين عندي وكِت أطلگها ؟ )) . فشاع هذا الحديث بين الناس ، فقالوا (( گال له : طلگها ... گال له : ماعندي وكِت )) . وذهب ذلك القول مثلا
گال له : عمي خبزك طيب .. گال له : من گرد عمّك
يضرب للشخص الذي يعين الناس بما يقدر عليه ، ويساعدهم بما يستطيع ، فيطمع الناس بما عنده من خير وعون ، فيلحّون عليه بالمسألة ويحمّلونه ما لا طاقة له به ، غباءا منه وجهلا .
أصله:
أن رجلا جاء إلى بغداد لقضاء بعض الأشغال فيها . فنزل ضيفا على رجل كان صديقا لوالده . وكان الرجل معدما ، فلما رأى الضيف يحلّ بساحته ، رحب به وأجلسه . فلما حان وقت الغداء ، أخرج الرجل بعض رغفان من الخبز ، كان قد أعدّها غداءا له ولإبنه ، ووضعها أمام الضيف مع ما تيسر له من إدام قليل . فراح الضيف يأكل رغفان الخبز بشهية عجيبة وشراهة غريبة ، حتى أتى عليها جميعا ، والرجل ينظر إليه ولا يقدر على الكلام . وبعد أن انتهى الضيف الثقيل من طعامه ، إلتفت إلى رب البيت وتشكّر منه لكرمه ، ثم (( گال له : عمي خبزك طيب .. گال له : من گرد عمّك )) . أي أن الخبز لو لم يكن طيبا ، شهيا لما أكله الضيف كله ولترك منه شيئا له ولولده وهذا من سوء طالع الرجل وشقائه . ثم ذاع ذلك الحديث بين الناس ، فعجبوا من فعل الضيف وسوء أدبه . وذهب ذلك القول مثلا
إلْما يعرف تدابيره .. حنطته تاكل شعيره
يضرب للشخص الذي لا يحسن تدبير أموره ، فيأكل ماله بعضه بعضا ، ويذهب مايملكه هباءا منثور ا ، غفلة منه وقلة نظر .
أصله:
أن رجلا من تجار الحبوب في بغداد كان ذا ولع عظيم بتربية الخيل وأقتنائها . فكان يبذل الغالي والنفيس في شراء مايعجبه من الخيول العربية الأصيلة . وكان الرجل يتاجر بالحنطة والشعير ، فيأخذ منها مايقدر عليه في كل سنة إلى بعض المدن العراقية ، فيبيعه فيربح منه الشيء الكثير ، ويعود إلى بغداد في كل مرة سالما غانما .
وفي إحدى السنين ، أخذ الرجل مقدارا عظيما من الحنطة والشعير ، على عادته ، فسافر بها إلى مدينة الموصل الحدباء . فوجد سوق الحبوب فيها كاسدة في تلك السنة ، فباع الحنطة بثمن بخس . وأخذ المال وذهب إلى أحد الخانات ليقضي فيه ليلته ، فرأى في الخان رجلا من تجار الخيول، معه حصان أصيل ، عظيم الشأن ، معروف النسب ، يريد بيعه ، فساومه على الثمن حتى اتفق معه على أن يشتري منه الحصان بمبلغ يعادل ثمن الحنطة التي باعها في صباح ذلك اليوم ، وذلك من شدة اعجابه بذلك الحصان وتعلّقه به .
وبقي الرجل ينتظر بيع الشعير ليعود إلى مدينته. ولكن سوق الشعير أصابه من الكساد ما أصاب سوق الحنطة ، فانخفض سعره إلى النصف ، أو الثلث عمّا كان يتوقّع أن يبيعه . فبقي الرجل ينتظر تحسن حالة السوق ، وهو خالي الوفاض من المال . فأضطر أن يقدّم لحصانه بعض الشعير كل يوم ليتقوّت به . واستمر الحال هكذا أياما طويلة ، حتى قضم الحصان كل ما كان مع الرجل من الشعير . وكان للرجل مسبحة كهرمان غالية الثمن ، فباعها وقرّر الرجوع إلى بغداد خائبا ، مفلسا ، حيرانا ، أسفا . وتناقل الكثيرون من الناس قصّته لما فيها من عظات وعبر . وقيل فيه ((إلْما يعرف تدابيره .. حنطته تاكل شعيره ))
وذهب ذلك القول مثلا
لا تقولوا : جابوه .. قولوا : جاؤوا به
يضرب للشخص الذي لايترك الفضول وهو في أشد الأ وقات عسرا وأكثرها حرجا ، حماقة منه وجهلا . أصله : أن نحويا - في أواخر العهد العثماني في بغداد – مرّ ذات يوم على ( ميناء الگمرك ) في بغداد ، وكان يقع آنذاك على شاطيء دجلة ، عند ملتقى ( سوق الساعه چيه ) بسوق الهرج . رأى ذلك النحوي لوحة كبيرة مكتوب عليها : ( دائرة الگمرك) . وكان ثمة خطأ نحوي في بعض حركات تلك الكلمات ، فاضطرب النحوي عند رؤيتها إضطرابا عظيما ، وأضمر في نفسه أن يصحح ما فيها من خطأ عند حلول الظلام لئلا يزعجه أحد أو يمنعه من ذلك . ولما جنّ عليه الليل أحضر سلّما ، ومطرقة ، وإزميلا ، وأدوات أخرى يحتاجها ، وجاء إلى باب ( دائرة الگمرك ) ، فوضع السلم على الحائط وارتقى عليه ، وراح يضرب على الحرف المراد تصحيحه بالمطرقة والإزميل ليزيل أثره ... فشعر به بعض العسس ، فظنوه لصا . فقبضوا عليه واقتادوه إلى الوالي . فظنه الوالي لصّا جاء يسرق شيئا من أموال الدولة . وكان عقاب اللص الذي يسرق أموال الدولة الشنق . فأمر الوالي به أن يشنق . وفي اليوم التالي نصبت المشنقة في السوق الممتد أمام دائرة الگمرك واجتمع الناس من كل فج ّ ليشهدوا عملية الشنق . وجيء بالنحوي ، فصاح بعض الصبية : (( جابوه .. جابوه ! )) . فصاح بهم النحوي : (( ويلكم يا أولاد ! ثكلتكم أمهاتكم ؟ .. ويلكم .. [ لا تقولوا : جابوه .. قولوا : جاؤوا به ! ] . )) . فسمعه الوالي ، فضحك من قوله ، وعلم أنه نحوي فضولي . فصدر حكم العفو عنه ، وخلّي سبيله . وذهب ذلك القول مثلا
لا حظت برجيلها .. ولا خذت سيد علي
يضرب للشخص الذي يترك مافي يده طمعا في الحصول على ماهو أفضل منه ، فلا يحصل على ماكان يطمع فيه ، ولايحافظ على ما كان في يده ، فيخسر هذا وذاك ، ويذوق وبال أمره وعاقبة طمعه .
أصله :
أن إمرأة مليحة حسناء ، ذات طهر وعفاف ، كانت قد زُوّجت إلى رجل فقير ، قليل الرزق ، ضيق ذات اليد . وكان ودودا لزوجته ، حريصا على هنائها وسعادتها ما وسع جهده ، وماتسمح به حالته . وبعد مرور بضع سنوات على زواجهما ضاقت المرأة ذرعا بفقر زوجها ، وضيق عيشها معه ، فملّت عشرته ، ونفرت من العيش معه . فذهبت تفتّش عن فتاح فال يكشف لها طالعها ، وطالع زوجها ، ويكشف لها – إعتقادا منها – عن مستقبل حياتها معه . فدلّتها بعض النسوة على ملا إسمه السيد علي ، كان مشهورا بقراءة الفأْل . فرأى سيد علي حسن المرأة وجمالها ، فزاغت عينه .. فقرر أن يستحوذ عليها لنفسه ، وأن يوقعها بين براثنه . فحسِب لها النجم وسأل لها ملك الجن ، ثم أخبرها أن نجمها ونجم زوجها لا يتلا ئمان .. وأن الطلاق من زوجها هو خير ماتستطيع أن تفعله ، وإن كان الطلاق هو أبغض الحلال عند الله . ثم لمّح لها في حديثه أنه مستعدّ للزواج منها وإسعادها ، إذا ما افترقت عن زوجها وأكملت عدّتها . فصدّقت المرأة كلامه ، ووثقت من وعده لها . فذهبت إلى زوجها فطلبت الطلاق منه ، فطلّقها مرغما أسِفا . ثم أن المرأة عادت إلى سيد علي ، وطلبت منه أن يبرّ لها بوعده فيتزوجها. فراح يماطلها ويدافعها ، حتى أحسّت المرأة بمكره وعلمت بخداعه ، ووثقت من عزوفه عن الزواج منها ، فرجعت إلى زوجها آسِفة ، نادمة ، باكية ، وطلبت منه أن يعيدها إلى عصمته مرّة أخرى . وكان الرجل – من شدة فقره – عفيفا ، ذا إباءٍ وشممٍ ، فأبى ذلك . فعادت المرأة إلى أمها حزينة باكية ، لتعيش معها ، ولتقاسمها قسوة الفقر ، وأهوال الفاقة . وعلم الناس بذلك الأمر ، فقالوا في المرأة (( لا حظت برجيلها .. ولا خذت سيد علي )) ، ولاموا المرأة على سوء تصرفها ، وعدم قناعتها بما قسم الله تعالى لها من رزق . وذهب ذلك القول مثلا
لا داعي .. ولا مندعي
يضرب للشخص الذي يتقي المشاكل ، ويتجنب المصائب ، ولكن المشاكل تسعى إليه .. والمصائب تأتيه سعيا .
أصله:
أن القاضي – في زمن العصمنلي – كان لا يعيّن قاضيا في المدن الكبيرة إلاّ برشوة يقدّمها لمن بيدهم أمر تعيينه . وكان أهم ما يسعى إليه القاضي بعد تعيينه هو أن يقوم بجمع مبلغ الرشوة ، التي قدّمها عند تعيينه ، ثم جمْع مايمكن جمعه من المال من الرشاوي التي يجمعها من الناس .
وفي ذات يوم ، قدّم أحد القضاة رشوة كبيرة ، فعيّن قاضيا في بغداد . ولكنه ما لبث أن نقل إلى إحدى المدن الصغيرة في شمال العراق . وكان أهل تلك المدينة من الناس المستورين الذين يتجنّبون المشاكل ، وينزّهون أنفسهم عن العداوة والبغضاء . فلم تكن هناك دعاوي تُرفع ، ولم يكن هناك داعي أو مندعي يتقاضى القاضي منهم مايقدر عليه من الرشوة . فحار في أمره ، ولم يعرف كيف يخرج من ورطته . وفي ذات يوم تفتّق ذهنه عن حل سديد . فطلب من حاجب المحكمة أن يقف بباب المحكمة ، ويُدخل إليه أي رجل يمر أمام المحكمة . فكان الرجل إذا ما أُدخِل إلى المحكمة يسأله القاضي : (( إنت داعي ؟ )) فيجيب الرجل : (( لا .. يامولانا القاضي .. آني ماعندي دعوى على أي شخص )) . فيسأله القاضي : (( هل إنت مندعي ؟ )) . فيقول الرجل : (( لا .. يامولانا القاضي .. آني إنسان مسالم .. ماعندي عداوة ويه أي شخص .. وما أحد إله دعوى ضدي )) . فيقول القاضي لكاتب المحكمة : (( هذا الرّجّال خوش آدمي ..[ لا داعي ولا مندعي ].. إكتب له شهادة .. وأخذ منه ليرتين رسوم الشهادة .. )) . وبهذه الطريقة راح القاضي يجمع المال الحرام من الناس . فاْنتشر الخبر بين الناس ، وتندّروا به ، حتى وصل إلى الوالي ، فأمر بعزل القاضي ومحاكمته .
وذهب ذلك القول [ لا داعي ولا مندعي ].. مثلا
لسان الحلو ... يطلّع الحيّة من الزاغور
يضرب للشخص الذي ينال بحلو لسانه ما لايناله بقوة سلطانه ، ويظفر بجميل القول وحسن الكلام ، ما لايظفر به بطرف السنانوحدّ الحسام .
أصله:
أن رجلا كان يعيش في بيت قديم البنيان مع زوجه وولده . وكان في البيت حيّة تعيش في جحر في أحد حيطانه منذ أمد بعيد . وكان الرجل يكره أن تعيش الحيّة في بيته ، ويخشى منها على ولده . وفي ذات يوم رأى الرجل الحيّة تهمّ بدخول جحرها ، فأسرع إليها ليقتلها ، ولكنها استطاعت أن تفلت منه ، وأن تدخل جحرها فتنجو بحياتها . ومنذ ذلك اليوم أضمرت الحيّة للرجل وأهل بيته شرا .
وفي صباح ذات يوم ، رأت الحيّة ربة البيت تعدّ الفطور لزوجها وولدها ، فتضع اللبن في أواني ، ثم تصفّ تلك الأ واني على منضدة الطعام . فرأت الفرصة مواتية للإنتقام من الرجل وأهل بيته ، فجاءت إلى اللبن فذرفت فيه من السم الزعاف مايكفي لقتل أناس كثيرين . ثم عادت إلى جحرها فدخلت فيه .
وبعد مدة وجيزة استيقظ الرجل من نومه ، فسمعت الحيّة زوجته تلومه على كراهيته للحيّة ومحاولة قتله لها . وقالت له : (( إنت هوايه غلطان .. هاذي الحيّة ساكنة ويانا من سنين .. وصارت واحدة من أهل البيت .. وآني أحبها مثل ما أحب ولدي )) . فأجابها : (( والله يامرة .. آني هم متندم على عملي .. ومن الآن فصاعدا راح أعامل الحيّة مثل ماتعامليها إنتِ .. وأحبها مثل ما تحبيها )) . وكانت الحيّة تنصت لما قاله الرجل وزوجته ، فلقي ذلك القول منها قبولا حسنا ، وندمت على ما فعلت من ذرف السم في أواني الحليب . فأسرعت خارجة من جحرها ، وذهبت إلى حيث يوجد بعض الرماد ، فتمرغت فيه . ثم راحت إلى أواني الحليب فجعلت تغطس في الأواني آنية بعد آنية حتى لوّثت الحليب كله بالرماد ، فصار غير قابل للشرب ، وأنقذت تلك العائلة من موت محتّم . ثم علمت المرأة بأمر الحية مع الحليب ، وخروجها من جحرها لتلوّثه . كما علمت أن الحيّة إنما فعلت ذلك بعد استماعها لكلامها وكلام زوجها . فقالت في ذلك :
{ لسان الحلو ... يطلّع الحيّة من الزاغور } .
ثم علم الناس بذلك الأمر ، فعجبوا من فعل الكلام الطيب ، والقول المعروف في الناس .
وذهب ذلك القول مثلا
لمّن يِثُبت نفسه حصيني ... يروح جلده للدباغ
يضرب للبريء الذي يوضع موضع التهمة ، فينزل به العقاب قبل أن يستطيع النجاة بنفسه ، أو الخلاص بجلده .
أصله:
أن ثلاثة من الثعالب أصابهم الجوع ، وأمضّهم السغب . فخرجوا يبحثون عن طعام لهم . فلم يجدوا شيئا يتقوّتون به . فذهبوا إلى إحدى القرى القريبة لعلهم يصيبون فيها بعض الطعام . وبينما هم سائرون في طريقهم صادفوا قطيعا من الغنم متجها نحو تلك القرية . فسرّوا لذلك ، ودخلوا بين القطيع ليختفوا عن الأنظار ، ويترقّبوا الفرصة لعلهم يصيبون ديكا ، أو دجاجة من غير أن يشعر بهم أحد من أهل تلك القرية . ولسوء حظ تلك الثعالب أن القطيع كان يساق إلى مجزرة تلك القرية للذبح . فلم تلبث تلك الثعالب أن وجدت نفسها في داخل المجزرة ووجدت الجزارين يسرعون إلى الخراف فيتناولونها بالذبح الواحد تلو الآخر . أما أحد الثعالب – وكان كيّسا ماهرا – فأنه أطلق ساقيه للريح ، حال اطّلاعه على الأمر ، فنجا بجلده . وأما الثاني فقلّد صاحبه الذكي ، فأطلق ساقيه للريح مثله ، فنجا كذلك . وأما الثالث فقد بقي مختبئا بين الخراف وهو لايعلم – لغبائه – من الأمر شيئا .
