الخميس، 24 مارس 2011
الإناء ينضح بما فيه"-فلاح أمين الرهيمي
"الإناء ينضح بما فيه"
إن الأحداث التي تفرز المواقف الحدية والصعبة هي التي تكشف مواقف الإنسان من خلال سلوكه وتصرفاته، والأحداث في ليبيا كشفت لنا حقيقية ذلك الرجل الذي يجثم بكابوسه واستبداده ودكتاتورية على صدر ليبيا وطناً وشعباً منذ أكثر من أربعة عقود من الزمن وجعل من ذلك الوطن ضيعة له ولعائلته وعشيرته، وبالرغم من أن الشعوب العربية عرفت هذا الرجل من خلال سلوكه وتصرفاته في مؤتمرات القمة العربية، إلا أن الأحداث الأخيرة كشفت أكثر فأكثر حقيقة هذا الرجل المتصابي وتناقضاته وازدواجيته بعد أن استفزته وأصابت مصالحه بالصميم فانكشف وبان معدنه الرديء، وهنالك وقائع وحقائق بانت وظهرت أولها الغرور التي تجعل لدى هذا الرجل النعم والنقم والمناقب والمثالب توائم تتشابه في السمات وتتباين في الصفات، فكان يردد بكل صلافه أنه قائد ثورة وليس رئيس حتى يتنحى، فهل هذا يعني تحرير شعبه من حكم رجعي يعني استعباد شعبه وجعل الوطن ضيعة مدى الحياة له ولعائلته وعشيرته ؟ وحينما مس الشعب الليبي القهر والجوع والاستبداد في أسلوب الحكم وكأنه يعيش في القرون الوسطى تحرك الشعب نحو التغيير فثار الأحمق واضطربت أعصابه فجعل النعمة نقمة والسعادة أخت البلادة والإرادة أخت التحدي والعناد، فجعل الاحتيال أخو الذكاء والمجد أخو الجبروت والحلم أخو الجبن والفصاحة أخت الثرثرة وصار يمسخ كل فضيلة رذيلة وجعل من نفسه أنقى وأنبل وأشرف إنسان يحكم العالم بمثالبه وجعل من الشعب الليبي المناضل أشقى الناس فوجه عليهم صواريخ طائراته وقنابل مدافعه ودباباته ورصاص رشاشاته وإنهم يجب قتلهم وإبادتهم وسحقهم لأنهم تمردوا ضده وخرجوا عن إرادته.
إن هذا الغرور يتصرف باللاوعي ويعتبر فرويد هو الذي اكتشف مفهوم اللاواعي فيصفه بالمنطقة المظلمة في النفس الإنسانية، تتراكم فيها الرغبات الخفية والغرائز المقموعة وتشكل خزيناً لا ينضب يتسرب بأشكال شتى إلى السلوك والكلام والخيال ويمتاز اللاوعي بسمتين هما التبعية للماضي وخفوت الحس التاريخي، ويبقى اللاوعي ينازع مبدأ الواقع (إلا إنا. الوعي. العقل. النظام الاجتماعي) فيخترقه أحياناً وينكسر أمامه أحياناً أخرى وهذا يعني أن جميع ما يحدث داخل النفس من مجريات لا يشعر بها الفكر ولا تدخل في مجال العقل والوعي والتأمل، ومن خلال ذلك فإن هذا الرجل يؤمن بالحقيقة المطلقة وبذلك يعتبر الحقيقة حقيقته والواقع واقعه من خلال كل ما يقوله ويفعله حسب قاعدة ميكيافلي (من ليس معي فهو ضدي) وفي هذه الحالة فإن الإنسان الآخر إما أن يكون مع الحقيقة أو ضدها فإذا كان ضد الحقيقة التي يؤمن بها القذافي فيعني ذلك أنه خصم له ويجب فناءه والقضاء عليه أم إذا كان مع الحقيقة فهذا يعني أنه حليف له ويصبح من أصحاب المنزلة والمكانة المحترمة مما يعني عدم وجود إنسان يعارضه في سلوكه وتصرفاته الشاذة لأن الحقيقة المطلقة حقيقته باعتباره يمتلك الفكر المطلق، هذه هي لغة هذا الرجل المغرور والمعتوه في القرن الواحد والعشرين.
هنالك قصة ظريفة تكشف حقيقة هذا الرجل سمعتها من أحد الأصدقاء تدور أحداثها في مؤتمر القمة العربية الذي عقد في بغداد عام 1978 تقول (في أحد الليالي طلب القذافي من حارسه أن يحضر إلى الفندق أحد رجال الدين لكي يعقد قرانه مع أحد الفتيات التي تقوم بحراسته، وما كان من ذلك الحارس بعد الاتصال بمرؤوسيه بالذهاب إلى مقبرة الكرخ وإحضار أحد الشيوخ الذي يقوم بإجراء الطقوس على الأموات قبل دفنهم، فجاء ذلك الشيخ وقام بإجراء العقد بينهما وأصبحت تلك الفتاة زوجة للقذافي في تلك الليلة) وقد ذكر تلك الحادثة الكاتب المصري محمد حسين هيكل في كتاب يتحدث فيه عن ذلك المؤتمر.
والموضوع الثاني الذي أفرزته الأحداث من ازدواجية وتناقضات هذا الرجل، ما كنا نسمعه ونشاهده في مؤتمرات القمة العربية من سلوك وتصرفات تكشف عمق الروح القومية والوطنية كذباً وزوراً حينما كان يوجه اتهامه لبعض القادة العرب بأنهم عملاء للأجنبي ويخدمونه لكي يحميهم من شعوبهم، بينما نجد هذا الرجل الأحمق يستعين بالمرتزقة الأجانب في قمع ثورة الشعب الليبي وقتلهم وحماية حكمه الدكتاتوري المنهار من ثورة شعبه الجبارة. والموضوع الثالث الذي يظهر الأكاذيب والانهيار النفسي ما كان يردده في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة بأن الثورة الحالية فجرتها وتقودها منظمة القاعدة الإرهابية بينما تكشف تصريحاته الأخيرة بأنه سيتحالف مع منظمة القاعدة الإرهابية ضد الغرب إذا ساعدوا رجال الثورة، إذن .. كيف يتحالف مع عناصر تحمل السلاح وتقود الثورة ضده ؟ وإذا تحالف مع عناصر تقود الثورة فهذا يعني أن الثورة تتوقف وتنتهي. وهذا يعني أيضاً ليس منظمة القاعدة الإرهابية لها دور في ثورة الشعب الليبي وإن هذه الأقوال الجوفاء ما هي إلا أكاذيب الغرض منها تشويه الثورة ورجالها الشجعان.
إن هذا يبين ويكشف بجلاء أن هذا الرجل يعاني من أزمة نفسية جعلته يفقد أعصابه وأصبح يناقض نفسه من حيث المصداقية كما يقول المثل (إن اللسان يكشف ما يخفيه القلب والعقل) بسبب ثورة الشعب الواسعة وانحياز أكثرية الجيش وقادته إلى جانب الثورة، وهذا التفسير يدلل بشكل أكبر وواضح عن سبب استعانة هذا الرجل بالمرتزقة وليس بأبناء الشعب والجيش الذي يقول عنهم بأنهم يحبونه ويحترمونه. ويكشف أيضاً معاناة الشعب الليبي من ظلم واضطهاد وحرمان وإرهاب من هذا الطاغية الذي جثم بكابوسه على صدر الشعب الليبي أربعة عقود من الزمن.
فلاح أمين الرهيمي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق