الأحد، 4 سبتمبر 2011
في غياب الرائد خالص عزمي-طه سالم يتذكر:
في غياب الرائد خالص عزمي
طه سالم يتذكر:
انطفاء شمعة العراق الوقادة
بغداد: د.علي عبد المحسن علي
انتقل إلى جوار ربه الأديب والصحفي المبدع (خالص عزمي) الذي نال دبلوم الصحافة من مصر عام 1950 واصدر مجلة الأسبوع الأدبية عام 1952 ، تخرج من كلية الحقوق- جامعة بغداد عام 1954 وزاوج بين العمل الصحفي وممارسة المحاماة ، تطرق إلى التاريخ الخاص بالعراق وبريطانيا من خلال رسالة الماجستير من جامعة لندن (كنجز كولج) والتي بعنوان الرقابة البرلمانية على الحكم في العراق وبريطانيا – دراسة مقارنة في القانون الدستوري في عام 1962 اصدر جريدة بغداد نيوز وأصبح رئيس تحرير صحيفة بغداد اوبزيرفر عام 1967 ، تحدث الفنان القدير (طه سالم) عن مذكراته مع الصحفي المبدع خالص عزمي وقال : كان اللقاء الأول في المتوسطة الغربية عام 1946 وكنت بالصف الأول وخالص عزمي في الصف الثالث،علاقتنا سطحية ، كان يرتدي ملابس فاخرة مما يدل على كونه من ذوي الأغنياء يتمتع خالص بحس فكاهي وكان آنذاك مراسلا لإحدى الصحف ... في احد الأيام التقيت المرحوم الأستاذ المبدع (إبراهيم جلال) ، واصل الفنان طه سالم بالحديث وقال : قال لي إبراهيم جلال الفنان خالص عزمي يطلبك لأمر ما ، في بداية عام 1965 التقيت بخالص عزمي فاخبرني بأنه يروم العمل في برنامج تلفزيوني طويل وقته ما يقارب الساعة والنصف يتناول سيرة إحدى الشخصيات العراقية المؤثرة على الساحة العراقية آنذاك انه الصحفي المرحوم (إبراهيم صالح شكر) ، إذ يقوم خالص عزمي بالإعداد والتقديم وأقوم أنا بالتمثيل بإدارة المخرج (عمو زكي) والبرنامج عبارة عن مقابلة أو لقاء بين الصحفي والشخصية ، تم دراسة أبعاد الشخصية الدرامية (الطبيعي-الاجتماعي-النفسي) ، كتب خالص عزمي البرنامج وكان بحدود 30 صفحة وكلها اسماء أعلام لشخصيات وزراء وأرقام لتواريخ معينة وأحداث وتم إجازة هذا البرنامج للتلفزيون وكان آنذاك يسجل بفيديو بدائي لا يحوي مونتاج الكتروني فإذا توقف الممثل في إحدى الكلمات يعاد البرنامج إلى البداية وقد نال البرنامج إعجاب الشرائح المختلفة للجمهور لما تضمنه من حقائق وأداء مؤثر حتى إن عائلة صالح شكر جاءتني وعلامات الحزن بادية على وجوه الجميع لأنهم تأثروا بأدائي للشخصية وأحس الجميع باني والدهم . واسترسل الفنان طه سالم بالقول اتفقنا أنا وخالص عزمي على شخصية أخرى هي الشاعر الشعبي (ملة عبود الكرخي) واستمر البحث والتنقيب عن الآثار الفكرية والشعبية والجذور الأصلية لهذا الشاعر الساخر الذي استخدم مفردات شعبية محيرة بالإضافة إلى استخدامه اللهجة الخاصة بجانب الكرخ والتي تختلف بعض الشيء عن لهجة الرصافة فضلا عن صعوبة الحركات التي كان يقوم بها الكرخي وأديت الشخصية بنجاح باهر ومنقطع النظير. تم تناول علاقة خالص بالفنان (طه سالم ) لما لها من أهمية في التعرف على خالص عزمي بدقة وحتى يتمكن الباحثون في مجال (خالص عزمي) من معرفة طبيعة الظروف السياسية في تلك الفترة بدقة . استمر حديث الفنان (طه سالم ) ثالث شخصية اشتركت مع (خالص عزمي) في تقديمها للتلفزيون هي شخصية (احمد عزت الاعظمي) وهي شخصية ذات ميول اجتماعية وسياسية وفكرية . بدا الفنان (طه سالم ) كأنه منقبا في التاريخ الخاص بالعراق عندما أعقب قائلا : الشخصية الرابعة التي تم الاتفاق على تقديمها للتلفزيون هي (احمد فهمي المدرس) المعروفة بالعلم والمعرفة والأدب والأخير هو أستاذ كلية المعلمين في بغداد . أما الزهاوي فقدمه المرحوم (يعقوب القره غولي) بعد أن رشحته أنا لكونه من الفنانين الجيدين وهو قريب الشكل إلى شكل وهيئة الزهاوي . واصل الفنان (طه سالم) بسرد تجاربه مع (خالص عزمي) بالقول كتبت مسرحية (طنطل) وقدمتها إلى وزارة الإنشاد لغرض الحصول على الإجازة ، وكان الوزير (مالك دوهان الحسن) والرقيب رفضا الإجازة المسرحية وقال الأخير عنها إنها اخطر ما يكون إلى الدولة والى رئيس الجمهورية (عبد الرحمن عارف) لان اسم طنطل يعني دربونة أبو الطنطل التي تحوي بيت عبد الرحمن عارف وعبد السلام عارف والفنان طه سالم يعنيهما في هذه المسرحية وذهبت إلى صديقي (خالص عزمي) والذي كان يشغل منصب مدير عام وزارة الإرشاد وعرضت عليه الأمر واخذ النص بيده وذكر بأنه قرأ سابقا المسرحية وحازت على إعجابه بما طرحته من فكر يسابق العصر آنذاك فذهب بالنص إلى الوزير وتحاور معه وأقنعه بان هذا النص لا يمت بصلة إلى بيت عارف ولا الطنطل الذي يحكى عنه وإنما الطنطل هنا كرمز أسطوري ليس إلا فأجاز النص على مسؤوليته وعرض النص على المسرح القومي القديم في كرادة مريم فاحدث تأثيرا كبيرا في الوسط الثقافي والفني المسرحي وكتب عنه العديد من النقاد منهم (حميد رشيد) وصحيفة الأوبزيرفر الانكليزية التي تناولته تحت عنوان قائد التجديد الدرامي في العراق الفنان طه سالم وكتب عنها كذلك (جبران خليل جبران) تحت عنوان أشكال مسرحية جديدة عن مضامين جريئة كما كتب عنها كذلك الأستاذ يوسف العاني . انتهى حديث الفنان طه سالم
من كل ما تقدم تمخضت النقاط الآتية :-
1- هناك سوء فهم من بعض رموز السلطة آنذاك لأهداف الفنان المسرحي النبيلة.
2- خالص عزمي فنان واعي ومدرك لمتطلبات وآلام وحاجات مجتمعه لذلك فهو يتقبل وجهات نظر الفنانين الآخرين.
3- كان الفنانون الأوائل بمثابة الباحثين الحقيقيين عن الحقيقة لان ديدنهم الصدق بالهدف ورغم عدم وجود الانترنت وغيره من الوسائل المعاصرة المتوفرة للفنانين والباحثين في الوقت الحاضر والذين معظمهم يعتمد على الانترنت والوسائل السهلة بالبحث والتنقيب، رغم عدم توافر كل ذلك عند الفنانين الأوائل لذا كانت نتاجا تهم الأدبية والفنية والنقدية بمستوى متقدم حينذاك لأنهم لم يعتمدوا فقط على القراءة من المصادر بل اعتمدوا كذلك على تجاربهم العملية بجدية واندفاع مما أدى إلى ظهور نتاجات فنية وأدبية ونقدية جيدة في ذلك الوقت .
4- الفنان الحقيقي هو المعبر عن آلام وهموم وتطلعات شعبه وأمته في كل زمان ومكان.
5- رغم عدم اهتمام الحكومات السابقة التي حكمت العراق كحكومة عبد السلام عارف بالفن والبرامج التلفزيونية آنذاك والتقنية البدائية المستخدمة في تصوير ومونتاج البرامج التلفزيونية فقد كان لتلك البرامج صدا كبير بين الأوساط الشعبية والمثقفة لان الإخلاص في العمل هو المهيمن الرئيسي في هكذا أعمال .
* المكان بيت الفنان طه سالم . الزمان 1/8/2011 في الساعة الحادية عشرة والربع صباحا.
السبت، 3 سبتمبر 2011
قصة قصيرة-قصة إمبراطور:عادل كامل
قصة قصيرة
قصة إمبراطور
عادل كامل
لم تعلن ، ولن يطلع عليها أحد ، تلك القرارات التي كان يصدرها ، فتنفذ قبل ان يأمر بها .. فقد كان أتباعه يدركون بالحدس الإمبراطوري أفكاره .. فخلال حكمه الذي دام ألف عام ، أصدر مالا يحصى من القرارات الهامة ، جميعها اعتبرت من أسرار الشعب . وفي الواقع كان البشر ينفذون الأوامر باعتبارها جزءاً من الحياة . لكن بعض الدول والممالك والجمهوريات المجاورة كانت تبحث عن الفضائح الداخلية .. وكانت تستقيها بطرق غامضة ، فليس ثمة آي شخص كان قد تعاون مع الأجنبي .. أو سرب شيئاً من الأوامر الخاصة ، لقد أعلن للسكان ، عند تسلمه الحكم ، ان القدر اختاره .. فصفق الشعب له سنوات وسنوات .. وكان كل جيل جديد يولد يصفق له ويؤمن بهذا القدر .. لقد صفق له الشعب لدرجة ان العالم كله سمع الصوت المدوي الهادر كأنه آت من الفضاء البعيد .. ولم يكن بمقدور أحد إفساد ذلك الاحتفال .. ألا ان الإمبراطور ، بنفسه طلب من الشعب الركون الى السكينة والهدوء .. فهدأ الشعب ، وأنصرف الى أعماله اليومية .
وعشية الأيام التي تلت الاضطرابات النفسية التي حصلت في الغابات ، أصدر آمره بذبح حاشيته كلها .. ولم تحدث ضجة في آي مكان من أرجاء المعمورة . فقد ذبح ، بهدوء ، ليلة عيد ميلاده ، ستة آلاف جارية وألف غلام . وهم في الواقع كانوا يتمتعون بحس وجمال .. ولم يعترض الوزراء أو كبار قادته على ذلك القرار .. فقد صنع لهم مجزرة عابرة بدل فيها جميع أتباعه بشخصيات جديدة .
لم تكن ثمة مؤامرات أو محاولة للإطاحة به . كان الشعب كله يؤمن أنه سيبقى الى الأبد . لذلك صارت وليمة الوزراء وكبار القادة عيداً وطنياً .. وكان الشعب بأسره قد خرج الى الشوارع يصفق بغبطة لكل وزير يذبح وتقطع أجزاء جسده الى قطع لا مرئية .
تلك الليلة ، والأيام التالية ، شهدت أكثر الاحتفالات شهرة ، فقد دعا الشعب الى وليمة الوزراء . وكان الناس يتحدثون عن نكهة الطعام النادر .
ففي خطابه عشية المذبحة ، وبعد ان تم إخماد الاضطرابات التي حدثت في الغابات ، تحدث عن لذائذ الطعام الإمبراطوري .
على أنه بعد أسبوع أصدر أمره بتعيين عشرة آلاف جارية .. وثلاثة آلاف غلام .. وأمر النساء بالإنجاب لتجديد نسل الإمبراطورية ..
ولم يذكر التاريخ ولا كتب المؤرخين وليمة الوزراء ألا باعتبارها ليلة وطنية . أما ذبح الجواري والغلمان وكبار القادة فلم يشر أليها آي مؤرخ ولم ترد في آي كتاب .
وفي الواقع لم تكن ثمة كتب ، عدا التي تصدر على نحو شخصي وسري . فقد أعلن الإمبراطور للناس ان السعادة هدف الحياة ولهذا السبب أحرق الشعب جميع الكتب ، عدا خطاباته وكتبه وقصة ميلاده .
وذات مرة تساءل / ما هي السعادة ؟ فلم يجب أي إنسان عن سؤاله .. فضحك .. وأعترف لنفسه بأنه أضاع سعادته .. وأنه سيكتشفها في ذات يوم .. صفق الشعب .. صفق فترة طويلة من الزمن .
ألا ان وليمة الوزراء أثارت انتباه بعض الأجانب ، وقليلاً من الضجة ، التي خمدت عشية ذبح الجواري والغلمان ، عندما غادر جلالته قصره صباحاً وراح يتجول في شوارع المدينة ، لقد حول المذبحة لصالحه .. فصفق الشعب له طويلاً .. ولم يعد الأجانب والصحافة الخارجية ووسائل الأعلام جميعاً تتحدث عن المجزرتين .. فقد أعترف سيادته في خطاب له ، وهو في متنزه عام ، ان بتر العضو العاطل الفاسد ، من الشؤون الداخلية .
وحول ذلك اليوم الى عرس وطني .. فأطلق سراح السجناء ، ووزع الهدايا على الجميع . وقال ان القدر الذي اختاره ، يجعله أكثر بسالة في حسم الأمور .. وأمر ، في توجيهاته يومئذ ، ان تزال جميع الرسوم والجداريات والتماثيل التي أقيمت له . فالإمبراطور في الذاكرة . وقال :
- سنشّيد أعظم دولة حديثة . وسخر من الأعداء بشدة . قائلاً ، أنه سيشن الحرب دفاعاً عن المثل العليا .
وفي مساء ذلك اليوم ، بعد جولته الحرة التفقدية ، عاد الى القصر ، وأجتمع بالقيادات العليا للدولة ، وأستمر الاجتماع ثلاثة أيام متتالية .
فخطط للحرب وشرح الأسباب وعوامل النصر . وتحدث عن النبات الجديد المدهش الذي ينمو في الهواء . وعن استخراج المعادن من الماء . وعن رؤية المستقبل بأجهزة جديدة . فصفق الشعب له حتى كادت السماء ان تتصدع ، على حد تعبير وزير الكلام .. وقال أنه سيحل مشكلة المجاعة في العالم كله حتى نهاية الوجود البشري .
وفي ذلك الاجتماع قال ان الشعب أطلق عليه ألف لقب وصفة . وأنه الآن ، بعد تطهير العقول من الخرافات ، وبعد إزالة الصور والأوثان والأساطير ، لا يريد ألا لقباً جديداً وبسيطاً . فأنا هو الجندي الذي أختاره القدر للإنقاذ . لكن الشعب أختار له ألف لقب آخر .. وضجت الناس .. وصفقت له .. فقال أنه الإمبراطور الذي اختاره القدر .. إذاً .. ان حكم الأرض لا يمثل شيئاً .. وقال يخاطب نفسه : أنه سيتقدم نحو الأبعاد الخفية في السماء . وعملياً كانت الأمة تتذكر كيف قاد بنفسه حرب الكواكب التي دامت أكثر من نصف قرن ، وكيف أنقذ البشرية من الفناء الأكيد . كانت تلك الحرب الطاحنة بمثابة الدرس الأول للشعب . ذلك لأنه ، بنفسه ، قادها وكان مثال المقاتل ، على حد تعبير الشعب ، وقال بصوت أرعب الأعداء ، أنه لن يموت ألا بعد تحرير الإنسان من فزعه الروحي .. فالإنسان الذي جاء من العدم لن يذهب الى العدم .. أنه الكائن الوحيد الذي اختاره الرب للخلود . لا جنة ولا نار ، الإنسان هو الرب . فصفق الشعب طويلاً .. وقال ، بعد مجزرة عابرة أخرى ، راح ضحيتها قادة الأشجار والمعادن والطاقة ، ان تطهير الذات يبدأ بالذات . فصفق الشعب ، صّفق وكأنه سيصفق الى البد .
وأمر في ختام الاجتماع ان تقام ولائم جديدة . فلم يتحدث آي وزير .. فقد كان الجميع يدركون أنهم ، في لحظة ما ، سيتحولون الى وليمة .
وفي تلك الليلة قالت زوجته له : أنك لرغباتي ذبحت ثلاثة آلاف جارية وألف غلام .. ونصف الوزراء .. فمتى تشن الحرب ؟ قال لها ، وكان يحدثها بالهاتف :
- ستبدأ الحرب .
فقالت زوجته له :
- الشعب يصغي إليك منذ ثلاثة أيام .. ألا يكفي ذلك ؟!
غادر القصر لفترة وجيزة ، ثم عاد .. ولا أحد يعرف كيف ذبح الإمبراطور جلالة الإمبراطورة ، إنما أعترف لقادته أنها كانت تتعاون مع الأعداء ، أنها ليست السيدة الأولى في العالم .
- ذهب زمنها .
وبعد دقائق عاد الى تأملاته ، وبدأ يحدق في وجوه قادته . ثم أمر بإقامة نصب للمرأة ، قائلاً : أنها تأتينا بالمحاربين . فالأرض ، أرضنا ، مثل العالم .. كلاهما ..
وسكت لدقيقة .. ليقول :
- مهددان بالفناء ! من غير المرأة العالم كله يتحول الى خراب ..
فصفقت له النساء .. في أرجاء العام كله . وصفقن له لسنوات وعقود .. فهو الأب الحنون والأخ الكبير لكل أنثى ولدت أو ستلد في الزمن القادم .. حتى ان الراحلة أشارت في حديث سري ان عملية ذبح ثلاثة آلاف جارية لم تكن سوى هفوة .. وان على نساء الأمة معالجة الأمر بالإنجاب ، أشعار الذي قصده الإمبراطور والذي أشرف على تطبيقه وزير النسل والأعضاء الداخلية .. فالإمبراطور كان يخطط لتأديب الجيران وحماية أسوار الإمبراطورية .. وهذا ما أعلنه في خطابه للأمة وحدد فيه أدق التفاصيل . فالجيران الأعداء لا يمكن إهمال حركاتهم .. وبالفعل جند الأمة كلها ، وبدأت حرب المائة عام . وأشتد أوارها . فقاتلت الأمة قتال الأجداد القدامى .. وكانت الحرب تبتلع الأجيال .. وكاد الزمن يتوقف لولا ان الحرب نفسها قد استنفدت أسبابها ، فعادت الأشياء القديمة الى وضعها السابق . وفي يوم وقف النزف الدموي كانت الأمة تتكون من النساء والأطفال والإمبراطور وكبار قادته .. وكانت قصة ذبح الجواري والغلمان ووليمة الوزراء قد مضى عليها الزمن ولم يعد يتذكرها أحد . بل لم يعد يصدقها أحد . فبعد النصر انشغلت نساء الأمة بمهام البناء وإنجاز المراحل التي كان يخطط لها سيادته . ان نصف مليار امرأة ناضجة معدات للإخصاب يمكنهن إعادة المسيرة على نحو أفضل . كذلك قال في خطاب النصر ان وزارة النسل والأعضاء الداخلية ستوّزع مستلزمات الإنجاب .. وبالفعل لم تعد هناك امرأة غير مخصبة .. وعلى مدى سنوات قليلة عادت نسبة الرجال الى وضعها المطلوب .. ونسى الناس الحرب والمجازر الخفية .. ولم يتطرق الشعب الى الأسرى .. بل تجاهلهم .. لأن آلاف الأسرى توزعوا على القارات .. بل قيل ان المحاربين كانوا يذهبون متطوعين الى الحرب للفرار من جحيمهم الخاص . وفي الواقع ليس ثمة حقيقة في هذا كله . فالمعارك كانت أكثر من طاحنة . ثمة فرقة مكونة من مليون مقاتل أعلن عن فقدانها التام في معركة واحدة لم تطلق فيها رصاصة . وهناك فرق أخرى وجحافل اختفت من الوجود للأسباب ذاتها .
كان جلالة الإمبراطور يعرف ذلك . وفي خطاب النصر أعترف ان الدماء التي نزفت على مدى مائة عام تكفي لإغراق العالم .. ألا ان القدر شاء ذلك .. ولم يبح لأحد أنه كان لا يعرف ماذا يريد .. إنما قال أنه كان يحلم .. وقال أنه مازال يحلم ان يكون ، في يوم ما ، جندياً في الجيش . ويعود يعيش بلا فرقة من الحرس تحيطه وتحرسه من الجهات كلها .. يعود يلعب بالطين ويجلس في المقهى .. ويتنفس بعيداً عن أوامر أساتذة الهواء .. كان يود لو مات في أول معركة بدل ان يشهد عام النصر .. فقد كانت آثار الحرب بادية على محياه .. وفي الواقع كان يعاني من الأزمة قبل ان يولد .. فأجداد الإمبراطور ، جميعاً ، بلا استثناء ، صنعهم القدر ودمرهم أيضاً . وهذا هو كلام جلالته في خطاب النصر .. وقال ان الحياة ستعود الى مجراها الواقعي ، على الرغم من أنه يكن لها الاحتقار الأزلي :
- فأنا أحلم بالسعادة الأبدية لجميع أتباعي .. أننا لم نحقق أحلامنا ، و أسفاه .. إنما الزمن القادم سيكون لصالح الأحفاد والإمبراطورية ..
وأعترف للسيدة زوجته الجديدة أنه يشعر بحزن غامض وبلا جدوى الأشياء .. فقالت له ، وكانت شبه غافية والمطر يسقط بشدة ، هو ذا جزء من قدرك ..
وفي تلك الليلة ذبح الإمبراطور جميع الجواري والغلمان والوزراء وكبار القادة .. عدا كاتبه المكلف بتدوين سيرة حياته . آي أن هذا الشخص الذي يروي لكم ، تحت تأثير الرعب والفزع والخوف والموت كل كلمة كتبتها في هذه القصة .. فقد شاهدت الإمبراطور بنفسه يضع جلالة الإمبراطورة في قدر يغلي .. ثم بعد ساعة ، بال في القدر ، وبعدها ، صنع له خدمه الطعام من ذلك القدر .
سألني مرة : أتعرف بماذا أحلم ؟
قلت : جلالة الإمبراطور هو الذي يقول ذلك ..
قال : لا .. أنا أريد ان العب بالطين .. أريد ان أتنزه في الشوارع .. أهرول . أبكي .. أرقص .. أحب .
في تلك الليلة ، كان الابن ، الإمبراطور الابن ، قد خلع الأب من مناصبه كلها . وكاد الأب يموت ، لكن زوجته أنقذته :
- غادر هذا المكان .. غادر ..
في تلك الليلة ، في الحديقة السرية للقصر ـ تحدث الإمبراطور المخلوع ، بعد خطاب النصر ، الى جواريه ، بالصمت . ثم توغل بعيداً عنهن ، بعد ان أعترف لهن بأن القدر هو القدر . فضحكت واحدة منهن قائلة : أهو القدر أم القدر ؟ متشفية بالإمبراطورة التي سلُقت . فقال القدر هو القدر وهذا يكفي . وكّن يضحكن .. وهن يرتجفن رعباً ..
ألا أنه غادرهن . لم يكن يشعر ألا بالضجر البشري ، ولم يكن بحاجة الى لذة أو متعة ، لقد ارتوى .. كذلك قال لنفسه وهو يزور مقبرة الأجداد . أجل . وبكى لحظة ، ثم آفاق وهو يخاطب والده الراقد في قبور الخالدين :
- أنا قدت القدر على مدى ألف عام !
وقال لجده :
- أنها مقبرة كبيرة .. كبيرة جداً .. وأنا الآن لا أريد ان أعيش ولا أريد ان أموت .. لقد علمت الناس المسرة والحب .. لكني لم اعرف قط المسرة ولا الحب .. أيها الجد المقدس أني دافعت عن البلاد .. وصنعت النصر .. وقاتلت .. وجعلت البلاد تعود بعد هذه الحرب الطويلة ، الى واقعها :
ورفع صوته :
- أيها الموتى سأكون الى جانبكم ..
صرخ أحدهم :
- ماذا تقول ؟
قال الإمبراطور المخلوع : من أنت وماذا تريد ؟
فقال أنه صاحب الموسوعة الإمبراطورية ، وأنه كتب كل الأشياء الخاصة بالعائلة والقصر والدولة .
- ولكن لماذا أنت هنا في هذه المقبرة ؟
- كنت أتحدث الى الموتى ..
قال الإمبراطور :
- وماذا كانت النتيجة ؟
قال الكاتب : الموتى لا يتكلمون ..
ولم يسمح الإمبراطور له بالكلام .. بل سأله : وكيف نجوت من الموت ؟
فقال الأخر بهدوء : لم أغادر قصرك !
- والآن ماذا تفعل هنا ؟
- أنا في القصر يا جلالة الإمبراطور .. !
- هنا ؟
- أجل !
كانت المقبرة تمتد بعيداً في الأفق .. والريح تهب باردة . فسأل الإمبراطور كاتب القصر :
- والآن ماذا بإمكاننا ان نفعل ؟
- أنه الفصل الأخير يا سيدي ..
فضحك الإمبراطور .. وهرول .. وتوقف .. وطلب من كاتبه سيكاراً .
- آه .. لأول مرة أكتشف أني أنا الإمبراطور الحقيقي ..
- الإمبراطور بلا إمبراطورية !
- أجل أيها الكاتب .. أني الآن سيد نفسي ..
وطلب من الكاتب زجاجة خمر .. ثم طلب منه أن يجلس تحت ظل شجرة .. كان يتحدث بطلاقة .. ولم يكن يخطب .. بل كان يتكلم بهدوء :
- هذا آخر يوم لي .. إذاً .. آي أني أعيش آخر مسراتي .. وأشار الى الأفق :
- أنظر الى الموتى السعداء .. أني سأكون أحدهم .. إذاً .. وتابع :
- لقد قدت البلاد ألف عام .. وسأكون ، أخيراً ، جثة هامدة .. نفاية .. والآن أرجوك لا تدوّن ..
وقال ساخراً :
- أنك ستبدأ بكتابة قصة الإمبراطور الجديد .. أجل .. أن الكتب مثل المقابر .. والكاتب حفار قبور .. ها .. أليس كذلك أيها الولد الشاطر .. ؟
وضحك . كان يشرب بسرعة ، وبنشوة :
- ما الذي سيبقى من أفعالنا كلها .. كلمات .. كلمات .. أي هراء هو ذا ... ورفع صوته :
- كان عليّ ان أترك الإمبراطورية منذ خمسمائة عام وأعيش حياتي كإنسان آخر .. يا للروعة ان يعيش الإنسان في الهواء الطلق .. يتنفس .. ويتجول بحرية في أي مكان يشاء ..
وحلمت . فقال كاتبه له بهدوء :
- أنها الحتمية يا سيدي ..
- أعرف .. مثلما اخترت الحياة لا بد ان أقتنع بالنهاية .. أني سأذهب الى القبر الذي أشرفت على تأسيسه .. الى جانب أجدادي وآبائي ..
وصرخ فجأة :
- لن أرقد الى جانب هؤلاء الأوغاد .. !
- أين ستذهب .. يا سيدي .. ؟
- الى النهر ..
- غريب ..
- كلا .. فأنا لا أريد ان يكون هناك قبراً لي .. لا أريد الاستماع الى كلمات السكان .. أريد – صدقني – الهدوء الأبدي .. من الصمت الى الصمت .. لا أريد ان أترك أثراً ..
- ولمن يكون هذا الصرح الشامخ سيدي ..
- للحاكم الجديد ..
وضحك ، متابعاً كلماته الأولى :
- في الواقع لا أريد ان أعود الى أي شيء .. لقد ضجرت .. وكان هذا هو قدري .
وسأل كاتبه :
- قل لي ، برب هذه البلاد ، أكنت أستطيع ان اذبح ولي العهد أم لم أكن اقدر ..
- كنت تقدر .. يا سيدي . كنت تقدر ..
- ولم أفعل ذلك .. لأني كنت أومن بالمسيرة .. ألا أني الآن لا أريد ان أرقد تحت التراب .. أريد ان أرقد في المجهول .. في الماء وفي الهواء ..
وصمت طويلاً ، ليقول لكاتبه :
- لدي أمنية واحدة الآن ..
- قل يا سيدي .. قل .. أني أصغي لك ..
- أريدك أن تحرق خطاباتي .. والكتب التي صدرت عني وحولي ..
فقال كاتبه بهدوء :
- لقد نفذ وصيتك جلالة الإمبراطور الجديد ..
- حسناً فعل ! ها .. ليكتب سيرته الآن .. وبعد ذلك .. ليحرقها أيضاً .. أنها الدورات .. ألم أقل لك أيها الكاتب أنها محض حكايات وبلا معنى في الأخير ..
- نعم .. يا سيدي .. وهذا هو معناها ..
- ألم أقل لك أنها حكايات بدأت بالصمت .. ولا بد أن تنتهي بالصمت أيضاً ..
- نعم .. يا سيدي .. بدأت بالصمت .. وستنتهي بالصمت ..
- لا تنسى ان تقول : أيضاً ..
- لا .. يا سيدي .. سأقول : أيضاً !
( شرود مع جواد )عايدة الربيعي)
( شرود مع جواد )
(لقد تمثل جواد سليم بغداد بعد أن هضم سحرها) *
(عايدة الربيعي)
هاهيَ ارضي ،
تفتر شني كتاباً، ليطالعني الزمن كفرحةٍ معطلة
لا مرسى لي ...
أضيعُ بعض الشئ !
أموتُ كبائعةٍ للحزن
في فكر السير المشغول بالمارة
في الأصيل تغفو الشمس ،تغمض عينيها،
(تغرق في عين حمئةٍ
تطلع على قوم لم يجعل الله لهم من دونها ستراً )
تختبئ هناك حيث لا أحب أن أكون ؟
تنسحب بسكينة
يتمطى وشاحها لينشر بفرشاته ألوانا برتقالية الحس..
مساء هامس، بغدادي المعنى
يتلو ترانيمه على مسامعي التي كادت تصاب بالصمم لحين من الدهر.
انه الاختلال
( معان ) تطرق الذاكرة طرقا يسيرا ينكفئ على الأبواب ،
يعتصم.
فأتذكر
امضي في فسحة زمنية يتحدد أوانها ، ولوجي في متاهة شاردة
أتسلق بذلك الشرود اليانع
اقبع في ركن أواصل النظر..
سادرة من نافذة سكون ألذات
ذلك السكون الراشد الذي يؤول بي إلى طفولة هامسة
صور..
صور لطيفة أتذكر
فأتذكر( نصب الحرية ) اغرق في خيال سابق
أشجار ونخلات ذهبية ب(برحها) الكثيف
تستظل تحت أرجاءها بركة ماء
وحوض تسبح فوقه، متراقصة إوزات تعزف بصمت أوبرا الاحتفال بشخوص( جواد سليم )، تلك الأجنحة كرفيف أهداب فتاة خجلة.
آهٍ.. ( ياموزارت ) كم هو جميل أن تجتمع موسيقاك ببجعات ( سليم) ،وفي ذاكرة ترنو إلى زمن قصي ؟ تحتضنني الذاكرة في ( حديقة الأمة )،تحديداً تحت ( نصب الحرية)
طفلة تجهل تلك الطلاسم والرموز
يتعسر حلها حينها أو فك رموزها ؟كل ما تمثله آنذاك (إيحاءات مبهمة )
تزداد إبهاما كلما أطلت الرؤى نحوها، وصوب ذلك الصرح الغريب،
فأرجع لأطعم إوزات البركة، بفتات الخبز
ذلك هو المساء في بغدادي
حينها،وكما أتذكره اليوم، تختل فرحتها وتتجمد البركة فلا إوزات قربها !
البركة آسنة ،ونصب الحرية باق ٍ لم يسرقوه بعد، وكما خططوا له قبل حين
اختلال ...
اختلال
سيلوذ بالفرار حتما يوما ما ، ولم يخلد كما أنت يا (جواد) ؛
( فالاختلال لاصرح له، ولا إوزات تسبح بقربه )
في يوم ما، قريب كما قربي من الشمس الآن
ستحتضن أطفالي تلك الحديقة،
ولكن!
هذه المرة سأشرح لهم، ما الذي قاله ( جواد) حين ( استنطق الحجر )
وكيف اصرخه كل هذا الزمن!
أنا وأولادي وأحفادهم، ننحني لك يا( جواد)
بغداد، أوجعوك بسياطهم ؟
ويحهم، فأنت ( أم جواد)
يا بلد( جواد)
احك لي ،كل يوم أقصوصة الحرية
التي علمني إياها تحت نصب الحرية.
.........................
*المقصود (جواد سليم) النحاة العراقي.
*مقولة من صحيفة الأديب.
*(نصب الحرية) ،رائعة جواد سليم في بغداد ساحة ميدان الحرية
*(حديقة الأمة) حديقة وسط بغداد بجانب النصب
الأحد، 28 أغسطس 2011
لوحات واقعية رائعة من رسم الفنان ستيف ميلز-عن مجموعة حمورابي -رياض الهيتي
لوحات واقعية رائعة من رسم الفنان ستيف ميلز
انها اقرب الى الصور الفوتوغرافية ...!
هل تتخيل أن الصورة التي تراها في الأعلى عبارة عن لوحة
مرسومة بريشة فنان !! ؟
اسم الفنان ستيف ميلز وهو فنان أمريكي أتقن رسم لوحات
واقعية بتفاصيل مدهشة لدرجة أنها تبدو اقرب الى صور
فوتوغرافية منها الى رسومات !!
بدأ الفنان ميلز الرسم والتلوين منذ كان طفلاً وباع أول لوحة قام
برسمها حين كان عمره 11 عاماً ليصبح الرسم مصدر دخله
الرئيسي .
استفاد ميلز من الدخل الذي حققه لتغطية رسوم دراسته الجامعية
ليتخرج عام 1982، وليقوم بعمل أول معرض له بعدها بعام
ليحقق نجاحاً هائلاً ويبيع 33 من أصل 35 لوحة معروضة!
باع ميلز خلال العشرين عاماً التالية أكثر من 500 لوحة لدرجة
أنه أصبح له من المعجبين من يقفون بالطوابير لشراء وجمع
أعماله!!
تستغرق اللوحة الواحدة أكثر من 500 ساعة لتصل الى هذه
الدرجة من الواقعية، لذا لا يستطيع ميلز عمل أكثر من معرض
واحد كل عام، لكنه يضمن دائماً أن كل أعماله سوف تباع!
و هذه مجموعة منوعة من رسوماته الرائعة
الأربعاء، 24 أغسطس 2011
نازك الملائكة رائدة الحداثة في الشعر
نازك صادق الملائكة (بغداد 23 آب - أغسطس 1923- القاهرة 20 حزيران - يونيو 2007) شاعرة من العراق، ولدت في بغداد في بيئة ثقافية وتخرجت من دار المعلمين العالية عام 1944. دخلت معهد الفنون الجميلة وتخرجت من قسم الموسيقى عام 1949، وفي عام 1959 حصلت على شهادة ماجستير في الأدب المقارن من جامعة وسكنسن في أمريكا وعينت أستاذة في جامعة بغداد وجامعة البصرة ثم جامعة الكويت. عاشت في القاهرة منذ 1990 في عزلة اختيارية وتوفيت بها في 20 يونيو 2007 عن عمر يناهز 85 عامابسبب إصابتها بهبوط حاد في الدورة الدموية ودفنت في مقبرة خاصة للعائلة غرب القاهرة,
يعتقد الكثيرون أن نازك الملائكة هي أول من كتبت الشعر الحر في عام 1947 ويعتبر البعض قصيدتها المسماة الكوليرا من أوائل الشعر الحر في الأدب العربي. وقد بدات الملائكة في كتابة الشعر الحر في فترة زمنية مقاربة جدا للشاعر بدر شاكر السياب وزميلين لهما هما الشاعران شاذل طاقه وعبد الوهاب البياتي، وهؤلاء الأربعة سجلوا في اللوائح بوصفهم رواد الشعر الحديث في العراق.
ولدت نازك الملائكة في بغداد لأسرة مثقفة، وحيث كانت والدتها سلمى عبد الرزاق تنشر الشعر في المجلات والصحف العراقية باسم أدبي هو "أم نزار الملائكة" أما أبوها صادق الملائكة فترك مؤلفات أهمها موسوعة (دائرة معارف الناس) في عشرين مجلدا. وقد اختار والدها اسم نازك تيمنا بالثائرة السورية نازك العابد، التي قادت الثوار السورين في مواجهة جيش الاحتلال الفرنسي في العام الذي ولدت فيه الشاعرة. درست نازك الملائكة اللغة العربية وتخرجت عام 1944 م ثم انتقلت إلى دراسة الموسيقى ثم درست اللغات اللاتينية والإنجليزية والفرنسية في الولايات المتحدة الأمريكية. ثم انتقلت للتدريس في جامعة بغداد ثم جامعة البصرة ثم جامعة الكويت. وانتقلت للعيش في بيروت لمدة عام واحد ثم سافرت عام 1990 على خلفية حرب الخليج الثانية إلى القاهرة حيث توفيت, حصلت نازك على جائزة البابطين عام 1996.كما أقامت دار الأوبرا المصرية يوم 26 مايو/أيار 1999 احتفالا لتكريمها بمناسبة مرور نصف قرن على انطلاقة الشعر الحر في الوطن العربي والذي لم تحضره بسبب المرض وحضر عوضاً عنها زوجها الدكتور عبد الهادي محبوبة. ولها ابن واحد هو البراق عبد الهادي محبوبة. وتوفيت في صيف عام 2007م.
الملائكة أطلقه بعض الجيران على عائلة الشاعرة بسبب ما كان يسود البيت من هدوء ثم انتشر اللقب وشاع وحملته الأجيال التالية
مجموعات شعرية:أهم مجموعاتها الشعرية:
عاشقة الليل 1947,نشر في بغداد, وهو أول أعمالها التي تم نشرها.
شظايا الرماد 1949.
قرارة الموجة 1957.
شجرة القمر 1968.
ويغير ألوانه البحر 1970.
مأساة الحياة واغنية للإنسان 1977.
الصلاة والثورة 1978.
من مرثية للإنسانأيّ غبن أن يذبل الكائن الحيّ ويذوي شبابه الفينان
ثم يمضي به محّبوه جثما نا جفته الآمال والألحان
وينيمونه على الشوك والصخ ر وتحت التراب والأحجار
ويعودون تاركين بقايا ه لدنيا خفيّة الأسرار
هو والوحدة المريرة والظل مة في قبره المخيف الرهيب
تحت حكم الديدان والشوك والرم ل وأيدي الفناء والتعذيب
وهو من كان أمس يضحك جذلا ن ويشدو مع النسيم البليل
يجمع الزهر كلّ يوم ويلهو عند شط الغدير بين النخيل
ذلك الميت الذي حملوه جثّة لا تحسّ نحو القبور
كان قلبا بالأمس تملأه الرغ بة والشوق بين عطر الزهور
كان قلبا له طموح فماذا ترك الموت من طموح الحياة
يا لحزن المسكين لم تبق أحلا م سوى ظلمة البلى والممات
مؤلفاتها:ونازك الملائكة إلى جانب كونها شاعرة رائدة فإنها ناقدة متميزة، وقد صدر لها
قضايا الشعر الحديث ،عام 1962.
التجزيئية في المجتمع العربي ،عام 1974 وهي دراسة في علم الاجتماع.
سايكولوجية الشعر, عام 1992.
الصومعة والشرفة الحمراء.
كما صدر لها في القاهرة مجموعة قصصية عنوانها "الشمس التي وراء القمة" عام 1997.
وللشاعر العراقي فالح الحجية دراسة مستفيضة عنها في كتابه موجز الشعر العربي
الاثنين، 22 أغسطس 2011
في حوار حول أختام عراقية معاصرة -عادل كامل:
في حوار حول أختام عراقية معاصرة
عادل كامل:
الفن المتحرر أن تحفر في موتك كي تلخص لغز الإنسان
حاوره: محسن حسن
ريشة محلقة في فضاءات التكوين والتشكيل والحلم ، طالما استلهمت عوالمها الأثيرية من رموز الغائب والحاضر معاً ، واستنطقت معطيات الكون الواسع الفضفاض في تجوالها الحثيث المستمر ، بحثاً عن وجودها الخاص وحضورها الأكثر خصوصية .. تارة تعطيك لوناً مخلوطاً بأثر ،
فتحملك إلى ماض عريق تليد بأثريته وملامحه التاريخية ، وتارة أخرى تمنحك إشكالات تعبيرية وتكوينية مغرقة في التجريد والتخييل والوصف ، فتحملك إلى تساؤلات شتى ، وتثير فيك نوازع التحليل العميق والتأمل الدقيق لما عساه يوجد خلف تلك الإشكالات من دلالة ومعنى .. تلك هي ريشة الفنان التشكيلي العراقي عادل كامل ؛ حاضرة بحضوره ، مهمومة بهمومه وعالمه ومحنته الوجودية ، علاقة ثنائية فائقة الدلالة والعمق ، بين ريشة وفنان ، كلاهما وهب نفسه للحياة بكل أسرارها ومعطياتها المفرحة والمحزنة ، في مشوار طويل ملؤه البحث عن جماليات الحس والمعنى ، وتجليات الإنسانية السفلى والعليا ... في هذا الحوار مع الريشة والفنان تساؤلات مشروعة وإجابات أكثر شرعية ومشروعية .
بداية إلى أي فضاءات التشكيل حطت ريشة عادل كامل واستقرت؟ ـ " هو ذا السؤال الذي يجد ازدهاره في الأسئلة. لكنها ليست أسئلة خارج مداها في الإجابة. فأنا لا أعتقد أن هناك إجابات أو أسئلة أخيرة! هناك الامتداد، وهناك الانبثاقات التي يتجدد فيها لغز العمل؛ أي لغز الإنسان ذاته: كيف يعبر من ضفة إلى ضفة وليس أن يرتد أو أن يتصالح مع الخراب. أحيانا ً يغدو العالم أكثر أسوارا ً من أسوار كافكا، وجدرانه، وتشخيصاته للإنسان في عالم لا يدع له إلا أن يموت كلبا ً ـ أو ككلب، كما في خاتمة رواية القضية. لكن ما يتوارى في اللغز، أن للحياة غوايتها ـ وهي أنظمتها ـ تعمل على دحض حالة الاحتضار أو حتى الموت. فمن الأخير تخرج الحياة ذاتها، مثلما يسكن الموت في الحياة وفي مناطقها القصية. فعندما أستقر، فهذا يعني بمثابة الحرمان من المغامرة، والتوغل في المجهول، حتى لو كان جحيما ً، أو عودة إلى الأثير الكوني..". الوجود له أزماته واضطراباته في فضائك التشكيلي .. كيف تجسد وجودك داخل كل لوحة من لوحاتك...؟ ـ " لماذا نتذكر منعم فرات أو محمود صبري أو جواد سليم ..؟ نتذكرهم لأن الأعمال الفنية القليلة التي أنجزوها كانت بمثابة مواقف من الوجود: ضرب من الأنطولوجيا، لا عبر الكلمات، بل عبر النحت والرسم. أنا، هو الآخر، بدأت حياتي ضمن موجة نهاية الماركسية/ الوجودية، لكنني ـ بسبب المجتمع المعرفي المحدود في بلدي ـ لم أتحرر من قيود هذه الموجة إلا عندما أدركت أن الفن، لا ينجز إلا بعد تحرره من نموذجه السابق! لا أقصد أن يكون جديدا ً، كسلعة، أو حتى كعلامة، بل أقصد: أن تحفر في موتك كي تلخص لغز الإنسان في ديمومته. هذه ليست وجودية، وليست ماركسية، وليست منحازة إلى التصوف، أو إلى فلسفات عظيمة كالبوذية، أو الطاوية، أو لصالح التيار الاعتزالي.. بل أقصد أنني أنا هو من كان يبحث عن هذا الذي كنت أراه يغيب! إنها معالجة لقانون دفن البذرة ـ قتلها ـ كي تنبت. لكن هل الأمر يخص فلسفة فرد، أم جيل، أم عصر .. وأنت محاصر بالهواء، ومراقب، وليس باستطاعتك إلا أن تحتمي بمشفراتك، فأنت ـ خلال قرن ـ قد تقتل عندما تعلن انحيازك إلى ماني، أو إعجابك بزارا، أو بالمعري، أو بطرفة، أو بماركس، أو برامبو، أو بزرقاء اليمامة، أو بملا عبود الكرخي، أو بأي اسم له مكانته في عقلك، وفي اللاوعي المعرفي للناس، أو للنخبة. لقد دوّنت إشارات حول (أختامي) ألخصها لك: مادام الموت سابق على الوجود، فانا أعيش تجربة موتي، كوحدة معقدة لأبعاد زمنية في زمن الغياب الممتد ..فأي حضور هذا لوجودي المسبوق بغيابه؟ كيف أعثر على قناعة غير وهمية أسلكها وأنا محكوم بما لا يحصى من سلاسل الدورات ..؟ ألا ترى كم الدرب موحش، وليس لديك فيه، إلا القليل من الضوء، لكن هذا الضوء الذي جعلني أدرك أنني في كون خال ٍ من الحافات. وبمعنى أكثر دقة: إن نسبية اينشتاين، ليست إلا ذريعة للحياة، أما الإشكالية، فإنها مازالت خارج مدى الوعي ـ وبعيدا ً عن أدواتنا، مثل اللغة، التي تغدو قفلا ً، وليس مفتاحا ً"! أعمالك المرسومة لا تخلو دائما ً من شفرات متضادة، ومعطيات ملغزة، كيف تجتمع المتضادات لديك لتنتج شفرة..؟ ـ " متضادة، تقصد مختلفة، ومتنوعة، ومركبة، الأمر الذي يجعلها تبدو ملغزة. كلا! هي ليست ملغزة إلا في حدود سؤالنا: ما الإنسان ...؟ وأنت تعرف أن هناك تعريفات بعدد الأفراد ـ وبعدد الجماعات ـ وبعدد المدارس، والأيديولوجيات، والأقنعة، من الإجابات السحرية، مرورا ً بالمعتقدات، وصولا ً إلى ما بعد عصر الحداثة، والعولمة، وتفكيك الثوابت، وخلخلة البلدان..إلخ مما يجعل التجربة تبحث عن مناطق تبدو نائية. أنا شخصيا ً تركت بصري، خلال نصف القرن الماضي، وذهني، وأصابعي، يشتركون في بناء تجارب يجمعها خيط خفي ـ وتلك هي ملاحظة جميل حمودي كتبها عن تجربتي ـ ففي تجارب تسعينيات القرن الماضي ظهرت موروثات سحيقة، سومرية، وهي ملاحظة د. زهير صاحب، وفي أختامي الأخيرة ثمة أيقونات لزمن الصمت، وهي إشارة لعلي النجار، بمعنى ما حاولت أن أكون أكثر قربا ً إلى نفسي، فلا توجد تجربة أكثر وضوحا لدي من تتبعي نظام: الاندثار ـ الانبثاق. وهو القانون العام للموت والتجدد وقد وجد مشفراته عبر العلامات، من الجسد إلى الآثار إلى الطبيعة، كي تجاور انشغالي بما أنا عليه في بناء هذا الخطاب الفني ـ الجمالي. هل شفرت، بدافع إخفاء المعنى، أم أن الأخير، هو هو، يصعب تحديد معناه؟ الجسد ..هو شفرة، أم علامة، أم هيئة، أم تمثلا ً للثيمات، أو الرغبات أو الهواجس، أو هو نتيجة لوعة، وجور، وشقاء ..إلخ بل الأمر يخص الأجزاء الأكثر علاقة بالموضوعات: حيوانات/ بشر في أشكال اختزلت إلى بقع، ومجسمات، وإشارات، ومخلفات ..إلخ فالعملية ـ مع أنها تخص التعبير ـ إلا أنها تخص الفن وهو يسعى أن يقول كل ما لا يمكن قوله! لا أقصد النقد، أو الهدم تحديدا ً، بل بناء أشكال هندسية تعمل فيها الشفرات للحفاظ على بنية النص بصفته ديناميا ً. ولكن الصعوبة تكمن في أنني لا أستنسخ نفسي! من ناحية، كما لم أنسج أعمالي وفق جماليات البذخ: لم أقلد إسماعيل الشيخلي أو أقلد أصحاب اللوحة الواحدة! فالهوية هنا غائبة، أو سطحية، أو سياحة، لكن ماذا تقول عن أعمال لعشرات الرسامين لا علاقة لها بالرموز الشعبية، ولا بالأشكال التقليدية؟ مثلا ً: فائق حسين/ علي النجار/ هيثم حسن/ ستار كاووش/ مقبل جرجيس ..إلخ فضلا ً عن التيار الذي جاء بعد شاكر حسن، أي بعد تأثر الأخير بالفنان الإسباني تابيس، حيث لم نعد نميز تجربة لها هويتها بين خمسين تجربة، بل ولا نتعرف حتى على اسم الفنان إلا بشقاء! " الألوان لديك لها سحر الكلمات ... كيف تختار ألوانك ؟ ـ " اللون أقدم من الكلمة في الوجود، لأن تاريخ الكتابة ينحدر من الرسم: من العناصر التي كونت النص الفني أو الشبيه بالفن، ومن الختم القديم. أنا بدأت مع الألوان ـ وربما مع الأصوات ـ ولم تأت الكتابة إلا كمرحلة تجمعت فيها عناصرها الأولية، لكنها، في الأخير، ستؤدي أكثر من دور: الوظيفة/ التعبير/ وما سيشكل المجال الجمالي. في سؤالك ترد كلمة سحر، عمليا ً، في النصوص غير النقدية، ثمة حفر في ذاكرة مزدوجة: استعادة الصور، وإعادة تكوينها، كي تتحول إلى ذاكرة أخرى، كامتداد أو كدحض أو كمحاولة لا يمكن فصلها عن عالم يستكمل ماضيه. أنا أختار الألوان بحسب الموضوع، أحيانا ً يجري العكس: قليل من الظل له سحر حكايات عاشق، أو صدمة غياب، وأحيانا ً الخراب أو الرداءة تقودني للعثور على معادلها عبر الألوان. الخبرة تؤدي دورها في التنفيذ، والرؤية الجمالية، في الغالب، تعمل ضد العشوائية. فأنا أشم الألوان، مثلما للكلمات خزينها في ذاتها أو عبر التركيب، وأحيانا ً العكس: الرائحة تستدعي معالجة لونية محددة، مثلما يقيدني الموضوع بالأسلوب في المعالجة.." الطين/ الكرافيك/ الشعر ... مفردات احتلت مساحات متفاوتة من نشاط عادل كامل .. في أي من هذه المفردات تعانقت مع عالمك؟ ـ " مجتمعة كونت التجربة، في النص الفني وفي الحياة معا ً. فالطين اجتمعت فيه عناصر الكون، فضلا ً عن رمزيته، كأقدم مادة لخلق الإنسان، فهو يدخل في باقي الخامات، بنسب تحدد الوظائف، ورموزها. الطباعة، ترجعنا إلى الزمن السحيق، عندما بصم رجل المغارات بكفه أول علامة: طبعها فوق الجدار.. ثم، أدت أدوات الطباعة الفعل نفسه: ليس التكرار تماما ً، لكن النقش، أو محاولة الإمساك بما هو قيد الغياب. الشعر .. أي هذه الومضات الحاصلة في الطبيعة، وفي الكيان، فالشعر حالة دينامية، وديالكتيكية، تصوّر كل ما هو قيد الانبثاق، وكل ما هو في طريقه إلى الغياب. ربما هو أنت من يحدد ذلك.. فقد تكون الرواية، أو الأختام، أو النص المركب هو من منحني حرية أن لا أنظر من ثقب واحد!" . بين النقد والتشكيل .. أين يقف عادل كامل ؟ ـ " وهل يمكن عزل التشكيل عن جذره النقدي، عندما اشتغل أسلافي، قبل نصف مليون سنة أو أكثر، على رسم إشارات، وعلامات، وصنعوا خرزهم، وقلائدهم، وعندما اختاروا الصخرة التي كانت توضع فوق قلب الميت....؟ ألم يكن ذلك فعلا ً بدئيا ً للانشغال بالأسئلة؟ ـ: من نحن.. كيف تكّونا.. ولماذا نندثر ...عبر الولادة في الحزن، والموت فيه! أنا لم أختر لماذا إلا ومعها أدواتها، أي، كيف حدث أن تشكلت الحواس، من ثم الدماغ، كي يبزغ هذا الوعي، وهو يحفر في لغز حضوره العنيد؟" . استخلصنا من بعض كتابتك أنك ترى العلاقة بين الفن والنقد، علاقة مشبوهة لا تستند إلى الوضوح المعرفي الذي لا يقبل الدحض ... ما وجه الشبهة في هذه العلاقة؟ ـ " لا أعرف! لكنني لم أصبح ناقدا ً، ولم أشتغل في النقد! كل ما قمت به هو أن أؤدي دوري في توفير مادة للنقد.. لأن النقد هو حصيلة وجود عوامل أساسية كي يتكون، وليس محض انطباعات. وقد قمت بإعداد كتاب جمعت فيه النصوص التي كتبها رواد الفن، مع نصوص حوارية. لكن هناك فن، عند منعم فرات، وعند فاضل عباس، وعند رسول علوان، وعند محمد علي شاكر، وعند بهيجة الحكيم، وعند إسماعيل خياط ..