ولما أصبح الثعلبان خارج المجزرة ، قال أحدهما للآخر : (( لننتظر قليلا حتى يأتي صاحبنا الثعلب الثالث )) فقال صاحبه : (( لا فائدة من الإنتظار . فإن صاحبنا لن يفلت من الذبح )) . فقال الأول : (( وماذا يفعل الناس بلحم الثعلب ؟ .. وإن صاحبنا ذكي ماهر ، وسيلقي بحجته إليهم ، ويثبت لهم أنه حصيني وليس خروفا ، فيتعفّفون عن ذبحه ، ويطلقون سراحه )) . فقال الثاني : (( ولك هذا عقلك ؟ .. هوه { لمّن يِثُبت نفسه حصيني ... يروح جلده للدباغ } . )) . ثم ذاع ذلك الحديث بين الناس فعجبوا من ذكاء ذلك الثعلب ، ووفرة عقله .
وذهب ذلك القول مثلا
مادام عندك هيچ علبات .. تظل تاكل سطرات
ضرب للشخص الذي يعرض نفسه لإنتقاد الناس وتقوّلاتهم ، فلا يبعد عن نفسه الظنون ، ولا يجبّ عنها الشبهات
أصله:
أن صديقين خرجا ذات يوم يتنزّهان ماشيين ، فرأيا أمامهما رجلا يسير وله علبة عريضة ( قفا الرقبة ) . فقال أحد الصديقين لصديقه : (( شنو رأيك؟ .. هذا مايستاهل فد سطرة على هالعلبات ؟ )). فقال صديقه : (( إسكت .. لايسمعك ويسوي لنا مشكلة )). فقال الأول : (( طيب إنطيني دينار وآني أضربه سطرة )). فدهش صاحبه لقوله ، ولكنه لما رأى الجد في كلام صاحبه أعطاه دينارا 0 فأخذ الأول الدينار ووضعه في جيبه ، ثم توجّه به إلى الرجل ، وضربه سطرة قوية على علباته ، وصاح به : (( ولك أبو جاسم إنت وين ؟ صار لي ساعة أدوّر عليك )) . فالتفت الرجل إليه مغضبا ، فقال الأول : (( العفو أخي. تره حسبالي صديقي أبو جاسم و آني غلطان )) فقال له الرجل : (( دير بالك لاتشتبه مرة ثانية ))
وعاد الصديق إلى صديقه ، فسأله صديقه : (( إشلون خلّصت منّه؟ )) فقال الأول : (( إنت شعليك! جيب دينار ثاني وأضربه سطرة ثانية )) فتعجّب صاحبه من ذلك ، ولكنه أخرج دينار آخر من جيبه فأعطاه لصديقه. فأخذه وسار إلى الرجل وضربه سطرة قوية وقال : (( ولك أبو جاسم هاي وين إنت؟ مو هسّه اشتبهنا بلرجّال وضربنا سطرة بالغلط من وراك )) فالتفت الرجل إليه مغضبا ، وقال له : (( هاي شنو ولك )) فقال : (( العفو أخي إشتبهت مرة ثانية وحسبالي أبو جاسم )) 0 فقال الرجل : (( آني ابتليت بأبو جاسم ! على كل حال دير بالك، مرة ثانية ما أسامحك وتصير مو زينة تره ))!!
ثم رجع الأول إلى صاحبه ، فسأله : (( هالمرة اشلون خلّصت منه ؟ )) 0 فقال : (( إنت شعليك ؟ جيب دينار ثالث وأضربه سطرة ثالثة )) فازداد عجب صاحبه من ذلك القول ، ولكنه أعطاه دينارا ثالثا . فأخذه الأول ثم انطلق إلى الرجل ، وضربه سطرة قوية ، ولكن بدون أن يتكلّم هذه المرة . فالتفت الرجل ، وأخذ بتلابيبه ، وقال له : (( هالمرة شنو عذرك ؟ )) فقال الأول : (( شوف دا أگول لك في الحقيقة كل عذر ماكو ، بس إنت { مادام عندك هيچ علبات .. تظل تاكل سطرات} لو رگبتك تنگطع! لو آني أنقِتل! فلوس هذا تخلّص!! )). فضحك من قوله ، بالرغم من غضبه وتألّمه، وسأله عن مغزى قوله ، فأصدقه الخبر . فزال غضب الرجل ، وعفا عن ذنبه ، وصفح عن إساءته وذهب ذلك القول مثلا
مارضينا بجزّة .. بجزّة وخروف
يضرب للشخص الذي يتعرض لبلاء يسير فلا يتحمله ، أو يتقبّله . فينصبّ عليه بلاء آخر أكبر منه ، فيتحمّله صاغرا مستسلما .
أصله:
أن أحد الولاة – في العهد العثماني – كان قد فرض ضريبة على بعض القبائل ، تجبى منهم كل عام . وكانت عبارة عن جزّة صوف لكل عشرة رؤوس من الماشية . فلم يلق ذلك قبولا من أفراد القبيلة ، فتذمّروا منه ، وصاروا يدفعون الضريبة حينا ، ويتهرّبون من دفعها أحيانا . شاءت الأقدار وأبدل الوالي بوال غيره أشدّ حزما ، وأكثر قسوة ، من سلفه . فعلِم بتذمّر أفراد القبيلة من تلك الضريبة اليسيرة ، فغضب لذلك غضبا شديدا وأمر بزيادة تلك الضريبة فجعلها جزّة صوف وخروف لكل عشرة رؤوس من الماشية ، وأتبع ذلك بالتهديد والوعيد ، فراح أفراد القبيلة يدفعون الضريبة الجديدة صاغرين ، وقالوا في ذلك : (( مارضينا بجزّة .. بجزّة وخروف )) . وذهب ذلك القول مثلا .
ماينراد الْها روحة للقاضي
يضرب للشخص يشكُل عليه حل مشكلة بسيطة ، ويصعب عليهالتخلص من ورطة صغيرة .
أصله:
أن رجلا كان على سفر . فمرّ في طريقه على مدينة صغيرة ، يتميّز أهلها بأنهم غشمه بسطاء . وكان الوقت ليلا ، فذهب الرجل يفتّش عن خان يقضي فيه ليلته . فمرّ في أحد الأزقّة ، فرأى جمعا من الناس في هرج ومرج ورأى عروسا في لباس العرس ، تقف أمام أحد البيوت ، وقد التفّ حولها وجهاء القوم يتجادلون ويصخبون . فسأل أحد الحاضرين عمّا يجري ويدور ، فقال له : (( عدنا مشكلة كلّش چبيرة .. هاذي العروس طويلة ، وباب بيت العريس ناصي .. واحنا حايرين .. نهدم باب البيت ، صاحب البيت ما يرضى.. نگص رجل العروس ، العريس ما يرضى .. نگص راس العروس ، العروس تموت وآهلها ما يرضون. وما دا ندري اشلون نطلع من هالورطة )) . وقبل أن يجيبه الرجل بشيء، سمع أحد وجهاء القوم يصيح : (( ماكو حل .. غير نروح للقاضي ، وهو يحل المشكلة )) .
فاقترب الرجل من ذلك الوجيه ، وقال له : (( يابه .. هاي المسألة بسيطة ..
{ ماينراد الْها روحة للقاضي } . إفسحوا لي الطريق )) . ثم اقترب من العروس وأمسك برأسها ، وقال لها : (( أشو بنيتي .. نصّي راسچ شويه )). فطأطأت العروس رأسها ، وانحنت قليلا ، فاستطاعت المرور من باب الدار . فضجّ القوم بعبارات الدهشة والتعجّب . ورفعوا أصواتهم بآيات الثناء والشكر . وعجبوا من سعة إطّلاع ذلك الرجل الغريب ، وذكائه . فقدّموا له من الهدايا ما غمره .. ومن الشكر والثناء ما أفرحه وسرّه . فعلم الرجل أن أهل تلك المدينة أناس بسطاء . فضحك من قلة عقولهم وغبائهم وجهلهم .
وذهب ذلك القول { ماينراد الْها روحة للقاضي } مثلا يتداوله الناس
مثل غراب البين .. ضيّع المشيتين
يضرب للشخص الذي يترك مايحسنه رغبة بتعلّم ما لا يحسنه ، فلا يستطيع أن يجيد ذلك ، ولايقدر على الرجوع إلى ما كان عليه ، فلا يفلح في كلتا الحالتين .
أصله:
أنّ الغراب - في غابر الأ زمان – كان يسير كما تسير بقية الحيوانات ، بخطوات لطيفة ، مليحة . فكان ينقل رجليه الواحدة بعد الأخرى بحركات رشيقة تحسده عليها بقية الطيور . وفي ذات يوم ، بينما كان الغراب يسير في الغابة ، صادف العصفور أمامه . فرآه يمشي بقفزات سريعة ، متوالية ، رشيقة ، فأعجبه ذلك . وأحب أن يقلّد العصفور في مشيته . فبدأ يقفز في مشيه قفزات سريعة مثل قفزات العصفور ، فلم يفلح بالمشي مثله لثقل جسمه ، وكبر رجليه . ثم حاول ذلك أياما طويلة فلم يقدر على ذلك . فخاب أمله ، ورأى أن يعود إلى مشيته الأولى ، فوجد أنه قد نسيها ، وأنّ قدميه قد تعودّتا على القفز ، ونسيا المشي بخطوات متوالية ، كما كانتا تفعلان آنفا . فبقي الغراب يمشي مشية لا هي مشية العصفور ، ولا هي مشية الغراب ، وإنما صار يقفز قفزات قبيحة مضحكة . فعلم الناس بذلك ، فضحكوا من فعل الغراب ، ومن قلة عقله
وقالوا فيه { مثل غراب البين .. ضيّع المشيتين } . وذهب ذلك القول مثلا
الناس ويّه ْ الواگَفْ
يضرب للشخص الذي يتقرّب من ذوي الجاه والحَوْل ، والقوّة والطّول ، فيتملّقهم ، ويصفهم بما ليس فيهم ويطلق عليهم من النعوت والصفات ما لا يستحقون ، ضعة منه وخبثا .
أصله:
أن الحصيني ـــ وهو الثعلب ـــ خرج يوما للصيد ، يبحث عن طعام له يتقوّت به . فلم يسعده الحظ بذلك . فأمَضّه الجوع ، وأضْناه التعب ، فرأى أن يعمل حيلة للحصول على رزقه . وكان ملك تلك الغابة أسدا عجوزا ، أدركته الشيخوخة ، فأنْهكت قواه ، ودكّت عظامه . فقصده الثعلب ، وقال له : (( ياملك الوحوش .. تره أحسن دُوَه إلك گلب الزّمال ودماغه ولسانه . وآني شفت بطريقي فد زمال أثْوَل .. أغبر .. نايم بالطريق . فلو جنابك توصل يمّه ، تگدر تصيده بضربة وحدة .. وتاكل منه اللسان والگلب والمخ .. وتخلّي اللّشة للداعي )) . فصدّق الأسد كلام الثعلب ، وجمع ما تبقى له من قوة ونهض ، ومشى مع الحصيني نحو مكان الحمار . ولما لم يكن عند الأسد من القوة والحول ، ما يمكّنه من مهاجمة الحمار والقضاء عليه ، فقد رأى أن يأتيه من خلفه ، ويأخذه على حين غَرّة منه . ولما وصل الأسد خلف الحمار أحسّ به الحمار ، فجمع حافري رجليه إلى بعضهما ورفس بهما الأسد فأصابه في جبهته . فسقط الأسد على الأرض مغشيا عليه . ولما أفاق من غشيته سمع الحصيني يقول للحمار وهو منحنٍ أمامه : (( عيني زمال أفندي .. تره إنت زين سوّيت .. عاش حافرك على هالزوج المضبوط .. وتره أنت عندك صوت ظريف .. وطبع لطيف .. وقوام جميل .. وذيل طويل )) . فصاح به الأسد : (( وُلَك حصيني .. ملعون .. شِنو هاللغوه ؟ .. شِنو هالتملّق ؟ )) . فأجابه الثعلب : (( مولانا الأسد .. { الناس ويّه ْ الواگَفْ } .. )) .. ولمّنْ يوگًعْ الواگَُفْ يدَوْرون على واحد واگَفْ غيره .. وِيصيرون وِيّاه .. )) . فتعجّب الأسد من رجاحة عقل الثعلب .. وقوة حجّته .. وحسن منطقه .. وذهب ذلك القول { الناس ويّه ْ الواگَفْ } مثلا تتداوله الناس
نگنگ بْبيتكم .. واتعشّا هْنا
يضرب للشخص الذي يظهر شراهته للطعام ، فلا يترفّع عن تناول طعام غيره ، مع عدم حاجته لتناوله ، شراهة منه ودناءة .
أصله:
أن رجلا دخل على أحد أصحابه ، ذات مساء ، فوجده يتناول طعام عشاءه . فدعاه صاحبه إلى تناول الطعام معه مجاملة . فقال الرجل : أنه تناول عشاءه في بيته في التو ، وأنه لا يستطيع تناول شيءٍ آخر لإملاء معدته بالطعام . فعاد صاحبه يجامله ، فقال له : (( تفضل نكنك شوية )) . فلم ير الرجل بدا من تلبية دعوة صاحبه ، فجلس إلى المائدة . وبدلا من أن ينگنگ راح يأكل بشهية عجيبة وشراهة غريبة ، ويلقم لقْما منكرا .. حتى أتى على ما في المائدة من طعام صاحبه . فدهش صاحبه من ذلك ، وقال له : (( ما شاء الله . كل هاي وانت متعشّي )) . فقال الرجل : (( إي والله .. چنت متعشّي )) فقال صاحبه : (( بس هسّه اشسوّيت ؟) . فقال الرجل : (( إنت گلت لي أگعد نگنگ .. نگنگت شوية ويّاك )) . فقال صاحبه : (( شوف .. مرّة الجّاية .. { نگنگ بْبيتكم .. واتعشّا هْنا} . فعلم الرجل أنه قد تعدّى أصول الضيافة وآدابها ، ولام نفسه على ذلك . وذهب ذلك القول مثلا
إلْيدري يدري .. والمايدري گبضة عدس
يضرب للشخص الذي يقع في شدة كبيرة ، وأمر عظيم ، فلا يستطيع الجهر به ، أو الكشف عنه ، لفداحة الأمر وهول الشدة .
أصله:
أن رجلا كان يعمل ببيع الحبوب من رز وقمح وشعير وعدس ونحو ذلك . وكان له دكان كبير يقع في أول الزقاق الذي يسكنه . وكان للرجل زوجة مليحة حسناء ، ولكنها كانت خبيثة ، ماكرة ، لعوبا . وكان لها عشيقا شابا يزورها بين الفينة والفينة – عند غياب زوجها عن البيت - 0 وفي ذات يوم جاء العاشق لزيارة المرأة في بيتها ، فدخل إليها ، وجلس معها يتناجيان ويتحدثان . وبينما هما كذلك ، دخل عليهما الزوج على غير عادته في المجيء إلى البيت ورأى إمرأته تجلس مع ذلك الشاب الغريب ، فستولى عليه الغضب ، وثارت النخوة في رأسه، فاستل خنجره من غمده ، وهجم به على الشاب يبغي قتله . لكن الشاب أسرع بالفرار من البيت ، وولّى هاربا ، وخشي أن يفتضح أمره وأمر المرأة بين الناس ، فتلوك الألسن سمعته وسمعة صاحبته . فلما مرّ من أمام دكان الرجل غرف بيده قبضة من العدس المعروض للبيع ، واستمر في ركضه ، وهو يوهم الناس أن الرجل إنما ينتضي خنجره ، ويركض خلفه ، من أجل ذلك العدس الذي نشله من دكانه . ورأى الناس ذلك ، فصاحوا بالرجل : (( رويدك ياهذا .. أتقتل شخصا من أجل قبضة من عدس ؟ إتق الله يارجل )) . فصاح الزوج المسكين بهم قائلا : (( إلْحكْ وياكم .. { إلْيدري يدري .. والمايدري گبضة عدس } . ثم علم الناس بعد ذلك بأمر الرجل وخيانة زوجته له ، فعجبوا من خيانة المرأة وكيدها .
وذهب ذلك القول { إلْيدري يدري .. والمايدري گبضة عدس } مثلا متداولا.
الفنانة ايرن ملفهل_ترجمة د.غالب المسعودي
الفنانة ايرن ملفهل:فنانة فوتوغرافية شابة من بروكلين حصلت على شهادتها في الفوتوغراف من جامعة سيراكوزي على غير عادة الفوتوغرافيين الشباب لم تستعمل ايرن الكاميرة الرقمية بل الكاميرة الفلمية 35 ملم وباستعمال تقنيات الفوتوشوب على الفلم السالب تبدو اللوحات الملتقطة كانها صورت تحت الماء الاعمال المنشورة لفتياة تجمدت لحظة الزمن فيها ليس تحت الماء بل تحت الثلج .وهذا ما يتوافق مع حلمها الفني لان الثلج يجمد الزمن ويبقي الحياة وبالرغم من مظهرها الدال على ذلك الا ان الاعمال المصورة التقطت داخل الاستوديو وهذا درس ابداعي في فن الفوتوغراف
الخميس، 22 سبتمبر 2011
عبدالخالق حسين: حول حكومة المحاصصة مرة أخرى
عبدالخالق حسين: حول حكومة المحاصصة مرة أخرى
حول حكومة المحاصصة مرة أخرى
كنت قد تطرقت مراراً في مقالات سابقة لهذا الموضوع المثير للجدل والاختلاف، ولكني رأيت من المفيد العودة إليه، لتكتمل الصورة في سلسلة المقالات التي خصصتها للنقاش حول الأزمة العراقية. ففي هذا المقال أحاول الإجابة على السؤال الأكثر إثارة للجدل بين العراقيين، والذي بدوره يعكس وضع الشعب العراقي وانقساماته، وهو: لماذا حكومة المحاصصة الطائفية والعرقية؟ وهل من بديل؟
أكاد أجزم أنه ليس هناك عراقي وطني مخلص لوطنه، ويتمتع بوعي سياسي ناضج، لا يتمنى أن يكون نظام الحكم في العراق بمستوى أرقى دولة ديمقراطية في العالم، ولكن التمنيات شيء والممكن تحقيقه على أرض الواقع شيء آخر.
فمن نافلة القول أن النظام البعثي الصدامي "ترك العراق خرابة حقيقية، والمجتمع العراقي مصاب بألف علة وعلة" على حد تعبير كاتب اعترف بواقع الحال، رغم أنه صار كل همه تشويه صورة الحكومة، وإلقاء كل آثام وسوءات الدنيا عليها، وإسقاطها بأي ثمن ووسيلة كان، وعذره أن ما تحقق بعد سقوط حكم البعث لم يتناسب مع توقعاته، ولم يجعل العراق بمستوى سويسرا بالسرعة الصاروخية!!.
يعرف كل قاص وداني، أن الشعب العراقي يتكون من تعددية قومية ودينية ومذهبية، متصارعة، وتعاني من أزمة الثقة فيما بينها نتيجة لمظالم الحكومات السابقة، وهذه المكونات موزعة على مناطق جغرافية، كل منطقة تسكنها غالبية لمكونة معينة. فمحافظات الوسط والجنوب غالبية سكانها عرب شيعة، والمحافظات الشمالية الغربية عرب سنة، والمحافظات الشمالية الشرقية أكراد (كردستان)، وبين المنطقة الكردية والمنطقة العربية السنية، شريط فاصل غالبية سكانه تركمان، وهم أيضاً مزيج من السنة والشيعة وبنسب متساوية تقريباً. إضافة إلى أقليات أخرى مثل المسيحيين، والأيزيديين، والشبك وهم مسلون شيعة، في الشمال، والصابئة في الجنوب. أما بغداد، فسكانها مزيج من كل هذه المكونات، فهي بحق، عراق مصغر، وكذلك محافظة كركوك. وبعد كل المعاناة من التمييز والعزل الطائفي والقومي، والتركة الثقيلة التي ورثها العهد الجديد من العهد البائد، ونتيجة لهذا التوزيع الأثني الديني الجغرافي، انعكس كل ذلك سلباً على تشكيل معظم الأحزاب والقوى السياسية العراقية. ولذلك فمن تحصيل حاصل أن تتألف الحكومة من ممثلين لهذه المكونات والمناطق.
ذكرنا في مقالات عديدة، إن حرمان مكونات كثيرة وكبيرة من الشعب العراقي من حقوق المواطنة، والمشاركة العادلة في حكم بلادهم في العهود السابقة، ومعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية أو كغرباء في بلادهم، كان السبب الرئيسي لعدم استقرار الدولة العراقية منذ تأسيسها عام 1921، وحتى انهيارها عام 2003. يقول الفيلسوف الايرلندي إدموند بيرك: "لكي نحب الوطن يجب أن يكون في الوطن ما يدفعنا لحبه".
كذلك لو نرجع إلى تشكيلة أحزاب المعارضة الفاعلة في عهد حكم البعث، لوجدنا أن معظمها كانت مؤلفة وفق التخندقات الأثنية والدينية والمذهبية، فكانت هناك الأحزاب الكردية، والأحزاب الإسلامية الشيعية، والإسلامية السنية، والأحزاب التركمانية، والتنظيمات المسيحية، ...وغيرها. أما الأحزاب العلمانية الديمقراطية العابرة لهذه الحواجز فكانت عبارة عن قوى مبعثرة إلى عشرات التنظيمات الصغيرة، لا حول لها ولا قوة، وحتى الحزب الشيوعي العراقي نفسه، الأعلى صوتاً اليوم ضد "حكومة المحاصصة الطائفية والعرقية"، لم يسلم من هذا الانقسام، حيث انشق عنه الشيوعيون الأكراد وشكلوا حزبهم الشيوعي الكردستاني، وبذلك تغلب الطابع القومي على طابع الصراع الطبقي الذي هو أساس الحركة الشيوعية.
وتلافياً لهذا الغبن الذي لحق بمكونات الشعب العراقي في العهود السابقة، ومنعاً لتكرار مأساة هيمنة مكونة على أخرى، أكد الدستور العراقي الدائم الجديد، على مشاركة جميع مكونات الشعب العراقي في الحكم دون أي تمييز، وحسب ما تفرزه صناديق الاقتراع، بشكل فعال وعادل، وليس صورياً وللديكور فقط كما كان في العهود السابقة.
وبهذه المناسبة، أرى من المفيد أن أعيد ما استشهدت به سابقاً، ما أكده عالم الاجتماع العراقي الراحل علي الوردي بقوله: "إن الشعب العراقي منشق على نفسه، وفيه من الصراع القبلي والطائفي والقومي أكثر مما في أي شعب عربي آخر- باستثناء لبنان- وليس هناك من طريقة لعلاج هذا الانشقاق أجدى من تطبيق النظام الديمقراطي فيه، حيث يتاح لكل فئة منه أن تشارك في الحكم حسب نسبتها العددية. ينبغي لأهل العراق أن يعتبروا بتجاربهم الماضية، وهذا هو أوان الاعتبار! فهل من يسمع؟!" (على الوردي، دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، ص 382- 383).
ولذلك، ومنذ سقوط حكم البعث، ولأول مرة في تاريخ العراق الحديث، تمت مشاركة جميع مكونات الشعب العراقي بالحكومة والبرلمان وجميع مؤسسات الدولة، مشاركة حقيقية وفعالة وحسب نسبها العددية في الشعب وما تفرزه صناديق الاقتراع. ولكن هذه المشاركة لم تمر بسلام، إذ لم ترضَ عنها الفئة التي احتكرت السلطة لوحدها لعشرات السنين، وفجأة وجدت نفسها تعامَلْ أسوة بالفئات الأخرى، فخسرت امتيازاتها واستئثارها بالسلطة. لذلك قيل الكثير ضد هذه المشاركة أو الشراكة، وأنزلوا عليها اللعنات، ووظفوا كل ما في اللغة من مفردات تساعدهم على تقبيحها، فوصفوها بأقذع الصفات، حيث أطلقوا عليها أسماءً تسقيطية مثل (المحاصصة الطائفية والعرقية!!).
وهكذا، عزيز القارئ، إذا كنتَ مع مشاركة مكونات الشعب العراقي في حكم بلادهم، فتصف العملية بكلمات جميلة جذابة مثل (حكومة المشاركة أو الشراكة partnership). أما إذا كنت ضدها، فما عليك إلا وأن تعبر عنها بكلمات بذيئة فتسميها (حكومة المحاصصة الطائفية والعرقية البغيضة!). ومع الأسف الشديد مرَّت لعبة التلاعب بالألفاظ على الكثيرين، فوقع معظم المثقفين والسياسيين في هذا الفخ (وعلى حس الطبل خفن يا رجلية)، إلى حد أنه حتى المشاركين في الحكومة بحصة الأسد، ويحتلون ربع الحقائب الوزارية مثل كتلة "العراقية"، راحوا يستخدمون مفردة "المحاصصة الطائفية والعرقية" في وصف العملية السياسية وإدانتها، بدلاً من استخدام تعبير (حكومة الوحدة الوطنية أو المشاركة الوطنية) وذلك من أجل تبرئة أنفسهم من تهمة الطائفية والعرقية رغم ممارستهم لها، ولكن في الحقيقة نجدهم يلعبون على الحبلين، مشاركون في السلطة ومعارضون لها في آن واحد، وهذا لن يحصل إلا في العراق فقط.
لا شك أن الغرض من هذه التسمية (المحاصصة الطائفية والعرقية) ليس بريئاً، بل أن مشاركة مكونات الشعب والديمقراطية والانتخابات هي المستهدفة من هذه التسمية البذيئة، وذلك من أجل تشويه صورتها بإضفاء صفات قبيحة عليها، وكذلك لإظهار الحكومة المنتخبة بصفات طائفية قبيحة، وتجريدها من شرعيتها، وإنكار كونها منتخبة من قبل الشعب، ووصفها بأنها حكومة عميلة نصبها الاحتلال، وحتى تحميلها مسؤولية الإرهاب. كل ذلك كتمهيد وتحضير ذهنية الشعب للهجوم على الحكومة، وتوفير المبررات لإسقاطها وإلغاء الديمقراطية ومشاركة الآخرين في الحكم.
ولكن ماذا بعد إسقاط الحكومة المنتخبة "التي نصبها الاحتلال" حسب تعبيرهم؟ وهل من بديل أفضل؟ أم عودة البعث وبصيغة وهابية طالبانية؟
أعتقد جازماً أن الاحتمال الثاني هو الأرجح.
يكرر هؤلاء قولهم أن الديمقراطية لا تعني الانتخابات فقط، بل كذا وكذا. ولكن نسي هؤلاء السادة أنه لا ديمقراطية بدون انتخابات أيضاً. فإذا ما جاءت النتائج ليست على مقاساتنا أو كما نرغب، فهذا لا يعني أن الانتخابات مزيفة وعلينا إلغاءها، ونلغي معها الديمقراطية.
لذلك أرى من الواجب إعادة النظر في المقاصد وراء هذه الحملة التسقيطية، والتعامل معها بمنتهى التحفظ والحذر والمسؤولية والعقلانية.
ونتيجة لما تقدم، وبعد إسقاط حكم البعث، حصلت كل فئة على حصتها في السلطات التشريعية، والتنفيذية، والمجالس المحلية حسب نسبتها التي أفرزتها صناديق الاقتراع. وإذا ما كانت الانتخابات قد كشفت عن الاستقطاب المذهبي والقومي، فهذا لا يقلل من نزاهتها، وعدالة المشاركة فيها، بل لأن شعبنا يتكون من هذه التعددية الدينية والأثنية، وهناك استقطاب وفق هذه الانتماءات. ومهما قالوا في مساوئ المشاركة وأطلقوا عليها من أسماء بذيئة، فهي في جميع الأحوال أفضل من استئثار فئة واحدة بالسلطة عن طريق الدكتاتورية. فحزب البعث، الذي حكم العراق لـ 35 عاماً، كان طائفياً وعنصرياً ومستبداً، يمارس التمييز بين مكنات الشعب عملياً، رغم إنكاره له في دستوره وإعلامه.
والجدير بالذكر، أن معظم الذين يستنكرون المحاصصة قولاً، يدافعون عنها عملياً ولكن باسم آخر وهو (الشراكة) وبعبارات مموهة. فعلى سبيل المثال، عندما صوت البرلمان العراقي عام 2009 على لائحة قانون انتخاب مجالس المحافظات، وألغوا المادة رقم خمسين التي كانت تنص على تخصيص مقاعد للمسيحيين وغيرهم من الأقليات في بعض المحافظات، وسبب إلغائهم لتلك المادة هو أن النواب أرادوا بذلك ترك الحرية للمرشحين والناخبين أنفسهم في تقرير العدد، فرأوا أنه من حق أي عدد من المسيحيين وغيرهم من الأقليات الترشيح في أية محافظة دون تحديد العدد أو وضع سقفية (كوتا) محددة لهم على أساس الحصة الأثنية أو الدينية. إلا إن هذا الحل لم يرضَ عنه كثيرون بمن فيهم المسيحيين أنفسهم، لذلك شن المثقفون حملة شعواء ضد إلغاء المادة المذكورة، وأصروا على إعادتها وتمت الاستجابة لهم. وكذلك تطالب المرأة بحصة 25% من المقاعد في البرلمان والحكومة. أليس هذا تأييداً للمحاصصة؟
في الحقيقة هذا النوع من التمييز الديني، والأثني، والجندري، هو ما يسمى بالتمييز الإيجابي، لأنه يساعد على رفع الغبن عن المرأة والأقليات. ولذلك خص قانون الانتخابات التشريعية لعام 2009 ثمانية مقاعد للأقليات بينها خمسة للمسيحيين وواحد لكل من الصابئة المندائيين، والايزيديين، والشبك، وهو إجراء صحيح ومنصف في رأينا، ولكن المشكلة أن رضاء جميع الناس غاية لا تكسب.
هل من حلول سحرية لمعضلة المحاصصة؟
آسف، ليس هناك أي حل سحري وسريع لمشكلة (المحاصصة في الحكومة)، وأسميها باسمها الصحيح، وهو (حكومة الشراكة أو الوحدة الوطنية)، فهو أمر لا مناص منه كالقدر المكتوب في هذه المرحلة العاصفة من تاريخ بلادنا.
