الأحد، 8 مايو 2011
بغدادُ انّ صفاءَ الروحِ منكِ جرى -ضياء الدين الخاقاني
بغدادُ انّ صفاءَ الروحِ منكِ جرى
ضياء الدين الخاقاني
1933 - 2008
................................................
اِيماءةُ الفجرِ أو اِشراقة الشهُبِ ... هذا الذي فاض من جفنيْكِ في أدبي
بغدادُ هذا الذي اسْتوحيتُهُ انطلَقتْ ... نعْماه تبني الهوى في أفقِهِ الرّحِبِ
بغدادُ يا منبَتَ الذكرى مشرّدة ... ما بيْن مبتعدِ المأوى ومُقتربِ
سمِعْتُ موجَكِ أنغاماً مبعْثرة ... مع الريّاحِ بأوتارٍ من الذهبِ
ورفّ كلّ شعاعٍ منكِ في أفقي ... وحياً من الشعْرِ كالنعْمى يُحلِّقُ بي
فطارَ قلبي وكمْ من طائرٍ بلَغتْ ... شواهقُ الغيبِ فيهِ رفعَة الطلَبِ
يرشّ فوق شواطيكِ التي انبَعَثتْ ... منها الروائحُ ما تزكو من العتَبِ
ويسْتقي الروحَ من واديْكِ غالية ... ويحْصِدُ الضؤَ من اِشراقِكِ الذهَبي
بغدادُ انّ صفاءَ الروحِ منكِ جرى ... مع السطورِ شموخاً في حياةِ نبي
جرى النسيمُ الذي اسْتهويْتُ عاطرَهُ ... في كلِّ ما رسَمَتْ كفّاكِ من عجَبِ
ففي الحروفِ رياحينٌ مهلهلَة ... وفي التعابيرِ أنغامٌ من الكُتُبِ
اِنّي لأصطافَ لا في روضة عَبَقَتْ ... ولا كما قيلَ في خدٍّ لِذي شنَبِ
اِنّي لأصطافَ في حلْمٍ سمِحْتُ بهِ ... من الخيالِ بما أوحيْتُ من أدبِ
وحسْبُ عينيَّ طيْفٌ منكِ يلْهِمُني ... معانيَ الشعْرِ في ثوبٍ من اللهَبِ
فلسْتُ أوّلَ مَنْ يحْيا الخيالَ هوىً ... ولسْتُ أوّلَ مَنْ يسْمو مِنَ العَرَبِ
..........................................
*ديوان : من وحي الأنتماء / قصيدة: بغدادُ انّ صفاءَ الروحِ منكِ جرى
الاديب العلامة المرحوم ضياء الدين الخاقاني
لا تتأخّر/ سليمان دغش -من ديوان امرأة على خط الاستواء )
لا تتأخّر/ سليمان دغش
إِذا ما خَطَرتُ ببالِكَ يَوْماً
وزارَكَ طَيفٌ مِنَ الأَمسِ أَشقَرْ
وهبَّتْ عَواصفُ حُبٍّ قَديم ٍ
تَشفُّ الفؤادَ كَطَعنةِ خِنجَرْ
وتَحملُ أَلفَ سَحابةِ حُزن ٍ
تَفيضُ بِعَيْنَيكَ دَمعاً وتمُطِرْ
إِذا ما تَذَكَّرتَني يا حَبيبي
ولا بدَّ يوماً بأنْ تتذَكَّرْ
وعُدتَ إِليَّ كَطفل ٍ صَغير ٍ
بجفن ٍ بَليل ٍ وقَلبٍ مُكسَّرْ
سَتعرفُ أَنّكَ كُنتَ ضَعيفاً
وأنَّ الهوى قدَرٌ ليسَ يُقهَرْ
غداً سَتعودُ إليَّ وَتبكي
على كَتِفيَّ كَطفلٍ مُحيَّرْ
فتعرفُ أَنّي انتَظرتُكَ عُمراً
وأَنّي أُحبُّكَ أَكثرَ.. أَكثرْ
تغيّرتُ شَعْري سَحابةُ تيهٍ
وثغري جَداولُ شَهدٍ وعَنبرْ
وصَدري الذي قدْ تركتَهُ طِفلاً
نَما يا حَبيبي نَما وتدَوَّرْ
يرفُّ عليهِ القميصُ ارتِعاشاً
فإنْ لامسَ الناهِدَيْن ِ تخدَّرْ
يفيقُ الصباحُ ببسمةِ ثغري
وتغفو الليالي بجفني وتَسهرْ
أَنا ما حَقدتُ عَليكَ حَبيبي
فلا تتوانَ ولا تتأَخَّرْ
أَخافُ انكسارَ مرايا الحَريرِ
وهجْرَ الطيور ِ ..فلا تتأَخَّرْ..
( من ديوان امرأة على خط الاستواء )
السبت، 7 مايو 2011
بــغــــــــــــــــــــــداد خمس حروف
بــغــــــــــــــــــــــداد خمس حروف
)لم يتم معرفة اسم الشاعر (
الباء بات الحزن والآه والحيره
والغين غزو وقتل يايمه بالديره
والدال داء ومرض والطلقه بصديره
والألف آه وحزن والدمعه على الغيره
والدال الاخيره صفت مفتره فريره
بغداد هيچي اصبحت يالسامع الابيات
بغداد كانت كَبل لادمع ولاونات
كراده خارج هلا وشحلوه البنيات
ومنصور واكَف جبل مابيه أثر طعنات
والكرخ يم النهر ويا الرصافه ايبات
وباب المعظم دوه والكاظم الوصفات
والدوره امي انا والغزل والصفنات
وزيونة مكان الرقة والجمال والكعدات
أربع أسامي ذهب تخلي الوطن جنة
دجلة وفرات العذب والشيعة والسنة
و احدهم غير الابيات الاخيرة لتكون كالاتي-:
خمسة أسامي ذهب تخلي الوطن جنة
دجلة وفرات العذب والشيعة والسنة
وخامسهم المسيحي الويانه بالمحنه
الخميس، 5 مايو 2011
في مناهج النقد الحديثة (7)-النقد السياقي الجزء الرابع
في مناهج النقد الحديثة (7)
مقدمة :-
النقد حوار فاعل بين النص والقارئ حوار يضفي على النص معنى ً يشارك فيه الطرفان ,وليس للنص معنى ًبمعزل عن قارئ نشيط يستحثه ويقلب فيه الظن بعد الظن, حتى يصل إلى نتيجة ما ولكي يصل القارئ إلى ذلك المعنى المنشود لجأ في بعض الأحيان إلى الناقد لعدم امتلاكه الأدوات والمفاهيم الإجرائية التي تمكنه من ذلك , وفي نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر برز نشاط الناقد من خلال إحداثه لبعض المناهج النقدية التي يستطيع من خلالها إضاءة النص وكشف معانيه التي قصد إليها المبدع أو التي لم يقصد إليها .
فبرزت المناهج التي تهتم بتاريخية النص واجتماعيته وواقعيته وأطلق عليها فيما بعد " القراءات السياقية " التي ينصب جل عملها نحو المبدع ِ وأثر البيئة والمجتمع ووضعه النفسي وطبقته الاجتماعية في النص المبدَع
و القراءة السياقية تنطلق من مواقف أيديولوجية ثابتة وجامدة في بعض الأحيان وتغرق النص بمفاهيم قد تشل النص وتهتم بالمبدِع بمعزل عن المتلقي , وتحرص " على تقديس تاريخ الأفكار وتاريخ الإبداع الفني ومصادر الإلهام والمؤثرات على اختلافها وهذا يجعل منها شبكة من الأصول المتماشجة في غير تجانس " ( 1 )
إلا أن الخطاب النقدي المعاصر شهد تحولات كبرى وعميقة في العقود الأخيرة من القرن العشرين كانت ثمرة للإنجازات العلمية والفلسفية المتلاحقة (( فتحولت القراءة النصية النقدية من قراءة أفقية معيارية " سياقية " إلى قراءة عمودية متسائلة " نسقية " تحاول سبر أغوار النص لاغير مبتعدة عن مقارباته من خلال السياقات التي أحاطت به يوم إنتاجه وبذلك أصبحت المعالم النصية ( البنى ) للمادة الحقل الأساسي للقراءة لكن لم يكن لهذا التغيير أن يتحقق إلا بفعل الثورة التي أحدثتها اللسانيات الحديثة وتأسيسها لأسس جديدة في طرائق التعامل مع النص فأقصت الخارج وقراءاته السياقية
" التاريخية, النفسية , الاجتماعية "وأخذت بالقراءة النسقية فمجدت الداخل على الخارج ))( 2)
ستحاول هذه الورقة أن تقدم مقاربة واعية لمفهوم القراءات النسقية بغية الوقوف عليها والتعريف بها محاولة الابتعاد قدر الإمكان عن الخوض في تفصيلات قد تشتت القارئ والحق أنه تم التصرف في بعض النقول وذلك لضرورة تبسيط البحث وإشكالية المصطلح فيه .
مدخل :- أ – بين يدي المصطلح ..
لقد أصبحت النظرية الأدبية للحداثة وما بعد الحداثة أكثر من أي شيء إشكالية قراءة , إذ أن دراسة عملية القراءة تعني إثارة عدد من الأسئلة الصعبة والمثيرة للاهتمام فنحن نريد أن نعرف قبل أي شيء كيف نقرأ ؟ .. وهل نستطيع صياغة نموذج للقراءة يوضح كيفية القراءة بهذه الأسئلة نحاول أن نتلمس مفهوم القراءة النسقية وهل هي قراءة جادة وثابتة وتعنى بديمومة النص ؟
في ضوء هذا الفهم يجب أولا ً تحديد المصطلح وتبيانه يقول الدكتور سعد الدين كليب : " يعني النسق أو المنظومة – الموضوع الكلي الذي يتألف من عناصر ترتبط فيما بينها بعلاقات محددة ويشكل مجموع هذه العلاقات المحددة البنية التي تربط بين العناصر داخل المنظومة - فالكلية إذا ً هي صفة النسق والكلية هنا هي الوحدة الناظمة للعناصر والتكامل فيما بينها فالنسق بهذا المعنى هو وحدة العناصر المتكاملة والداخلة في علاقات محددة " ( 3 ) .
إن القراءة هي الممارسة النقدية أو النشاط الإجرائي الذي يتوجه نحو النسق و انطلاقا ً من هذا يمكن أن نصل إلى مقاربة تعريفية للقراءات النسقية بأنها تلك الأشكال النقدية الإجرائية الأدواتية المفاهيمية ( القراءة ) المتوجهة نحو الأنساق النصية التي تشكل مجموعة أبنية النص وبؤره الفنية والفكرية .
أولا ً ما بعد البنيوية .......
سبقت الإشارة إلى أن ظهور المفاهيم الإجرائية التي تتعامل مع النص بمعزل عن الخارج لم تتحقق إلا بفعل الثورة التي أحدثتها اللسانيات الحديثة مستمدة أصولها النظرية من المدرسة الألمانية بزعامة ياوس والمدرسة الشكلانية الروسية والمدرسة الفرنسية , هذا الزخم الفكري أسس لظهور القراءة النسقية " وأمدها بأدوات إجرائية لمقاربة النص الأدبي حيث مجدت الشكلانية الروسية الداخل فاستبدلت السياق بالأدبية والمعيار بالوصف والمطلق بالنسبية ودعت إلى موت المؤلف وجعلت من مقولة النسق مقولة مركزية في طرحها" (4)
إن هذا الزخم الفكري الذي قدمته الشكلانية الروسية أسقطها في النزعة الصورية ( المنطقية ) فيما بعد , وهذا ما وضع الشكلانية البنيوية في مأزق إجرائي مما حدا بها أن تنفتح نحو مفاهيم العلوم الأخرى وخاصة الإنسانية " فظهرت البنيوية التكوينية كتيار بديل على يد لوسيان جولدمان مستثمرا ً فلسفة هيجل وماركس ولوكاتش للتأسيس لبنيوية تهدف إلى تحقيق التماسك بين البنية الذهنية والبنية الفنية داخل العمل الإبداعي من أجل رؤية للعالم لا تقصي عبقرية المبدع " ( 5 ) .
وظهرت البنيوية النفسية في ذلك الوقت على يد جاك لاكان فربط المعطيات النفسية باللغة والكلام .
إن كل هذه المعطيات أصبحت توحي بأن البنيوية كقراءة وخصوصا ً الصورية منها , توحي ببروز أطروحات جديدة في الأفق تعمل من أجل التأسيس لقراءات تتجاوز القراءة البنيوية لفتح الفضاء الإبداعي أمام أدوات إجرائية أكثر مرونة من أدوات البنيوية الصورية .
القراءة النسقية......
تمثل النشاط النقدي الإجرائي الذي جاء لتخليص البنيوية من صوريتها ببروز ثلاث قراءات إجرائية أساسية ( الأسلوبية والتفكيكية والسيميائية ) .
1 ) القراءة الأسلوبية ..... ( الانزياح ) .
هي علم الأسلوب وهي طريقة الكتابة باستعمال الكاتب للأدوات التعبيرية من أجل غاياتٍ أدبية , وبذلك تكون في مفهومها النقدي هي العلم الذي يكشف عن القيم الجمالية في الأعمال الأدبية انطلاقا ً من تحليل الظواهر اللغوية والبلاغية للنص الأدبي فهي تبحث عما يتميز به الكلام الفني عن بقية مستويات الخطاب الأدبي .
والأسلوبية نهضت بعد أن أغرقت البلاغة نفسها في المعيارية المتحجرة والتي بقيت فيها فترة زمنية طويلة
وبذلك عملت الأسلوبية على توحيد رؤية البلاغة التي تعمل على فصل العلاقة القائمة بين النص ومدلوله
" ولهذا يمكن اعتبارها امتدادا ً للبلاغة ونفيا ً لها في الوقت نفسه ومن أبرز المفارقات بين المنظور البلاغي والأسلوبي هو أن البلاغة علم معياري يرسل الأحكام التقييمية ويرمي إلى تعليم مادته وموضوعه بينما الأسلوبية تنفي عن نفسها كل معيارية والبلاغة ترمي إلى خلق الإبداع بينما تسعى الأسلوبية إلى تعليل الظاهرة الإبداعية بعد أن يتكرر وجودها " ( 6 ) .
كما تقوم الأسلوبية في منطلقها المعرفي من مبدأ أساسي يرى أن اللغة تعطي الأديب مجموعة من الاحتمالات اللغوية والأساليب التعبيرية للتعبير عن الموضوع الواحد فينتقي واحدا ً منها قصد التعبير والإبلاغ لخلق تأثيرٍ ما .
وقد تجلت الأسلوبية في اتجاهات عدة يمكن حصرها بـ :
أ ) الأسلوبية الوصفية :- تهتم بالوقوف على القيم التعبيرية والمتغيرات الأسلوبية بغية الكشف عن الطاقات التعبيرية الكامنه في اللغة .
ب ) الأسلوبية الأدبية :- تهتم بدراسة لغة أديب ٍ واحد ٍ من خلال نتاجه متبعة ً في دراسة اللغة مجموعة من الآليات ومعتنية بظروف الكاتب ونفسيته ( 7 ) .
جـ ) الأسلوبية الوظيفية :- تهتم بدراسة وظائف اللغة ونظريات التواصل .
د ) الأسلوبية البنيوية :- وفي منظورها أن النص بنية خاصة أو جهاز لغوي يستمد الخطاب قيمته الأسلوبية منه ( 8 ) .
ومن أهم مميزات الأسلوبية بشكل عام أنها تؤكد على وجود موضوع ٍ في النص الأدبي يمكن استنتاج أدبيته عبر نسيجه اللغوي ولا تقر بالحكم على النص الأدبي بل تقدم للناقد جهاز مفاهيمي لتحليل النص والحكم عليه وتهتم بالأثر الجمالي للنص باعتباره لغة شعرية والاعتماد على مستويات التحليل كالمستوى الصوتي أو المستوى اللفظي , ومن أهم أدواتها الإجرائية :
الانزياح :- ظاهرة أسلوبية , وهو بكل بساطة خروج التعبير عن السائد أو المتعارف عليه قياسا ً في الاستعمال رؤية ولغة وصياغة وتركيبا ً وهو مفهوم متغير ولا أدل على ذلك من موت الصور المجازية عبر اجترارها وتكرارها وتحولها من التعبير غير المباشر إلى التعبير المباشر .
ولا شك أن الانزياح يشكل أدبية النص وأحد أبرز علاماته ومواطن الشاعرية فيه ويأخذ الانزياح أنماط كثيرة حيث تعوَّد الدارسون أن يحصروا الانزياح في صور التعبير البيانية وركزوا خصوصا ً على المجاز والاستعارة
ويرى د. نعيم اليافي أن الانزياح يصيب سائر المكونات الشعرية وذلك من خلال قوله بالانزياح المجازي ويتمثل بجميع أنماط الصور البيانية والانزياح الإيقاعي والانزياح اللغوي بجميع ضروبه وانزياح صفات وانزياح تقديم وتأخير , و الانزياح الدلالي ما بين الصوت والمعنى أو الدال والمدلول ( 10 ) .
وبعد أن عرضنا للأسلوبية وأهم أدواتها الإجرائية بقي أن نقول أن الأسلوبية تقوضت في الغرب وأصبحت في عداد القراءات الميتة مع بدايات الستينات من القرن العشرين وكان السبب في زوالها ظهور السيميائية وتأثيرها عليها حتى انصهرت فيها .
2 ) التفكيكية :-
تقوم التفكيكية على إقصاء كل قراءة أحادية على صعيد المرجعية والتأويل , ولا تسعى إلى واحدية الدلالة للنص بل تسعى التفكيكية إلى جعل مدلولية النص بين يدى المتلقين يفككونه إلى المرجعيات التي بني عليها فيقفون على هذه المرجعيات ويقرؤون النص وفقا ً لها مهملة ً و مهدمة ً للنسق الذي يقوم عليه وفي اعتقادها أنه تركيب لغوي غير متجانس .
" إن التفكيكية المعاصرة باعتبارها صيغة لنظرية النص والتحليل تخرب كل شيءٍ في التقاليد تقريبا ً وتشكك في الأفكار الموروثة عن العلامة واللغة والنص والسياق والقارئ ودور التاريخ وعملية التفسير " ( 11 ) .
ويتجلى ذلك بإخراج ( الدال ) من المعنى التقليدي لحدود التفسير التي حاصر بها الخطاب النقدي التقليدي ( للمدلول ) وانفتاحه على التفسير اللا محدود أي أن استراتيجية التفكيك تقوم على إلغاء المدلول ليحل محله اللامدلول .
وبذلك يكون قد خطا النشاط النقدي مع التفكيكية خطوة جديدة في مساره المتجدد آخذا ً بمبادئ الألسنية مستثمرا ً لها فتح آفاق ٍجديدة للنص الأدبي .
وفي ضوء هذا الفهم نرى أن " التفكيكية تقدم عددا ً عديدا ً من القراءات و الدلالات للمعنى الواحد دون أن تتحول تلك التعددية إلى تناثر وعبثية " ( 12 ) .
وإذا كانت التفكيكية تنطلق نحو البنى النصية , وتقوم بإرجاع تلك البنى إلى مصدرها الأول فهذا يعني ولادة قارئ يتعامل مع النص بثقافة خاصة . وفي إطار هذا يتجلى لنا بوضوح مفهوم الأثر الذي أسس له ديردا في التفكيكية والذي يعتبر " الأثر " كأساس إجرائي للفهم النقدي باعتباره القيمة الجمالية التي تسعى وراءها كل النصوص الإبداعية . ويسعى إلى تلقفها كل متلقٍ للإبداع ذلك لأن الأثر هو التشكل الناتج عن الكتابة , ومن هنا نرى بوضوح مولد القارئ .
إن عملية التلقي التي قدمتها التفكيكية كواحدة من أهم استراتيجياتها تقوم على أسس معرفية يمكن حصرها فيما يلي :
أولا ً :- القراءة والكتابة
التفكيكية ترفع من شأن القراءة بأن تجعل السلطة الحقيقية للقارئ لا للمؤلف .
ثانيا ً : قتل أحادية الدلالة والدعوة إلى تشتت المعنى .....
ثالثا ً : موت المؤلف وميلاد القارئ :
وهذه دعوة دعا إليها بارت فيما يخص موت المؤلف إلا أن التفكيكية أضافت إلى ذلك أن موت المؤلف يؤسس لميلاد القارئ .
رابعا ً : الحركة الدائمة للغة :
فكل كتابة تمحو الكتابة التي سبقتها مما يولد للمحو دلالة لانهائية وبذلك يبقى المدلول في تحول دائم وتظل اللغة في حركية دائمة ( 13 ) .
التناص :-
من أهم الأسس المعرفية التي تعتبر من استراتيجات التفكيك و قد يرى المطلع على بعض الدراسات المتعلقة بالتناص تداخلاً كبيرا ً بين هذا المفهوم وعدة مفاهيم أخرى مثل " " المثقافة " و " الأدب المقارن " ودراسة المصادر " و " السرقات " لذلك سنحاول في هذا المجال أن نوضح معنى التناص ضمن استراتيجية التفكيك......
يعرف الدكتور محمد مفتاح (( التناص )) بأنه : " تعالق - الدخول في علاقة - نصوص مع نص , حدث بكيفيات مختلفة " ( 14 ) .
ويقر مفتاح بأن التناص ظاهرة لغوية معقدة تستعصي على الضبط إذ يعتمد في تمييزها على ثقافة المتلقي " فالنص ليس إلا توالد لنصوص سبقته " ( 15 ) .
أما التناصية عند عبد الملك مرتاض " صفة تلازم كل مبدع مهما يكن شأنه لأنه يستحيل وجود مبدع يكتب نصا ً أدبيا ً دون سابق تعامل معمق ومكثف مع النصوص الأدبية في مجال معين أو في مجالات متعددة " ( 16 ) .
وفي وضوء هذا الفهم يمكننا القول أن النص الأدبي أيا ً كان إنما يقتات في بنيته من فضاء نصوص أخرى وهذا ما دعت إليه التفكيكية باستحالة وضع تأويل واحد للنص فالتناص برأينا وضمن استراتيجية التفكيك هو الغذاء و الماء والهواء لاستمرارية هذه القراءة لما تمثله من اتساع لفكرة اللا مدلول والهدم والبناء في النص .
ونصل أخيرا ً لنقول أن تفكيك ديردا : "هو ممارسة فلسفية يتم فيه تفحص الخصائص البلاغية القائمة في النصوص (( المصطلحات والحدود الدقيقة والاستعارات المستخدمة )) وتبيان أنها تقوض معاني هذه النصوص ومرجعيتها المقررة وهو تبيان غالبا ً ما يتم بواسطة تقنيات بلاغية ". ( 17 ).
ولا بد أن نشير أن التفكيك كإجراء مفاهيمي نقدي يمتلك خصوصيته عندما يمتلكه القارئ بوعي و بفهم واضح دون غموض أو تعقيد فتفكيك نص أو إعادة بنيته إلى مرجعيتها و الانطلاق من تلك المرجعية لبناء نص أخر إنما يولد برأينا نصا ً إبداعيا ً من شكل آخر يحمل خصوصية القارئ وبذلك تتضح استراتيجية التفكيك النظرية كنشاط نقدي يتجه نحو الأنساق المعرفية في النص فيقوم بهدمها من خلال ما سبق ذكره من الأسس المعرفية التي يرتكز عليها ( التفكيك المتلقي ) وبذلك يسمح لعدد لا نهائي من المدلولات والنصوص المبدعة من قبل القرّاء ولا بد أن نذكر قول " رولان بارت " في كتابه نقد وحقيقة (( النص مصنوع من كتابات مضاعفة نتيجة لثقافات متعددة تدخل كلها بعضها مع بعض في حوار و محاكاة ساخرة )) . ( 18)
ينظر بارت إلى النص على أنه فضاء لأبعاد ومرجعيات متعددة تتنازع فيه الكتابات
السيميائية .............
تنطلق السيميائية من منظور دوسوسير من منطلق أنها العلم الذي يقوم بدراسة الأنساق القائمة على اعتباطية الدليل والسيميائية تقوم من منظوره على نظام جديد للواقع وهي بنى مكونة من ثنائيات أو ثنائية التركيب بشكل أدق هي الدال والمدلول و يعتبر دوسوسير أن الدال والمدلول لها وظيفة التعبير عن الأفكار المتميزة أي وظيفة رمزية داخل المجتمعات المختلفة وهذه الدلالة بين الدال والمدلول ذات صبغة اعتباطية يضاف إلى ذلك أن السيميائية لا تهتم باللسان فقط وإنما تتعداه إلى دراسة العلامة في عمومها , لذلك ينظّر دوسوسير لعلم يدرس حياة الدلائل داخل الحياة الاجتماعية وأطلق عليه اسم السيمولوجيا أي ( الدليل ) وسيكون عليه أن يعرفنا على وظيفة الدلائل والقوانين التي تتحكم فيها .
و في ضوء هذا الفهم فإن دوسوسير يعتبر اللسانيات فرع من هذا العلم العام (السيمولوجيا) و بذلك فالدارس أمام نوعين من الدلائل , دلائل لسانية ودلائل غير لسانية فالسيميائية علم عام أما اللسانيات فعلم خاص وكلاهما يعنى بالدلالية وبهذا تكون اللسانيات علما ً تابعا ً للسيميائية التي هي علم شمول عام ( 19) .
وبذلك فقد طرح نظرية عامة للسيمولوجيا إلا أنه لم يحدد معالم هذا العلم تحديدا ً دقيقاً بل بقى حقل بحثه موزعا ً بين علوم عدة كاللسانيات وعلم الدلالة إلى أن برز اتجاهان : الأول جاء به برت و مونان وقال بسيمولوجية التواصل " وتعنى بدراسة أنظمة التواصل أي الإشارات المستعملة للتأثير في المتلقي ( الموضة ) شكل من أشكال التواصل " ( 20 ). أما الاتجاه الثاني يهتم بدراسة أنظمة الدلالة التي تشكل الموضوع الأساسي لأي بحث سيميائي ويعتبر رولان بارت الرائد في هذا الاتجاه ( سيمولوجيا الدلالة ) والذي يشكل الآن جوهر النقد الأدبي المعاصر باعتبار أن كل وقائع داله في النص وكل بنية نسقية معرفية هي سيميائية تمتزج باللغة .
" أن كل المجالات المعرفية ذات العمق السيمولوجي الحقيقي تفرض علينا مواجهة اللغة وذلك إن الأشياء تحمل دلالات غير أنها ما كان لها أن تكون أنساق سيمولوجيا أو أنساق دالة لولا تدخل اللغة ولولا امتزاجها باللغة فهي تكتسب صفة النسق السيمولوجي من اللغة وهذا ما دفع ببارت أن يرى أنه من الصعب جدا ً إمكان وجود مدلولات نسق أو صور أشياء خارج اللغة بحيث أن إدراك ما تدل عليه مادة ما يعني اللجوء قدريا ً إلى تقطيع اللغة فلا وجود لمعنى إلا لما هو مسمى ً , وعالم المدلولات ليس سوى عالم اللغة " ( 21 ) .
ومن هنا نلاحظ تركيز سيمولوجيا الدلالة على اللغة فالدلالات السيميائية منشؤها داخل اللغة لا خارجها لأن العلامة لا نستطيع أن نعبر عنها إلا بما تختزنه من لغة فاللغة هي جوهر المدلولات وبذلك نرى أن بارت استطاع قلب المعادلة السوسيرية من أن اللسانيات هي فرع من السيمولوجيا وأن السيمولوجيا أشمل وأعم
إلى أن السيمولوجيا فرع من اللسانيات وليس العكس .
و بعد استعراضنا لتلك المناهج بقي لنا أن نذكر أن الخطاب النقدي العربي المعاصر قد استفاد بشكل كبير من معطيات تلك المناهج وأن مجمل النشاط النقدي المعاصر يتكئ على الأدوات المفاهيمية والإجرائية لتلك المناهج و لقد رأى بعض النقاد العرب أن هذه المناهج ليست ميداناً للنقد الأدبي وحسب بل طالبوا بضرورة تعميم هذا النمط النقدي على المجتمع بكل أنساقه ومعارفه وعاداته وثقافته بغية نقد التصور الذهني المعرفي للمجتمع وبالتالي الوقوف على السلبيات الاجتماعية والثقافية .
وإذا كان " إمانويل كانط " قد عبر عن أن عصر الأنوار (( aufklarung )) هو عصر النقد الذي ينبغي للجميع الخضوع له بممارسة هذا النقد , فإن كمال أبوديب الناقد البنيوي يرى في البنيوية " مشروعاً ثقافياً لابد من إنجازه للارتقاء بكل من الثقافة والمجتمع العربيين " ( 22)
وتبقى هذه المناهج النقدية من أكثر المناهج أو القراءات علمية ؛ وبالتالي فإن الاشتـغال عليها يفضي إلى نتائج أكثر موضوعية من الاشتغال على ( القراءة ) الذاتوية أو السياقية .
مناهج النقد(8)
- منهج سياقي
- منهج نصي
أ- السياقي :
وهو ما يتناول الأبعاد الخارجية المؤثرة في النص وهذه الأبعاد تتعلق بكاتب النص وبيئته وقارىء النص و زمن النص :
1- البعد التاريخي :
وهو ما يتعلق بزمن الكاتب والبيئة التي نشأ فيها والتي انعكست بالطبع على سطور النص الداخلية .
2- البعد النفسي :
وهو ما يتعلق بشخصية الكاتب نفسه و إنعكاسها على جو النص ، فقال فرويد عالم النفس الشهير:" بأن العمل الأدبي هو عبارة عن مخرجات لمكبوتات داخلية كمنت بعقل الكاتب مثلها مثل الأحلام ولذلك يجب على الناقد أن يفسر النص الأدبي ولا يحكم عليه "
3- البعد البيئي :
وهي بيئة الكاتب والتي تنعكس بكل تأكيد على مسرح الأحداث و عنصر المكان وطبيعة الشخصيات بالعمل الأدبي .
ب- المنهج النصي :
وهو ما يتناول نقد النص من الداخل ويحلل إرهاصات الكاتب وله أبعاده أيضاً :
أ- البعد الشكلاني :
وهو ما يتعلق بشكل النص الأدبي فالهدف من النص الأدبي ليس الأدب في حد ذاته بل الهدف منه هو أدبيته وما يطرحه من أفكار .
ب - البعد البنائي :
وهو ما يختص ببناء النص وبتفنيدة بشكل كلي لا بتفكيكة وتفتيته ، أي أن هنا البعد البنائي يعتني بنقد بناء النص بصورة كلية لا جزئية.
والإتجاه الحديث الآن في النقد وهو ما يعتني بالوسطية أي أنه يجمع بين النقد النصي والسياقي ويمزجهم في بوتقة واحدة كي يخرج لنا أسلوباً نقدياً حيداياً يفسر النص ويقومه ولا يحكم عليه .
وبعد أن أوردت هذه الدراسة المختصرة أظن أن ردود الأديب الكبير /عبد الرحمن الجاسم جاءت لتحكم على النص من زاوية واحدة ، وحادت عن مناهج النقد فتطرقت إلى الأدب المقارن وعلم الموازنات الذي يوازن بين النصوص الأدبية وهذا بالطبع لا يتناسب مع مناهج النقد الأدبي وأهدافه المقومة للنص والمفسره له فلابد للناقد عندما يبدأ في نقد النص الأدبي أن يضع تلك المناهج أمام عينية كي لايحيد عن أسلوب النقد الأدبي إلى أساليب أخرى ليست محلاً ، والنقد في حد ذاته هو نقد للنص الأدبي فقط لا غير وعدم التعرض لصاحب النص والسفر إلى تداعيات أخرى تبعدنا عن الإبداع الأدبي وهذا رأيي بكل حيادية وموضوعية دون النظر إلى نعرات شخصية أو ذاتية .
هل وصل النقد في العراق إلى نهايته الطبيعية؟!(9)
سؤال طالما خامر ذهني وأنا أتقصى الجهد النقدي على صفحات الثقافة في المجلات والصحف العراقية، والتي غدت الفضاء الوحيد المتاح للممارسة الثقافية العراقية، بعد غياب المجلات الثقافية المتخصصة، أو تباعد أوقات صدورها، وعدم تلبيتها في الأعم الأغلب لإلحاح الراهن الثقافي، واكتفائها بالبعد التجميعي الكسول.
الفضاء الثاني (والمجاور) للممارسة الثقافية، يتمثل بالتجمعات واللقاءات والندوات، وهذه إما انحسرت بسبب ضغط الأوضاع الأمنية بالدرجة الأساس، أو تكتفي في العادة بالبعد الاحتفائي، كما هو الحال في أصبوحات اتحاد الأدباء، والتي تبدو، رغم كل شيء، المساحة (الثقافية/الاجتماعية) الوحيدة التي مازالت تحافظ على انتظامها.
أين مساحة النقد والمتابعة النقدية في هذه الصورة؟ أنها تكاد تكون منعدمة، وجل المتابعات النقدية إما يكتبها أدباء غير متخصصين، أو تأتي من الانترنت، نقلاً عن صحف أو مواقع اليكترونية، وهي في العادة تهتم بفحص أعمال تصدر في الخارج، لأدباء عراقيين أو عرب أو مؤلفات مترجمة. أما الجهد النقدي العراقي الخاص فقد تقلص بشكل كبير.
إن فعل القراءة النقدية بعنوانها الواسع (والمتوفر حالياً) هو شيء من صميم أية ثقافة، ولكنه لا يمكن ان يردم الهوة التي يخلفها غياب النقد، وغياب الجهد الذي تقدمه أسماء ترسخ نفسها حصرياً في هذا المضمار.
وهذا الغياب لا يحتاج الى جهد كبير لتلمس أسبابه، وهو ليس وليد اللحظة الحاضرة، فجميعنا يعرف الحال التي انتهى إليها الجهد النقدي العراقي خلال التسعينيات صعوداً الى بداية الألفية الجديدة، والتي شهدت مغادرة اغلب النقاد العراقيين الى خارج العراق، ولم يتبق منهم سوى قلة لا يستطيعون لوحدهم تغطية الفعالية الإبداعية العراقية، خصوصاً مع انحسار المساحة المتاحة لجهدهم النقدي، بحيث كانت الصحف العراقية تطالب الناقد بعدد محدود من الكلمات، بما يحول مقالته أو دراسته في النهاية الى شيء مبتسر ومختزل، وهذا ما دفع الكثيرين الى العزوف عن النشر في هذه الصحف، أما المجلات الثقافية المتخصصة فغدت فصلية وبعدد محدود من الصفحات، ولا يمكنها أن تلحق بإيقاع النشاط الثقافي، أو تساهم في تنشيطه إلا بشكل محدود.
الجانب الآخر الذي طبع النشاط النقدي في العراق لا يخص البعد السياقي السابق، وإنما يخص طبيعة الممارسة النقدية، والتي غدت، بسبب ضغط المتن التنظيري المترجم، أكثر شكلانية شيئاً فشيئاً، وابتعدت عن حالة (التوسط) بين النص الإبداعي والقارئ، لتغدو بحد ذاتها نصاً، يطالب القارئ بفك مغاليق شفراته. فأصبح من الشائع قراءة نصوص نقدية تزيد القارئ التباساً، ولربما قرأنا نقداً على نص هو أكثر بساطة وأكثر تواصلاً مع القارئ، فيشوش النص النقدي القراءة الأصلية للقارئ وتربكه.
العوامل السابقة قادت النقد في العراق الى حالة من الشحوب والتأخر، وغدا العنوان النقدي فاقداً الجاذبية ولا يعطي إمتلاءً للكاتب الذي يروم العكوف على هذا الجنس الكتابي، الى الحدود التي رأينا فيها أقلاماً نقدية جديدة خطت خطوات ناجحة، تتجه الى كتابة الشعر، وتلصق صفة الشاعر المتأخرة متقدمة على صفة الناقد، وقاد الكسل الكثير من هذه الأقلام النقدية الى حدود المتابعة القرائية المجاملة، وعدم الخوض في سجال مع المفاهيم النقدية لإنتاج خطاب نقدي خاص ومتميز.
ثم أنكفأت أسماء معروفة في ساحة النقد على نفسها، ولم يعد لها صوت مسموع على الإطلاق، رغم كثرة تواجدها أمام شاشات الفضائيات وفي الاستطلاعات الثقافية.
وأكاد اجزم بأن الصورة الشائعة عن الناقد قد تلاشت وانقرضت، فلم يعد هو الاعرف بأسرار الكتابة، والاعرف بخفايا النصوص، ولم يعد المطلع الأكبر على كل جديد يصدر، وتأخر في مواكبته للمتغير الثقافي وترك هذه المهمة للمبدعين أنفسهم.
وهذا الوصف ينطبق ايضاً على الوافد النقدي والمستجد على الساحة الإبداعية من تيارات واتجاهات. وغدت المتابعة أو القراءة النقدية التي يقدمها المبدع حول القضايا التي تخص مجاله الإبداعي أكثر طغياناً، وتملأ ـ اضطراراً ـ الفراغ المريع الذي خلفه غياب الناقد المختص.
لا يمكننا، مثلاً، ان نلوم الدكتور حاتم الصكر على عدم متابعته للمتغير الثقافي العراقي، لكونه يعيش في مناخ ثقافي آخر، ويكرس جهده لمتابعة المستجدات في ذلك المناخ، والأمر نفسه ينطبق على الأسماء النقدية العراقية المهمة التي مازالت على قيد الحياة، والمتوزعة على المنافي العربية، كالدكتور عبد الله إبراهيم، والدكتور صالح هويدي، وسعيد الغانمي وآخرين، فهم الآن جزء من المشهد الثقافي العربي، والمشهد الثقافي المحلي للبلدان التي يقيمون ويعملون فيها.
ولكننا نلوم من بقي من هذه الرموز النقدية داخل العراق، ومازال بصحته وعافيته. نلومهم لأننا نقرأ لهم في بعض الأحيان متابعات وقراءات نقدية على أعمال عربية متوسطة القيمة، منشورة في صحف ومواقع الكترونية عربية، وهي جهود لا تخلو من مسحة المجاملة، مهملين ما يجري في الحراك الثقافي العراقي دون مساهمة جادة في ترسيخ قيم إبداعية وثقافية تمثل معايير لتوجيه القراءة وفرز الصالح من الطالح مما يكتب وينشر، وفي إضاءة الأفق المعرفي العام الذي تندرج فيه النصوص الإبداعية.
ونلوم أيضاً من يقوم على الشأن الثقافي الرسمي، الذي فشل فشلاً مريعاً في إعطاء صورة أكثر قوة ونجاحاً لمجلات ثقافية متخصصة، بديلة عن تلك التي كانت تصدر في العهد السابق. ومقارنة بسيطة بين أحد أعداد مجلة الأقلام الصادرة خلال ثمانينيات أو تسعينيات القرن الماضي، مع أي عدد صدر من هذه المجلة بعد التغيير، أو مع أي مجلة ثقافية أخرى تصدرها مؤسسة ثقافية حكومية، سترينا الفرق الشاسع، والانحدار في الخط البياني للجهد النقدي العراقي.
ولو تأملنا تلك العلاقة بين الجامعة والفضاء الثقافي العام، لأدركنا جانباً من تداعي العملية النقدية، فبعد أن كانت الجامعة تصدر بشكل تقليدي والأقلام النقدية الرصينة التي تثري الفضاء الثقافي العام، وصلنا الى مرحلة لا نكاد نعثر فيها على موهبة نقدية واحدة في فضاء الجامعة، مع تكاثر في العقول (المدرسية) التي لا شغل لها سوى الكتابة في حدود الدرس والترقي العلمي، والاعتماد على جهود السابقين دون شهوة الإضافة أو التجديد والمغايرة.
لا يمكن إنكار أن الصورة الكابية للنقد العراقي الآن هي جزء من صورة عامة لثقافة عراقية في طور المحنة، ليس لها جسد واضح المعالم، وتبدو في أفضل أحوالها جزراً معزولة عن بعضها، لورش عمل شخصية، تتواصل مع السياق العربي والعالمي، وتتوسل الاكتشاف والترقي داخل هذا السياق، بعد انعدام السياق الثقافي الوطني، الذي يعاني من انعدام المعايير الثقافية والرموز والجهود التي تصب في مسار إبرازها وتأصيلها.
والحديث عن النقد هنا، لا يتحدد بمتابعة النصوص الإبداعية، فهذا مظهر، ليس إلا، من مظاهر الفاعلية النقدية. وما هو أكثر جذرية في الفعل النقدي، هو ذلك المسح والجرد العام الذي يقدمه هذا الفعل للإنتاج الإبداعي، ثم افتراض فضاءات لقراءته، وإنتاج تصورات عامة ذات تأصيل نظري، عن مجمل الفعالية الإبداعية.
وقد لا يختلف معي الكثيرون في أن هذا الجهد الذي يقدمه النقد بكل تفرعاته واتجاهاته، يمثل في المحصلة المفصل الأهم في ربط الإنتاج الإبداعي الصرف بجسد الثقافة، وبالمفاصل الفكرية والمعرفية داخل هذا الجسد، بما يحوي من تخارج وتداخل مع الفعالية المجتمعية العامة. أي ان النقد يضع الفن أمام المتلقي في جسد الثقافة، ويضع الثقافة في جسد المجتمع، فضلاً عن وظيفته التقليدية في التوسط والتقييم، وإثارة الجدل داخل النوع الفني، وتحديد معايير عامة تنجز الثقافة عادة بالانتحاء باتجاهها أو بعيداً عنها.
علينا ان نعترف، كجواب على سؤال هذه المقالة، بأن النقد قد انقرض في الثقافة العراقية، وعلينا أن لا نمتدح هذه الثقافة كثيراً، قبل أن نرقع جسدها الممزق وتصبح على صورة لا تؤذي الناظرين.
.........................................
1- منتديات المجالات
2- د . فاروق مواسي/ الهدف الثقافي
3- زهير الجبوري/ جريدة الصباح
4- عبد القادر عبو/ جريدة الاسبوع الادبي
5- سيد الوكيل/ مجلة أفق الثقافية
6- د. محمد المبارك / شبكة الوطنية الثقافية
7- أ . حسين المكتبي النعيمي / جماعة حوار نادي جدة الأدبي
8- عبد الرحمن جاسم / / شبكة الوطنية الثقافية
9- أحمد سعداوي/ جريدة المدى
10- دليل الناقد الادبي/ د. ميجان الرويلي/ د. سعد البازعي
11- قزاز ، طارق بكر عثمان . (1423هـ) : النقد الفني المعاصر دراسة في نقد الفنون 12- التشكيلية ، ط1،مكة المكرمة ، المملكة العربية السعودية.
13- عادل كامل: (ناقد فني)
14-فاضل ثامر: اللغة الثانية-المركز الثقافي العربي -ص82.
15- كمال خير بك حركة الحداثة في الشعر ص100.
16-دراسة الأدب العربي، دار الأندلس لبنان، ط1، 1983، ص 3-151.
17-عبد السلام المسدي: الأسلوبية والأسلوب، الدار العربية للكتاب، تونس، ط2، ص 88-89، 1982.
5-الياس خوري: الذاكرة المفقودة دراسات (نقدية) مؤسسة الأبحاث العربية، 3 ص 73، لبنان ط1، 1982.
6-أحمد يوسف: القراءة النسقية ومقولاتها النقدية م.س 0ص 147).
*نشير هنا إلىالمؤلفات التراثية وغيرها التي كان الهدف من تأليفها جمع المادة العلمية أدبية ولغوية
7-أدونيس : سياسة الشعر، دار الآداب، لبنان، ط1-1985-ص 134.
8-د.عبد الملك مرتاض: في نظرية النص الأدبي، مجلة الموقف الأدبي، دمشق، ع6، ص 201 –1989.
9-فاضل ثامر: اللغة الثانية م.(س)، ص 7
10- المرجع السابق ص 133.
11-ينظر: أحمد يوسف، القراءة النسقية ومقولاتها النقدية، م.س. ينظر، المرجع السابق، ص10، 170- 169.
12-عبد الله الغذامي: تشريح النص مقاربات (تشريحية لنصوص معاصرة)، دار الطليعة 11، ط1، 1987، ص 79. لبنان.
الحكايه فيها أن-فما أصل هذه العبارة؟ ومن أين جاءت؟
الحكايه فيها أن
فما أصل هذه العبارة؟ ومن أين جاءت؟
يُقال إن أصل العبارة يرجع إلى رواية طريفة مصدرها مدينة حلب، فلقد هرب رجل
اسمه علي بن منقذ من المدينة خشية أن يبطش به حاكمها محمود بن مرداس لخلاف جرى بينهما،
فأوعز حاكم حلب إلى كاتبه أن يكتب إلى ابن منقذ رسالة يطمئنه فيها ويستدعيه للرجوع إلى حلب،
ولكن الكاتب شعر بأن حاكم حلب ينوي الشر بعلي بن منقذ فكتب له رسالة عادية جدا
ولكنه أورد في نهايتها "إنّ شاء الله تعالى" بتشديد النون،
فأدرك ابن منقذ أن الكاتب يحذره حينما شدد حرف النون،
ويذكره بقول الله تعالى: "إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ"*.
فرد على رسالة الحاكم برسالة عادية يشكره أفضاله ويطمئنه على ثقته الشديدة به،
وختمها بعبارة: "إنّا الخادم المقر بالأنعام".
ففطن الكاتب إلى أن ابن منقذ يطلب منه التنبه إلى قوله تعالى: "إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا"*،
وعلم أن ابن منقذ لن يعود إلى حلب في ظل وجود حاكمها محمود بن مرداس.
ومن هنا صار استعمال (إنَّ) دلالة على الشك وسوء النية
أوقفوا هدم دار الجواهري في بغداد/ رواء الجصاني
أوقفوا هدم دار الجواهري في بغداد/ رواء الجصاني
فاجأتنا اليوم انباء مؤلمة اخرى من الوطن ، ثقافية وتاريخية ووجدانية هذه المرة ، خلاصتها ان بيت ، او بويّت ، الجواهري الاول والاخير في العراق ، الكائن في حي الصحفيين ، قرب ساحة النسور ببغداد ، سيشتريه خلال ايام وحسب ،أحد رجال الاعمال ، لهدمه وانشاء مبنى اخر ، اكثر " حداثة " و" علواً" مكانه .... وذلك علناً مع سبق الاصرار ، ولم يستعر غضباً – حتى الان على الاقل – ضمير هنا أو مسؤول هناك لمنع هذه الفعلة الاليمة في بلدنا العجيب .
نقول " فعلةً " ولا نزيد في الوصف ، ونعني ما نقول ، بل ونعمل على اثارة الراي العام بهذا الشأن ، وتسبيبنا : ان الجهات المسؤولة ، السياسية والرسمية والاثارية والثقافية والادبية والصحفية، وغيرها ممن يعنيها الامر، لم تحرك ساكناً ، لشراء بيت الجواهري – وكفى – وبمبلغ بخس نسبياً ، وابقائه تراثاً شامخاً للوطن وللاجيال ، السائدة والقادمة .
ان تجارب ووقائع الشعوب المتحضرة ، وغيرها ، وفي بلدان اقل غنى بكثير من بلادنا ، تعلمنا كيف حافظت ، وتحافظ ، على تراث واثار ادبائها ومبدعيها ، دعوا عنكمو رموزها وعظماءها ... وها هي شواهد كثر على ما نزعم : بيوت ومساكن وشقق، بل وحتى غرف نوم وحسب ، لشكسبير وتولوستوي وغوته ونيرودا واحمد شوقي ... ويطول التعداد ويعرض ... متاحف ومزارات شاخصة يتباهى بها الابناء والاباء والاحفاد ، على حد سواء ... وهنا ، فكم هو رائع ان لا نتعب الخلف اللاحق ، وبعد سنوات او عقود ، بل وربما قرون ، للبحث عن موقع عراقي للجواهري العظيم، وكما هو حال صنوه المتنبي ، الذي مازال الجهد قائماً ،ومنذ زمن مديد لتوثيق بيته في الكوفة او النعمانية او حلب ...
ان العُجالة تمنعنا من الاستطراد ، وعسى ان لا يفوت الوقت ، فيزال شيوع بيت الجواهري ، ويروح الهدم مصيره ، على مرأى ومسمع المعنيين ، والقادرين على منع حدوث " الفعلة " النكراء ... ذلكم البيت التي طالما شهد ولادات قصائد عصماء ارخت للبلاد العراقية واهلها ، بافراحها واتراحها ... وهو البيت ذاته الذي زارته العشرات من النخب الثقافية والوطنية والسياسية ، من مختلف النحل والرتب والالقاب... وهو ايضا وايضا تلكم الدار الاخيرة التي تغرب عنها الشاعر- الرمز ، من الوطن اضطراراً، مطلع الثمانينات الماضية ، وحتى رحيله الى عالم الخلود عام 1997 ليوارى الثرى في تربة الشام والى اليوم ، ولا احد يدري متى سيسرى برفاته الى العراق : لسانه ودمه وكيانه...
اننا نظن ، وبعض الظن ليس اثماً في عالم اليوم ، ان الامر لا يتطلب مزيد جهد لتفادي الحال التي نشير اليها ونتحدث عنها ، لاسيما وان الامر ذو صلة بثروة وطنية، تمنع القوانين في العالم المتمدن- ونحن نسعى لان نكون منه كما نرجو ونعمل - تمنع وبكل صرامة اي مس بتلكم الثروات ، بله مثل ثروتنا التي نعني .
واخيراً، ولرب متنطع يتساءل عن سبب توجيه هذه الرسالة الى اولئكم المسؤولين الاربعة المحترمين بالذات ، فنقول : انها لفخامة رئيس الدولة بصفتين ، دستورية وشخصية. ولدولة رئيس حكومة العراق التي كم نتمنى ان لا تتم في عهدها مثل تلك الفعلة . والى معالي وزير الثقافة ، بوصفه المعني مباشرة بمثل هذه الشؤون . واخيرا لمعالي امين العاصمة ، وهو المسؤول الاول عن حفظ تراثها واثارها ... ونزيد هنا فنضيف انها – هذه الرسالة – موجهة ايضا لفخامة رئيس اقليم كردستان ، ذي الصلة الوثقى بالجواهري على ما نعهد ..
واخيرا كم ترددت عن الاباحة بمثل هذه الرسالة المفتوحة ، لدوافع خاصة وشخصية وفي مقدمتها : خشية عتاب او زعل من الاهل والال ، ثم احتراز من مدعين ومتربصين وغيرهم ... ولكن ها هي المناشدة تعلو كي لا يبرر حدوث "الفعلة" بعدم المعرفة بها او العلم بتوقيتها .. الا هل بلغت ، اللهم-
الاثنين، 2 مايو 2011
قصص قصيرة جدا َ-عادل كامل/ بغداد
قصص قصيرة جدا َ
عادل كامل/ بغداد
[ من أنا ]
قرب الرجل المسن الصحيفة التي وجدها بجواره، في المقهى الشعبي الذي اعتاد الجلوس فيه، فألقى نظرة إلى عناوين الصفحة الأولى، ثم قلبها، كي يجد بصره منجذبا ًإلى رسم كاريكاتيري، رسمه مؤيد نعمة، في الصفحة الأخيرة:
ـ " أأنا هو الكلب! " تاه بصر، وهو يقول في نفسه:
ـ " أم أنا العظم الذي في فمه؟" سكت لبرهة، وأضاف بصوت خفيض:
ـ " أم أنا هو هذا الذي لم يعد حتى كلبا ً، في صبيحة هذا اليوم البارد" أعاد الجريدة إلى مكانها، وطلب شايا ً، وراح يحدق، عبر زجاج المقهى، في المارة، مرددا ً مع نفسه، انه لم يعد حتى فائضا ً كي يستغيث، أو يتذمر، أو يموت!
[2010]
[صياد]
هل أطلق النار ...تساءل الصياد، مع نفسه، وهو يصّوب بندقيته نحو الهدف...؟ لا . فقد لمح، في تلك اللحظة، خلف سرب الطيور البيض، قرص الشمس يرسل أشعة حمراء في السماء. ماذا حدث؟ سأل نفسه: ألا تستطيع أن تطلق رصاصة...؟ تجمد، وفمه كف عن النطق، وهو يراقب سرب الطيور البيض يبتعد ويتلاشى أمام بصره، فيما مكث يراقب قرص الشمس، وقد غدا بقعة حمراء، وقد توارى خلف الأشجار. لم يفق إلا وهو يرى، في المرآة، بقعة رمادية لم يستطع التعرف على ملامحها، وما اذا كانت هي التي تخرج منها، أو انها هي التي كانت تتوارى داخلها.
[2011]
[ذكرى]
كان يشاهد فلما ً وثائقيا ً عن الحرب .. لم يبتسم، ولم يحزن، ولم يسأل نفسه كيف نجا من الحرب التي ذاق غبارها، وتنفس دخانها حد الموت. بل وجد بصره منشغلا ً في تأمل يده: خالية من الأصابع تماما ً. لقد فقدها في زمن السلم. ترك متابعة الفلم وحدق في مرآة كانت بجواره، لقد حاول تذكر محياه، فقد كان يرى كتلة رمادية خمّن أنها كانت دائرية، إنما ـ وهو يتحسس محياه ـ أصبحت ذات نتوءات، ولم تعد، كما ألفها، وجها ً بشريا ً. قرب ما تبقى من يده وحدق فيه: هذا ما تبقى في نهاية المطاف!
[2011]
[ في الحرب]
بسبب العاصفة، والمطر، والبرد، والظلام، فقد جرت المعركة بالأصابع، والسلاح الأبيض، والحجارة. ليجد نفسه، بعد ساعات، يستنشق هواء ً باردا ً، ويشاهد قرص الشمس يرتفع ـ من وراء قمم الجبال ـ في السماء. بهدوء، ترك أصابعه تحفر حفرة صغيرة، بين الصخور، ليضع رأسه فيها كاتما ً آخر ما دار بباله: ذلك لان الحرب لم تنته بعد.
[1988]
[ حوار]
سأل المحتضر حفيده، وهو يصغي إلى أصوات هتافات عالية، مدوية، عنيفة، كانت تأتيه من الشارع: أنا لم افعل شيئا ً، فلماذا يطالبون بطردي! تجمدت الكلمات في فم حفيده الصغير، وهو يستعيد مشاهد كان جده يرفعه فيها عاليا ً، وفي مقدمة المتظاهرين. ولم ينس كيف تم إلقاء القبض على جده، في الأسبوع الماضي، ولم يعد إلى الدار، إلا وهو يردد: لم أفعل شيئا ً، فلماذا يريدون إسقاطي، وطردي من المدينة! تابع الجد النطق بصعوبة وهو يرى حفيده يبكي بصمت: تلك هي الحياة يا حفيدي، فأما أن تكون صيادا ً، حاذقا ً، وأما أن تجد نفسك وقد تحولت إلى طريدة. لكن الجد لم يبح بآخر ما دار بخلده: لا تخف، فالحياة تطرد الجميع!
[2011]
[ بحث ]
فصلوا رأسي عني وطلبوا مني أن أغادر. فعلت. وأنا اهرب تعثرت بصخرة رفعتها ووضعتها فوق راسي، ورحت أتلمسها، فعثرت على حروف كانت تتبعثر، وتتناثر، فحاولت جمعها ومعرفة من يكون صاحبها، فلم استطع، وها أنا مازلت ـ منذ نهاية العصر الذي ولدت فيه ومت ـ أقوم بالبحث عن صاحب الرأس، الذي بدوره، هامسا اخبرني، يجهل الجسد الذي يشاركه البحث!
[2011]
[مرآة]
حدق في المرآة، منشغلا ً بالبحث عن لون خال ٍ من التفاصيل، فنهض، كما في كل مرة، وفتش في غرف البيت، وفي الحديقة، وفي سطح الدار، ثم خرج إلى الشارع، وبحث في الأزقة، والمقاهي، دون أن يعثر على اللون الرمادي الذي ظن انه رآه ذات مرة، في المرآة. وكما في كل مرة، يعود، في آخر الليل ـ منهكا ً ـ إلى البيت، فيترك جسده يستقر فوق السرير، من غير أحلام.
وفي صباح اليوم التالي، قرر أن لا يبحث عن هذا الذي ـ تخيّل ـ رآه، لأنه، وهو يمسك بالمرآة، لم يعثر على علامات، أو نهايات، أو ألوان تدل على وجود محياه. لم ينهض للبحث عن الذي رآه في ذات مرة، لا في غرف البيت، ولا في الحديقة، ولا في المقاهي، ولا في الشوارع، بل، في آخر الليل، لمح المرآة تمشي، فمشى خلفها، فدخل صالة الاستقبال، ثم ذهب خلفها إلى المطبخ، ودخل غرفة النوم، من ثم عاد يمشي خلفها في الشارع، وفي الأزقة، وأخيرا ً رآها تعود إلى البيت، فجرا ً، وكان يرى فيها ملامح رمادية لوجه جعله ينهض، ليفتش عنه في البيت، وفي الحديقة، وفي سطح الدار، من ثم ..أخيرا ً قرر أن يرمى المرآة في النهر! آ ... كانت ثمة مرايا لا تحصى تحدق فيه، الآمر الذي جعله يسأل نفسه: والآن ما العمل؟ آفاق فجرا ً، وكانت أصابعه منشغلة بجمع شظايا زجاجية متناثرة فوق الأرض، وفي الحديقة، وفي سطح الدار، وفي الأزقة، وفي المقاهي..ليلمح، بشرود، أدق أجزاء محياه موزعة في الشظايا، وهو يجمعها، ويضعها في كيس، بانتظار أن يجد لها مكانا ً يخفيها فيه بعيدا ً لا عن المارة، ولا عن الآخرين، بل عن عينيه، وهما تبحثان عن مرآة جديدة.
[2011]
[هل كنت أفكر؟]
هل كنت أفكر؟ لم تجد الآلة التي أمضى البروفسور س سنوات طويلة في صنعها، جوابا ً. ذلك لأنها كانت ـ ذاتيا ًـ تدرك أن س، هو الأخر، كان يسأل نفسه السؤال ذاته، لكنها أجرت مقارنة سمحت لها أن تقترب منه، وتداعب ما تبقى من خصلات شعر رأسه البيضاء. كانت فكرة س أن يمضي ابعد من صناعة جهاز تكتمل فيه الدورات: البصر/ الإحساس بالفراغات/ واختلاف الملامس/ والبحث عن صلات مشتركة بين الحدود، بعد أن كان قد جعل جسده ـ ودماغه ـ وأحاسيسه كلها نموذجا ً لجهاز يتعلم كيف لا يستعين به، أو بسواه. لم يصدر الجهاز صوتا ً مرتفعا ً كي يسأل البروفسور س ما اذا كان مضطربا ً بسبب أن الجهاز بلغ درجة الاكتفاء بالعمليات كافة، ومنها، معالجة مشاعره بالأسى، والمسرات، والاكتفاء بعمل يحد من الرغبات أو من الخمول، هامسا ً، بذبذبات لا مرئية، قرأها س، فهز رأسه، استجابة مبكرة لذاتية عمل الجهاز.
ابتعد احدهما عن الآخر. س تمدد فوق سريره الخشبي للاستراحة، فيما كان الجهاز يقف عند بابل المشغل، منشغلا ً بتسجيل درجات الحرارة، والأصوات، والإشعاعات، والروائح، والمؤثرات اللا مرئية، ويدون ـ في ذاكرته ـ ما كان يصدره س من ذبذبات، وموجات مشفرة، وعلامات مخبأة بإحكام، ومن باثات للتمويه، ليست حرارية، أو صوتية، بل وغير قابلة للقياس، أو الرصد. كان يجمعها، إلى جانب عمله الرقمي للبيانات الأخرى، ذات الصلة بالمحيط الخارجي. فأدرك الجهاز، أن هناك، بينه وبين س، فجوة انه لم يعد يجهل ما كان يدور في عقل، وجسد س، فيما كان البروفسور، قد اكتشف لذّة في الكف عن المراقبة، والرصد، متلذذا ً بترك لا وعيه ـ مع الجهاز ـ في استكمال برنامجه، وقد حفزه للعثور على محفزات صاغها في ذاكرته، بأنه لم يعد شبيها ً بمعلمه، إنما لم يعلن ذلك، لان معلمه ـ هو الآخر ـ ليس شبيها ً به، إنما كان، كلاهما، يستكملان الدورة، بما فيها الحافات غير المنغلقة، لم يبتسم الجهاز، ولا البروفسور، فقد كانا يرصدان صمتا ً راح يمحوا ما سجل في البيانات السابقة. آنذاك راح الجهاز يسأل نفسه، السؤال الذي طالما شغل البروفسور س: هل كنت أفكر؟
[ في ذات صباح]
وهو يعبر الجسر، من اليسار إلى اليمين، استوقفه مشهد صبية، عند المنتصف، كانوا يقذفون، إلى الأعلى، قطعا ً صغيرة من الخبز، فتقترب النوارس منها، لالتقاطها قبل أن تسقط وتعود إلى النهر، نهر دجلة، في يوم حرارته مرتفعة. كانت النوارس تراقب حركة أصابع الصبية وقد انقسموا إلى فريقين، الأول يرمي فتات الخبز، فتحاول النوارس التقطاها، والآخر يقوم بقذفها بالحجارة. لم يجد الكهل وقتا للتفكير، فقد كان متأخرا ًعن موعد عمله، لكنه وجد جسده يتوقف عن الحركة، مرددا ً في نفسه: أي كمين هذا .. أي كمين ...! ثم عاد يراقب ـ بشرود ـ المارة يعبرون من اليسار إلى اليمين، ومن اليمين إلى اليسار، غير مكترثين إلى المشهد. وبصره مشغول بمراقبة أصابع الصبية، كم كانت نحيلة، ودقيقة، وهي تقذف قطع الخبز إلى الفضاء، فتتوجه النوارس نحوها لالتقاطها، فيسرع الفريق الآخر من الصبية لمهاجمتها كأهداف أصبحت مباشرة وبالإمكان إصابتها من غير جهد أو أخطاء تذكر. حاول الكهل أن يفتح فمه، أو أن يصرخ، أو أن يستغيث، لكنه فشل. فحاول لفت أنظار المارة لما يحدث، لكنه لمح أن صبيا ً كان يحمل سكينا ً، فوجد جسده يتراجع، خطوة خطوة، من اليسار إلى اليمين، لكن النوارس كانت مازالت تحوّم بيضاء في الفضاء تاركة، في بصره، ومضات تشع لونا ذهبيا ً تارة، ولونا ً فضيا ً تارة أخرى، وهي ترتفع إلى الأعلى، فيما كانت أنامل الصبية، لا تكف عن إصابة أهدافها.
[2003]
[ظلال]
" أرجوك، أرجوك ... دعني أصغي إلى صوتك. فأنا اعرف انك لن ترد على أرقام لا تعرفها، لكني لست رقما ً ..... مجهولا ً" قرأ الرسالة، ، ثم سأل نفسه: من يكون ...من تكون .. صاحب هذا/ هذه الرسالة؟ كانت آخر رسالة وصلته، عبر الهاتف، سمحت له أن يكتب كلمة واحدة: من..؟ فجاء الجواب بكلمة واحدة أيضا ً: النهر!
لم يكن مستعدا ً لإجراء مراجعة رموز نصف قرن وفكها ليجد معنى ما لكلمة نهر. لكن ذاكرته قفزت إلى مشهد لم يمح ولم يندثر بين ملفات حياته المزدحمة بالمشاهد، والصور. تذكر انه عبر النهر مع فتاة اضطرته أن يفعل ذلك، في زورق خشبي صغير. كان ذلك قبل عشرين سنة. قبل دهر، دار بخلده، لكن لا احد صدق حكايته تلك، وهو ـ نفسه ـ عدها وهما ً. ها هو يصغي إلى كلماتها تتحدث عن زورق يتقدم ضد التيار، مارا ً ببساتين النخيل، ويتوقف الزورق عند ضريح يطل على النهر، لصق الماء. كانت تقول له أنها ـ مع زميلاتها ـ يجئن إلى المزار، ومع كل واحد وردة، وكل فتاة منهن تقوم بقطف جزء منها، فان كانت النهاية أحادية، فإنها لن تحصل على فتى أحلامها. أما أنا ـ أصغي إلى صوتها يأتيه صافيا ً ـ وفي ثلاث مرات، يكون الرقم زوجيا ً.
رن الهاتف. الرقم المجهول ذاته. تركه يرن، فيأتيه الصوت ممتزجا ً برذاذ الماء وبرائحة عطر طالما قاده إلى مكانها، متموجا ً، انما غاب بصره مع خصلات شعر امتدت مع الموج، كان يراها ترتفع حيث ينابيع النهر، هامسا ً: لا توقضيني. ولم يجد بدا من الإصغاء إلى الصوت:
ـ " سألت: من؟ قلت لك النهر. الآن أقول لك: أنا ..من .. معك ..ذهبنا إلى أعالي السماء"
لم يعد يرى نهرا ً، ولا أمواجا ًـ ولا مزارا ً، ولا خصلات شعر سود تتموج مع الماء، لم يعد يرى فضاء ً أو غيوما ً رمادية تتلبد في السماء، لم يعد يرى ... أو يصغي .. أو يتنفس رائحة عطر وردة تمسك بها أصابعها، اثر مرور طائرة أعقبها صوت انفجار ... دوى تاركا ً صداه يملأ الفضاء ..."
ـ " أنا قلت لك لا استطيع أن اذهب معك ... بعيدا ً "
ـ " لِم َ تركتني .. أغادر ...إذا ً ....؟"
إنما كان ـ شاردا ً بصوتها ـ قد ترك لا وعيه يراقب ابتسامة مختزلة، لا صوت لها، وقد ملأت محياها حتى لم يفكر في انه حلم أن تكون أمامه فيما قالت له إنها عثرت على فتاها، تاما ً، وإن لم تكمل نهاية ما اذا كان العدد فرديا ً، أو زوجيا ً. كان للطائرة لون امتزج بالدوي فيما كان الزورق ينحدر مع التيار.
حدث ذلك عندما كانت الغيوم تتلبد، لتظهر فجأة طائرة تخترقها، وأخرى كانت تتبعا تاركة أزيزا ً حادا ًن فيما كان الزورق ينحدر مع الماء وسط النهر. وسط دجلة. ويرى ظلا ً بلوريا ً لفتاة لم تجتز زمن ورتها، بعد أن تركتها تذهب مع الموج، من شدة فزعها، وهي تراقب مرور الطائرات. رآها تملأ الفضاء بصمت فراح يراقب مسافته، إلا انه قال في نفسه، كان الرقم صفرا ً.
كالنائم، والزورق مازال ينحدر مع الماء، قال انه لن يصل إلى البحر أبدا ً. فيراها تثب نحو الساحل، فيهرول ـ هل هرولت؟ ـ للامساك بظل رآه يغيب، فيسأل نفسه: من؟ كي يصغي إلى صوتها يأتيه من البعيد: أنا هي من مازالت تسكن معك النهر، وبصري مازال يراقب خطاك تمشي فوف الماء.
[1991ـ 2011]
"سكتة يا ام حسن سكتة-هاشم العقابي
هاشم العقابي
،
لان خبر تظاهرات المزورين عند باب وزارة العدل شدهني ولا اقول ادهشني أو حيرني،
فسد شهيتي عما عزمت ان اكتبه اليوم.
كنت قد كتبت مرة ان آخر ما افكر به هو ان اسمع بمظاهرات للشرطة.
لكن يبدو ان زمن العجائب قد بدأ فها انا اسحب كلامي بعد أن طلعنا على الدنيا بمظاهرات "للمزورجية"
لنتفوق على مصر حين "تباهت" علينا بمظاهرات "البلطجية".
الاخبار تقول ان عدد الموظفين المزورين بلغ 50 الف موظف وموظفة منهم 4 آلاف في وزارة العدل لوحدها..!!.
ولان زمن الحياء قد ولى،
فلم يجد اعضاء جيش المزورين حرجا من التظاهر"عينك عينك"، وليقول احدهم بكل "صراحة"
بانهم اذا لم يقدر احد حاجتهم "الانسانية" للتزوير فانهم سيضطرون للعمل مع اي جهة كانت، بما في ذلك المسلحين للقيام باعمال تفجير وقتل. يعني يطلعون حيفهم براس اولاد الخايبة. مرة اخرى "تعدوا الذئاب على من لا كلاب له".
لو كان هذا النوع من التظاهرات، وما رافقها من تصريحات على لسان المشاركين فيها، قد حدثت في اي بلد تحترم به الحكومة شعبها، فما الذي سيتوقعه الشعب من حكومته ومن رئيس وزرائها؟ هل سيلوذ رئيس الوزراء بالصمت على طريقة "سكتة يا ام حسن سكتة"؟ ام سيخرج على الناس ليقلب عاليها سافلها لان هناك تظاهرات هددتهم علنا بالقتل؟
انا شخصيا، لا الوم المزورين، لانهم ضحايا الخراب التربوي المتعمد الذي تمارسه السلطة الرسمية وسلطات الشارع المتعددة بالعراق. ولمَ ألومهم وهم يعرفون ان الحكومة نفسها، بالأمس، قد اعدت مسودة "قانون" للعفو عن المزورين؟ وقانون العفو قطعا جاء من اجل ذوي الدرجات الوظيفية "الخاصة" وليس من اجل حراس ليلين لا ندري اي مستشار "غيور" أفتى ان لا يتم تعيينهم الا بشهادة حتى وان كانت مزورة. اذن "بيا عين" سترد الحكومة على هؤلاء "الفقراء" الذين حتما سيردون عليها: "ليش من صوبكم غفور رحيم ومن صوبنا شديد العقاب"؟
رب قارئ يسألني عن سر قصة "السكتة وأم حسن" التي مررت على ذكرها.
انها حكاية عن فلاح ماتت زوجته "أم حسن" تاركة له ثلاثة اطفال صغار ليحتار بتربيتهم وتدبير امور حياتهم.
وبعد ان انتهت ايام العزاء زارته مجموعة من نساء القرية لتفقد احواله واحوال اطفاله بعد رحيل ام حسن.
وما ان شاهدهن حتى اجهش بالبكاء مناديا: "يا ام حسن شلون بجهالج ويا هو اليحضرهم للمدرسة؟".
اجابته احداهن: "انا خوية كل يوم امر الصبح احضرهم وآخذهم ويا جهالي". ثم صاح: "واذا جعنا شلون بينه؟". ردت أخرى: "انا عدكم خويه، انت بس حضر المسواك وانا اطبخلكم حالكم حال عيالي". بعدها جر حسرة طويلة ونحب: " يا ام حسن كليلي شسوي اذا طكني البرد بالليل وانا وحدي بالفراش؟". سكتت النسوة ولم تجبه اي منهن. وهنا لطم ابو حسن على صدره صائحا: "سكتة يا ام حسن سكتة".
وهذه هي حالنا اليوم. فعندما تظاهر العراقيون بسلام مطالبين بالاصلاح كان طول لسان الحكومة ضدهم شبرين. اما حين تظاهر المزورون مهددين برفع السلاح سكتت الحكومة وضمت راسها.
يالله .. النا الله
الأحد، 1 مايو 2011
النفط والتدخل الغربي-جابر حبيب جابر
النفط والتدخل الغربي
جابر حبيب جابر
الشرق الاوسط، 1/5/2011
عندما احتلت بريطانيا مصر عام 1882، وكان ذلك جزءا من استراتيجيتها الكونية لتأمين ممرها البحري إلى الهند وشرق آسيا، سرى جدل حول سعي بريطانيا إلى الاستحواذ على مصر بشكل كامل، وقد رد رئيس الوزراء البريطاني آنذاك اللورد بالمرسترون على ذلك بالقول: «نحن لا نريد مصر، أو لا نريدها لأنفسنا، مثلما لا يريد أي رجل عاقل له ضيعة في شمال إنجلترا وقصر في جنوبها أن يمتلك النزل والحانات الواقعة على الطريق بينهما. كل ما بوسعه أن يرغب به هو أن تظل تلك الحانات بحالة جيدة متاحة دائما وتمده، كلما أتاها، بوجبة من شرائح اللحم الضأن والجياد المجهزة».
وفي الحقيقة أن هذه المقولة تبدو مهمة اليوم لنفهم بشكل أعمق استراتيجية القوى الكبرى وسياساتها ومفهومها الجيوسياسي في الحفاظ على تفوقها، والأهمية تنبع من انفتاح الوضع العربي على أكثر من تدخل غربي يصل، كما في الحال مع القضية الليبية، إلى حد استخدام القوة العسكرية، في وقت تبدو معه مفاهيمنا المبسطة حول سعي الغرب إلى السيطرة على النفط غير قادرة على مجاراة ما يحصل، أولا: لأنه يبدو، في حالات كثيرة، أن هنالك سعيا نحو الغرب من قبل الكثيرين أكثر من سعي الغرب إلينا، وثانيا: لأن مقولة الهيمنة الغربية على النفط لا تصمد أمام حقيقة أن هذا النفط متاح للقوى الغربية، سواء بقي القذافي أو رحل، بل إن الأخير في وضعه الضعيف الراهن مستعد لأن يقدم للدول الغربية شروطا غير مسبوقة على صعيد السياسة النفطية إن تم تركه في سدة الحكم. الشيء نفسه ينسحب على وضع النظام العراقي قبل سقوطه عام 2003، وفي الحقيقة أن التبسيطيين من الذين روجوا إلى هدف السيطرة المباشرة على النفط يواجهون اليوم مشكلة حقيقية في فهم ما يحصل، خصوصا أن التغيرات الأخيرة وضعت حدا للقاموس القديم القائم على ثنائية الغرب الشرير والشعوب الطامحة إلى الاستقلال؛ فالأوراق اختلطت كثيرا وباتت بعض هذه الشعوب تستنجد بالغرب الشرير وباتت ثنائية الأمس عاجزة عن أن تصمد أمام وقائع اليوم.
مع ذلك لا بد من القول: إنه على الجانب الآخر كان هنالك تبسيطيون من نوع مختلف، مسكونون بعقدة التفوق الغربي ويعتقدون أن الغرب يتدخل في منطقتنا بوحي من مُثل راقية وأهداف نبيلة، وهم بدورهم يواجهون اليوم بإشكالية الازدواجية الغربية تجاه الاحتجاجات والانتفاضات في منطقتنا بين مواقف غربية حازمة أحيانا، ومتخاذلة في أحيان أخرى، ومن الواضح أن الغرب يقيم موقفه من الحركات الشعبية بحسب مصالحه الاستراتيجية فيسكت عن القمع في مكان ما ويندد به في مكان آخر. لا جديد في ذلك، غير أنه يبرهن مرة أخرى على أن واقع السياسة أعقد بكثير من التقويمات المبسطة للأمور، وأن المنطقة بحاجة إلى قاموس جديد أكثر واقعية في فهم ما يحصل والتخلص من خلط التحليل بالشعارات.
مؤخرا، أظهرت تسريبات لوثائق بريطانية أن الحكومة البريطانية عقدت اجتماعات مع ممثلين لشركتي «بريتيش بتروليوم» و«شيل» تم التداول فيها بشأن النفط في العراق قبيل الحرب عام 2003، واستشف البعض من ذلك أنه تأكيد على أن مجمل الحرب كان حول النفط والسيطرة عليه بالمعنى التبسيطي. غير أن مثل هذا التفسير يرد عليه البعض ليس فقط بالحجم الهائل مما أنفقه الأميركيون والبريطانيون، الذي يفوق ما يمكن أن يوفره النفط العراقي للدولتين بافتراض أنهما وضعتا اليد عليه، لكن الأهم من ذلك هو أن وقائع ما بعد 2003 تشير إلى حقائق مهمة يميل البعض إلى تجاهلها، من بينها: أن موضوع الاستثمار النفطي في العراق ظل مؤجلا حتى خمس سنوات بعد الاحتلال، وأن أول العقود النفطية التي تم توقيعها انتظرت حتى عام 2008، ابتداء من إعادة تفعيل اتفاقية مع شركة البترول الوطنية الصينية لاستغلال حقل الأحدب كان نظام صدام قد وقعها، واللافت أن الاتفاقية قد عدلت بحيث تم تقليص الأرباح التي كانت مقررة إلى الشركة في الاتفاق الأصلي. وفي عام 2009 تم توقيع 11 عقدا جديدا، جميعها جاءت بشروط أفضل للدولة العراقية ووفق اتفاقات خدمة لا شراكة في الملكية والعقود شملت شركات صينية وتركية وروسية ويابانية وإيطالية وكورية وماليزية وبريطانية وكندية وأميركية وفرنسية، مما يوضح أنه إذا كانت الحكومتان البريطانية والأميركية قد شنتا الحرب للحصول على النفط لشركاتهما فإنهما قد فشلتا في ذلك بوضوح. وبموجب العقود يحتفظ العراق بـ50% من الأسهم وبالسيطرة على البنية التحتية والمبيعات، وهامش الربح الذي حصلت عليه الشركات يقل عمَّا تحصل عليه في بلدان أخرى.
لأول مرة بتاريخ العراق جرى توقيع العقود بشكل معلن وجرت العطاءات أمام كاميرات التلفزيون ولم تعد سرا من أسرار الأمن القومي، كما أن قانون النفط والغاز الذي ضغط الأميركيون باتجاه توقيعه والاتفاق خلاله على طريقة توزيع العائدات بين المركز والأقاليم لم يمرر حتى الآن بسبب خلافات الكتل البرلمانية وخشية البعض من تمرير منافع معينة للشركات الأجنبية، بمعنى أن السياسة النفطية في العراق بعد الاحتلال أصبحت أكثر شفافية وديمقراطية وتشددا من ناحية الشروط، وهو ما يناقض أيضا الأطروحة المبسطة حول السعي الأنغلو - أميركي للسيطرة على النفط. بالطبع هنالك عدم كفاءة واضحة في إدارة عوائد النفط وإرهاب يستهدف الأنابيب والبنية التحتية، مما أثر طويلا على إمكانات العراق التصديرية، لكنها قضايا لا تتعلق بصلب موضوع المقالة وربما نفرز لها مقالة أخرى.
لكن هل غاب النفط عن ذهن صانعي القرار الغربيين؟ بالقطع لا، بل إنه كان وسيكون دائما حاضرا في تقرير الاستراتيجية الغربية بمنطقتنا، ولكن بطريقة تتجاوز التفسير التبسيطي القائل إنهم هنا ليأخذوا نفطنا. لقد كان بإمكانهم أن يسيطروا على آبار النفط فعلا، بل إن هنالك اتجاها يمينيا متشددا داخل إدارة بوش طالب بذلك، لكنه أمر لم يحدث ولن يحدث؛ لأن الزمن تغير والسياسات الإمبريالية التقليدية باتت غير ممكنة. إن حضور النفط مرتبط برؤية استراتيجية أميركية أساسية تقوم على مبدأين، الأول: أن يستمر تدفق النفط بسلاسة ومن دون انقطاع وبأسعار قابلة للاحتمال من الشرق الأوسط إلى الأسواق الغربية. والثاني: ألا تسيطر أي قوة عالمية أو إقليمية معادية على مصادر النفط أو على جزء كبير منها. هذان المبدآن يحكمان البعد النفطي للسياسة الأميركية إلى حد لا يتطلب معه أن تسيطر أميركا على كل الحقول والأنابيب والتسهيلات والموانئ في المنطقة من أجل أن تصل مقصدها، كما هو الحال مع البريطاني الذي لم يحتج السيطرة على كل الحانات في الطريق ليضمن مرورا سهلا.
الشرق الاوسط، 1/5/2011
الفقراء في وطني -هادي جلو مرعي
الفقراء في وطني
هادي جلو مرعي
وفي كل وطن, هم الفقراء ,وهم المستضعفون في الأرض,الذين يبحثون عن طريق خلاص من ربقة الجوع والحرمان الممض.لايجدون عضدا يرد عنهم عدوان الحاجة ,وبلاءات الزمان,سوى كلمات تقال,وحسرات تكال,وطباع قاسية من عباد منّ الله عليهم بالمال والعمران والمناصب الرفيعة,أو ممن كفاهم الحظ الحسن غائلة ذلك الحرمان الراتب على صدور هولاء الفقراء,يسيرون فلا يهتدون الى موضع الإكتفاء ,وقد سلبهم غيرهم ماكان قدّر لهم ,لكن قوة أهل السطوة والنفوذ تعتاد السلب منهم دون أن تعيد لهم شيئا مما إستلبت.
في وطني العراق ,يعيش الناس الكفاف,وإن كان أهل الغنى كثر,لكنهم كغثاء السيل لاخير فيهم سوى لأنفسهم وولذويهم وصحبتهم ومن ينتفعون منه,وفي ظل عجز الدولة ومؤسساتها المترهلة, لايجد هولاء الكثير من العون في قضاء الحاجات,وهي تفوق الحصر ,وربما كان منها القليل لكنه يغني عن الكثير,فلو توفرت الوظيفة لإنسان منهم لكان في حال آخر يسد به حاجات نفسه وأهله,ومنهم من حين يمرض لايجد علاجا ,وإذا وجده لايجد ثمنه,وإذا وجد ثمنه فمن طريق التوسل والسؤال,وهو المن بعينه والذل كما هو معلوم لكل ذي بصيرة,ومن أين تاتي بمن يقول للسائل حين يجيبه لسؤاله..أكتب حاجتك على التراب وإمض,فلا اريد أن أرى فيك ذل السائل ,وفيّ عز المعطي.
كم من مريض معلول يبحث عن مال لإجراء جراحة في جسده, وهي في الغالب تكلفه مالا يعجز عنه,وحين يلجأ لغيره لايجد جوابا يشفي روحه المعذبة ,وحين يجد فهو قليل لايسد الحاجة,بينما الرحمة صارت شعار الكذابين والدجالين ,وأهل الثروات والمصالح ,في حين تحولت المستشفيات العامة والخاصة الى محلات جزارة تقطّع الأوصال وتعجّل الآجال,ولاسبيل الى الشفاء الى مع العناء,وياله من عناء يخترق الروح ويدمي القلب فهو ذل راتب وعذاب ناصب.
ولقد جربت الحاجة ,فوجدتها عاهر لاترتضي بسوى الفضيحة ,حين تكشف عن عورتها,ولاترتدع ,وتبغي الفساد,وتهلك أشد العباد بأسا ,وأقواهم شكيمة, يمضي الوالد الى عالم الفناء بقتل أو وباء,أو علة دهماء,وتظل الزوجة حيرى, في عالم يحكمه الوحوش ,ومعها صغارها الذين تزداد متطلبات معيشتهم وتعليمهم وتغذيتهم وكسوتهم,يكون الأذى لايطاق والحمل أثقل من أن تنوء به ظهر,ولا من معين,وحين لايجد الرجل عملا فهو كالمرأة العاقر لاخير فيه لأهله,وقد يمضي في طريق ضلالة تهلكه, وتطيح بحياته الى هاوية الإذلال والهوان,وربما جرفته سيول الفاقة الى طريق غير سوي ,يبحث فيها عن بغيته فيرتكب المعاص ويقهر الناس ويسلب حقوق سواه ,ويكون مآله الى التهلكة.
يالها من صورة ,هي ذاتها التي إنتفض بسببها العرب في بلادهم وحطموا عروش حكامهم ,وربما خربوا غير آبهين بسلطة ولا بغد يندمون فيه على فعل,حين وجدوا الوطن مرتعا للفاسدين,وسجنا للمستضعفين ,فصار الدمار عمرانا بنظرهم ,والخراب بنيانا شامخا بحسبانهم,ومنهم من إستعان بعدوه للخلاص من سطوة أخيه وأبن جلدته الذي أهلكه ذلا وجبروتا وتهميشا وتقتيلا وسجنا.ولاحول ولاقوة إلا بالله ناصر المستضعفين,,أمثالي طبعا.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)