إلخ فضلا ً عن إبداعات جواد سليم، ومحمود صبري، وفائق حسن، وعطا صبري، والدروب.. فالعلاقة ليست مشبوهة، لكنها محدودة، أو جاءت بحدود مشروع (التحديث) وليس تعبيرا ً عن الحداثة! " . في معرضك الأخير "أختام عراقية" تجردت ريشتك وطرحت أرديتها ..ترى هل هو نزوع إلى فلسفة الجسد...؟ ـ " الجسد، ليس مأوى تسكنه ما لا يحصى من الومضات والظلمات فحسب، بل هو المفتاح الذي يدور في القفل، أو في باب الوجود. من أنا خارج جسدي ..؟ قبر أم تمثال أم مجموعة عناصر ...؟ الجسد وحده يرمم علاقته بالوعي، فلا توجد ازدواجية بينهما، كما ذهب ديكارت. أنا هو جسدي، لكن جسدي هو علامة بين ما لا يحصى من العلامات: إنه يمرض، يتألم، يأن، يبتهج، يرقص ... وعندما يغيب التوازن، يحدث الخلل! " في تجارب "أختام عراقية معاصرة" التي عرضت بعضا ً منها في موقع (سومريون) وفي موقع (القصة العراقية) جمعت خبرتي، وسمحت لها أن تعمل، كما عمل أسلافي، في المغارات وفي الكهوف وفي الغابات، وكان للفنان علي النجار كلمة نشرها ووضع لها عنوان: أيقونات لزمن الصمت. جميل، لكن أي صمت هذا الذي تكتظ فيه أعلى الأصوات وأعلى الضجات: أصوات من غابوا، ومن هم قيد الغياب. في أختامي، كما في وعيي، لست منشطرا ً. لقد حاولت، ببساطة، ان أحدق في النور الذي سمح لي أن أعرف كم الظلمات بلا حافات. لكن هل للنور حافات...؟ في رأيك هل أنجبت غربة التشكيليين العراقيين كائنا ً جديدا ً على مستوى الفن ؟ ـ " الأساليب الفنية هي نتائج مزدوجة بين التصادم، والتكامل، بين التركيب والوحدة. وأعتقد أنك قصدت هل نجح الفنان (المخلوع/ المهاجر طوعا ً/ المنفي ..الخ) إضافة ما للتجربة في الوطن؟ قطعا ً كان اتساع المساحة التي عمل فيها الفنان مدخلا ً لإعادة قراءة ماضية، وتاريخه، كي تأتي النتائج أكثر صلة بهذا الاتساع، وبالتكيف أيضا ً. لكن الإشكالية ستبقى كامنة في القطيعة... فأنت لا تعرف ماذا يفعل الفنان العراقي في مئات المدن، الشرقية أو الأوروبية، إلا في حدود يصعب تتبع نتائجها. لقد فقدنا الكثير من المواهب، وعلى المؤسسات ان تؤدي دورها، هنا، في التعريف، والرعاية. لكنني اعتقد ان طبيعة القرن 21 ستذهب بعيدا ً في تفكيك الكيانات، وتركها تعمل للتعبير عن هذه القطيعة. على مدار سنوات الفن التشكيلي في العراق، وبين العراقيين، تُرى هل تحددت هوية العراق تشكيليا ً..؟ ـ " ما المقصود بالهوية، كي لا نغفل أن طبيعة عصرنا ليست مسالمة، أو آمنة. هل الهوية تعني خلاصة ما ينجزه الفنان، وضمنا ً أسلوبه، ومعالجاته التكنيكية، ضمن تيارات مازالت تمثل مرجعياتها من ناحية، ومغامرتها في (التدشين) من ناحية ثانية..؟ أستطيع القول: للسومري هوية مميزة وذات سمات يمكن معرفتها، كهوية الفنان الأكدي، أو البابلي، او الآشوري، أو فنون الحقب المنحطة ..إلخ لأن الهوية هي خلاصة ما لا يحصى من الروافد، وقد وجدت نظامها في التعبير. والقرن الماضي، منذ عثمان الأعرج، والمولوي، والرعيل الأول، وصولا ً إلى تجارب الفوتوشوب، والليزر، والخروج على تقاليد الأبعاد التقليدية، يمكن وضعها تحت مسار التجريب، وفي الغالب، لم تخل من العشوائية، وذات صلة بأسواق الفن، والمؤثرات الخارجية. جواد سليم وفائق حسن والرواد، بشكل عام، لم ينتجوا فنهم إلى الفقراء، بل ولا حتى للنخب،
بل كانوا وجدوا دعوة للحفاظ على مزاوجة بين مورثاتهم، والتيارات الأوروبية ـ وكان محمود صبري الوحيد الذي شخص هذه الظاهرة في خمسينيات القرن الماضي... واليوم، يصعب أن تجد صلات مشتركة بين فنان يعيش في السويد، عن آخر في كندا، وآخر في هولندة، أو في استراليا أو في عمان أو دمشق الحبيبة ..إلخ فالأساليب لا يمكن عزلها عن أيكولوجيا شاملة، وعن حضارة متنوعة المراجع، والمصادر، والمحركات، أي إنها نتيجة أفكار وبيئة وذاكرة ومحنة وتحديات تسهم ببلورة هوية الفنان. أما الهوية العامة ـ كالتي نراها في الفن الصيني أو في الواقعية الاشتراكية أو في الفنون الشعبية/ البوب / وفنون ما بعد الحداثة ...إلخ فأعتقد أنها ذات ارتباط بروح العصر، وليس نتيجة الجهود الفردية فحسب. فالحرية كلما اتسعت أصبحت الاختيارات أكثر صعوبة، الأمر الذي يجعل الهوية دينامية، تراها غائبة في الحضور، وحاضرة في غيابها"! ماذا عن أفكارك الجديدة لمعارض قادمة ؟ ـ " في الاحتلالات المتعاقبة على بغداد، مرت سنوات لا تجد فيها علامة دالة على المنصور، أو الرشيد، أو المأمون .. لا علامة للعقل، ولا علامة للإبداع، ولا علامة للحكمة، ولا للرجال! لكن الغريب أن هذا الجسد المحتضر، منذ ألف عام، لم يمت، وحياته ـ حياة بغداد ـ كباقي عواصم العالم، لم تعد تعمل بمعزل عن عالمنا، وأنظمته، وما ستؤول إليه خرافات الهيمنة، والعنف، والرداءة... فضلا ً عن عويل الضحايا عبر الأزمنة. ضمن هذا التصوّر، هل للكلمات أو المجسمات أو الألوان أن تمتلك مبررا ً للمحاورة ؟ لدي ّ ما يكفي لذلك ..هل من جدوى..؟ لا أعرف.. المهم أنني أموت وأصابعي لم تخذلني! "º
* تاتو/ ملحق جريدة المدى/ 15/8/2011 ص26 ـ27
الأربعاء، 17 أغسطس 2011
قصة قصيرة.دجنب-عادل كامل
قصة قصيرة
دجنب
عادل كامل
أصبح دجنب حديث الناس والصحافة .. فهو الكائن الجديد الذي أخترعه البروفسور س .. وأثار انتباه سكان الأرض . كان ذلك في عام 3140 .. وقصة اختراعه ليست معقدة لكنها تحمل طابع المصادفة فضلاً عن الجهد الشاق الذي بذله البروفسور على مدى نصف قرن من التجارب . لقد عانى س من الإحباط وكاد الفشل ان يقوده الى الانتحار لولا أيمانه بأن النتائج ستكون الى جانبه . وفي ليلة الاختراع كاد الرجل ان يفقد عقله .. وبالفعل أدخل المصح لشهر كامل ثم أفاق بعد ذلك بسلامة عقل على الرغم من أنه راح يؤكد بأن الطاقة البشرية لا حدود لها وبالإمكان إنقاذ العالم من التلوث ومن المجاعات ومن التدني الروحي . فهو نشر مائة كتاب في مختلف العلوم .. وهو صاحب أكثر من نظرية في هذا المجال . أنه الذي لفت الأنظار الى إمكانية تجدد الخلايا وعودة الإنسان ، مهما أمتد به العمر ، الى الفتوة ، مع الحفاظ على الخبرة . وهو القائل بأن الإنسان يستطيع ان يعيش في المستقبل مادام قد أمتلك أسرار الماضي . وهو القائل بأن كل خلية يمكن ان تتحول الى كائن يماثل أصلها . وأخيراً فأنه نجح بشطر خلايا أرنب وخلايا دجاجة ليصنع من وحدتهما المخلوق الذي أطلق عليه صديق له بدافع السخرية دجنب .
وكان أول ظهور لهذا المخلوق الذي ورث صفات اللامبالاة إزاء الموت في التلفزيون . وشاهد سكان الأرض – آنذاك – هذا الكائن المسالم الذي كان يبتسم ويتكلم ويرقص . فقد كان دجنب سريع البديهة .. حتى أنه قال بلغة بسيطة أنه كان يعلم بميلاده .. وأنه سينقذ سكان الأرض من المجاعة . كما قال البروفسور س ان دجنب فاتحة اختراعات أخرى . وأنه استطاع اكتشاف سر اندماج وتجدد الخلايا بعمليات كيماوية وروحية .
بعد ذلك أنشغل البروفسور س بشرح نظريته التي عرفها العالم كله . فدجنب يمتلك صفات لم تتوفر في أي حيوان منذ الطوفان . أنه سريع التكاثر .. فهو يلد ويبيض .. ثم أنه ليس بالذكر ولا بالأنثى .. ولا بالكبير ولا بالصغير .. كما أنه يستطيع ان يعيش في البيئات المختلفة .. فقد عاش في الصحراء مثلما عاش في المياه المتجمدة .. عاش في الهواء كالطيور وعاش في باطن الأرض .
وبعد أشهر ، وفي ليلة باردة ، شعر البروفسور س ان دجنب قد تخلى عنه . وكان ذلك الشعور قد دفعه الى العزلة ، فذهب الى قرية مجهولة وأخذ يعالج عذابه بالإدمان على كحول اخترعه من الهواء . كان هذا المشروب بحد ذاته معجزة . لكن البروفسور ، بدافع أحاسيسه الغريبة ، لم يفصح عنه . وهكذا أمضى عدة أشهر بعيداً عن الأضواء وعن الناس . كان يمضي جل وقته في تأمل حركة الريح .. والأشعة الآتية من الفضاءات البعيدة .. وكان يمضي الزمن الآخر بالتحدث الى مخلوقات تعيش في المستقبل . وكانت تسلية رائعة وجميلة تلك التي قضى فيها على مشاعره المحبطة .. فقد أدرك ان دجنب هو الذي أخترع نفسه ولم يكن له أي دور في الأمر .. وان العلم يتقدم بعيداً عن العلماء .
يومها ، وقد تجاوز المائة من العمر ، رغب بالموت . فشرب من نبيذ الهواء .. وظن أنه سيموت . لكن نبيذه أنقذه من تلك الحالة . فعاد يكتب قصائد عن احتكاك الذرات وخفايا ذاكرتها . قصائد كان يحرقها في الفجر .. ثم يعود إلى كتابة رواية تتحدث عن الهواء الذي هو أصل الأشياء . ويحرق كل ما يكتب .. ذلك لأن ما كان يكتبه كان يدوّن في ذاكرة دجنب .. هذا الكائن الذي أنقذ البشرية كلها من الموت جوعاً والذي أهمل أو تناسى مخترعه .
وفي ليلة يأس فيها البروفسور س من التطابق مع ذاته ، ومع العالم ، وجد نفسه قد تحول الى مخلوق لا صفة له . لحظتها شاهد من خلال التلفاز ، دجنب ، دجنب ذاته ، يتحدث الى سكان الأرض .. ويترجى البشرية ، البحث عن البروفسور س وإنقاذه من عزلته . فكاد لا يصدق .. لكنه تابع الإصغاء ، بذكاء متطور ، وهو يشرب خمر الهواء ، آخر كلمات دجنب .
ثم فجأة كان الأخير يجلس أمامه .. وجهاً لوجه .
- أنني لم أنس قط ، على مدى قرون ، أنك كنت معي ..
كذلك قال دجنب :
- أنني أعرفك جيداً يا أستاذي .. ألا أنني أشعر بالضجر القاتل ..