فالمشاكل التي ورثها العراق الجديد، من الضخامة بحث تهد الجبال. وإذا وجد الحل، فهو في التنظير فقط، ولا نصيب له في التطبيق في الظروف الراهنة، أشبه بنصائح وعاظ السلاطين، التي تبدو جميلة نظرياً، ولكنها غير قابلة للتطبيق عملياً. والذين يشتمون "حكومة المحاصصة" ويعملون على إسقاطها يعرفون هذه الحقيقة المرة قبل غيرهم، ولكنهم يواصلون صراخهم، ليس لأن في جعبتهم حل واقعي قابل للتطبيق، بل للمتاجرة بمعاناة الناس (الأرامل واليتامى، والعاطلين عن العمل...الخ)، والمزايدة عليها لأغراض سياسية ومكاسب فئوية وشخصية على حساب مصلحة الشعب، ليس غير. يقول إرنست همنغوي: "العربات الفارغة تعمل ضجيجاً أعلى". ولحسن الحظ، بدأت الجماهير تكتشف حقيقة هؤلاء الصخّابين، ونواياهم الحقيقية من هذه المتاجرة، بدليل أن حملتهم للتظاهرة "المليونية" يوم 9/9 (جمعة البقاء!!!) لإسقاط (حكومة المحاصصة...والفساد) باءت بالفشل الذريع، فكانت عبارة عن تصويت على شعبيتهم، فكشفت حجمهم الحقيقي، وإفلاسهم السياسي، وأنهم في طريق الانقراض كما انقرضت الدينصورات وفق مبدأ البقاء للأصلح.
ومن كل ما تقدم، نستنتج أنه لا يمكن التخلص من المشاركة والمحاصصة والديمقراطية التوافقية...الخ، إلا بعد أن تتغير الأحزاب العراقية وتخرج من شرنقتها الدينية والمذهبية، وتتحول إلى أحزاب وطنية علمانية عامة وشاملة، يضم كل حزب في صفوفه أعضاء من جميع مكونات الشعب العراقي ومناطقه، دون تخندقات دينية وأثنية، أو أي تمييز، كما هو الحال في الأحزاب السياسية في الدول الديمقراطية الناضجة. وهذا لن يتم بين يوم وليلة، بل يستغرق وقتاً قد يطول، إذ لا يمكن حرق المراحل. فالحل لا يتم عن طريق الصراخ والعويل والتهويل، والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور، وتدمير ما تحقق، بل عن طريق النقد البناء، والعمل بإخلاص على رفع الوعي السياسي للجماهير، ونقد السلبيات بالمنطق، ودعم الإيجابيات المكتسبات، لا تدميرها بحجة أن الحكومة فشلت في الإصلاح والإعمار بالسرعة الصاروخية!.
إن المزايدات الرخيصة للفئات الانتهازية الفاشلة التي رفضتها المرحلة والجماهير، لن تقدم حلاً واقعياً للمعضلة، بل تزيد النار اشتعالاً، وعلى حساب الأمن والاستقرار السياسي.
وأخيراً، أطمئن المخلصين من أبناء شعبنا، أنه رغم الصعوبات التي يمر بها العراق الديمقراطي، إلا إنه لا بد وأن ينتصر، لأن ليس هناك حل آخر سوى الحل الديمقراطي والتقدم التدريجي.
عنوان المراسلة: Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com
المدونة الشخصية: http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
( ومن طلب العلى سهر الليالي ),حامد كعيد الجبوري
( ومن طلب العلى سهر الليالي )
حامد كعيد الجبوري
حدثني أحد الأصدقاء وهو أستاذ جامعي عن استيائه من أغلب الطلاب لأنهم بعيدون عن الثقافة العامة ، ولا يحاولون الاستزادة من المعارف والعلوم ألا بقدر ما يخص دراستهم الجامعية ، يقول سألت طلابي يوما ، من يعرف أين تقع قناة ( أوستاكي ) ؟ ، الغريب كما يقول صديقي أني لم أحصل على إجابة لسؤالي ، وهذا ما لحظته لدى أبنائي وأبناء أصدقائي ، والأغرب أن لا علاقة لهم بما يدور حولهم من وضع سياسي ، حتى ظننت انعدام روح المواطنة لديهم ، ولا علاقة لهم بالثقافة والمعرفة والعلوم ، ولا تسحرهم الأغاني الجادة ويستمعون ويستمتعون بأغاني هابطة لا علاقة لها بفن الغناء ، وفي المقابل أقف عاجزا أمام قسم من الشباب يكرس جل وقته للتتبع والدراسة والبحث ، مما دعاني لتغيير وجهة نظري السابقة التي كرسها لدي الصديق الذي ذكرت .
الاثنين 5 / 9 / 2011 م شكلت لجنة في أكاديمية الفنون الجميلة / بابل ، من السادة الدكاترة 1 : أ .د حميد الزبيدي رئيسا 2 : أ . د عبود المهنا عضوا 3 : أ .د يوسف رشيد عضوا 4 : أ .د محمد أبو خضير عضوا 5 : أ . د باسم الأعسم عضوا 6 : أ .د هدى الربيعي عضوا مشرفا ، لمناقشة طالب الدكتوراه ( زيد ثامر عبد الكاظم مخيف الجبوري ) عن رسالته الموسومة ( التحولات المعرفية للجنسانية في النص المسرحي ) ، استمعت واستمتعت لأربعة ساعات متواصلة بطريقة الدفاع الحماسي للطالب المجد ، والأسئلة الثاقبة لأساتذته الذين يرومون تقويم وتصحيح وتوجيه ما وقع به طالبهم من أخطاء ليس بمتن الأطروحة ولكن بشكلها التنظيمي الأكاديمي ، وصدق حدسي بأن الطالب قد تأثر بأستاذه د . ( محمد أبو خضير ) أكثر من بقية الأساتذة بدليل أستخدام الطالب ( زيد ) لمفردات كرسها ويعمل عليها د . ( محمد ) ، ك ( الشخصانية ، الهشاشة ، الجنوسة ، الجنسانية ، التسحيق من السحاق ، المثلية ) ، أختار الطالب من المسرح العالمي والعربي والعراقي نصوصا وجدها ملائمة لنتائج بحثه ، وقد خاض بالموروث الديني والعقائدي والمجتمعي كلها وأثرت كثيرا بالمتلقي الذي يراد له التخلص من عقده الموروثة ، وقد حصل الطالب على نتيجته التي جاهد من أجلها بدرجة امتياز ، ولكي يتمتع القارئ بهذه الأطروحة المبشرة لأطاريح مكملة لها سأستنسخ مقدمتها لأجل الفائدة والتعرف على جهد طالب الدكتوراه ( زيد ثامر الجبوري ) ، ( ملخص البحث
لقد شغلت القضية الجنسانية المعقدة في تركيبتها السيكولوجية ، السوسيولوجية ، الجسدية والذهنية الوعي النقدي والمسرحي على حد سواء ، ولأن القضية لا تنحصر في الذكر والأنثى أو في الشرائع المقدسة والمدنسة فحسب ، بل في معالجة المسائل المتعالقة التي شكلت النسيج الحيوي للبنية الجنسانية في المجتمع الإنساني ككل. لهذا بات من المهم الكشف عن هذا الخطاب من زوايا عديدة ، كونه يتناول السلطة ، الفعل الجنسي والقيم الدينية وهذه كلها تقع داخل المنظومات الإنسانية. أجمع. والوعي الجنساني ما هو إلا وعي مزدوج كونه هو الفاعل الأول والأساس فيها ، لذلك تأتي ازدواجيته من التنظيم العاقل لخاصيات الطاقة الجنسية (اللبيدو) والشعور الجنسي والنزوع العاطفي والتكوين الأسري ومختلف أساليب الإغواء المحرضة للدوافع الجنسية ، وكلها ساعدت على تحرير الوعي الغريزي المحدود ونقله إلى أطوار أوسع رؤية من الوعي الغريزي المفتوح على كل الاحتمالات ، التي ميزت الوعي الإنساني من غيره ، لهذا فالوعي يتحكم في عملية التعقلن الغريزي وضبطه ، مما تميز في تفرده ليؤسس الثقافة الجنسانية وتعدد تحولاتها المعرفية عبر التاريخ.
يضم البحث أربعة فصول ، يتضمن الفصل الأول – الإطار المنهجي للبحث ، مشكلة البحث المتمركزة في الاستفهام الآتي: ما التحولات المعرفية في تحديد ثقافات الجسد عبر مفاهيم الجنسانية (السلطة – الجنس – الدين) في النص المسرحي ؟ ، بينما تجلت أهمية البحث بوصفه يقدم دراسة فلسفية – تحليلية تسلط الضوء على مصطلح الجنسانية عبر التحولات المعرفية(البيولوجية ، السيكولوجية ، السوسيولوجية ، السياسية ، الاقتصادية والدينية) ، وتم اشتقاق هدف البحث وهو التعرف على التحولات المعرفية للجنسانية في النص المسرحي ، أما حدود البحث فقد شملت النصوص المسرحية الغربية والعربية والعراقية خلال المدة (1985-2009)م ، واختتم الفصل بتعريف المصطلحات الأساسية التي وردت في عنوان البحث.
أما الفصل الثاني ، الإطار النظري والدراسات السابقة ، فقد تضمن أربعة مباحث عني المبحث الأول منها بدراسة الجنسانية وإشكالية المصطلح ، واستعرض فيه الباحث المفاهيم التي تداخلت وتلاحقت مع المصطلح الجنساني ، فيما عني المبحث الثاني بدراسة التحولات المعرفية للجنسانية وتضمن أربعة محاور ، المحور الأول تناول فيه الجنسانية والخطاب الأسطوري وشمل حضارة وادي الرافدين ، حضارة وادي النيل ، حضارات الشرق ، الحضارة الإغريقية والحضارة الرومانية ، أما المحور الثاني فقد تناول الجنسانية والخطاب الديني وتضمن الديانة اليهودية ، الديانة المسيحية والديانة الإسلامية ، أما المحور الثالث فقد تناول الجنسانية والخطاب النفسي والاجتماعي وشمل عددا من علماء النفس وعلماء الاجتماع في مجال الاختصاص ، أما المحور الرابع فقد تناول الجنسانية والخطاب النقدي وشمل عددا من النقاد في مجال الاختصاص ، فيما عني المبحث الثالث بدراسة التحولات الفلسفية للجنسانية وشمل مجموعة من الفلاسفة في مجال الاختصاص ، أما المبحث الرابع فعني بدراسة الجنسانية في النص المسرحي الغربي والعربي والعراقي واستعرض الباحث عددا من كتاب الدراما في مجال المسرح. ثم اختتم الفصل بالمؤشرات التي أسفر عنها الإطار النظري والدراسات السابقة.
أما الفصل الثالث فقد تضمن إجراءات البحث ، وهي مجتمع البحث ، عينة البحث ، منهجية البحث ، أداة البحث ، صدق الأداة ، ثبات الأداة ، الوسائل الإحصائية ، وتحليل العينات وتم اختيار ستة نصوص مسرحية غربية وعربية وعراقية من اجل تحليلها بقصد معرفة مصطلح الجنسانية وتحولاته المعرفية في النص المسرحي.
أما الفصل الرابع ، فقد احتوى على نتائج البحث التي توصل إليها الباحث وأهمها:
1- انتقال السلطة من الجسد الذكوري إلى الجسد الأنثوي عبر الماضي والحاضر.
2- الجنسانية الشرعية المسيحية تورث مبادئ التقسيم بين الذكر والأنثى فالغريزة الجنسية تقع ضمن حدود المنظومة الزوجية لا خارجها.
3- العلاقات الجنسانية بين طرفي الذكورة والأنوثة غير متكافئة بسبب سلطة الذكر وتهميش الأنثى ، لذلك ظل الخطاب السوسيولوجي الثقافي مقوضا لأن الذكر والأنثى لا يؤديان الأدوار الجنسوية نفسها.
4- أصبح الفعل الجنسي شكلا من أشكال الهيمنة والاستيلاء والتملك.
5- إدراك الايروس والثاناتوس ضمن المستوى الذكوري بفعل الوعي الأنثوي الخلاق.
6- الشخصية الأنثوية هي الشخصية الفاعلة في الخطاب الأسطوري.
كما احتوى الفصل على الاستنتاجات ومجموعة من التوصيات والمقترحات وثبت المصادر والمراجع والملاحق والملخص باللغة الانكليزية.
) .
امنعوا التسول في التقاطعات -كاظم فنجان الحمامي
امنعوا التسول في التقاطعات
كاظم فنجان الحمامي
في البلد الذي تطفو مدنه وأريافه وبراريه وجباله وأهواره على اكبر بحيرات النفط المخبأة تحت قشرة كوكب الأرض منذ آلاف السنين, وفي البلد الذي منحه الله كل العطايا والمزايا والهبات والخيرات والثروات, ونشأت في رحمه أقدم السلالات. وفي البلد الذي تتكاثر فيه منظمات المجتمع المدني بالانشطار.
في هذا البلد العريق تتشقق الأرض في الصباحات الباكرة فتخرج منها جنيات ملثمات مجهولات الهوية, يرتدين البراقع السود, ويحملن أطفالا مستعارين, تمت برمجتهم وتخديرهم بالعقاقير المنومة, والأعشاب السحرية مضمونة النتائج.
يتجمعن قبيل بزوغ الشمس عند تقاطعات الطرق الداخلية, وحول الإشارات المرورية المزدحمة, يزاولن الاستجداء بالضرب على زجاج السيارات ونوافذها وسقوفها, من الصباح الباكر وحتى ساعة متأخرة من المساء, وتزداد نشاطاتهن في الأعياد والمناسبات والعطل الرسمية وغير الرسمية, التي تصل عندنا أحيانا إلى 364 يوم في السنة.
وفي خضم غياب المعالجات الحكومية الحاسمة لظاهرة استجداء النساء في تقاطعات المدن, وفي الوقت الذي تزداد فيه آلامنا لهذه المشاهد المحزنة والمخجلة, لا يسعنا إلا أن نطلق صيحتنا من هذا المنبر الحر, وندعو رجال الدولة كافة إلى وجوب الإسراع بوضع الحلول الإنسانية الناجعة لهذه الظاهرة المأساوية المستفحلة, وان يتجنبوا منعهن من الاستجداء بالقوة, فهن في أمس الحاجة للرعاية والعناية, ومعظمهن من ضحايا التهجير القسري, ومن ضحايا أعمال العنف الطائفي التي تركت عوائلهن من دون معيل. ومنهن من كان زوجها ومعيلها ضحية لإحدى التفجيرات الطائشة, التي تركته راقدا على سرير العجز الكلي.
تنامت هذه الظاهرة المفزعة في كنف التداعيات السلبية للحروب المتعاقبة والأزمات, التي مر بها مجتمعنا في العقود الماضية، والتي ذهب ضحيتها رجال العائلات الفقيرة، فضلا عما خلفه العنف السياسي المتهور من آثار خطيرة, أجبرت اليتامى والأرامل على الاستجداء، ودفعتهن للبحث عن لقمة العيش في تقاطعات الطرق المكتظة بالسيارات الفارهة, واستجداء عطف أصحابها وكرمهم .
فهل عجزت الحكومة عن توفير الرعاية لهن ؟, وهل فشلت حقا في تدبير السكن اللائق, ودفع الإعانات المالية للنساء المشردات والمفجوعات بموت ذويهن, وهل هي غير قادرة فعلا على انتشالهن من أوضاعهن المزرية ؟.
أم إن مواكب المسئولين لم تتوقف لحد الآن عند التقاطعات المرورية لكي ترى هذه الحقيقة المؤلمة, بسبب سرعاتها الفائقة, فهي دائما على عجالة من أمرها, بحيث لا يسمح لها وقتها الثمين رصد هذه المشاهد ؟. فسيارات المسئولين تتسابق في الطرق العامة كما الخيول الجامحة, تزبد وترعد وتصهل بأصواتها المرعبة, ولابد لنا من التحاور معها بلهجة المواعظ والحكم, ونقول لأصحاب الخيول الجامحة: إن الخيول إذا شارفت نهاية المضمار بذلت قصارى جهدها لتفوز بالسباق, فلا تكن الخيل أفطن منكم, فإنما الأعمال بالخواتيم, وأن زيف الدنيا زائل, وكل نعمة دون الجنة فانية, وكل بلاء دون النار عافية, فاتقوا النّار، ولو بشق تمرة. ولَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ. وينبغي أن تحاسبوا أنفسكم قبل فوات الأوان. وان تتصدوا بحزم لعوامل نشأة هذه الظاهرة ونموها, فالفقر والجهل والبطالة, وأعمال العنف والتخريب, وما رافقها من تهجير وتشريد للعوائل المنكوبة, وما تلاها من سلسلة تفجيرات إرهابية, هي الزوابع والأعاصير التي مزقت جسد المجتمع العراقي المنهك, وبعثرت كيانه.
ومما يبعث على الحيرة إن ظاهرة استجداء النساء المبرقعات انتشرت منذ سنوات في تقاطعات الطرق الداخلية لبعض المدن الخليجية المفرطة في الثراء, فهل مرت المدن الخليجية الغارقة في العسل بمثل ما مر به العراق من أهوال ومصائب وويلات ؟. الجواب: كلا. ولكن البلاء, كفاكم الله شروره, له جنود غير مرئيين.
السبت، 17 سبتمبر 2011
حـبٌ ورثـــــــــاء -الناصريةمدينة الكرما ء000لماذا الشجرة الخبيثة ؟
حـبٌ ورثـــــــــاء
الناصريةمدينة الكرما ء000لماذا الشجرة الخبيثة ؟
تعرف الناصرية بأنها مدينة الأدب والفن والسياسة 0
وقد تميز ابناؤها في مجالات :-
الادب والنقد والشعر والغناء والموسيقى والمسرح والتمثيل اضافة الى الفنون التشكيلية ، ناهيك عن السياسة وتضحياتها0
ويشهد لها التأريخ بشجاعة أهلها ونضالهم الطويل ، وكفاحهم ضد الأستعمار البريطاني والحكومات والأنظمة اللاوطنية والدكتاتورية 0
وكان لأبناء الناصرية دور فعال ومتميز عبر تاريخها 0 ودورهم في ثورة العشرين مثال بسيط على وطنيتهم 0
احدى عشائرها وتسمى:- ( آل إزيرج ) تقطن بين مدينة الناصرية وناحية الغراف التي تبعد مسافة 30 كم شمالاً، جعلوا من احد الاشجار مرصداً وساتراً لرصد القوات البريطانية التي تعسكرت بالقرب من اراضيهم ، لأقتناص افراد الجيش البريطاني0وبعد ان قتلوا عدد من افراده ، قام احد الضباط البريطانيين بالتحقيق والتحري عن مصدر النار التي تبطش بجنوده ، فتوصل الى استنتاج 0 ان تلك الشجرة هي السبب بقتل جنوده 0 فقال:- ( هذه الشجرة شجرة خبيثة ويجب ان تزال من مكانها) 0 فقلعوها 0
استخدمت بشكل خبيث ولئيم مقصود في تداول مفردة (الشجرة الخبيثة ) ضد مدينة الناصرية المناضلة ، من اجل الاساءة اليها وتشويه الصورة الجميلة لأبنائها الوطنيين الشرفاء
لكن وللأسف الشديد وبسبب جهل البعض لتاريخ وطنهم المشرف ، اخذوا يطلقون تسمية الشجرة الخبيثة على مدينة الناصرية دون ادراك او فهم قصدية هذه التسمية ولم يتخلوا عن اميتهم ويتقصون عن حقيقة شجرة الناصرية المشرفة 0
طوبا للذين فدوا ارواحهم دفاعاً عنك000 وسلاماً لما تبقى من شتات ابنائك المبعثرين في بقعاع الأرض
أحبـُّك رغـم غـــربتي
بعد اشراقة شمس الصباح 0000
تنهض حبيبتنا الناصرية من غفوتها وهي محتضنة بذراعيها عشيقها الأزلي
الذي لم يتخلى عنها يوماً
كان يغرقها بالحب الصوفي قبل زمن مضى
الفرات يمد جسده الرشيق الطاهر من رأسها حتى اطراف قدميها
يداعب ضفائرها بهدوء حتى تغفو بأمان وسلام ومحبة
مقبلاً جبينها 000 مقبلاً وجنتيها وبقدسية مؤمن متعبد
ماء وخضراء وقمر000
مناخ للعشاق يكتمل000
اصوات غناء العاشقين تصدح
للناصرية000 للناصرية
بو جناغ اريد وياك للناصرية
أو بثنين إديه بثنين إديه
تعطش وشربك ماي بثنين إديه 0
وصوت اخر يردد طرباً
ضي كمرة اوتوالي الليل
واعذيب الهوا إينسم
ومن جلسة سمر اخرى يتغنى الحبيب بصوت طربٍ جنوبي000
ياكمر تاني الحبيب اعلَ الدرب
تتنطرك عين المحب
وهناك إبكمرة ليل وي ماي النهر
كالت حبيب الروح علشاطي انتظر
كانت ليالي ابناء المدينة تتمتع بالجمال والحب والنقاء
تزهو شوارع الناصرية بحركة الناس 000
ارصفتها المتعبة ، تزينها خطوات النساء والصبايا الجميلات
نسمات معطرة بعطور القادمات
الأرصفة الخربة تمسك بأحذيتهن وتقبل اقدام الواقفات والعابرات رغم الاهمال
جسر الزيتون محظوظ هذه الايام
والجسر القديم ، بات اليوم حزيناً 000 شارك ابناؤها بكل الذكريات 000
لم ينجو هذا الجسر من حقد الاعداء
كان هدفاً لتحطيمه وتمزيق تاريخه وما يحمل من ناس واجمل الذكريات
وبعد ترميمه فقد بعض الصفات
جعلوه ممراً واحداً للعجلات والعائدين الى المدينة بعد ان اجهدهم تعب النهار
اختفى ذاك المسكين النحيف بعد ان مد جسده الهزيل فوق ماء الفرات لسنين من البؤس والحرمان حتى شاخ
نذر نفسه للسابلة والمتعبين والفقراء 00 قاوم تيار النهر وضربات الامواج بصبر ومعانات0
نكبــةمدينــــــــة اســمها الناصــــرية
يبدو ان الناصرية كانت تهز عروش الحكام بوطنية وشجاعة وايمان أهلها
فعملوا على تشويهها وتدمير كل مجالات الحياة الأجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية0
النسبة الكبيرة من ابناء الناصرية النجباء الذين يؤمنون بالافكار التقدمية كانت السجون والمشانق نهايتهم0
والبعض فضل وجع الغربة وألم التشرد مرغماً 0
وكذلك عدد من المثقفين والأدباء والفنانين فضلوا الهجرة خارج وطنهم فهي أفضل لهم من إذلالهم 0
أفرغت المدينة من ابنائها ولم يبقى فيها الا عدد قليل لا يملأ الفراغ 0
بعدها تم قتل الحياة في اهوار الناصرية والمناطق الريفية القريبة منها ، فتمت جريمة نزوح هؤلاء بكل مايحملون من تخلف وسلوك الى مدن الناصرية وكانت حصة مركز مدينة الناصرية كبيرة ومؤثرة على تغيير صورتها الحضارية والأجتماعية والمدنية0
سبق هؤلاء بفرض انفسهم على المدينة ألائك المبعدين من الكويت (البدون ) مستغلين قسوة الحصار علينا وتأثيره النفسي والاقتصادي 0 متباهين ومستقويين بأمكانيتهم المادية التي جموعها عن طريق خدمة الكويتيين لسنين من الاذلال والتقشف فأضطهدونا بعد سيطرتهم وسط المدينة 0
فتحققت اهداف وغايات الحاقدين والمتسلطين على رقاب العراقيين000
في كل مدن العالم يكون فيها مركز للمدينة يعتبر ( سنتر المدينة ) ويحضى بالرعاية والاهتمام من الجهة المسؤولة 0
في منتصف شارع الحبوبي الذي يمتدد من جنوب مدينة الناصرية الى شمالها ،تقع ساحة الحبوبي ، التي اصبحت تمثل مركز مدينة الناصرية وزينت بتمثال للعلامة المناضل والشاعر:- ( محمـد سـعيد الحبـوبي )
وهو يتوسط الساحة شامخاً، ماسكاً بعصاه وبيده الاخرى حاملاً وثيقة احتجاج
0 حزيناً 0ممتعضاً 0
لكن وللأسف اصبحت هذه الساحة الجميلة ساحة للفوضى ومرتعاً
تزدحم حوله قطعان من البهائم والرعاع واكداس من الازبال والمعدان ، ممتدة الى
الجهة اليمنى من شارع النيل ، شوهت صورة المدينة والمدنية الى صورة اخرى ، تعكس اسوء سلوكيات التخلف والجهل والشعوذة والدجل والعشائرية الأبتزازية
خجل هذا التمثال وهو يرى امام عينه هذا الانحطاط المخزي والمؤلم 0
احد المقاهى التي تحتل مساطبها مساحة واسعة شاغلة للمكان
اغلب روادها من المراهقين والمنحرفين والصبيان 000 متباهين بأنفسم ومسترخين على دخان الأركيلة بطعم المعسل وما خفي بينه كان اسوء واخطر0
مجموعة من ابناء المدينة الاصلاء يجلسون امام مقر جمعيتهم المتواضع مساء كل يوم ، يرتسم على وجوههم هموم ومأساة مدينتهم ، منعزلين عن الأخرين كأنهم منكسرين مندحرين أمام هذا الغزو الهمجي وهم لاحول لهم ولا قوة ، ابناء الناصرية طيبون 0
الحبوبي صامت بعد ذاك الزمان رغم الفوضى والضجيج والنهيق والعواء
الحبوبي ربما مخذولاً مما تبقى من ابناء المدينة وهم يقفون حائرين او سائرين جنب الجدران 0
يتخطون ضمن مسافة بضعة امتار ، أو معتكفين بين اربعة مقاهي وبنفس المكان
متحاورين او صامتين ، مختلفين في بعض الاراء والافكار 0
متفقين على استنشاق دخان السكائر وشرب الشاي الساخن بأعتباره اقل سخونة من غليان مشاعرهم ومتحدين لهب جو المدينة الذي أكسى بشرة وجوههم سمرة 0
احزن واتألم لبعض الفنانين والادباء 0
جعلوا من استراحتهم تلك المساطب الاسمنتية اوالخشبية البائسة على ارصفة بداية شارع النيل ملجأهم الوحيد ولا بديل 0
بعضهم يحدق في المارة عله يحظى بصديق يشاركه وحدته وهمومه المتراكمة ، والبعض مشغول بقراءة صحيفة او كتاب
واخرون شاغلين انفسهم بالحديث والحوار، واقدامهم متدلية فوق مجرى مياه الاوساخ الجارية بأستمرار0
الاتربة الممزوجة بالدخان تملأ الفضاء عند مرور السيارات
متذمرين من هذا الحال المفروض عليهم في كل زمان
بعضهم يتكلم مع نفسه متذمراً
وآخريتحدث مع صاحبه ويكش بيده 000ومنزعجاً من المكان
متسائلاً هل التغير اصبح محال ؟ 0 متمنياً ان تكون بأفضل حال 0
قروي قَدمَ من ناحية البطحاء ضمن نزوح اللألاف من خارج الأرياف ، ليجعلوا مدينة الناصرية مرتعاً وساحة للفوضى والخرافات والعودة بالمدينة والمدنية الى الوراء 0
هذا الهمجي الذي اصبح رواده البعض من الفنانين والأدباء 000 لايعنيه قيمة هؤلاء 000 المهم عنده ان يبيعهم الشاي
عجباً لهؤلاء ؟ كيف يتلذذون بالبؤس ويخلقون لأنفسهم همٌ ِومعاناة
يالسوء الاقدار 000 منذ زمن وحال مدينتي الطيبة 000 مدينة الغرباء 000 من سوء حال الى اسوء حال
مسكينة هذه المدينة
متى ترحمك الاقدار0 وهي تثقل عليك بالهموم والاحزان
كم هي طيبة مدينتي 000 بأعتراف النزلاء والغرباء
مدينتي 000 معروفة بالطيبة والسخاءوالكرم 000 والغريب انها اكثر كرماً وسخاء لضيوفها والغرباء حد نكران الذات
هذا ديدنك منذ زمان 000 قد لا اجده في أي مكان
مدينتي بعد الثناء وحسن الصفات 0
يطرح نفسه هذا السؤال :-
لمــاذا يامدينتي تلفضين الأبناء وتحتضنين الغرباء ؟
عذراً لك ، هذا جواب أبنك الشاعر (رشيد مجيد ) قبل رحيله ، التقيته بالصدفة فشكوت له غربتي0 في مدينة اخرى امر طبيعي ، لكن من المحزن ان اشعر بالغربة في مدينتي 0 فأجابني بألم قائلاً:-
انا أسمي هذه المدينة بالمدينة العاق ، لأنها المدينة الوحيدة التي تلفظ أبنائها !!