ثم قال حالاً ، وهو يحدق في عيني البروفسور :
- أنني لا أعرف لماذا صنعتني .. أنا شديد الذكاء .. وكثير العذاب .. وحزين ..
وصرخ :
- وأريد ان أموت !
لم يتوقع البروفسور الاستماع إلى هذه الكلمات ، كان دجنب يختلف عن المخلوق الذي صنعه .. بل ويختلف في الأشياء الأساسية .. فها هو يتحدث بخبرة البروفسور عن القلق الأزلي .. وعن اللذة المستحيلة .. وعن الموت الذي يفوق الأحلام . عن مخلوقات الغد التي ولدت في الماضي . وعن الماضي الذي رآه في الأزمنة كلها ، كان يرتجف ، مثل طفل .. وأدرك أنه لم يخترع ألا نفسه على هذه الصورة .
فقال دجنب :
- أذن ، فأنت تشبهني .. أيها البروفسور ؟
فنطق البروفسور بألم مكتوم :
- لا أحد يعرف .. المشكلة أني أريد التخلص منك ..
- مني أم من نفسك ؟
- معاً . أنها ليست لعبة .. لقد حاولت إنقاذ العالم ..
فضحك دجنب وقال :
- لقد كنت تسخر مني ومن العالم أذن ؟
- أبداً .. كنت أريد ان أخلص العالم من السخرية .. هذه هي فكرتي ..
وتابع بصوت هادئ :
- أنني كنت أريد إنقاذ نفسي من نفسي . فالشر هو الشر منذ البدء . يا دجنب .. وأقسم لك أني كدت أنسى أسمك وأسمي ، لكن العالم الذي يتحدث عنك وعني يجعلني ، وأنا تجاوزت المائة من العمر ، أثرثر .أجل ، صدقني ، كنت لا أريد ان اخترعك على هذا النحو .. الرائع .. بل كنت أريد ان أنسى نفسي ..
- وهذا ما فعلت ..
- أن يتحدث عني العالم ..
- العالم يتحدث عن أحفاد أحفادي .. عن الدجانب .. وهناك من وضع نظرية الدجنبية .. وأعتقد أنك ، يا سيدي ، لم تهرب ألا لهذا السبب .. أنت صنعتني وأنت تريد القضاء عليّ .. هذه هي المشكلة .. وأنا كنت أريد أن أسألك ، أين الصانع ، لماذا قذفت بي الى الأفواه .. ؟
- كانت جائعة ..
- هكذا .. أذن .. كنت لا تريد ألا غلق الأفواه الجائعة ..
- كنت أريد ان أصرخ ..
- لكنك جعلتني أذبح وأذبح من اجل الأفواه البشرية ..
- هو ذا صراخي !
وأمتد الحوار لأيام متواصلة .. وفي إحدى فترات الاستراحة أذاع التلفزيون الإعلان التالي :
- لقد اختفى دجنب .. وهذا يعني ان الدجانب الجديدة ستلاقي حتفها .. فعلى الجميع بذل جهد للعثور عليه – وهناك جائزة خيالية لمن يعثر عليه أو يدلنا على مكانه ..
صرخ دجنب :
- أتسمع .. أنهم يبحثون عني ..
وقال ساخراً بعد لحظة توقف :
- أعتقد أنك ستخبرهم عن مكاني ..
كان البروفسور يعاني من شرود الذهن .. ومن الصداع النفسي .. فقال دجنب :
- أذن عليّ ان أسلمك لهم أيها البروفسور ..
صرخ الأخير :
- كلا .. كلا .. لا أريد ان أعود إليهم ..
- لكنهم سيعثرون علينا ..
كان البروفسور لا يستطيع ان يفكر في شيء
فقال دجنب : دعني أتصرف أيها البروفسور ..
فصرخ الأخير : كلا .. أنتظر ..
ناوله مجموعة من العقاقير .. فرقد دجنب كالميت في سريره . كان يفكر في تفكيك خلاياه ، ونثرها ، والتخلص من فكرة صناعة مخلوق آخر . أنه كان يخشى ، بفعل تلك العقاقير ، ان تنشطر الخلايا وتتحول إلى تكوين مجموعة جديدة من المخلوقات . ألا أنه أدرك أن هناك قوة أعظم منه كانت تشرف وتهيمن على أفكاره وسلوكه . وأدراك أنها ، أي تلك القوة التي ساهم بصناعتها ، قد غدت أداة كونية .
رفع دجنب رأسه وقال بصوت خفيض :
- أيها البروفسور لا تتعب نفسك .. كلانا ضحايا .. أرقد .. وأحلم .. وفي الفجر .. سنخرج معاً إلى المراعي .. إلى الغابات .. أنا أنسى تاريخي .. وأنت تمحو علمك كله .. دعنا نذهب الى الغابة ونتحول الى عشب والى تراب ، والى هواء ..
فقد البروفسور الوعي للحظة .. ثم آفاق :
- ماذا تقول يا دجنب ؟
وكانت لحظة مروّعة عندما حول البروفسور دجنب إلى فتاة في ريعان الشباب .. في العشرين .. ذات شعر أسود .. وقامة رشيقة .. ألا أنه كان يبحث عن طريقة لتدمير دجنب الذي كان يحدق في محياه بحزن واستسلام . هيا أفعل . ولم ينطق دجنب .. فقد كان البروفسور يستمع إلى صوته الداخلي . وتلك النظرية التي اكتشفها في عزلته لم يعلنها لأحد . كان يريد ان ينهي حياته بأي ثمن .
قال دجنب :
- سأعود إليهم .. إلى الفم البشري الجائع ..
- كلا .. أرجوك .. كلا .. دعنا نتأمل الأمر ..
- لا جدوى .. لا جدوى .
بالفعل ، فكر البروفسور ، ألا جدوى من القضاء على دجنب أو القضاء على نفسه . فمعهد العلوم الكوني يعرف ماذا يحدث في رأس أي مخلوق فوق الأرض وغير الأرض . لهذا راح يفكر باختراع جهاز مضاد .
قال دجنب :
- لماذا لا ترجعني إلى أصلي .. حاول .. أنه الخلاص الوحيد لي ولك َ ..
- أنها أعظم فكرة .. ولكني الآن لا أستطيع ان أفعل ذلك .. بل في الواقع لا يمكن تدمير النتائج التي توصلنا أليها .
طويلة ، نحيفة ، كأنها شجرة في ربيع ، ألا أنه ، وبعد نصف قرن ، وجد نفسه يمارس الحب ..
هكذا أمضى فترة غير محددة معها . كان قد فقد العقل تماماً ، وانهارت قواه الجسدية .. ألا أنه كتب قصائد عن خلايا الجمال .. ومات وهو يبكي بصمت .
في فجر ذلك اليوم ، كانت عشرات من الفتيات يتجولن بين الحقول . أنهن يزرعن ويحصدن ، فتيات جميلات ، وينشدن قصائده ، وبعد آلف عام ، من اختفاء دجنب ، ظهر البروفسور وهو من الكائنات التي بلا ظل ولا صوت ، وسمع أناشيده في العالم ، عاد إلى ضريحه ، في مكان ما من العالم ، وكتب فوقه : هنا يرقد دجنب .1
1989
مَن هو «العدوّ الصهيوني»؟-كاظم الحجاج
مَن هو «العدوّ الصهيوني»؟
كاظم الحجاج
تاريخ النشر 07/08/2011 12:00 AM
لسوف نشاكس جاهزيّة الجواب الايديولوجي العروبي- الإسلاموي الجاهز، دوماً، لنجيب بأن «العدوّ الصهيوني» هو عدوّ نسبيّ من زمن الى آخر، ومن بلد الى آخر، وحتى من فرد الى فرد آخر. وليس هو بالضرورة ذلك العدوّ «التاريخيّ» الذي يجب أن نرضع كراهيته منذ ولادتنا، لأنّ أجدادنا- العرب المسلمين- وأجداد «الصهاينة» الأوائل، ذهبوا جميعاً إلى رحمة الله((هذا خلط للأوراق لانقبله وأن جاء بأسلوب ساخر)). ولأنّ العداء كان في ما بينهم، وليس بيننا نحن أحفادهم، أو هذا ما يفترض أن يكون بين البشر المتحضرّين المتسامحين.
عندما طردَ التحالفُ الدولي جيشَ صدّام حسين من الكويت، كان «العدو الصهيوني» عند الكويتيين هو «النظام العراقي!» وليس «النظام الإسرائيلي!»، وكانوا على حقّ حتى بعدما حوّلوا اسم «شارع بغداد» في مدينة الكويت، إلى «شارع بوش!» كانوا معذورين، رغم أن بغداد ليست هي التي غزتهم، بل حاكمها... لكنّ الذي غزاهم ليس «جيش الدفاع» الإسرائيلي، بل حرسنا الجمهوري! وعندما تسألني- أنا العراقي الآن : من هو عدوّك الصهيوني ؟ فلسوف أجيبك من دون تردد، وحتى من دون أن أرمش، بان عدوّي الصهيوني هو كل نظام عربي- إسلامي مجاور أو بعيد سرَّبَ إلى أرض العراق أسوأ القتلة المهزومين في أفغانستان وباكستان والشيشان، كي ينتحروا بالعراقيين على طريقة «شمشون» اليهودي : عليَّ وعلى أعدائي! عدوّي الصهيوني هو من أعاد تجفيف الاهوار التي جفّفها صدّام، وأعاد «الكفّارُ» إليها بعض الماء. عدوّي الصهيوني هو من يطارد صيادي الأسماك العراقيين الضعفاء ويمنعهم من تحصيل رزقهم في مياههم الإقليمية، ولم يكن يجرؤ على منعهم في زمن صدّام!
عدوّي الصهيوني هو كل من يمنع مياه أنهار الله من أن تصب في نهر الله، شط العرب، وكلّ من يسرب المياه المسمومة إلى انهار المسلمين العراقيين وهو يبكي كلّ عام لمنع المياه عن أطفال الحسين؟!
عدوي الصهيوني هو كل من يسرق نفط العراق من آباره، ومن يشجّع اللصوص المحليين على تهريبه. عدوّي الصهيوني هو من يهرب المخدرات وحبوب الهلوسة لقتل الجيل العراقي القادم! عدوّي الصهيوني هو كل من يموّل ويسلح ويدرب عصابات الجريمة المنظمة بإسم الجهاد والمقاومة، كي تقتل العراقيين وتدمر إمكانية قيامهم من جديد. وعدوّي الصهيوني ( الداخلي) هو كل من يتعاون مع دول الإقليم المعادية ضدّ وطنه وأرضه ومائه وناسه. هو كل من تلقّى الأموال من أجل عرقلة بناء ميناء العراق الكبير لأنه سوف يضر بمصالح جيران السوء! عدوّي الصهيوني الداخلي هو من يطلق قذيفة هاون على مطار البصرة، لأن الجوار اللعين لا يريد مطاراً لهذه المدينة ولا ميناء، لكي لا ينهض العراق! عدوّي الصهيوني هو كل من يمنع إعادة بناء جيش عراقيّ حديث، لكي يبقى العراق ضعيفاً أمام عصابات الداخل والخارج وحتى أمام المهرّبين!
إحدى دول الجوار كانت تشتري من مهرّبي الداخل أرحام النعاج بأسعار مغرية، كي تحرم العراق من تكاثر ثروته الحيوانية. العدو الصهيوني الداخلي من يمنع تزويد معامل الطابوق بالنفط الأسود، لأنه يأخذ عمولة استيراد طابوق (مجاور)!
العدو الصهيوني هو... (أرجو أن تساعدوني على تعداده فقد تعبت
الاثنين، 15 أغسطس 2011
جورج جرداق في حوار حول الامام علي (ع) في مولده
جورج جرداق في حوار حول الامام علي (ع) في مولده
اجرت الحوار: ولاء إبراهيم حمود
علي وحقوق الإنسان، بين علي والثورة الفرنسية، علي وسقراط، علي وعصره، علي والقومية العربية.
عُدْتُ من حواره، كما أتيت، أُخفي بين السطور أضعاف ما اتفقنا عليه في حب عليّ (ع) وما اختلفنا فيه حول غير «عليّ». أنهيت الحوار مقتنعةً بأنّ عمق خلافاتنا لم يفسد في عشقِ عليٍّ قضية، لأن جورج جرداق يترنَّمُ بعشق عليّ (ع) لا على دينٍ أو مذهبٍ ما، بل على قاعدة «كونوا أحراراً في دنياكم»، حباً له ورفضاً لسواه. لذلك أترك أجابته عن سؤالي الأخير، مسك ختام، لأكثر حواراتي إرهاقاً ونزاعاً وهي تستحق عَناءَ قراءة ما سبقها، لأنها خلاصة حبّ عليّ (ع) في قلبٍ مسيحي، يراه ركناً من أركانِ الإنسانية كافةً في كل مكان وزمان... وعلى هذه الرائعة اتفقنا وافترقنا. والآن إلى بعضٍ من تفاصيل حوارٍ شاقٍ وطويل، لكنه لأجل عليّ (ع) جميلٌ، نبيلٌ، جليل.
* إنّه أكبر ممّا يقال عنه
ما هي أبرز دوافعك للكتابة عن عليّ بنِ أبي طالب(ع)؟
ولدتُ في منطقةٍ مسيحية «مرجعيون» يتفاخر أهلها بالتاريخ العربي وعظمائه، فأخي الكبير فؤاد كان يُسمِعُ زوارنا قصائده في مدحِ عليّ. كنت أختزنها طفلاً وأتأثر بها، فاندفعتُ إلى ينابيع مرجعيون، أَهرب من المدرسة، إلى ظلال أشجارها، أقرأ ديوان المتنبي ومجمع البحرين. كافأني أخي بنهج البلاغة، فحفظته غيباً، والتصقت في ذهني صورةٌ مبهمةٌ لرجلٍ عظيم. وعندما بدأت التدريس في شبابي، أعدت قراءة ما كتبه عن عليّ كلٌ من طه حسين وعباس محمود العقاد. شعرت أنه أكبر ممّا يقال عنه، وعندما أعدت قراءة نهج البلاغة، تأكدت أن عليّاً لم يُنصَفْ في كتاباتهما، فقررت الدخول في معركة خضتها بكتابي «الإمام علي صوت العدالة الإنسانية» وأنا دون الثلاثين من العمر.
- لماذا اخترت للكتابة عن علي عناوين مثل «علي والقومية العربية»؟ وما علاقة علي بسقراط والثورة الفرنسية لتختارها عناوين لأجزاء كتابك؟
لأنني رأيته ركناً من أركان كلِّ قومية بين بني الإنسان، كما رأيت باستير وجان جاك روسو وفولتير، الذين أفادوا بإنجازاتهم العلمية والفكرية كل القوميات على الأرض لا في بلادهم فقط، ورداً على من اعتبر التشيع طعناً في القومية العربية. كتبت أيضاً «عليّ والقومية العربية». أردته توضيحاً للقومية، كما أفهمها من عليّ بن أبي طالب (ع)، مُلْمَحاً إنسانياً راقياً، وإن لم تكن كذلك، فلا قيمة لها، فهي في فهمهم عصبية عصرية، وعليٌّ في هذا المجال يخدم كلَّ قومية في العالم، لذلك بدأت معه «عليٌّ وحقوق الإنسان».
- ماذا عن موضوع ولايته؟ ألمْ تره عبر قراءاتك صاحب حقٍ وقضية؟ وماذا عن صورته اليوم لديك، هل اختلفت ملامحها عن تلك التي دفعت ابن الثلاثين إلى كتابته صوتاً للعدالة الإنسانية؟
إنه أمرٌ واضح، له وحده الحقّ بالولاية، مع إصراري أن عظيماً بحجم عليّ؛ هو أكبر من كل ولاية، إنه إحدى العبقريات الكبرى في التاريخ ومن آباء الإنسانية الكبار، لا للشيعة وحدهم، فهو لم يتعصب لنفسه يوماً، بل ترك الدرع لمسيحي حكم له بها القاضي، لأنه لم يجد لدى الإمام دليلاً، فتبعه المسيحي، معترفاً ومعيداً له الدرع، مقاتلاً معه حتى قُتل.
* المرأة في حياة عليّ
- لماذا غابت «المرأة في حياة عليّ» عن عناوين كتابكَ؟
إن ظروفه الصعبة، في الحروب المتتالية، لم تسمح له بأن يهتم بهذا الموضوع. خاصةً أنّ ما خاضه في معركة الجمل غيّب عني دور المرأة في حياته.
ما ذكرته ليس سبباً لغياب علاقته الإنسانية بالمرأة عن كتابك الذي يردّد أصداء عدالته التي غمرت المرأة حنواً... فهي عنده ريحانة، وهنّ شقائق الرجال... فأوقفني بإشارةٍ من يده...
أنت تلفتين انتباهي، في سؤالكِ، لأمر لم ألتفت له من قبل على أهميته في هذا العصر... على كلٍّ أنا نظرت إليه ككلّ، إلى نظرته الشاملة إلى الإنسان رجلاً وامرأة. ربما لو كان ضد المرأة، لكتبت عنه، لأنه سيكون شيئاً غريباً عن عظمة شخصيته.
- إذاً، ما هو العنوان الذي يمكن أن يضيفه جورج جرداق إلى كتابه؟ ولمن توجهه اليوم؟
«هذا إمامكم»، وأُوجهه إلى حكام العالم قاطبةً، وصانعي الأنظمة السياسية والاجتماعية، ولن أنسى طبعاً المرأة في حياة عليّ».
* نظرته للاجتماع الإنساني
ما هي أهم صفات الإمام «علي» التي نحتاجها اليوم؟
نظرته للاجتماع الإنساني وأنظمته، وذلك في قوله «ما رأيت نعمةً موفورة إلا وإلى جانبها حقٌّ مضيع» (1) وفي مكان آخر: «ما جاع فقيرٌ إلا بما متع به غني» (2). لقد سبق الإمام عليّ كارل ماركس بألف وأربعمئة سنة، لذلك، أراه يختلف عن الأنبياء ويفوقهم بنظرته للإنسانية.
- وبهذه الكلمة، ألا تبدو شيعياً أكثر تعصباً من الشيعة أنفسهم؟
لا، لست شيعياً ولا متديناً أصلاً، لكنني موضوعيٌّ جداً، وأنا معجبٌ بالأوروبيين أكثر، لأنهم يرفعون له صورة مستوحاة من سيرته، في إحدى كنائس روما.
- ما هي أبرز الملامح المشتركة بين علي بن أبي طالب وعيسى ابن مريم، حتى قال له النبي يوماً: «يا عليّ إن فيك مثلاً من عيسى ابن مريم» (3)؟
صحيح، وهو أجمل ما قيل في هذا الموضوع. وعليّ أقرب الجميع إلى المسيح، والملامح كثيرة.. فالمسيح قال مستغفراً لصالبيه: اغفر الله، إنّهم لا يدرون ما يفعلون... وعليّ رفع السيف عن عدوه، كأنه يقول انهض، أنت لا تدري ما تفعل. ولطالما عفا عن أخصامه في الصراع، بل وأكرم عائشة بعد معركة الجمل. كما قال المسيح يوماً: «أحبُّوا مبغضيكم وباركوا لاعنيكم». وقلت لكِ إنهم في أوروبا، وفي القرون الوسطى، كانوا يعتبرون الإمام وليّاً مسيحياً لأنهم قرأوه فوجدوه إلى المسيح أقرب، وهو القائل: «اقرضوا الدنيا قرضاً على منهاج المسيح» (4).
* كل ما فيه عظيم
- وأنت بالتحديد ما أكثر ما جذبك إلى عليّ وأعجبك فيه: قوّته أم إنسانيّته أم مواقفه الفذّة؟.
كل ما في عليّ عظيم، إنّه العظمة بذاتها.. وبساطتها فيه أكثر ما أعجبني، تواضعه، وصفاته قيمٌ لا تتغير، وهي السَّاعية في ثباتها إلى تعميق ثبات الإنسان على دروب الحقّ بإعلاء روحيته وترقية إحساسه بإنسانيّته، وهذه نحتاجها في كل عصر. وهو في كل مواقفه قوي يعفو عند المقدرة. وتأمين سلامة عائشة وإكرامها بعد معركة الجمل خير دليل. وإن شخصيته المؤسسة على القيم سمحت بتأمين الماء لجيش معاوية.
- ما أكثر ما أعجبك فيما كُتِب عن عليّ؟ ماذا عن الشيعة في هذا الخصوص؟ وماذا لو انقلبت الآية وقرأت من إنسانٍ مسلمٍ كتاباً عن السيد المسيح؟
أتلقاه بموضوعيّة، ولا يعنيني إذا كان دينياً، لأنني لست متديناً، وهذا لا يمنعني من احترام علي والمسيح، وأنا لم أقرأ كثيراً كتابات سواي عن علي، وما قرأته متشابه لا شيء أفضل من سواه، وأنا لن أقرأ عن المسيح كتاباً كتبه خوري كما أقرأ مثلاً ما كتبه تولستوي أو غوركي الذي كان شيوعياً. ولا تستطيعين ذكر المسيح أمامه إلا بالاحترام المطلق لأنّه رغم شيوعيته يراه أعظم ما يمكن أن يصل إليه إنسان، وهنا تكمن الموضوعية.
- من يمثِّل في نظرِك اليوم امتداداً لنهج عليّ بن أبي طالب (ع)؟
ربما كثيرون في أممٍ أخرى لا أعرفهم، ولكن على حدّ علمي في لبنان الإمام السيد موسى الصدر أراه ابناً للإمام عليّ، ولهذا السبب أبعدوه.
- لو قدّر لك أن ترى الآن فجأةً عليّاً.. ماذا تقول له. وحوارنا هذا سينشر في ذكرى مولده؟
صار عمرك ألفاً وأربعمئة سنة، وسيصير مليوناً وألفاً وأربعمئة سنة، وستبقى كما أنت، عظيماً وكبيراً تُقتدى
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)