رحماك مدينتي فنحن ابناؤك الأصلاء ، الأوفياء
كفاك قسوة 0 ويكفينا قسوة الاخرين والزمان 0 عذراً مدينتي كنت صريحاً معك
واعلمي ان الآخرين هم افضل من وضعنا في اية حال
ســــلاماً مديـنـتــي000 تمنياتي لك بالشـفاء العاجل من هذا الوبـاء
أحد أبناؤك المخلصين
الناصريةمدينة الكرما ء000لماذا الشجرة الخبيثة ؟
تعرف الناصرية بأنها مدينة الأدب والفن والسياسة 0
وقد تميز ابناؤها في مجالات :-
الادب والنقد والشعر والغناء والموسيقى والمسرح والتمثيل اضافة الى الفنون التشكيلية ، ناهيك عن السياسة وتضحياتها0
ويشهد لها التأريخ بشجاعة أهلها ونضالهم الطويل ، وكفاحهم ضد الأستعمار البريطاني والحكومات والأنظمة اللاوطنية والدكتاتورية 0
وكان لأبناء الناصرية دور فعال ومتميز عبر تاريخها 0 ودورهم في ثورة العشرين مثال بسيط على وطنيتهم 0
احدى عشائرها وتسمى:- ( آل إزيرج ) تقطن بين مدينة الناصرية وناحية الغراف التي تبعد مسافة 30 كم شمالاً، جعلوا من احد الاشجار مرصداً وساتراً لرصد القوات البريطانية التي تعسكرت بالقرب من اراضيهم ، لأقتناص افراد الجيش البريطاني0وبعد ان قتلوا عدد من افراده ، قام احد الضباط البريطانيين بالتحقيق والتحري عن مصدر النار التي تبطش بجنوده ، فتوصل الى استنتاج 0 ان تلك الشجرة هي السبب بقتل جنوده 0 فقال:- ( هذه الشجرة شجرة خبيثة ويجب ان تزال من مكانها) 0 فقلعوها 0
استخدمت بشكل خبيث ولئيم مقصود في تداول مفردة (الشجرة الخبيثة ) ضد مدينة الناصرية المناضلة ، من اجل الاساءة اليها وتشويه الصورة الجميلة لأبنائها الوطنيين الشرفاء
لكن وللأسف الشديد وبسبب جهل البعض لتاريخ وطنهم المشرف ، اخذوا يطلقون تسمية الشجرة الخبيثة على مدينة الناصرية دون ادراك او فهم قصدية هذه التسمية ولم يتخلوا عن اميتهم ويتقصون عن حقيقة شجرة الناصرية المشرفة 0
طوبا للذين فدوا ارواحهم دفاعاً عنك000 وسلاماً لما تبقى من شتات ابنائك المبعثرين في بقعاع الأرض
أحبـُّك رغـم غـــربتي
بعد اشراقة شمس الصباح 0000
تنهض حبيبتنا الناصرية من غفوتها وهي محتضنة بذراعيها عشيقها الأزلي
الذي لم يتخلى عنها يوماً
كان يغرقها بالحب الصوفي قبل زمن مضى
الفرات يمد جسده الرشيق الطاهر من رأسها حتى اطراف قدميها
يداعب ضفائرها بهدوء حتى تغفو بأمان وسلام ومحبة
مقبلاً جبينها 000 مقبلاً وجنتيها وبقدسية مؤمن متعبد
ماء وخضراء وقمر000
مناخ للعشاق يكتمل000
اصوات غناء العاشقين تصدح
للناصرية000 للناصرية
بو جناغ اريد وياك للناصرية
أو بثنين إديه بثنين إديه
تعطش وشربك ماي بثنين إديه 0
وصوت اخر يردد طرباً
ضي كمرة اوتوالي الليل
واعذيب الهوا إينسم
ومن جلسة سمر اخرى يتغنى الحبيب بصوت طربٍ جنوبي000
ياكمر تاني الحبيب اعلَ الدرب
تتنطرك عين المحب
وهناك إبكمرة ليل وي ماي النهر
كالت حبيب الروح علشاطي انتظر
كانت ليالي ابناء المدينة تتمتع بالجمال والحب والنقاء
تزهو شوارع الناصرية بحركة الناس 000
ارصفتها المتعبة ، تزينها خطوات النساء والصبايا الجميلات
نسمات معطرة بعطور القادمات
الأرصفة الخربة تمسك بأحذيتهن وتقبل اقدام الواقفات والعابرات رغم الاهمال
جسر الزيتون محظوظ هذه الايام
والجسر القديم ، بات اليوم حزيناً 000 شارك ابناؤها بكل الذكريات 000
لم ينجو هذا الجسر من حقد الاعداء
كان هدفاً لتحطيمه وتمزيق تاريخه وما يحمل من ناس واجمل الذكريات
وبعد ترميمه فقد بعض الصفات
جعلوه ممراً واحداً للعجلات والعائدين الى المدينة بعد ان اجهدهم تعب النهار
اختفى ذاك المسكين النحيف بعد ان مد جسده الهزيل فوق ماء الفرات لسنين من البؤس والحرمان حتى شاخ
نذر نفسه للسابلة والمتعبين والفقراء 00 قاوم تيار النهر وضربات الامواج بصبر ومعانات0
نكبــةمدينــــــــة اســمها الناصــــرية
يبدو ان الناصرية كانت تهز عروش الحكام بوطنية وشجاعة وايمان أهلها
فعملوا على تشويهها وتدمير كل مجالات الحياة الأجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية0
النسبة الكبيرة من ابناء الناصرية النجباء الذين يؤمنون بالافكار التقدمية كانت السجون والمشانق نهايتهم0
والبعض فضل وجع الغربة وألم التشرد مرغماً 0
وكذلك عدد من المثقفين والأدباء والفنانين فضلوا الهجرة خارج وطنهم فهي أفضل لهم من إذلالهم 0
أفرغت المدينة من ابنائها ولم يبقى فيها الا عدد قليل لا يملأ الفراغ 0
بعدها تم قتل الحياة في اهوار الناصرية والمناطق الريفية القريبة منها ، فتمت جريمة نزوح هؤلاء بكل مايحملون من تخلف وسلوك الى مدن الناصرية وكانت حصة مركز مدينة الناصرية كبيرة ومؤثرة على تغيير صورتها الحضارية والأجتماعية والمدنية0
سبق هؤلاء بفرض انفسهم على المدينة ألائك المبعدين من الكويت (البدون ) مستغلين قسوة الحصار علينا وتأثيره النفسي والاقتصادي 0 متباهين ومستقويين بأمكانيتهم المادية التي جموعها عن طريق خدمة الكويتيين لسنين من الاذلال والتقشف فأضطهدونا بعد سيطرتهم وسط المدينة 0
فتحققت اهداف وغايات الحاقدين والمتسلطين على رقاب العراقيين000
في كل مدن العالم يكون فيها مركز للمدينة يعتبر ( سنتر المدينة ) ويحضى بالرعاية والاهتمام من الجهة المسؤولة 0
في منتصف شارع الحبوبي الذي يمتدد من جنوب مدينة الناصرية الى شمالها ،تقع ساحة الحبوبي ، التي اصبحت تمثل مركز مدينة الناصرية وزينت بتمثال للعلامة المناضل والشاعر:- ( محمـد سـعيد الحبـوبي )
وهو يتوسط الساحة شامخاً، ماسكاً بعصاه وبيده الاخرى حاملاً وثيقة احتجاج
0 حزيناً 0ممتعضاً 0
لكن وللأسف اصبحت هذه الساحة الجميلة ساحة للفوضى ومرتعاً
تزدحم حوله قطعان من البهائم والرعاع واكداس من الازبال والمعدان ، ممتدة الى
الجهة اليمنى من شارع النيل ، شوهت صورة المدينة والمدنية الى صورة اخرى ، تعكس اسوء سلوكيات التخلف والجهل والشعوذة والدجل والعشائرية الأبتزازية
خجل هذا التمثال وهو يرى امام عينه هذا الانحطاط المخزي والمؤلم 0
احد المقاهى التي تحتل مساطبها مساحة واسعة شاغلة للمكان
اغلب روادها من المراهقين والمنحرفين والصبيان 000 متباهين بأنفسم ومسترخين على دخان الأركيلة بطعم المعسل وما خفي بينه كان اسوء واخطر0
مجموعة من ابناء المدينة الاصلاء يجلسون امام مقر جمعيتهم المتواضع مساء كل يوم ، يرتسم على وجوههم هموم ومأساة مدينتهم ، منعزلين عن الأخرين كأنهم منكسرين مندحرين أمام هذا الغزو الهمجي وهم لاحول لهم ولا قوة ، ابناء الناصرية طيبون 0
الحبوبي صامت بعد ذاك الزمان رغم الفوضى والضجيج والنهيق والعواء
الحبوبي ربما مخذولاً مما تبقى من ابناء المدينة وهم يقفون حائرين او سائرين جنب الجدران 0
يتخطون ضمن مسافة بضعة امتار ، أو معتكفين بين اربعة مقاهي وبنفس المكان
متحاورين او صامتين ، مختلفين في بعض الاراء والافكار 0
متفقين على استنشاق دخان السكائر وشرب الشاي الساخن بأعتباره اقل سخونة من غليان مشاعرهم ومتحدين لهب جو المدينة الذي أكسى بشرة وجوههم سمرة 0
احزن واتألم لبعض الفنانين والادباء 0
جعلوا من استراحتهم تلك المساطب الاسمنتية اوالخشبية البائسة على ارصفة بداية شارع النيل ملجأهم الوحيد ولا بديل 0
بعضهم يحدق في المارة عله يحظى بصديق يشاركه وحدته وهمومه المتراكمة ، والبعض مشغول بقراءة صحيفة او كتاب
واخرون شاغلين انفسهم بالحديث والحوار، واقدامهم متدلية فوق مجرى مياه الاوساخ الجارية بأستمرار0
الاتربة الممزوجة بالدخان تملأ الفضاء عند مرور السيارات
متذمرين من هذا الحال المفروض عليهم في كل زمان
بعضهم يتكلم مع نفسه متذمراً
وآخريتحدث مع صاحبه ويكش بيده 000ومنزعجاً من المكان
متسائلاً هل التغير اصبح محال ؟ 0 متمنياً ان تكون بأفضل حال 0
قروي قَدمَ من ناحية البطحاء ضمن نزوح اللألاف من خارج الأرياف ، ليجعلوا مدينة الناصرية مرتعاً وساحة للفوضى والخرافات والعودة بالمدينة والمدنية الى الوراء 0
هذا الهمجي الذي اصبح رواده البعض من الفنانين والأدباء 000 لايعنيه قيمة هؤلاء 000 المهم عنده ان يبيعهم الشاي
عجباً لهؤلاء ؟ كيف يتلذذون بالبؤس ويخلقون لأنفسهم همٌ ِومعاناة
يالسوء الاقدار 000 منذ زمن وحال مدينتي الطيبة 000 مدينة الغرباء 000 من سوء حال الى اسوء حال
مسكينة هذه المدينة
متى ترحمك الاقدار0 وهي تثقل عليك بالهموم والاحزان
كم هي طيبة مدينتي 000 بأعتراف النزلاء والغرباء
مدينتي 000 معروفة بالطيبة والسخاءوالكرم 000 والغريب انها اكثر كرماً وسخاء لضيوفها والغرباء حد نكران الذات
هذا ديدنك منذ زمان 000 قد لا اجده في أي مكان
مدينتي بعد الثناء وحسن الصفات 0
يطرح نفسه هذا السؤال :-
لمــاذا يامدينتي تلفضين الأبناء وتحتضنين الغرباء ؟
عذراً لك ، هذا جواب أبنك الشاعر (رشيد مجيد ) قبل رحيله ، التقيته بالصدفة فشكوت له غربتي0 في مدينة اخرى امر طبيعي ، لكن من المحزن ان اشعر بالغربة في مدينتي 0 فأجابني بألم قائلاً:-
انا أسمي هذه المدينة بالمدينة العاق ، لأنها المدينة الوحيدة التي تلفظ أبنائها !!
رحماك مدينتي فنحن ابناؤك الأصلاء ، الأوفياء
كفاك قسوة 0 ويكفينا قسوة الاخرين والزمان 0 عذراً مدينتي كنت صريحاً معك
واعلمي ان الآخرين هم افضل من وضعنا في اية حال
ســــلاماً مديـنـتــي000 تمنياتي لك بالشـفاء العاجل من هذا الوبـاء
أحد أبناؤك المخلصين
الجمعة، 16 سبتمبر 2011
قراءة في فكر القرامطة-حواء سعيد عبد الفتاح
قراءة في فكر القرامطة
حواء سعيد عبد الفتاح
أديبة عربية
من مواليد مدينة الناصرة في فلسطين
تعمل معلمة للغة الانجليزية .
قال : عنها الأديب والكاتب والناقد المصري الأستاذ سمير الفيل /
الأستاذة / حواء سعيد ..
من الأقلام الجادة التي لفتت نظري
فهي تأخذ الموضوع بجد ، ولا تتأخر في أن تكون حاضرة ، وصاحبة كلمة ، وموقف ..
ربما من الأسماء التي كانت تعليقاتها منصبة في بنية النص لا خارجه .، بلا تهويمات في الفراغ ، أو تخريجات مطاطة مقصقصة الريش !! .
إنها تمارس عملها بحب و إخلاص لا حد له ..
وقال كذلك : على حواء سعيد في غير هذا الموقع .. وأذكر أنها قد ظلت تتعامل مع نصوصي القصصية التي أنشرها بذكاء، وفطنة ، ولمسة نقدية تشي بموهبة مؤجلة .
مرة قالت لي : إنني أنوي نشر قصة . ترددت في التحمس لها حتى قرأت عملها .
كان " بيت الدمى " هو نصها الجميل والمدهش ، والذي لم أكتب عنه كثيرا .. كنت وقتها متدفقا مع حدوتة (النقد ) بكل دفء وحرارة الذي تعرف على عالم جديد وغريب هو دنيا " النت " .. أعمل ليل نهار دون ان أكل أو أمل .
لكنني كنت بخيلا مع حواء سعيد ، وهي الكاتبة الموهوبة الدمثة التي تعمل في هدوء وصمت يليق بالزهاد .
في ضوء مقولة المفكر الجزائري [ محمد آركون ] (( مع اعتزازنا بالتراث لابد من قراءة جديدة له )) ، ولقراءة تأريخ القرامطة ، والتعرف على تلك الحركة الاجتماعية ، والفكرية ، والسياسية ، المغمورة في مدوناتنا ، والوصول إلى الأسباب ، التي أدت إلى خروج حركة اتهمت بالإلحاد ، ولم يمض على ظهور الإسلام سوى ثلاثة قرون !
فمنذ ظهورها، وحتى القرن الخامس للهجرة ، تصدت الأقلام المأجورة للكتابة عنها ، وسخرت خزائن المال والسلاح لمقاومتها ، ونصبت المشانق لكل أتباعها، وقطعت سيوف الخلافة أطرافهم ، وأحرقت مؤلفاتهم ، فتبخرت باحتراقها أفكار العلماء ، والفلاسفة ، والشعراء ، وكل من اتهم بمجاراتهم ، أو الاقتراب منهم .
إذن ، كيف لنا أن نقرأ تأريخ القرامطة قراءة جديدة ، دون تحيّز ، دون خوف ، دون استنتاجات مسبقة ؟
إن ثنائية ( السلطة /المعارضة ) من بداية تشكلها ، أي منذ أيام ( السقيفة ) إلى أيام صلب [ الحسين بن منصور الحلاج ] والقضاء التام على القرامطة وثورتهم الاشتراكية الخالصة ، ومن اتهم بجريمة الانتساب إلى فكرهم وحركتهم ، تحت أهم (فتوى) أعلنت من قبل السلطة آنذاك (( هذا داعية قرمطي فاصلبوه )) !
في بدايات تشكل حركات المعارضة ، والاحتجاج على ممارسات السلطة ، فمن [الكوفة ] أطلق [ زياد بن أبيه ] على هذه الحركة (( الجارية الحسناء )) ، لكنها أثبتت للتاريخ أنها (( نار متأججة )) حيث كانت هناك أسباب للتمرد ، والشكوى من سكانها ، وغالبيتهم من الفلاحين ، والحرفيين الحالمين بالعدالة ، والمساواة ، التي نادى بها الإسلام ، وأهمل تطبيقها حكام المسلمين .
صدر أول احتجاج ، أو نقد لإدارة [ أبي بكر] من قبل الأنصار ، والمسلمين الذين حضروا [ حجة الوداع ] وخطبة الرسول في [ غدير خم ] ولم يلتزم بها الخليفة بعد وفاته .
ثم عثمان ، وذلك حين قرروا الكتابة للخليفة ، يشكون له من سوء الأوضاع ، وتجاوزات عامله . سمّي الاعتراض في زمن أبي بكر [ ارتدادا ] ومأساة [ مالك بن نويرة ] نموذجا .
ثم في زمن عمر ، وإبعادهم أو إشغالهم بالفتوحات ، وتوسيع رقعة الإسلام .
أما في زمن عثمان ، والفتن وما بعده وتأجيج الفتن ، بتداخلات غير مسبوقة من قبل عائشة واتباعها !
إن ظهور حركة الخوارج ، كأول احتجاج منظم ، وخاصة بعد استشهاد الإمام علي بن أبي طالب( ع ) وما أدى إليه من حروب داخلية ،وفتن ، ومن ثم انتقال السلطة عن البيت الهاشمي ، إلى البيت الأموي ، تسبب بانقسام حاد في جسد الدولة الإسلامية الفتية ، ولم يكن انقسام المسلمين بعد مقتل عثمان هو البداية ، بل إن الفتنة ، كانت قد اشتعلت ، قبل ذلك التاريخ بأكثر من ربع قرن ، وبالتحديد في اليوم الأول لوفاة الرسول ( ص ) وفي سقيفة بني ساعدة يوم انتصار مقولة عمر (( الأمة من قريش )) .
إن وصول بني أمية للخلافة ، يمثل إذن تتويجا ، وتطبيقا عمليا لتلك المقولة .
وإذا كانت جماعة الإمام علي بن أبي طالب [ شيعته ] قد تحولت إلى فرقة دينية ، وخاصة بعد استشهاد الإمام ، وابنيه [ الحسن والحسين ] في كربلاء من بعده قد سار في مسار الأمويين ، في الدعوة لقريش فالاختلاف له جذوره التاريخية الموضوعية ، ومثلما ذكرنا أعلاه ، لولا حادثة [ السقيفة ] لما حدث ما حدث .
إن ممارسات بني أمية الوحشية ، الهادفة إلى الإبقاء على عروشهم وملكهم ، يجملها قول معاوية (( أنا أول الملوك )) وجعل القول فعلا حيث ورّث العرش لأبنه [ يزيد ] . وقد كانت فعلته هذه فتنة ، توازي فتنة عثمان وقميصه ، لأنها كانت تحولا مصيريا آخر عن مبدأ الشورى ، الذي اقره الإسلام ، ولم يطبق حتى في زمن الخلفاء الراشدين ، باستثناء خلافة الإمام علي بن أبي طالب ، حيث جاءت البيعة إليه ، دون أن يسعى إليها .
وأمام حركة [ التوابين ] ، و [شرطة الله ] ، و [ والكيسانيين ] ، والخوارج من قبلهم ، كان لابد من سقوط الدولة الأموية ، حيث تم ذلك بالتحالف [ الكيساني/ العباسي ] بعد أن عمّت الفوضى السياسية ، والتحولات الاجتماعية ، ووصول بني العباس للخلافة ، والتي لم يكن لهم في تأسيسها أي دور فعلي ، باستثناء القيادة الروحية ، المتمثلة بالشيعة الهاشمية ، وفرقهم منها [ الكيسانية ] أما الدور الحقيقي فانه يسجل [ لأبي مسلم الخرساني ] وجيشه ، ودعاته المنتشرين في أرجاء المعمورة .
وإذا كان بنوا العباس ، قد اعتلوا الخلافة باسم الدين ، والإمامة ، حيث قامت دولتهم على الخداع ، والدهاء ، والغدر . وكان قسم التحايل والمخادعة ، أوفر من قسم القوة والشدة ، على حد قول [ ابن طباطبا ] وكان أول ما فعله العباسيون ، هو نبش قبور بني أمية ، والتمثيل بما فيها ، وضربها بالسياط ، ثم صلبها ، وحرقها ، ودق رمادها ، وذرها في الريح ، وهذا ما فعلوه بالتالي مع الذين خرجوا عن طاعتهم ، مع عائلاتهم، فحينما قتل [ أبو جعفر المنصور ] [أبا مسلم الخرساني ] قيل له (( يا أمير المؤمنين ألان أصبحت خليفة )) .
كذلك لم يسلم منهم المفكرون ، والشعراء ، والأدباء ، الذين اتهموهم بالزندقة تارة ، وبالتآمر تارة أخرى .
أما شكل الحكم ، فلم يطرأ عليه أي تغيير ، عما كان عليه الحال ، في دولة بني أمية . إذ بقي الحكم وراثيا ، على رأسه بيت من بيوت قريش ، وكان من أزهى عصور الدولة العباسية ، عصر [ هارون الرشيد ] الذي جاء موازيا لما حدث فيه من عنف سياسي ، وأبشعه ما حدث [ للبرامكة ] الذين صودرت أموالهم وممتلكاتهم ، بعد إبادتهم جميعا . وكذلك واقعة [فخ ] في الحجاز وما آل إليه مصير [ الحسين بن علي الخير ] وأتباعه ، من تمثيل في جثثهم ، وقطع رؤوسهم وحملها على الرماح ، من الحجاز حتى بغداد ، حيث ادخلوها على الخليفة !
وكذلك ما حدث للعلويين ، وما رافق انتقال السلطة ، من خليفة إلى آخر ، من إراقة الكثير من الدماء ، والسلب ، والنهب ، كما هو الحال مع [الأمين ] وأخيه [ المأمون ] . ويشمل هذا الأمر كافة خلفاء بني العباس . ويبدو أن العنف يولد العنف . فقد شهد هذا العصر ظهور حركات معارضة ، أكثر مما شهده عصر بني أمية . واضطرت هذه الحركات إلى رفع شعار روحي ، ليكون مبررا لخروجها عن طاعة الخليفة العباسي .
باستثناء حركة واحدة ، وتجربة مختلفة مع [ أبي سعيد الجنابي ] وقرامطة البحرين ، ضمن حركات العلويين الكثيرة ، على طول العصر العباسي ، ومن قبله الأموي ، وأهمها حركة [ زيد النار ] ، الذي كان عقابه المفضل ، الحرق بالنار ، لكل من يلبس السواد . والولاء العباسي مرورا بحركة [ بابك الخرّمي ] و ثورة [الزنج ] ، التي عاصرت ظهور حركة القرامطة .
ومن الفرق الإسلامية العلوية [ الدعوة الإسماعيلية ] نسبة إلى [ إسماعيل ] الابن الأكبر للإمام [ جعفر الصادق ] وهذه الفرقة ينسبها بعض المؤرخين ، إلى الفرق الباطنية ، وكان لظهور الدعوة الإسماعيلية وبدايات تشكل حركة القرامطة في سواد الكوفة ، حيث ساد الفساد الإداري ، والانحلال الخلقي ، والتمييز العرقي والفوارق الطبقية ، مع نهاية الدولة العباسية جميعها مسببات لولادة معارضة فكرية ، اعتمدت في تحليلها للواقع ، وتصورها للمستقبل ، على أفكار فلسفية تناسب كافة الفئات التي تشكلت منها قاعدة الدعوة .
لهذه الأسباب جميعها ، استطاع الإسماعيليون ، وبفضل دعاتهم المنتشرين في أطراف الدولة العباسية ، التي لم يبق لخليفتها سيطرة فعلية عليها ، عندما أسسوا دولتهم الفاطمية الأولى ، في المغرب العربي ومصر . لكن هذه الدولة ، وحالما استقرت أمور أول خليفة لها [ المهدي ] حتى تكرر ما قام به المنصور العباسي قبل قرن من الزمان ، من تصفية لداعيته ، وتعذيب المعارضين ، وحبسهم ، وقتلهم ، إضافة إلى فرض الضرائب الباهظة ، على عامة الناس ، والتي تصب في جيب الخليفة .
لم يكن الحال كذلك في الدولة الفاطمية الثانية ، والتي تأسست في اليمن . فقد تمكن [ أبو الحسن الصليحي] من توحيد اليمن . دون تعصب لمذهب ، أو عقيدة . ولم يبشر بالدعوة الإسماعيلية بحد السيف . ولم يضطهد أتباع المذاهب الأخرى . وإنما ترك للناس حرية الاختيار ، وبالسلوك الحسن ، والاستقامة استطاع الوصول إلى قلوبهم ، وكسب ولائهم ، وإقناعهم بأنه داعية من اجل إعلاء كلمة الحق . لكن دولته لم تستمر طويلا .
وفي قلعة الموت ، حيث الداعية الإسماعيلي الكبير [ حسن الصباح ] كانت قد تشكلت الدولة الفاطمية الثالثة ، وبذلك فقد الخليفة العباسي سيطرته الفعلية ،على معظم الأراضي ، التي كانت تابعة لحكمه .
إن ما يميّز هذه الدول الثلاث ، التي بالنتيجة هي دول ذات مذهب واحد ، هو المذهب العلوي الإسماعيلي [فرقة من الشيعة ] . قولها وفعلها ( ( بعصمة الإمام )) وهذا الأخير يعتبر المرجع الثقافي الأعلى ، حيث أن السلطة المطلقة مرتبطة به وبالنتيجة فهي محصورة ب [ قريش ] . أما القرامطة فكان لهم رأياً آخر .
وإذا كان القرامطة الإسماعيليون ، قد شكلوا من البداية فرقة واحدة ، إلا إنهم مثل أي مدرسة عقائدية ، اختلفوا في أمور ، واتفقوا في أخرى .
لم تكن العصمة معروفة للقرامطة ، ولا يوجد من هو فوق [ النقد ] ، بما في ذلك الأئمة أنفسهم . أما اتفاقهم ، فكان في اعتماد رسائل [ أخوان الصفا ] ، ووضوح الفكر الشيعي التقدمي فيها . وكما كانت الكوفة مسرحا لاندلاع أول الثورات في عهد [عثمان ] حيث الأراضي الخصبة للثورات ، وحيث الطبقة المسحوقة ، التي ضاقت بنزق الحكام ، وبالفوضى السياسية السائدة ، فإنها أيضا ، موطن [ حسين الاهوازي ] أول دعاة القرامطة . وربما يكون هذا الداعية هو [ الحسين بن منصور الحلاج ] ، الذي دعى الفلاحين ، والحرفيين الفقراء ، إلى الإضراب ، وتعطيل الأعمال . كما نادى قبله الشهيد [ زيد بن علي ] . لكن الرايات البيضاء لم ترتفع في سواد الكوفة ، إلا مع [ حمدان قرمط ] المؤسس الحقيقي للمذهب . والذي اعتمد في حركته ، على قاعدة شعبية ، فقيرة في اغلب الأحيان ، ومن جنسيات ، وعقائد مختلفة . لذا كان منهج حركته عقلانيا فلسفيا ، اكثر من كونه روحيا عقائديا. وفي الحقيقة فان الفكر البديل ، الذي انتهجه القرامطة ، كان نتاجا لعصر [ التنوير ] ، الذي بدأ بعصر [الرشيد ] ، وبدار الحكمة ، في عهد [ المأمون ] وكذلك بالحركة النشطة للترجمة ، والتفسير ، والتأليف ، التي شارك فيها العلماء ، والأطباء ، والمهندسون ، والفلاسفة ، من جنسيات مختلفة .
لقد طبق [ حمدان قرمط ] النظام الاقتصادي ، في مجتمع الكوفة ، وبين مريديه . ومن الجدير بالذكر أن [ حمدان ] قد أوّل بعض آيات القرآن ، تأويلاً يحثُّ على الألفة ، والتعاون لصالح الجماعة . وفي ذلك تأويله للآية (( واذكروا نعمة الله عليكم ، إذ كنتم أعداء ، فألّف بين قلوبكم ، فأصبحتم بنعمته أخوانا )) بأنه لا حاجة بهم إلى الأموال ، لأن الأرض بأسرها ستكون لهم دون غيرهم . وطالبهم بشراء السلاح وإعداده . وكان ذلك في السنة السادسة والسبعين ومائتين من الهجرة . كذلك فان الضرائب التي فرضها عليهم ، انتهت بنظام الألفة ، وهو (( أن تجمعهم أموالهم في موضع واحد ، يكونوا فيها أسوة واحدة ، ولا يفضل أحد منهم صاحبه ، أو أخاه )) وهذا الإجراء هو الأول من نوعه في تاريخ الإسلام ، علما بأنه في ما سبق ظهور [ حمدان قرمط ] كانت الأموال تجمع من الأتباع ، لترسل إلى الخليفة ، أو الإمام . أما حسب الترتيب الجديد ، فإنها تصرف على أولئك الأتباع ، كذلك وضع [ حمدان ] لجماعته نظاما خاصا بهم ، حرص فيه على اختيار الدعاة ، حسب الشروط والمواصفات التي حددها فلاسفتهم ، ومنها العلم ، والتقوى ، والسياسة ، والمخاتلة ، والمقدرة على الجدل .
وقد كان لأولئك الدعاة ، دور رئيسي في أمور الدعوة ، فقد حرص [ حمدان ] على مشاركتهم في القرارات المصيرية ، واختلف في ذلك عن الإسماعيليين ، الذين كانوا يعتبرون الإمام وحده مصدر التشريع ، وعلى ذلك النهج تأسس في ما بعد [ مجلس العقدانيين ] في البحرين . وطبق مبدأ الشورى [ الديمقراطية ] عند [ أبي سعيد الجنابي ] داعية [ حمدان ] والمخلص للتعاليم الجديدة ، وصاحب أول دولة اشتراكية . والرجل الذي جعل من حلم [ حمدان قرمط ] حقيقة ، بعد أن قضى العباسيون على حركة القرامطة في العراق .
إن دولة القرامطة التي تأسست في البحرين ، وهي بلاد شاسعة ، امتدادها من البصرة حتى عمان ، يقيم فيها أقوام من جنسيات شتى، وتتعايش فيها العقائد المختلفة ، من مسيحية ، ويهودية ، ومجوسية ، ووثنية ، إضافة للإسلام . وكانت ملجأ للهاربين من ارض الجزيرة ، وبؤرة الردة على ساحلها الشرقي . كما كانت ارض الخوارج ، ومنطلق الزنج ، فلا غرابة من أن يتمكن [ أبو سعيد الجنابي ] القرمطي، تلميذ وداعية [ حمدان قرمط ] وخلال فترة لا تتجاوز خمسة عشر عاما [من 286- 301هجرية ] من بناء مجتمع عقلاني يحكمه القانون، ويبدو أن ذلك القانون [ كان قانونا وضعيا ] لا علاقة له بالشريعة . و لربما كان اجتهادا عقليا مستمدا من الشريعة الإسلامية على الأرجح ، حيث أن تنفيذ أركانها لم يكن مطبقا . فعلى سبيل المثال ، أن الجامع رغم وجوده معطل ، والصلاة اختيارية . أما الموارد الاقتصادية للدولة القرمطية في البحرين ، فكانت تتأتى من مصادر عديدة ، أهمها الضرائب التي كانت تجبى من السفن المبحرة في الخليج ، ومن تجارة اللؤلؤ ، وعائدات الشام ، والكوفة ، وطريق الحج ، إلى جانب مغانم الحروب ، وضرائب باب البصرة ، المفروضة على البضائع الخارجة منه إلى الخليج . ولم تذكر المصادر عن ضرائب فرضت على سكان البحرين ، أو محاصيلهم ، بل أن نظام الزراعة واستغلال الأراضي ، قد تحول إلى ملكية الدولة ، حسب نظام خاص لزراعة الأراضي وفلاحتها ، على أن يكون الإنتاج للجميع ، إلى جانب قيام الدولة بتوفير كافة المتطلبات الرئيسية لسكانها ، فالمسكن مؤمن ، والأراضي الزراعية تنتج كميات تزيد عن الحاجة وتكفي الطلب ، والطواحين تطحن بالمجان ، وبذلك ألغى [ الجنابي ] الملكيات الخاصة ، كما فعل [ حمدان قرمط ] من قبل . وأصبح نظام الملك جماعيا . أقول ربما اطلع الشيخ الألماني [ كارل ماركس ] على تاريخ الشعوب ، والحركات الثورية في بلاد مابين النهرين [ العراق نموذجا ] و لربما ( وهذا ليس نقصا ) انه غرف من الإسلام ومن معين القرامطة ، وثورتهم ، وجمهوريتهم ، ودولتهم التي أسسوها في العراق ، والبحرين . وليس من الضعف ، أو العيب ، بل إن من القوة تلاقح واندماج ما يخدم الإنسانية على هذه المعمورة ، من أفكار، وتجارب ، وعلم ، وفلسفة ، وكل جوانب العلوم الأخرى ، والنظريات ، لتسخير كل الخير، بما يتطلبه البناء في تقويم الإنسان ، وخاصة المستضعفين في الأرض . وهكذا كان متفقهوا شيعة العراق ، وتحديدا القرامطة . ومن هذه العبارات والدلالات ، نقول أن [ ماركس ولينين ] هم أبناء وأحفاد ل [ حمدان قرمط وأبي سعيد الجنابي ] وامتداد لهم ، فهم قرامطة الحداثة والتقدم في هذه القرون الجديدة .
ومن سنن القرامطة في جمهوريتهم الاشتراكية الأولى في التاريخ ، جمع المواشي ، والإبل ، والمحاصيل والثمار ، وتخصيص من يرعاها بصورة محددة ، وتحويل كل نتاج الأرض للسلطة المركزية . وتم تخصيص نظام مالي ، يمنح من خلاله جميع الأتباع ما يكفيهم للمعيشة . فلا غرابة إذن أن تهتز ارض العراق أمام شعارات القرامطة وأعلامهم البيضاء ، التي كتب عليها (( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ، ونجعلهم أئمة ، ونجعلهم الوارثين ))
وعلى خطى [ حمدان قرمط ] كان [ ماركس ] وكان [ لينين ] في ثورته الاشتراكية ، التي غيرت وجه التاريخ والدنيا معا ، فهما قرامطة العصر الحديث فلسفة وتطبيقا .
ومن أفكار [ حمدان قرمط ] استمد [ أبو سعيد الجنابي ] عدم ادعائه بالنسب العلوي ، كما فعلت جميع الحركات الإسلامية قبله . ولم يعلن نفسه إماما. وعلى هديه سار أتباعه في نهج ديموقراطي ، وسلوك في غاية التواضع ، وكان[الجنابي] يدير السلطة من خلال مجلس استشاري [ مجلس العقدانيين ] ، مكوّن من ستة أشخاص ، يساعدهم ستة وزراء . وبعد مداولتهم بالأمور، يصدرون قراراتهم وأحكامهم بالاتفاق . ولأن حركة القرامطة إصلاحية عقلانية ، فان حرية المعتقد مكفولة ، وان علاقة الإنسان بربه (( دون وسيط سواء كان ذلك الوسيط أمام جامع أو حجرا مقدسا )) من هنا يمكن تفسير سرقتهم ل [ الحجر الأسود ] واحتفاظهم به في دولتهم اثنان وعشرون عاما .
في ظل هذه الأوضاع، لم يبق للسلطة العباسية إلا أن تسخر جميع طاقاتها لمحاربة (( أعداء الله والمسلمين )) كما زعموا باطلا، فشحذت أقلام المؤرخين الطبالين لتهاجم القرامطة، ليس بسبب معتقداتهم الدينية ، بل لأنهم كانوا يهددون الخلافة ، وبلاط الحكم ، ولأنهم تميزوا عن جميع الفرق الأخرى ، بنجاحهم في تأسيس دولة ، تتعايش فيها الأقوام ، والمذاهب المختلفة ، وتقوم على أسس لاقت استحسان ذلك الخليط من البشر . وأخذت تعاليمها من تراثهم ، وفلسفتهم ، ولبت حاجاتهم للحياة الآمنة .
وبالرغم من تكفير البعض لهم ، بحجة الخروج عن التفسير الرسمي للقرآن الكريم وتأويل آياته ، فان [ أبي حنيفة ] أحد أصحاب المذاهب الأربعة (( قد أفتى بالقتال إلى جانبهم ، وبمساندتهم عسكرياً )) ويعني هذا ضمن ما يعنيه أن تأويلهم للآيات القرآنية لا يبعدهم عن حظيرة الإسلام .
كانت حركة القرامطة حركة فكرية اجتماعية ، لم تتاجر بالدين ، ولا بالطائفية . وكان هدفها إقامة مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية ، والمساواة بين الأجناس ، والألوان ، والأعراق ، وان غايتهم في إقامة جنة على الأرض ، لم تبعدهم عن إيمانهم في وجود جنة سماوية في الحياة الأخرى . وما تعطيلهم للمساجد إلا بسبب تحويلها لتكون منبرا للخليفة دون الملة ، ومركزا للدعاية له ، دون الاهتمام بأمور الرعية ، ولا بالأحوال المتدهورة ، في أنحاء مناطق الخلافة العباسية .
وهنا علينا أن نضع حركة القرامطة أمام أنفسنا لنتأملها مرة أخرى ، ولنتأمل الوجه الآخر ، الذي نرفض الاعتراف به ، أو بوجوده. حيث أن حركة القرامطة تثير قضية معرفية غاية في الأهمية ، ألا وهي تأويل القرآن. وبالتأكيد فان قضية تأويل القرآن باعتباره النص المركزي عند المسلمين ، ليست قضية معرفية فحسب وهذا هو الدرس الأكثر بلاغة ، وفاعلية ، وحياة .
فان كانت جميع الفرق الإسلامية ، رسمية كانت أم معارضة ، تدعي في حججها أنها لم تخرج عن روح النص المركزي ، أفلا يعني هذا انه ليس هناك قراءة بريئة ؟
وان لكل قراءة سلطة ؟
اعتقد أن الجواب نعم
وكلمة أخيرة في هذا السياق ، أقول : ولا اعتقد أن شخصا ما ، لديه ضمير حي ، أو حس إنساني تاريخي ، يمكن أن يغفل أن تاريخ البشرية يقسم إلى فترتين فقط كانت الأولى في العراق ، حيث انتصر الفقراء بقيادة [ حمدان قرمط ] على الحكم العباسي وأسسوا أول دولة شعبية . وعندما حوصروا انسحبوا إلى البحرين ودامت دولتهم نحو ( 124 سنة ) وكانت الفترة الثانية في روسيا ، بقيادة [ لينين ] وجموع الكادحين ، واستمرت ( 74سنة ) غيرّت مفاهيم الشعوب ، قضت على الاستعمار ، أنهت أسطورة تحكّم الأرستقراطية ، وحققت إنجازات لا تحصى للبشرية ، ثم سقطت بفعل [ التبويش ] التفريغ ، والتآكل الداخلي ، والتآمر الخارجي .
فهل ستعود يوما ؟
نعم ستعود ، ولكن بشكل إنساني أعمق ، وبإطار ديمقراطي أشمل ، ووفق ممارسات لا تبوأ القيادة فيها إلا إلى المخلصين ، فالتاريخ [ وكما تعودنا ] يعيد نفسه بصيغ حضارية متقدمة
ثورة الزنج في البصرة قراءة معاصرة-خضير حسين السعداوي
ثورة الزنج في البصرة قراءة معاصرة
خضير حسين السعداوي
الحوار المتمدن - العدد: 2460 - 2008 / 11 / 9
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع
واني وان كنت الاخير زمانه لات بما لم تستطعه الاوائل
قيل لصاحب هذا البيت وهو ابو الطيب المتنبي الاوائل اتوا بثمان وعشرين حرفا فاجعلها تسع وعشرين حرفا .
انا مقدما لا اقول ساتي بما لم تستطعه الاوائل وانما اقول ساتي بما كتبه الاوائل عن حدث استمر ما يقارب اربعة عشر عاماهي احداث الثورة هذا الثورة التي كتب عنها الكثير الا انها لم تنصف اما بدوفع قومية شوفينيةعنصرية تنظر الى الزنج نظرة دونية اوبدوافع دينية متزمته لاتفهم الاسلام على انه دين المساواة بين البشر او بدوافع سياسية و هذه الثورة هي امتداد لسلسله من الثورات كانت البداية الحقيقية لرفض الظلم والانحراف عن خط الاسلام الاصيل هي ثورة الحسين بن علي (ع ) العام 61 هجرية وقد جوبهت هذه الثورات عسكريا واعلاميا فالمواجهات العسكرية معروفة جيوش تتقاتل ولكن اخطر ما واجه هذه الثورات هي المواجهات الاعلامية والاقلام التي تدور في فلك السلطة التي ارادت ان تشوه وجه هذه الحركات التي استشعرت معاناة الناس وقاومت الانحراف عن طريق الاسلام الصحيح بعد ان تحولت الخلافة الى ملك عضوض .
الثورات اوحركات التمرد او النهضة او التصدي هي تسميات لحالة واحدة جهد انساني لازالت حالة معينة يشعر الثائر انها خاطئة من وجهة نظره بقيت طريقة التعبير عن وجهة النظر بهذه الاشكال التي ذكرنا او بالطرق الحديثة في ابداء الراي عن طريق الانتخابات اوغيرها من الوسائل الحضارية التي ابتدعها العقل البشري . في العصور الاسلامية سلك المعارضون للسلطات طريق الثورة وهي جمع الاتباع والموالين لقائد الثورة والناقمين على السلطان واغلب الثورات والحركات المعارضة في الفترة الاموية والفترة العباسية هي المعارضة العلوية ومعارضة الخوارج .
ثورة الزنج من الثورات التي جنى عليها وعلى قائدها المؤرخون فبما ان الثورة فشلت والتاريخ يكتبه المنتصر ولدينا شواهد عدة ، في العراق مثلا ماحدث بعد انقلاب شباط الاسود عام 1963 وقتل الزعيم عبد الكريم قاسم كان يؤرخ لهذا الحدث على انه عروس الثورات وانها قامت ضد الدكتاتورية والشعوبية الذين انحرفوا عن مسار ثورة 14 تموز وتدرس لابناءنا في كافة المراحل الدراسية وكذلك انتفاضة شعبان / اذار عام 1991 كان يؤرخ لها على انهم مجاميع غوغاء او صفحة الغدر والخيانة هذه المجاميع كل همها السلب والنهب والقتل وهذه احداث لم تغادرنا بعيدا كيف باحداث وقعت قبل اكثر من 1000 سنة تقريبا فانبرى المؤرخون يكيلون الذم لعلي بن محمد واول ذم له هو التشكيك في نسبه بانه ليس عليويا واخر نسبه الى انه فارسي يريد ان يطيح بالخلافة العربية في حين ان التاريخ الذي حدثت فيه الثورة وهو عام 255 للهجرة ليس للعرب اي سلطان وانما كان الحل والعقد بيد الاتراك يولون ويعزلون الخلفاء هذا اضافة الى المبالغة في تهويل الاحداث وهذه الحالة اتبعتها السلطة قبل القضاء على الثورة لارعاب الناس بان الزنج سوف يقتلونكم سوف يبيدونكم هذا الاعلام الموجه جعل كثير من الناس يصدق ما تقوله السلطة في الوقت الذي نقرا عن علي بن محمد ونفس المؤرخين انه كان شاعرا وعالما يمارس في سامراء تعليم الخط و النحو والنجوم اذن قائد الثورة عالم وليس قاطع طريق وكان مسلما ملتزم بتعاليم الاسلام التي تقرا الاية القرانية (( انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم )) هذه الاية التي تؤكد ان لا تمييز بين بيني البشر انما المقياس جاء على التقوى والورع وكذلك قوله تعالى ((وكرمنا بني ادم ))و على قول امير المؤمنين علي بن ابي طالب ((ع)) (( ان الانسان اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق)) من المنطقي ان اي توجه من هذا النوع يرعب الطبقات المتنفذه والتي تسيطر على الاراضي الزراعية والبساتين والضياع والثروة الحيوانية والتي كانت في ذلك العصر هي وسائل الانتاج اضافة الى السلطان والجاه الذي يتمتع به السلاطين من الاتراك والعباسيين في الوقت الذي يعيش الفقراء الفاقة والحرمان كحالة الزنج في البصرة وعندما يرفضون هذا الظلم ويكسروا اغلالهم ويقفوا بوجه مستغليهم يصبحون خارجين على اولي الامر والمشكل ان اغلب مثقفينا يعرف تفاصيل دقيقة عن ثورة العبيد في روما بقيادة سبارتكوس ومافيها من وجع انساني حيث يودع العبيد في ساحات خاصة ليتقاتل اثنين منهم وتكون النتيجة ان احدهم يجب ان يقتل الاخرلادخال السرور الى قلب القياصرة في التمتع بهذا المنظر الهمجي وفي حالة عدم قتل احدهم الاخر يقتل الاثنان معا وما رافقها من انتفاض سبارتكوس عندما اختير ليقاتل احد ابناء جنسه للتخلص منه بعد ان شعر القياصر بنفوذه وحب العبيد له وكانت النتيجة ان بدل ان يتقاتل الاثنان هجموا على القيصر الا ان صديقه قتل من قبل الحرس مما اشعل فتيل الثورة المعروفة . نعرف كثيرا عن سبارتكوس افلام و روايات وحتى هنالك فرقة باليه بلاروسيا قدمت عملا تجسد معاناة العبيد في روما في ثورة الزنج كثير من المثقفين لا يعرف الا اليسير عن هذه الثورة في الوقت الذي تتشابه مع ثورة العبيد في كثير من النقاط واهمها انها استشعرت معاناة الانسان وثقل الاستغلال والاستعباد الذي كانت عليه البشرية في تلك الحقبة.
في ثورة الزنج في البصرة هنالك اختلاف واحد عن ثورة العبيد ان القيادة للثورة جاءت من خارج الزنج حيث ان القائد علي بن محمد لم يكن من الزنج ولم يسترق من احد وانما كان حرا طليقا وهنا تكمن روعة علي بن محمد قائد الثورة لان اسبارتكوس ثار نتيجة وقع الظلم الذي يعان منه هو وابناء جنسه اما علي بن محمد فلم يكن وقع عليه ما وقع على الزنج الذي ثار لاجلهم وقد ساءه ما لاحظه من امتهان لكرامة الانسان انه قال(( لم يثر لغرض من أغراض الدنيا، وانما غضباً لله، ولما رأى عليه الناس من الفساد".. وعاهدهم على أن يكون، في الحرب، بينهم حيث قال"أشرككم فيها بيدي، وأخاطر معكم فيها بنفسي" بل قال لهم: "ليحط بي جماعة منكم، فإن أحسوا مني غدراً فتكوا بي؟! ". وبالفعل كانت نهايته انه قتل في الميدان كاي زنجي من هؤلاء الثائرين وانطلاقا من كونه يحمل فكرا ثوريا مستمدا من النسب العلوي الذي ينتسب له حيث تؤكد بعض المصادر انه هو علي بن محمد بن احمد بن عيسى بن زيد الشهيد الذي قتل في ثورته المعرفة ضد الامويين في الكوفة بن زين العابدين بن الحسين بن على بن ابي طالب وحتى لوكان مدعيا لهذا النسب فانه قام بعمل من صلب تعاليم الاسلام وهو نصرة الضعفاء والاقتصاص لهم من ظالميهم ، لقد توفرت العوامل الموضوعية والذاتية لقيام الثورة حسب المصطلح الحديث فالعوامل الموضوعية منها عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية
• االعوامل السياسية: شكل التسلط التركي على مقاليد الامور السياسية سببا مهما عندما اصبحوا يولون ويعزلون الخلفاء حسب اهواؤهم ورغباتهم مما خلق تذمرا كبيرا لدى كثير من المسلمين وخاصة العرب الذين همش دورهم مما دفعهم للثورة علما ان كثير من كبار قادة الثورة هم من العرب وليس من الزنج ولكن غلبة التسمية عليها بثورة الزنج نظرا للاغلبية الكبيرة التي شكلها الزنج في هذه الثورة
• العوامل الاقتصادية: هذه العوامل من اهم العوامل التي تهيء للثورة قاعدة من السخط ضد الاوضاع المزريه التي يعيشها الناس وظهور تمايز طبقي كبير بين فئاةابناء الدولة الاسلامية فتجد ثراء فاحش الى جانبه فقرا مدقع وخاصة بالنسبة للزنج الذين يكدحون طول النهار لمجرد سد الرمق في اعمال مضنية جعلهم يستجيبون لكل نداء يشعرون انه ينتشلهم مما هم عليه
• الدوافع الاجتماعية: التمييز العنصري الذي يعامل به الزنوج جعل منهم يتوقون الى اي دعوة تستشعر مساواتهم كبشر مع بقية الناس وقد جاءتهم الفرصة على يد علي بن محمد
اما العومل الذاتية فوجود خط ثوري في التاريخ الاسلامي يتفجر بين فترة واخرى الا وهو اسلام الجوهر والذي يختلف عن اسلام السلطة هذا الخط بدا عام 61 للهجرة بواقعة الطف وبقي مشتعلا رغم القسوة المتناهية التي استخدمت ضد هذا الخط عسكريا واعلاميا فكما اشيع عن ثورة الحسين بانهم خوارج استخدمت شتى الاساليب ضد الحركات الثورية التي اعقبت
واقعة الطف فعندما تقلب التاريخ ترى العجب عما كتب عن هذه الثورات والحركات التي قاومت السلطة فاول اتهام انها فئات باغية بغت على اولي الامر حيث يتوجب ابادتهم وبشتى الطرق اهداف الثورة سياسية واقتصادية واجتماعية
الاهداف السياسية
رفض سلطة بني العباس القائمة على الوراثة والخاضعة لقادة الجند الاتراك
الاهداف الاقتصادية
انتزاع ملكيات الاراضي التي يسيطر عليها الملاك والدهاقين الفرس واعطاءها الى الفقراء الذين يعملون بها اي انه طبق شعار((الارض لمن يزرعها ))قبل ان يعرف في العصور الحديثة
الاهداف الاجتماعية
تحرير الزنج من العبودية والاسترقاق ومساواتهم مع بقية البشر في الحرية دون تمييز خاصة وان اغلبهم مسلمون والاسلام لا يميز بين بني البشر كما اشرنا اعلاه
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)